تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى الأدب > منتدى القصة القصيرة

> قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
ســالــي
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • المشاركات : 104
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ســالــي is on a distinguished road
ســالــي
عضو فعال
العـــــــــــــــودة إلى الدّيار - بقلم ســـــــــــالي -
18-08-2008, 06:12 PM
* السّــــــــــلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته *

حبّا لوطني واعتزازا بتاريخه المجيد لكم منّي بمناسبة
ذكرى هجومات الشّمال القسنطيني-20 أوت 1955- و مؤتمر الصومام -20 أوت1956 - أوّل وآخر قصّة كتبتها.

اقتباس:
"حياتي كانت مليئة بالآلام والمعاناة، لكنّها لم تكن أحسن من حال الكثيرين ممّن عايشوا الإستعمار وكابدوا ويلاته من فقر وأمراض وتعذيب وتيتيم، أجل تيتيم، لقد تيتّمت وأنا بعد لم أتمّ الإثنتي عشر ربيعا، إنّه السنّ الذّي تحتاج فيه الفتاة أكثر من أيّ وقت إلى الشّعوربوجود أب و أمّ يحيطانها بحبّهما ورعايتهما، لكنّ أمّي أصيبت بمرض خبيث لم تعمّر بعده طويلا. كانت أمّي فرنسيّة الأصل، جزائريّة التّربية والمنشأ، لا أزال أتذكّر كيف كانت ترعانا وتسهر على راحتنا، أنا وأخي الصّغير عمر، الذّي كان يصغرني بعام فقط، تلاعبنا أحيانا، وتنصحنا وتوبّخنا إذا أخطأنا أحيانا أخرى. كان الحديث عن فرنسا يثير حفيظتها، وإقرارها بجرائمها في حقّ الجزائريّين لا ينف حقيقة أنّه موضوع آلمها الحديث عنه، وأثار فيها مواجعا لطالما حاولت كتمانها، ولعلّ مقاطعة أهلها لها منذ زواجها كانت أكثرها إيلاما.

السّابع أكتوبر 1947، يوم وفاة والدتي رحمها اللّه، يوم عشّش في ذاكرتي بقدر ما عشّش في قلبي من أحزان و أشجان، بل كان منطلق أحزاني وأشجاني كلّها. بعد وفاتها مباشرة، اصطحبني عمّي محمود لأقضي بضعة أيّام في المدينة حيث يسكن هو وزوجته.لكنّ الأيّام أصبحت شهورا وبمضيّ الأيّام ازداد شوقي لأبي وأخي، أبديت لعمّي مرارا رغبتي في العودة، لكنّه كان يتحجّج بحجج مختلفة، مرّة يخبرني أنّه وعمّتي تعوّدا عليّ ويتمنّيان بقائي فترة أطول، ومرّات أخرى عديدة يخبرني أنّ الفرنسيّين أغلقوا المسالك المؤديّة إلى القرية، والذّهاب إليها مخاطرة مميتة. لم يقنعني بحججه، ورغم ذلك كنت ألزم الصّمت، غير أنّ صمتي طال عاما كاملا لم أطق بعده صبرا ، فأصررت على العودة إلى منزل أبي وأضربت عن الطّعام وكلّ محاولات عمّي وزوجته في تهديئي لم تجد نفعا معي، فما كان من عمّي إلأّ أن غادر المنزل لحظتها و آثار الحزن بادية عليه، تاركا لعمّتي مهمّة البوح لي بما تمنّيت الموت لحظة سماعه:بعد شهر من وفاة أمّي توفيّ أبي و أخي إثر مرض، حصد العديد من أرواح أهل القرية. كان الخبر فظيعا ومؤلما جدّا، خبر أدخلني قوقعة الحزن أيّاما وأيّاما. لم أحتمل فكرة أن أفقد كلّ أفراد أسرتي، أمّي ثمّ أبي وأخي، الموت قدر وأنا أومن بالقدر خيره وشرّه، لكنّ شرّه كان رهيبا وقاسيا، لا أدري ما كنت سأفعل دون عمّي، لقد رعاني وزوجته وأحاطاني بدفء حبّهما ورعايتهما، اعتبراني البنت التّي لم يرزقا بها وهذا جميل ما تجاهلته يوما، وما نسيته ولن أنساه ما حييت، فبمرور السّنين كبرت وكبر حبّي لهما، ازددت تعلّقا بهما وصرت أكثر تعقّلا و نضجا.

