جريمة وفاء بقلمي
06-03-2017, 06:12 PM
في صباح شتوي بارد هبت ريح قوية بعثرت ما في ذلك الكشك الصغير لتتطاير أوراق الصحف وترتمي على الرصيف ,خفف من مشيته الوقورة ليساعد صاحب المحل , حمل ما امكنه ووضعهم بشكل غير مرتب على الرف , شد انتباهه العنوان بالخط العريض : جريمة في الحي الكبير .
مرر يده على رأسه وتنهد : لا شيء يخفى في هذه المدينة , والصحافة صارت كجدتي الخرفة تنسى كل شيء عدا القيل والقال .
وعلى بعد شارع واحد كان محل عمله , دخله مسرعا واتجه نحو الهاتف الذي تجاهل الجميع رنينه المتواصل : نعم ...معك المحقق نفسه...ممتاز... في طريقي الى هناك .
مرر الهاتف لشرطي وقف منتصبا بجانبه : خذ منه التفاصيل .
فرك يديه وراح يصفر في طريقه للخارج بينما تهامس بقية الموجودين : لم يقول ممتاز ؟...انها جريمة ...لم يصفر ؟...انها مأساة .
وصل المحقق لمسرح الجريمة , كانت الجثة لولد شاحب في العاشرة من عمره مستلقيا على أرضية المطبخ وقطعة زجاج بارزة من عنقه وقد استنزفت دمائه , وكعادة المحققين راح يعبث ويقلب كل دليل , ينحني تارة ويقف على اصابع قدمه تارة اخرى .
ربما هذا المشهد مألوف عند الأغلبية تلك الاضاءة الخافتة في الغرفة الضيقة والطاولة الحديدية تقابلها مرآة خادعة , نعم انها غرفة الاستجواب , ذلك المكان الرطب الذي تجلس به الآن السيدة م.سناء وهي تضم يديها واضعة اياهما على الطاولة , تنتظر أخذ القلم لتوقيع اعترافها بقتل البراءة التي أحبت طوال عشر سنين , كانت تكرر الاحداث لأكثر من ساعة : قتلته , كنت غاضبة ...أكوي الملابس في الغرفة وأجهز الفطور وكان شجارهما متواصلا وصراخهما مزعجا , أخبرته ألا يتركني وحدي معهما فهما لا يتوقفان عن الحركة , كل ما أهمه يوما هو عمله ...وأنا غضبت لأنهما قلبا المطبخ راسا على عقب , فرميته بالصحن ثم ...ثم ...
كان هذا كل ما تعرفه عما حدث , لم يقاطعها المحقق , اكتفى بعد توقيعها بالخروج وهو يصفر لحنا غريبا , وبالرواق كان زوجها ينتظر وغضبه منها أكبر من حزنه وما ان رآها حتى قفز ناحيتها : لم فعلت ذلك ؟ عاهدتني الاخلاص , أهذا الوفاء لما بيننا ؟أن تقتلي ...
قاطعته كقطة شرسة تنوي خربشة وجهه لولا وجود الشرطة بينهما: لا تحدثني عن الوفاء, هذا ذنبك , لم تكن وفيا يوما لهذه العلاقة , وفاءك لعملك , وفائي لأولادي أكبر من أن تفقهه أنت .
تم ابعادهما , بينما أخذ المحقق طريقه يفكر : ما الوفاء يا ترى ؟
وعلى كرسي انتظار شبه مكسور جلس ولد في الخامسة يراقب حركة قدميه وانعكاسهما على الارضية الملساء الى ان رأى ظلا لرجلين كانا في الحقيقة المحقق ومساعده الشرطي , رفع رأسه ببطء: هل أمي غاضبة مني ؟
لم يكن باستطاعة المحقق الانحناء الى الصغير بسبب الدهون الزائدة في جسمه وفطوره الصباحي الثقيل فاكتفى بالجلوس جانبه غير خائف من أن ينكسر الكرسي , بينما انحنى الشرطي : لا تقلق , كل شيء على ما يرام .
اغرورقت عيناه بالدموع : أخبروها أني آسف , وأني اعترف بذنبي وجاهز للعقوبة , أريد أن نعود للمنزل ولن أكرر فعلتي .
