بين الجد و المزاح
01-02-2010, 09:29 PM
الجد والمزاح
الجاد و غير الجاد ، أولا من هو الجاد ، كلنا نتصور أن الجاد هو ذلك الشخص الذي لا يضحك ، وجهه عبوس لا يبتسم ، لا يتكلم كثيرا ، إن كان أستاذا فلن يتكلم مع طلبته ، إن كان مديرا فلن يكلم موظفيه و يعطي لنفسه هالة التي هي :" لا يتكلم ، لا يضحك ، لايمزح " بل هو جدي مثل التراميناتور ، و إن كان أبا فلا يتكلم مع أبناءه كثيرا و تراه كثير الملاحظات لأبنائه ، ويظن الجادون أن هذه هي الصورة التي يجب أن يكونوا عليها ، وإلا فلن يقال عليهم جادين .
هذه هي الصورة العامة لنا للجادين أو التي نتصورها لصفة الجد.
هل هذا جد أم خطأ في تصور الجد ؟
قبل أن نسترسل في الكلام، لو سألت شخصا من هم أئمة الجادين لديك في التاريخ الإسلامي، سيقول النبي العربي الكريم عليه الصلاة والسلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ولقد يسألني سائل ما دخل ماذكرته و جد الرسول الكريم و صحبه ، أقول له هناك دخل و دخل ثم دخل .
لنتكلم مثلا عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومزاحهم، نعم مزاح الصحابة، لن أطيل عليكم سأعطيكم نموذجا من مزاح الصحابة أئمة الجد ثم نناقش الجد و حدوده .
يروى أن أبابكر خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة وكلاهما بدري ، وكانسويبط على الزاد ، فجاء نعيمان فقال أطعمني فقال لا حتى يأتي أبو بكر وكاننعيمان رجلا مضحاكا مزاحا فقال لأغيظنك. فذهب إلى أناس جلبوا ظهرا ، فقالابتاعوا مني غلاما عربيا فارها وهو ذو لسان ، ولعله يقول أنا حر ،فإن كنتمتاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوا علي غلامي . فقالوا بل نبتاعه بعشر قلائص .فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها ،قم قال للقوم دونكم هو هذا ،فجاء القوم ، فقالوا : اشتريناك ، قال سويبط : هو كذاب !أنا رجل حر ! فقالوا : قد أخبرنا خبرك . وطرحوا الحبل في رقبته فذهبوا به .فجاء أبو بكرفأخبر فذهب هو وأصحابه له فردوا القلائص وأخذوه فضحك منها النبي صلى اللهعليه وسلم وأصحابه حولا.
وأخرج الزبيرعن عمه مصعب بن عبد الله عن جده عبد الله ابن مصعب قال : كان مخرمة بننوفل بن أهيب الزهري شيخا كبيرا بالمدينة أعمى ،وكان قد بلغ مائة وخمسةعشرة سنة .فقام يوما في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس ، فأتاهالنعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد النجاري رضي الله عنه فتنحىبه ناحية من المسجد ثم قال : اجلس هاهنا فأجلسه يبول وتركه ، فبال وصاح بهالناس .
فلما فرغ قال :من جاء بي _ويحكم _في هذا الموضع ؟قالوا له :النعيمان بن عمرو،قال : فعل الله به وفعل !
أما إنه للهعلي إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت !فمكث ما شاءالله حتى نسي ذلاك مخرمة ، ثم أتاه يوما وعثمان _رضي الله عنه_قائم يصليفي ناحية المسجد _وكان عثمان إذا صلى لا يلتفت _فقال له :هل لك في نعيمان؟ قال :نعم ، قال :أين هو ؟دلني عليه ، فأتى به حتى أوقفه على عثمان فقال :دونك هذا هو،فجمع مخرمة يديه بعصاه فضرب عثمان فشجه ،فقيل له : إنما ضربتأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فسمعت بذلك بنو زهرة فاجتمعوا في ذلكفقال عثمان رضي الله عنه :"دعوا نعيمان فقد شهد بدرا ".