كنت في الثامنة عشر من العمر عندما أفشيا لي حقيقة ما حدث قبل ستّ سنوات، كشفا لي ما حدث بعدما تأكّد لهما مقدرتي على استيعاب الحقيقة كائنة ما كانت، الوباء كان من نسج خيال عمّي، الواقع أنّ أبي وجد مقتولا في المنزل، ولقد رجّح أغلب الجيران مقتله على يد الجنود الفرنسيّين، فالجثّة وجدت غداة يوم اقتحموا منزله، بعد حملة تفتيش عنه بالنطقة ، أمّا أخي فقد اختفى ولم يره أحد بعد ذلك اليوم.

معرفة الحقيقة لن تزدني إلاّ كرها ونبذا للإستعمار، وحسرة على أبي الشّهيد، وأخي الذّي لم أدرك لإذا كان حيتا أم ميتا، إذا كنت سأراه مجدّدا أم لا. ماذا فعل أبي الفلاّح البسيط كي يقتل؟ بل ما ذنب الجزائريّين الذّين يقتلون كلّ يوم؟ ذنبهم الوحيد أنّهم جزائريّون محبّون لوطنهم، متمسّكون بأرضهم. أوّل ما طرق مسامعي خبر الثّورة التّي انطلقت من جبال الأوراس فرحت، و أحسست أنّه ملاذي وملاذ كلّ الجزائريّين في الإنتقام، لطرد الطّفيليّ الذّي سلبنا أرضنا، وسلب معها كلّ عزيز وغال، فأحببت الثّورة وأحببت الجهاد والمجاهدين. كان عمّي من الأوائل المنظمّين إلى صفوفها، أ مّا أنا فقد كنت أعينه في نقل الرّسائل بين المجاهدين وتحضير الأكل وكذا التّمريض، لم أكن جيّدة في هذه الأخيرة، لكنّني بذلت جهدي لاسعاف الجرحى، أنا وبعض فتيات الحيّ اللاّتي تطوّعن معي.


