فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ
09-08-2018, 01:36 PM
فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ
محمد بن سعيد
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
سَعَةُ الشَّرِيعَةِالْإِسْلَامِيَّةِ وَكَمَالُهَا
فَإِنَّ مِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ: أَنْ تُوصَفَ الْحَسَنَاتُ بِأَنَّهَا سَيِّئَاتٌ، وَمِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ: أَنْ يُوصَفَ الْحُسْنُ وَالْمَلَاحَةُ بِالْقُبْحِ وَالدَّمَامَةِ!!؟.
وَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ -لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ- دِينٌ كَامِلٌ، لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ بِحَالٍ أَبَدًا، أَكْمَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَأَتَمَّهُ، وَأَتَمَّ بِهِ النِّعْمَةَ عَلَى عِبَادِهِ، وَجَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صَالِحًا مُنَاسِبًا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَضَبَطَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ نِسَبَ الْأَشْيَاءِ، فَلَا تَجِدُ فِيهِ خَلَلًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ أَكْمَلُ الْأَدْيَانِ وَأَفْضَلُهَا, وَأَعْلَاهَا وَأَجَلُّهَا.
وَقَدْ حَوَى مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالْكَمَالِ، وَالصَّلَاحِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ: مَا يَشْهَدُ للهِ تَعَالَى بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ، وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَيَشْهَدُ لِنَبِيِّهِ ﷺ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4].
فَهَذَا الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ أَعْظَمُ بُرْهَانٍ، وَأَجَلُّ شَاهِدٍ للهِ تَعَالَى بِالتَّفَرُّدِ بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ كُلِّهِ، وَلِنَبِيِّهِ ﷺ بِالرِّسَالَةِ وَالصِّدْقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَاسِنَ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ عَامَّةً فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ وَدَلَائِلِهِ، وَفِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَفِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الْكَوْنِ وَالِاجْتِمَاعِ.
دِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
فَهَذِهِ الْأُصُولُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِهَا هِيَ: الْأُصُولُ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَهِيَ مُحْتَوِيَةٌ عَلَى أَجَلِّ الْمَعَارِفِ وَالِاعْتِقَادَاتِ؛ مِنَ الْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَعَلَى بَذْلِ الْجُهْدِ فِي سُلُوكِ مَرْضَاتِهِ.
فَدِينٌ أَصْلُهُ: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَثَمَرَتُهُ: السَّعْيُ فِي كُلِّ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَإِخْلَاصُ ذَلِكَ للهِ، هَلْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دِينٌ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَأَجَلَّ، وَأَفْضَلَ!!؟.
وَدِينٌ أَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا أُوتِيهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالتَّصْدِيقِ بِرِسَالَاتِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رُسُلُ اللهِ الصَّادِقُونَ، وَأُمَنَاؤُهُ الْمُخْلِصُونَ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ -أَيْ إِلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَمَرَ بِهَذَا كُلِّهِ- أَيُّ اعْتِرَاضٍ وَقَدْحٍ.
فَهُوَ يَأْمُرُ بِكُلِّ حَقٍّ، وَيَعْتَرِفُ بِكُلِّ صِدْقٍ، وَيُقَرِّرُ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ الْمُسْتَنِدَةَ إِلَى وَحْيِ اللهِ لِرُسُلِهِ، وَيَجْرِي مَعَ الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ الْفِطْرِيَّةِ النَّافِعَةِ.
وَلَا يَرُدُّ حَقًّا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا يُصَدِّقُ بِكَذِبٍ، وَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ، فَهُوَ مُهَيْمِنٌ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، يَأْمُرُ بِمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ; وَيَحُثُّ عَلَى الْعَدْلِ وَالْفَضْلِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْخَيْرِ، وَيَزْجُرُ عَنِ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ.
مَا مِنْ خَصْلَةِ كَمَالٍ قَرَّرَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ إِلَّا وَقَرَّرَهَا وَأَثْبَتَهَا، وَمَا مِنْ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهَا الشَّرَائِعُ إِلَّا حَثَّ عَلَيْهَا، وَلَا مَفْسَدَةٍ إِلَّا نَهَى عَنْهَا، وَأَمَرَ بِمُجَانَبَتِهَا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ عَقَائِدَ هَذَا الدِّينِ هِيَ الَّتِي تَزْكُو بِهَا الْقُلُوبُ، وَتَصْلُحُ الْأَرْوَاحُ، وَتَتَأَصَّلُ بِهَا مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنُ الْأَعْمَالِ.
بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِالْعَظِيمِ
إِنَّ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: الْحَثَّ عَلَى الْمَشُورَةِ، وَالْأَخْذِ بِهَا، مَتَى كَانَتْ صَائِبَةً، مُتَّفِقَةً مَعَ الْعَقْلِ وَالْمَنْطِقِ وَالتَّجْرِبَةِ، قَالَ تَعَالَى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ: أَكْثَرُهُمْ صَلَاحًا وَتَقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: الْحَثُّ عَلَى الْعِتْقِ وَتَحْرِيرِ الْأَرِقَّاءِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَمْلُوكِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ وَالضَّيْفِ، وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى تَبَادُلِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالتَّصَافِي وَالتَّعَاوُنِ، قَالَ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: أَنَّهُ يَذُمُّ النِّزَاعَ وَالْكَرَاهِيَةَ وَالتَّفْرِقَةَ، قَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنِ النَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ، وَالْحَسَدِ وَالتَّجَسُّسِ، وَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ.
