الوحدة الوطنية في كتابة الأمازيغية بالحرف العربي.. فلمَ إقصاؤه!!؟
05-02-2018, 10:02 AM
الوحدة الوطنية في كتابة الأمازيغية بالحرف العربي.. فلمَ إقصاؤه!!؟
سي حاج محند م. طيب


إن الأمازيغية التي توحِّدنا وتقرِّبنا من الدين، فمرحبا بها وعلى الرأس والعين، أما الأمازيغية التي تفرِّقنا وتُبعدنا عن الدين، فلا مرحبا بها ولا كانت ولا كنا.
عنوان المقال يطرح قضية في غاية من الأهمية، وهي: الوحدة الوطنية التي لا يختلف فيها عاقلان، وأي فرد شريف نبيل لا يريد الوحدة لوطنه ولا يعمل لأجلها!!؟، فكل أمة ابتليت بالفرقة والتشرذم فمآلها الزوال، وفي أحسن الأحوال: الانزواء في زاوية التجاهل والنسيان عبر التاريخ.
عوامل الوحدة كثيرة أهمها:" اللغة"، لأن بها يتفاهم الأفراد؛ فيتعارفون ويتآلفون فيتحابون، والأمم إنما تسمَّى وتعرّف بلغاتها التي يتفاهم بها أفرادها، ولذا نجد كل الأمم تبذل قصارى جهدها للحفاظ على هذا الرباط المقدس، وتسعى لترسيخه في عقول أبنائها، لأن زوال اللغة يعني زوال الأمة، وإن تعددت اللغات في أمةٍ ما لظروفٍ ما، فإن الوحدة في تلك الأمة مهدّدة كلما تباعدت تلك اللغات في أصولها، وهي آمنة نسبيا كلما تقاربت تلك اللغات، وربما ضحت بعض الأمم بلغات بعض أبنائها: حفاظا على تلك الوحدة كفرنسا مثلا؛ لأن من طبيعة الأشياء أن تتعايش بالتقارب والتشابه، وتتناحر بالتباعد والاختلاف.
ومن هنا تبدأ عوامل الصراع بالظهور، وتطلُّ بوادر الفتن؛ لأنَّ الأرضية خصبة لزراعة مثل هذه العلقم المشؤوم الذي يولّد سلسلة من كوارث الحروب الأهلية التي اكتوت بنيرانها الإنسانية البائسة التعيسة منذ القديم. ولندخل في موضوعنا الآن، وهو كتابة الأمازيغية بالحرف العربي.
يقول خبراء الأمازيغية: إن ما يزيد على سبعين من المائة من ألفاظ الأمازيغية: أصلها من اللغة العربية، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن كلا من العربية والأمازيغية عاشتا في وئام وانسجام؛ حيث لم تكن العربية بحكم موقعها تضطهد الأمازيغية، والأمازيغية لم تكن تضمر العداء غيرة وحسدا للعربية السائدة، لذا لم يسجل لنا التاريخ ولو حادثة واحدة أحدثت فتنة بسبب اللغة، ولو لم يكن الأمر كذلك: لما كانت لتتجرأ الأمازيغية على الاستعانة بالعربية فيما ينقصها من ألفاظ، وتدمجه فيما لديها، حتى أصبح اليوم من صلب كيانها، وبلغ هذا المكتسب المبارك في ظل هذا الوئام والانسجام ما بلغ، والشروع في بث الشقاق بين اللغتين إنما وفد مع المستدمر الخبيث الذي سن سنّته الشيطانية: "فرّق تسد".
ولعل هذه الطائفة من ألفاظ الأمازيغية التي أصلها عربية، تعطي لنا صورة حية واضحة بهيجة لذلك التعايش بين اللغتين، وها هي الطائفة نوردها كما تنطق بالأمازيغية، وسنلاحظ أن ثمة بعض التعديل على أصل بعض الكلمات والحروف، وإليكموها:
( جدي جِدَه عمي عمْتي خالي خالْتي لَجْذوذ لَعْموم لَخْوال القُرُبا أزواج الدّرْيه ثِعُقَّرْثْ الجيران.
