تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
الياس
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 10-01-2007
  • المشاركات : 37
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • الياس is on a distinguished road
الياس
عضو نشيط
محاضرات في القانون الدولي العام
27-12-2008, 07:23 PM
محاضرات في القانون الدولي العام


القسم الأول : الأصول والمبادئ العامة
الباب الأول:ماهية القانون الدولي العام
الفصل الأول: تعريف القانون الدولي العام
إن القانون الدولي ليس وليد العصر الحالي، بل مر بعدة تطورات ومراحل إلى أن وصل إلى شكله الحالي. ولقد اختلف الفقهاء حول تسمية هذا القانون حيث أطلق عليه البعض اسم قانون الأمم وأطلق عليه البعض الآخر اسم قانون الشعوب، ولكن التسمية التي نفضلها هي القانون الدولي لأنها تبرز أهمية من خصائص هذا الفرع من فروع القانون.
ولقد اختلف الفقهاء أيضاً حول تعريف القانون الدولي ولكننا نستطيع أن نعرفه بأنه "مجموعة القواعد القانونية الاتفاقية الصادرة نتيجة التراضي الصريح أو الضمني للدول، والتي تنظم المجتمع الدولي وتكون ملزمة لجميع الدول في تصرفاتها على المستوى الخارجي، كما تحدد حقوق كل دولة وواجباتها في مواجهة غيرها من الدول".
ويختلف القانون الدولي عن الداخلي في أن الأخير ذو طابع إقليمي حيث يطبق داخل إقليم الدولة التي وضعته في حين أن القانون الدولي يطبق على المستوى الخارجي حيث ينظم علاقات الأشخاص الدولية.
الفصل الثاني : القانون الدولي العام والقانون الدولي الخاص
على الرغم من اشتراك القانونين في الصفة الدولية إلا أنه لكل منهما موضوعه ومجال تطبيقه.
أولاً- القانون الدولي العام:
ينظم القانون الدولي العام العلاقات المتبادلة ما بين الأشخاص الدولية، حيث يبين أشكال الدول وحقوقها وواجباتها وكيفية حل المنازعات فيما بينها، ومن أهم فروعه:
1- القانون الدولي الإنساني:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تكفل حماية حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية وتعميق مفهوم التعاون الدولي بهدف القضاء على الحرب والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
2- القانون الدولي للبحار:
ويشمل مجموعة القواعد القانونية لاستخدام البحار واستغلال ثرواتها الطبيعية.
3- القانون الدولي الجوي:
وينظم الطيران واستخدام الفضاء الجوي والخارجي.
4- قانون الإجراءات الدولية:
ويضم مجموعة القواعد المنظمة لإجراءات التسوية السلمية للمنازعات الدولية وأهمها إجراءات التحكم والتسوية القضائية.
5- القانون الدولي للتنمية الاقتصادية:
ويضم القواعد المنظمة للعلاقات الدولية الاقتصادية.
6-قانون النزاعات المسلحة:
وهو مجموعة القواعد المنظمة لسير الحرب وإنهائها والالتزامات والحقوق المتبادلة للمتحاربين خلالها وحقوق والتزامات الدول المحايدة.
7-القانون الدستوري الدولي:
ويضم الوظائف والاختصاصات وتوزيع السلطة بالنسبة للمنظمات الدولية.
8-القانون الدولي الجنائي:
ويضم القواعد المتعلقة بتنظيم الاختصاص القضائي الجنائي الذي تدعيه الدول على المواطنين والأجانب، ومحاكمة المجرمين الدوليين في الجرائم الدولية.
ثانياً- القانون الدولي الخاص:
هو ذلك الفرع من القانون الداخلي الذي يحدد جنسية الأشخاص التابعين للدولة والموطن ومركز الأجانب وحلول تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين.
ويعتبره غالبية الفقهاء فرع من فروع القانون الداخلي لأن صلته بالتشريعات الوطنية أقوى من صلته بالقواعد المنظمة للعلاقات الدولية.
في حين أن جانب من الفقه يعتبره جزءاً من القانون الدولي العام لأن الدول ليست حرة بشكل مطلق في وضع أحكام القانون الدولي الخاص لأنها تلتزم باحترام قواعد العرف الدولي والمعاهدات الدولية التي تدخل في نطاق هذا القانون وخاصة تلك التي تنظم مركز الأجانب وقواعد اكتساب وفقد الجنسية.
الفصل الثالث : أساس القانون الدولي العام
الاتجاه الأول- الدين المسيحي أساسا القانون الدولي:
واستند أصحاب هذا الاتجاه إلى ما جاء في معاهدة باريس عام 1815.
نقـد:
يؤدي إلى استبعاد الدول غير المسيحية كتركيا مثلاً ويتناقض مع الأفكار الحديثة التي تفصل بين الدين والدولة.
الاتجاه الثاني- المنفعة هي أساس القانون الدولي:
نقـد:
يخلط هذا الاتجاه بين السياسة التي أساسها المنفعة وبين القانون الدولي.
الاتجاه الثالث- الموازنة السياسية:
وهي توازن القوى العظمى لإنهاء الأزمات السياسية وإنهاء الحروب الطاحنة ولقي هذا المبدأ تطبيقاً في أوربا بعد معاهدة وستفاليا.
نقـد:
لا يكفي ليكون أساساً للقانون الدولي الذي يبنى على اعتماد الدول المتبادل على بعضها من النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية واستقلال كل دولة من الناحية السياسية.
الاتجاه الرابع- مبدأ الجنسيات:
روج لهذا المبدأ ماشيني وجمع كبير من الكتاب الإيطاليين ويقوم على أن كل جنسية لها الحق في أن تنتظم في شكل دولة، وهذا المبدأ يضمن حفظ الأمن والسلام بحسب رأي أنصاره.
نقـد:
لا يكفي ليكون أساساً للقانون الدولي الذي يبنى على اعتماد الدول المتبادل على بعضها من النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية واستقلال كل دولة من الناحية السياسية.
الاتجاه الخامس- مبدأ تقرير المصير:
ويعني هذا المبدأ حق الأمة الطبيعي في اختيار السلطة التي تذعن لها بالسيادة وأول من روج له الرئيس الأمريكي "ولسن".
نقـد:
لم يجد هذا المبدأ مجالاً للتطبيق حتى من الرئيس "ولسن" ذاته ولقد أدركته فيما بعد معاهدات الصلح وحجة الدول في ذلك كانت أن تنفيذ هذا المبدأ يعرض سلامة الدول للخطر ويشجع على تفتيت الدول والنزعات الانفصالية.
الاتجاه السادس "الراجح" حاجة الإنسان للاجتماع وضرورة الاتصال بين البشر:
إن تشعب الحاجات وتنوع الثروات أدى إلى خلق نوع من الحاجة إلى وجود علاقات اقتصادية وتجارية بين معظم الدول وكلما زادت الدول تمدناً زادت الحاجة إلى معاونة الدول الأخرى لها ولابد من وجود تنظيم لهذه العلاقات وهذا يعتبر من أهم عوامل السلام العالمي الذي تسعى كل دولة إلى توطيد لما لها من مصالح متبادلة في تجنب الحروب والمنازعات. ومن هذه النقطة يظهر أساس للقانون الدولي. ولا يشترط أن تكون الدول متساوية من حيث المساحة أو السكان أو التقدم بل يكفي أن تكون عضواً في جماعة الدول المنظمة التي بلغت درجة من المدنية
الباب الثاني : نشأة القانون الدولي العام وتطوره
الفصل الأول : الخلفية التاريخية للقانون الدولي العام
لقد كان هناك في المجتمعات البدائية علاقات غير معقدة لذلك كانت قواعد القانون الدولي تتسم بالبساطة ولكن هذه القواعد لم تكن كما هي عليه في الشكل الحالي حيث ظلت بهذه البدائية إلى أن ظهرت الدولة الحديثة، حيث أن القانون الدولي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظهور نظام الدولة الحديثة ولذلك فإن فهم طبيعة القواعد القانونية الدولية يقتضي تتبع ظروف نشأة الدولة الحديثة ومعالمها الأساسية.
أولاً- ظهور الدولة الحديثة:
لقد أصبحت المجتمعات الإنسانية مستقلة عن بعضها البعض حيث لكل واحدة سكانها وإقليميها وسلطتها العامة، ولكن ذلك جاء بشكل تدريجي، حيث صادف ظهور الدولة والسلطة الحاكمة عدة عقبات أهمها:
قلة عدد السكان وتناثرها في أنحاء مختلفة، والظروف الاقتصادية الصعبة، وأهم هذه العوامل على الإطلاق وجود النظام الإقطاعي وسيطرة الكنيسة.
النظام الإقطاعي:
لقد كنت السلطة في الممالك الإقطاعية موزعة بين الملك وبين الأمراء الإقطاعيين، حيث كان لكل أمير إقطاعه لخاص الذي يسيطر عليه ويدافع عنه بل كان يدخل في معارك مع الأمراء الآخرين لتوسيع نفوذه وللبحث عن الموارد الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدفاعية الأفضل، أمام هذا التمزق لم يكن المالك قادراً على التعبير عن إرادة موحدة للمملكة، حيث يصعب وصف المملكة الإقطاعية بالدولة بالمفهوم المعاصر، لأن السلطات كانت موزعة بين الأمراء الإقطاعيين والدولة الحديثة تقتضي تجمع السلطات في يد حكومة واحدة تهيمن على المملكة بجميع مقاطعاتها وتمثلها في الداخل والخارج، ولكن على الرغم من أن النظام الإقطاعي كان حائلاً دون التحول إلى نظام الدولة الحديثة، فإن المساوئ التي صاحبت هذا النظام، والضعف والتفكك الذي ساد هذه الإقطاعيات أدى إلى حتمية التغيير نحو النظام الدولة الموحدة.
سيطرة الكنيسة:
كان النظام السياسي للجماعة الإنساني في الغرب في العصور الوسطى يقوم على دعامتين:
السلطة الدنيوية والسلطة الدينية ويقوم بالنهوض بهما الإمبراطور والبابا ولقد كانت الكنيسة تطالب بالولاء لتعاليهما التي لم تكن تنحصر فقط في التعاليم الدينية بكل كانت تشمل شئون الحياة الدنيوية الأخرى، ولقد كان هناك صراع بين الملك والكنيسة حول ذلك إلى أن انتهى هذا الصراع بتوقيع صلح وستفاليا عام 1648 الذي يعد بداية انتقال السلطة من الكنيسة إلى الدولة بشكلها الجديد ثم زالت آخر عقبة كانت تعترض طريق ظهور الدولة الحديثة بانتصار الملك على البابا في فرض سلطاته على الشئون المدنية.
وأخطر ما واجه الدول عدم وجود رقابة على علاقاتها المتبادلة من جهة وتحللها من المبادئ والمثل العليا من جهة أخرى نتيجة استقلالها عن الكنيسة. ولقد اكتشفت الدولة ضرورة وجود التعاون فيما بينها للحفاظ على بقائها وذلك نتيجة ظروف كل دولة واحتياجاتها للدول الأخر من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية ومن جهة أخرى للحفاظ على سيادة الدولة يجب أن تمتنع كل دولة عن الاعتداء على الدول الأخرى والامتناع عن حل المنازعات عن طريق استخدام القوة.
وأمام ذلك يجب عليها الخضوع إلى مجموعة من الضوابط الموضوعية بشأن تنظيم المعاملات والعلاقات المشتركة بينها، هذه الضوابط تأخذ شكل قواعد تتفق الدول على الالتزام بها فيما يقوم بينما وبين غيرها من الدول من علاقات التعاون وتبادل المصالح.
ثانياً- نظرية السيادة:
بعد ظهور فكرة الدولة، كان لا بد أن يكون هناك مساواة ما بين الدول ويترتب على ذلك ألا يكون لإحدى الدولة سلطة على دولة أخرى وأمام ذلك حدث تطور فكري في نظرية سيادة الدولة.
والسيادة نظرية قانونية ارتبطت بنشأة الدول القومية في أوربا، ولكنها ظهرت في بادئ الأمر كمبدأ سياسي ينادي باعتبار الملك هو صاحب أدنى سلطة في الدولة.
نظرية بودان في السيادة:
أول من قال بنظرية السيادة هو المفكر الفرنسي جان بودان، حيث عرف السيادة بأنها السلطة العليا والمطلقة للملك على المواطنين والرعايا والتي لا يقيدها إلى الله والقانون والهدف من ذلك كان التحرر من النظام الإقطاعي وسيطرة الكنيسة.
وأهم مظاهر للسيادة هو سلطة إصدار القوانين من قبل الملك وبالتالي فهو لا يخضع لها بما أنه هو الذي أصدرها وبالتالي يكون الملك أعلى سلطة في الدولة، ولكن سلطته مطلقة بل تخضع للقوانين الإلهية والقانون الطبيعي والقوانين الأساسية للدولة وتعني الأخيرة القوانين التي لا يضعها الملك وتقرر من الذي يحكم ومن الذي يضع في يده كل السلطات والحدود التي تمارس في إطارها سلطته وهو ما يطلق عليه حالياً الدستور وعلى ذلك مفهوم السيادة عند بودان يعني أن الدولة لها سلطة عليا قوية وموحدة ولكنها ليست مستبدة أو غير مسئولية فهي محدودة بواسطة القانون وتستمد سلطاته منه، وهذا المفهوم للسيادة يتمشى مع النظرة التقليدية لمفهوم القانون التي تعتبر جميع القوانين الوضعية مستمدة من قانون أساسي أعلى يلزم الجميع ويتضمن حكمه الماضي، وإن القوانين الوضعية إذا خالفت هذا القانون الأعلى لن يكون لها أي قيمة ولن يعتد بها، وتمشياً مع هذا المفهوم فإن السيادة مبدأ رئيسي وضروري من أجل الحفاظ على النظام الأساسي للدولة.
ولكن نظرية بودان تغيرت نتيجة للأحداث التي توالت في نطاق العلاقات الدولة وظهور الدولة القومية في أوربا في العصر الحديث، حيث بدأ التفكير يتجه نحو الدولة القوية ذات السلطة المطلقة وأن القانون هو من صنع الحاكم وذلك كان نتيجة للتأثر بالقانون الروماني الذي كان يعد إرادة الأمير هي القانون ولقد وصل هذا التفكير إلى مده بعد كتبات هوبز في السيادة الذي يعتبر السلطة أعلى ما في الدولة وأقواها لذلك لا يمكن أن يوضع لها حدود كما لا تسمو عليها أي سلطة أخرى سواء في الداخل أو الخارج والقانون لا يقيد الحاكم بل هو أداة ليباشر فيها حكمه، وعلى ذلك فإن السيادة يجب أن تكون مطلقة وغير محدودة وهو ما يطلق عليه اليوم الديكتاتورية.
ولكن بظهور الحكومة الدستورية، ظهرت أفكار جديدة تبناها المفكر "لوك" ومن بعده "روسو" حيث أصبحت السيادة لمجموع الشعوب، وفي ذلك إضفاء للشرعية على الثورة الأمريكية والفرنسية حيث كانت لمواجهة الديكتاتورية.
وكان لتطور نظرية السيادة ودخولها المجال القانوني بداية نشوء القانون الدولي التقليدية، فلم تعد للدولة سيادة مطلقة في ميدان العلاقات الدولية، وبدأت تتوازن الأفكار التي كانت تنادي بأن الدولة لا تتقيد إلا بإرادتها وأن استعمال القوة واللجوء إلى الحرب هو أحد الوسائل المشروعة تأكيد سيادة الدولية.
واتجه الفقه إلى القول بأن هذه السيادة مقيدة بقواعد القانون الدولي العام وهي قواعد ملزمة تعلو على إرادة الدول.
الفصل الثاني : مراحل تطور القانون الدولي العام
إن الوقوف على تاريخ القانون الدولي العام ضرورة محلة وواجب علمي، لان ارتقاء القانون في الحاضر إنما يبنى على كيفية تكونه ونموه وتطوره في الماضي.
ولم يظهر تنظيم للعلاقات الدولية إلا بعد القرن السابع عشر أي بعد معاهدة وستفاليا ولكن يجب ألا يؤخذ هذا القول على إطلاقه، فلم يكن المجتمع الدولي خالياً من التنظيم قبل القرن السابع عشر، فقد ساهمت الجماعات المتحضرة على امتداد التاريخ الإنساني في تكوين قواعد القانوني الدولي، لذلك يمكننا القول بأن تطور القانون الدولي مستمر منذ ظهور التجمعات الإنسانية وصاحب نموها وتطورها إلى جماعات سياسية.
ويمكن تقسيم المراحل المختلفة لتطور القانون الدولي إلى أربع مراحل تاريخية وهي، العصور القديمة، والوسطى، والحديثة، وعصر التنظيم الدولي.
أولاً- العلاقات الدولية في العصور القديمة:
1- العصور القديمة:
لم يظهر القانون الدولي إلا مع ظهور الدول، ولقد شهدت العصور القديمة صوراً متعددة للعلاقات الدولية منها معاهدات الصلح والتحالف والصداقة وإنهاء الحروب ولعل أهمية معاهدة الصداقة التي أبرمت بين الفراعنة والحيثيين سنة 1287 قبل الميلاد، كان هناك أيضاً قانون "مانو" الهندي الذي نظم قواعد شن الحروب وإبرام المعاهدات والتمثيل الدبلوماسي.
ولكن رغم ذلك لم يعتبر إلا على حالات قليلة لتنظيم العلاقات الدولية ويدور معظمها حول الحروب كما أنها من جهة أخرى معظم العلاقات كان يحكمها القانون الإلهي بما لا يفيد وجود نظام قانوني دولي مستقر لحكم العلاقات بين الجماعات الإنسانية بطريقة منتظمة.

2- عصر الإغريق:
الأول: علاقة المدن الإغريقية فيما بينها: وكانت مبنية على الاستقرار وفكرة المصلحة المشتركة والتعاون وذلك نظراً لوحدة الجنس والدين واللغة، لذلك كان يتم اللجوء للتحكيم كل الخلافات فيما بينها، بالإضافة إلى وجود قواعد تنظيمية يتم احترامها في علاقاتها السلمية والعدائية، كقواعد التمثيل الدبلوماسي وقواعد شن الحرب.
الثاني: علاقة الإغريق بغيرهم من الشعوب الأخرى: كان يسودها اعتقادهم بتميزهم عن سائر البشر، وأنهم شعوب فوق كل الشعوب الأخرى منه حقه إخضاعها والسيطرة عليها، ومن هنا كانت علاقاتهم بهذه الشعوب علاقات عدائية وحروبهم معها تحكمية يشوبها الطابع العدائي ولا تخضع لأي ضوابط أو قواعد قانونية بل يحوطها كثير من القسوة وعدم مراعاة الاعتبارات الإنسانية.
3- عصر الرومان:
لا يختلف الرومان كثيراً عن الإغريق، فقد كانوا يعتقدون بتفوقهم على الشعوب الأخرى وبحقهم في السيطرة على ما عداهم من الشعوب، لذلك كانت صلتهم بغيرهم مبنية على الحرب مما أدى إلى سيطرة الإمبراطورية الرومانية على معظم أرجاء العالم آنذاك، وبالتالي كانت العلاقات بين هذه الدولة وروما علاقات بين أجزاء الإمبراطورية الواحدة تخضع جميعها للقانون الروماني الذي كان يحكم هذه الإمبراطورية.
ولقد امتاز الرومان بعبقريتهم القانونية: حيث ظهرت في روما مجموعة من القواعد القانوني لحكم العلاقات بين الرومان ورعايا الشعوب التابعة لروما أو تلك ترتبط معها بمعاهدات تحالف أو صداقة سميت بقانون الشعوب، فقد كانت قواعد هذا القانون تنظم العلاقات بين أفراد الشعب الروماني وأفراد الشعوب الأخرى وتنظم الحماية أفراد هذه الشعوب في حالة انتقالهم أو وجودهم في روما، أما الشعوب الأخرى التي لا تربطها بروما معاهدة صداقة أو معاهدة تحالف فإن مواطني هذه الدول وممتلكاتهم لا يتمتعون بأي حماية بل يجوز قتلهم أو استرقاقهم، ويمكن القول بأن القانون التشريع قد شهد ازدهاراً كبيراً في عهد الرومان.
ولكن مسائل القانون الدولي العام لم تكن واضحة في المجتمعات القديمة، وذلك لانعدام فكرة المساواة بين الشعوب ولعدم وجود الدول المستقلة نظراً لتسلط شعب معين على باقي الشعوب.
ثانياً- العلاقات الدولية في العصور الوسطى:
ظهر في هذا العصر الممالك الإقطاعية، حيث كان كل أمير إقطاعي يسعى للمحافظة على إقطاعه، أو توسيعه مما أدى إلى قيام حروب متعاقبة بين الأمراء الإقطاعيين من جهة أخرى شهد هذا العصر صراعاً بين الدولة في مواجهة أمراء الإقطاع تحقيقاً لوحدتها الداخلية وتأكيداً لسيادتها انتهى بتغلب الدولة وزوال النظام الإقطاعي.
من جهة أخرى ظهر في هذا العصر تسلط الكنيسة وذلك نتيجة لانتشار الدين المسيحي بين الدول الأوربية من جهة وظهور الإسلام والخوف من انتشار نفوذه مما يؤدي إلى انتزاع السيادة من المسيحية.
ولكن تسلط الكنيسة والباب يتنافى مع وجود الدولة المستقلة التي يمكنها تنظيم علاقاتها فيما بينها حسبما تقتضي ظروفها. وذلك يشكل عقبة في وجه تطور القانون الدولي العام، لأن إسناد العلاقات الدولية إلى الروابط الدينية دون غيرها كان من شأنه أن تقتصر هذه العلاقات على الدول المسيحية وحدها دون سواها من الدولة غير المسيحية، وقد ساعد على تخلص الدولة من سلطان البابا ظهور الحرية الفكرية العلمية المعروفة بعصر النهضة، وما صاحب ذلك من حركة الإصلاح الديني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وقد كان أهم أغراضها: بيان ما يجب على الدول إتباعه بشأن العلاقات المتبادلة بينهم مستوحية ذلك من مبادئ الدين المسيحي، ومن زعماء حركة الإصلاح "فيتوريا" وجنتيليس".
ولقد أدى اكتشاف القارة الأمريكية في هذا العصر إلى إثارة مسائل دولية جديدة أهمها الاستعمار وحرية البحار مما أدى إلى تزايد الاهتمام بتوجيه القانون الدولي بشأنها.
ثالثاً- ظهور القانون الدولي في العصور الحديثة:
أدى التطور الذي حدث في القوانين الخامس عشر والسادس عشر إلى انقسام أوربا إلى فريقين، الأول ينادي بالولاء للكنيسة والثاني ينادي بالاستقلال عن الكنيسة مما أدى إلى نشوب حرب الثلاثين عام والتي انتهت بإبرام معاهدات وستفاليا سنة 1648، ونتج عن ذلك ظهور الدول التي تتمتع بالسيادة ولا تخضع لسلطة أعلى منها.
ولكن يرجع الفضل في إرساء أسس القانون الدولي التقليدي إلى معاهدة وستفاليا والتي تتخلص أهم مبادئها بما يلي:
1- هيأت اجتماع الدول لأول مرة للتشاور حول حل المشاكل فيما بينها على أساس المصلحة المشتركة.
2- أكدت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعاً بغض النظر عن عقائدهم الدينية وزوال السلطة البابوية، وثبتت بذلك فكرة سيادة الدولة وعدم وجود رئيس أعلى يسيطر عليها وهي الفكرة التي على أساسها بني القانون الدولي التقليدي.
3- تطبيق مبد التوازن الدولي للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، ومؤدى هذا المبدأ أنه إذا ما خولت دولة أن تنمو وتتوسع على حساب غيرها من الدول فإن هذه الدول تتكل لتحول دون هذا التوسع محافظة على التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السلم العام السائدة بين هذه الدول.
4- ظهور فكرة المؤتمر الأوربي الذي يتألف من مختلف الدول الأوربية والذي ينعقد لبحث مشاكلها وتنظيم شئونها.
5- نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم محل نظام السفارات المؤقتة مما أدى إلى قيام علاقات دائمة ومنظمة بين الدول الأوربية.
6- الاتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية التي اتفقت الدول عليها في تنظيم علاقاتها المتبادلة، فقد قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى تدعيم القانون الدولي وثبوتها بين الدول.
ويبقى القانون الدولي التقليدي مدين بنشأته وتطوره العلمي لدراسة الفقهاء القدامى وأبرزهم جروسيوس أبو القانون الدولي العام حيث كان لكتاباته أثر هام في تطور القانون الدولي ومن أهم مؤلفاته "كتاب البحر الحر".
أهم المؤتمرات التي عقدت بعد معاهدة وستفاليا:
1- مؤتمر فيينا:
أدار نابليون أن يطبق أفكار الثورة الفرنسية القائمة على المساواة والاعتراف بحقوق الإنسان فشن حروبه على الأنظمة الديكتاتورية والملكية مما أدى إلى زوال دول عديدة وظهور دول جديدة.
ولكن تبدل الوضع فيما بعد حيث أنهز نابليون مما أدى إلى انعقاد مؤتمر فيينا عام 1815 لتنظيم شئون القارة الأوربية وإعادة التوازن الدولي ونتج عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أهمها إقرار بعض القواعد الدولية الجديدة والخاصة بحرية الملاحة في الأنهار الدولية وقواعد ترتيب المبعوثين الدبلوماسيين وتحريم الاتجار بالرقيق.
2- التحالف المقدس:
نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المشتركة في مؤتمر فيينا، حيث كان الغرض من التحالف تطبيق مبادئ الدين المسيحي في إدارة شئون الدول الداخلية والخارجية، ولكن الهدف الحقيقي كان الحفاظ على عروش هذه الدولة الكبرى وقمع كل ثورة ضدها، وأكد ذلك معاهدة "إكس لاشيل" سنة 1818 بين انجلترا وبروسيا والنمسا ثم فرنسا، حيث نصت هذه الدول نفسها قيمة على شئون أوربا واتفقت على التدخل المسلح لقمع أية حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوربا.
3- تصريح مونرو:
أصدر هذا التصريح الرئيس الأمريكي عام 1823 حيث تضمن أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح لأية دولة أوربية بالتدخل في شئون القارة الأمريكية أو احتلال أي جزء منها وذلك رداً على تدخل الدول الأوربية لمساعدة أسبانيا لاسترداد مستعمراتها في القارة الأمريكية.
ولقد كان لهذا التصريح شأنه في إرساء مبدأ التدخل في شئون الدول الداخلية وكان له أثره أيضاً في توجيه العلاقات الدولية بين القارتين الأمريكية والأوربية.
4- مؤتمرات السلام بلاهاي عام 1899 و 1907:
تضمن هذه المؤتمرات قواعد فض المنازعات بالطرق السلمية، وإقرار قواعد خاصة بقانون الحرب البرية والبحرية وقواعد الحياد، وإن كان طابع المؤتمر الأول أوربي فإن المؤتمر الثاني 1907 غلب عليه الطابع العالمي لوجود غالبية من دول القارة الأمريكية.
ولا شك أن لهذه المؤتمرات دور بارز في تطوير العلاقات الدولية وتطوير القانون الدولي بما يتفق مع مصالح الجماعة الدولية، فقد اتجهت مؤتمرات لاهاي إلى استحداث نظم ثابتة، وتم التوصل إلى أنشاء هيئات يمكن للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات التي قد تقع بين دولتين أو أكثر كما امتدت جهود المؤتمر إلى إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي.
رابعاً- القانون الدولي في عصر التنظيم الدولي:
لم يحقق مؤتمر لاهاي السلام العالمي لتسابق الدول الكبرى لاستعمار الدول الغنية بالثروات والمواد الأولية وذلك على إثر التقدم الصناعي مما أدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 وبعد انتهاء الحرب اجتمعت الدول في مؤتمر باريس عام 1919 الذي انتهى بقيام خمس معاهدات صلح فرضت على الدول المنهزمة في الحرب وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر وتركيا.
1- عصبة الأمم:
أهم ما نتج عن مؤتمر باريس قيام عصبة الأمم كأول منظمة دولية عالمية أعطيت حق النظر في المنازعات الدولية التي تهدد السلم، كما أنشئت هيئة قضائية للفصل في المنازعات ذات الطابع القانوني وهي المحكوم الدائمة للعدل الدولي.
ولقد بذلت عصبة الأمم جهوداً مضنية لتدعين السلم الدولي ومن ذلك عقد اتفاقيات دولية أهمها ميثاق جنيف عام 1928، ولكن هذه الجهود ذهبت إدراج الريح بسبب تمسك الدول بسيادتها وعدم تقبلها لفكرة إشراف المنظمة الدولية على شئونها وتدخلها في حل المنازعات التي تهدد السلم الدولي.
ووقفت العصبة موقف المتفرج من الحروب التي دارت بين الدول الاستعمارية وأيضاً الحروب المحلية وقد كان ذلك من العوامل التي مهدت للحرب العالمية الثانية التي نشبت سنة 1939 بين مجموعة الدول الفاشية والحلفاء الديمقراطيين.
2- الأمم المتحدة:
بنهاية الحرب العالمية الثانية اجتمعت الدول من جديد في إبريل 1945 في مدينة فرانسيسكو نتج عنه قيام منظمة الأمم المتحدة التي زودت بكافة السلطات والوسائل التي تضمن لها أداء مهمتها على أتم وجه وبالتالي كانت أقوى من عصبة الأمم. وقامت المنظمة بجهود مضنية في سبيل تحقيق أهدافها في السلام والأمن الدوليين ولكن نظراً لبعض الاعتبارات السياسية لم يستطع واضعو الميثاق الحد من مبدأ سيادة الدول الأعضاء مما نجم عنه منح الدول الخمس الكبرى حق الفيتو ولهذا فقد تعرضت الأمم المتحدة منذ نشأتها لظروف صعبة فقد كان عليها في ظل ميثاقها وما يحوطه من تناقض أن تعمل على الحد من المنافسات القومية الحادة وصراع القوى الكبرى، وبالرغم من تأكيد الميثاق على تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية فإن الدول الكبرى لا تزال تستخدم القوة بل تتسابق لزيادة أسلحتها بما فيها الأسلحة النووية، ويضاف إلى ذلك الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية ورغم مرور زمن طويل على إنشاء المنظمة فإنها لم تحقق المرجو منها ولكن رغم ذلك وجودها ضرورياً وذلك لتمسك الدول بالتنظيم الدولي وازدياد الإقبال عليها من دول العالم الثالث، وقد مارست المنظمة ومازالت نشاطاً متزايداً في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية.
الباب الثالث : طبيعة قواعد القانون الدولي العام
الفصل الأول : تحديد عناصر القانون الدولي العام
إن عناصر القانون الدولي أو خصائصه ثلاثة وهي صفة القانون، والصفة الدولية والصفة العامة.
أولاً- صفة القانون:
يعتبر القانون الدولي العام قانوناً وهذا ما أكدته الوثائق الرسمية الدولية والداخلية وينكر بعض الفقه هذه الصفة لعدم وجود السلطات الثلاثة ولافتقار القانون الدولي لعنصر الجزاء.
هذا الكلام صحيح من الناحية الشكلية ولكنه غير دقيق من الناحية الموضوعية حيث تعرف القاعدة القانونية بأنها "القاعدة التي تلزم مراعاتها لأنها تهدف إلى كفالة النظام الاجتماعي" ومن خلال هذا التعريف تتميز القاعدة القانونية بما يلي:
1- أنها تهدف إلى كفالة النظام الاجتماعي وطنياً كان أم دولياً.
2- أنها قاعدة محددة موجهة إلى أشخاص القانون بصفاتهم وليس بذواتهم، وهو ما ينطبق على الأفراد في ظل النظام القانوني الوطني، والدول في ظل النظام القانوني الدولي.
3- أنها قاعدة ملزمة لأنها تقررت لكفالة النظام الاجتماعي ولا يمكن أن تترك لهوى أفراده يستجيبون لها أو لا يستجيبون.
أما الجزاء فهو ليس عنصراً من عناصر القاعدة القانونية لأنه ليس شرط تكوين بل شرط فعالية لأنه يأتي في مرحلة تالية لتكوين القاعدة القانونية ومن أجل ضمان تطبيقها. وباستبعاد الجزاء كركن في القاعدة القانونية فإن عناصرها تقتصر على الثلاثة السالفة الذكر وهذا يعني اتصاف القانون الدولي العام بوصف القانون.
ثانياً- الصفة الدولية:
استمد القانون الدولي هذه الصفة من خلال تنظيمه للعلاقات بين الدول، ولكنها لا تعكس الواقع لأن المجتمع الدولي أصبح يضم المنظمات الدولية والأفراد أحياناً لذلك هذه الصفة قاصرة ولا تعبر عن كافة العلاقات التي اتسع ليشملها هذا القانون.
ثالثاً- الصفة العامة:
لا تعني العمومية التي يتصف بها هذا القانون نطاق تطبيقه لأن العمومية ركن من أركان القاعدة القانونية وليس من أوصافها، ولكنها تعني أن قواعده تحكم العلاقات بين الدول بوصفها سلطة عامة مستقلة، وهذا ما يميز القانون الدولي العام عن القانون الدولي الخاص الذي يحكم علاقات الأفراد المنتمين إلى دول مختلفة باعتبار أن علاقاتهم فردية أو خاصة لا تدخل الدول طرفاً فيها.