من بين أصدقاء عمّي المقرّبين، شاب في الثّانية والعشرين من العمر، عمل مدرّسا ثمّ بقّالا بعد أن دمّرت مدرسة الحيّ، لذاينادونه" بموح البقّال"، كان معجبا به لدرجة أنّه لم يذّخر جهدا أو وسيلة لإقناعي بقبول الزّواجي منه، وفعلا بعد بضعة أشهر تمّ الزّواج. وجدت في محمّد الزّوج الوفيّ، والمجاهد المخلص لوطنه، جعل من مخزن دكّانه الذّي نقتات من مذخوله معقلا لتخبئة أسلحة المجاهدين، ونقل المكاتيب بينهم، وتنظيم الإجتماعات اللّيليّة الطّارئة.
مضى عامين وحياتنا هادئة، ما خلا قلقي عليه عندما يقوم العسلكر بحملات تمشيط بالمنطقة، وفي أحد الأيّام سمعت طرقا بالباب ، ظننته زوجي لأنّه كان موعد وصوله، وكالعادة أسرعت لفتحه، وهنا كانت المفاجأة ، رجل يرتدي بزّة ضابط فرنسيّ حاول اقتحام المنزل، بذلت كلّ جهذي لأوصد الباب، لكن عبثا حاولت، قال كلمات لم أنتبه إليها، خوفي حال دون الإستماع أو التّفكير في أيّ شيء غير الصّراخ، غير أنّه وضع يده على فمي لإسكاتي، حتّى لا يسمع الجيران صراخي، وقال هذا أنا يا فطّوم، مالطّائل من الفضيحة؟في تلك الأثناء وصل زوجي، وما إن رآه ممسكا قبضته على فمي حتّى تناول مسدّسه وأطلق عليه رصاصة أسقطته أرضاثمّ هرع إليّ يسألني عمّ إذا كنت بخير، أمّا أنا فبقيت أفكّر لبرهة في كلام هذا الضّابط الغريب، لقد قال فطّوم ، لم ينادني أحد بهذا الإسم غير أخي عمر، عندها تأمّلت القائد الملقى على الأرض، نعم كانت نلامحه ملامح عمر، اقتربت منه وقلت له:أنت،أنت...،فقاطعني وهو يتأوّه :أجل أنا، أنا عمر، أخوك عمر، إنّها ثمان سنين مضت، أكانت كافية لتنسيك أخاك الوحيد؟ولم يلبث بعدها لحظات حتّى فقد وعيه، بعدها لم أتمالك نفسي و صرت أبكي فأنا لم أنس، لم أنس أبدا أخي عمر، وفورا تناولت خرقة قماش ولفتته على كتفه غير أنّ النّزيف كان شديدا، التفتت من حولي فوجدت محمّدا ينظر إليّ مندهشا، فصحت: أحضر الطّبيب ماذا تنتظر؟ فقال لي: أمتأكدّة أنّ هذا الفرنسيّ أخاك يا فاطمة؟ فصحت مجدّدا: أحضر الطّبيب أرجوك. بعد دقائق حضر زوجي ومعه الطّبيب، وبعد إسعافه لأخي طمأننا على حاله، من حسن حظّه أنّ الرّصاصة أصابت كتفه، وشفاءه التّام لم يعد مستبعدا.أحست بفرحة وراحة في آن واحد الرّاحة من أن يكون زوجي قاتل أخي ، أمّا الفرحة فهي فرحة لقاء أخ فارقته منذ سنين وظننت في وقت مضى أنّني لن أراه مجدّدا.
مرّت الأيّام و أخي يتماثل للشّفاء يوما بعد يوم، إلى أن صار بمقدوره مغادرة فراشه،عندها طلبت منه أن يروي لي كلّ ما أصابه منذ وفاة أبي إلى غاية طرقه باب منزلي مرتديا بزّة عسكريّة، عندها أطلعني على ما حدث، ما حدث هو أنّ إخوة أمّي- ولن أقول أخوالي- بحثوا عنه فور سماعهم بنبإ وفاة والدتي إلى أن عثروا عليه، كان في طريقه إلى المدرسة عندما لفت أنتباهه عساكريحاصرون المنزل و آخرون متّجهون نحوه، حاول أبي التّدخّل لمنعهم من أخذه، لكنّهم أدخلوه بالقوّة إلى المنزل، سمع بعدها عمر طلقات رصاص، كان يجهل حينها إن كانت رصاصات تخويف أم قتل وهكذا اصطحبه خالي عنوة إلى فرنسا، وألحقه بمدرسة حربيّة وهو بعد يافعا في الحادية عشر من من عمره. بعد تخرّجه عاد إلى الوطن بحجّة محاربة عدوّ فرنسا. الجزائر ! كانت الحجّة والوسيلة التّي مكّنته من العودة إلى بلده، ليس لمقاتلة أبنائها وهو واحد منهم، بل للبحث عن باقي أفراد الأسرة، قصد القرية فعلم أنّ أبانا قتل في ذلك اليوم المشؤوم، أمّا أنا فقد دلّه عمّي على مكاني. أخبرني أنّه أوكلت إليه مأموريتين، باسم القيادة الفرنسيّة، لكنّه أقسم لي أنّه تعمّد افلات من أمر بقتلهم، وتظاهر بتعذيب من ألقي عليهم القبض وأمر بتعذيبهم. سألته إلى متى سيظّل جزائري السّريرة والقلب،فرنسيّ الإسم والمظهر،فما سيكون منه لو لم يترك له خيارغير قتل بني بلده وهوجرم لا يغتفر، فطمأنني بقوله أنّه أمر مستبعد، بحكم سفره القريب إلى فرنسا ليعيش بعيدا عن الحرب، وعودته إلى الجزائر ستكون مقرونة باستقلالها واستقرار أوضاعها، اقتنعت بكلامه وبأنّه الحلّ الأمثل ليعيش سلاما داخليّا.

