الفكر العلماني بين التقدم والرجعية!!؟
18-07-2016, 04:40 PM
الفكر العلماني بين التقدم والرجعية!!؟
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
لا يفتأ العلمانيُّون يرسِّخون في أذهان الناس أنَّ الفكر العلماني هو: الفكر المتقدم والمتنامي، المواكب للحضارة، والساعي للرُّقي والنماء والنهضة!!؟.
وليس من شكٍّ أنَّ الدعاوى ما لم تقم عليها الدلائل والحجج لتثبتها، تكون أقوالاً هلاميَّة كالسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً!!؟.
وفي هذا المقال: أزعم بأنَّ حقيقة الفكرة العلمانية لا تنفك عن التراث القديم بكلِّ قيمه ومبادئه وأشكاله، وأنَّ حقيقة الفكر العلماني وجذوره ترجع إلى ما كانت عليه أيديولوجيَّة القرون اليونانيَّة الإغريقيَّة الكلاسيكيَّة القديمة، إلاَّ أنَّ العلمانيَّة (تتمظهر) بالروح العصريَّة المتجددة، فيعطيها أتباعها هالة من النفخ والظهور التنويري!!؟.
وإذا تتبَّعنا كتب العلمانيين وأفكارهم، فلا نجد غالبها يختلف عمَّا كتبه الفلاسفة والمناطقة السابقون، ذلك أنَّهم حين يستدلون أو يستندون إلى أقوالهم ومبادئهم: نلحظ أقوال أولئك الأعلام اليونانيين القدماء وغيرهم ممَّن أتى بعدهم، في رؤوس الاستشهادات في الخطاب العلماني، وحتماً سنطالع هذه الأسماء في مدوَّنات العلمانيين:( أرسطو- فيثاغورس- دوركايم- هيراقليطس- أفلاطون- لاماراك- دارون- كانط- فولتير )، كما سنجد كذلك في كتاباتهم أسماء آباء الثورة الفرنسية: (جان جاك روسو- دومونتسكيو- فولتير) ممَّن يحاولون الاستشهاد بأقوالهم، ولهذا فإنَّ المطالع لكثير من الكتابات العلمانيَّة الحاملة شعار التجديد والنهضة والتقدم الفكري، سوف يفاجأ حين يجد أولئك المجدِّدين العلمانيين ينحصر كلامهم في شرح ما قاله أولئك الفلاسفة اليونانيون، أو شرح أدبيات المدرسة الأبيقورية؛ إذ العلمانيون مقلِّدون لتلك المدرسة، ولم يخرجوا عنها، وحقاً:﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾، ولهذا فإنَّا نسائلهم:
لقد قلتم في أدبياتكم: إنَّ أعيننا لم تُخلق في أقفيتنا للنظر إلى الوراء، بل خُلقت في وجوهنا للنظر إلى الأمام!!؟، فلماذا تعتزُّون كثيراً بتراث الإغريق واليونانيين!!؟، أليسوا قوماً متخلِّفين حضارياً وتكنولوجياً مقارنة بزمننا المعاصر!!؟،فلم الرجوع لأفكارهم، والأخذ منها ما دمتم تقدميِّين!!؟.
ثمَّ أليس هذا معناه: أنَّكم تحجبون أعين الناس عن النور، وتريدون إرجاعهم إلى الوراء!!؟.
إنَّنا نحاكمكم بالمنطق نفسه الذي تحاكمون به المسلمين، حين تدَّعون زوراً وبهتاناً بأنَّهم: متخلفون وظلاميون!!؟.
وبالتأكيد، فإنَّ بعض الغربيين اليوم مقتنع تماماً أنَّ العالم الغربي، وإن ادَّعى العلمانيَّة والتقدميَّة، فما زال يعيش في قرون الظلام وعصور التحجر، فهذا (هارولد فينك) يقول: " إنَّ العالم الغربي لم يهضم بعد الديانات العظيمة التي نشأت في الشرق الأوسط إنَّه- أي: العالم الغربي- لم يخرج بعد من العصور المظلمة!!؟".
وسأذكر في ثنايا السطور التالية شيئاً من التلاقح الفكري بين دعاوى العلمانيين الجاهليين:(التقدميين) اليوم!!؟، ودعاوى القرون السابقة الجاهلية:( الظلاميَّة)، فالفكر هو: الفكر، فقد التقت العلمانيَّة مع أفكار الجاهلية الرجعية في أشياء كثيرة، مثلاً:
1- حين نقرأ في كتاب ربِّنا- جلَّ وتعالى- نجد أنَّه كان يصف الصراع العقدي الدائر بين الأنبياء ومن خالفهم من قومهم أو من بُعثوا إليهم، ومن ذلك قصَّة الصراع بين نبي الله شعيب- عليه السلام- وقومه أهل مدين.