الفصل الثاني : التمييز بين قواعد القانون الدولي وغيرها من القواعد الدولية
المقصود بقواعد القانون الدولي تلك الأحكام المستقرة في العلاقات الدولية، والتي يترتب على مخالفتها قيام مسئولية قانونية دولية، ومن هذه القاعدة تختلف قواعد القانون الدولي عن القواعد التي سندرسها حيث لا تثير مخالفة الأخيرة المسئولية القانونية الدولية.
أولاً- قواعد المجاملات الدولية:
وهي القواعد غير الملزمة التي درجت الدول على إتباعها في علاقاتها الدولية انطلاقاً من اعتبارات اللياقة والمجاملة دون أي التزام قانوني أو أخلاقي ومخالفتها لا يرتب أي جزاء، ولكن قد تتحول قواعد المجاملات إلى قواعد قانونية ملزمة عبر تنظيمها بمعاهدة أو من خلال تواتر العمل الدولي عيها مع الشعور بنها ذات صفة ملزمة مثال ذلك ما حدث بالنسبة لقواعد امتيازات وحصانات المبعوثين الدبلوماسيين، وبالعكس فقد تتحول القاعدة القانونية إلى قاعدة من قواعد المجاملات إذا فقدت وصف الالتزام القانوني واتجهت الدول إلى عدم التمسك بصفة الملزمة وهو ما حدث بالنسبة لمراسم استقبال السفن الحربية في الموانئ الأجنبية التي كانت قديماً من القواعد القانونية الملزمة.
ثانياً- قواعد الأخلاق الدولية:
وهي مجموعة المبادئ والمثل العليا التي تتبعها الدول استناداً إلى معايير الشهامة والمروءة والضمير، ويتعين على الدول مراعاتها حفاظاً على مصالحها العامة والمشتركة رغم عدم وجود أي التزام قانوني بها، وتقع في مركز وسط بين القاعدة القانونية الدولية وقواعد المجاملات الدولية، فهي مثل قواعد المجاملات التي تتمتع بصفة الإلزام ولا ترتب مخالفتها أي جزاء إلا المعاملة بالمثل وهو جزاء أخلاقي، كما أنها تقترب من قواعد القانون الدولي من أن عدم مراعاتها يعرض الدولة لاستهجان الرأي العام العالمي كما يعرض مصالحها للخطر. ومن أمثلة قواعد الأخلاق الدولية: استعمال الرأفة في الحرب وتقديم المساعدات للدول التي تتعرض لكوارث، وقد تتحول هذه القواعد إلى قواعد ملزمة إذا أحست الدول بضرورتها وتم الاتفاق عليها بموجب اتفاقية دولية أو بتحولها القاعدة عرفية مثل تحول قواعد الأخلاق المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب إلى قواعد قانونية بعد النص عليه في اتفاقيات جنيف عام 1949.
ثالثاً- قواعد القانون الدولي الطبيعي:
هي القواعد التي تعتبر مثالاً لما يجب أن يكون عليه المجتمع الدولي، وهي لا تنشأ بفعل الإرادة وإنما يفرضها العقل والمنطق لتحقيق العدالة المطلقة باعتبارها الوضع المنطقي الذي يتعين أن تكون عليه العلاقات بين أفراد المجتمع. ووجه الخلاف بين القانون "الطبيعي" والقانون الدولي "الوضعي" أن الأول يعتبر تعبيراً عن المثالية الدولية التي يجب أن تكون عليها علاقات المجتمع الدولي، أما الثاني فهو تعبير عن واقع الحياة الدولية بصرف النظر عن مدى تطابق هذه الواقعية مع اعتبارات العدالة، وقواعد القانون الدولي الوضعي لها الأولوية لأنها تتمتع بصفة الإلزام ويترتب على مخالفتها جزاء، في حين لا يجوز تطبيق قواعد القانون الدولي الطبيعي إلا عند الاتفاق بين الأطراف على ذلك.
الباب الرابع : أساس القوة الإلزامية للقانون الدولي
ذكرنا سابقاً أن جانب من الفقه اعترض على تمتع قواعد القانون الدولي بالصفة القانونية لافتقارها لعصر الجزاء، وهذا الاعتراض يعبر عنه بكلمات "لا شريعة مدونة ولا محكمة ولا قوة عمومية".
- فلا تشريع لأن العادات والاتفاقات لا تكفي لإيجاد القانون بالمعنى الحقيقي.
- ولا محكمة لأنه لي يكون للقاعدة القانونية قيمة مادية يجب أن يتم تنفيذها بحكم قضائي حيث وسيلة الإكراه الوحيدة هي الحرب.
وإذ كانت هذه الانتقادات صحيحة من الناحية النظرية فإننا قلنا سابقاً أنها ليست دقيقة من الناحية الموضوعية والواقعية، فإذا كنا نعترف بالوصف القانوني للقاعدة الدولية، أي توافر عنصر الإلزام فيها فما هو أساس هذا الإلزام؟ لقد كان هناك مذهبين لتفسير ذلك سندرسهما تباعاً.
الفصل الأول : المذهب الإرادي
هو مذهب ألماني النشأة يطلق من أن الدول تتمتع بالسيادة ولا تخضع لسلطة أعلى منها وبالتالي فإن القانون الدولي ما هو إلا مجموعة القواعد التي تنسق بين إرادات هذه الدول، فلذلك فإن الرضا المستمد من إرادة الدول الصريحة هو أساس التزام الدول بأحكام القانون الدولي العام.
وقد انقسم أنصار المذهب الإرادي في تطبيق فكر الإرادة إلى اتجاهين:
أحدهما يستند إلى إرادة كل دولة على حدة والآخر يستند إلى إرادات الدول مجتمعة.
أولاً- نظرية الإرادة المنفردة:
ويطلق على هذه النظرية اسم "التقييد الذاتي للإرادة" أو "نظرية التحديد الذاتي" لأن الدول لها سيادة ولا يوجد سلطة أعلى منها وبالتالي فإن الدولة هي التي تلتزم بالقانون الدولي بإرادتها المنفردة دون أن يجبرها أحد على ذلك، وعندما تتعارض إرادة الدولة مع القانون الدولي العام فيجب أن يزول الأخير لأن الدولة في مركز أسمى من كل المبادئ القانونية.
نقد:
1- تنافي هذه النظرية المنطق لأن مهمة القانون وضع الحدود على الإرادات فكيف يستمد القانون صفته الملزمة من إرادة المخاطبين بأحكامه.
2- بما أن الدولة تلتزم بالقانون بإرادتها فهي تستطيع التحلل من ذلك بإرادتها أيضاً وفي ذلك انهيار للصفة الإلزامية للقانون الدولي العام.
ثانياً- نظرية الإرادة المشتركة:
نشأ القانون الدولي العام وفقاً لهذه النظرية نتيجة توافق إرادة الدول على ذلك وبالتالي يستمد صفته الإلزامية من إرادة جماعية مشتركة تفوق في السلطة الإرادة الخاصة أو المنفردة للدولة.
نقد:
1- إرادة هذه النظرية التحايل بخلق سلطة أعلى من إرادة الدولة حيث يمكن أن تجتمع إرادة الدول مرة أخرى للتحلل من إلزام القانون الدولي.
2- هذه النظرية لا تفسر لنا سبب التزام الدول التي تدخل حديثاً في الجماعة الدولية بقواعد القانون الدولي مع أنها لم تشترك بإرادتها في خلق القانون الدولي.
الفصل الثاني : المذهب الموضوعي
تبحث هذه المدرس عن أساس القانوني خارج دائرة الإرادة الإنسانية، فأساس القانون وفقاً لهذا المذهب تعينه عوامل خارجة عن الإرادة ورغم اتفاق أنصار هذه المدرسة على ذلك إلا أنهم اختلفوا حول تحديد العوامل الخارجية المنتجة للقواعد القانونية إلى مذهبين.
أولاً- مذهب تدرج القواعد القانونية:
ويلقب بالمدرسة النمساوية، وبحسب هذا المذهب لكل نظام قانوني قاعدة أساسية يستند إليها ويستمد منها قوته الإلزامية، فالقواعد القانونية لا يمكن تفسيرها إلا بإسناده إلى قواعد قانونية أخرى تعلوها وهذه بدورها تستند إلى قواعد أعلى منها وبالتالي يكون القانون على شكل هرم يقبع في قمته قاعدة أساسية تستمد منها كافة القواعد قوتها الإلزامية وهي قاعدة قدسية الاتفاق والوفاء بالعهد وهي أساس الالتزام بأحكام وقواعد القانون الدولي.
نقد:
1- يقوم على الخيال والافتراض لأن القاعدة الأساسية هي مفترضة لم تفصح المدرسة النمساوية عن مصدر ولا عن قوتها الإلزامية أو سبب وجودها.
2- إذا سلمنا بوجود القاعدة الأساسية فلا بد أن تستند بدورها إلى قاعدة أعلى منها وهو ما لم يقدمه أنصار هذا المذهب.
ثانياً- مذهب الحدث الاجتماعي:
ويلقب بالمدرسة الفرنسية، وتتلخص أفكارها أن أساس كل قانون بصفة عامة والقانون الدولي خاصة هو في الحدث الاجتماعي حيث يفرض قيود وأحكام تكتسب وصف الإلزام نتيجة حاجة المجتمع الدولي إليها ونتيجة الشعور العام بحتميتها من أجل المحافظة على حياة الجماعة وعلى بقائها، فالقانون تبعاً لذلك، أساس الحياة الاجتماعي فهو ليس صادراً عن نظام وليس تعبيراً عن إرادة بل هو نتاج اجتماعي وواقعة محددة ذاع الشعور بوجودها، ومن هنا لا يعتبر أنصار هذا المذهب أن المشرع هو الذي يخلق القاعدة القانونية الداخلية أو الدولية، بل يقتصر دوره على كشف القواعد القانونية التي تنشأ نتيجة التفاعلات الاجتماعية التي تطلبها حاجات المجتمع وتطوراته والتي لم يتم تكوينها تلقائياً دون تدخل إرادات الأفراد أو الدول.
نقـد:
1- أساسه فلسفي، حيث لا يمكن أن يكون الحدث الاجتماعي أساس القانون لأن الجماعة الإنسانية سبقت القانون في الوجود.
2- القواعد الاجتماعية تختلف عن القانونية من حيث أسبقية الأولى في الوجود عن الثانية، ومن ثم لا يمكن أن تعد أساساً للواجبات التي تتحدد عن طريق القواعد القانونية الوضعية.
3- لا يمكن أن يستمد إلزام القاعدة القانونية أساسه من الإحساس بلزومها للمجتمع وإنما يرجع إلى حتمية توقيع الجزاء على من يخالف هذه القاعدة.
ومن خلال ما تقدم نرى الخلاف الكبير بين الفقهاء حول أساس القوة الإلزامية للقانون الدولي العام، لكن الرأي الغالب كان يرجح المذهب الإرادي والذي يقوم على رضاء الدول عامة صراحة أو ضمناً بالخضوع لأحكام القانون الدولي العام وهذا ما أبدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي. ولكن هذا الرأي يضعف من الأساس الذي يقوم عليه القانون حالياً.
كما أن وجود بعض القواعد التي لم توافق عليها الدول أو تسهم في إنشائها يجعل من الصعب الحديث عن إرادة مفترضة للدول مما يضعف الأساس الذي يستند إليه القانون الدولي ويؤدي إلى التشكيك في وجوده ويعرضه للهدم.
وأياً كان الرأي فإن هذا الموضوع يخرج من إطار القانون الوضعي ليدخل في دائرة البحث ضرورات الحياة وحاجاته والحاجة إلى وجود قواعد تنظم علاقات الشعوب بين بعضها.
الباب الخامس : مصادر القانون الدولي
يطلق اصطلاح مصادر القانون بصفة عامة على مجموعة الوسائل أو الطرق التي تتحول بها قواعد السلوك إلى قواعد قانونية ملزمة، سواء كانت تلك القواعد عامة أم خاصة وهناك للقانون الدولي مصادر أصلية وأخرى احتياطية.
المصادر الأساسية هي:
1- المعاهدات 2- العرف 3- مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتحدة.
أما المصادر الاحتياطية فهي:
1- القضاء الدولي 2- الفقه
* وتعد المصادر الأصلية أقوى من المصادر الاحتياطية لأنه يرجع إليها أولاً وحسب الترتيب السابق الذكر فإن لم نجد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق يتم الرجوع إلى المصادر الاحتياطية.
الفصل الأول :المصادر الأصلية
أولاً- المعاهدات:
هي المصدر الأول المباشر لإنشاء القواعد القانونية الدولية، والمعاهدات هي اتفاقات رسمية تبرمها الدول في شأن من الشئون الدولية، وينتج عنها بعض الآثار القانونية يحددها القانون الدولي العام.
* وتنقسم المعاهدات من حيث موضوعها إلى:
معاهدات خاصة، ومعاهدات عامة، ومن حيث أطرافها إلى: معاهدات ثنائية، وجماعية أو متعددة الأطراف، ومن حيث تكييف القانون إلى: معاهدات عقدية ومعاهدات شارعة، ومن حيث الانضمام إليها إلى معاهدات مغلقة قاصرة على الموقعين عليها أو معاهدات أو معاهدات مفتوحة يسمح فيها بالانضمام لغير الموقعين عليها.
* المعاهدات الخاصة:
هي معاهدات تنظم أموراً خاصة تهم الدول المتعاهدة وأثرها لا يمتد إلى الدول التي لم تشارك في إبرامها، وهذا النوع من المعاهدات يعد مصدراً لقواعد القانون الدولي العام، وتعتبر مصدراً لالتزامات قانونية تسري فقط في مواجهة أطراف التعاقد ولذلك يطلق عليها (المعاهدات العقدية) ومن أمثلتها المعاهدات التجارية ومعاهدات الصلح.
* وإن كانت المعاهدات الخاصة: لا تعد مصدراً مباشراً لقواعد القانون الدولي العام فهي قد تكون مصدراً مباشراً لقاعدة ما إذا ثبت التواتر على الالتزام بقاعدة قانونية اعتادت الدول عليها في معاهداتها الخاصة بحيث تتحول إلى عرفاً دولياً وهذا ما يندرج تحت المصدر الثاني من المصدر الأصلية.
* المعاهدات العامة:
هي اتفاقات متعددة الأطراف تبرم بين عدد من الدول لتنظم أمور تهم الدول جميعاً وهي لهذا السبب قريبة الشبه بالتشريعات ولذلك يطلق عليها المعاهدات الشارعة، ولكن لم ذلك يوجد فارق بين المعاهدات الشارعة والتشريع في أن الأول ملزمة فقط لأطرافها حيث لا تصدر عن سلطة عليا تجعلها تسري في مواجهة غيرهم من الدول، بينما التشريع يصدر عن سلطة الدولة العليا فيلزم جميع رعايا الدولة التي أصدرته.




* المعاهدات الثنائية:
هي التي تبرم بين دولتين لتنظيم مسألة تتعلق بهما، وهذا النوع من المعاهدات يدخل في نطاق المعاهدات الخاصة، وفي الغالب الأعم ما تكون هذه المعاهدات مغلقة قاصرة على طرفيها ولا يسمح فيها بالانضمام لغير الموقعين عليها نظراً لأنها تنظم مسألة خاصة لا تهم أحداً سواهما.
أما المعاهدات الجماعية فهي التي تبرم بين عدد غير محدود من الدول لتنظيم أموراً تهم الدول جميعاً، وهذه تدخل في نطاق المعاهدات العامة أو الشارعة.
وهذا النوع من المعاهدات غالباً ما تكون مفتوحة يسمح فيها بالانضمام لغير الموقعين عليها، وذلك لتيسير امتداد دائرة تطبيق أحكامها في الحالات التي تدعو إلى ذلك.
كما وأنه غالباً ما ينص فيها على حق الدول الأطراف في الانسحاب من المعاهدات بإرادتها المنفردة وفق شروط وإجراءات معينة.
وهناك عدة شروط لصحة انعقاد المعاهدة من الناحيتين الشكلية والموضوعية كما وأن دخول المعاهدة في دور التنفيذ وانقضاءها يخضعان خضوعاً تاماً لإرادة أطرافها.
ولا تختص المعاهدات بمعالجة موضوع معين، فقد تتناول المعاهدات بالتنظيم مسائل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تجارية، وقد تناول موضوعاً قانونياً فتأخذ وصف المعاهدة الشارعة.
ثانياً- العرف:
وهو المصدر الثاني المباشر لقواعد القانون الدولي العام وهو الهم لأنه غالباً ما تكون المعاهدات تعبيراً عما استقر عليه العرف قبل إبرام المعاهدة.
ويمكن تعريف العرف الدولي بأنه مجموعة أحكام قانونية عامة غير مدونة تنشأ نتيجة اتباع الدول لها في علاقة معينة، فيثبت الاعتقاد لدى غالبية الدول المتحضرة بقوتها القانونية وأنها أصبحت مقبولة من المجتمع الدولي.
* ويتكون العرف الدولي بنفس الطريقة: التي يتكون بها العرف الداخلي، وذلك بتكرار التصرفات المماثلة من دول مختلفة في أمر من الأمور ويقصد بالتكرار هنا ذلك التكرار الغير مقترن بعدول حيث يؤكد تثبيت القاعدة العرفية واستقرار أحكامها، ويرجع ذلك لقلة عدد أشخاص القانون الدولي بالمقارنة بعدد أشخاص القانون الداخلي.
ومن ثم فإن العلاقات التي تقوم بينهم تتميز عن علاقات الأفراد بأن فرص التكرار تكون بالضرورة أقل منها في القانون الداخلي.
ويتضح مما سبق أن الأحكام العرفية تقوم على السوابق الدولية، التي يمكن أن تكون تصرفات دولية وقد تكون غير دولية كتكرار النص على قاعدة معينة في التشريعات الداخلية للدول المختلفة يستفاد منها انصراف نية الدولة إلى تطبيق قاعدة دولية وقد تنشأ السوابق الدولية أيضاً نتيجة لقرارات وتصرفات تصدر عن المنظمات الدولية، عالمية أو إقليمية.
* ويكفي أن تصبح القاعدة العرفية مستقرة بين الغالبية العظمى من الدول لكي تكون ملزمة لكافة الدول القائمة فعلاً والدول الجديدة التي تنشأ مستقبلاً، فوجود الدولة كعضو في المجتمع الدولي أو قبولها كعضو جديد به يعني موافقتها على القواعد التي تواتر عليها استعمال غالبية الأعضاء المكونين لهذا المجتمع الدولي.


* أركان العرف:
1- الركن المادي:
هو تكرار تصرف إيجابي أو سلبي معين لفترة زمنية طويلة وذلك على سبيل التبادل بين الدول ويجب أن يتخذ تكرار التصرف صفة العمومية بحيث تمارسه الدول في كافة الحالات المماثلة الحالية والمستقبلية، ولا يشترط إجماع كل الدول مقدماً لثبوت القاعدة العرفية بل يكفي أغلبية الدول.
ويقسم الفقه العرف إلى قسمين: عرف عام وهو مجموعة الأحكام التي تتبعها أغلبية الدول في تصرفاتها في مناسبات معينة وهو ما يطلق عليه العرف الدولي، وعرف خاص حيث يتضمن مجموعة الحكام التي تنشأ نتيجة تكرار التصرف بين دولتين أو مجموعة من الدول تقع في منطقة جغرافية واحدة أو تصل بينهما روابط مشتركة أو التي تضمها هيئات إقليمية وهو ما يطلق عليه (العرف الإقليمي).
2- الركن المعنوي:
لا يكفي الركن المادي أي تكرار التصرف لقيام العرف بل لابد من وجود ركن معنوي يقوم على الاعتقاد بأن السير وفقاً لما جرت العادة عليه ملزم قانوناً بل هناك أولوية للعنصر المعنوي على المادي، وبالتالي لا يعتد بتكرار الدول التصرفات معينة دون توافر هذا الاعتقاد.
* والعنصر المعنوي هو الذي يميز الحكم المستمد من العرف عن غيره من الأحكام الأخرى غير الملزمة كالعادة الدولية والمجاملات الدولية أو الأخلاق الدولية، لذلك هناك بعض الدول ولكي لا تصبح تصرفاته المتكررة عرفاً تعلن عن عدم التزامها القانوني بهذه التصرفات.
وإن التحقق من الركن المعنوي أصعب من التحقق من الركن المادي لأن التحقق من الركن المعنوي يتطلب ثبوت ورسوخ الاعتقاد به مما يجعل مهمة القضاء والفقه الدوليين شاقة.
ويمكن أن تفقد القاعدة العرفية صفتها هذه عندما تتغاضى الدول عن السير عليها لمدة طويلة أو تتواتر على استعمال قاعدة جديدة خالف القاعدة القديمة وتحل محلها.
* مزايا العرف:
قواعده مرنة قابلة للتطور لتوائم حاجات المجتمع.
* عيوب العرف:
أ- قواعده غامضة غير واضحة مما يرتب مشاكل في التطبيق.
ب- يحتاج استقرار قواعد العرف إلى وقت طويل جداً، ويخفف من هذا العيب تدوين العرف لأن التدوين يحدد القواعد المختلف عليها عن طريق اتفاقيات تكون ملزمة للدول، ولكن نظراً لافتقاد سلطة عليا في المجال تضطلع بمهمة التدوين فقد تركت هذه العملية بصفة عامة لنشاط فقهاء القانون الدولي والهيئات العلمية والمنظمات الدولية.
ثالثاً- مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتحضرة:
هي مجموعة المبادئ الأساسية التي تعترف بها وتقرها النظم القانونية الداخلية في مختلف المدن المتمدنة، حيث لا يقتصر تطبيقها على الأفراد في إطار القانون الداخلي بل يمتد على العلاقات الدولية مما يجعل القاضي الدولي ملزم بالرجوع عليها إذا لم تتوافر معاهدة أو عرف دولي وبما أن هذه المبادئ تختلف من دولة لأخرى نظراً لاختلاف الدين أو التكلفة أو العادات فإن تشكيل المحكمة الدولية يجب أن يضم قضاة يمثلون المدنيات الكبرى والنظم الرئيسية في العالم.
* وتطبيق هذه المبادئ على المستوى الدولي تحتمه الضرورة حيث تفتقد وجود قاعدة قانونية دولية منصوص عليها في المعاهدات أو يقضي بها العرف الدولي وهي لذلك لا تلجأ إليها إلا في مناسبات خاصة وفي أضيق الحدود.
ومن أمثلة هذه المبادئ التزام كل من تسبب بفعله في إحداث ضرر للغير بإصلاح هذا الضرر (المسئولية التقصيرية).
الفصل الثاني : المصادر الاحتياطية
أولاً- القضاء الدولي:
وهو مصدراً احتياطياً يتم الرجوع إليها عند عدم وجود مصادر أصلية وهو مجموعة المبادئ القانونية التي تستخلص من أحكام المحاكم الدولية والوطنية وأثر حكم القاضي يقتصر على أطراف النزاع ولكن مع ذلك يمكن للقاضي الدولي الرجوع إليه للاستدلال على ما هو قائم ويطبق لتقرير وجود قاعدة قانونية لم ينص عليها في معاهدة أو عرف، فهذه الأحكام ليست لها حجة أمام المحاكم الدولية وإنما هي وسيلة من الوسائل التي تساعد القاضي في إثبات قاعدة عرفية ما.
* ولأحكام المحاكم دور كبير في نطاق العلاقات الدولية، فمجموعة الأحكام التي يصدرها القضاء الدولي قد تسهم في تكوين قواعد قانونية دولية، فضلاً عن دورها كعنصر من عناصر تكوين واستنباط العرف الدولي.
ثانياً- الفقـه:
هو مذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام في مختلف الأمم، وهو لا يخلق قواعد قانونية دولية بل يساعد على التعرف عليها.
ولقد كان لمذاهب الفقهاء دور كبير في الماضي إلا أن هذا الدور قد انكمش كثيراً في الوقت الحالي وذلك بسبب تدوين كثير من أحكام القانون الدولي واستقرارها ويجب النظر إلى مذاهب الفقهاء في الوقت الحالي بقدر من الحيطة والحذر نظراً لاختلاف المذاهب واحتمال تغلب النزعات الفردية أو الوطنية أو السياسية على هذه الآراء.
الباب السادس : العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي
الفصل الأول : مذهب ثنائية القانون
يعتبر هذا المذهب امتداد للنظريات الوضعية الإرادية، حيث يرى أنصاره أن القانون الدولي العام والقانون الداخلي نظامان كل منهما مستقل عن الآخر استناداً إلى الاعتبارات التالية:
أولاً- اختلاف مصادر كل من القانونين:
القانون الداخلي ينشأ بإرادة الدولة حيث توجد سلطة عليا تفرضه على الأفراد وعلى المخاطبين به الالتزام به والإذعان لأحكامه، في حين أن القانون الدولي ينشأ عن طريق الاتفاق بين الدول عبر المعاهدات أو عن طريق العرف الدولي وبالتالي لا يكون صادر عن سلطة عليا.
ثانياً- اختلاف موضوعات كل من القانونين:
القانون الداخلي ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم من جهة وفيما بينهم وبين سلطات الدولة في حين ينظم القانون الدولي علاقات الدول المستقلة ذات السيادة فيما بينها.
ثالثاً- اختلاف المخاطبين في كل من القانونين:
فالقانون الوطني يخاطب الأفراد أو السلطات المختلفة القائمة داخل الدولة، في حين يخاطب القانون الدولي المستقلة ذات السيادة سواء كانت دولاً بسيطة أو مركبة.
رابعاً- اختلاف البناء القانوني لكل من القانونين:
توجد في البناء القانوني الوطني سلطات غير موجودة في المجتمع الدولي وهي السلطة التشريعية التي تسن القوانين والسلطة القضائية التي تطبق القانون والسلطة التنفيذية التي تقوم بتنفيذ الحكام التي يصدرها القضاء.
النتائج المترتبة على مذهب ثنائية القانون:
أولاً- استقلال قواعد القانون الداخلي عن القواعد القانون الدولي:
تنشئ الدولة القانون الداخلي بإرادتها المستقلة، بينما تنشئ القانون الدولي باتفاقها مع غيرها من الدول، ويجب على الدول أن تراعي عدم التعارض بين القوانين التي تسنها مع ما التزمت به دولياً وإذ حدث ذلك فالقانون يكون صحيح داخلياً ولكي تثور مسئولية الدولة على الصعيد الدولي.
ثانياً- عدم نفاذ قواعد كل من القوانين في دائرة اختصاص الآخر:
فالقواعد القانونية الدولية لا يمكن أن تكتسب وصف الإلزام في دائرة اختصاص القانون الداخلي إلا إذا تحولت إلى قواعد قانونية داخلية بإتباع الإجراءات الشكلية المتبعة في إصدار القوانين الداخلية، وكذلك لا يمكن أن تكتسب القواعد الداخلية وصف الإلزام في المجال الدولي إلا إذا تجولت على قواعد دولية وفقاً للإجراءات الشكلية المتبعة في إصدار القواعد القانونية الدولية.
ثالثاً- عدم اختصاص المحاكم الوطنية بتطبيق القانون الدولي:
لا تمتلك المحاكم الوطنية تطبيق القانون الدولي أو تفسيره إلا إذا تحولت إلى قوانين داخلية وبالمقابل لا يملك القضاء الدولي تطبيق القوانين الوطنية أو تفسيرها إلا إذا تحولت إلى قواعد قانونية دولية.
رابعاً- استحالة نشء تنازع أو تعارض بين أحكام القانونين:
وهذه النتيجة مترتبة على أنه لكل منهما دائرة تطبيقية وليس لأي منهما سلطان أو اختصاص في دائرة الآخر.
ولكن يقرر أنصار هذا المذهب إمكانية وجود علاقة بين القانونين عن طريق الإحالة أو الاستقبال.
أولاً- الإحالة:
ومعناها أن يحيل القانون الدولي للحصول على القواعد التي تنظم مسألة معينة ومثال ذلك أن يقرر القانون الداخلي الحصانة الدبلوماسية فيرجع إلى القانون الدولي ليتعرف على من يصدق عليه وصف الدبلوماسي.
وبالمقابل قد يحيل القانون الدولي على القانون الداخلي للحصول على القواعد التي تنظم مسألة معينة، كأن يقرر القانون الدولي واجبات الدول تجاه الأجانب، ويترك للقانون الوطني تحديد من يصدق عليه وصف الأجنبي في نطاق إقليم الدولة.
ثانياً:الاستقبال:
ومعناه أن يستقبل القانون الداخلي قواعد القانون الدولي ويدمجها فيه بموجب نص في دستور الدولة يقرر اعتبار القانون الدولي جزءاً لا يتجزأ من القانون الوطني، وفي هذه الحالة يمكن للقاضي الوطني أن يطبق قاعدة قانونية دولية في نزاع ما يطرح أمامه.
وبالمقابل فقد يدمج القانون الدولي قواعد القانون الداخلي في مبادئه فتصبح قواعد دولية.