ظلّ عمر يزورني من حيل لآخر، كنت أشعر في كلّ مرّة يزورني فيها أنّ محمّدا لا يحفل به كثيرا، كان في أغلب الأحيان يقابله بكلام جافّ، أو يغادر المنزل فور قدومه لزيارتي، أخي كان يتظاهر باللاّ مبالاة إزاء تصرّفات زوجي، أمّا أنا فقد كان يثير غضبي وانزعاجي. هو يعتبره فرنسيّا و مجرما، ويفترض أنّه قتل العديد من أبناء هذا الوطن، ولولا أنّني زوجته لربّما كان أجهز عليه منذ زمن. لم يقتنع أنّه جزائري، وأنّه لا يقدر على ايذاء إخوانه وجيرانه وأبناء وطنه. هو أخي وأنا أعرفه جيّدا، تلمّحت فيه دوما صدقه ووطنيّته، ولا بمكن لبزّته العسكريّة أن تثير في نفسي الشّكوك ولا قدر أنمل، محمّد لا يدري أنّ أخي ضابطا فرنسيّا وينادونه فرانك، حاولت إخفاء الأمر عليه لئلاّ يعلم فيرتكب في حقّه جريمة ما، وهو على قناعة كاذبة أنّه خائن لبلده.

حمدت اللّه لاقتراب سفر، سفره كان السّبيل لاقتحان دم أغلى وأحبّ انسان إلى قلبي، فهو آخر ما تبقّى من عائلتي، عندما أراه أرى الماضي البعيد، أرى والداي وبهجة صباي .

لمّا قرب موعد رحبله جاء لوداعي ووعدني بمراسلتي باستمرار، وزيارتي كلّما سنحت له الفرصة، ودّعته وكلّي أمل أن أراه مجدّدا في ظروف أخرى، حيث لا خوف ولاحرب تباعدنا، يوم أحسست أنّه ليس ببعيد، يوم تسنعيد الجزائر حريّتها وأستعبد أنا أخي.