هز المحقق رأسه وبدأ يصفر تاركا المكان متجها لمكتبه وتبعه الشرطي وبيده ملف القضية , تردد قبل أن يسأل : ماذا يحدث بالضبط في هذه القضية ؟
أجابه وهو ينظر عبر النافذة الى لوحة الاعلانات المعلقة بالبناية المقابلة : الوفاء يا صديقي , الوفاء.
لم يكن الجواب مفهوما لدي الشرطي : ما علاقة الوفاء بالجريمة ؟ أم مهملة وأب مشغول وولدان مشاغبان .
وكأن المحقق لم يطق صبرا , لا تكاد تمر دقيقة دون أن يصفر , لكن هذه المرة كانت صافرة طويلة : الوفاء يا صديقي , أما الأب فوفاءه لعائلته يجعله يعمل بدوام كلي صباحا وعمل ثانوي مساء , فالوفاء ثبات والتزام اتجاه العائلة , والأم تفعل ما بوسعها لتنظيم أمور البيت قبل التوجه لمنزل حمويها للقيام باعمالهم المنزلية , الوفاء هنا إخلاص .
تنهد الشرطي : وظنها أن ولدها قتل أخاه جعلها تنسى كل شيء لتضحي بنفسها , فهل التضحية وفاء ؟
تململ المحقق : تماما كما تعمل كشرطي وانت تعلم مخاطر الأمر ومع ذلك تأتي كل يوم ...
قاطعه الشرطي مكملا كلامه : وفائي لعملي يجعلني أضحي , فهمت , والولد ؟
المحقق : تلك قصة أخرى .
بعد أيام جلس الصغير عند قبر أخيه يربت على التراب وهو يهمس : لا تقلق , لم أخبر أمي أنك وضعت صحن الفطور على النار ليسخن , وكما وعدتك أطفأت الموقد ولن أخبرها أن الصحن انفجر , سأظل وفيا لسرنا دائما , أخبرتها أني ضربتك بالصحن وأمي لن تغضب منك , والآن كن وفيا وعد فأنا أنتظرك , دائما تتركني عند باب الروضة لكنك تعود لأجلي دائما , عد فأنا أنتظرك.
بقلمي
ب_ف_ز
مرر يده على رأسه وتنهد : لا شيء يخفى في هذه المدينة , والصحافة صارت كجدتي الخرفة تنسى كل شيء عدا القيل والقال .
وعلى بعد شارع واحد كان محل عمله , دخله مسرعا واتجه نحو الهاتف الذي تجاهل الجميع رنينه المتواصل : نعم ...معك المحقق نفسه...ممتاز... في طريقي الى هناك .
مرر الهاتف لشرطي وقف منتصبا بجانبه : خذ منه التفاصيل .
فرك يديه وراح يصفر في طريقه للخارج بينما تهامس بقية الموجودين : لم يقول ممتاز ؟...انها جريمة ...لم يصفر ؟...انها مأساة .
وصل المحقق لمسرح الجريمة , كانت الجثة لولد شاحب في العاشرة من عمره مستلقيا على أرضية المطبخ وقطعة زجاج بارزة من عنقه وقد استنزفت دمائه , وكعادة المحققين راح يعبث ويقلب كل دليل , ينحني تارة ويقف على اصابع قدمه تارة اخرى .
ربما هذا المشهد مألوف عند الأغلبية تلك الاضاءة الخافتة في الغرفة الضيقة والطاولة الحديدية تقابلها مرآة خادعة , نعم انها غرفة الاستجواب , ذلك المكان الرطب الذي تجلس به الآن السيدة م.سناء وهي تضم يديها واضعة اياهما على الطاولة , تنتظر أخذ القلم لتوقيع اعترافها بقتل البراءة التي أحبت طوال عشر سنين , كانت تكرر الاحداث لأكثر من ساعة : قتلته , كنت غاضبة ...أكوي الملابس في الغرفة وأجهز الفطور وكان شجارهما متواصلا وصراخهما مزعجا , أخبرته ألا يتركني وحدي معهما فهما لا يتوقفان عن الحركة , كل ما أهمه يوما هو عمله ...وأنا غضبت لأنهما قلبا المطبخ راسا على عقب , فرميته بالصحن ثم ...ثم ...