الفصل الثاني : مذهب وحدة القانون
هذا المذهب متفرع عن المدرسة النمساوية، حيث يقرر إمكانية التعارض بين القانونين لأن النظام القانوني يشمل كلا القانونين حيث يشكل هذا النظام القانوني بجميع فروعه كتلة قانونية واحدة لا تقبل التجزئة، وترتبط قواعد هذه الفروع ببعضها برباط التبعية حيث لا يمكن تفسير قاعدة من قواعده إلا بالرجوع إلى القواعد الأخرى حتى نصل في النهاية إلى القاعدة الأساسية في هذا الفرع كله، وهذه بدورها لا يمكن تفسيرها إلا بالرجوع إل قاعدة أخرى في فرع آخر من فروع القانون، وهكذا نصل إلى القاعدة الأساسية التي تعد أساس القانون كله. ولكن الخلاف بين أنصار هذا المذهب كان حول القانون الذي له السيادة حيث نشأ مذهبين:
أولاً- مذهب سيادة القانون الوطني:
يرى أنصار هذا المذهب أن الصدارة لقواعد القانون الداخلي فالقاعدة الأساسية العامة التي تعد أساس القانون كله مثبتة في القانون الوطني وتحديداً في دستور الدولة، فالدولة تتمتع بالسيادة ولا تخضع لسلطة أعلى منها، لذلك فإن القانون الداخلي وحده أساس الالتزام بأي قاعدة قانونية دولية كانت أم داخلية، وهو القانون المختص ببيان الشروط والواجبات التي يجب على الدولة استيفاؤها عند عقد الاتفاقيات الدولية ويترتب على ذلك أن ترتبط به سائر فروع القانون الدولي العام برباط التبعية، وتكون الأولوية للدستور على المعاهدات الدولية.
ثانياً- مذهب سيادة القانون الدولي:
يرى أنصار هذا المذهب سيادة القانون الدولي لأن القاعدة الأساسية للنظام العام كله يحويها القانون الدولي والذي يفوض الدولة بإصدار القوانين الداخلية، ومن جهة أخرى القانون الدولي يبين الجماعات التي تتمتع بوصف الدولة، ويرى أنصار هذا المذهب أن مذهب سيادة القانون الوطني يهدم القانون الدولي ويجعله عديم القيمة، ويؤدي إلى نهرب الدولة من التزاماتها الدولية بحجة معارضتها القانون الداخلي، وبالتالي يقرر أنصار هذا المذهب أولوية المعاهدات الدولية والالتزامات الدولية على القانون الداخلي في حال التعارض.
وأخيراً تنص كثيراً من الدساتير على سيادة القانون الدولي وهذا ما أكدته أحكام المحاكم الدولية وآرائها مثل محكمة الدائمة للعدل الدولي ومحكمة العدل الدولية ويتضح من ذلك أن سيادة القانون الدولي العام هو المذهب الغالب الذي يؤيده الفقه الدولي الحديث والقضاء الدولي.
الباب السابع : تدوين القانون الدولي العام
التدوين هو تحويل القواعد العرفية غير المكتوبة إلى قواعد مدونة في شكل مواثيق واتفاقات دون المساس بمضمونها، ويعني من جهة أخرى تبني القاعدة القانونية الدولية عن طريق المعاهدات الجماعية بين الدول في إطار موضوعات قانونية دولية معينة.
وسبب التدوين هو عدم وضوح القواعد القانونية الدولية وتعددها مع التطور البطيء الذي صاحب تكوين هذا القواعد.
وقد ظهرت حركة التدوين في القرن الثامن عشر على يد الفيلسوف الإنجليزي بنتام الذي كان أول من اقترح تدوين القانون الدولي، ولكن النقلة النوعية كانت عام 1899 حيث عقد مؤتمر لاهاي الذي نجم عنه وثيقتين دوليتين من أهم الوثائق التي يمكن اعتبارها بمثابة تقنينات للقواعد القانونية الدولية وكانت الوثيقة الأولى لحل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وترجع أهميتها إلى أنها أنشأت محكمة التحكيم الدائمة التي فصلت في كثير من المنازعات آنذاك، أما الوثيقة الثانية فكانت تتعلق بقوانين وعادات الحرب البرية ثم عقد مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907 ونجم عنه اتفاقية تنظم فض المنازعات الدولي بالطرق السلمية وقواعد الحرب البرية والبحرية وأحكام الحياد.
ثم تلاها عدة اتفاقيات أهمها اتفاقيات جنييف لعام 1949 والتي استحدثت قواعد خاصة بحماية الأسرى والمرضى والجرحى والسكان المدنيين أثناء الحرب.
لكن كل ذلك لا يغني عن تقنين عام وشامل لقواعد القانون الدولي، فهي قواعد لا تلزم إلا الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات دون غيرها، كما أنها لم تتضمن كافة المسائل الحيوية الأخرى التي تهم الجماعة الدولية.
لذلك بنهاية الحرب العالمية الأولى وإنشاء عصبة الأمم بدأت حركة التدوين تأخذ شكلاً أكثر تنظيماً تحت إشراف العصبة حيث شكلت لجنة الخبراء وبدأت أعمالها عام 1925 واختارت ستة موضوعات تم تحضيرها باعتبار أنها أنسب الموضوعات وأكثرها قابلية للتقنين. وهي: الجنسية، والبحر الإقليمي، ومسئولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بأشخاص وأموال الجانب في إقليمها، واستثمار ثروات البحار والقرصنة، والحصانات والامتيازات الدبلوماسية، ويعرض هذه الموضوعات على الجمعية العامة للعصبة وافقت على البدء في تقنين الموضوعات الثلاثة الأولى.
وبعد إنشاء الأمم المتحدة اهتمت الأخيرة بتدوين القانون الدولي ومواصلة الجهود في ميدان التقنين، حيث تم إنشاء هيئة خاصة دائمة في ظل هيئة الأمم المتحدة عرفت باسم "لجنة القانون الدولي" وصل عدد أعضائها إلى خمسة وعشرين عضواً، وقد بدأت لجنة القانون الدولي عملها سنة 1949 وتناولت بالبحث بناءً على طلب الجمعية العامة المسائل التالية:
إجراءات التحكيم – الجنسية – نظام البحار – العلاقات والحصانات الدبلوماسية والقنصلية – المعاهدات. ولقد حققت اللجنة كثيراً من الإنجازات في تلك المجالات وغيرها.
الفصل الثاني : العقبات التي تعترض التقنين
لعل النزاعات القومية والمصالح السياسية هي من أهم العقبات التي تعترض عملية التقنين الشامل لقواعد القانون الدولي، ففي ظل المناخ الدولي الحالي بما يسوده من تضارب في المصالح وتباين في الأفكار السياسية واختلاف الإيديولوجيات، يصبح اتفاق الدول على مضمون القواعد التي تعرض عليها للتقنين أمراً بالغ الصوبة والتعقيد، ومن الضروري – في ظل هذه الظروف – أن يتم التمهيد التقنين لا عن طريق وضع المشروعات وإنما عن طريق تقريب وجهات النظر بين الدول في المسائل المختلف عليها.
وعملية التقنين على ما فيها من مزايا في تثبيت القانون الدولي وتدعيم قواعده إلا أنها لم تسلم من النقد من جانب بعض الفقهاء الذي يرون أن التدوين سيصيب قواعد القانون الدولي بالجمود ويفقدها المرونة التي تتميز بها مما يؤدي إلى صعوبة تطورها ومجاراتها للأحداث الدولية، حيث يمكن أن يكون هناك حاجة للتعديل ولكن رغم ذلك لابد من الحصول على موافقة جميع الدول التي أقرت التقنين وفي ذلك صعوبة لأنه من الممكن أن تعترض بعض الدول على التعديل.
ولكن في الانتقاد مغالاة فمن الممكن عند وضع أي تقنين أن يراعى فيه معالجة كل هذه المشاكل مسبقاً بأن يقصر التدوين على القواعد الثابتة أما القواعد المتغيرة فيتفق على طريقة مبسطة لتعديلها بشكل مسبق كالاكتفاء بموافقة الأغلبية على التعديل.®



القسم الثاني : أشخاص القانون الدولي العام
باب تمهيدي : الشخصية الدولية
الفصل الأول : معيار الشخصية الدولية
الشخص القانوني هو كل فرد أو هيئة تتمتع في ظل نظام قانوني معين بمجموعة من الحقوق والالتزامات. فالفرد يعد من أشخاص القانون الداخلي ولا يعتبر من أشخاص القانون الدولي. والدولة تعد من أشخاص القانون الداخلي والدولي مع اختلاف مركزها في كل من النظاميين باختلاف الحقوق والالتزامات التي يرتبها لها كل منهما.
تعريف الشخصية القانونية:
هي العلاقة التي تقوم بين نظام قانوني معين وبين الأشخاص الذين يتمتعون بالحقوق والالتزامات التي يقررها هذا النظام، ويقوم كل نظام قانوني بتحديد الأشخاص الذين يتوجه إليهم القانون بخطابه.
* شروط الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية:
1- يجب أن تكون الوحدة قادرة على إنشاء قواعد القانون الدولي بالتراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة وذلك بتمسكها بحق التعبير عن إرادة ذاتية في مجال العلاقات الدولية.
2- أن تكون الوحدة من المخاطبين بأحكام القانون الدولي بما يرتبه لها هذا القانون من أهلية ممارسة بعض الحقوق والالتزام بالواجبات، كحق إبرام المعاهدات الدولية وحق الدفاع الشرعي.
* وفي إطار استعمال الدول لهذه الحقوق، تلتزم بالواجبات التي يفرضها القانون الدولي عليها، والخضوع لأحكامه المنظمة لكيفية استعمال هذه الحقوق.
الفصل الثاني :تطور القانون الدولي في مجال الشخصية الدولية
لقد كان القانون الدولي العام قانوناً للدول فحسب حيث كانت صاحبة السيادة هي أشخاصه الوحيدة. ولكن بعد ظهور المنظمات الدولية بدأت الدعوات لاعتبارها من أشخاص القانون الدولي وخاصة بعد تأكيد محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في عام 1949 الذي أعطى المنظمة الدولية حق التعويض عن الأضرار التي تصيب موظفيها وبذلك اعتراف بالشخصية القانونية الدولية للمنظمة الدولية.
ولكن المنظمات الدولية لا ستقطب كل صور العلاقات الدولية حيث يوجد إلى جانبها وجانب الدول عناصر أخرى تلعب على صعيد المجتمع الدولي دوراً بارزاً ويهتم القانون الدولي بشأنهم أو يدخلون في دائرة سلطانه فيتمتعون تبعاً لذلك بصفة دولية، ومنهم البابا الكاثوليكي والأفراد على المستوى الدولي.
* ومن ناحية أخرى أثار وضع الفرد مشاكل عديدة في النظام القانون الدولي، حيث أنكر جانب من الفقه اعتباره من أشخاص القانون الدولي العام بينما اعترف له جانب آخر بذلك، في حين يذهب فريق ثالث إلى مركز وسط حيث قرر أن الفرد يصلح لأن يكون محلاً لخطاب القانون الدولي في حالات استثنائية يتمتع بشأنها بالشخصية القانونية الدولية ولكن ذلك لا يؤثر على الأصل العام وهو أن الفرد ليس من أشخاص القانون الدولي وإن كان محلاً لاهتمامه ولأنه الهدف البعيد للقانون الدولي، باعتبار أن رفاهيته وسعادته هي الهدف الأساسي وراء كل تنظيم قانوني.


الباب الأول : الدولــة
ظهر الخلاف بين فقهاء القانون الدولي وفقهاء القانون الدستوري وذلك لأن الدستوريين يتبنون تعريفات ذات طابع اجتماعي أو إداري أو قانوني حيث يعرفون الدولة على أنها جماع مرافق عامة.
وبالتالي تختلف دراسة الدولة من وجهة نظر القانون الدولي عن دراستها من وجهة نظر القانون الداخلي، حيث يكون المقصود بها في القانون الداخلي دراسة السلطة السياسية التي تحكم مجتمعاً معيناً والوظائف المختلفة لهذه السلطة وعلاقاتها بأفراد ذلك المجتمع، أما دراسة الدولة من وجهة نظر القانون الدولي تهتم أساساً ببيان ما يميز الدولة كشخصية قانونية عن غيرها من المنظمات والهيئات الدولية ومدى تمتع كل منها بالشخصية القانونية.
الفصل الأول : ماهية الدولة وعناصر تكوينها
أولاً- تعريف الدولة:
هي جمع من الناس يقيمون على سبيل الاستقرار في إقليم معين، ويخضعون لسلطة عليا حاكمة ذات سيادة.
ثانياً- عناصر الدولة:
1- الشعب: يتكون شعب الدولة أساساً من مجموعة من الأفراد يستقرون في إقليمها ويرتبطون بها برابطة سياسية وقانونية، ولا يشترط أن يرتبط الشعب برابطة القومية المبنية على وحدة اللغة والدين والتاريخ حيث توجد دول متعددة القوميات، ولكن يستعاض عن الرابطة القومية برابطة الجنسية حيث تحدد حقوق وواجبات المتمتعين بها تجاه الدولة ويمكن تعريف الجنسية بأنها "رابطة قانونية وسياسية واجتماعية بين فرد ودولة ما في زمان معين حيث تحدد الحقوق والواجبات المتبادلة".
وتستقل الدولة بتنظيم أحكام الجنسية فيها دون تدخل من دولة أخرى ولكن يجب ألا يكون هناك تعارض مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بموضوع الجنسية.
ولا يعتبر عدد السكان ركناً أساسياً من الأركان المكونة لعنصر الشعب حيث يمكن أن يكون عدده قليل ويمكن أن يكون كبير.
ولقد نادى البعض منذ القرن التاسع عشر بأن يكون أساس الدولة الرابطة القومية أو ما يسمى بمفهوم الأمة والذي يعني أنه لكل جماعة ترتبط فيما بينها بروابط الدين واللغة والتاريخ والثقافة أن تشكل دولة، ومن ثم يكون هناك ترادف بين مصطلحي "الأمة" و "الدولة" ولكن رغم ما تصف به هذه الدعوى من مثالية إلا أنها بعيدة عن أن تكون قاعدة من قواعد القانون الدولي الوضعية، فالرابطة القومية لا يترتب عليها أي أثر قانوني مباشر إلا في الأحوال التي تشكل امة في مجموعها شعب دولة واحدة، وعلى ذلك فالأمم التي يتوزع أفرادها بين دول متعددة، أو الأمم التي تشكل جزءاً من شعب دولة واحدة لا تتمتع بوصف الشخصية القانونية الدولية، فالأمم ليست كالدول، ولا يعني القانون الدولي بتصرفاتها، وإنما يعني إلى حد ما بمصالحها من خلال القواعد التي تنظم حماية مصالح الأقليات القومية، وهي حماية تفرضها الاعتبارات الإنسانية ولا يترتب عليها الاعتراف بالشخصية الدولية لهذه الأقليات إلا في الأحوال التي ترتفع فيها هذه الأمم إلى مصاف الدول عن طريق استكمال العناصر الرئيسية المكونة للدولة.
2- الإقليم: هو تلك الرقعة من الأرض والبحر وطبقات الجو التي تعلوها، وتباشر الدولة سلطاتها عليه، على وجه الاستقرار والدوام، والإقليم شرط لاكتساب الدولة للشخصية القانونية حيث تقضي قواعدها توافر القدرة على التصرف في نطاق إقليم معين لذلك لا تعد دولاً للقبائل الرحل ولا للجماعات القومية التي ليس لها إقليم خاص بها. ولا تأثير لاتساع الإقليم أو ضيقه على توافر عنصر الإقليم، وكذلك لا يمس الوحدة القانونية لإقليم الدولة أن تفقد السيطرة مؤقتاً على جزء من إقليمها حيث تظل الدول محتفظة بشخصيتها القانونية الدولية.
3- السلطة السياسية: إن السلطة الحاكمة هي التي تؤكد وحدة الشعب المعنوية والاقتصادية وتحقق مصالح الشعب وتتولى الدفاع عن كيان الإقليم داخلياً وخارجياً، ويعبر عن السلطة العامة في لغة القانون الدولي "بالسيادة" والسيادة هي التي تجعل الدولة تظهر في مواجهة الدول الأخرى كوحدة متميزة لها شخصية دولية، ولا عبرة بالشكل السياسي للسلطة في الدولة ما دامت تمثل من القوة والتنظيم ما يمكنها من فرض سلطتها على إقليم الدولة فلا فرق أن تكون ملكية فردية أم ديمقراطية.
الفصل الثاني: أنواع الدول
المبحث الأول : من حيث التكوين المادي
"الدول البسيطة والدول المركبة"
أولاً- الدول البسيطة:
الدول البسيطة: هي التي تنفرد بإدارة شئونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة والغالبية العظمى من دول العالم دول بسيطة، ولا يؤثر اتساع رقعة الدولة في اعتبارها دولة بسيطة، كما لو كانت تتكون من عدة أقاليم أو مقاطعات تتمتع بالحكم الذاتي أو نظام الإدارة المحلية، كما لا تؤثر تملك المستعمرات في اعتبارها دولة بسيطة ما دامت هناك هيئة واحدة تنفرد بإدارة شئون الدولة ومستعمراتها كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وبلجيكا فالفيصل في اعتبار الدولة من مجموع الدول البسيطة هو وجود حكومة واحدة تنفرد بالسيادة على إقليم الدولة في كل من المجالين الداخلي والدولي.
ثانيا- الدول المركبة:
هي التي تتكون باتحاد أكثر من دولة أو ولاية مستقلة بشئونها وارتباطها معاً برابطة الخضوع لسلطة حكومة مشتركة أو تحت رئيس أعلى واحد.
وتختلف حقوق وواجبات الدول أعضاء الرابطة الاتحادية من حيث مدى تأثيرها على الشخصية القانونية الدولية لأعضاء الاتحاد حيث تبقى الشخصية القانونية للدول المكونة للاتحاد أحياناً، في حين تذوب شخصيتها بشخصية الاتحاد أحياناً أخرى.
وعلى ذلك تنقسم الاتحادات الدولية من حيث الآثار التي ترتبها على الشخصية القانونية الدولية إلى قسمين رئيسيين ما:
القسم الأول: الاتحادات الدولية التي لا تأثير لها على الشخصية القانونية الدولية للدول المكونة لها:
1- الاتحاد الشخصي:
يقوم بين دولتين أو أكثر نمت عرش واحد مع احتفاظ كل منهم بذاتيها وشخصيتها الدولية واستقلالها الداخلي والخارجي، مع اشتراكها جميعها في شخص رئيس الدولة أو وحدة الأسرة المالكة، ويتحقق الاتحاد الشخصي نتيجة أيلولة العرش في دولتين مستقلتين لملك واحد أو بالتراضي بينهما على إنشاء مثل تلك الرابطة، وينتهي بزوال هذا التراضي أو بانتهاء رابطة الوراثة، ورابطة الاتحاد الشخصي تتمثل في شخص رئيس الدولة ولذلك فهي بطبيعتها رابطة وقتية عارضة وتعد أو أوهى الروابط وأقلها دواماً، وهذا النوع من الاتحادات لا يمكن تصور وجوه إلا بين دول ملكية تأخذ بنظام لوراثة العرش، فإذا اختلف النظامان بأن غيرت إحدى الدول من شكل الحكم فيها انفصلت رابطة الاتحاد القائمة بينها، ومن أمثلة هذا الاتحاد، اتحاد بولونيا ولتوانيا سنة 1386.
2- الاتحاد التعاهدي "الكونفدرالي":
يقوم بين دولتين أو أكثر بانضمامهم بعضاً إلى بعض بمقتضى معاهدة دولية واتفاقها على إقامة هيئة مشتركة تضم ممثلين لهذه الدول وتختص برسم السياسة العامة المشتركة لدول الاتحاد. واتخاذ قرارات بشأنها تبلغ كحكومات لتنفيذها بمعرفتها وتحتفظ كل دولة من دول الاتحاد بكامل سيادتها الداخلية والخارجية مع تنازلها للهيئة العامة المشتركة عن قدر من حريتها في التصرف، وتقوم هذه الهيئة بتحقيق الأهداف المتفق عليها في المعاهدة المنشئة للاتحاد، وهي عادة تتلخص في المحافظة على استقلال الدول الأعضاء والتنسيق بينها في المجالات السياسية والاقتصادية، وخلق نوع من التقارب والتوحيد بين \ول الاتحاد في المسائل الثقافية والتعليمية وغيرها.
* ولا تعد الهيئة العامة المشتركة حكومة عليا يعلو سلطانها على دول الاتحاد وليس لها سلطان على رعايا دول الاتحاد ولا تعد شخصاً دولياً، فهي لا تعد أن تكون مؤتمراً تتقرر فيه السياسة العامة للدول الأعضاء في المسائل التي تدخل في اختصاصها كما حددتها الاتفاقية المنشئة للتعاهد، وتصدر قرارات الهيئة العامة للتعاهد بالإجماع، ولا تلتزم الدولة إلا بالقرار الذي وافقت عليه، ومن أمثلة خذا الاتحاد التعاهد الجرماني الذي أقامته معاهدة فيينا عام 1815 واستمر حتى عام 1866.
القسم الثاني: الاتحادات الدولية التي تذوب فيها الشخصية القانونية الدولية للدول الأعضاء في شخص الهيئة الاتحادية:
1- الاتحاد الفعلي:
يقوم بين دولتين أو أكثر تحت حكم رئيس واحد ولهيئة مشتركة على شئونها الداخلية، واحتفاظها بدستورها الداخلي وتشريعها الخاص وإدارتها المستقلة، وفي هذا النوع من الاتحادات تذوب الشخصية الدولية لكل من دول الاتحاد في شخص الهيئة الاتحادية وعلى ذلك يتفق الاتحاد الفعلي مع الشخصي في احتفاظ الدول الأعضاء باستقلالها في إدارة شئونها الداخلية، ويختلف عنه في أن الدول الأعضاء تفقد استقلالها الخارجي تندمج شخصيتها الدولية في شخصية الهيئة الاتحادية مع التزام كل أعضاء الاتحاد بما تقوم به هذه الهيئة من تصرفات في المجال الدولي، ومن أمثلته اتحاد سويسرا والنرويج الذي دام حتى عام 1905، واتحاد النمسا والمجر منذ عام 1767 حتى عام 1919.
2- الدول الاتحادية "الاتحاد الفيدرالي":
ينشأ هذا النوع من الاتحادات بين دولتين أو أكثر بمقتضى وثيقة ذات طبيعة دستورية على خلق اتحاد دائم بين الدول الأعضاء تنزل فيها كل دولة عن كل سيادتها الخارجية وعن بعض سيادتها الداخلية إلى الهيئة المركزية التي ينشئها الاتحاد، وتكون هذه الهيئة حكومة بالمعنى الصحيح لها اختصاصات مباشرة على الدول الأعضاء ورعاياها، ويرأسها رئيس الدولة الاتحادية ويكون للاتحاد شخصية دولية تذوب فيها شخصيات الدول الأعضاء، حيث تظهر دول الاتحاد جميعاً بمظهر الشخص القانوني الدولي الواحد على المستوى الدولي. مع احتفاظ كل منها بدستورها ونظامها التشريعي والقضائي الخاص، وللدولة الاتحادية دستور عام مشترك ينظم علاقات الدول الأعضاء فيما بينها وعلاقاتها بالحكومة ويحدد اختصاصات كل منها ومن أمثلته:
أ- الولايات المتحدة الأمريكية: الذي لا يزال قائماً إلى الوقت الحالي منذ عام 1787 عقب مؤتمر فيلادلفيا، وتتكون الهيئة المركزية للتعاهد من سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية، وهي السلطة التنفيذية حيث يتولها رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد والثالثة: هي السلطة القضائية متمثلة في المحكمة الاتحادية العليا وتتولى إلى جانب اختصاصها العام الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين الولايات ذاتها أو بينها وبين الهيئة المركزية للاتحاد.
ب- الجمهورية العربية المتحدة: وهي نشأت عقب اتحاد سورية ومصر عام 1958 واستمر هذا الاتحاد حتى عام 1961.
المبحث الثاني : من حيث الظروف السياسية
الدول تامة السيادة والدول ناقصة السيادة
أولاً- الدول تامة السيادة:
هي التي تملك حق مباشرة كافة مظاهر السيادة الداخلية والخارجية دون أي تدخل أو رقابة من دولة أخرى أو هيئة دولية، وهذا هو الوضع الفعلي ولأغلب الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.
ثانياً- الدول ناقصة السيادة:
هي الدول التي ليس لها كامل الحرية في ممارسة سيادتها وإنما تباشرها عنها دولة أو دول أخرى أو هيئة دولية، وينتج هذا الوضع عن ارتباط هذه الدولة بدولة أخرى أو خضوعها لها. ويوجد فارق بين الدول ناقصة السيادة وبين الأقاليم المكون اتحاد فعلي أو لدولة تعاهدية.
* فالدولة ناقصة السيادة هي المفروض أصلاً أنها تتمتع بالشخصية الدولية والسيادة في المجالين الداخلي والدولي، ولكن طرأت على هذه الدولة بعض الظروف التي قيدت من حريتها في ممارسة بعض مظاهر هذه السيادة أو حرمتها من ممارستها كلية مثلها كمثل القاصر أو عديم الأهلية في الأنظمة القانونية الداخلية، وغالباً ما يكون السبب في ذلك هو ارتباطها بدولة أخرى أو خضوعها لها.
وبالتالي يدخل نظام الدول ناقصة السيادة في إطار الأنظمة الاستعمارية التي كان يعترف بها وينظمها القانون الدولي التقليدي.
* أما الدول الأعضاء في اتحاد فعلي أو دولة تعاهدية فهي دول كانت أصلاً كاملة السيادة ومستقلة ثم فقدت بدخولها في هذا الاتحاد صفة الدولة حيث أصبحت جزءاً من الشخص الدولي الجديد أو الاتحاد.
وتشمل الدول ناقصة السيادة فئات ثلاث سندرسها تباعاً:
1- الدول التابعة:
هي التي ترتبط بدولة أخرى برابطة خضوع وولاء، وتنتج هذه الرابطة بعد الاستقلال من الاستعمار، حيث تبقى مرتبطة بالدولة التي كانت تستعمرها بهذه الرابطة حيث تخولها حق تصريف شئونها الخارجية نيابة عنها، وتختلف حالات التبعية باختلاف درجاتها ولكن تجمعها مبادئ مشتركة أهمها: الحرمان المطلق أو النسبي من التمتع بحق ممارسة سيادتها في الخارج وكذلك سريان المعاهدات التي تبرمها الدولة المتبوعة بحق الدولة التابعة فيما يتعلق بالشئون الداخلية ولكن ضمن الحدود المتفق عليها، ويترتب على ذلك أن الدول التابعة لا تشغل مركزها في المحيط الدولي إلا عن طريق الدولة المتبوعة التي تتولى تمثيلها وتصريف كل الشئون الخارجية الخاصة بها.
* وعلاقة التبعية علاقة غير طبيعية لا يمكن أن تدوم، وغالباً ما تنتهي إما بحصول الدولة التابعة على استقلالها وانفصال التبعية التي تربطها المتبوعة.
2- الدولة المحمية:
هي الدولة التي تضع نفسها اتفاق أو رغماً عنها في كنف أو حماية دولة أخرى أقوى منها تتولى مسئولية حمايتها من أي اعتداء خارجي قد تتعرض له، ويختلف مركز الدولة الحامية من حالة إلى أخرى وذلك نظراً لتباين شروط الحماية التي يتضمنها الاتفاق المبرم بين الدولة المحمية والدولة الحامية، ولكن هناك مبدأ مشترك يجمعها وهو أن هذه الرابطة تفترض بصفة عامة حرمان الدولة المحمية من ممارسة سيادتها في الخارج، مع احتفاظها بحرية تصريف كل أو بعض شئونها الداخلية، والحماية نوعان: حماية اختيارية، أ، حماية استعمارية.
* الحماية الاختيارية:
وتنشأ هذه الحماية باتفاق دولتين مستقلتين تتمتع كل منهما بالشخصية القانونية الدولية تضع فيه الدولة الضعيفة نفسها تحت حماية الدولة القوية عنها ذد أي عدوان خارجي وتقوم برعاية مصالحها الدولية، ويجب الرجوع إلى الاتفاق الدولي بين الدولتين لمعرفة نوع العلاقة التي تقوم بينهما، ولتحديد الرابطة التي تربطهما، على أن الحماية الاختيارية تتميز بصفة عامة بالخصائص التالية:
‌أ- تستند رابطة الحماية إلى معاهدة تبرم بين الدولة الحامية والدولة المحمية.
‌ب- تحتفظ الدولة المحمية بشخصيتها القانونية مستقلة عن شخصية الدولة المحمية.
‌ج- تتولى الدولة الحامية الشئون الداخلية وقد تشرف عليها الدولة المحمية أو تشاركها فيما حسبما يقضي اتفاق الجماعة.
‌د- تتولى الدولة المحمية تصريف شئونها الداخلية وقد تشرف عليها الدولة الحامية في بعض الشئون ذات الأهمية الخاصة كشئون الجيش والمالية...
* ويجب أعلام الدول الغير بمعاهدة على علاقات الدولة المحمية مع غيرها من الدول، وعلاوة على ذلك فإنه لا يمكن للدولة الحامية القيام بدورها الذي تخوله لها اتفاقية الحماية إلا في مواجهة الدولة التي اعترفت لها صراحة أو ضمناً بهذا الوضع.
* والعلاقة بين الدولة الحامية والدولة المحمية تعد نظرياً في حكم العلاقات الدولية وإن كانت غالباً ما تنقلب إلى علاقة تبعية نتيجة المركز الممتاز الذي تحصل عليها الدولة الحامية تجاه الدولة المحمية، وقد تؤدي الحماية إلى احتلال الدولة الحامية لأراضي الدولة المحمية، وممارستها لكافة مظاهر السيادة الخارجية نيابة عنها.
* الحماية الاستعمارية –أو القهرية أو المفروضة-:
وهي تتم بعمل انفرادي من جانب الدولة الحامية يكون الغرض منه ضه أو استعمار الدولة التي فرضت عليها الحماية، وغالباً ما تلجأ الدولة الاستعمارية هذا الأسلوب لتفادي مقاومة أبناء الإقليم أبناس الإقليم إذا أعلنت أنه ضم أو استعمار ولتفادي معارضة الدول الأجنبية.
وغالباً ما تبرم معاهدة أو اتفاقية مع الدولة المحمية لإكساء الطابع الشرعي على وضعها وللحصول على رضا الدول الأخرى لأن الحماية الاستعمارية لا ترتب أثرها إلا في مواجهة الدول التي قبلت بها صراحة أو ضمناً.
* ويوجد فارق بين الحماية الاستعمارية والاستعمار المباشر، فالاستعمار يضم إقليم الدولة وبالتالي تفقد شخصيتها القانونية الدولية، بينما الحماية الاستعمارية لا تفقد الدولة كيانها أو شخصيتها القانونية الدولية.
3- الدول المشمولة بالوصاية:
الأقاليم المشمولة بالوصايا وهي أقاليم ناقصة السيادة، تقرر وضعها تحت إشراف دولي والوصاية نظام أنشأه ميثاق الأمم المتحدة لإدارة الأقاليم التي كانت خاضعة للانتداب الدولي في عهد عصبة الأمم يكون الهدف منها حسب المادة (76) من الميثاق مساعدة هذه الدول على تحقيق تقدمها في كافة المجالات وتحقيق رفاهية رعاياها. وتحقيق السلم والأمن الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان وقد تكون السلطة القائمة بإدارة الأقاليم المشمول بالوصاية دولة أو أكثر أو هيئة الأمم المتحدة ذاتها، ولا يشترط في الدولة التي تتولى الإدارة أن تكون عضواً في الأمم المتحدة ويشمل اتفاق الوصاية الشروط التي يتم بمقتضاها إدارة الإقليم المشمول بالوصاية وتحديد السلطة التي تباشر إدارة ذلك الإقليم، ولا يؤدي نظام الوصاية إلى ضم الأقاليم الخاضعة له إلى الدولة في الأمم المتحدة لأن ذلك يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على المساواة بين أعضاء الهيئة الدولية.
* أثر الوصاية على السيادة الإقليمية:
لمعرفة هذا الأثر يجب الرجوع إلى الاتفاق الذي بمقتضاه طبق هذا النظام فشروط الوصاية تختلف بطبيعة الحال من إقليم إلى أخر تبعاً لدرجة تقدم سكان كل إقليم وكذلك تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وذلك تبعاً لموقع الإقليم الجغرافي.
ولكن في جميع الأحوال فإن حق الدولة التي يعهد لها الوصاية يقتصر على حق الإدارة وإشراف من أجل تحقيق أهداف الوصاية. دون أي تأثير على كيان الدولة الخاص أو على بقاء سكان الإقليم محتفظين بالسيادة الخاصة بهذا الإقليم.
* انتهاء الوصاية:
نظام الوصاية ليس نظاماً دائماً، فهو كالانتداب نظام مؤقت ينتهي بمجرد تحقق أهدافه، وقد جاء ميثاق الأمم المتحدة خالياً من النص على الصفة المؤقتة لنظام الوصاية وهو أمر كان يجب تقديره في الميثاق، وقد أثار هذا الأمر اعتراض بعض الدول أثناء مناقشة مشروع الميثاق، وقامت من جانبا بمحاولة تطالب فيها بأن ينص صراحة على حق الجمعية العامة للأمم المتحدة في وضع حد للوصاية إذا أصبح الإقليم أهلاً لاستقلال بشئونه ويجب على الجمعية العامة أن تغير الدولة القائمة بالإدارة إذا خالفت شروط الوصاية.
وعلى أية حال فقد سار نظام الوصاية وفق الطريق المرسوم له وهو في سبيل تحقيق الأهداف التي وجد من أجلها فحصول الغالبية العظمى من الأقاليم المشمولة بالوصاية على استقلالها، يجعل نظام الوصاية في طريقه إلى الزوال ويميزه عن نظام الانتداب بما حققه من نتائج إيجابية في هذا المجال.
الفصل الثالث :اكتساب الدولة للشخصية الدولية
المبحث الأول : نشأة الدولة
تنشأ الدولة ككيان مادي بمجرد اكتمال عناصرها من شعب وإقليم ونظام سياسي مستقل ولكن يجب بالإضافة إلى ذلك اعتراف الدول الأخرى بها، ونشأة الدولة ككيان مادي قد تتم على أحد الأوجه التالية:
أولاً- قد تنشأ الدولة من عناصر جديدة نتيجة لاستقرار مجموعة من الناس على إقليم غير مأهول لم يكن تابعاً من قبل لدولة ما، وقيامها باستكمال عناصرها كوحدة سياسية قائمة بذاتها لها حكومة مستقلة.
ثانياً- وقد تنشأ الدولة عن عناصر قديمة نتيجة تفكك أو انحلال بعض الدول القائمة وهذا هو الوجه الغالب في نشأة الدولة، وتتحقق نشأة الدولة على الوجه في الحالات التالية:
1- عندما تعلن ولاية أو مستعمرة انفصالها عن دولة الأصل واستقلالها بشئونها كدولة قائمة بذاتها.
2- تفكك إمبراطورية كبيرة إلى عدة دول صغيرة نتيجة حرب أو حركة انفصالية.
3- ضعف الرابطة التي تربط بين دول أعضاء في اتحاد فعلي أو تعاهدي وانفصام الرابطة الاتحادية باستقلال كل دولة بإدارة شئونها.
ثالثاً- قد تنشأ الدولة عن عناصر قديمة عن طريق انضمام عدة دول لبعضها لتكون دولة واحدة كما لو اتحدت دولتان أو عدة دول وكونت دولة بسيطة أو موحدة أو تعاهدية.
المبحث الثاني : الاعتراف بالدولة
لقد حدد مجمع القانون الدولي معنى الاعتراف بأنه "عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول، وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين، تتمتع بالاستقلال عن باقي الدول قادر على الوفاء بالالتزامات القانونية الدولية، وتظهر الدول بالاعتراف نيتها في اعتبار هذه الدولة عضواً في الجماعة الدولية.
أولاً- الطبيعة القانونية للاعتراف:
انقسمت الآراء حول ذلك إلى نظريتين أساسيتين: نظرية الاعتراف المنشئ ونظرية الاعتراف المقرر.
1- نظرية الاعتراف المنشئ:
يؤدي توافر عناصر الدولة في رأي أنصار هذه النظرية إلى وجود الدولة المادي فقط أما الوجود القانوني لا يكون إلا إذا اعترفت الدول الأخرى بها، حيث أن الاعتراف هو الذي ينشئ الشخصية القانونية الدولية.
ويترتب على ذلك عدم إمكان قيام علاقات دولية قانونية مع وحدة سياسية لم يعترف بها بعد، وأن تتمتع الدولة الجديدة بالحقوق التي يقرها القانون الدولي العام يتوقف على اعتراف الدول الأخرى بها، ومن ثم فإن أي وحدة سياسية جديدة تكتسب وصف الشخص القانوني الدولي في مواجهة الدول التي اعترفت بها فقط ولا تكتسب هذا الوصف في مواجهة الدول التي حجبت عنها هذا الاعتراف.
2- نظرية الاعتراف المقرر:
يرى أنصار هذه النظرية أن وجود الدولة يكتمل بتوافر عناصرها ولا يتوقف على إرادة الدول الأخرى وبالتالي فإن الاعتراف لا ينشئ الدولة ولكنه يقرر وجودها ويكفل لها ممارسة سيادتها الخارجية بقبول التعامل معها كعضو في المجتمع الدولي.
وتتفق هذه النظرية مع المنطق، فالاعتراف لا يكون له قيمة من حيث الواقع ما لم يتوافر في الدولة عناصرها، حيث أن الاعتراف ينشئ الدولة إذا لم تكتمل عناصرها والاعتراف لغة ينصرف إلى وجود الشيء المعترف به ولا يمكن أن ينصرف إلى شيء غير موجود لذلك فإن عدم اعتراف الدول بالدولة الجديدة لا يؤثر على وجودها ولا يحول بينها وبين مباشرة الحقوق التي تخولها لها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها الدخول في علاقات دولية مع الدول التي احترفت بها، أو التي تقبل التعامل معها.
وقد أيد مجمع القانون الدولي نظرية الاعتراف المقرر، ويترتب على اعتبار الاعتراف ذا صفة إقراراي لا إنشائية وأنه لا يخرج عن كونه إجراء قانوني لإقرار مركز فعلي سابق وجوده عليه، أي يكون أثره رجعياً، أي أن آثاره ترجع إلى التاريخ الذي اكتملت فيه عناصر الدولة بالفعل، وتم التسليم فيه بوجودها كدولة مستقلة وليس إلى تاريخ الاعتراف نفسه.
ثانياً- حرية الدولة في الاعتراف:
ليس في قواعد القانون الدولي ما يفرض على الدول وجود الاعتراف بالدولة الجديدة عند اكتمال عناصرها، حيث للدولة سلطة تقديرية مطلقة في الاعتراف أو عدم الاعتراف بدولة جديدة، حيث تتداخل في ذلك اعتبارات قانونية وسياسية بالإضافة إلى مصالح الدولة ويترتب على ذلك أن الدولة الجديدة لا تتمتع بوصف الدولة إلا مواجهة الدول التي اعترفت بها فقط.
* وينجم عن هذه الحرية في الاعتراف اختلاف مواعيد نشأة الشخصية القانونية الدولية للدولة الجديدة بالنسبة للدول، حيث يصدر الاعتراف في تواريخ مختلفة تبعاً للاعتبارات السابقة الذكر، حيث أنه من النادر أن يتم الاعتراف من جميع الدول في وقت واحد.
* ولكن السلطة التقديرية تقتصر على الاعتراف أو عدم الاعتراف، ولكن إذا اعترفت الدولة بالدولة الجديدة فلا يكون لها أن تقيد هذا الاعتراف بأي شرط، ومن جهة أخرى يجب أن يكون عدم الاعتراف مبرر وألا يكون في استعمال هذا الحق أي تعسف.
* يرى البعض أن الدول ملزمة بالاعتراف بكل دولة جديدة متى توافرت فيها عناصر الدولة ويبرر أنصار هذا الرأي قولهم بأن الاعتراف عمل قانوني، يصدر حتى تتوافر شروطه وعدم الاعتراف يعتبر إخلال بحق الدولة في ممارسة اختصاصاتها بمجرد وجودها وتوافر العناصر المكونة لها، ولكن الرأي الغالب في الفقه يرى أن نشوء الدولة ليس مسألة قانونية فقط وإنما هناك اعتبارات مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية تتعلق بهذا الوضع ولذا فلكل دولة حرية تقدير هذه الاعتبارات عند اتخاذ قرار الاعتراف أو عدم الاعتراف بالدولة الجديدة.
أولاً- نظرية عدم الاعتراف بالدولة:
ويطلق على هذه النظرية نظرية ستيمسون نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي الذي أصدر بياناً قرر فيه عدم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأي وضع أو معاهدة أو اتفاق ينشئ بوسائل مخالف لميثاق باريس عام 1928، وذلك عق اعتراف اليابان بقيام دولة "مانشوكو" الذي نتج عن غزو اليابان لإقليم منشوريا,
ولقد أدت الجمعية العامة لعصبة الأمم هذه النظرية، ولكن رغم استناد هذه النظرية إلى اعتبارات العدالة ومبدأ تحريم القوة في العلاقات الدولية، فإنها لم تلق رواجاً في المحيط الدولي حيث لا تزال هناك دول تنكر وجود مثل هذا الالتزام وما زال العمل القانون لا يفرق بين نشأة الدولة وبين الوسائل التي قامت بها، فما زال النظام القانوني الدولي لا يعتبر انفصال جزء من إقليم الدولة وتكوينه دولة جديدة أو نشأة دولة بالقوة أو على خلاف معاهدة دولية أعمالاً قانونية، ويرى لبعض من الفقهاء أنه في مثل هذه الحالات يجب أن تتخذ كل الوسائل لمنع قيام دولة عن طريق العنف أو القوة، إلا أنه لا يجوز تحريم الاعتراف بها إذا قامت رغم ذلك واستقرت حيث إن الدولة ظاهرة تاريخية وسياسية واجتماعية قبل أن تكون نظاماً قانونياً وحرية الدولة في الاعتراف بها تتفق مع فكرة سيادة الدولة.
رابعاً- صور الاعتراف بالدولة:
1- الاعتراف الصريح والضمني:
ويكون الاعتراف صريحاً كأن ينص عليه في معاهدة أو يتم بشكل إعلام أو وثيقة دبلوماسية من جانب الدولة المعترفة.
كما يمكن أن يكون الاعتراف ضمنياً ويستخلص من دخول الدولة القديمة في علاقات مع الدولة الجديدة لا تقوم عادة إلا بين الدول لحاملة السيادة، كتبادل المبعوثين الدبلوماسيين، ولكن يجب التعامل مع هذا الأمر بحذر لأن هناك علاقات لا تدل على الاعتراف الضمني بالضرورة، كإرسال برقيات التهاني أو تبادل القناصل أو إبرام اتفاقيات دولية، ولكن يجب ملاحظة أن إعلان الدولة صراحة أو عدم اعترافها بدولة معينة يلغي أي تصرف بينهما يمكن اعتباره في الظروف العادية اعترافاً ضمنياً، فمن المبادئ المسلم بها أن الإرادة الصريحة تلغي الإرادة الضمنية، أي أنه لا يمكن الاستناد إلى الإرادة الضمنية إلا حيث ينعدم وجود الإرادة الصحيحة الضمنية، أي أنه لا يمكن الاستناد إلى الإرادة الضمنية إلا حيث ينعدم وجود الإرادة الصحيحة.
ولقد جرى العمل الدولي على التفرقة بين نوعين من الاعتراف:
- الاعتراف القانوني: وهو الاعتراف الصريح المباشر.
- الاعتراف بالواقع: وهو الاعتراف الضمني الذي يستدل عليه نتيجة دخول الدولة في علاقات مع الدولة الجديدة دون التعرض بصفة رسمية صريحة لموضوع وجودها القانوني.
وهذه التفرقة أوجدتها الممارسة الدبلوماسية، حيث تلجأ إلى استخدام الاعتراف بالواقع حتى لا يؤخذ عليها تسرعها في الاعتراف من ناحية، وحتى لا تتأخر الدولة الجديدة في ممارسة نشاطها الخارجي لحين استقرار وضعها من ناحية أخرى.
وغالباً ما تلجأ الدول إلى الاعتراف بواقع وجود الدولة الجديدة حتى ستقر أمورها فتوليها اعترافها القانوني، وأخيراً لا تتيح التفرقة السابقة أي تغيير في مبدأ الاعتراف ذاته.
2- الاعتراف الفردي والاعتراف الجماعي:
غالباً ما يكون الاعتراف فردياً، والاعتراف الفردي هو الذي يصدر صراحة أو ضمناً من كل دولة حدة تجاه الدولة الجديدة إما من تلقاء نفسها أو إجابة لطلب الدولة الجديدة وقد يكون الاعتراف جماعياً في صور نادرة إذا صدر من مجموعة من الدول مجتمعة في معاهدة أو وثيقة مشتركة أو أثناء انعقاد مؤتمر دولي.
* ويعتبر في حكم الاعتراف الجماعي: القرار الصادر من منظمة أو هيئة دولية تكون عضويها قاصرة على الدول كهيئة الأمم المتحدة بقبول دولة جديدة عضواً بها ويفرق في هذا النوع من الاعتراف بين حالتين:
- إجماع الدول على عضوية الدولة الجديدة في المنظمة ولا يثير هذا الأمر أي صعوبة.
- معارضة بعض الدول الأعضاء على عضوية الدولة الجديدة.
لقد انقسم الفقه بشأن مدى صحيحة هذا الاعتراف في مواجهة الدول المعترضة إلى فريقين:
الفريق الأول: ويتزعمه جورج سيل، حيث قال أن قبول العضوية يؤدي إلى اعتراف جميع الدول الأعضاء بالدولة الجديدة لأنه من غير المعقول أن تكون الدولة الجديدة شريكة في الحقوق والواجبات التي يرتبها الانضمام للمنظمة مما يحتم وجود تعاون جميع الدول الأعضاء مع عدم اعتراف بض الأعضاء بصفاتها كدولة.
الفريق الثاني: يرى أن قبول الانضمام إلى المنظمة لا يفترض اعتراف كل دولة عضو في المنظمة الدولية الجديدة، فالدول التي صوتت ضد قبول الدولة الجديدة في المنظمة لا يمكن إلزامها بالاعتراف بالدولة الجديدة أو مباشرة العلاقات الدبلوماسية معها.
خامساً- هل يجوز سحب الاعتراف؟
تختلف الإجابة عن هذا التساؤل طبقاً للطبيعة القانونية للاعتراف ذاته، وهل بد الاعتراف منشئاً للدولة أم مقرراً لواقع وجودها، فإذا أخذنا بنظرية الاعتراف المنشئ فإنه يجوز للدولة سحب الاعتراف، أما إذا أخذنا بنظرية الاعتراف المقرر والتي تعتبر مجرد إقرار بالأمر الواقع فلا يجوز سحب الاعتراف ما دام هذا المر ما زال قائماً.
غير أنه لما كان الاعتراف عملاً من الأعمال الإرادية الحرة من جانب الدول المعترفة فإنه حتى في ظل الاعتراف المقرر يصبح من العسير إطلاق القول بعدم جواز الرجوع في الاعتراف أو سحبه، إلا أن أنصار نظرية الاعتراف المقرر يؤكدون أن سحب الاعتراف بعد صدوره إجراء خطير ويجب عدم اللجوء إليه إلا في حالات استثنائية تبرره كما لو تصرفت الدولة الجديدة تصرفاً يتنافى مع واجباتها كدولة متمدنة أو لم تلتزم في تصرفاتها بالقواعد القانونية أو لم تحترم الأوضاع الثابتة التي يجري عليها العمل في المجتمع الدولي.
* ولكن يجب أن يكون سحب الاعتراف صريحاً، فلا يمكن أن يستدل عليه ضمنياً، فقطع العلاقات الدبلوماسية لا يعتبر سحب الاعتراف بالدولة ما لم يتم إعلان ذلك صراحة ومثال ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفرنسا عام 1956 ولم يفسر ذلك على أنه سحب للاعتراف بفرنسا.
سادساً- التفرقة بين الاعتراف بالدولة والاعترافات التمهيدية:
لا يجوز الاعتراف بالدولة التي تستكمل عناصرها، وعند نشوء دولة عقب حركة انفصالية، تكون الدول أمام اعتبارين الأول اعترافها بهذه الدولة لتباشر اختصاصاتها الدولية والثاني توخي الحيطة ريثما يتم التأكد من قيام الدولة الجديدة بشكل نهائي، ولكن مع التسليم بعدم جواز الاعتراف بالدولة إلا بعد استكمالها لعناصرها الأساسية، هناك صوراً أخرى من الاعترافات يطلق عليها الاعترافات التمهيدية وهي اعترافات تؤدي إلى مجرد إقرار أوضاع قائمة ويترتب عليها بعض الآثار القانونية، وتثور مسألة الاعترافات التمهيدية عادة في الحالات التي تسعى فيها بعض الجماعات عن طريق ثورة أو أعمال حربية إلى تكوين دولة مستقلة ولقد جرت العادة على التفرقة في هذه الحالات بين ثلاثة أنواع من الاعترافات على التفصيل الآتي:
1- الاعتراف بالثورة:
ويقصد بالثورة: العصيان الذي يزيد عن مجرد الهياج، والذي لا يبلغ من الجسامة حد الحرب الأهلية، ويجوز صدور الاعتراف بالثورة من دولة الأصل نفسها بهدف رفع مسئوليتها عن أعمال الثورة أو من دولة أجنبية.
* فإذا صدر الاعتراف من دولة الأصل نفسها ترتب على ذلك وجوب معاملة الثوار كأسرى حرب، وعدم جواز معاملتهم كخونة أو مجرمين، ومن ناحية أخرى تصبح دولة الأصل غير مسئولة عن تصرفات الثوار ويتحمل هؤلاء نتائج أعمالهم.
* أما إذا صدر الاعتراف من دولة أجنبية التزمت هذه الدولة بعدم التدخل إلى جانب دولة الأصل مقابل التزام الثوار باحترام سلامة أرواح رعاياها وأموالهم في الإقليم الذي يسيطرون عليه على أن الاعتراف من جانب دولة أجنبية لا يترتب عليه إعطاء الثوار الحقوق المقررة للمحاربين في القانون الدولي، مثل حق الزيارة وتفتيش السفن الأجنبية وإن كان يفرض على الدولة المعترفة أن لا تعاملهم كقراصنة إذا وقع منهم أي اعتداء على سفنها لأسباب تتعلق بالثورة.
2- الاعتراف بحالة الحرب:
وهو يتم إذا استمر النضال واتسع مداه وأصبح الثوار حكومة منظمة تباشر سلطاتها على إقليم معين وجيش منظم يتبع قواعد الحرب، وفي هذه الحالة يكون هناك محل للاعتراف بحالة الحرب والثوار بصفة محاربين بما يترتب على ذلك من آثار قانونية فيما يتعلق بتطبيق قواعد الحرب والحياد، وقد يصدر الاعتراف من دولة الأصل ويترتب على ذلك التزامها بمراعاة جميع قواعد الحرب مع الإقليم الثائر كما تثبت لهذا الإقليم جميع حقوق وواجبات المحاربين.
* أما إذا صدر الاعتراف من دولة أجنبية يلتزم محاربو الإقليم الثائر بمراعاة قانون الحرب والحياد في مواجهة هذه الدولة مقابل تمتعهم المحاربين وتلتزم الدولة المعترفة بمراعاة جانب الحياد.
3- الاعتراف بأمة:
يتم بقيام حركة عدائية من جانب رعايا دولة ما ضد هذه الدولة بغرض الانفصال عنها وتتخذ إقليم دولة أجنبية مركزاً لها توجه منه عملياتها العدائية ضد دولة الأصل، والاعتراف بالأمة لا سند له قانونياً وإنما هو إجراء استثنائي أملته سياسة دولة الحلفاء في الحرب العالمية الأولى الهدف منه كسب تعاطف الجماعات وكسبها إلى صفوفها، وتكمن أهمية هذا الاعتراف إلى أن الأمة إذا شكلت دولة مستقبلاً فإن الدولة المعترفة ستعترف بهذه الدولة الجديدة.
سابعاً- التفرقة بين الاعتراف بالدولة والاعتراف بالحكومة:
الاعتراف بالدولة يؤدي إلى نشأة شخصية قانونية دولية جديدة في حين أن الاعتراف بحكومة جديدة في دولة من الدول لا يقصد به أكثر من تمكين الدول التي يصدر منها من الاستمرار في علاقاتها مع الدولة التي تغير نظام الحكم بإحلال حكومة جديدة محل الحكومة القديمة ولا شأن لهذا الاعتراف بشخصية الدولة، بمعنى أن عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لا يترتب عليه أكثر من قطيع العلاقات الرسمية بين الدولة التي تغيرت حكومتها والدولة التي تمتنع عن الاعتراف بها، فتغير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري وغير ذلك من التغيرات الدستورية لا يؤثر في استمرار الشخصية الدولية للدولة.
* ويكفي للاعترافات بالحكومة الجديدة أن يثبت أنها تسيطر على زمام الأمور داخل الدولة وأن في مقدورها أن تفي بالتزاماتها الدولية، وليس للدولة التي تزمع الاعتراف بالحكومة الجديدة أن تتعرض إلى شكل تلك الحكومة أو كيفية توليها السلطة، وإن كان لها أن تمتنع عن هذا الاعتراف أو تؤجله إذا ما رأت أن هذه الحكومة قد وصلت إلى السلطة بطريق العنف أو الإرهاب أو بالمخالفة لأحكام القانون الدولي.
الفصل الرابع : التغيرات السياسية والإقليمية التي تطرأ على الدولة
إن المبدأ العام هو أنه مهما صادف الدولة من تغييرات على المستويين الداخلي والخارجي فإن هذا لا يؤثر على شخصية الدولة، فمتى نشأت الدولة واستمر وضعها في المجتمع الدولي باعتراف الدول بها كشخص قانوني دولي، فإنها تحافظ على هذه الشخصية الدولية، رغم ما يطرأ عليها من تغيرات.
المبحث الأول : النتائج المترتبة على تغيير نظام الدولة الداخلي
* لا يؤثر تغيير نظام الحكم على شخصية الدولة ولا على وضعها القانوني بالنسبة للدول الأخرى ويستمر تمتع الدولة بالحقوق المترتبة لها وللحكومة الجديدة أن تمارس كل الحقوق والمزايا والمطالبة بالحقوق المترتبة في ذمم الدول الأخرى وبالمقابل تلتزم بما على الدول من واجبات وديون حتى إن رتب ذلك الحكومة السابقة، لأن هذه الحكومة كانت تعمل باسم الدولة.
* وعلى الدولة إبلاغ الدول الأخرى بما حدث فيها من تغيرات حتى تعترف بالحكومة الجديدة والغرض من الاعتراف هو تسهيل مهمة اتصال الحكومة الجديدة بالدول الأخرى ولتحديد السلطة التي تقوم بتمثيل الدولة والتي يجب أن يتم التعامل معها فيما يتعلق بالشئون التي تهم علاقة هذه الدولة بالدولة الأخرى، وبتمام الاعتراف بالحكومة الجديدة تظل الأخيرة ملتزمة بجميع التعهدات الدولية للحكومة السابقة عليها.
المبحث الثاني : النتائج المترتبة على التغيرات التي تطرأ على إقليم الدولة
قد يطرأ على إقليم الدولة تغير بأن تفقد الدولة جزء من إقليمها باستقلاله أو بضمه لدولة أخرى أو عن طريق ضم الدولة لكل أو بعض إقليم دولة أخرى، وهاتان العمليتان مرتبطتان كل منهما بالأخرى فالانفصال يقابله حتماً انضمام الإقليم المنفصل إلى دولة أخرى ويترتب على ذلك تغير السيادة على الإقليم المنفصل أو المضموم ويدرس الشراح النتائج القانونية التي تترتب على الغيرات الإقليمية التي تطرأ على إقليم الدولة تحت اسم "الميراث الدولي" قياساً على ما يحدث عند انتقال تركة شخص إلى ورثته.
ويشترط لتمام عملية الميراث الدولي انتقال كل أو بعض إقليم الدولة من سيادتها إلى سيادة دولة أخرى، فالميراث الدولي قد يكون كلياً وذلك بانتقال إقليم الدولة بكامله إلى دولة أخرى وقد يكون جزئياً حينما تفقد الدولة بعض إقليمها فقط مع احتفاظها بشخصيتها الدولية. وهناك عدة جوانب يؤثر عليها الميراث الدولي سندرسها بالتفصيل.
أولاً- أثر الميراث الدولي على المعاهدات:
- في حالة الانفصال:
تبقى دولة الأصل ملتزمة بالمعاهدات التي أبرمتها لأن الانفصال لا يؤثر على شخصيتها الدولية، في حين لا تسري هذه المعاهدات بحق الإقليم الذي انفصل سواء انضم إلى دولة أخرى أو شكل دولة مستقلة إلا إذا كانت المعاهدة تنصب مباشرة على هذا الإقليم كمعاهدات تعيين الحدود أو تنظم حق الملاحة النهرية، أما الدول التي نالت استقلالها حديثاً، فبعضها تحلل من المعاهدات التي أبرمتها الدولة الاستعمارية وبعضها استمر على التزامه بها على أن يتم حسم الأمر بشكل لاحق في حين أن دولاً أخرى التزمت باحترام المعاهدة.
- في حالة الانضمام:
إن إبرام المعاهدات من أعمال السيادة وبالتالي يخضع الإقليم المنضر للمعاهدات التي أبرمتها الدولة قبل انضمامه إليها، أما إذا كان قصد الدول الأطراف في المعاهدة هو أن يقتصر تطبيقها على الأقاليم الخاضعة لكل منها وقت إبرامها، أو كانت طبيعة الإقليم المنضم لا تتفق مع طبيعة المعاهدة ففي هذه الحالة لا يخضع لما تقرره هذه المعاهدة من أحكام وغني عن البيان أنه يجوز الاتفاق على خلاف ما تقدم بشرط عدم المساس بحقوق الدول الأخرى المكتسبة على الإقليم المنضم.
ثانياً- أثر الميراث الدولي على الديون العامة:
فرق هنا بين حالة الميراث الكلي وحالة الميراث الجزئي:
- الميراث الكلي: تنتقل كافة ديون الدولة المورثة طبقاً للرأي الراجح من ذمتها إلى ذمة الدولة الوارثة، وذلك نظير استفادتها من موارد الإقليم الذي ضمته.
الميراث الجزئي: نفرق بين الديون المحلية والديون غير المحلية:
الديون المحلية: هي التي تكون الدولة المورثة قد التزمت بها لمصلحة الإقليم المنفصل فهذه الديون تنتقل بأكملها إلى الدولة الوارثة، وعلى الرغم من أن القاعدة العامة لا تعف الدولة من ديونها عند انفصال إقليم عنها، إلا أن ما تقدم تبرره مقتضيات العدالة حيث إن الديون التي نشأت في ذمة الدولة المورثة كان أساسها منفعة تتعلق بالجزء المنفصل على وجه التحديد وبالمقابل الدولة المورثة فقدت جزء من مواردها انفصال الإقليم عنها.
الديون غير المحلية: وهي التي تعقد لمصلحة الدولة المورثة ككل بما فيها الإقليم المنفصل، ولا توجد قاعدة بشأنها ولكن مقتضيات العدالة والضرورات الاقتصادية تقضي بوجوب تحميل الإقليم المنفصل نصيباً منها تلتزم به الدولة الجديدة التي نشأت فيه أو الدولة التي ضمته إليها.
وانقسم الفقه في هذا الشأن إلى عدة اتجاهات، فهناك رأي يحدد نصيب الإقليم من تحمل الديون بقدر مساحته الجغرافية ولكن يعاب على هذا المعيار أن مساحة الإقليم ليست مقياساً حقيقياً لقيمته الاقتصادية والمالية فقد يكون هذا الإقليم صحراء وينادي رأي آخر بأن يكون عدد السكان هو المعيار ولكن كثافة سكان إقليم معين ليست بالضرورة مؤشراً لثراء هذا الإقليم، وأما الرأي الذي يحظى بتأييد كثير من الشراح فهو الذي نادى به "بلنتشلي" والذي يرى أن يكون أساس التحديد هو نصيب الإقليم من مجموع ضرائب الدولة المورثة، وعلى هذا الرأي جرى العمل ولقد أخذت به معاهدات الصلح لعام 1919.