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنِ الظُّلْمِ، وَالْأَمْرُ بِالْعَدْلِ مَعَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} [المائدة: 8].
قال-جَلَّ وَعَلَا-:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: الْحَثُّ عَلَى الْعَفُوِ عَنِ الْمُعْتَدِي، قَالَ تَعَالَى:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور: 22].
وَقَالَ:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: 96].
وَقَالَ:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: الدَّعْوَةُ إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].
وَقَالَ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128].
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنِ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّحَاسُدِ، قَالَ ﷺ: «لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا».
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِهْزَاءِ بِالنَّاسِ، وَذِكْرِ عُيُوبِهِمْ، قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] الْآيَةَ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْإِنْسَانِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَالْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ يُرَدَّ؛ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالتَّقَاطُعِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: مَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْمُسْلِمِ، عَرَفَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: الْأَمْرُ بِرَدِّ التَّحِيَّةِ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدِّهَا، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] الْآيَةَ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ فِيمَا نَسْمَعُهُ، قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وَقَالَ:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] الآية.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: النَّهْيُ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَفِي ذَلِكَ الْعِنَايَةُ بِالنَّاحِيَةِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْوِقَايَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْأَمْرَاضِ -بِإِذْنِ اللهِ-.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنْ إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
وَقَالَ ﷺ: «مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، وَالْبَصَلَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، وَالشُّرْبِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ مَا يُسْتَقْذَرُ، وَلِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ جَنَازَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَجَبْرِ خَوَاطِرِ أَهْلِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارُ الْمُقْسِم؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّآلُفِ وَالتَّآخِي، وَالدُّعَاءِ لِأَخِيكِ بِالرَّحْمَةِ، وَلِمَا فِي إِبْرَارِ الْقَسَمِ مِنْ جَبْرِ خَاطِرِهِ، وَإِجَابَةِ طَلَبِهِ؛ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: إِجَابَةُ دَعْوَةِ الْمُسْلِمِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِعُرْسٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ، أَوْ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، كَمَا تَرَاهُ الْيَوْمَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مِنَ الْمَلَاهِي وَالْمُنْكَرَاتِ؛ لِأَنَّ فِي حُضُورِهِ -وَالْحَالَةِ هَذِهِ- تَشْجِيعٌ لِلْفَسَقَةِ وَأَهْلِ الْمُجُونِ، وَإِعَانَةٌ عَلَى نَشْرِ الْمَعَاصِي، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ فِيهَا.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ: أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَرْوِيعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؛ إِمَّا بِإِخْبَارِهِ بِخَبَرٍ يُفْزِعُهُ، أَوْ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِسِلَاحٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَشَبُّهِ الرِّجِالِ بِالنِّسَاءِ، وَبِالْعَكْسِ؛ بِأَنْ تَتَشَبَّهَ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، الَّتِي مِنْهَا: التَّخَنُّثُ فِيمَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِنَّ؛ فِي مَلَابِسِهِنَّ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَكَلَامِهِنَّ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمُنْحَلِّينَ وَالْمَغْرُورِينَ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ: اتِّقَاءُ مَوَاضِعِ التُّهَمِ وَالرِّيَبِ؛ كَيْ يَصُونَ أَلْسِنَةَ النَّاسِ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ.
وَوَرَدَ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ جَاءَتْ تَزُورُهُ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَقَامَ مَعَهَا مُوَدِّعًا، حَتَّى بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ؛ فَرَآهُ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَّيٍّ».
فَقَالَا:" سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ"، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا -أَوْ: قَالَ: شَرًّا-».
فَهَذَا أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأَزْكَاهُمْ، أَبْعَدَ التُّهْمَةَ وَالشَّكَّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:" مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ مَقَامَ التُّهَمِ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ".
فَالْإِسْلَامُ مِنْ مَحَاسِنِهِ: الِابْتِعَادُ عَنْ مَوَاضِعِ التُّهَمِ وَالشُّبُهَاتِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى مَنْ تَدْخُلُ عَلَى الْخَيَّاطِ، يُفَصِّلُ عَلَى بَدَنِهَا وَحْدَهَا، خَالِيًا بِهَا، أَوْ رَأَى مَنْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُصَوِّرِ وَحْدَهَا.
أَوْ رَأَى مَنْ تَرْكَبُ مَعَ مَنْ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا، أَوْ سَافَرَتْ مُسْلِمَةٌ إِلَى بِلَادِ الْكُفْرِ بِدُونِ مَحْرَمٍ، أَوْ دَخَلَتْ عَلَى الطَّبِيبِ وَحْدَهَا بِاسْمِ الْكَشْفِ الطِّبِّيِّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا حَدَثَ فِي زَمَنِنَا الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَقَلَّ فِيهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَرَدْعُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ الَّذِينَ قَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَسَانَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَكْسُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ؛ مِنَ التَّفَكُّكِ وَالتَّخَاذُلِ وَالْمُصَانَعَاتِ، فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
يتبع إن شاء الله.