السلفيون بين مطرقة الثورات وسندان الحكومات
03-05-2011, 11:23 AM





السلفيون بين مطرقة الثورات وسندان الحكومات




يعيش العالم الإسلامي في كثير من بلدانه حالة غليان شعبي، أحدثت خللاً اجتماعياً أدى إلى انفلات أمني في بعض دوله، وانتشر هذا الأمر بين الشعوب انتشار النار في الهشيم تقليداً تحت شعار: "جربناها ونفعت".

والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص68): "كم من الناس من لم يرد خيراً ولا شراً؛ حتى رأى غيره –لا سيما نظيره- يفعله، ففعله، فإن الناس كأسراب القطا؛ مجبولون على تشبه بعضهم ببعض".

ومن قبله خطيب أهل السنة ابن قتيبة –رحمه الله- في "تأويل مختلف الحديث" (ص 77 بتحقيقي): "...والناس أسراب طير يتبع بعضهم بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله خاتم الأنبياء، أو من يدعي الربوبية؛ لوجد على ذلك أتباعا وأشياعاً".

وفي وسط هذا الزحام الشديد من تجاري الأحداث وتتابع النتائج، برزت السلفية كمعادلة دقيقة، فكان السلفيون رقماً صعبا، بل صاروا (بيضة القبان) في الواقع المشهود.

ولذلك تناوشتهم الأطراف المتصارعة كل من وجهة نظره، ويريد أن يُفَصِّلَ دعوتهم على مقاسه، ويقزم منهجهم على قدر مصلحته، ويسوقهم حسب مزاجه، أو بمقدار انتفاعه بهم؛ فالذين أشعلوا نار هذه الثورات (السلمية أو المسلحة) يرون وجود صفقة بين السلفية والأنظمة المستبدة؛ بحيث صار السلفيون في قبضة الحكومات، لمهاجمة من يخرج على ظلمها ومواجهتهم:

فالفتاوى السلفية تدور في فلك الحكام؛ فتحلل ما يحلله الحكام، وتحرم ما حرمه الحكام، ذلك بأنهم يعدون الحكام أولياء أمور المسلمين، ويسقطون عليهم الآيات والأحاديث الواردة في أولياء الأمور والأئمة.

وأصحاب هذا التوصيف اختلفوا في موقفهم من السلفية والسلفيين؛ فمنهم: من جعل السلفية جزءاً من دوائر هذه الأنظمة، فحكم عليها بحكمه على الأنظمة وأنها خارجة عن الإسلام.

ومنهم: من يرى ضرورة مراجعة السلفية لمنهجها، والسلفيين لأدبياتهم وإلا ستدوسها الشعوب وترمي بها في غياهب التاريخ أو في مزبلته.

وأما الأنظمة والحكومات، فبعضها جعل السلفية والسلفيين (فزَّاعةً) ليخيف الشعوب، مما تزعمه من (الدويلات الدينية) أو (الإمارات السلفية)، ومن خلال ذلك يستدر عطف الغرب لمساعدته على الثورات في بلده، أو السكوت عما يفعله بأبناء شعبه.

وبعضها حاول استغلال ثوابت المنهج السلفي من عدم الخروج على أئمة الجور وفتاوى علماء الدعوة السلفية بعدم منازعة الأمر أهله، حتى نرى كفراً بواحاً عندنا عليه من الله برهاناً؛ ليقمع الثورات، ويخرس الألسنة.

وبعضها حاول إشغال السلفيين ببعض؛ فتتلاعب بالمهادن ضد من يتوقع منه المواجهة أو الميل نحو التغييرات التي يشهدها العالم الإسلامي.

والأغلبية الصامتة من المسلمين ترمق السلفيين من طرف خفي وتتسائل عن السلفية؟ وتطرح سؤالها الحائر: أنتم مع من؟ وضد من؟

نحن مع ولاة أمورنا ما أطاعوا الله في رعيتهم، وأقاموا العدل في شعوبهم، ولسنا معهم في أدنى معصية وإن صغرت؛ لكن لا ننزع يداً من طاعة، ولا نثير على الناس شراً؛ حتى يستريح برٌ أو يستراح من فاجر .

نحن مع الإصلاح الذي يصلح دين المسلمين ودنياهم؛ لأنه لا صلاح لدنياهم إلا بصلاح دينهم، ولسنا مع إصلاح عاقبته فساد عريض، وشر مستطير.

نحن مع الحريات المنضبطة التي تحقق مصالح البلاد والعباد، وضد الفوضى التي تهلك الحرث والنسل، وتضيق على الناس سبل عيشهم، على الرغم أنها ضيقة وشاقة، فإن الشعوب المسلمة في ضنك وقلق.

نحن مع النصح الأمين والنقد الهادف المبين، لإعطاء كل ذي حق حقه، وتوزيع ثروات بلاد المسلمين على كافة المسلمين بعدالة اجتماعية اسلامية، وعدم الاستئثار بها، أو هدرها، أو تسليمها لأعداء الأمة الإسلامية لاستنزافها، ومن ثم محاربة المسلمين بها.

نحن ضد القهر، والاستبداد، والاستعباد، والفساد، والكبت، والتسلط، وتكميم الأفواه.

نحن ضد الظالمين مهما بغوا، والمفسدين مهما علوا، والمروجي الباطل مهما تدثروا بدعوى التوفيق والإحسان، ودعاة الشهوات والشبهات.

وخيارنا الاستراتيجي؛ هو تقرير توحيد الله عز وجل، وتحقيق توحيد الأمة أولاً؛ لقوله تعالى: ﴿وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾]الأنبياء: 92[

وثانياً: ترسيخ الأمن في البلاد، ونشر الأمان بين العباد؛ لأن الشعوب لن تهنأ بإصلاح، أو تفرح بنصر عزيز، أو تحقق تطوراً مادياً وعلمياً إلا بهذين الأمرين مجتمعين؛ فإذا فقد أحدهما، فلا خير في حياة بعدها، وبطن الأرض عندئذ خير من ظهرها، فكيف إذا رفعا جميعاً؛ فحينئذ لا يحل إيلاف، ولن يتحقق ائتلاف: ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ






كتبه فضيلة الشيخ الدكتور سليم بن عيد الهلالي



المشرف العام: مركز السلف الصالح للدراسات الإستراتيجية ومجلة الصحيفة الصادقة


عمان في (17 \ جمادى الأولى \ 1432هـ)