لَمْناسبه الفرح القرح لَهْنا لحزن الفثْنه ادْوا اشْفا الموث الميَّث الجنازه الوفاة انْعاش الحساب العقاب يوم القيامه الاخرث الجنَّث جهنم الدخان الملايك.
اشْعر ثِمشط القد النفْس: (النفَس) لَعقل لَحْمق لُغنا ازْهو الشهوه. الاِسلام الاخوان اَذكّر رمضان اسحور لفظور الحِج اظوَّفارْجم بِيرْ زمزم الكعبه المدينه.
الزكاة البركه الكيل الميزان ثزلّيث [إبْدال (ص) بـ(ز)] الجامع ثاحسيرث ثزربيث الفرض السنه النافله الركعه السجود لقرايَه اَسْلام. لفجر اطْهور العصَر المغرب العشا اصْبح اطْحى النّور أطْلام.
الشيخ الطّلْبه لكْتِبه لحْروف لُقران الحزب الخثمه أكرّر لَحْفظه محُّو الخط ثذواتس لَقلام ثِمْسطرث اسْطر ثلوِيحث الصلصال المداد.
العيذ العباده الطاعه المعصية ادْنوب الاَثم ارْضا الْخَوَه لَمحبه الكَره الحانّا لَحْسد اسماح لعفو الرحمه آسْثَغْفرْ أسبَّح السيّه الحسنه الاَجر أتسواب. المذوذ الربڤ ألڤَّام ارْكاب الرَّكبه لَحلاس لَيظَان ثاحزامت ثاسريجث ثايارْذه أحَرَّاث المَجْيذ لخياظه الخيظ.
أمان زريعه لَحشيش الخضره لكرمب لَعذس الُّوبيان اللفث الجوز اللوز البرقوق الخوخ أبلوظ.
الموس الجفنه أكشكول الماكله اطْعام.
الوقث الساعه ادْقيقه اشهر القرن اربيع لَخريف الشثْوه الشرق الغرب. الخيل الحافر الطير الريش المال الحِيوان انْظافه لوْسخ.
المصيبه المحنه اَصْبر الخوف ارزانه اسْخا الشَّحّه لَبخُل القوه الضعف انْدامه ثامعيشث الراحه لعثاب أسْفر الُومُّو التعديه اصواب الحق الباطل الظُّلم أشَرَّف البخس أعلاي الشان الامر يعمر يخْلا الفارغ الخير الشر الفال لَيَاس. البر لَبحر المُوجَه الحوث. الصحرا اَرْمل أعجّاج...)، وهذا قليل جدا من كثير جدا...
وما دام الأمر هكذا، أليَس من الأيسر والمنطق: أن تكتب كل هذه الكلمات وأخواتها بحروفها الأصلية، لا بالأبجدية اللاتينية التي تشكل فسيفساء غريبة متنافرة العناصر؛ لأنها استمدت من عدة لغات!!؟.
ولو ألقينا سؤالا عمن اخترع هذه الأبجدية المتعددة اللغات -وهو مشكور على كل حال لاجتهاده- فما كان ليسعه إلا أن يجيب: " إنه لم يجد أي لغة تستطيع حروفها وحدها أداء أصوات الأمازيغية!!؟".
فلو طرح المشكل علينا، لأمكننا أن نجيب بكل منطقية ونزاهة وحياد:
" إن الحل جاهز في الحرف العربي الذي لا يحتاج إلى إضافة أيِّ حرف، وإنما فقط ينبغي تعديل خمسة حروف تعديلا طفيفا لا يتعدى إضافة نقطة أو نقطتين لأربعة حروف وشرطة لحرف واحد"، هكذا: [ج ←جـ ب ← ب ــ ز← زـ قـ ← ﭬـ ـ ك ← كـ]، وهذه هي الكلمات التي تحمل هذه الحروف: [ثِجزِيرْثْ: جزيرة]. [الْبرْ: البر]. [الرّزْقْ: الرزق]. [الرَّبڤْ: ربقة] .[ثَكمامْتْ: كِمامة].