ثالثاً- أثر الميراث الدولي على الأملاك:
في حال الميراث الكلي فإن الأموال العامة والخاصة التي كانت تملكها الدولة المورثة تنتقل بالكامل إلى ملكية الدولة الوارثة. أما في حالة الميراث الجزئي فتنتقل جميع الأملاك العامة الموجودة على هذا الإقليم إلى الدولة الوارثة مع احتفاظها بصفتها كأملاك مخصصة للمنفعة العامة كالطرق والسكك الحديدية... أما بالنسبة للأملاك الخاصة فتظل في ملكية الدولة المورثة ما لم يتفق على خلاف ذلك الدولتين صاحبتي الشأن أو إذا ورد شرط مخالف في المعاهدة التي ارتبطت بها الدولة المورثة مع الدولة الوارثة، وأخيراً لا تتأثر الأملاك الخاصة بالأفراد بانتقال الإقليم إلى سيادة الدولة الوارثة.
رابعاً- أثر الميراث الدولي على النظام القانوني الداخلي:
1- التشريع:
يخضع الإقليم بعد ضمه إلى دستور الدولة الوارثة والنظام السياسي مباشرة دون حاجة إلى أي إجراء، أما بالنسبة للقوانين الأخرى كالجنائية والإدارية يحتاج تطبيقها إلى بعض الإجراءات كالإصدار والنشر ليعلم بها سكان الإقليم وقبل سريان هذه القوانين أي في الفترة الانتقالية تطبق الدولة الوارثة مؤقتاً القوانين القديمة التي كانت سارية على الإقليم المنضم قبل انضمامه إلى أن تحل محلها قوانين هذه الدولة تدريجياً، غير أنه يجب المحافظة على الحقوق المكتسبة لرعايا الإقليم المنضم في ظل التشريعات القديمة، كما يجب احترام الحقوق الخاصة التي تكون قد منحت للشركات الأجنبية أو الأفراد بمعرفة الدولة المورثة على الإقليم المنضم.
2- القضاء:
وهنا يجب التفرقة بين الدعاوى التي تكون مطروحة أمام محاكم الإقليم قبل حصول الضم والتي لم يكن قد فصل فيها نهائياً، والأحكام النهائية التي أصدرتها هذه المحاكم قبل الضم ونبحث كل حالة من هذه الحالات في إطار المسائل المدنية ثم المسائل الجنائية.
أ- المسائل المدنية:
إذا لم يفصل نهائياً في الدعوى قبل حصول الضم تنتقل إلى محاكم الدولة الحديثة مع مراعاة الإجراءات السابقة فهي تعتبر حق مكتسب لذوي الشأن، كما يجب تطبيق القانون الذي رفعت الدعوى في ظله كلما أدى عدم تطبيقه إلى مساس بحق مكتسب لأطراف الدعوى حتى لا يضار المتقاضون وتصان حقوقهم المكتسبة قبل ضم الإقليم.
* أما إذا كان قد صدر في الدعوى حكم نهائي من محاكم الإقليم ولم يكن قد تم تنفيذها قبل الضم، كان هذا الحكم حقاً لمن صدر في صالحه وله أن يطلب تنفيذه على الوجه التالي:
- إذا كان التنفيذ على أرض الدولة المورثة فإنه يتم دون حاجة إلى أي إجراء جديد.
- إذا كان التنفيذ على أرض الإقليم المنفصل فقد جرى العرف على أن يتم دون حاجة إلى إجراء جديد وذلك تيسيراً على أطراف الدعوى.
- إذا كان التنفيذ على أرض الدولة الورثة وجب لإمكان القيام به الحصول على إذن بالتنفيذ من قضائها على اعتبار أن الحكم في هذه الحالة صادر من قضاء دولة أجنبية.
ب- المسائل الجنائية:
إذا لم تكن المحاكم الجنائية قد بدأت من أجل جريمة وقعت قبل ضم الإقليم فيقدم المتهم للمحاكمة أمام محكمة الدولة الوارثة، وتتم إجراءات المحاكمة وفقاً لقانونها وتقوم الدولة الوارثة عند محاكمة المتهم بمراعاة المبادئ العامة للقانون الجنائي فلا يحكم على المتهم بعقوبة أشد مما كان سيحكم به عليه وفقاً لقانون الدولة المورثة والتي وقعت الجريمة في إقليمها، أما إذا كان قانون الدولة الوارثة لا يعاقب على مثل الفعل منسوب إلى لامتهم فلا يجوز معاقبة الجاني في مثل هذه الحالة.
أما إذا كان المتهم قد كان حكم عليه نهائياً قبل الضم فتقوم الدولة الوارثة بتنفيذ هذا الحكم على الجاني بعد أخذ موافقة قضائها على ذلك مع مراعاة القواعد العامة السابقة الذكر.
ولما كانت المسائل الجنائية تثير صعوبات نتيجة لاختلاف التشريعات الجنائية والعقوبات من حيث نوعها وطريقة تطبيقها من دولة أخرى فإنه غالباً ما يتم النص في المعاهدات التي ينتقل بموجبها إقليم من سيادة دولة إلى سيادة دولة أخرى على كل الأمور التي يجب إتباعها بشأن هذه المسائل.
خامساً- أثر الميراث الدولي على الجنسية:
يفقد رعايا الدولة المورثة دون الأجانب المقيمين على الإقليم المنفصل جنسيتهم ويكتسبون جنسية الدولة الوارثة، ولكن مراعاة لمصالح الأفراد وميولهم جرت العادة على إعطائهم حق الخيار بين الاحتفاظ بجنسيتهم القديمة وبين اكتساب جنسية الدولة الوارثة في حال اختيار الفرض الأول عادة ما يرحلون عن الإقليم على أن يقوموا بتصفية أملاكهم فيه قبل مغادرتهم للإقليم.
الفصل الخامس : حقوق الدول وواجباتها
يترتب على ثبوت الشخصية الدولية للدولة مجموعة من الحقوق والواجبات تهدف إلى تحقيق الغرض من وجود الدولة، ومن أجل تسهيل المهام المختلفة التي تضطلع بها والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
المبحث الأول : الحقوق الأساسية للدول
أولاً- حق المساواة:
تتمتع الدول بحق المساواة كنتيجة لسيادتها واستقلالها وهذا ما أكده ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية وعدد من التصريحات الرسمية الصادرة من رؤساء الدول ولكن وهذه المساواة قانونية ويترتب عليها النتائج التالية:
1- ليس لدولة كاملة السيادة أن تملي إرادتها على غيرها من الدول تامة السيادة في أي شأن من شئونها الخاصة.
2- إن شخصية الدولة مصونة وكذلك سلامة إقليمها واستقلالها السياسي.
3- لا تستطيع أي دولة أن تدعي لنفسها حق التقدم أو الصادرة على غيرها لأي سبب كان.
4- على كل دولة أن تنفذ تعهداتها الدولية بإخلاص.
5- لا تخضع دولة في تصرفاتها لقضاء دولة أجنبية.
6- الإقرار بمبدأ الإجماع في القرارات الدولية والقواعد القانونية الدولية على أن يكون لكل دولة صوت واحد في المنظمات والمؤتمرات الدولية.
ولكن لا تؤدي المساواة القانونية حتماً إلى المساواة السياسية، حيث أن ثروات الدولة وقوتها العسكرية والاقتصادية قد تخل بهذه المساواة حيث يكون هناك دول كبرى ودول صغرى وتجسد ذلك عملياً بإعطاء حق الفيتو للدول الخمسة دائماً العضوية في مجلس الأمن.
ثانياً- عدم التدخل:
التدخل هو تعرض دولة للشئون الداخلية أو الخارجية لدول أخرى دون أن يكون لهذا التعرض سند قانوني ويكون الهدف منه إلزام الدولة المتدخل في شئونها بإتباع ما تمليه عليها لذا في التدخل تقييد لحرية الدولة واعتداء على سيادتها، ولقد حرم ميثاق الأمم المتحدة التدخل في الشئون الداخلية للدولة الأخرى إلا تطبيقاً للفصل السابع للميثاق في المسائل التي تمس الأمن والسلم الدوليين.
ويتخذ التدخل صوراً مختلفة فقد يكون مالي أو اقتصادي أو عسكري ويتخذ الأخير شكلاً فردياً أو صريحاً وقد يكون صريحاً ومباشراً، فنياً ومقنعاً.
والتدخل عمل غير مشروع لأنه يشكل اعتداء على سيادة وحقوق الدول الأخرى وأن هذا المبدأ الرئيس الأمريكي جيمس مونرو رسمي مبدأ مونرو ولقد وجد صدى لدى دول العالم المختلفة التي كانت تعاني من وطأة التدخل الأجنبي في شئونها.
ثالثاً- الاستقلال السياسي والسيادة الإقليمية:
الاستقلال السياسي هو المظهر الخارجي لسيادة الدولة ولقد أيدته عصبة الأمم وكذلك الأمم المتحدة، وتحقيق الاستقلال السياسي ويتطلب عدم خضوع الدولة لأية سلطة أجنبية وانفرادها بممارسة كافة مظاهر السيادة على إقليمها من تنظيم وإدارة مرافقها العامة وفي مباشرة الولاية القضائية على كافة أفراد نظامها القانوني وكذا إدارة كافة شئونها الخارجية.
المبحث الثاني : واجبات الدول
يمكن إجمال واجبات الدول في ثلاثة على الوجه التالي:
1- احترام الحقوق الأساسية المقررة لكل منها.
2- مراعاة قواعد القانون الدولي العام والسير على مقتضاه.
3- احترام العهود التي ارتبطت بها وتنفيذ تعهدتها الدولية بحسن نية.
وأخيراً نقول: إن كثير من حقوق الدول تحمل في ذات الوقت طابع الواجب فحيث يكون للدولة حق يتعين على الدول الأخرى واجب احترامه، ومن ذلك نجد تلازماً بين الحقوق والواجبات.
الباب الثاني : الهيئات الدولية
الهيئات الدولية هي تلك المؤسسات التي تنشئها مجموعات من الدول بإرادتها بهدف تنظيم وسط اجتماعي معين على نحو يتسم بالدوام وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه المؤسسات في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول المنشئة لها.
الفصل الأول : الوضع القانوني للمنظمات الدولية
أولاً- الاتجاه المعارض لتمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية:
يرى أنصار هذا الاتجاه وفي مقدمتهم "أنزيلوتي" أن القانون ينظم العلاقات بين الدول والاتفاق "المعاهدة" بين الدول لا يمكن أن يؤدي إلى قيام شخص قانوني دولي جديد، ويقتصر غرض هذه المعاهدة على تحديد الحقوق والالتزامات المتبادلة، ومع إنكار هذا الاتجاه إضفاء وصف الشخص القانوني الدولي على المنظمات الدولية، إلا أنهم لم يستطيعوا تحديد النظام القانوني الذي تخضع له المنظمات الدولية.
وحاول أنصار هذه النظرية تطويرها عن طريق تقديمها في شكل آخر وأطلق على هذه النظرية الجديدة عدة أسماء منها. الأجهزة المشتركة، والأجهزة الجماعية، والأجهزة المشتركة ذات النشاط الداخلي، وتقوم هذه النظرية على أن المنظمات الدولية ما هي إلا أجهزة مشتركة للدول التي أنشأتها وذلك بغرض حل المشاكل التي تقوم بينها، وتخضع هذه الأجهزة بحكم نشأتها في قيامها بهذا النشاط للدول التي أنشأتها.
ولقد تعرضت هذه النظرية للنقد حيث أنها تخلط بين الشخص القانوني وبيم الأجهزة التي يمارس نشاطه بها، فلا يجوز الخلط بين المنظمة الدولية والأجهزة التي تمثلها في العلاقات القانونية الداخلية والخارجية ويترتب على ذلك أن الشخصية القانونية إنما تثبت للمنظمة وليس للأجهزة التي تمارس بها المنظمة نشاطها.
• ويرى الأستاذ الدكتور علي صادق أبو هيف: أن الهيئات الدولية بها أهمية قانونية خاصة ذات طابع ولي بما أنها في المحيط الدولي إنما هذا لا يستتبع حتماً اعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام لأنه لا تلازم حتمي بين الأهلية وبين الشخصية الدولية بمفهومها الدقيق، فهذه الهيئات ليست محل عناية هذا القانون لذاتها، ول ما هنالك أنه يخلقها وينظمها لمجرد الاستعانة بها على تنفيذ أحكامه فهي لا تخرج عن كونها أداة يستخدمها في تطبيق قواعده على أشخاصه الحقيقيين.
ثانياً- الاتجاه المؤيد لتمتع المنظمة الدولية الشخصية القانونية:
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وإنشاء عصبة الأمم سلم قطاع كبير من الفقهاء بتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم في وصف وحدود هذه الشخصية والأساس الذي تبنى عليه.
* حيث يقرر الفقيه "جيدل" أن الأشخاص الدولية نوعان:
الأول: أشخاص عادية: ومنها الدول لأن الدولة تتكون من عناصر موضوعية وهي الشعب والإقليم والنظام السياسي المستقبل.
الثاني: أشخاص صناعية: ومنها المنظمات الدولية لأنها تقوم على اعتبارات سياسية وتنشأ عن إرادة الدول ذاتها.
* بينما يقرر الفقيه "كافلجييري" أن القانون الدولي ينظم علاقات الدول والهيئات الدولية وبالتالي تتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية.
* بينما يقصر الفقيه "أوبنهايم" الأشخاص الدولية على الدول وعصبة الأمم فقط.
ولكن تغير الوضع بين إنشاء الأمم المتحدة حيث اعترفت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري عام 1949 بأن المنظمات الدولية تتمتع بالشخصية الدولية وتجسد ذلك من خلال اعترافها للأمم المتحدة بحق تحريك المسئولية الدولية لمن أصابه أحد موظفيها بالأضرار من قبل دولة أخرى، ولكن شخصية المنظمة الدولية لا تساوي شخصية الدولة لأنها شخصية وظيفية تنحصر في الأهداف والاختصاصات التي أقرتها الدول في ميثاق إنشائها.
ثالثاً- شروط تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية:
1- أن يكون لها إرادة ذاتية مستقلة عن إرادات الدول التي أنشأتها، ويتم تكوين هذه الإرادة الذاتية عن طريق مجالس المنظمة وجمعياتها التي تصدر قراراتها بالأغلبية أو بالإجماع، ولكن لما كان شرط الإجماع يجعل إرادة المنظمة متطابقة مع إرادة الدول التي أنشأتها، فإن بعض الفقهاء يرى أن قرارات المنظمة يجب أن تصدر بأغلبية الأصوات حتى يمكن القول بأن للمنظمة إرادة ذاتية مستقلة عن إرادة الدول.
2- أن يكون معترفاً لها بالشخصية القانونية من جانب الدول سواء كان الاعتراف صريحاً أو ضمناً عن طريق الدخول مع المنظمة في علاقات دولية من ذلك النوع الذي لا يتم إلا بين أشخاص القانون الدولي.
3- أن يكون لها اختصاصات معينة تحددها المعاهدة التي أنشأتها ولا تظهر شخصية المنظمة الدولية إلا في تلك الحدود، وهي في الغالب اختصاصات الهدف منها تحقيق بعض الأهداف العامة أو الخاصة التي تهم الدول الأعضاء.