بعدها بأسبوع وفي ساعة متقدّمة جدّا فوجئت بزيارة غير متوقّعة، تخيّلي من كان ، لقد كان عمر، ظننته سافر بالأمس لكنّه لم يفعل ، سألني عن زوجي فأخبرته أنّه مسافر منذ يومين ومن المفترض أن يعود في المساء، ولمّا سألته عن سبب عدم سفره وعن حاجته عند زوجي، تجاهل أسئلتي، وطلب منّي عنوان البناية التّي يعمل بها عمّي، دوّنت له العنوان في ورقة، وفور تسلّمها غادر مسرعا، وتركني لتساؤلاتي ومخاوفي، فكّرت للحظة أن أقصد منزل عمّي علّني أجد هناك ما يشفي غليل تساؤلاتي ومخاوفي، لكنّني تراجعت عن فكرتي تلك، فما كان بمقدوري مغادرة منزلي قي غياب زوجي دون علمه، لم يبق لي خيار غير الإنتظار وكم أكره الإنتظار.قطع انتظاري طرق بالباب، فإذا به عمّي، طلب منّي مفاتيح الدّكان والمخزن، أحضرت المفاتيح وقبل أن أسلّمها له، طلبت منه تفسير ما يحدث من حولي، لم يقل غير:يجب إخلاء المنزل من الأسلحة فورا، سأعود بعد قليل وأخبرك بكلّ شيء.
فعلا بعد عودته أخبرني بما لم يزدني إلاّ اعتزازا وفخرا بأخي.انتظرت بفارغ الصّبر وصول محمّد، كنت أتوق إلى اللّحظة التّي يقرّ فيها بخطئه في حقّ عمر الذّي ظلمه باعتقاده وظنّه السيّء به، كنت متشوّقة لأراهما صديقين حميمين عندما يعلم أنّ أخي أجّل سفره بعد وصول معلومات لدى القيادة الفرنسيّة مفادها أنّ زوجي يقوم بالمتاجرة بالأسلحة وتوزيعها على المجاهدين، وأنّ الأسلحة مخبّأة في مخزن دكّانه. طلب من الكولونيل أن يتولّى المأموريّة بنفسه زاعما أنّ له ثأرا في ذلك الحيّ، هم حاولوا قتله وتلك كانت فرصته للإنتقام. كلامه كان مقنعا للكولونيل فكان له ماأراد وتولّى المأموريّة، لكن قبل قيامه بالحملة التّفتيشيّة الرّسميّة قصد محمّدا لتحذيره لأخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة، كما حرص على عدم إخباري بالأمر وطلب من عمّي إخفاءه عنّي حتّى يجنّبني الخوف والقلق.
بعد كلّ ما فعله أخي لحماية زوجي، أما كان من حقّه أن ينال احترامه وتقديره وثقته؟
تأخّر محمّد في العودة الى المنزل، قلقت في بداية الأمر، لكن تمنّيت بعدها أن لا يصل إلاّ بعد انتهاء حملة التّفتيش، فهي قبل كلّ شيء حملة تفتيش، وبقيّة الجنود لن يتغاضوا عن أيّ تساهل يبديه أخي حياله. بقيت غارقة في تفكيري ذاك إلى أن شلّته أصوات طلقات رصاص تواصلت لدقائق عديدة أثارت فيّ الرّعب، فحاولت ألاّ أفكّر في أيّ سوء، وألاّ أدع المخاوف تتسلّل إلى نفسي.
بعد توقّف إطلاق النّار، خرجنا من منازلنا أنا و باقي الجيران لنستطلع الأمر، وبينما نحن كذلك، إذا بأحد الأطفال يركض نحونا، توقّف ثمّ قال وهو يلهث:عمّي موح، عمّي موح البقّال. اندفعت نحوه وسألته: ما به عمّك موح ؟فأجابني: إنّه بطل، بطل حقيقيّ، لقد شارك في قتل عشر جنود فرنسيّين، ثمّ فرّ ومن معه بعد العمليّة مباشرة، أحست بالإرتياح لعدم إصابته بأذى ، وبالفخر للعمل البطوليّ الذّي قام به؛ وأنا في غمرة تفكيري لم أنتبه لمغادرة الطّفل، ناديته مجدّدا لأستفسر عن مجريات تفاصيل الحادثة، فأخبرني أنّ محمّدا ومجاهدين غريبين عن الحيّ أقدموا على قتل جنديّين رميا بالرّصاص، وثمان آخرين لاقوا حتفهم على إثر تفجير لغم بالمخزن، ما إن تلفّظ كلمة مخزن حتّى أحسست بانقطاع نفسي وازدياد خفقان قلبي، وموجة الخوف تلك صارت عاصفة خوف وهلع.