حديث الصباح.. الوطن لمن؟
04-05-2018, 08:08 AM
و أنا أبحث في صور و أسماء المستفيدين على السكن الاجتماعي بمدينتي جاءني هاتف يقول لقد سقطت أسماء عديدة، و بدأ السؤال يتلوه السؤال عن المقاييس التي وضعتها السلطات الولائية في توزيع السكنات الاجتماعية، هل كل المستفيدين هم "زْوَاوْلَة" مثلي؟ هل كل المستفيدين هم أبناء المدينة؟، أم أن القائمة تضم كالعادة أسماء للدخلاء؟ و وقفت على العديد من أسماء النساء هُنَّ غير متزوجات، كما أن اللجنة المكلفة بإعداد القائمة لم تذكر سِنُّ كل مستفيد، و هذا أمر عادي لأن صور المستفيدين المعلقة وحدها تحدد الكبير من الصغير، مع سقوط أول دمعة رحت أبحث بين جوانحي عن وطني، و ما يحمله من معاني، أسئلة كثيرة تدور في ذهني عمّا تعنيه كلمة وطني؟ و كيف ننتمي إلى هذا الوطن؟، سؤال طرحتُهُ على نفسي، و ربما طرحته نساء قبلي..
بحثت بين أوراقي عن الوطن، قلبت كل الصفحات، و أخذتني مركبة الزمن إلى صرخات نساء كنّ قد بحثن عن مفهوم الوطن ، و هاهي الكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف تتساءل عمّا تعنيه كلمة الوطن؟ و كم هو نصيبها من إنجلترا، ما الذي يمكنه أن يقدمه القانون لها؟ ما الحماية المادية التي يمكن أن يوفرها هذه القانون أو هذا الوطن، و كان لها أن تختصر و تقول: إن الذين زعموا أنهم كافحوا و ناضلوا من اجل أنه تعيش هي معززة مكرمة و حمايتها من كل شيئ يجلب لها الألم، أتراهم أخطأوا؟ أم أن الذين جاءوا بعدهم خانوا الأمانة و كانوا أنانيين و جبناء، لأنهم لم يكونوا في مستوى "الرّجال"، ربما ما قالته هذه الكاتبة الإنجليزية فكرتُ فيه قبل أن أقرأ ما كتبت، خاصة و أن فيرجينيا تحدثت عن "الدخلاء" ، إن عاطفة ما تدفعها لتضمن للوطن أولا ما ترغبه للعالم أجمع من سلام و حرية، ثم تتساءل ما هو الانتماء للوطن؟، هو سؤال في الصميم..، و لعل البعض منّا طرح هذا السؤال على نفسه و هو يبحث عن مساحة صغيرة تشعره بالانتماء لهذا الوطن..
هل يكفي أن نكون حاملين "بطاقة هوية" أو "جواز سفر" لكي نثبت انتماؤنا لهذا الوطن؟، هل يكفي ذلك و نحن نعيش تحت سقف مهدد بالانهيار فوق رؤوسنا و في أي لحظة؟، و كيف نُمْسِي أعضاء في هذا الوطن، و إن كانت أفكار فيرجينيا وولف كإنجليزية ، فهي أفكار كل امرأة في العالم، مهما كانت جنسيتها و مهما كانت عقيدتها ، طالما هذه المرأة تناضل و تكافح و تجاهد من أجل أن يكون لها وجود في هذا الذي نسميه "وطن" ، و كيف تحقق "مواطنتها"، في ظل قوانين التملك و بأسلوب الغش و التحايل، و استغلال حب الآخر للوطن، و هنا نجدد السؤال حول قضية من له الحق في الانتماء للوطن و كيف؟ و من هم المواطنون الحقيقيون الذين ينتمون لهذه المدينة أو لهذا الوطن؟، يقول محللون غربيون و منهم كاثرين هول أستاذة التاريخ في جامعة لندن : إن الوطن لا يتشكل مرة واحدة كما أنه لا يخذ قالبا نهائيا إلى الأبد، بل على العكس، فإنه يعاد بناؤه و تصوره و ترسيم حدوده على نحو مستمر، و هذا من أجل إعادة صياغة مفهوم "الوطن"، و تغيير مفهوم "المواطنة" و تشكيل طبقة جديدة في المجتمع، و بالتالي وضع مفاهيم جديدة من خلالها نفرق بين من هم المواطنون و من هم الرعايا؟ ، و من خلالها أيضا يمكن إعطاء الخيوط التي يمكن لخريطة الوطن أن ترسم بموجبها، و تحدد الفئات المتضمنة أو المستبعدة من المجتمع المتخيل لذلك الوطن.
الآن فقط فهمت مضمون الرسالة التي أرادت فيرجينيا وولف كـ: "امرأة"أن توجهها لنا ، و للذين ينتمون إلى طبقة البؤساء لمعرفة ماهي الصلة التي تربطهم بهذا الوطن، و كأنني اسمعها تقول: أيها المواطنون الحقيقيون، أنتم دخلاء عن هذا الوطن، لأنكم لا تملكون المال لشراء كل شيئ، حتى الأمن و السلام، ماذا يعني أن أعيش في وطني و أنا غريبة عنه، ماذا يعني ان أعيش في وطني و أنا مهضومة الحقوق، و أنا أرى الدخلاء يحتلون السكنات، و الوظائف، و يحصلون على كل الامتيازات على حساب الشهداء و المجاهدين و يلقون بأبنائهم في بحر الضياع ، و يحولونهم من مواطنين حقيقيين إلى رعايا، فيشعرونهم بأنهم هم الدخلاء.. لك الله يا وطني، لقد رسمت فرجينيا لوحة للإنتماء و هي تردد : "نعيب الغدفان على شجرة الدردار، و الأمواج التي ترتمي على أقدام الشواطئ و الأصوات التي تترنم بأناشيد رياض الأطفال"، محزن جدا طبعا أن تكون غريبا في وطنكَ ..لك الله يا وطني.
علجية عيش
عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..