بخصوص تشريعيات 2007 الحاجة إلى نقد أداء وسائل الإعلام الجزائرية
26-02-2007, 11:58 AM
تابع للجزء الأول

هذه الأسئلة يتم طرحها مع كل مناسبة انتخابية ،ابتداءا من إعادة رسم المشهد الذي صاحب الفترة التي سبقت توقيف المسار الإنتخابي سنة 1992 حيث تواجدت الصحف الحزبية وبعض الصحف المستقلة في كل المراحل السياسية وساهمت في قلب الكثير من الموازين والإطاحة في الوقت نفسه بالكثير من الرهانات ،وشارك التلفزيون كمؤسسة وطنية عمومية في توجيه الكثير من الرسائل التي حسبت للسلطة وعليها آنذاك .
بعد توقيف المسار الإنتخابي وجهت أصابع الإتهام لوسائل الإعلام خاصة الصحف التي لعبت حسب بعض الفاعلين السياسيين المحسوبين على المصلحة العليا للوطن دورا "قذرا" في تأجيج الصراع الحزبي وعدم التزام الحياد والموضوعية في التغطيات الإعلامية ،ودفع الإعلام خاصة الصحافة المكتوبة المستقلة عن السلطة السياسية الثمن غاليا خصوصا بعد أن دخلت البلاد مرحلة اللااستقرار والعنف المسلح ،وبعد تنصيب المجلس الأعلى للدولة في 15 جانفي 1992 برئاسة السيد محمد بوضياف بدأت الأساليب التضيقية وتطبيق إجراءات تقنية قانونية ،بوليسية تصب كلها في واد إعادة النظام العام والأمن ...و"إعادة هيبة الدولة " فتم إصدار مرسوم إقرار حالة الطوارئ في 09 فيفري 1992 والإجراءات المكملة لها مثل إجراء "إمكانية غلق المؤسسات والموجه على الخصوص ضد بعض الصحف اليومية والأسبوعية ،فكانت بداية تطبيق هذه الإجراءات المكملة في سبتمبر 1992 بتعليق جريدة الجزائر اليوم،الصح-آفة ،لاناسيون ...بحجة أن " الأنباء التي قامت هذه الصحف بنشرها قد مست بالنظام والأمن العموميين والمصالح العليا للبلاد...".
وبدأت حملة توقيف الصحفيين أياما قليلة بعد توقيف المسار الإنتخابي ،ومست هذه التوقيفات شريحة كبيرة من صحفيي الجرائد والمجلات التي فتحت صفحاتها لمرشحي الجبهة الإسلامية للإنقاذ أثناء الحملة الإنتخابية من 15 إلى 23 ديسمبر 1991 ،كما منع الصحفيون من ممارسة المهنة بمنعهم من الكتابة تحت غطاء مجموعة من الأسباب ،كتلك المتعلقة بنشر إعلانات عن الحزب المحل أو إجراء حوارات مع قياداته أو حديث عن مكان اعتقالهم ،...فالصحفيون إذن واجهوا في هذه الفترة التي صاحبت الإنفتاح مشكلتين "تتعلق الأولى بالإرهاب بحيث أنهم دفعوا مايزيد عن 100 صحفي ثمنا لممارسة المهنة ،والمشكلة الثانية هي القضايا المرفوعة ضدهم بحيث أنها وصلت إلى أكثر من 1500 قضية حسب أحد الصحفيين.
الصحافة الجزائرية والسلطة من يراقب من ؟
الصحافة المكتوبة خاصة اضطرت أن تدخل بيت الطاعة ووقفت إلى جانب السلطة السياسية للمحافظة على المكتسبات الوطنية والوقوف كحليف للسلطة في مواجهة الهمجية التي ساد بها الإرهاب الذي لم يفرق بين الصحفي والمثقف والمواطن العادي والمسؤول الكبير والموظف البسيط ،حيث حصد الأرواح والمؤسسات إلى غاية اعتلاء السيد اليمين زروال سدة الحكم ومحاولته تطبيق إجراءات الرحمة والعفو المدني الذي أثارت جدالا كبيرا في الأوساط الإعلامية...والتي اتهمت بمعاداتها للمصلحة الوطنية وتهديدها للأمن الوطني ،ونشير أنه في هذه الفترة ظهر مصطلح "الأمن القومي".
زروال قرر عدم إكمال عهدته الثانية ودعى إلى انتخابات رئاسية مسبقة سنة 1999 ،هذا الإعلان جعل الصحافة تبقى على حذرها الذي اكتسبته من تجربة مابعد الإنفتاح وتوقيف المسارالإنتخابي،وأظهرت بعض التغطيات الإعلامية تخوفها من التجربة ،وراحت بعض الأوساط الإعلامية تتحيز إلى بعض المرشحين للرئاسيات على حساب البعض الآخر ،مع ملاحظة تغييب الطرف المهم في المعادلة السياسية الإعلامية وهو الجمهور، وبما أن الأمر اعتبر تجربة فلم يتعدى القول بأن التجربة الفتية للإعلام الجزائري وعدم تعامله مع انتخابات رئاسية مسبقة وتجري في ظروف غير تلك التي كانت سائدة في الماضي ،هو الذي جعل الإعلام الجزائري لايتعامل مع أهمية الحدث بقدر التعامل مع المخاوف والإفرازات التي سيفرزها هذا الأخير .
تعهد السيد عبد العزيز بوتفليقة في بداية حكمه أن تحتكم العلاقة بينه كممثل للسلطة وبين الصحافة خاصة المستقلة إلى الحوار والنقد البناء بعيدا عن القذف والتشهير ،وتعهد بأن لايتعرض أي صحفي في فترة حكمه للسجن ،لكن في افريل 2001 بدا البرلمان بمناقشة مشروع قانون العقوبات وتزامن هذا مع حركة احتجاجية واسعة لناشري الصحف والإعلاميين والتنظيمات المهنية الإعلامية الرافضة لمشروع القانون الذي انتهى بإقرارمجموعة من التعديلات لقانون العقوبات،أهمها عقوبة السجن بين ثلاثة أشهر وسنة أو بغرامة مالية تتراوح بين خمسة ملايين سنتيم و25 مليون سنتيم أو بهما معا في حالة الإساءة أو الإهانة أو القذف إلى رئيس الجمهورية...وعقوبات أخرى في حال القذف الموجه للقاضي أو الموظف أو الضابط أو قائد أوأحد رجال القوة العمومية...

ومباشرة بعد تعديل قانون العقوبات بدت تهم القذف والتشهير تعلن من أطراف عديدة، رؤساء بلديات، ولاة، مؤسسات مدنية، حكومية وعسكرية...في السياق ذاته بدأت الحملات الصحفية الرافضة لهذه التصرفات ،الأمر الذي شكل لدى الصحفيين العاملين في الصحف الخاصة قناعات بأن القابعين في مقاعد الغرفة الأولى للبرلمان غير مؤهلين لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ،وتعدوا على أهم حق من حقوق المواطن الجزائري حينما أقدموا على هذه الخطوة ،وبدأت أصابع الإتهام توجه إلى الأحزاب المشكلة للبرلمان بغرفتيه مع دعوتها لتحمل المسؤولية التاريخية التي أدت إلى تكميم الأفواه .

من بين الأحزاب التي تم انتقاد تمثيلها البرلماني حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يحاول أن يظهر بمظهر الصديق للصحفيين من خلال حفلات التكريم التي ينظمها والمبادرات التي يطلقها من حين لآخر للفت الإنتباه ويعود الفضل في كل هذا إلى الإعلامي ميلود شرفي الذي يبدو حسب العديد من الصحفيين الوحيد في حزب الأرندي الذي يفهم جيدا دور الصحافة،على خلاف مايظهر فيه الأمين العام للحزب السيد أحمد أويحيى الذي اعتبر في فترة من الفترات المهندس الأول لسياسة القمع الإعلامي وتعديلات قانون العقوبات ،وقد تعرض هذا الأخير لهجوم الكثير من العناوين الصحفية باعتباره وزيرا للعدل في تلك الفترة ثم رئيسا للجهاز الحكومي في ما بعد.

كما ألقت أحداث منطقة القبائل بظلالها على المشهد الإعلامي حيث تحولت بعض الصحف الخاصة حسب بعض المراقبين للمشهد الإعلامي إلى منظمات سياسية تلعب دور الأحزاب الغائبة في المنطقة والمتابع لبعض عناوين الصحافة المستقلة الخاصة وبعض تغطياتها خلال سنة 2001 خصوصا قبل شهر جويلية من هذه السنة يتأكد أن بعض العناوين لم تمارس الحياد اتجاه القضية القبائلية ،فراحت بعض الصحف تلجأ إلى استفزاز مشاعر مواطني المنطقة بدعوتهم غيرالمباشرةإلى الإحتجاج والتظاهر،ودعوتهم إلى عدم التخلي عن مطالبهم وذهب الأمر ببعض العناوين إلى تشجيع الأصوات الداعية إلى فصل المنطقة عن باقي التراب الوطني وبذلك تهديد الوحدة الوطنية ،ويكفي أن نطلع على بعض الدراسات الجامعية التي أنجزت في هذه الفترة لنكتشف أن تحليل مضمون بعض الخطابات الإعلامية أدى إلى نتائج خطيرة ،أثبتت أن بعض الصحف حادت عن الخدمة الإعلامية الجادة وقصرت في أحد أهم حقوق الجمهور وهو الحق في الحصول على المعلومات الموضوعية والنزيهة والبعيدة عن الزيف والتلفيق .
مظاهر أخرى ظهرت مع انتخابات المجلس الشعبي الوطني في 30 ماي 2002 ففي خلال الحملة الإنتخابية استُعملت بعض الصحف كأبواق لبعض الأحزاب السياسية من خلال تمرير قناعات وأفكار لاتتناسب مع الخط الإفتتاحي لكل عنوان،بالإضافة إلى استعمال عبارات تُظهر بعض الأحزاب على أنها فاشلة ولاترقى إلى مستوى طموحات الشعب،كما قامت بعض الجرائد بمهاجمة بعض الشخصيات السياسية واتهامها بالفساد وعدم النزاهة هذا من جهة ومن جهة أخرى الدفاع عن بعض التوجهات الحزبية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .
الصح - آفة