أما الأبجدية اللاتينية، فرغم أنها أخذت من عدة لغات: لم تجد مقابلا لأداء صوتين أداء سليما وهما: (ج) و(كـ) فتَكتب الكلمتين التاليتين هكذا: afaggagـــ aksoum ونطقهما بالحرف العربي هكذا: أفَڤَّاڤْ ــ أكْسُومْ. وهو نطق غير سليم، والنطق السليم بالحرف العربي هو: أفَڤَّاج. أگْسُومْ.. زيادة على ذلك، فإن هذا القصور يؤدي إلى الالتباس أحيانا، مثل كلمتي: [ثَجسْثْ]: [وتد]، و[ثَڤُسْثْ]: [حزام]، تكتبان بالحرف اللاتيني على صورة واحدة thagosth ، ولا ندري أيهما المقصود بالضبط!!؟.
والآن: ما هي الصعوبة وما هي السهولة في استيعاب كل من الأبجديتين؟؛ فبينما لا تتطلب أبجدية الحرف العربي سوى نحو خمس دقائق لتوضيح كيفية النطق بالحروف المعدلة: نجد حرف الأبجدية اللاتينية يتطلب معلِّما خاصا، ومدة لا يستهان بها لاستيعابها.
أما الفوائد التي نجنيها من كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، فكثيرة نلخص بعضها فيما يلي:

أولا: الوحدة الوطنية.
وبما أن الإنسان بطبيعته يميل، بل يحبّ اللغة التي تَعلمها إلى حد التقديس أحيانا، فإنه بالتالي يأْلف ويحب الناطقين بها، ألسنا نحن في الجزائر بحاجة إلى هذه المحبة وهذا التآلف وهذا الوئام!!؟، بل ربما نكون أحوج من غيرنا إلى ذلك، ولدينا مثال محسوس في الفرنسية حيث يفضلها بعضنا على جميع لغات العالم، بل وعلى اللغة الوطنية!!؟، وحتى سفر الجزائريين إلى الخارج إنما يكثر إلى فرنسا رغم المجازر التي ارتُكبت في حقنا، ورغم دمائنا التي سالت أنهارا عبر التاريخ على يد صاحبة اللغة، أليس كل ذلك بسبب اللغة التي تعلمناها!!؟.
إن تعلم الأمازيغية بالحرف العربي جدير بخلق هذا الإحساس وأكثر لدى كل جزائري بتوفير سهولة تامة في قراءة الأمازيغية باستعمال الحروف العربية الموجودة لديه، دون أن يبحث عمن يعلِّمه المفاتيح الجديدة لهذه اللغة، وقد لا تتاح له الفرصة لذلك أبدا طول حياته، ثم لا ننسى أن اللغة الأمازيغية أصبحت الآن لغة وطنية ورسمية، ومعنى هذا: أنها ملكٌ لجميع الجزائريين لا لبعضهم، وعليه فمن حق الجميع: أن يوفر لهم الجو المناسب، وأن ييسِّر لهم الأمر لتعلُّمها، وأيّ جو أنسب وأي وسيلة أكثر تيسيرا من كتابتها بالحرف العربي الذي يعرفه الجميع!!؟.

ثانيا: فسح المجال واسعا أمام انتشار الأمازيغية إذا كتبت بالحرف العربي؛ وذلك بإمكانية قراءتها حيث تنتشر هذه الحروف، وبمعادلة بسيطة يتضح لنا: أن عدد الذين يستعملون الأبجدية اللاتينية لقراءة الأمازيغية يكاد يتساوى والعدم أمام من يحسنون الحرف العربي، والذين يمكنهم قراءة الأمازيغية بكل يُسر وسهولة: بدءا من الجزائر إلى كل الدول العربية. وبعبارة أخرى، فإن كتابة الأمازيغية بالأبجدية اللاتينية معناه: وضعها في زنزانة ضيقة لا يتعامل معها إلا أفراد قليلون!!؟.