الفصل الثاني : الآثار التي تترتب على تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية
يترتب على الاعتراف للمنظمة الدولية بالشخصية القانونية عدة نتائج قانونية، أهمها:
1- حق المنظمة في التمتع بالمزايا والحصانات الدبلوماسية التي يقررها القانون الدولي لأشخاصه وأهمها الحصانة الدبلوماسية.
2- حق المنظمة في إبرام معاهدات مع الدول الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات الدولية الأخرى في حدود اختصاصاتها.
3- حق تحريك دعوى المسئولية الدولية لحماية موظفيها والمطالبة بتعويض عن الأضرار التي تصيبهم أثناء تأدية وظائفهم في خدمتها، مع جواز مساءلة المنظمة لنشاطها.
4- حق إنشاء علاقات دبلوماسية خارجية مع الدول الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات الأخرى.
5- حق التعاقد مع غيرها من المنظمات وما ينتج عن ذلك من حق تملك العقارات أو المنقولات.
6- حق التقاضي أمام القضاء الدولي ما لم يكن هناك نص صريح في نظام المحكمة الدولية يمنع المنظمات الدولية من ذلك كما هو الحال في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
7- حق الاشتراك في إنشاء قواعد القانون الدولي وذلك عن طريق إبرام المعاهدات أو بالمساهمة في خلق قواعد عرفية مما يعد مصدراً للقاعدة القانونية الدولية.
8- حق تسيير السفن والطائرات التي ترفع علم المنظمة.
9- حق إنشاء أجهزة في داخلها وفي الدول الأعضاء.
الباب الثالث : البابا والفاتيكان
الفصل الأول : الدولة البابوية
استمر البابا بممارسة نوعين من السيادة الروحية على العالم الكاثوليكي والزمنية على روما وبعض القطاعات الأخرى حتى عام 1870 عندما دخلت الجيوش الإيطالية روما حيث بقي للبابا السلطة الدينية والروحية في العالم الكاثوليكي، وفي عام 1871 أصدرت إيطاليا قانون الضمان حيث اعترف للبابا بصيانة ذاته وببعض القصور والمباني الخاصة، وإعطاء حق تبادل الممثلين الدبلوماسيين مع الدول مع تمتعهم بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية المقررة في القانون الدولي العام.
ولقد تأكد هذا الوضع في معاهدة لاتران المبرمة بين البابا وبين الحكومة الإيطالية عام 1929 حيث تم أصبح للبابا السلطة الزمنية والروحية على الفاتيكان الذي أصبح دولة قائمة بذاته ومستقلاً عن إيطاليا، وتتمتع هذه الدولة بكافة مظاهر السيادة الخارجية ومنها حق الصدارة والتقدم على الدول الكاثوليكية وحق عقد الاتفاقيات الدولية الخاصة بتنظيم ممارسة مثلي الكنيسة في البلاد الأجنبية للأعمال المتصلة بالشئون الدينية وممارسة شعائرها، ومن مظاهر السيادة الداخلية تتمتع الفاتيكان بحق الإدارة والتشريع والقضاء في المسائل المدنية ومسائل الأحوال الشخصية الخاصة برعاياها.
الفصل الثاني : الوضع القانوني لمدينة الفاتيكان
اعتقد بعض الفقهاء أن البابا قد استعاد صفته كرئيس لدولة الفاتيكان بعد معاهدة 1929 غير أن ذلك الرأي لا يمكن التسليم به في ظل المعطيات الأساسية للقانون الدولي وخاصة تلك التي تتعلق بمعيار الشخصية القانونية الدولية، فمدينة الفاتيكان لا يمكن اعتبارها دولة حديثة حيث إنه ليس لها رعايا بالمعنى الصحيح فسكانها عبارة عن موظفي الفاتيكان وهم من الموظفين الذين يكتسبون الرعوية البابوية بحكم وظائفهم فقط، ويفقدون هذه الرعوية ويعودون إلى جنسياتهم الأصلية بمجرد تركهم لوظائفهم، أما فيما يتعلق بمباشرة الاختصاص العام المعترف به للدول فإن الفاتيكان لا تباشر مثل هذه الاختصاصات وإنما تتولاها الحكومة الإيطالية بناءً على طلب من الفاتيكان كما أن مباشرة القضاء الجنائي تقوم به المحاكم الإيطالية، ويلاحظ أن شخصية البابا الدولية كانت مستمدة من صفته الروحية بالنسبة للعالم المسيحي الكاثوليكي، ويترتب على ذلك أن دولة الفاتيكان تتمتع باختصاصات خاصة وليس عامة كما هو الحال بالنسبة للدول.
وبالتالي لم يقصد من اتفاقية 1929 جعل الفاتيكان دولة وإنما قصد منها فقط تمكين البابا من مباشرة سلطته الدينية كرئيس للكنيسة الكاثوليكية بعيداً عن أي مؤثرات خارجية ومن ناحية أخرى يمكن القول أن الباب يتمتع بشخصية دولة متميزة مصدرها ماله من سيادة روحية على العالم المسيحي الكاثوليكي، وخلاصة القول أن شخصية البابا الدولية هي شخصية قانونية من نوع خاص، الهدف منها توفير مجال مادي مستقل للبابا يمارس من خلاله سيادته الروحية على العالم المسيحي الكاثوليكي مع عدم جواز اشتراك الفاتيكان في المؤتمرات الدولية أو مؤتمرات الأمم المتحدة التي تناقش فيها المصالح الدنيوية التي تخرج عن النطاق الذي يباشر فيه شخصيته الدولية.
الباب الرابع
الفرد على المستوى الدولي
إن الحقوق والحريات التي اعترف بها فقهاء القانون الأوائل للفرد على المستوى الداخلي هي في أغلبها حقوق سلبية، بمعنى أن الدول تلتزم فقط باتخاذ موقف سلبي تجاهها يتخلص في امتناعها عن عرقلة الأفراد عن التمتع بهذه الحقوق والامتناع عما يؤدي إلى الاعتداء عليها.
ولكن في ظل نظرية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي ظهرت ابتداءً من العقد الثاني من القرن العشرين أصبح على الدولة التزام إيجابي بتمكين الأفراد من مباشرة حقوقهم ذات الطابع الإيجابي مثل حق العمل والتعليم، وقد كان لهذه النظرية تأثير كبير في تطور دساتير الدول وتشريعاتها الداخلية منذ الحرب العالمية الأول، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية.
غير أن مركز الفرد في القانون الدولي مازال يكتنفه كثير من الغموض وعدم الوضوح، وتختلف آراء الفقهاء مابين مؤيد ومعارض لتمتع الفرد بالشخصية القانونية الدولية.
الفصل الأول : مركز الفرد في القانون الدولي
انقسم الفقه الدولي فيما يتعلق بمركز الفرد في القانون الدولي إلى عدة آراء:
أولاً- المدرسة الوضعية:
ترى هذه المدرسة أن الدول هي أشخاص القانون الدولي نظراً لما تتمتع به من سيادة في حين لا يعتبر الفرد من أشخاص القانون الدولي لأنه لا يتمتع بميزة خلق القواعد الدولية من جهة وعدم قدرته على أن يكون طرفاً في العلاقات الدولية من جهة ثانية وعدم انطباق قواعد القانون الدولي عليه بصورة مباشرة من جهة ثالثة.
وينتهي أنصار هذه المدرسة إلى القول بأن الفرد يمكن اعتباره محلاً للحقوق التي يقررها القانون الدولي ولكنه لا يعتبر من أشخاص القانون الدولي.



ثانياً- المدرسة الواقعية:
يقرر أنصارها أن الفرد هو الشخص الوحيد في القانون الدولي والداخلي، في حين ينكرون شخصية الدولة ويرفضون نظرية السيادة الوطنية باعتبار أن الدولة ما هي إلا وسيلة قانونية لإدارة مصالح الجماعة التي تتكون من أفراد هم في والواقع الأشخاص الوحيدون المنصور وجودهم في أي نظام قانوني.
وينطلق أنصار هذه النظرية في بناء تصورهم من إنكارهم لحقيقة الشخصية المعنوية واعتبارها ضرباً من ضروب الخيال القانوني، والدولة بهذا المفهوم لا تعد شخصاً من أشخاص القانون الدولي وهي ليست المخاطب الحقيقي بقواعد القانون الدولي، ولكنها وسيلة فنية يتم من خلالها إدارة مصالح جماعة الأفراد، ومن ثم فإنهم يقصرون وصف الشخص القانوني على الأفراد باعتبارهم المخاطبين الحقيقيين بقواعد الدولي العام.
ثالثاً- المدرسة الحديثة:
وهي وسط بين المدرستين، حيث لا تعتبر الفرد موضوعاً للقانون الدولي ولا شخصاً من أشخاصه ولكنها تعتبره المستفيد النهائي من أحكامه.
ويفرق أنصار هذه المدرسة وعلى رأسهم شارل روسو وبول رتير بين أمرين أساسيين فيما يتعلق بعلاقة الفرد بالقانون الدولي:
الأول: اهتمام القانون الدولي بالأفراد باعتبارهم الهدف البعيد له حيث أنه يحتوي قواعد قانونية هدفها النهائي رفاهية الفرد وسعادته.
الثاني: مخاطبة القانون الدولي للأفراد في بعض قواعده خطاباً مباشراً فيكون الأفراد موضوعاً لها وذلك بأن يكون لهم حقوق أو عليهم أو عليهم التزامات يترتب على مخالفتهم لها التعرض للجزاء.
وانتهى أنصار المدرسة الحديثة إلى أن للفرد وضع الشخص الدولي على أن أهليته لاكتساب الحقوق محدودة كما أنه لا يمارس هذه الحقوق بنفسه إلا في بعض الأحوال الاستثنائية فالفرد في بعض الحالات النادرة التي تخاطبه فيها قواعد القانون الدولي مباشرة يصبح شخصاً قانونياً دولياً بالمعنى الصحيح، ولكن هذه الحالات الاستثنائية لا تؤثر في الأصل العام، وهو أن الفرد ليس من أشخاص القانون الدولي المعتادين.
ويفرق الأستاذ طلعت الغنيمي بين الشخصية والذاتية والأهلية القانونية الدولية ويرى سيادته أنه لكي تتوافر للوحدة الشخصية القانونية الدولية لا بد أن تجمع وصفين:
1- أن تتمتع بالأهلية القانونية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات الدولية.
2- أن تكون لدى الوحدة القدرة على خلق قواعد القانون الدولي.
وإن الوحدة التي تتمتع بالحقوق وتتحمل الالتزامات الدولية ولا تتمتع بالقدرة على خلق قواعد القانون الدولي تتمتع بالذاتية الدولية والتي يمكن تعريفها بأنها "مركز قانوني يتوسط بين انعدام الشخصية القانونية وما بين توافرها وهي خاصة بالوحدة التي تملك الأهلية القانونية دون الإرادة الشارعة".
وبالتالي يكون للفرد ذاتية دولية حيث يتمتع بالحقوق وبتحمل الالتزامات الدولية دون أن يكون له شخصية قانونية دولية.
وأخيراً على الرغم من أن لكل من النظريات السابقة وجاهته فإنه لا يمكن الأخذ بأي منها على إطلاقها في ظل المعطيات الجديدة للقانون الدولي المعاصر الذي أصبح الفرد في ظله يتمتع بمركز متميز في ميدان العلاقات الدولية، فقد أصبح الفرد الآن طرفاًً أصيلاً في كثير من الحالات التي تقوم فيها علاقات مباشرة بين الأفراد وبين أشخاص القانون الدولي، يضاف إلى ذلك الدور الذي يلعبه الفرد في المجال الدولي سواء في وقت السلم أو في زمن الحرب، وتأثيره المباشر وغير المباشر على علاقات الدول من ناحية وعلى حقوقه ومصالحه من ناحية أخرى، وهو ما جعل الفرد محل اهتمام متزايد من جانب القانون الدولي.
الفصل الثاني : الأفراد كمحل للحقوق في المعاهدات.
* يرجع الجدل الفقهي الذي أثاره مركز الفرد على المستوى الدولي إلى عدم إدراك الفارق بين الاعتراف له بالحقوق في المعاهدات الدولية، ومدى إمكانية اقتضاء الفرد لهذه الحقوق بنفسه، فالأفراد رغم تمتعهم بالحقوق فإنهم لا يمكنهم كفالة هذه الحقوق على المستوى الدولي إلا عن طريق الدول التي يتبعونها، غير أن ذلك لا يعني أن الفرد لا يمكن أن يعد من أشخاص القانون الدولي، أو أن حقوقه بصفة كاملة منوطة بالسلطة التي تتمتع بأهلية اقتضاء الحقوق نيابة عن الأفراد لذلك، فإن الرأي السائد في الفقه والذي ينادي بأن حقوق الفرد حال تواجده في بلد جنبي هي حقوق دولته وليست حقوقه هو رأي يجانبه الصواب، فالمفهوم الصحيح لدور الدولة في هذه الحالة هو أن دولة الشخص الأجنبي عندما تقوم باقتضاء الحقوق فإنها تذوب عن مواطنيها في المطالبة بحقوقهم التي تقررت بموجب المعاهدات الدولية أمام الدول الأجنبية، ولذلك، فإنه يجب استبعاد نظرية اقتضاء الحقوق وعدم اعتبارها الأساس الذي يبنى عليه الرأي القائل بأن الفرد لا يمكن أن يعد شخصاً من أشخاص القانون الدولي.
* وللإجابة على التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً، عما إذا كان الفرد في بعض الأحوال يمكن أن يكون من أشخاص القانون الدولي أم لا، وما إذا كان هذا الوصف يمتد ليشمل أهلية الفرد لاقتضاء حقوقه، يجب الرجوع إلى كل حالة على حدة والنظر في المعاهدة التي تقرر للفرد الحقوق محل البحث، ويفرق فقهاء القانون العام في هذا الصدد بين الحقوق والحريات السلبية، وهي التي تظهر في صورة قيود على سلطة الدولة، والحقوق والحريات الإيجابية التي تتضمن خدمات إيجابية تقدمها الدولة إلى الأفراد.
* ويتضح المركز القانوني للفرد بالنظر إلى مدى إمكانية مطالبته بحقوقه مباشرة، طبقاً لنص المعاهدة التي تقرر له هذه الحقوق، بصفة استقلالية ودون الرجوع إلى النظام القانوني الداخلي الذي يتبعه، والاتفاقيات الدولية التي تتناول بالتنظيم حقوقاً للأفراد أو تضع أنظمة كما يتهم لا تقرر عادة حقوقاً مباشرة للأفراد وإنما ترتب حقوقاً والتزامات على عاتق الأطراف فيها ويترتب على ذلك أن الإفراد وإن كانوا يستفيدون من الحقوق التي أقرتها هذه الاتفاقيات.
فإنهم لا يمكنهم كفالة حماية هذه الحقوق أما الدول الأجنبية إلا عن طريق الدول التي يتبعونها طبقاً لقواعد الحماية الدبلوماسية.
* كما أن الحقوق الدولية للأفراد لا تصبح نافذة في إطار النظام القانوني الداخلي إلا وفقاً للقواعد المتعلقة بنفاذ المعاهدات داخل الدولة، وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية والإشارة إلى أنها تحفظت قائلة "أنه من الممكن أن تكون نية أطراف المعاهدة هي إنشاء مثل هذه الحقوق أو الالتزامات بالنسبة للأفراد ونفاذها أمام المحاكم الداخلية.
* وقد تناول رأي المحكمة رفضها الحجة التقليدية التي تنكر إمكانية اعتبار الفرد شخصاً من أشخاص القانون الدولي لعدم تمكنه مباشرة من اقتضاء الحقوق والتحمل بالالتزامات التي ترتبها الاتفاقيات التي تقرر حقوقاً للأفراد أو تضع أنظمة كما يتهم وقد أكدت المحكمة إمكانية تمتع الفرد بالحقوق وتحمله بالالتزامات إذا اتجهت نية أطراف المعاهدة إلى ذلك، ولا يعد ما قررته المحكمة واقعة فريدة من نوعها فقد توالت المحاكم بعد ذلك مؤيدة هذا الاتجاه.®

القسم الثالث : الوسط الدولي
الباب الأول : إقليم الدولة
الفصل الأول : حدود إقليم الدولة ومشتملاته
المبحث الأول : حدود الإقليم
للحدود الدولية أهمية سياسية وقانونية، فالدولة تمارس سيادتها داخل حدودها، وعندها تبدأ سيادة الدولة صاحبة الإقليم وتنتهي سيادة دولة أخرى، ويتم تعيين حدود الدولة عادة عن طريق اتفاقيات دولية أو عدة دول متجاورة.
أولاً- الحدود الطبيعية:
يتبع في تحديد النقطة التي يبدأ وينتهي عندها إقليمياً دولتان متجاورتان يقوم بينهما فاصل طبيعي "سلسلة جبال، نهر، بحيرة، بحر" بعض القواعد تتلخص في الآتي:
1- إذا كان الفاصل نهراً يجري بين دولتين تقعان على ضفتيه، فإنه يفرق بين حالتين:
الأولى: إذا كان النهر غير صالح للملاحة: يكون خط الحدود هو خط وسط النهر، بحيث يخضع لسيادة كل دولة نصف النهر المجاور لإقليمها بما فيه من جزر، وأن حق السيادة على هذه الجزر يتوقف على موقع كل منهما بالنسبة لهذا الخط.
الثانية: إذا كان النهر صالح للملاحة: يكون خط الحدود عبارة عن منتصف مجرى النهر وهو الخط الممتد في وسط أعمق جزء من النهر لأنه أصلح جزء لمرور السفن الكبيرة.
* وقد يقع النهر بأكمله في إقليم دولة واحدة وإن كان فاصلاً بين دولتين، وفي هذه الحالة فإن الشاطئ يحدد بأعلى منسوب للمياه في فترة الفيضان وتطبق نفس القواعد الخاصة بالأنهار على البحيرات التي تفصل بين دولتين أو أكثر، ما لم يكن لها تنظيم اتفاقي خاص بين هذه الدول.
2- إذا كان الفاصل سلسلة من الجبال فإنه من المتعارف عليه أن الحدود تعين وفقاً لخط وهمي يمر بين أعلى قمم هذه الجبال ويعد هو الخط الفاصل بين الإقليمين أو عن طريق خط تقسيم المياه، فإذا اتحد الخطان فلا تثور المشكلة، وهي حالة الاختلاف يلزم اتفاق الدولتين فيما يتعلق بتعيين الحد والواجب الإتباع، ويجوز للدول المجاورة أن تتفق على عكس هذه القواعد بإتباع أساس آخر لتحديد الخط الفاصل بينهما.
ثانياً- الحدود الصناعية:
تلجأ إليها الدول عند عدم وجود موانع طبيعية بينها أو رغبة في تعديل الحدود، وتثبت إما بوضع اليد الهادئ لمدة طويلة أو بالاتفاق عليها في معاهدة أو اتفاق خاص بتعيين الحدود وتكون الحدود الصناعية عبارة عن أسلاك شائكة أو خطوط ملونة أو عبارة عن نقاط تفتيش أو مناطق جمركية وقد تكون حسابية عن طريق خطوط الطول أو العرض.
ثالثاً- الحدود الجمركية والإدارية:
هناك اختلاف بين الحدود الدولية وبين الحدود الجمركية والإدارية، فالحدود الجمركية عبارة عن سلسلة من المكاتب ونقاط التفتيش الجمركية تنشئها الدول على حدودها بغرض مراقبة دخول وخروج البضائع والأحوال من وإلى إقليم الدولة، وقد تكون الحدود الجمركية أضيق من الحدود الدولية كما لو كانت الدول تتبع نظام المدن أو المناطق الحرة تتم ممارسة التجارة داخل هذه المدن أو المناطق دون أي قيود جمركية، وقد تكون بالمقابل أوسع من الحدود الدولية كما لو ضمت دولة إقليماً لا يتبعها سياسياً لرقابتها الاقتصادية والجمركية، وهذا الاختلاف والتباين بين الحدود السياسية والجمركية يظهر جلياً في الاتحادات الجمركية حيث يقوم أعضاء الاتحاد بإلغاء الفواصل الجمركية فيما بينهم مع إبقاء الحدود السياسية وخير مثال على ذلك السوق الأوربية المشتركة.
* أما الحدود الإدارية فهي الحالة التي توكل فيها الدولة إدارة جزء من إقليمها إلى دولة أخرى بدون مقابل أو بمقابل.
المبحث الثاني : مشتملات الإقليم
يشتمل إقليم الدولة على عناصر ثلاثة، وهي:
أولاً- الإقليم البري:
ويشمل ذلك الجزء من اليابسة والخاضع لسيادتها وحدها بالإضافة إلى مستعمرات الدولة حتى لو كانت تفصلها عنها حدود طبيعية كما لو كانت وراء البحار فهي تعد امتداداً للإقليم الأصلي.
مشتملات الإقليم البري:
1- ما فوق الأرض من معالم طبيعية: الأرض هي العنصر الأساسي والرئيسي من إقليم الدولة تمارس الدولة سيادتها على الأرض التي تقع داخل حدودها وكذلك على ما يوجد على هذه الأرض من معالم طبيعية، ولا يشترط القانون الدولي اتساع معين للأرض فقد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة كما لا يهم أن يكون إقليم الدولة البري متصل وقد يكون عبارة عن أجزاء منفصلة تخضع لسيادة واحدة.
2- ما تحت الأرض من مناجم وثروات بترولية: يشمل الإقليم أيضاً ما تحت الأرض حيث يجوز للدولة أن تستغل ثرواتها الموجودة في باطن أراضيها دون أن يمتد ذلك إلى أراضي دون أن يمتد ذلك إلى أراضي الدول المجاورة لها، ونفرق هنا بين حالتين:
الأولى: حالة المناجم: لا يكون هناك صعوبة في الأمر إذ يمتنع على الدولة في حالة استغلال المناجم الموجودة على الحدود أن يمتد حفرها تحت الأرض إلى باطن أراضي الدولة المجاورة وتلتزم في هذه الحالة أن تتم أعمال الحفر في اتجاه عمودي نحو باطن الأرض، ملتزمة بخط الحدود الفاصل بين الدولتين.
الثانية: حالة الثروات الطبيعية الأخرى السائلة أو الغازية:
لا يتضمن القانون الدولي براهن قاعدة خاصة أو معيار ثابت يحدد نصيب كل دولة من مخزون البترول أو المياه الموجودة في باطن الأرض في حالة نشوب خلاف حول استغلال أحد الآبار الواقعة على حدود دولتين أو أكثر، ولعل أفضل قاعدة يمكن تطبيقها في هذا الشأن هي أن تتقاسم الدول المعنية بالأمر موارد الحقل على أساس نسبة مساحة الحقل التي تقع في باطن إقليم كل منهما بالنسبة لمساحة الأجزاء الأخرى الواقعة في أقاليم الدول الأخرى وفي جميع الأحوال فلا بد من اتفاق الدول المتجاورة على اقتسام المخزون من البترول أو المياه أو الغازات الطبيعية وتحديد أنصبة كل دولة في عقد أو اتفاق يبرم بينهم في هذا الشأن.
* الطبيعة الجغرافية للإقليم البري:
تختلف هذه الطبيعة باختلاف الأقاليم، حيث هناك العنصر اليابس الذي يضم التلال والجبال والوديان والسهول والصحارى وهناك العنصر غير اليابس الذي يضم القنوات والبحيرات والأنهار.
- ويطلق اصطلاح المياه الوطنية أو الداخلية على المياه الموجودة بكاملها داخل حدود إقليم الدولة، وتعتبر المياه الداخلية في حكم الإقليم البري للدولة وتحكمها ذات القواعد التي تحكم إقليم الدولة البري، ولا يرد على الدولة في ممارستها هذه السلطات أي قيد أو استثناء.
ثانياً- الإقليم البحري:
وينقسم إلى جزئين:
1- المياه الداخلية: وهي المساحات البحرية الداخلة في إقليم الدولة من مجار مائية أو أنهار وبحيرات وقنوات وغيرها.
2- المياه الإقليمية: وهي البحار التي تلاصق شواطئ الدولة، وتمارس الدولة عليها سيادة كاملة مع بعض القيود الخاصة بحق المرور البري للسفن الأجنبية في إقليم الدولة البحري.
ثالثاً- الإقليم الجوي:ويشمل طبقات الجو التي تعلو كلاً من إقليمي الدولة البري والبحري.
الفصل الثاني : طبيعة حق الدولة على إقليمها
اختلفت آراء الفقهاء في شأن تحديد طبيعة حق الدولة على إقليمها إلى نظريات مختلفة سنتعرض لأهمها بإيجاز.
أولاً- نظرية الملكية:
تستمد هذه النظرية أساسها من القانون المدني حيث يوصف حق الدولة على إقليمها بأنه حق عيني يماثل حق الملكية إلى حد كبير، وترجع نشأة هذه النظرية إلى العصور القديمة عندما كانت الأفكار الدينية هي السائدة ولقد استغلها رؤساء الكنيسة الكاثوليكية في تبرير الحق في التصرف في القطاعات المختلفة للكرة الأرضية.
ولقد تطورت هذه النظرية في عصر الرومان عندما بدأت الإمبراطورية الرومانية في التوسع مما دعا الفقهاء الرومان إلى إخضاع ملكية هذه الأقاليم لأحكام القانون الروماني بنظريات مختلفة، فصارت أقاليم الإمبراطورية الرومانية ملكاً مشتركاً للرومانيين.
وظت هذه النظرية سائدة في فقه القانون الدولي التقليدي حيث يعتبر إقليم الدولة ملكاً للملك له حق التصرف المطلق فيه، ولكن لما استقرت نظرية سيادة الدولة في فقه القانون الدولي اعتبر الإقليم خاضعاً لسيادة الدولة وليس ملكاً للحاكم، وعلى الرغم من ذلك فقد رأى بعض الفقهاء أن هناك تشابهاً كبيراً بين سيادة الدولة على إقليمها وبين حق الملكية، فكلا الحقين مقصوراً على صاحبه ويخوله سلطة التصرف في موضوع هذا الحق، لذلك نجد الكثير من قواعد القانون المدني الخاص بحق الملكية تطبق في مجال سيادة الدولة على إقليمها مثل طرق اكتساب وفق الإقليم.
وعلى الرغم من انهيار أساس هذه النظرية فما زال لها أنصار من بين فقهاء القانون الدولي المحدثين ومن أبرزهم العالم الفرنسي (فوشي).
نقد:
1- تغفل هذه النظرية الاختلاف بين أحكام القانون العام وأحكام القانون الخاص التي تنظم الملكية الفردية.
2- تخلط بين الملكية وبين السيادة، فلسيادة الدولة على إقليمها مدلولاً قانونياً وسياسياً نابعاً عن فكرة المجتمع الدولي الذي يتكون من دول مختلفة ينفرد كل منها بحق إقليم معين بما يشمله ذلك من حقوق تشريعية وقضائية وتنفيذية، وهو ما لا يمكن تشبيهه بحق الملكية في مفهوم القانون الخاص.
ثانياً- نظرية الاندماج:
يرى أنصارها أن الإقليم العنصر الأساسي للدولة لذلك فهناك اندماج بين الإقليم والدولة بشكل يصعب معه الفصل بينهما، حيث يعتبر إقليم الدولة جزء لا يتجزأ من طبيعة الدولة، على اعتبار أنه أحد أسس شخصيتها القانونية، فلا يوجد للدولة دون إقليم حيث يستحيل ممارسة السلطة السياسية إلا في إطار إقليم محدد وتبرز هذه النظرية الأهمية السياسية للإقليم، كما تقدم تفسيراً للحالات التي تفنى فيها الدولة بفقدان إقليمها كلية.
نقد:
تعرضت هذه النظرية للنقد لعدة أسباب أهمها:
1- فكرة الإقليم سابقة على ظهور الدولة بمفهومها الحديث وبالتالي لا يمكن أن يكون الإقليم مجرد عنصر من عناصر الشخصية القانونية للدولة.
2- لا تقدم النظرية تفسيراً واضحاً لبعض التغيرات التي قد تطرأ على إقليم الدولة، فقد يزيد إقليم الدولة أو ينقص عن تفسير المسائل المتعلقة بتوزيع الاختصاصات المشتركة بين الدول التي تشكل اتحاداً دولياً في إطار الإقليم الواحد لدولة الاتحاد، فكيف يمكن مثلاً تفسير توزيع الاختصاصات في إطار الدولة التعاهدية أو في ظل نظام الحماية أو الإدارة المشتركة.
ثالثاً- نظرية النطاق (المسلحة أو المجال الجغرافي):
ذهب أنصار هذه النظرية إلى أن إقليم الدولة هو النطاق الجغرافي الذي تباشر داخله الدولة نشاطها واختصاصاتها وتمارس سلطتها الآمرة في إصدار والنواهي على الأفراد في حدوده.
نقد:
رغم بساطة هذه النظرية وواقعيتها إلا أنه يعيبها أنها لا تقدم لنا تفسيراً قانونياً لبعض المسائل المتعلقة بتغيير بعض عناصر ومشتملات الإقليم سواء عن طريق التنازل أو الإعارة أو التأجير، كما أنها لا تقدم لنا تفسيراً لسيادة الدولة على بواخرها في البحار أو على مواطنيها خارج حدودها حال وجودهم في إقليم دولة أجنبية، وغير ذلك من الأمور التي تمارس فيها الدولة سيادتها خارج حدود إقليمها.
رابعاً- نظرية الاختصاص:
تقرر أن الإقليم هو النطاق الجغرافي لنفاذ النظم القانونية الداخلية كما يحدده القانون الدولي، حيث يعتبر أنصارها أن الدولة ليست شخصاً قانونياً ولكنها مجرد نظام قانوني وكل نظام قانوني يتطلب نطاقاً إقليمياً لنفاذه، ولذلك قيل إن إقليم الدولة هو الواقع مجرد نطاق لنفاذ نظام قانوني معين، ومن الناحية الواقعية يعتبر أنصار هذه النظرية أن الإقليم هو المكان المحدد الذي تباشر فيه الدول اختصاصاتها طبقاً لقواعد القانون الدولي.
وتمتاز هذه النظرية بأنها تتفق مع الأسس التي يقوم عليها القانون الدولي العام من حيث تكييف امتيازات الدولة بأنها مجرد اختصاصات يخولها القانون لأعضاء السلطة العامة لكي يتمكنوا من القيام بوظائفهم التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، كما وأن هذه النظرية تفسر بطريقة أكشر شمولاً التغييرات التي قد تطرأ على إقليم الدولة. فالتنازل عن جزء من الإقليم مثلا لا يعتبر وفقاً لهذه النظرية مجرد تصرف في حق عنين ولكنه عبارة عن نقل اختصاص من دولة إلى أخرى أو إعادة توزيع الاختصاص بين الدول.
الفصل الثالث : أسباب اكتساب وفقد الإقليم
يمثل هذا الموضوع أهمية خاصة في العلاقات الدولة نظراً لأهمية الإقليم في تكوين الدولة ولأن مباشرة الدولة لسيادتها الإقليمية تعد من أهم الأمور التي مازال يعنيها القانون الدولي.
وتستند سيادة الدولة على إقليمها إلى مبادئ أساسية أهمها قدرة الدولة على مباشرة اختصاصات معينة على إقليمها وأن تكون سيادتها مبنية على رغبة شعب هذا الإقليم وأن تتحمل الدولة الالتزامات الدولية وهناك أسباب أصلية لاكتساب وفقد الإقليم وهناك الاكتساب نقلاً عن الغير ولا تثير الطائفة الأولى من الأسباب موضوع فقد الإقليم حيث لا يكن الإقليم المكتسب خاضعاً لسيادة أي دولة من قبل، علماً أن فقد الإقليم واكتسابه مسألتان تبنى كل منهما على الأخرى لأن اكتساب دول لإقليم ما يعني فقد الدولة الأخرى لهذا الإقليم.