ركضت مسرعة للدّكان، ركضت كما لم أركض يوما في حياتي، وعندما وصلت وجدت حشدا من أهل الحيّ مجتمعين أمام الدّكان، اندفعت بقوّة وحاولت اختراقهم لأتبيّن جثّة الجنديّين الملقاتين عند مدخل المخزن، وما إن رأيت أخي عائما في بحر دمائه حتّى انكببت عليه باكية بحرقة آلام مزّقت فؤادي، لا وفاة أمّي ولا وفاة أبي آلمني كوفاة أخي. لم أتحمّل أن يقتل أعزّ عزيز لديّ غدرا علي يد زوجي، زوجي الذّي اعتبرته منذ زمن بطلا أصبح في نظري مجرما، قابل المعروف بالغدر، وسلب روحا طاهرة عزيزة لديّ، لم أشعر وأنا أبكي هذا الأخ المسكين الذّي لم يهن بشبابه إلاّ وأياد تدفعني و تبعدني عنه، وأصوات تتعالى: كيف تبكين عدوّ اللّه و الوطن، لا عاش الفرنسيّون ولا عاشت فرنسا، تحيا الجزائر، تحيا الجزائر. شعرت أنّ العالم كلّه لا يفرّق بين أخّ و عدوّ، بين مستشهد و غادر.
صار الجميع يتهامسون أنّني مجنونة وأنا أصيح:هذا أخي مات شهيدا، شهيدا. بعدها شعرت بثقل لساني، ورجلاي لم تعد تقويان على حملي، وإذا بيد تمتدّ إليّ، لقد كانت يد عمّي. قلت له بصوت ذابل لا يكاد يسمع: أخي مات مسلما وشهيدا، ولا أحد سيدفنه غيرنا، أخفي الجثّة يا عمّي، لا تدع الجنود ينتشلونها. بعدها لم أشعر بشيء أبدا.
عندما إسترجعت وعيي كان عمّي جالسا إلى جانبي، سألته عن جثّة أخي فأخبرني أنّها ستدفن بعد صلاة المغرب وأنّ الجثّة تمّ إخفاءها قبل وصول الجنود، فما كان منهم إلاّ أن اعتقدوا أنّه كان من بين من انفجر بهم اللّغم داخل المخزن. كلامه ذاك أراحني كثيرا، فإكرام الميّت دفنه، وأخي أهل لأن يكرم دفنه و يصلّى على جثمانه.
لم تؤلمني فكرة موته بقدر ما آلمتني فكرة أنّ زوجي قاتله، وقتله ذاك غدر ونكران للجميل، تمنّيت لو أنّ ميتته كانت ميتة أبطال، فأبكيه ويبكيه كلّ الذّين شهدوا موته، لكن لا، مسكين،مات والجميع شامت به، جاهل لحقيقته.
بعد اختفاء محمّد يوما عن الأنظار عاد إلى المنزل، فتحت له الباب، لكنّني لم أستطع التّطلّع في وجهه بعد الذّي فعله؛ لاحظ نفوري منه ومن الحديث معه، عندها قال لي:أعلم أنّ موت أخيك آلمك، لكنّ الموت جزاء كلّ خائن، ثمّ أنّه حاول الإيقاع بي، أكنت تفضّلين موتي وأنت التّي لطالما ناديتني البطل ولم أتوانا يوما عن خدمة وطني، أم هو الخائن الفرنسيّ...لم أتحمّل وصف أخي بما هو افتراء في حقّه، فأجبته أنّ أخي من خيرة الرّجال، وأنّه هو الخائن الفعليّ أخي قابل سوء معاملته الدّائم بالجميل وهو قابل الجميل بالنّكران والإحسان بالإساءة، حينها قال لي: أراني مضطرّا إلى إخبارك بالحقيقة، كنت سأخفيها عنك لولا أنّك تدفعينني لقول ما سيشوّه صورة أخيك التّي تعتزّين بها، وطبعا سيؤلمك سماع الخبر، لكنّك لم تتركي لي خيارا آخر.أتعلمين أين كنت اليومين الماضيين،لم أذهب لزيارة أخي بل ذهبت للتّقصّي عن أخيك، صورته يوم رأيته أوّل مرّة مرتديا بدلة عسكريّة لم تفارق خيالي وأرابتني كثيرا. أتعلمين من كان؟ كان ضابطا فرنسيّا الضّابط فرنك، وتخيّلي كم من جريمة قد يرتكب ضابط فرنسيّ، وتعلمين لما قتلته؟ كان سيوشي بي و بمن معي؛ كميّات هائلة من الأسلحة كانت بالمخزن وهو اغتنم فرصة غيابي وأحضر جنوده لكن لا، لم يكن أدهى منّي، لقد قتل ونال بذلك الجزاء الذّي يستحقّه. عندما قال الجزاء الذّي يستحقّه لم أشعر إلاّ وأنا أبكي وأبكي، أبكي لأنّ كلّ ما قاله ينمّ عن جهله لحقيقة أخي، ولما فعله لإنقاذه ، أجزاء أخي أن يقتل على يد من أراد حقن دمه. لم يكتف بما قاله بل استرسل قائلا: كفى بكاء، إنّها حقيقة مؤلمة لكن كان لا بدّ من كشفها، عندها صرخت : حقيقة أيّة حقيقة؟ أنا أبكي أخا مات مظلوما، مات غدرا قتلته وهو الذّي حاول أنقاذ حياتك
...............................................يتبع