لقد آلَ بقومه، بعد استمرار نبي الله شعيب- عليه السلام- في الدعوة إلى الله، إلى أن:[ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ]، وكلَّما قرأتُ هذه الآية: ازددتُ عَجَباً، لأنَّ منطق الجاهلية القديمة هو: منطق الجاهليَّة الحديثة بجميع أبعادها، فقوم شعيب حين دعاهم نبيهم إلى الإسلام: رفضوا أن يكون للعبادة الوثيقة بالله صلة وتأثير على أرض الواقع، ودنيا الناس، فقالوا:﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾،. فهم لا يريدون للصلاة أن تحكم عاداتهم وطقوسهم الخاصة بهم، ولا يريدون كذلك أن يكون للإسلام تأثير في مجرى الحياة الاقتصادية والمعاملات المالية، ولهذا قالوا: ﴿ أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾، فهم لا يريدون أن يكون لصلواتهم وعباداتهم تأثير في مجرى السلوك الإنساني، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا أمر بيِّن، وهو: من الوضوح بمكان؛ فمنطق العلمانيين اليوم هو: منطق أسلافهم بالأمس، فلم تتغيَّر جاهلية اليوم عن جاهلية القرون المتقدمة!!؟.
2- يقول- تعالى-: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾، أمَّا العلمانيون، فنجد أفكارهم ترسِّخ الأفكار الجاهلية والرجعية القديمة، والتي تدعو للرذيلة وعدم الطهر، وإظهار النساء بمظهر العري والفحش، ولهذا فإنَّ الله- تعالى- يقول:﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾.
بل كانت الجاهليَّة القديمة: أعقل، حيث كانت المرأة البغي حين تريد الذهاب للحج، تضع يدها على فرجها، وتقول:
اليومَ يَبدو بعضُه أو كلُّه ÷ وما بَدا منهُ فلا أُحلُّهُ
وأمَّا هؤلاء العلمانيون، فإنَّ المرأة عندهم: كائن مستخف به، فتُعْرَض في دور البغاء، وفي المسلسلات العارية.
وهكذا العلمانيون، فإنَّهم لا يريدون للإنسانيَّة إلاَّ أن تنحرف عن مسار ربِّها، ودينها وشريعتها، وتتحرر من القيود الأخلاقية.
إنَّها:" حريَّة جون لوك!!؟"، تلك الحريَّة المنفرطة عن القيم والمبادئ.
ولو قارنَّا بين بيوت الدعارة في العصور الجاهليَّة القديمة وقت أن كانت تُرتاد ويُصرَّح لها، ويدخل فيها السُّقط من القوم، وكيف هي بيوت الدعارة والفجور في عصر القرن الغربي العلماني: لوجدنا تشابهاً كبيراً في الأفعال والتصرفات بين علمانيي اليوم والجاهلية القديمة، وكيف أنَّ الرذيلة والفساد: شيئان لا تنفك عنهما تلكم الجاهليتان، بل تسمح لهما، وتصرِّح لأوكارهما!!؟.
أليس هذا قمَّة التخلف والرجوع لقرون العصور الكهفيَّة التي لم تكن تعبأ بانتشار الرذيلة، بل تحارب من يحاربها، كما هو حال القوم العلمانيين في هذه الأزمان المتحضِّرة!!؟، وهذا رجوع إلى الوراء؛ لأن العري بأنواعه كان من مظاهر التخلف الإنساني في العصور القديمة، وحقاً: ما أشبه الليلة بالبارحة!!؟.
3- كثير من العلمانيين حين تقول لهم: قال الله، وقال رسوله- صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ يقولون- عياذاً بالله-: دعنا من الله!!؟، هذه الدنيا نشأت مصادفة، والطبيعة هي: التي أوجدتها، وليس لله دخْل فيها، وليس هناك إله مفارق للطبيعة، ويتصرف بها كيف يشاء، ولن يكون هناك بعث ولا نشور، وإنَّما هي:" أرحام تدفع، وأرض تبلع" على حدِّ قول الشاعر:" إيليا أبو ماضي" في قصيدة له عنونها ب: (الطلاسم!!؟):
جئتُ لا أعلمُ من أينَ؟، ولكنِّي أَتيتْ.
ولقد أَبصَرتُ قُدَّامي طَريقاً، فمَشَيت.
وسأَبقَى سائِراً إن شِئتُ هَذا أو أَبَيتْ.
كيفَ جِئتُ!؟، كيفَ أبصَرتُ طَريقي!؟.
لستُأَدري!؟.
إلى آخره من التخبط الذي يكشف حالة الضياع التي يعيشها الإنسان عندما لا يدرك الهدف من وجوده!!؟.
لقد كان هذا الفكر هو:" فكر الدهريين، والفكر اليوناني الرجعي القديم"، فهل يعقل هؤلاء أصول فكرهم التالد!!؟.
حقاً. إنَّه ترداد لقول الله- سبحانه وتعالى- حين قال على لسان كفَّار قريش: [وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ].
وأخيراً:
لقد ذكَّرني العلمانيون بمثل أحفظه من قديم، ينطبق على حالهم، إذ يرمون غيرهم بصفات هي: ألصق وأولى بهم:" رمتني بدائها وانسلت!!؟".
نعم!!؟، قد يدَّعي العلمانيون خلاف ذلك من ناحية الجذور التأصيليَّة لفكرتهم، ولا بأس أن نلقي بين حين وآخر حجراً في البركة العلمانيَّة الآسنة؛ علَّها تفرز حراكاً ينقذ البعض من رجعية كاسدة.
منقول بتصرف يسير.