كان هذا كل ما تعرفه عما حدث , لم يقاطعها المحقق , اكتفى بعد توقيعها بالخروج وهو يصفر لحنا غريبا , وبالرواق كان زوجها ينتظر وغضبه منها أكبر من حزنه وما ان رآها حتى قفز ناحيتها : لم فعلت ذلك ؟ عاهدتني الاخلاص , أهذا الوفاء لما بيننا ؟أن تقتلي ...
قاطعته كقطة شرسة تنوي خربشة وجهه لولا وجود الشرطة بينهما: لا تحدثني عن الوفاء, هذا ذنبك , لم تكن وفيا يوما لهذه العلاقة , وفاءك لعملك , وفائي لأولادي أكبر من أن تفقهه أنت .
تم ابعادهما , بينما أخذ المحقق طريقه يفكر : ما الوفاء يا ترى ؟
وعلى كرسي انتظار شبه مكسور جلس ولد في الخامسة يراقب حركة قدميه وانعكاسهما على الارضية الملساء الى ان رأى ظلا لرجلين كانا في الحقيقة المحقق ومساعده الشرطي , رفع رأسه ببطء: هل أمي غاضبة مني ؟
لم يكن باستطاعة المحقق الانحناء الى الصغير بسبب الدهون الزائدة في جسمه وفطوره الصباحي الثقيل فاكتفى بالجلوس جانبه غير خائف من أن ينكسر الكرسي , بينما انحنى الشرطي : لا تقلق , كل شيء على ما يرام .
اغرورقت عيناه بالدموع : أخبروها أني آسف , وأني اعترف بذنبي وجاهز للعقوبة , أريد أن نعود للمنزل ولن أكرر فعلتي .
هز المحقق رأسه وبدأ يصفر تاركا المكان متجها لمكتبه وتبعه الشرطي وبيده ملف القضية , تردد قبل أن يسأل : ماذا يحدث بالضبط في هذه القضية ؟
أجابه وهو ينظر عبر النافذة الى لوحة الاعلانات المعلقة بالبناية المقابلة : الوفاء يا صديقي , الوفاء.
لم يكن الجواب مفهوما لدي الشرطي : ما علاقة الوفاء بالجريمة ؟ أم مهملة وأب مشغول وولدان مشاغبان .
وكأن المحقق لم يطق صبرا , لا تكاد تمر دقيقة دون أن يصفر , لكن هذه المرة كانت صافرة طويلة : الوفاء يا صديقي , أما الأب فوفاءه لعائلته يجعله يعمل بدوام كلي صباحا وعمل ثانوي مساء , فالوفاء ثبات والتزام اتجاه العائلة , والأم تفعل ما بوسعها لتنظيم أمور البيت قبل التوجه لمنزل حمويها للقيام باعمالهم المنزلية , الوفاء هنا إخلاص .
تنهد الشرطي : وظنها أن ولدها قتل أخاه جعلها تنسى كل شيء لتضحي بنفسها , فهل التضحية وفاء ؟
تململ المحقق : تماما كما تعمل كشرطي وانت تعلم مخاطر الأمر ومع ذلك تأتي كل يوم ...
قاطعه الشرطي مكملا كلامه : وفائي لعملي يجعلني أضحي , فهمت , والولد ؟
المحقق : تلك قصة أخرى .
بعد أيام جلس الصغير عند قبر أخيه يربت على التراب وهو يهمس : لا تقلق , لم أخبر أمي أنك وضعت صحن الفطور على النار ليسخن , وكما وعدتك أطفأت الموقد ولن أخبرها أن الصحن انفجر , سأظل وفيا لسرنا دائما , أخبرتها أني ضربتك بالصحن وأمي لن تغضب منك , والآن كن وفيا وعد فأنا أنتظرك , دائما تتركني عند باب الروضة لكنك تعود لأجلي دائما , عد فأنا أنتظرك.
بقلمي
ب_ف_ز