* ســـــــــــــــــلام *
التعديل الأخير تم بواسطة ســالــي ; 19-08-2008 الساعة 02:03 AM
  • ملف العضو
  • معلومات
روح ثائرة
زائر
  • المشاركات : n/a
روح ثائرة
زائر
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 02:07 AM
قرأت قصتك أختي سالي

والله مؤثرة جدا, أثرت في كثيرا
تلك الظروف التي عاشها آباؤنا و أجدادنا
فكم من يتامى وأرامل و شهداء

و ثكلى خلفتهم الحرب
و قدموا النفس و النفيس لننعم بطعم الحرية

تحيتي إليك و لشجاعتك

متابع إن شاء الله

دمت في رقي
  • ملف العضو
  • معلومات
ســالــي
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • المشاركات : 104
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ســالــي is on a distinguished road
ســالــي
عضو فعال
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 02:28 AM
* السّــــــــــلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته *



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة HeartOfGold مشاهدة المشاركة
قرأت قصتك أختي سالي

والله مؤثرة جدا, أثرت في كثيرا
تلك الظروف التي عاشها آباؤنا و أجدادنا
فكم من يتامى وأرامل و شهداء

و ثكلى خلفتهم الحرب
و قدموا النفس و النفيس لننعم بطعم الحرية

تحيتي إليك و لشجاعتك

متابع إن شاء الله

دمت في رقي
شكرا لك أخي الكريم على مرورك وعلى هذا التّعقيب الجميل، لقد مرّ على كتابتي لهذه القصّة زمن لكنّي قرّرت أن ترى النّور وسعيدة لأنّها نالت استحسانك أمّا بقيّة القصّة سأنشرها في السّاعات القليلة القادمة إن شاء اللّه.

* ســــــــــلام *
التعديل الأخير تم بواسطة ســالــي ; 19-08-2008 الساعة 02:30 AM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محمد 79
محمد 79
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 18-10-2007
  • المشاركات : 5,350
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • محمد 79 is on a distinguished road
الصورة الرمزية محمد 79
محمد 79
شروقي
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 09:13 AM
اعجبتني القصة و كانني كنت اشاهد فيلما جزءها الاول زادني شوقا لمعرفة الباقي
في انتظار البقية تقبلي تحياتي
:)
  • ملف العضو
  • معلومات
ســالــي
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • المشاركات : 104
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ســالــي is on a distinguished road
ســالــي
عضو فعال
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 10:00 AM
* السّـــــــلام عليكم ورحمة الله و بركاته *

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد08 مشاهدة المشاركة
اعجبتني القصة و كانني كنت اشاهد فيلما جزءها الاول زادني
شوقا لمعرفة الباقي
في انتظار البقية تقبلي تحياتي
:)
شكرا لك أخي الكريم على كرم التّعقيب يسرّني أنّ الجزء الأوّل نال إعجابك و أتمنّى أن ينال الجزء القليل المتبقّي استحسانك أيضا.

تحيّاتي :)


* ســــلام *
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية حمبراوي
حمبراوي
مشرف شرفي
  • تاريخ التسجيل : 03-05-2008
  • الدولة : استضعفوك فوصفوك
  • المشاركات : 5,147
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • حمبراوي will become famous soon enough
الصورة الرمزية حمبراوي
حمبراوي
مشرف شرفي
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 10:27 AM
سلام الله عليك وبعد :
يومياتك جميلة جدا
يوميات يتيمة أولا وزوجة بطل ثانيا ومفجوعة في أخيها ثالثا
لغتها عذبة سلسة
صدق أخي محمد عندما قال : لكأني أشاهد مقطعا من فيلم مشوق
شوقتنا لمعرفة المزيد
ننتظر ذلك على أحر من الجمر
شكرا

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نوال50
نوال50
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 25-08-2007
  • العمر : 75
  • المشاركات : 6,638
  • معدل تقييم المستوى :