أرأيتم مزاح الصحابة وبالأخص الصحابي الجليل سيدي النعيمان بن عمرو وما فعله بالسويبط رضي الله عنهما حتى أنه لماّ بلغ الخبر النبي صلى الله عليه و سلم _ فداه أمي و أبي و ما أملك و ما لا أملك_ ، ماذا قال : لا ، يجب أن تكون جادا ، هذه من خوارم المروءات ، هذا سفه ، هذا عيب ، هذا نقص في شخصك .
بل ضحك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام _و سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام قول وفعل و تقرير _ سنة كاملة لخبر ما فعله النعيمان بالسويبط ، لخبر اخبروه ، فما بلاكم لو حظرها عليه الصلاة و السلام فكان عليه الصلاة و السلام يضحك من النعيمان و السويبط كلما رآهما رضي الله عنهما ، وضحك النبي هو دليل على أنه لم يكرّه المزاح و أي مزاح _ مزاح طيّر به النعيمان عقل السويبط _ وهل تدرون من هما:
هنا تتجلي عظمة النبي صلي الله عليه وسلم،فلم ينكر علي هذا الصحابي الذي عقر الناقة ما فعله لأنه يحب المزاح، فالرسول يعلمأن النفس البشرية تتفاوت من إنسان إلي آخر فهناك من هو جاد في كل شيء وهناك من يحبالمزاح ؛ ولكنه ( صلي الله عليه وسلم ) قد حكم للأعرابي بثمن الناقة
أسألكم سؤالا واحدا من أضحك منكم عظيما واحدا أو نصف عظيم أو ربعه لمدة دقيقة واحدة؟
من منا يضحك النبي عليه الصلاة والسلام، بأعماله الطيبة الجليلة، من ؟؟ هل نحن نضحكه أم نغضبه، هذا هو السؤال الخطير، الذي يجب أن نسأله لأنفسنا عندما نختلي بأنفسنا .
فهذا الصحابي الجليل أضحك النبي عليه الصلاة والسلام إمام العظماء و سيد الخلق أجمعين، لمدة سنة كاملة، فهل هذا الصحابي تافه أو شخصيته مهزوزة ، بدليل كان يقال عنه أنه مزّاح ، أي له شخصية مازحة حاشى هذا الصحابي الجليل من مذمة أو نقص في خلق ، فلم يقرّعه سيد الخلق ، بل ضحك ، بل ضحك ، بل ضحك ، هذا الصحابي الجليل كان بدريا ، أي منزلة عظيمة هذه حازها هذا الجليل ، أي منزلة جليلة حازها مرة أخرى هذا الصحابي الجليل ، بأن أضحك النبي الكريم سيد الخلق ، علم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن هذا المزّاح يمزح لوقت المزاح ، ويكشّر عن أنيابه مثل الأسد الجسور إذا حاول محاول انتهاك حرمات الدين.
إذن فلنغيّر صورتنا للجد المزعوم، لنكن جادين عندما يحين وقت الجد وعندما يجد الجد ، ولا نضحك على آلام غيرنا فإنه يميت القلب، ولا نرقص على آهات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بل وجب الاهتمام لأمرهم، و إلا لن نكون منه، ولا نسخر من الآخرين بمزاح الخبث .
كل له طريقته في المزاح، هل يمكننا أن نفعل مثلما فعل الصحابي الجليل النعيمان _ الذي كاد أن يبيع صاحبه على أنه عبد، أو يجعل شيخا يبول في المسجد _ هل نحن أخوفه من الله و أكثر طاعة لرسوله و فهمه للدين ، قطعا لن نكون ،وإن نحثنا بيوتا في جبال " الهيمالايا" بأضافرنا ، لن نرقى ظفر هذا الصحابي الجليل .
و سأنهي موضوعي هذا بحديث قنبلة، عن هذا الصحابي الجليل، قال عنه النبي صلى الله عليه و سلّم:" يدخل الجنة وهو يضحك"، الله أكبر، أتدرون لماذا ؟؟ لأنه أدى ما عليه في حق الإسلام ،وأنه كان دائم الابتسام و الضحك و أنه ذات يوم ، اضحك النبي الكريم عليه الصلاة و السلام.
ابتسموا يوم الابتسام و جدوا يوم يجد الجد.