إلى ذات الجسور ...
19-11-2008, 03:06 PM
لم أكن اصدق أن للمكان روحا كما البشر، رغم أنني كنت أسمع ذلك كثيرا فأحسبه لجهلي ضربا من ضروب الإستعارات أو شطحة من شطحات الشعراء ومن تبعهم من الغاوين، إلى أن قدر لي أن ألمس ذلك وأراه.
فكلما زرت مدينة قسنطينة أجدني أسير مجال من التيارات والكهارب وتتسرب إلى داخلي سيالات روحية تلهمني أن أقول وأفعل .
احس ارواح من مروا بالمكان تعابثني، تناجيني ، وأنا أهيم في السويقة ، أو أقطع إلى الضفة الأخرى لودي الرمال سواء عبر جسر سيدي راشد أو جسر سيدي مسيد أو جسر القنطرة.
وكم يلفني الغموض وأنا أدرج عبر جسر الشيطان أو جسر الشلالات حين يتناهى إلى مسامعي خرير المياه مازجه صدى المالوف يأتي من بعيد ليشكلا معا سمفونية ملائكية رائعة، ليس هذا فقط فحيثما وليت وجهي أجد قسطنطين واقفا حيالي أو نابليون أو صالح باي ، وكأنني في معرض لتماثيل الشمع.
أحيانا يخيل لي انني أرى الشيخ بن باديس يعبر الأزقة العتيقة مسرعا غلب حرصه على الوقت وقار العلماء فيه، فلا تكاد عيناي تتبعانه حتى يختفي عني في الجامع الأخضر أو مسجد سيدي قموش .
أو قد تراني أطارد شبح مالك بن نبي وهو يعبر الحي الفرنسي أو يتجول في أزقة اليهود مغرقا في تفكيره.
كل ذلك وأنا أجد شذى عطر غريب موغل في القدم يأتي من بعيد ، مؤكد أنه لا وجود لهذا العطر ولا لتلك الخيالات، إنما هي روح المكان جبارة طاغية تغلب على كل شيء.
قسنطينة التي أولعت بها أول ما ألتقيتها في صباي و صار يعيدني إليها حنين جارف كلما أطلت الغياب، ولست لوحدي، فحتى الأموات يعز عليهم فراقها فتضل أرواحهم متشبثة .
لذلك عندما طلب مني أن أنظم أبياتا في ذكرى الشيخ بن باديس، إستلبتني ذكرى المكان وتمرد قلمي ووجدتني أكتب هذه الأبيات .
___________________
(1) الملوف : طابع غنائي شعبي يميز مدينة قسنطينة
ولمن لا يعرف مدينة قسنطينة فليزرها عبر هذا الرابط
فكلما زرت مدينة قسنطينة أجدني أسير مجال من التيارات والكهارب وتتسرب إلى داخلي سيالات روحية تلهمني أن أقول وأفعل .
احس ارواح من مروا بالمكان تعابثني، تناجيني ، وأنا أهيم في السويقة ، أو أقطع إلى الضفة الأخرى لودي الرمال سواء عبر جسر سيدي راشد أو جسر سيدي مسيد أو جسر القنطرة.
وكم يلفني الغموض وأنا أدرج عبر جسر الشيطان أو جسر الشلالات حين يتناهى إلى مسامعي خرير المياه مازجه صدى المالوف يأتي من بعيد ليشكلا معا سمفونية ملائكية رائعة، ليس هذا فقط فحيثما وليت وجهي أجد قسطنطين واقفا حيالي أو نابليون أو صالح باي ، وكأنني في معرض لتماثيل الشمع.
أحيانا يخيل لي انني أرى الشيخ بن باديس يعبر الأزقة العتيقة مسرعا غلب حرصه على الوقت وقار العلماء فيه، فلا تكاد عيناي تتبعانه حتى يختفي عني في الجامع الأخضر أو مسجد سيدي قموش .
أو قد تراني أطارد شبح مالك بن نبي وهو يعبر الحي الفرنسي أو يتجول في أزقة اليهود مغرقا في تفكيره.
كل ذلك وأنا أجد شذى عطر غريب موغل في القدم يأتي من بعيد ، مؤكد أنه لا وجود لهذا العطر ولا لتلك الخيالات، إنما هي روح المكان جبارة طاغية تغلب على كل شيء.
قسنطينة التي أولعت بها أول ما ألتقيتها في صباي و صار يعيدني إليها حنين جارف كلما أطلت الغياب، ولست لوحدي، فحتى الأموات يعز عليهم فراقها فتضل أرواحهم متشبثة .
لذلك عندما طلب مني أن أنظم أبياتا في ذكرى الشيخ بن باديس، إستلبتني ذكرى المكان وتمرد قلمي ووجدتني أكتب هذه الأبيات .
إلى ذات الجسور ..
لما جئت أطلب للمقام مقـــــــــــال * وكأن دأبي أن أروم محــــــــــال
هيهات سرتا لم أجئك مغامـــــــرا * أو شاعرا يرجو قراً ونـــــــــوال
لكنه نذر رجوت وفـــــــــــــــــاءه * ومنـــــازل هيجـــن لي بلبــــــال
وأنا الشغوف بمدح أرباب النهـى * ومنازل حطو بها الأرحـــــــــــال
وتنسم العبق التليد غوايتــــــــــي * من وصل فاتنة تتيـــــــــــه دلال
هي سرتةُ الأمجاد يعبق تربهــــا * بعبير أعلام مضو أبطـــــــــــــال
خدموا المحابر والمنابر والوغـى * وبقت مآثرهم تشع جـــــــــــــلال
روح المكان تشربت أرواحهــــــم * أنى خطوت تحسهم مُثّـــــــــــــال
وإذا أصخت سمعت ثّم حسيسهــم * مزج الملوف (1) به فصــار زلال
ما قرطبا التاريخ ما بغـــــــــــداده * ما حاضرا بيروت ـ خل جــــــدال
مالقيروان وما قرطاج عندهمـــوا * وما دمشق وما الشهباء أبــــدال
ما الفضل إلا لسرتا حين مفخـــرة * وكم يفاخر أهل العلم جهـــــــــال
ألقت عصى موسى بقدرة ربهـــــا * لكنهم ألقوا عِص وحبــــــــــــال
قالوا وكان الهزل ميدانا لهـــــــــم * وأبيت إلا الجد والأفعــــــــــــــال
أتعبت خيل الفاتحين تحصنــــــــــا * وسموت عن كف الطغاة منـــال
كم فيك من ترب تضرج بالدِمــــــا * وكفى به وادي الرمال ثِفــــــــال
إن شدت الأرحال نحو ثلاثــــــــــة * أولى لمثلك أن تشد رحــــــــــال
ولولا اختيار الله موضع بيتــــــــه * لحججت نحوك محرما إجــــــلال
هيهات سرتا لم أجئك مغامـــــــرا * أو شاعرا يرجو قراً ونـــــــــوال
لكنه نذر رجوت وفـــــــــــــــــاءه * ومنـــــازل هيجـــن لي بلبــــــال
وأنا الشغوف بمدح أرباب النهـى * ومنازل حطو بها الأرحـــــــــــال
وتنسم العبق التليد غوايتــــــــــي * من وصل فاتنة تتيـــــــــــه دلال
هي سرتةُ الأمجاد يعبق تربهــــا * بعبير أعلام مضو أبطـــــــــــــال
خدموا المحابر والمنابر والوغـى * وبقت مآثرهم تشع جـــــــــــــلال
روح المكان تشربت أرواحهــــــم * أنى خطوت تحسهم مُثّـــــــــــــال
وإذا أصخت سمعت ثّم حسيسهــم * مزج الملوف (1) به فصــار زلال
ما قرطبا التاريخ ما بغـــــــــــداده * ما حاضرا بيروت ـ خل جــــــدال
مالقيروان وما قرطاج عندهمـــوا * وما دمشق وما الشهباء أبــــدال
ما الفضل إلا لسرتا حين مفخـــرة * وكم يفاخر أهل العلم جهـــــــــال
ألقت عصى موسى بقدرة ربهـــــا * لكنهم ألقوا عِص وحبــــــــــــال
قالوا وكان الهزل ميدانا لهـــــــــم * وأبيت إلا الجد والأفعــــــــــــــال
أتعبت خيل الفاتحين تحصنــــــــــا * وسموت عن كف الطغاة منـــال
كم فيك من ترب تضرج بالدِمــــــا * وكفى به وادي الرمال ثِفــــــــال
إن شدت الأرحال نحو ثلاثــــــــــة * أولى لمثلك أن تشد رحــــــــــال
ولولا اختيار الله موضع بيتــــــــه * لحججت نحوك محرما إجــــــلال
___________________
(1) الملوف : طابع غنائي شعبي يميز مدينة قسنطينة
ولمن لا يعرف مدينة قسنطينة فليزرها عبر هذا الرابط
أنا في أنتظار نقدكم وأرائكم فلا تبخلوا علي بارك الله فيكم .
التعديل الأخير تم بواسطة IYAS ; 19-11-2008 الساعة 08:55 PM