ثالثا: الأبجدية العربية لكتابة الأمازيغية دخلت العالمية من بابها الواسع؛ حيث يتيسر لكل أحد يملك هاتفا نقالا من النوع الحديث: أن يجد لوحة الحروف العربية، ومعها الحروف الخمسة المعدّلة لكتابة الأمازيغية، وما عليه إلا الضغط على تلك الحروف مع الاستمرار لبعض الوقت، فيحصل على الحرف المعدّل، وكذلك الأمر بالنسبة للوحات الإلكترونية. ويبدو أن الشركات التي أدمجتها في صناعة منتجاتها استعارت هذه الحروف من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية التي أدخلنا فيها هذه الحروف، ووضَّحنا كيفية قراءة الأمازيغية قراءة صحيحة وبدقة بتعديل تلك الحروف، لأن الترجمة أدرِجت في الشبكة المعلوماتية المتاحة لكل أحد؛ وهذا التطابق التامّ بين ما وُضع في الترجمة وبين ما أدرِج في لوحات الأجهزة يستحيل أن يحدث صدفة، ثم إن الأجهزة المصنوعة قبل صدور الترجمة لا توجد بها هذه المصطلحات.

رابعا: بالنسبة لأبنائنا في المدارس، أليس من حقهم علينا: أن نرأف بهم ونعفيهم من تعدُّد الأبجديات التي تكون خطرا علي صحتهم العقلية والنفسية وحتى البدنية في هذه المرحلة!!؟.
أليس من الأفضل لهم: أن يستعملوا أبجدية واحدة لتعلُّم لغتين اثنتين: عربية وأمازيغية؟، حيث إن من الخطر المحقق عند علماء النفس والتربية: إرهاق عقول الصغار الغضة بوابل من الأبجديات في هذه السن المبكرة!!؟.
ولقد سبق لي أن ذكرت أن مفتش أكاديمية "نيم" لما سألته حين كنت منتدبا بفرنسا عن عدم تعليم لغة ثانية في الابتدائي عندهم، مع حاجتهم الملحة إليها عند انطلاق الاتحاد الأوربي، أجابني:«إن أذهان الصغار لا تتحمَّل ذلك»، فسألته: «وماذا نقول نحن الذين نعلِّم حاليا لغتين عربية وفرنسية، ونحن بصدد تعليم لغة ثالثة، وهي: الأمازيغية؟»، فأجاب: «صراحة: إنها مسألة ليست مأمونة العواقب، وتهدِّد الصغار تهديدا جديا». مع العلم أن إمكانياتنا لا تكاد تُذكر بجانب إمكانياتهم.

الخاتمة:
مع كل هذه الفوائد والمنافع للوطن وللأجيال وحتى للأمازيغية ذاتها، نجد الحرف العربي قد تم إقصاؤه من الأمازيغية!!؟.
وهنا: نجد أنفسنا مضطرين لتوجيه عتابٍ أخوي لطيف للمحافظة السامية للأمازيغية على إقصائها الحرف العربي من أنشطتها، ويبدو لنا أن هذا الإقصاء ممنهج مدروس (ونرجو أن نكون مخطئين في استنتاجنا). مع أن هذا الإقصاء يسبب أضرارا، ويضيع منافع ومصالح كما تأكد لنا من خلال مناقشتنا للموضوع في هذا المقال، فلمَ هذا الإقصاء بالله عليكم!!؟.
نرجو أن يكون ذلك مجرد خطأ: لا عن سوء نية، ونرجو أن يتم تداركه قبل فوات الأوان.