    23

  • نوال50 will become famous soon enough
الصورة الرمزية نوال50
نوال50
شروقي
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 11:56 AM
قصتك رائعة سالي
الان فقط تاكدت من انك مبدعة رائعة
فبالرغم من انها قصة حزينة واحداثها مؤثرة الا انك جعلتنا نعيشها لحظة بلحظة
وشوقتنا لمعرفة الباقي
في انتظار الجزء الثاني والذي اتمنى ان لا تطيلي علينا به
تقبلي مروري من هنا
وتحياتي اليك عزيزتي
  • ملف العضو
  • معلومات
ســالــي
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • المشاركات : 104
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ســالــي is on a distinguished road
ســالــي
عضو فعال
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 12:01 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمبراوي مشاهدة المشاركة
سلام الله عليك وبعد :
و عليكم السّلام ورحمة االله وبركاته
يومياتك جميلة جدا

يوميات يتيمة أولا وزوجة بطل ثانيا ومفجوعة في أخيها ثالثا
مسرورة كونها نالت اعجابك أمّا كلمة يومياتك فأشطرها شطرين:
يوميات:أكمل قراءة الجزء المتبقي ...
ك : اندمجت مع القصّة وأنا أكتبها.

أطال اللّه عمر والداي و أكرمني اللّه بزوج بطل و وحفظ لي أخي انشاء اللّه
لكن فعلا أحسنت اختصار القصّة في بضع كلمات.
لغتها عذبة سلسة
شكرا على الإطراء.
صدق أخي محمد عندما قال : لكأني أشاهد مقطعا من فيلم مشوق
شوقتنا لمعرفة المزيد
ننتظر ذلك على أحر من الجمر
أتمنّى أن لا يخيّب المفطع الأخير ظنّكما .
شكرا

الشكر لك أخي الكريم على تعقيبك الجميل و كلماتك المشجّعة
* ســــــــــــــــلام *
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية حمبراوي
حمبراوي
مشرف شرفي
  • تاريخ التسجيل : 03-05-2008
  • الدولة : استضعفوك فوصفوك
  • المشاركات : 5,147
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • حمبراوي will become famous soon enough
الصورة الرمزية حمبراوي
حمبراوي
مشرف شرفي
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 12:12 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ســالــي مشاهدة المشاركة
* ســــــــــــــــلام *
انغمست في القصة وانصهرت في أحداثها (بكسري تائي الفعلين)
هنا الروعة
عندما يحس القارئ أنك تتكلمين عن يومياتك
والحقيقة غير ذلك
دمت قلما مبدعا مبدعا
شكرا على توضيحك الأخير
وعذري أني انصهرت بدوري في القصة وذبت
اتمنى لك ما أتمناه لابنتي أو أختي

  • ملف العضو
  • معلومات
ســالــي
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • المشاركات : 104
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ســالــي is on a distinguished road
ســالــي
عضو فعال
رد: قصة: العـــــــــــــــودة إلى الدّبار- الجـــــــــزء الأوّل-
19-08-2008, 12:14 PM
* السّــلام عليكم ورحمة الله و بركـــاته *
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوال23 مشاهدة المشاركة
قصتك رائعة سالي
شكرا على الإطراء عزيزتي
الان فقط تاكدت من انك مبدعة رائعة
أخجلتني حقّا ، أين أنا من ذلك ...
فبالرغم من انها قصة حزينة واحداثها مؤثرة الا انك جعلتنا نعيشها لحظة بلحظة
وشوقتنا لمعرفة الباقي
شكرا على اهتمامك و تعايشك مع أحداثها، اسعدني ذلك كثيرا عزيزتي نوال.
في انتظار الجزء الثاني والذي اتمنى ان لا تطيلي علينا به
تقبلي مروري من هنا
كيف لا أتقبّل، بل لك جزيل الشّكر على مرورك أمّا بالنّسبة للجزء المتبقّي ففعلا أخشى أن يكون مخيّبا .
وتحياتي اليك عزيزتي
و إليك أزفّ أطيب التّحيّات
* ســلام *
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع
وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة هو مذهب الإمام مالك
الساعة الآن 10:36 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى