العمل الدبلوماسي والتحولات السياسية الحديثة-تابع-
03-03-2008, 12:17 AM
إشكــالية البحث

لقد أردنا أن نجسد عبر هذا البحث, قيمة العمل الدبلوماسي في ظل هذه التحولات الحديثة ,ولذلك رأينا بأم ننطلق من إشكالية جوهرية أصلية تكون هي منطلق موضوعنا والمحور الأصلي الذي تدور عليه مختلف فصوله ومباحثه ,حتى نلم وبعملية منهجية بطابع وخلفية هذا البحث,لنستفسر عن ماهية العمل الدبلوماسي وقيمته ومكانته وعلاقته بهذه التحولات السياسية الحديثة والتي لازمت تطوراته وتغيراته ,وكيف أثرت هذه التحولات في طابع وتوجهات العلاقات الدبلوماسية الجزائرية مع دول المشرق العربي ؟
وما هو الدور الذي لعبته الجزائر في نصرة القضية الفلسطينية ,ولازالت في ظل الظروف المتدهورة والقاسية التي تمر بها المنطقة العربية وبالذات على الصعيد الأمني ؟

وهل سينجح العمل الدبلوماسي في ظل كل هذه المؤشرات في تحقيق الأمن والاستقرار وبالذات في المنطقة العربية ,مع وجود بؤر ومصادر عديدة وكثيرة للاضطراب والنزاع ؟

أسباب ودواعي اختيار هذا البحث :
لقد كان اختيار موضوع هذا البحث الميداني بوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ,خلاصة قناعات كبيرة راودتني منذ اختياري لتخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية ,التي أهلتني للاهتمام الجاد والحريص بهذا المجال الإستراتيجي الواسع.

فمن خلال عدة دراسات ومطالعات مستمرة ومكثفة ,في ميدان السياسة والعلاقات الدولية ,لمست قيمة وأهمية الجانب الدبلوماسي في بناء النظام السياسي الناجح والقوي ,وفي إنشاء الدولة القادرة على حماية مصالحها وتمثيل قيمها ومبادئها في المحافل الدولية ,إلى جانب قيمته الكبيرة في السلام والأمن الدوليين ,وحاجة العلاقات الدولية الماسة للبديل الدبلوماسي السليم والعادل ,خاصة في حالة تعارض إرادات المصالح الدول وتباينها للحيلولة دون الدخول في متاهات الصراع العنيف والمواجهات العسكرية .
فالتحولات السياسة الحديثة قد أثرت على وجهة وصيغة العمل الدبلوماسي لدى الدول ,سواء المتطورة أو المتخلفة ,وذلك ما جعلني أركز على علاقة هذه التحولات الطارئة بالعمل الدبلوماسي ,وأهتم بدور الدبلوماسية الجزائرية التي لا زالت الكثير من شعوب ودول المنطقة العربية تعلق عليها أكبر الآمال والطموحات من أجل بناء امة عربية موحدة ومستقرة .

فهذه القناعة جعلتني اعتز بمنهج ومواقف السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه القضايا العادلة ,وتبلورت لدي فكرة تجسيد هذا الاعتزاز الغزير,خصوصا بعدما حظيت بهذا التربص الميداني بوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية التي أمدتني بكل المستلزمات والمتطلبات الضرورية لإنجاز هذا البحث المتواضع.
وكل رجائي أن يكون اختيار هذا الموضوع الذي بنيت عليه بحثي هذا ,فائدة ونفعا أقدمه للوطن الغالي ولوزارتنا الموقرة ولكل طلاب العلوم السياسية –تخصص علاقات دولية-

فصل تمهيدي : ماهية العمل الدبلوماسي وأهم تطوراته
لقد عرفت أقدم المجتمعات البشرية ما يعرف بالدبلوماسية ,وذلك نتيجة ما كان يقوم بينها من اتفاقيات لفض المنازعات أو تحالفات لمواجهة الأخطار ,ولقد كان يقوم بهذه المهام ,مبعوثون ,يمكن أن يسموا لحد ما بالدبلوماسيين ,ويحضون بمرتبة عالية بين قومهم ولهم من القابلية والأمانة والسمة ما يؤهلهم لتمثيل بلادهم على أحسن صورة ,ولقد دلت سجلات ومخطوطات كل من حضارة بابل ومصر والهند والصين القديمة على تلك الممارسات .

وأما الدبلوماسية المنظمة,قد بدأت كما يرى البعض مع تطور المدينة في اليونان وذلك لأنها أوجدت قواعد عامة تنظم العلاقات فيما بينها لاستقرار أمنها ,إضافة إلى قواعد حرم المبعوثين الدبلوماسيين التي تعد مخالفتها تصرفا تنبذه تقاليد حسن الجوار .
كما قامت أيضا بعقد المؤتمرات الإقليمية للتباحث في كيفية لحفاظ على المصالح المشتركة وكيفية التزام الجميع بحمايتها ,ولكن هذا التطور قد أصابه نوع من الركود,لا سيما في عهد الإمبراطورية الرومانية ,وذلك لاعتمادها في سيطرتها وقوتها على الشعوب الأخرى ,على أسس عسكرية تسلطية عديمة القيم والأساليب الدبلوماسية ,وهي مبنية على سحق خصمهم العنيد والصفح عمن يخضع لهم ,إلى جانب استخدامها للدبلوماسية في شراء صداقة الشعوب بالدهاء والمال وبث التفرقة بينهم للتحكم فيهم والسيطرة عليهم .
فهذه السمة السيئة قد انتقلت على دويلات نشأت في إيطاليا ومنها إلى أقسام من أوروبا في القرون التالية,لاسيما في القرنين 18و19 لأن الدبلوماسيين قد اعتمدوا في أداء وظائفهم على الرشوة وتدبير المؤامرات وتشجيع الصراعات الطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ,(ربما هو نفس أسلوب دبلوماسية بعض القوى المسيطرة في العصر الراهن؟)
وازداد هذا التدهور تحديدا عندما تفشى نظام الإقطاع في أوروبا ,حيث انتهكت فيه حرمة السفراء والمتفاوضين من قبل الحكام والملوك ,مما جعل الممارسات الدبلوماسية تستخدم لغايات مصلحية ,هدفها تحقيق النصر على العداء فحسب (ربما التاريخ يرجع نفسه كي تتضح معالم دبلوماسية السيطرة الهيمنة الغير معلنة؟؟؟)