المبحث الأول : الأسباب الأصلية لاكتساب الإقليم
أولاً: الاستيلاء:
هو عبارة عن إدخال دولة في حيازتها إقليماً غير خاضع لسيادة أي دولة بقصد مباشرة سيادتها عليه، ولقد فقد الاستيلاء قيمته في الوقت الحاضر بعد اكتشاف كل أجزاء الكرة الأرضية حيث لم تعد هناك أقاليم غير مأهولة السكان أو غير خاضعة لدول.
شروطه:
1- ألا يكون الإقليم محل الاستيلاء خاضعاً في الأصل لسيادة دولة معترف بوجودها وتمارس عليه سلطة فعلية.
2- أن تقوم الدولة باكتشاف الإقليم وتمارس عليه أعمال السيادة تأكيداً لنيتها في إدخاله في ولايتها، فلا يعتبر استيلاء مجرد اكتشاف الإقليم ووضع اليد الرمزي عليه بلا لا بد من وضع اليد الفعلي وهذا ما أكدته المحاكم الدولية في كثير من أحكامها.
3- أن تقوم الدولة التي اكتشفت الإقليم واستولت عليه بإبلاغ الدول رسمياً بوضع يدها عليه وأن يشتمل هذا الإبلاغ على بيان بحدود الإقليم الذي تم الاستيلاء عليه.
ثانياً- الإضافة:
تكتسب الدولة السيادة على الملحقات التي تضيفها الطبيعة لإقليمها بمجرد تكوين هذه الملحقات دون الحاجة لأي إجراء أو إعلان ذلك، ومثال ذلك الجزر والدلتا، كما تمتلك الدولة الإضافات الصناعية التي تبنيها في إقليمها كحواجز الأمواج أو الموانئ التي تنشئها الدول في بحارها الإقليمية.
المبحث الثاني : أسباب اكتساب الإقليم نقلاً عن الغير
أولاً- التنازل:
وهو أن تتخلى دولة عن جزء من إقليمها لدولة أخرى، ويتم التنازل بالاتفاق بين الدول المعنية في شكل معاهدة أو تصريح يصدر من الدولة المتنازلة وقد يكون التنازل بمقابل حيث يمكن أن يتخذ صورة اتفاق بين دولتين على أن تتنازل كل منهما للأخرى عن جزء من إقليمها في الحالات التي يتم فيها إبرام معاهدات لتعديل الحدود بين دولتين، وقد يكون التنازل بدون مقابل فغالباً ما يكون إجبارياً تفرضه دولة على أخرى ويتم عادة عقب الحروب فتنازل الدولة المهزومة ضد إرادتها على جزء من إقليمها للدولة المنتصرة كشرط من شروط الصلح بين الدولتين.
* شروط صحة التنازل:
1- أن يصدر التنازل عن دولة كاملة السيادة، فالدولة كاملة السيادة فقط هي التي تملك التنازل عن جزء من إقليمها حيث تعد أهلاً لإجراء التصرفات القانونية أما الدول الناقصة السيادة فليس لها الحق في التنازل عن جزء من إقليمها إلا في الحدود التي تسمح بها المعاهدة التي تم بموجبها وضع هذه الدولة تحت الحماية أو الانتداب، كما لا يجوز للدول الموضوعة في حالة قيام دائم التصرف في أجزاء من أقاليمها بالتنازل لتعارض ذلك مع التزامات الحياد على أنه يجوز في بعض الأحوال السماح لها بذلك إذا كان التنازل يتعلق بتسويات للحدود على ألا يتعارض ذلك مع المعاهدة التي تم بموجبها وضع هذه الدولة في حالة حياد دائم، ويشترط موافقة الدول الضامنة لها.
2- أن تتم موافقة سكان الإقليم المتنازل عنه على التنازل لأنه يترتب على انتقال الإقليم اكتساب سكانه جنسية الدولة الجديدة والخضوع لنظامها السياسي وقوانينها ومن ثم من الواجب إجراء استفتاء تكون نتيجته موافقة سكان الإقليم على قبول التنازل، وواقع الأمر أن هذه الموافقة تتفق مع مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير غير أن الدول التي تسلك مسلكاً موحداً في هذا الشأن، ومعظم الدول التي لجأت إلى استفتاء سكان الأقاليم التنازل عنها إليها كانت تعلم مسبقاً أن نتيجته ستكون إلى جانبها على أن هناك حالات تم فيها إجبار بعض الدول على التنازل عن أجزاء من أقاليمها دون استطلاع رأس سكان هذا الإقليم.
ثانياً- الفتح:
الفتح هو احتلال دولة بالقوة لإقليم تابع لدولة أخرى أو لجزء منه، والفتح لا يتم إذا قامت حرب بين دولتين واحتلت جيوش إحداهما إقليم الأخرى وأعلنت ضمه إليها ويتم الضم في هذه الحالة بإرادة الدولة المنتصرة وحدها دون اعتداء بإرادة الدولة المنهزمة أو رأي سكان الإقليم الذي تم ضمه إذ لو استند الضم إلى تراضي الطرفين لكان اكتساب الإقليم في هذه الحالة عن طريق التنازل.
ولقد كان الفتح من أهم الوسائل التقليدية لاكتساب السيادة على الأقاليم ولكن في الوقت الحالي غالبية الفقهاء يعتبرونه من قبيل السطو أو الاغتصاب غير المشروع بين الدول ويؤكد ذلك ما جاء في مواثيق عدة أهمها عن عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة الذي حرم استعمال القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدول، وهو ما يعبر عنه بمبدأ: السلامة الإقليمية.
هو اكتساب السيادة عن طري قيام دولة بوضع يدها مدة طويلة على إقليم دولة أخرى ومباشرة السيادة عليه على نحو مستمر خلال فترة زمنية تكفي لتثبيت الشعور بأن الوضع القائم مشروع ويتفق وحكم القانون.
والتقادم من الطرق المعترف بها لاكتساب الملكية في القانون الخاص، ولكنه كان محل خلاف بين فقهاء القانون الدولي العام وذلك على الشكل التالي:
الاتجاه الأول: ينكر جواز تملك الأقاليم عن طريق التقادم ذلك لاختلاف السيادة عن الملكية الخاصة، فملكية عقار في القانون الخاص تختلف عن السيادة على جزء من الإقليمي يقيم به سكان مما يتنافى مع قواعد القانون الدولي ولا يجوز معه إقرار التقادم المكسب للملكية.
الاتجاه الثاني: يرى جواز إعمال التقادم في القانون الدولي مؤيدين رأيهم بأن التقادم من المبادئ المستقرة في كافة الأنظمة القانونية، فضلاً عن أنه يؤدي إلى استقرار الأوضاع الدولية، ولكن يشترط في التقادم كوسيلة لانتقال السيادة على الأقاليم، وفقاً لما يلي:
1- أن يكون وضع اليد على الإقليم هادئاً، أي غير متنازع فيه ولم تعترضه احتجاجات من الدولة الأصلية.
2- وأن تضع الدولة يدها على كافة الإقليم باعتبارها صاحبة السيادة كما لو أنها تمارس سيادتها على إقليمها، وعلى ذلك فالدولة التي تدير إقليمها نيابة عن دولة أخرى بطريق الإيجار أو حوالة الإدارة، والدول التي تدير أقاليم موضوعة تحت الوصاية أو خاضعة لنظام الانتداب، لا يمكنها أن تكتسب السيادة على هذه الأقاليم مهما طالت المدة.
3- أن يكون وضع اليد علنياً، وذلك ضماناً لاستقرار الأوضاع وعدم التشكيك في تحقيق وضع اليد الفعلي المكسب للملكية.
4- أن يستمر وضع اليد مدة طويلة: ولا توجد قاعدة زمنية موحدة بل يختلف الأمر من حالة لأخرى حسب الظروف والملابسات المحيطة بها، والحكمة من اشتراط مضي المدة هي أن يستقر الوضع الجديد ويصبح مألوفاً لدى الدول الأخرى، وقد اقترح (جرسيوس) أن تكون المدة طويلة بحيث لا تعيها الذاكرة.
رأي مؤلف الكتاب: لا يجب أن يعتد بالتقادم كوسيلة من الوسائل المشروعة لانتقال السيادة على الأقاليم، حيث لا يتفق ذلك مع التطور الذي حدث في المجتمع الدولي، كما لا يتفق مع مبادئ التنظيم الدولي وخاصة حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير، ومبدأ السلامة الإقليمية والتي تعد من الركائز التي يقوم عليها التنظيم الدولي المعاصر.
رابعاً- نقل السيادة بقرار من منظمة دولية:
في مناسبات عديدة قامت التنظيمات الدولية بتقرير انتقال السيادة على إقليم من دولة إلى أخرى، وهذه الحالة غالباً ما تم في أعقاب الحروب من خلال معاهدات الصلح الجماعية ومعاهدات تنظيم الحدود الدولية والتسويات الإقليمية بين الدول.
ويرى بعض الفقهاء أن المنظمات الدولية مهما كان تمثيلها للجماعة الدولية لا يجب أن يكون من بين اختصاصاتها تعيين الدولة التي تتولى السيادة على أحد الأقاليم، بل يجب أن يقتصر نشاطها على تأكيد مبدأ حق تقرير المصير والإشراف على تنفيذه دون أية ضغوط، وبالتالي فإن أي قرار من الأمم المتحدة بنقل السيادة على إقليم من دولة إلى أخرى دون إرادة شعبها يعد عملاً غير مشروع، ونرى أن هذا الرأي يتفق وأهداف ومبادئ الأمم المتحدة وكافة المواثيق الدولية التي تقر احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام سيادتها الإقليمية.
الباب الثالث : الأنهار الدولية
لقد اصطلح الفقه الدولي ذي بدء على إطلاق وصف النهر الدولي على الأنهار الممتدة بين إقليمي دولتين أو أكثر، غير أن ثمة اصطلاحاً جديداً حل محل وصف النهر الدولي وهو اصطلاح (نظام المياه الدولية) وذلك حتى يكون الاصطلاح أكثر دقة وعمومية فيشمل المجرى الرئيسي للمياه، كما يشمل روافد هذا المجرى، سواء أكانت هذه الروافد من الروافد الإنمائية للمياه، أو من الروافد الموزعة لها.
* الوضع القانوني للأنهار الدولية:
يختلف حكم هذه الأنهار من حيث ملكيتها على الوجه التالي:
1- إذا كانت تجري في أقاليم عدة دول:
وفي هذه الحالة تختص كل دولة من هذه الدول بملكية الجزء من النهر الواقع في حدودها.
2- إذا كانت واقعة على حدود دولتين أو أكثر.
وفي هذه الحالة تملك كل دولة الجزء المجاور لها من النهر الذي الخط الأوسط للتيار الرئيسي إن كان النهر صالحاً للملاحة، وحتى الخط الأوسط لصفحة المياه إن لم يكن النهر صالحاً للملاحة.
الفصل الأول : نظام الملاحة في الأنهار الدولية
لكل دولة يمر بها نهر دولي حرية الملاحة في الجزء الداخل منه في ملكيتها الإقليمية وهذه نتيجة طبيعية لحق الملكية الثابت للدولة على الجزء من النهر الواقع داخل حدود إقليمها، أما الأجزاء من النهر الدولي خارج حدود إقليمها فلقد كان لا يسمح بالملاحة فيها إلا بناء على اتفاقيات خاصة وهذا ما كان يعوق التجارة الدولية، ولكن الأمر تطور فيما بعد حيث إقرار مبدأ حرية الملاحة في جميع أجزاء النهر صالحة لها من منبعه إلى مصبه لكل من الدول التي يقع في إقليمها أما الدول الأجنبية فقد ظلت إلى وقت قريب لا يسمح لها بحرية الملاحة في النهر الدولي.
- وقد بذلت محاولات لتطبيق مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية مما أسفر عن وضع لائحة الملاحة في الأنهار الأوربية أقرتا مؤتمر فيينا عام 1814 ولكن بقيت هذه الأمور حبراً على ورق لأن هذه الأحكام فسرت تفسيراً ضيقاً فاعتبرت أن المقصود سفن الدول الواقع في إقليمها النهر دون غيرها.
ولكن معاهدة باريس سنة 185 6 فتحت نهر الدانوب للملاحة الدولية بأوسع معانيها وتبعها عدة معاهدات تقرر مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية مما جعلها أمراً واقعياً واتجه هذا المبدأ نحو الاستقرار كقاعدة قانونية دولية عامة.
* اتفاقية برشلونة 1921:
وهي من أهم الاتفاقيات الدولية، حيث قررت مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية لجميع الدول المتعاقدة، وتعد هذه الاتفاقية الأساس القانوني العام للملاحة في الأنهار الدولية ولكن يرد عليها بعض الملاحظات:
1- اقتصرت قواعدها عل تنظيم الملاحة النهرية في وقت السلم دون أن تعالجها في وقت الحرب.
2- قصرت حرية الملاحة على السفن التجارية دون الحربية أو زوارق البوليس.
3- لم تتضمن نظاماً خاصاً لإدارة شئون الملاحة في الأنهار الدولية وتركت للدول حرية اختيار النظام الذي تراه مناسباً في هذا الشأن، فللدول حرية اختيار أي من أنظمة الإدارة الآتية:
أ- الإدارة الفردية:
وهي التي تقوم فيها كل دولة بإدارة شئون الملاحة في الجزء من النهر الذي يقع في إقليمها.
ب- الإدارة الإقليمية:
بأن تقوم الدول التي عبرت النهر في أقاليمها بإدارة شئون الملاحة فيه بصفة جماعية.
ج- الإدارة الدولية:
وذلك بأن تتولى شئون الملاحة لجنة دولية تتكون من ممثلين لجميع الدول التي لها مصالح خاصة في الملاحة في النهر الدولي، سواء أكانت من الدول الشاطئية أو غيرها.
4- ألزمت الدول المتعاقدة بعدم إقامة عراقيل أمام الملاحة في النهر، كما ألزمت الدول التي يمر النهر بأقاليمها بأعمال الصيانة لتيسير الملاحة النهرية، أما أعمال التحسين فقد جعلتها اختيارية وعلى الدول التي ترغب في إجراء بعض التحسينات أن تقوم بدفع التكاليف والمصروفات التي تستلزم إجراءها.
* وأخيراً أهمية هذه الاتفاقية نظرية لأنه لم تصدق عليها إلا 21 دولة وأغلبها لا يمر في أقاليمها أنهار دولية صالحة للملاحة، لذلك لا يمكن القول إن هناك نظاماً قانونياً عاماً يحكم الملاحة في الأنهار الدولية وأن كل نهر منها يخضع لنظام اتفاقي خاص بين الدول المنتفعة به.
ولما تجدر الإشارة إليه أن مبدأ حرية الملاحة يتعطل في حال وجود حرب تكون إحدى الدول الواقع في إقليمها جزء من النهر طرفاً فيها يكون من حق هذه الدولة أو الدول العودة إلى مبدأ السيادة المطلقة للدول الشاطئية.
الفصل الثاني: الاستغلال الزراعي والصناعي للأنهار الدولية
* الأغراض التي تستخدم فيها مياه الأنهار الدولية عديدة، منها:
1- الأغراض المنزلية العامة والصحية، كاستخدام المياه للشرب.
2- توليد الطاقة الكهربائية.
3- صيد الأسماك وأغراض صناعية أخرى.
ولقد انقسم الفقه في تكييف طبيعة حق الدولة في الاستغلال الزراعي والصناعي للأنهار الدولية إلى عدة نظريات، وذلك نظراً لعدم وجود اتفاقيات دولية في هذا الشأن، وتتلخص هذه النظريات فيما يلي:


أولاً- نظرية السيادة الإقليمية المطلقة:
تمارس الدولة وفقاً لهذه النظرية كافة الحقوق على الجزء من النهر الدولي الواقع في إقليمها دون أي قيد أو شرط فلها إقامة السدود ولها استثمار زراعياً وصناعياً.
ويتمسك بهذه النظرية بالدرجة الأولى الدول التي يقع في إقليمها المجرى الأعلى من النهر وهي الدول التي يمكنها أن تنتفع بمياهه من غير أن ينالها أي ضرر من المشروعات التي قد تقيمها الدول الأخرى الواقعة في المجرى السفلي من النهر الدولي، وهذه النظرية مرجحة الآن في إجماع الثقات من فقهاء القانون الدولي.
ثانياً- نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة:
يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن كل دولة يجري في إقليمها النهر الدولي لها الحق في أن يظل جريان المياه النهر على حال في إقليمها من حيث كم المياه وكيفها لأن النهر ككل يشكل وحده إقليمية واحدة لا تفصح عراها الحدود السياسية، حيث تكون سلطة الدولة على الجزء الذي يمر عبر إقليمها مقيدة بوجوب عدم التصدي للمجرى الطبيعي للنهر، فانتفاعها بمياه النهر مشروط بعد الإضرار بحقوق الدول الأخرى التي يمر النهر في أقاليمها.
وهذه النظري تقيم نوعاً من التوازن بين مصالح مختلف الدول التي يجري النهر في أقاليمها، وتمنع تحكم أي منها في مجرى النهر وفي مياهه على الوجه الذي يضر بحقوق الدول المشتركة في النهر الدولي.
ثالثاً- نظرية الملكية المشتركة:
يقرر أنصار هذه النظرية أن النهر الدولي بأكمله يعد ملكاً مشتركاً بين جميع الدول التي يجري النهر في أقاليمها وبالتالي تكون حقوق هذه الدول على النهر متساوية ومتكاملة فلا يجوز لدولة أن تقيم مشروع على النهر دون موافقة الدول الأخرى إذا كان هذا المشروع يؤدي إلى إحداث أي تأثير على جريان مياه النهر سواء بالزيادة أو النقصان.
وأنصار هذه النظرية قلة في الفقه، كما وأن العمل الدولي لم يتواتر على أساسها نظراً لاختلاف مصالح الدول السياسية والاقتصادية وتضاربها مما يجعل انتفاعها بمياه النهر على أساس من الملكية المشتركة بعيد الاحتمال.
* وقد دخل على النظريات السابقة تعديل حديث هو وجوب احترام حقوق الجوار فيجب على كل دولة أن تنتفع بالنهر محترمة حقوق الدول الأخرى التي يمر النهر عبر أقاليمها.
ومهما يكن من أمر هذه النظريات فإن القانون الدولي المعاصر يتضمن أصولاً في شأن استغلال مياه النهر صناعياً وزراعياً وتكاد تكون مجمعاً عليها فقهاً وقضاءً.
فلقد استقر العرف الدولي على التزام الدولة عند ممارستها لسيادتها عليه بعدم المساس بالأوضاع الطبيعية والجغرافية للنهر وبالحقوق المكتسبة للدول الأخرى وفي هذا الخصوص تسأل الدولة عن الأعمال التي تصدر عنها أو رعاياها والتي قد يترتب عليها إحداث تعديلات في مجرى النهر أو إعاقة اندفاع مياهه أو استغلال مياهه بطريقة تعسفية تؤدي إلى الإضرار بمصالح دول مجاورة أو تحول بينها وبين انتفاعها بمياه النهر بشكل مناسب.
وقد جرت العادة أن يتم تنظيم طريقة استغلال الأنهار الدولية عبر اتفاقات فيما بينها.
وبمراجعة هذه الاتفاقات نرى أن هناك مبادئ تراعيها الدول في هذه الاتفاقيات وهي:
1- مراعاة الحقوق المكتسبة للدولة المشتركة في النهر من حيث كميات المياه التي كانت تحصل عليها كل دولة في الماضي.
2- مراعاة التوزيع العادل لمياه النهر، ويتم ذلك عن طريق تقدير حاجة الدولة للنهر ومدى اعتمادها على مياهه والفوائد التي تعود عليها وعلى مجموع الدول المشتركة في النهر الدولي من المشروعات الجديدة المزمع إنشاؤها.
3- يجب على الدول الاعتداد بالقواعد التي اتفقت عليها من قبل الدول المشتركة في نهر دولي.
4- على الدولة التي ترغب في إدخال تعديلات في طريقة الانتفاع بنهر معين أن تدخل في مفاوضات مع الدول الأخرى المشتركة معها في النهر الدولي للحصول على موافقتها. فإذا لم يتم الاتفاق يجب عرض الأمر على التحكيم لتقريب وجهات النظر والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، فإذا قامت الدولة بمثل هذه التعديلات أو الأعمال دون موافقة الدول الأخرى وبدون عرض النزاع التحكيم فإنه يترتب على ذلك مسئولية الدولة عن الأضرار التي تصيب تلك الدول نتيجة هذه الأعمال.
الباب الثالث : طبقات الجو
الفصل الأول : النظام القانوني للفضاء الجوي فوق إقليم الدولة
أولاً- نظرية حرية الهواء الذي يعلو إقليم الدولة:
يقرر أنصار هذه النظرية أن الهواء حر لا يخضع لسيادة أية دولة ولا يمكن إخضاعه للسيطرة الفعلية من جانب أية دولة وبالتالي يجب أن يكون الانتفاع بها حراً دون أي قيد.
ولقد سبه معتنقو هذه النظرية الهواء بأعالي البحار مؤيدين رأيهم بأن الدول قد طبقت هذا المبدأ بالنسبة لأعالي البحار تشجيعاً للملاحة البحرية ويرون أن الأسباب التي استندت إليها الدول لجعل البحر حراً تتوافر بنص الدرجة لكي تجعلنا نقرر حرية الهواء.
ولكن فريقاً من أنصار هذه النظرية أن الأصل هو مبدأ حرية الهواء إلا أن هذه الحرية ترد عليها بعض القيود التنظيمية من جانب كل دولة على الهواء الذي يعلو إقليمها بما يتفق مع حقها في الدفاع عن مصالحه الحيوية.
* ولقد دافع عن هذا المبدأ الفقيه الفرنسي (فوشي) حيث قرر مبدأ الحرية المقيدة للهواء وأورد قيدين هما:
القيد المكاني: يتمثل في منع الطائرات من التحليق على ارتفاع معين.
القيد الموضوعي: يتمثل في حق الدولة في المحافظة على نفسها وهي القيود التي تسببها احتياطات الأمن والدفاع عن إقليم الدولة.
ولقد تعرضت هذه النظرية باختلاف مضمونها للانتقادات التالية:
1- لا يشترط السيادة الفعلية على الهواء بل يكفي إمكانية تلك خاصة بعد التقادم العلمي والتكنولوجي المعاصر.
2- إن الأخذ بهذه النظرية بمعناها التام يمكن أن يؤدي إلى تهديد أمن الدول وسلامتها فضلاً عن أن الأخذ بها في معناها المقيد ليس في صالح الملاحة الجوية في جميع الأحوال.
ثانياً- نظرية سيادة الدولة التامة على الهواء الذي يعلو إقليمها:
ومؤدى هذه النظرية أن سيادة الدولة تمتد إلى طبقات الهواء التي تعلو دون حدود وكما أن الدولة تملك الأرض وما يعلوها وما يوجد تحتها ويجب أن يطبق ذلك على الهواء أما تطبيق أحكام أعالي البحار على الهواء فهو مرفوض لأن امتداد البحر أفقي أما امتداد الهواء رأسي والامتداد الأفقي خطورة من الامتداد الرأسي على الدولة.
نقد:
1- تؤدي إلى نتائج غير واقعية ولا تتفق مع أوضاع المجتمع الدولي الذي يشجع التعاون الدولي ومنع الطائرات من المرور فيه إضراراً بالصالح العام الدولي، فيجب السماح لهذه الطائرات بالمرور ما دامت لا تضر بأمن الدولة.
2- إن الالتجاء إلى مبدأ ملكية العلو فيه خلط بين الملكية والسيادة فالفقه الغالب في القانون الخاص أن مالك الأرض له فقط ملكية العقار وما فوقه ولكن إلى الحد المفيد، فالسيادة لا تعني إمكان السيطرة الفعلية على الإقليم سيطرة لا تنازع الدولة فيها أحد بحيث تجعلها هي السلطة الأعلى فيها، بل أن السيادة تعني إمكان السيطرة وليست السيطرة نفسها متى أرادت الدولة ذلك.
ثالثاً- نظرية السيادة المحددة للدولة على الهواء الذي يعلو إقليمها:
تقوم هذه النظرية أن للدولة سيادة على الهواء والذي يعلو إقليمها ولمن لارتفاع معين ويكون ما فوق ذلك حراً لجميع الدول، أما الطبقة الخاضعة لسيادة الدولة فتنظم الدولة مرور الطائرات فيها بما يتفق مع مصالحها ومتمشياً مع ضرورة المحافظة على سلامتها، ويطلق على هذه النظرية نظرية المناطق حيث يقسم الفضاء الجوي إلى أكثر من منطقة تخضع إحداها للسيادة وتظل الأخرى حرة حرية كاملة.
وذهب بعض الفقهاء وعلى رأسهم (كوبر) إلى تحديد المنطقة الخاضعة للسيادة بالاستناد إلى المقاييس المعتادة في البحر الإقليمي، أي بأقصى ما تصل إليه قذائف المدافع المضادة للطائرات من الأرض، وتمشياً مع هذا الاتجاه ذهب بعض المدافعين عن نظرية المناطق إلى تقسيم الجو إلى ثلاثة مناطق:
منطقة لصيقة بالإقليم البري للدول تخفض كاملاُ لسيادة دولة الإقليم، ومنطقة وسطى مجاوزة يكون للدولة فيها بعض مظاهر السيادة وتتمثل في مراقبة الطائرات الأجنبية للتأكد من عدم استعمالها للإضرار بمصالحها وأمنها دون أن يكون لها منع المرور البريء في هذه المنطقة، أما المنطقة العليا فوق ذلك تكون فيها الملاحة حرة لجميع الدول شأنها شأن البحار.
نقد:
تتسم هذه النظرية بالطابع النظري البحث والخيال القانوني الصرف، لذلك فإن هذه النظرية باختلاف اتجاهات أنصارها لم تتعد في أي وقت حدود الكتابات الفقهية ولم تترجمها أي دولة من الدول إلى واقع عملي يؤخذ به في العمل الدولي.
الفصل الثاني : تطور العمل الدولي في مجال النظام القانوني للهواء
تقرر مبدأ السيادة في الجو صراحة أو ضمناً في كل القوانين الوطنية للدول المختلفة وهذا ما قرره العرف الدولي أيضاً وبالتالي لا يجوز استخدام المجال الجوي دون موافقة الدولة صاحبة السيادة، ولقد شهدت سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى نمواً تشريعياً في هذا المجال على الصعيد الإقليمي كان الهدف منها جميعاً محاولة كل دولة من الدول تنظيم مظاهر سيادتها في الجو، ولقد قررت اتفاقية باريس مبدأ السيادة المطلقة ولكن مراعاة لاعتبارات المصلحة الجماعية تم السماح لطائرات الدول المتعاقدة حرية المرور البريء وقت السلم بشرط مراعاة الشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.
ولقد تم تأكيد مبدأ السيادة على الهواء في اتفاقية مدريد 1926 واتفاقية هافانا سنة 1928 وفي أثناء الحرب العالمية الثانية ظهر جلياً مدى اهتمام الدول بتأكيد سيادتها على مجالها الجوي في وجه طائرات الدول المتحاربة، وبنهاية الحرب ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في تنظيم الملاحة الجوية مما أدى إلى عقد مؤتمر شيكاغو عام 1944 والذي أسفر عن اتفاقيتين: إحداهما خاص بالطيران المدني والدولي والأخرى تتعلق بالنقل الجوي الدولي وأسفر المؤتمر أيضاً عن إنشاء هيئة دولية خاصة للطيران المدني باسم (هيئة الطيران المدني الدولية) ومقرها في مدينة مونتريال بكندا والغرض منها العمل على إنماء المبادئ والقواعد الفنية الخاصة بالملاحة الجوية الدولية وتعد هذه الهيئة من المنظمات الدولية المتخصصة التي تمارس نشاطها بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الدولية الأم لكافة المنظمات العاملة في المجال الدولي.
وأهم ما تضطلع به هذه المنظمة من مهام هو تشجيع النقل الجوي الدولي والعمل على تخفيض القيود الإدارية مع تأمين خطوط النقل الجوي وتوفير سلامته وتقديم المساعدات الفنية والمالية التي تتطلبها عمليات تحسين خدمات الملاحة الجوية.
* الاتجاه الذي تأخذ به الدول حالياً:
القاعدة العامة هي سيادة الدولة الكاملة على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها إلى ما لا نهاية، لأن ذلك من دواعي تحقيق أمن الدولة والدفاع عن نفسها ضد المخاطر المستمر أن تتعرض لها عن طريق الجو، غير أن ذلك لا يحول دون النظر إلى مبدأ التعاون الدولي ووضعه موضع الاعتبار، وهو التعاون بين الدول جميعاً تحقيقاً لمصالحها المشتركة والذي ينبني على أساس التبادل، على أن يكون ذلك في إطار قواعد عامة تنظم استعمال الدول للمجال الجوي للدول الأخرى بما يحقق الصالح المشترك للجماعة الدولية ويحافظ على المصالح الخاصة لكل عضو من أعضائها في نفس الوقت، أما فيما يتعلق بطبقات الهواء التي تعلو أعالي البحار فلا جدال في شأنه لأنها لا تخضع لسيادة أي دولة وبالتالي فإن الانتفاع بها واستعمالها حر لطائرات جميع الدول على السواء، وهو ما يطلق عليه الهواء والفضاء المشترك وينطبق عليها من ناحية المبدأ القانوني نفس الأحكام الخاصة بأعالي البحار وحرية الهواء والفضاء المشترك هنا تخضع للتنظيم ومقيدة بقواعد القانون الدولي والتي تتركز في تحقيق قدر من الانتفاع بهذا النطاق المشترك لجميع الدول على نحو متساوٍ بينهم.
الفصل الثالث : الفضاء الخارجي
المبحث الأول: الأمم المتحدة وتنظيم استخدام الفضاء الخارجي
كان أهم ما يشغل الأمم المتحدة في ذلك الوقت هو درء الخطر الذي قد يتعرض له العالم لو استعمل الفضاء الخارجي في الأغراض العسكرية مما دعا الجمعية العامة إلى إصدار قرار عام 1957يقضي بحصر استخدام الفضاء الخارجي بالأغراض السلمية والعلمية فقط ثم تم تشكيل لجنة تتكون من 18 عضو عاص 1958 تكون مهمتها دراسة موضوع تنظيم استخدام الفضاء ووضع تقارير بما تراه من مقترحات في هذا الشأن وفي مرحلة لاحقة انتقلت الأمم المتحدة إلى مرحلة أكثر فعالية بوضع اتفاقيات دولية تتضمن أحكاماً محددة تتناول التنظيم القانوني للفضاء الخارجي حيث تم إبرام الاتفاقية الدولية حول المسئولية الدولية لتعويض الأضرار التي تحدثها الأجهزة الفضائية عام 1971، وكذلك الاتفاقية الخاصة بأوجه نشاط الدول فوق سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى والتي أقرتها الجمعية العامة عام 1979 ولم تدخل حيز التنفيذ بعد.
المبحث الثاني
النظام القانون للفضاء الخارجي
من استقراء نصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بتنظيم استخدام الفضاء الخارجي يمكننا استخلاص المبادئ القانونية والتي شكل في مجموعها النظام القانوني للفضاء الخارجي ومن أهم المبادئ التي أرستها هذه الاتفاقية ما يلي:
1- حرية استخدام الفضاء الخارجي لكل دول دون تمييز بين دولة وأخرى.
2- حرية استخدام الفضاء الخارجي مقيدة بأن يكون هذا الاستخدام قاصراً على الأغراض السلمية.
3- يعتبر رواد الفضاء بمثابة مبعوثين للإنسانية وتجب مساعدتهم بكل الوسائل .
4- تخضع المركبات الفضائية والأشياء التي تطلق إلى الفضاء الخارجي للاختصاص المطلق للدولة المسجلة فيها وتحتفظ الدولة بسلطتها ورقابتها على هذه المركبات وعلى الأشخاص الموجودين عليها ما دامت هذه المركبة مسجلة في دولة الإطلاق ولا تتأثر ملكية الدولة لمركبة نتيجة إطلاقها في الفضاء الخارجي.
5- تتحمل كل دولة المسئولية الدولية عن أوجه النشاط التي تمارسها في الفضاء الخارجي.
6- طبقاً لاتفاقية المسئولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها المركبات الفضائية التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971 تم إقرار عدة مبادئ، من أهمها ما يلي:
أ- تتحمل الدولة مسئولية دولية مطلقة للتعويض عن الأضرار التي تحدثها المركبات الفضائية التابعة لها على سطح الأرض أو الطائرة في الجو ولا يجب في هذه الحالات إثبات أي نوع من الخطأ قبل الدولة التي تترتب المسئولية الدولية عليها بمجرد وقوع الضرر.
ب- يشترط لتحمل المسئولية الدولية إثبات الخطأ من جانب الدولة التي سببت الضرر.
ج- إذا اشتركت أكثر من دولة في إطلاق مركبة فضائية فإنها تتحمل المسئولية بطريقة مشتركة، كما يتحمل كل منها المسئولية المترتبة على جانبه.
د- لا تنطبق أحكام الاتفاقية على الأضرار التي تصيب مواطن الدولة التي أطلقت المركبة الفضائية أو الأجانب الذين اشتركوا في عملية الإطلاق.
هـ- يتم تحديد التعويض طبقاً لأحكام القانون الدولي مع مراعاة القواعد العامة في العدل والإنصاف.
و- إذا لم تتم تسوية المنازعة وتعويض الدولة التي أصابها الضرر خلال عام من تقديم المطالبة فإنه يتم تشكيل لجنة مختلطة يختار كل طرف من أطراف النزاع عضواً فيها ويتم اختيار رئيسها باتفاق الطرفين فإذا لم يتفق الطرفان خلال أربعة شهور يقوم الأمين العام للأمم المتحدة باختبار الرئيس، وإذا امتنع العضو عن اختيار ممثله في اللجنة، تقوم اللجنة بمباشرة أعمالها بعضو واحد هو رئيسها وتقوم اللجنة بالبحث في موضوع النزاع وتحديد التعويض ويعد قراراً نهائياً وملزماً لأطراف النزاع.
الباب الرابع : البحــار
أولاً- التعريف بالبحر وأقسامه:
يختلف المعنى القانوني للبحار عن معناها الجغرافي، فعلماء الجغرافيا يعتبرون أن العنصر المميز للبحر هو ملوحة الماء، فكل مياه مالحة تعتبر بحراً من وجهة النظر الجغرافية، أما البحر من وجهة نظر فقهاء القانون الدولي فيختلف عن التعريف الجغرافي، فالبعض يعرفه بأنه المساحات المائية التي تصف بوحدة المياه، ويضيف البعض الآخر لهذا التعريف صفة الملوحة، وبذلك نجد أن البحر الميت لا يعتبر بحراً من وجهة النظر الدولية نظراً لافتقاره للعنصر الثاني وهو وحدة المياه. أي أنه لا يكون وحدة واحدة متصلة مع غيره من البحار في الكرة الأرضية.
وقواعد القانون الدولي التي تحكم وتنظم العنصر البحري من إقليم الدولة يطلق عليها قانون البحار ولقد أصبح هذا الفرع من فروع القانون الدولي العام يحلل أهمية كبرى لأنه ينظم البحار التي تعتبر من أهم طرق المواصلات الدولية وكمصدر حيوي للثروات بمختلف أنواعها.
* ولقد ظهرت في القانون الدولي مدرستان:
الأولى: تدعو إلى وجوب تحرير البحار من الخضوع لسيادة أي دولة من الدول ومن المدافعين عن ذلك جرسيوس مستنداً إلى أن البحر غير قابل للحيازة الفعلية، وأن البحار لا تنضب مواردها وهي متجددة باستمرار وتكفي الجميع.
الثانية: تدافع عن إبقاء البحار خاضعة للسيادة الوطنية للدول التي تستطيع أن تفرض سيادتها عليها.
وبعد صراع طويل بين المدرستين استقر مبدأ حرية البحار وأصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العام المسلم بها من كافة دول العالم.
ثانياً- جهود الأمم المتحدة لتطوير قانون البحار:
اهتمت الأمم المتحدة في إطار لجهود المبذولة لتقنين القانون الدولي العام بتطوير قانون البحار حيث عقد أول مؤتمر خاص بذلك عام 1958 في جنيف ونجم عنه أربع اتفاقيات وبروتوكول اختياري ولكن نتيجة للتطورات التي أعقب هذا المؤتمر تم عقد مؤتمر جنيف عام 1960 غير أن هذا المؤتمر لم يكلل بالنجاح نظراً لعجز الدول عن الاتفاق على بعض المسائل الجوهرية مما دعا الأمم المتحدة إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر ثالث لقانون البحار، حيث تم عقد اثني عشرة دورة للوصول إلى البيان الختامي الذي فتح الباب للتوقيع على الاتفاقية في جامايكا عام 1982، والتي سمي "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" حيث كانت أول اتفاقية دولية تحظى بعدد كبير من التوقيعات وفي معرض دراستنا لقانون البحار، يجب التمييز بين ثلاث مناطق من البحار على الوجه التالي:
المنطقة الأولى: وهي تعد بمثابة جزء من إقليم الدولة تمارس عليه سيادتها وتشمل البحر الإقليمي.
المنطقة الثانية: وهي المنطقة التي تمارس عليها الدولة بعض الحقوق والسلطات ولكنها لا تعد جزءاً من إقليم الدول، وتشمل المنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والامتداد القاري.
المنطقة الثالثة: وهي تخرج عن سيادة الدولة بصفة كاملة ولا تمارس عليها الدولة أية اختصاصات أو سلطات وتشمل أعالي البحار.
الفصل الأول : البحر الإقليمي
البحر الإقليمي هو ذلك الجزء من البحر الذي يجور إقليم كل دولة وتمتد إليه سيادتها ففكر البحر الإقليمي هي بمثابة تأمين للدولة من عدة نواح:
* إستراتيجية: للدفاع عن حدودها الساحلية وتأمين الملاحة نحو موانيها.
* اقتصادية: فهي تسمح لها بمراقبة أعمال التهريب ومنعها للمحافظة على اقتصادها الوطني.
* صحية: حيث يمكن للدولة مراقبة السفن التي تتجه نحو شواطئها لمنع اقتراب من يحمل أوبئة تجنباً لانتقال العدوى إلى إقليمها.
المبحث الأول
طبيعة حق الدولة على البحر الإقليمي
المقصود بطبيعة حق الدولة على بحرها الإقليمي هو التكيف القانوني الذي يصدق على حقوق الدولة في شأنه وبيان السلطات التي تستطيع الدولة أن تمارسها في نطاقه، ولقد انقسم الفقه إلى فريقين:
الأول: يعتبر البحر الإقليمي قسماً من البحر العالي لا يعتبر ملكاً للدولة وإن كان لها بعض الحقوق والاختصاصات عليه والتي تقتضيها سلامة الدولة وأمنها ومصالحها الاقتصادية والصحية، ومن زعمائه فوشي ولا براديل ولكن نظريتهم تعرضت للنقد لما تنطوي عليه من تعارض بين فكرة ممارسة الدولة الشاطئية لبعض الحقوق في البحر الإقليمي على سبيل الإنفراد، في الوقت الذي تنادي فيه النظرية بحرية البحر العالي من جهة أخرى.
الثاني: يرى أن البحر الإقليمي يعتبر امتداداً لإقليم الدولة وبالتالي يدخل في ملكيتها ويخضع لكامل سيادتها.
ولقد أقرت حكومات أغلب الدول الشاطئية الرأي الثاني الذي يعتبر البحر الإقليمي امتداداً لإقليم الدولة لما فيه من تقرير لسيادتها على البحر الإقليمي.
ويجمع الفقه والقضاء وأحكام القانون الدولي المعاصر على أنه البحر الإقليمي هو قسم من إقليم الدولة الشاطئية تغمره المياه، وهو لا يختلف من حيث طبيعته القانونية عن أي قسم آخر من أقسام الدولة وعلى ذلك فإن البحر الإقليمي يجب أن يخضع لذات النظام القانوني الذي يخضع له إقليم الدولة ويترتب على ذلك أيضاً أن نطاق سيادة الدولة على بحرها الإقليمي يشمل السيادة على قاع هذا البحر إلى ما لا نهاية في العمق ويشمل أيضاً السيادة على طبقات الجو والهواء التي تمتد فوق سطحه إلى ما لا نهاية في الارتفاع.
أولاً- نتائج سيادة الدولة على البحر الإقليمي:
1- حق القيام بأعمال البوليس في هذا الجزء من البحر.
2- حق تحديد المراسم البحرية التي يجب على السفن التجارية مراعاتها أثناء وجودها في البحر الإقليمي.
3- حق قصر الملاحة الشاطئية والصيد في حدود البحر الإقليمي على رعاياها.
4- حق القضاء بالنسبة لسفنها الموجودة في البحر الإقليمي على وجه الإطلاق وبالنسبة للسفن التجارية الأجنبية في كل ما يمس أمنها وسلامتها ويستوجب تدخلها في مواجهة السفن التي تقع عليها أعمال تهدد النظام العام في الدولة الشاطئية.
5- حق منع اقتراب السفن المحاربة من شواطئ الدول المحايدة ومنع السفن الأجنبية من القيام بأي أعمال حربية في المياه الإقليمية للدولة الشاطئية.
6- حق قصر الاستغلال الاقتصادي لقاع البحر وللطبقات التي توجد تحت هذا القاع على رعايا الدولة الشاطئية دون غيرهم.
ثانياً- القيود التي ترد على سيادة الدولة على بحرها الإقليمي:
هذه القيود ترتبها اعتبارات سياسية وجغرافية وأقرها العرف الدولي وتتلخص هذه القيود فيما يلي:
1- حق المرور البريء:
استقر العرف الدولي على أن تكون البحار الإقليمية مفتوحة لمرور السفن التابعة لجميع الدول، ما دام عبورها يتسم بالبراءة ولا ينطوي على إهانة للدولة الشاطئية أو على الإضرار بمصالحها، والمرور لبريء ليس رخصة بل هو حق ثابت ترتب عن طريق العرف بين الدول وعن طريق العمل والقضاء الدوليين وأساس ذلك هو الحق الثابت لكل أعضاء الأسرة الدولية في الاتصال بعضهم بالبعض الآخر، وللمرور البريء وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 هو عبور البحر الإقليمي على صورة من إحدى الصور التالية:
أ- عبور إقليمي في اتجاه أحد موانئ الدولة.
ب- الاتجاه منها إلى أعالي البحار.
ج- المرور في المياه الإقليمية في محاذاة الشاطئ للاتجاه إلى مياه دولة أخرى مجاورة.
هذا ولابد أن يكون المرور متواصلاً وسريعاً، وإن كان في الإمكان الوقوف أو الرسو في المياه الإقليمية في الحدود التي تستلزمها الملاحة العادية أو إذا اقتضت ذلك قوة قاهرة أو تعرضت السفينة لمحنة، أو حين يكون لغرض تقديم المساعدة إلى أشخاص أو سفن أو طائرات في حالة خطر أو شدة.
وعناصر البراءة ثلاثة هي: عدم الإضرار بالسلم، وعدم الإضرار بحسن النظام، وعدم الإضرار بأمن الدولة الشاطئية، وهي أمور يترك تقديرها لسلطات الدولة الشاطئية.
* سفن الصيد: يكون مرورها في البحر الإقليمي بريء إلا إذا لم تحترم القوانين واللوائح التي تصدرها الدولة الشاطئية.
* الغواصات: يجب أن تكون طافية على سطح الماء وأن تظهر أعلامها التي تدل على جنسيتها.
* جميع السفن: يجب عليها احترام القوانين واللوائح التي تصدرها الدولة الشاطئية وأحكام القانون الدولي.
ولقد أشارت اتفاقية عام 1982 لبعض حالات المرور غير البريء فيها:
أ- أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة وسلامة وأمن الدولة الساحلية.
ب- أي عمل عدائي يهدف إلى المساس بدفاع الدولة الساحلية.
ج- إطلاق أي طائرة أو أي جهاز عسري أو إنزاله أو تحميله.
د- أي من أنشطة صيد السمك.
ه- القيام بأنشطة بحث أو مسح.
و- أي نشاط آخر ليست له علاقة مباشرة بالمرور.
وأخيراً فإنه يحق للدولة الساحلية أن تعتمد قوانين وأنظمة بشأن المرور البريء عبر البحر الإقليمي، تتناول الأمور التالية كلها أو بعضها:
أ- سلامة الملاحة وتنظيم حركة المرور البحري.
ب- حماية وسائل تيسير الملاحة.
ج- البحث العلمي البحري.
د- منع خرق قوانين وأنظمة الدولة الساحلية الجمركية أو الضريبة أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة.
ويشترط أن تعلن الدولة الساحلية الإعلان الواجب عن جميع هذه القوانين والأنظمة.
* الممرات البحرية ونظم تقسيم المرور في البحر الإقليمي:
تملك الدولة الساحلية كلما اقتضت ذلك سلامة الملاحة أن تفرض على السفن الأجنبية التي تمارس حق المرور البريء خلال بحرها الإقليمي، استخدام الممرات البحرية واتباع حركة المرور التي قد تعينها أو تقررها لتنظيم مرور السفن، ويجوز بصفة خاصة أن تفرض على الناقلات والسفن التي تعمل بالطاقة النووية والسفن التي تحمل مواد خطرة أن تقصر مرورها على تلك الممرات البحرية.
ولكن يجب مراعاة توصيات المنظمة الدولية المختصة ويجب أن تبين الدولة الساحلية بوضوح حدود هذه الممرات البحرية ونظم تقسيم حركة المرور في خرائط يعلن عنها الإعلان الواجب.
* الحالات التي يجوز فيها وقف المرور البريء:
يجوز في بعض الحالات وقف المرور مع توافر جميع عناصر البراءة ولكن ضمن القيود التالية:
أ- أن تقرره الدولة الشاطئية بصفة مؤقتة لا دائمة.
ب- أن يكون الوقف في مناطق مخصصة من البحر الإقليمي لا في البحر الإقليمي كله.
ج- أن يكون عاماً دون تمييز.
د- أن يكون جوهرياً لحماية أمن الدولة.
ه- أن تعلن عنه الدولة وتنشر عنه، ولا ينفذ الوقف إلا بعد الإعلان والنشر.
و- لا يجوز الوقف في المضايق التي تستعمل في الملاحة الدولية إذا كان المضيق يصل بين البحار العالية أو البحر الإقليمي لدولة أجنبية.
2- سلطان الدولة على السفن الأجنبية في بحرها الإقليمي: إن سيادة الدولة على البحر الإقليمي تقتضي ممارسة اختصاصها التشريعي والقضائي عليه، ولكن هذا الكلام يرد عليه قيد حيث لا يمتد هذا الاختصاص إلى السفن الأجنبية الموجود في البحر الإقليمي والتي يكون عبورها بريء، ولكن ذلك يقتضي منا التفرقة السفن العامة والخاصة.
- السفن الأجنبية العامة: وهي التي تكون مملكة لحكومات أجنبية ومخصصة لخدمة عامة كالسفن الحربية والمستشفيات، فلا تخضع على وجه الإطلاق في أي شأن من شئونها لاختصاص الدولة الشاطئية فيما عدا التزامها بمراعاة القواعد التي وضعتها السلطات الإقليمية لتنظيم المرور في بحرها الإقليمي، ولهذه السلطات في حالة مخالفة السفن العامة الأجنبية لهذه القواعد أن تكلفها بإتباعها وإلا جاز لها أن تأمرها بمغادرة المياه الإقليمية للدولة.
- السفن الأجنبية الخاصة: وهي السفن المملوكة لأفراد أو حكومات أجنبية ولكنها مخصصة لأغراض تجارية أو خاصة، وهنا يجب التفرقة بين الاختصاص القضائي الجنائي والاختصاص القضائي المدني:
أ- الاختصاص القضائي الجنائي: نفرق بين نوعين من الجرائم:
الأول: الجرائم التي تشكل خرقاً مباشراً لقوانين الملاحة بالدولة وتنظيم الانتفاع بالبحر الإقليمي وفيها يثبت الاختصاص القضائي الجنائي للدولة الشاطئية.
الثاني: الجرائم التي تشكل خرقاً غير مباشر لقوانين الملاحة: لا يثبت فيها الاختصاص للدولة الشاطئية إلا في الحالات التالية:
- امتداد آثار الجريمة إلى الدولة الشاطئية.
- إذا كانت الجريمة من النوع الذي يعرض سلامة الدولة للاضطراب أو يؤثر حسن النظام في البحر الإقليم.
- إذا طلب القبطان أو قنصل الدولة التي تحمل السفينة علمها مساعدة السلطات المحلية.
ب- الاختصاص القضائي المدني:
نفرق في هذا الصدد بين حالتين:
الأولى: مركز السفينة الأجنبية الراسية أو القيمة أو التي تمر بالبحر الإقليمي بعد مغادرتها للمياه الداخلية: هذه حكمها حكم الأجنبي الموجود على إقليم الدولة، حيث تخضع لكافة القوانين النافذة في الدولة الساحلية ولجميع السلطات بما فيها القضائية وبالتالي يمكن مباشرة الحجز على هذا النوع من السفن.
الثانية: مركز السفينة الأجنبية التي تمر مروراً عادياً في البحر الإقليمي من غير أن تكون في الحالات السابقة، لا يجوز للدولة الساحلية مباشرة الاختصاص القضائي "المدني" عليها، ولا يجوز حجز السفينة أو مباشرة إجراءات الدعوى المدنية عليها إلا بالنسبة للمسئوليات التي تتحملها السفينة ذاتها خلال إبحارها في البحر الإقليمي للدولة الشاطئية أو بسبب هذا المرور وذلك تيسيراً للملاحة والعمل على إنمائها.
ملاحظة هامة: لا يجوز تحصيل رسوم على السفن الأجنبية لمجرد مرورها فقط في البحر الإقليمي، وإنما يجب أن تكون هذه الرسوم مقابل خدمات خاصة تؤديها الهيئات المعنية التابعة للدولة الشاطئية لهذه السفن دون تمييز أو تفريق بينها.


المبحث الثاني : تحديد البحر الإقليمي
أولاً- اتساع البحر الإقليمي:
كان موضوع امتداد البحر الإقليمي للدولة الشاطئية من أكثر المسائل الخلافية بين الدول فلقد كانت بعض الدول ترى أن هذا الحق ثابت للدولة تفريعاً على اختصاصاتها الداخلي، بينما يرى البعض الأخر أن تحديد مدى البحر الإقليمي من مسائل القانون الدولي التي يجب على الدول الالتزام فيها بالقواعد العرفية أو الاتفاقية.
وبعد خلافات طويلة حسمت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 الموضوع عندما قررت أن لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً مقاسة من خطوط الأساس المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية.
ثانياً- قياس البحر الإقليمي:
1- خطوط الأساس المستقيمة:
أقرت اتفاقية جنيف عام 1958 نظام الخطوط المستقيمة وجاءت عام 1982 لتأخذ بنفس النظام مع وضع قواعد تفصيلية لتطبيقه، تتلخص فيما يلي:
أ- حيث يوجد في الساحل انبعاج عميق وانقطاع، أو حيث توجد سلسلة من الجزر على امتداد الساحل وعلى مسافة قريبة منه مباشرة، يجوز أن تستخدم في رسم خط الأساس الذي يقاس منه عرض البحر الإقليمي طريقة خطوط الأساس المستقيمة التي تصل بين نقاط مناسبة.
ب- حيث يكون الساحل شديد التقلب بسبب وجند دلتا وظروف طبيعية أخرى يجوز اختيار النقاط المناسبة على أبعد مدى باتجاه البحر من حد أدنى الجزر، وبغض النظر عما يحدث بعد ذلك من انحسار في حد أدنى الجزر، تظل خطوط الأساس المستقيمة سارية المفعول إلى أن تغيرها الدولة الساحلية وفقاً لهذه الاتفاقية.
ج- يجب ألا ينحرف رسم خطوط الأساس المستقيمة أي انحراف ذي شأن عن الاتجاه العام للساحل.
د- لا ترسم خطوط الأساس المستقيمة من المرتفعات التي تنحسر عنها المياه عند الجزر وإليها، ما لم تكن قد بنيت عليها حفائر أو منشآت مماثلة تعلو دائماً سطح البحر، أو في الحالات التي يكون فيها مد خطوط الأساس من هذه المرتفعات وإليها قد حظي باعتراف دولي عام.
هـ- لا يجوز لدولة أن تطبق نظام خطوط الأساس المستقيمة على نحو يفصل البحر الإقليمي لدولة أخرى عن أعالي البحار أو من المنطقة الاقتصادية الخالصة.
2- بعض الحالات الخاصة:
أ- الأنهار: إذا كان هناك نهر يصب مباشرة في البحر فإن خط الأساس الذي منه قياس البحر الإقليمي يكون خطاً مستقيماً عبر مصب النهر بين نقطتين على حد أدنى الجزر.
ب- الموانئ: عند تعيين حدود البحر الإقليمي، فإن المنشآت المرفئية الدائمة التي تشكل جزءاً أصيلاً من النظام المرفئي تعتبر مهما بعدت جزءاً من الساحل إلا أن المنشآت المقامة في عرض البحر والجزر الصناعية لا تعتبر من المنشآت المرفئية الدائمة.
وتطبيقاً لذلك فلا يبدأ قياس البحر الإقليمي إلا من المنطقة التي تعد أبعد أجزاء المنشآت الدائمة في الميناء، ذلك لأن العرف الدولي يعتبر هذه المنشآت الدائمة وما يحيط بها من مياه جزءاً من إقليم الدولة البري.
* أما المراسي التي تستخدم عادة لتحميل السفن وتفريغها ورسوها، والتي تكون لولا ذلك واقعة جزئياً أو كلياً خارج الحد الخارجي للبحر الإقليمي، تدخل في حدود الإقليمي.
ثالثاً- تعيين حدود البحر الإقليمي في حالة الدول المتقابلة والمتلاصقة:
عندما تكون سواحل دولتين متقابلة أو متلاصقة، لا يحق لأي من دولتين، في حال عدم وجود اتفاق بينهما على خلاف ذلك، أن تمد بحرها الإقليمي إلى أبعد من الخط الوسط الذي تكون كل نقطة عليه متساوية في بعدها عن أقرب النقاط على خط الأساس الذي يقاس منه عرض البحر الإقليمي لكل من الدولتين، غير أن هذا الحكم لا ينطبق حيث يكون من الضروري بسبب سند تاريخي أو ظروف خاصة تعيين حدود البحر الإقليمي لكل من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم.
الفصل الثاني : المضايق المستخدمة للملاحة الدولية
أولاً- تعريف المضيق:
هو عبارة عن مياه تفصل بين جزئيين من اليابسة وتصل بين بحرين، ويشترط فيه:
1- أن يكون جزءاً من البحر.
2- أن يكون قد تكون بطريقة طبيعية وليس صناعية.
3- أن يكون محدود الاتساع.
4- أن يكون المضيق صالحاً للملاحة الدولية المتجهة إلى غير موانئ سواحل ذلك المضيق.
* وقد اختلف الفقه في تحديد اتساع المضيق، وإن كان الرأي الغالب يعتبر وصف المضيق متحققاً إذا كان الاتساع لا يتجاوز عرض البحر الإقليمي عندما يكون واقعاً بين إقليمي الدولتين، أما إذا زاد المضيق عن هذا الاتساع اعتبر جزءاً من أعالي البحار.
ثانياً- النظام القانوني للمضايق:
تعتبر حرية الملاحة في المضايق المستخدمة للملاحة الدولية من المبادئ المستقرة في العلاقات الدولية والقضاء الدولي حيث أقرته محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو فاعتبرت حرية الملاحة فيه هي المبدأ في وقت السلم لكل السفن بما فيها السفن الحربية دون حاجة إلى أن مسبق بالمرور من الدولة الساحلية وأن هذه السفن تلتزم بأحكام نظام المرور البريء عند عبورها المضيق.
* ولقد سعت اتفاقية جنيف 1958 مفهوم المضيق الذي يخضع فيه مرور السفن لنظام المرور البريء حيث قررت أنه لا يجوز تعطيل استخدام السفن الأجنبية لحق المرور البريء في المضايق التي تصل بين أجزاء من أعالي البحار أو تصل جزءاً من أعالي البحار بالبحر الإقليمي لدولة أجنبية.
وهناك عدد كبير من المضايق قد تم تنظيم أمور الملاحة فيها بمقتضى اتفاقيات دولية خاصة نظراً لأهميتها للملاحة الدولية أو مواقعها الإستراتيجية مثل مضيق ماجلان.
وقد تقدمت الدولة الملاحية الكبرى بمشاريع الهدف منها تقرير المرور الحربية لكافة السفن تجارية كانت أم حربية، في الوقت الذي جاهدت فيه الدول المطلقة على المضايق للإبقاء على نظام المرور البريء، ولقد تبنت وجهة نظر الدول الملاحية عندما استحدثت نظام المرور العابر الذي يرى فيه البعض حلاً وسطاً توفيقياً بين نظام المرور الحر ونظام المرور البريء.
ثالثاً- حق المرور العابر:
إن المضايق التي تخضع لنظام المرور العابر هي المستخدمة للملاحة الدولية وتصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، وجزء آخر من أعلا أو منطقة اقتصادية خالصة، وبناء على ذلك فإذا كان المضيق يربط بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبحر إقليمي لدولة أجنبية فلا يخضع لهذا النظام وإنما يخضع لنظام المرور البريء.
والمرور العابر هو ممارسة حرية الملاحة والتحليق لغرض وحيد هو العبور المتواصل السريع في المضيق، ولكن إذا دعت الضرورة يجوز الدخول عبر المضيق إلى دولة مطلة على المضيق أو مغادرتها أو العودة منها، مع مراعاة شروط الدخول إلى تلك الدولة، كما لا ينطبق نظام المرور العابر إذا وجد خلال المضيق طريق في أعالي البحار أو طريق يمر بمنطقة اقتصادية خالصة في أعالي البحار أو طريق في منطقة اقتصادية خالصة يكون ملائماً بقدر مماثل من حيث الخصائص الملاحية، كما لا ينطبق على المضيق المشكل بجزيرة الدولة في أعالي البحار أو طريق في منطقة اقتصادية خالصة يكون ملائماً بقدر مماثل من حيث الخصائص الملاحية.
1- واجبات السفن والطائرات أثناء المرور العابر:
على السفن والطائرات أثناء ممارستها حق المرور العابر:
أ- أن تمضي دون إبطاء خلال المضيق أو فوقه.
ب- أن تمتنع عن أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة المشاطئة للمضيق.
ج- أن تمتنع عن أي نشاط لها يتصل بالعبور المتواصل السريع.
2- حقوق الدولة المشاطئة للمضيق:
أ- الحق في تعيين ممرات بحرية للملاحة في المضيق وأن تقرر نظماً لتقسيم حركة المرور حتى يكون ذلك لازماً لتعزيز سلامة مرور السفن.
ب- أن تستبدل عند الحاجة ممرات بحرية كانت قد عينتها في السابق، بشرط أن تقوم بالإعلان عن ذلك.
ج- الحق في وضع القوانين التي تكفل حماية المصالح الجمركية أو المتعلقة بشئون الهجرة أو الصحة.
وبالمقابل أن هناك التزاماً على هذه الدول بألا تعيق المرور العابر وبأن تقوم بالإعلان المناسب عن أي خطر يكون لها علم به يهدد الملاحة أو التحليق داخل المضيق أو فوقه، ولا يوقف المرور العابر.
رابعاً- المضايق التي ينطبق عليها نظام المرور البريء:
هناك بعض المضايق المستثناة من تطبيق نظام المرور العابر وهي التي تصل بين أجزاء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية والمضايق التي تكون مشكلة بجزيرة للدولة المشاطئة للمضيق ويبرر هذه الدولة، ووجد في اتجاه البحر في الجزيرة طريق في أعالي البحار أو طريق في منطقة اقتصادية خالصة، يكون ملائماً بقدر مماثل من حيث الخصائص الملاحية، ولكن هذا النوع من المرور البريء لا يجوز إيقافه وبذلك يختلف عن نظام المرور البريء الذي تمارسه الدولة في بحرها الإقليمي الذي لا يشكل مضيقاً حيث يمكنها إيقاف هذا المرور في أحوال وبشروط معينة، أما بالنسبة للغواصات فلا بد وهي تمارس المرور البريء في تلك المضايق أن تعبر وهي طافية ورافعة أعلامها، كذلك فإن الطائرات لا يمكنها أن تمارس التحليق، وفقاً للرأي الغالب في الفقه والعمل الدوليين، إلا بإذن من الدولة المشاطئة للمضيق.
الفصل الثالث : المنطقة المتاخمة
المنطقة المتاخمة هي منطقة من أعالي البحار تجاور مباشرة البحر الإقليمي للدولة الشاطئية وتباشر عليها بعض الاختصاصات في الشئون الاقتصادية والمالية والجمركية والصحية، كما يكون للدولة ممارسة بعض السلطات عليها من أجل المحافظة على أمنها على حيادها في حالة الحرب.

أولاً- المنطقة المتاخمة في إلغائه والعمل الدوليين:
لقد سلم الفقه الدولي بصفة عامة بمبدأ المنطقة المتاخمة كنتيجة حتمية للحاجة إلى حماية المصالح المادية والجمركية للدول البحرية، ومن ثم فإن المنطقة المتاخمة أصبحت نظاماً من أنظمة القانون الدولي العرفي قبل أن تدخل دائرة القانون الوضعي بتوقيع اتفاقية البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة.
ولقد أقرت المادة 1/24 من اتفاقية جنيف سنة 1958 فكرة المنطقة المتاخمة وأوردت مسألة مراقبة الهجرة من ضمن المسائل التي يمكن للدولة الساحلية حمايتها في هذه المنطقة، وأضافت الاتفاقية أنه لا يجوز أن تمتد هذه المنطقة إلى أثر من 12 ميلاً بحرياً وراء البحر الإقليمي.
ثانياً- المنطقة المتاخمة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982:
ترى بعض الدول أن وجود المنطقة الاقتصادية الخالص يعني عن وجود المنطقة المتاخمة ولكن في الحقيقة لا يمكن أن تكون المنطقة الاقتصادية بديلاً كاملاً لفكرة المنطقة المتاخمة من حيث النطاق الكافي إلا أنه تبقى هناك دائماً وظائف تؤديها المنطقة المتاخمة وتقصر المنطقة الاقتصادية على مجرد حقوق رقابة على بعض المسائل التي تتعلق بأمن وسلامة الدولة الساحلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه حين كانت اتفاقية 1958 تقرر تطبيق قاعدة خط الوسط في حالة التقابل أو التجاور بين سواحل دولتين عند عدم وجود مساحات مائية تكفي لحصول دولة على منطقة ملاصقة كاملة، فإن الاتفاقية الجديدة لم تشر إلى ذلك إطلاقاً، وعل ذلك يرجع إلى أن المنطقة الملاصقة هي من حيث نطاقها المكاني جزء من المنطقة الاقتصادية ومن ثم يسري عليها ما يسري على المنطقة الاقتصادية بشأن التحديد في حالة التقابل أو التجاور بين دولتين ساحليتين.
ولقد تضمنت اتفاقية 1982 حكماً جديداً يخول الدولة الساحلية في المنطقة الملاصقة بغية السيطرة على الاتجار بالأشياء ذات الطابع الأثري والتاريخي حق اقتراض أن من شأن انتشال هذه الأشياء من قاع البحر في هذه المنطقة، دون مرافقتها، خرق القوانين والأنظمة الجمركية أو الضريبية أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة داخل إقليمها.
الفصل الرابع : المنطقة الاقتصادية الخالصة
المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري مقيسة من خطوط الأساس الذي يبدأ منها قياس البحر الإقليمي من إحدى أوجه التطور الهامة التي استحدثتها اتفاقية البحار الجديدة من أجل تحقيق التوازن بين مختلف المصالح، وكما وأنها تعد أحد الخطوط الهامة على سبيل إعادة تنظيم القسم الوطني من البحر في مقابل البحر العام الذي تتعاون مجموعة من الدول إلى التوصل إلى أفضل وسيلة لاستغلاله في صالح شعوب العالم بصفة عامة.
المبحث الأول : حقوق وواجبات الدول في المنطقة الاقتصادية الخالصة
أولاً- حقوق الدولة الساحلية:
1- حقوق الدولة الساحلية على الموارد الطبيعية الحية وغير الحية:
فالدولة الساحلية لها حقوق سيادية بفرض استكشاف الموارد الطبيعية الحية وغير الحية المتجددة فيها وغير المتجددة لقاع البحر وباطن أرض ومياهه العارية واستغلال هذه الموارد وإدارتها.
والمحافظة على الموارد الحية في المتعلقة الاقتصادية واجب يتعين على الدولة الساحلية العمل على تحقيقه، مع السماح لرعايا الدول الأخرى بالصيد في المنطقة الاقتصادية في حالة عدم امتلاك الدولة الساحلية للقدرة على جني كمية الصيد المسموح لها.
2- ولاية الدولة الساحلية في قامة الجزر الصناعية والمنشآت:
للدولة الساحلية حق إقامة الجزر الصناعية والمنشآت والأبنية واستخدامها وهو حق تنفرد به وتكون لها الولاية الكاملة على ما تقوم بإنشائه منها، وتقوم الدولة الساحلية بتقرير عرض مناطق السلامة على أن تأخذ في اعتبارها المعايير الدولية المنطقية ولا يجوز أن تتجاوز مسافة 500 متر حولها، كما لا يجوز إقامة الجزر والمنشآت ومناطق السلامة إذا ترتب على ذلك تدخل في استخدام الممرات البحرية المعترف بها والضرورية للملاحة الدولية، ولا يكون للجزر والمنشآت بحر إقليمي خاص بها ولا يؤثر وجودها على تعيين حدود البحر الإقليمي.
3- البحث العلمي وصيانة البيئة البحرية:
للدولة الساحلية ولاية خالصة في القيام بالبحث العلمي وصيانة البيئة البحرية في نطاق المنطقة الاقتصادية، وكذا الحقوق والواجبات الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية ويتعين الحصول على موافقة الدول الساحلية بشأن أي بحث يتعلق بالمنطقة تقوم به دولة أخرى.
4- حق المطاردة الحثيثة:
تمتلك الدولة الساحلية حقاً في ممارسة المطاردة الحثيثة للسفن التي تنتهك القوانين التي وضعتها لتطبق في نطاق منطقتها الاقتصادية أو امتدادها القاري.
وعلى الدولة الساحلية عند ممارستها لحقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة، أن تراعي شرطين أساسيين هما:
أ- المراعاة الواجبة لحقوق الدول الأخرى وواجباتها، والتصرف على نحو يتفق وأحكام هذه الاتفاقية.
ب- ممارسة الحقوق الخاصة بقاع البحر وباطن أرضه وفقاً للأحكام الخاصة بالامتداد القاري.
ثانياً- التزامات الدول الساحلية:
1- أن تحظر عما تقوم بإنشائه من جزر صناعية أو منشآت ومبان.
2- أن تكفل عدم تعريض الموارد الحية لخطر الاستغلال المفرط.
3- أن تقوم بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية بينها وبين الدول المجاورة.
4- ألا تمتنع عن الموافقة في الأحوال العادية في التصريح للمؤسسات المؤهلة بإجراء الأبحاث العلمية في المنطقة.
الاقتصادية.
ثالثاً- حقوق الدول الغير:
لكافة الدول أن تمارس حرية الملاحة في المنطقة الاقتصادية بالإضافة إلى حق التحليق في الفضاء الذي يعلوها، وكذا إرساء الأسلاك ومد الخطوط الأنابيب وغير ذلك، وللدول غير الساحلية وكذلك الدول الساحلية التي تقع في منطقة إقليمية جزئية أو في منطقة إقليمية خصائصها الجغرافية تجعل هذه الدولة معتمدة على استغلال الموارد الحية حق المشاركة في استغلال الموارد الحية للمناطق الاقتصادية الخاصة بالدول الساحلية الملاصقة، وتحدد هذه المشاركة اتفاقيات ثنائية بين الدول.
رابعاً- التزامات الدول الغير:
1- يلتزم رعايا الدول الغير الذين يقومون بالصيد في المنطقة الاقتصادية بتدابير الحفظ.
2- على الدول الغير السعي نحو الاتفاق على ما يلتزم به تدابير لتنسيق وضمان وإنماء الأرصدة الملزمة.
3- أن تحترم سفنها مناطق السلامة التي تقيمها الدولة الساحلية حول منشآتها.
4- لا يجوز للدول غير الساحلية ولا للدول الساحلية المحصورة أو التي في وضع جغرافي غير ملائم أن تنقل الحقوق الممنوحة لها في استغلال الموارد الحية دون موافقة صريحة من الدول الساحلية.
خامساً- نطاق المنطقة الاقتصادية الخالصة:
تحكم المنطقة الاقتصادية الخالصة قاعدة المائتي ميل بحر كامتداد لنطاقها، وتقاس المائتا ميل من خطوط قياس البحر الإقليمي، وبالنسبة للدول المتقابلة أو المتجاورة يتم تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة عن طريق الاتفاق استناداً إلى القانون الدولي، وإذا تعذر الوصول إلى اتفاق خلال فترة معقولة، تلجأ الدول إلى أساليب تسوية المنازعات التي نصت عليها الاتفاقية.
المبحث الثاني : الطبيعة القانونية للمنطقة الاقتصادية الخالصة
يحكم المنطقة الاقتصادية مبدأ انتفاء السيادة الإقليمية عليها فالمنطقة الاقتصادية تعد جزءاً من أعالي البحار، وبالتالي كل دولة حرية الملاحة البحرية والجوية في المنطقة الاقتصادية وكذا حرية وضع الكابلات والأنابيب.
وينطبق قانون علم السفينة في المنطقة الاقتصادية، وغير أنه للدول الساحلية الحق في اتخاذ التدابير اللازمة ومن بينها الصعود على ظهر السفن وتفتيشها، واحتجازها وإقامة الدعاوى القضائية ضدها حسبما يقتضي الحال لضمان تنفيذ قوانينها وأنظمتها الموضوعية لممارسة حقوقها السيادية في استكشاف واستغلال وحفظ إدارة الموارد الحية في منطقتها الاقتصادية.
ومما تقدم يتضح أن المنطقة الاقتصادية ليست بحراً إقليمياً للدولة كما أنها ليست جزءاً من البحر العالي فهي تجمع بين خصائص البحر الإقليمي حيث السيادة الكاملة وأعالي البحار حيث الحريات المطلقة للكل الدول، لذا فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة ذات طابع قانوني خاص.
الفصل الخامس : الامتداد القاري
يرى غالبية الفقهاء أن قاع أعالي البحار وطبقات الأرض الواقعة تحته مالاً مباحاً يحق لأية دولة أن تستولي على جزء منه لتشغيله تحت مسئوليتها لخاصة وتستأثر به دون غيرها، على ألا يترتب على ذلك تعطيل الملاحة الدولية
ولما كان الامتداد القاري يعتبر دخلاً في أعالي البحار فقد حدا ذلك بفريق الفقهاء إلى القول بضرورة التمييز بين الرضع القانوني المياه أعالي البحار والوضع القانوني لقاع أعالي البحار وباطن ترتبه، على أساس أن فكرة المال المشترك لا يؤخذ بها إلا بالنسبة لنظام المياه في أعالي البحار، بينما قاع البحر وباطن ترتبه شيئاً مباحاً يقبل الاستيلاء بوضع اليد بقصد استغلال ثرواته، ونظراً لما ينطوي عليه هذا المفهوم من مخاط فقد نادى البعض بتغيير هذا المبدأ بحيث لا يجوز وضع اليد على قاع الامتداد القاري واستغلاله هو والثروات الكامنة فيه إلا بمعرفة الدول الساحلية.
أولاً- النظام القانون للامتداد القاري في ظل اتفاقية جنيف لعام 1958:
1- تعريف الامتداد القاري:
هو:
أ- قاع البحر وما تحته من المساحة الممتدة تحت الماء المجاورة للشاطئ خارج نطاق البحر الإقليمي حتى عمق مائتي متر أو إلى أبعد من ذلك متى كان عمق المياه يسمح باستغلال الموارد الطبيعية للمساحة المذكورة.
ب- قاع البحر وما تحته من المساحات المماثلة المجاورة للجزر.
2- حقوق الدولة السياحية على الامتداد القاري:
أ- تباشر الدولة الساحلية حقوق السيادة على الامتداد القاري بقصد اكتشافه واستغلال موارده الطبيعية.
ب- الحقوق التي تكتسبها الدولة الساحلية حقوق خاصة لا يجوز للغير المطالبة بها من غير موافقة صريحة من دولة الساحل.
ج- لا تستند الحقوق على الامتداد القاري إلى وضع اليد على إعلان صريح بذلك.
د- تشمل الموارد الطبيعية المعادن وغيرها من الموارد الحية الكائنة في قاع البحر أو تحته.
ويتمدد نطاق هذه الحقوق باكتشاف واستغلال موارده الطبيعية مع ما يتبع ذلك من إقامة المنشآت وتشغيل الأجهزة الضرورية لمباشرة هذه العمليات، ولكل دولة ساحلية الحق في أن تقيم مناطق أمن وسلامة حول ما تبنيه من منشآت أو تضعه من أجهزة، وتمتد هذه المناطق إلى مسافة 500 متر حول المنشآت والأجهزة وعلى سفن الدول احترام هذه المناطق أثناء عبورها في أعالي البحار.
والمقصود باستغلال الموارد الطبيعية في منطقة الامتداد القاري هو مصادر الثروة المعدنية في قاع البحر وتحت القاع، والمصادر غير الحية الأخرى الكائنة في قاع البحر وباطن الأرض والأحياء المائية من الفصائل الثابتة المستديمة وغير المتحركة، أما الأسماك والموارد الحية المتحركة فلا تدخل في نطاق الموارد الطبيعية التي يكون للدولة السياحية حق الإنفراد باستغلالها في منطقة الامتداد القاري.
3- احترام الحريات التقليدية لأعالي البحار في المياه التي تعلو الامتداد القاري:
إن القيام بعمليات الاكتشاف والاستغلال لموارد الامتداد القاري الطبيعية يجب ألا يؤدي إلى عرقلة غير مشروعة للملاحة أو الصيد أو المحافظة على الموارد الحية للبحر، ولا إلى التدخل في الأبحاث العلمية التي تجري بقصد تعميم نشرها، ولا إلى عرقلة وضع أو صيانة الأسلاف والأنابيب الموضوعة على الامتداد القاري.
4- الأحكام الخاصة بتحديد الامتداد القاري في حالة الدول المتقابلة:
في حالة وجود الامتداد القاري بين دولتين ساحليتين، فإن ما يختص به كل دولة منهما يتحدد عن طريق الاتفاق بينهما، فإن لم يكن هناك اتفاق خاص ولم تقتض ظروف خاصة التحديد على وجه آخر، يكون الحد بينهما هو الخط الأوسط بين أقرب النقط التي يبدأ منها قياس البحر الإقليمي لكل منهما، وفي حالة الدول الساحلية المتجاورة يكون حد العتبة القارية التي تختص بها كل منها امتداد حدود مياهها الإقليمية.
ثانياً- النظام القانوني للامتداد القاري في ظل اتفاقية الأمم المتحدة للبحار عام 1982:
رأت بعض الدول أن تبني فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة يعني عملاً إلغاء فكرة الامتداد القاري على أساس أن هذا الامتداد سيعتبر جزءاً من المنطقة الاقتصادية إذا واقع داخله، وعلى العكس من ذلك ذهب البعض الآخر إلى ضرورة الإبقاء على فكرة الامتداد القاري مع إعادة النظر في معيار تحديده نظراً لعدم الدقة والتناقض في المعيارين اللذين أخذت بهما اتفاقية عام 1958، ومع ذلك فقد كان هناك شبه إجماع في الآراء بين أعضاء المؤتمر على ضرورة استمرار اعتبار المياه التي تعلو الامتداد القاري فيما يجاوز البحر الإقليمي أو مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة جزءاً من أعالي البحار.
1- تعريف الامتداد القاري:يشمل الامتداد القاري قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء البحر الإقليمي للدولة الساحلية في جميع أنحار الامتداد الطبيعي لإقليم الدولة البري حتى الطرف الخارجي للحافة القارية، أو إلى مسافة 200 ميل بحري من خطوط الأساس للبحر الإقليمي إذا لم يكن الطرف الخارجي للحافة القارية يمتد إلى تلك المسافة.
وهذا يعني أن الامتداد القاري بحسب هذه الاتفاقية يتجاوز اتساع المنطقة الاقتصادية الخالصة، ويعني من جهة أخرى العدول عن المعيار المزدوج الذي تبنته اتفاقية 1958 والذي كان يقوم على العمق أو القدرة على الاستغلال إلى معيار مزدوج آخر يستند إلى نهاية الحافة القارية أو مسافة 200 ميل بحري، ولكي لا يؤدي ذلك إلى التعدي على المنطقة الدولية قررت الاتفاقية حداً أقصى يقدر بمسافة 350 ميلاً مقيسة من خطوط الأساس التي يقاس بها البحر الإقليمي.
2- حقوق الدولة الساحلية:هي حقوق سيادية خالصة وانفرادية، وللدولة الساحلية نفس الحقوق التي نصت عليها اتفاقية جنيف لعام 1958، على أن اتفاقية عام 1982 قد استحدثت نظاماً جديداً بشأن المدفوعات والمساحات المتعلقة باستغلال الامتداد القاري فيما وراء مسافة المائتي ميل بحري وذلك على الشكل التالي:
أ- تقدم الدولة الساحلية مدفوعات مالية أو مساهمات عينية لقاء استغلال الموارد غير الحية للامتداد القاري وراء مسافة المائتي ميل بحري.
ب- تعد الدول النامية التي هي مستوردة صافية لمورد معدني ينتج من امتدادها القاري من تقديم هذه المدفوعات لقاء ذلك المورد المعدني.
ج- تقدم المدفوعات أو المساهمات عن طريق السلطة التي تتولى توزيعها على الدول الأطراف في الاتفاقية على أساس معايير التقاسم المنصف آخذ في الاعتبار مصالح الدول النامية واحتياجاتها.
ومما تقدم يتضح أن هناك مناطق في الامتداد القاري لا تتمتع فيها الدول بحقوق سيادية خالصة أو انفرادية على امتدادها القاري وإنما حقوق استغلال أو ارتفاق وهي تلك المساحات التي تزيد على 200 ميل بحري على 350 ميلاً بحرياً.
3- حريات أعالي البحار في المياه التي تعلو الامتداد القاري:
حددت اتفاقية 1982 الطبيعة القانونية للمياه التي تعلو الامتداد القاري على الشكل التالي:
أ- لا تمس حقوق الدولة الساحلية على الامتداد القاري النظام القانوني للمياه العلوية أو للحيز الجوي فوت تلك المياه.
ب- لا يجب أن تتعدى ممارسة الدولة الساحلية لحقوقها على الامتداد القاري على الملاحقة وغيرها من حقوق وحريات الدول الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية، أو تسفر عن أي تدخل لا مبرر له في تلك الملاحة والحقوق والحريات.
ج- حق جميع الدول في مد الكابلات والأنابيب المغمورة على الامتداد القاري.
4- تعيين حدود الامتداد القاري بين الدول المتلاصقة أو المتقابلة يتم تعيينها على الشكل التالي:
أ- الاتفاق على أساس القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل منصف.
ب- إذا تعذر التوصل إلى حل في غضون فترة معقولة من الزمن لجأت الدول المعنية إلى الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقية.
ج- على الدول المعنية إلى حين التوصل إلى اتفاق بينها أو تتعاون من أجل التوصل لترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي مع عدم إعاقة أمام التوصل إلى اتفاق نهائي، ومثل ذلك لا ينال من أمر التعيين النهائي للحدود.
د- إذا كان هناك اتفاق نافذ بين الدول المعنية، تعين الفصل في مسألة حدود الامتداد القاري وفقاً لأحكام هذا الاتفاق.
الفصل السادس : أعالي البحار
يقصد بأعالي البحار كل أجزاء البحار والمحيطات التي لا تدخل في البحر الإقليمي أو المياه الداخلية لدولة من الدول، والتي يكون لكل الدول الحق في استعمالها على قدم المساواة.
المبحث الأول : الوضع القوانين لأعالي البحار
يقصد بأعالي البحار كل أجزاء البحار والمحيطات التي لا تدخ في البحر الإقليمي أو المياه الداخلية لدولة من الدول، والتي يكون لكل الدول الحق في استعمالها على قدم المساواة.
-لقد كان الوضع القانوني للبحار العالية يتراوح بين مبدأ تبعيتها لبعض الدول ومبدأ حريتها الكاملة، وكان أنصار كل مبدأ يسوغون مذهبهم بحجج وأسانيد مختلفة لكل منها فيما يلي:
أولاً- أنصار مبدأ تبعية البحار:
1- طبيعة الأوضاع الجغرافية لبعض الدول تؤدي إخضاع البخار المحيطة بها لسيادتها وملكيتها.
2- للدول أن تكتسب ملكية البحار إذا ما صدرت لصالحها بذلك منحة من الباب بوضعه ممثل الرب الذي يملك الكون بأسره.
3- اكتشاف البحار يخول الدول لمكتشفة حق ملكية البحر الذي تم اكتشافه.
4- أن وضع اليد على الإقليم الذي يجاوز بحراً من البحار ترتب عليه إخضاع البحر المجاور لسيادة الدولة.
ثانياً- أنصار مبدأ حرية البحار:
ويسوغون مذهبهم بالحجج الآتية:
1- البحار بطبيعته الجغرافية لا تقبل وضع اليد ولا تقبل الحيازة.
2- الاستعمال الدائم والمستمر للبحار لا يترتب عليه النقص فيها أو زوالها.
ولقد انتهي النزاع بانتصار مبدأ حرية الملاحة في البحار العالية ولكن الخلاف انحصر فيما يتعلق بالطبيعة القانوني للبحار العالية فكان هناك رأيين:
الأول: يرى أن البحار العالية هي مال مباح أو لا ملك له.
نقد: هذا الرأي يؤدي إلى إمكانية أن تكون البحار محلاً للتملك عن طريق الاستيلاء أو وضع اليد.
الثاني: يرى أن البحار العالية هي ملكية مشتركة لجميع الأسرة الدولية.
نقد: يترتب على هذا الرأي أن البحار يمكن أن تدخل في نطاق الملكية ويجوز بالتالي أن تخضع لحقوق السيادة.
ولقد تفادت اتفاقية جنيف للبحار العالية سنة 1958 أن تطلق أي من الأوصاف القانونية السابقة ولكنها أكدت مبدأ حرية الملاحة فيها لجميع الدول في حدود حقين ثابتين هما: حق الاتجار وحق الاتصال عبر البحر.
وهناك مبادئ أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار تحكم منطقة قاع البحار والمحيطات فيما يجاوز حدود الولاية الإقليمية للدول فيما يلي:
1- ليس لأي دولة أن تدعي أو تمارس السيادة أو الحقوق السيادية على جزء من المنطقة أو مواردها.
2- أن جميع الحقوق في موارد المنطقة ثابتة للبشرية جمعاء..
3- تجري الأنشطة في المنطقة لصالح الإنسانية جمعاء بصرف النظر عن الموقع الجغرافي للدولة، مع مراعاة خاصة للدول النامية والشعوب التي لم تنل استقلالها بعد.
3- تهيئ السلطة لتقاسم الفوائد المالية وغيرها من الفوائد الاقتصادية المستمدة من المنطقة تقاسماً منصفاً.
المبحث الثاني : النتائج المترتبة على حرية أعالي البحار
أولاً- حرية الملاحة في أعالي البحار:
إن الدول فيما يتعلق بحرية الملاحة في أعالي البحار متساوية بغض النظر عن مواقعها الجغرافية واتصالها المباشر أو غير المباشر بالبحار، ويجب أن يكون لكل سفينة علم يدل على جنسيتها لمعرفة الدولة التي تتبعها والرجوع إليها عند الاقتضاء.
وينبني على حق الجميع الدول بلا استثناء في حرية الملاحة في أعالي البحار أن الدول التي ليس شواطئ تطل على البحار التي تمنحها على أساس التبادل، حرية المرور في إقليمها.
ثانياً- حرية التحليق:
للطائرات التابعة لأية دولة سواء كانت عامة أو تجارية أو خاصة أن تطير عبر أعالي البحار وعلى أي ارتفاع كان ولكن عليها التقيد بالقانون والتعليمات التي تصدرها كل دولة تنظيماً لطائراتها وخطوطها الجوية وما تفرضه الاتفاقات الدولية التي أبرمت بغرض تأمين سلامة الطيران.
ثالثاً- حرية وضع الكابلات وخطوط الأنابيب:
إن ممارسة هذه الحرية أمر نظري بحت، وذلك أنه لا يمكن ممارستها في الغالبية العظمى من الحالات إلا عن طريق الاتفاقيات الدولية، ولقد قررت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 عدة ضوابط على الدول إزاء بعضها في هذا الشأن تتلخص فيما يلي:
1- يجب ألا يكون حق الدولة الشاطئية في استثمار امتدادها القاري عائقاً لحق الدول الأخرى في وضع الكابلات وخطوط الأنابيب.
2- التزام الدول التي ترسي الكابلات والأنابيب بمراعاة ما يكون على القاع من كابلات أو أنابيب أخرى.
3- تلتزم كل دولة بإصدار التشريعات اللازمة بمعاقبة رعاياها أو سفنها التي تتسبب في هذا التلف أو الضرر.
4- تلتزم كل دولة بإصدار التشريعات اللازمة بإلزام كل دولة بإصدار التشريعات اللازمة بإلزام رعاياها ممن يملكون كابلات أو أنابيب بدفع التعويضات لمالكي السفن التي تصيبها أضرار مادية من جراء التضحيات التي ضمت بها هذه السفن في أثناء الملاحة للمحافظة على سلامة هذه الكابلات أو الأنابيب الراسية على قاع البحر.
رابعاً- حرية إقامة الجزر الصناعية وغيرها من المنشآت:
ويشترط لممارسة هذا الحق أن تكون هذه الإنشاءات غير متعارضة مع أحكام القانون الدولي.
خامساً- حرية صيد الأسماك:
الصيد في أعالي البحار مباح لجميع الدول كنتيجة لحرية هذه البحار ولكن يجب على سفن كل دولة عند ممارستها لهذا الحق ألا تسبب لغيرها أية مضايقات أو عراقيل أمام سفن الدول الأخرى التي تقوم بالصيد في نفس المنطقة وألا تستخدم وسائل من شأنها أن تؤدي إلى انقراض الأسماك في هذه المنطقة.
ولقد أبرمت عدة اتفاقيات دولية من أجل تنظيم الأسماك في مناطق معينة من البحار منها اتفاقية جنيف 1958 واتفاقية 1982.
أما فيما يتعلق بتدابير حفظ الموارد الحية لأعالي البحار عند قيام الدول بتحديد كمية الصيد المسموح بها فقد التزمت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 الدول بما يلي:
1- أن تتخذ تدابير تهدف إلى صون الأرواح التي يتم صيدها أو تحديدها بمستويات يمكن أن تدر أقصى غلة، مع مراعاة أنماط الصيد والترابط بين السلالات السمكية.
2- أن تضع في اعتبارها ما يترتب على ذلك من آثار على الأنواع التي يتم صيدها أو المعتمدة عليها.
سادساً- حرية البحث العلمي:
وتعني حق كل دولة في أن تجري في أعالي البحار من الأبحاث والتجارب العلمية ما تشاء بشرط التقيد بأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982.
المبحث الثالث : القيود التي ترد على مبدأ حرية أعالي البحار
إن قاعدة حرية أعالي البحار ليس مطلقة بل ترد عليها بعض القيود، وبالتالي يجوز أن تخضع السفينة لاختصاص دولة أخرى غير دولة العلم في الحالات التالية:
أولاً- حظر نقل الرقيق:
ظهرت فكرة مكافحة الرقيق في القرن التاسع عشر وبذلت جهود كبيرة من جانب الدول للقضاء على هذه الظاهرة، وأبرمت عدة اتفاقيات لحظر نقل الرقيق منها اتفاقية جنيف لعام 1958 واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982.
ثانياً- مكافحة القرصنة:
لم تتضمن الاتفاقيتين السابقتين تعريفاً للقرصنة، واكتفت بتعداد التي تعد من قبيل القرصنة، وتعتبر القرصنة جريمة بحرية موجهة ضد الجماعة الدولية بأسرها ولذلك اعتبر القرصان مجرداً من الجنسية وليست له حقوق تحميه.
ومن حق أي دولة في أعالي البحار أو في أي مكان آخر خارج ولاية أية دولة أن تضبط أن سفينة أو طائرة قرصنة ما، أو أية سفينة أو طائرة أخذت بطريق القرصنة، وكانت واقعة تحت سيطرة القرصنة وأن تقبض على من فيها من أشخاص وتضبط ما فيها من ممتلكات، ولمحاكم الدولة التي قامت بعملية الضبط أن تقرر ما يفرض من العقوبات وتقرر الإجراء الذي يتخذ بشأن الطائرات أو السفن أو الممتلكات مع مراعاة حقوق الغير حسن النية ولا تقوم بهذه المهام إلا سفن أو طائرات عسكرية أو حربية أو غيرها ممن تحمل علامة واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية ومأذون لها بذلك والدولة التي تمارس عملية الضبط ويثبت أنها كانت دون مبررات كافية تتحمل تبعة المسئولية الدولية في مواجهة الدولة التي تحمل السفينة المضبوطة عملها.
ثالثاً- مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد التي تؤثر على العقل:
تناولت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 على عكس اتفاقية جنيف 1958 مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغيرها من الموارد الذي يؤثر على العقل حيث طالبت الدول بالتعاون لمكافحة ذلك، ولكن بالمقابل هناك حالات تمثل اتجاراً مشروعاً للمخدرات عندما يتم بين حكومات الدول لأغراض تهم الصحة العامة وسلامة المجتمع كصناعة الأدوية وغيرها.
رابعاً- قمع البث غير المشروع:
هو البث الذي تقوم به محطات مملوكة خاصة بواسطة سفن راسية أو مجرات في أعالي البحار، وإذا كانت هذه المحطات ممنوعة طبقاً لقواعد اتحاد المواصلات السلكية واللاسلكية فإن المسئولية تقع على الدولة التي سجلت بها السفينة.
خامساً- حق الزيارة والتفتيش:
يخول العرف الدولي للسفن الحربية في أعالي البحار في أحوال استثنائية محددة حق الاقتراب من السفن الخاصة أو أن تطلب منها رفع عمليها للتحقق من جنسيتها وعلة ذلك ما تمليه دواعي الأمن والنظام في أعالي البحار في الحالات التي تقوم فيها سفن خاصة بأعمال محرمة قانوناً.
وأقرت اتفاقية جنيف لعام 1958 ذلك كما نصت اتفاقية 1982 على الحالات التي يجوز فيها حق الاقتراب والزيارة وهي:
1- أن تعلم السفينة في القرضة أو في تجارة الرقيق أو في البث الإذاعي غير المسموح به.
2- أن السفينة من دون جنسية.
وفي جميع الأحوال يجب أن تكون السفينة أو الطائرة التي تقوم بعملية التفتيش تحمل علامات واضحة تدل على أنها قائمة بخدمة حكومية.
سادساً- حق المطاردة الحثيثة:
تقوم المطاردة الحثيثة لسفينة أجنبية في الحالة التي تتوافر فيها لدى السلطات المختصة للدولة الشاطئية أسباب تدعوها للاعتقاد بأن سفينة أجنبية قد خرقت قوانين أو أنظمة تلك الدولة، ويجب أن تبدأ المطاردة الحثيثة عندما تكون السفينة الأجنبية موجودة في المياه الداخلية أو في المنطقة المجاورة للدولة الساحلية التي تقوم بالمطاردة وذلك وفقاً لاتفاقية جنيف عام 1958.
أما اتفاقية البحار لعام 1982 فقد وضعت الضوابط التالية:
1- وجود أسباب وجيهة تبرر المطاردة الحثيثة.
2- يجب أن تبدأ المطاردة الحثيثة عندما تكون السفينة الأجنبية أو أحد زوارقها داخل المياه الداخلية أو المياه الأرخبيلية أو البحر الإقليمي أو المنطقة المتاخمة للدولة القائمة بالمطاردة.
3- لا يجوز مواصلة المطاردة خارج البحر الإقليمي أو المنطقة المتاخمة إلا إذا كانت المطاردة لم تنقطع.
4- إذا كانت السفينة الأجنبية موجودة داخل منطقة متاخمة لا يجوز القيام بالمطاردة إلا إذا كانت هناك انتهاك للحقوق التي أنشئت المنطقة من أجل حمايتها.
5- لا تجوز المطاردة في المنطقة الاقتصادية الخالصة إلا إذا كانت هناك انتهاك للحقوق التي أنشئت المنطقة من أجل حمايتها أو أن هناك انتهاكاًَ للحقوق المقررة على الجرف القاري.
6- ينتهي حق المطاردة الحثيثة بمجرد دخول السفينة التي تجري مطاردتها البحر الإقليمي للدولة التي تنتمي إليها أو البحر الإقليمي لدولة أخرى.
7- لا يجوز بدء المطاردة قبل إعطاء إشارة ضوئية أو صوتية بالتوقف من مسافة تستطيع معها السفينة الأجنبية أن ترى الإشارة وتسمعها.
8- لا يجوز أن تمارس حق المطاردة الحثيثة إلا سفن حربية أو طائرات عسكرية أو غيرها من السفن أو الطائرات التي تحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية أو مأذون لها بذلك.
9- لا يكفي مجرد الشبهة لاحتجاز السفينة خارج البحر الإقليمي أو مجرد مشاهدة السفينة وهي ترتكب الانتهاك إلا إذا كانت السفينة قد أمرت بالوقوف وطوردت من قبل سفينة أو طائرة تابعة للدولة.
10- في حالة إيقاف أو احتجاز سفينة خارج البحر الإقليمي في ظروف لا تبرر ممارسة حق المطاردة الحثيثة تعوض عون أي خسارة أو ضرر يكون قد لحق بها نتيجة لذلك.®
القسم الرابع : العلاقات الدولية
تأخذ العلاقات الدولية عدة صور حيث يمكن أن تكون ذات طابع اتفاقي ومن ذلك التمثيل الخارجي والمعاهدات، غير أن هناك صوراً أخرى من العلاقات الدولية تتم على غير الشكل الاتفاقي ألا وهي علاقات المسئولية الدولية التي تترتب على الإخلال بأحد الواجبات التي يقررها القانون الدولي، وقد يكون هذا الإخلال بواجب أدبي فلا يتبعه سوى مسئولية أدبية، وقد يكون الإخلال بواجب قانوني وهو ما يرتب مسئولية الدولة القانونية وهذه الأخيرة هي موضوع دراستنا الحالية.
الباب الأول : ممثلو الدول في العلاقات الخارجية
إن تمتع الدول بالشخصية القانونية يستلزم وجود إرادة قانونية لها وينقسم الجهاز الذي يتولى التعبير عن إرادة الدولة إلى قسمين: فرع يتولى التعبير عن إرادة الدولة في الداخل ويطلق عليه اسم الحكومة المركزية، وفرع يتولى التعبير عن إرادة الدولة في الخارج وهو عبارة عن البعثات الدبلوماسية التي ترسلها الدولة إلى الدول الأخرى والمنظمات الدولية لتمثيلها والتعبير عن رأيها في مختلف المسائل المشتركة بالإضافة إلى بعثات أخرى قنصلية بعهد إليها باختصاصات يغلب عليها الطابع الإداري والتجاري.
ومما تجدر الإشارة إليه أن التصرفات التي تصدر عن هؤلاء الأفراد في مباشرتهم لوظائفهم، سواء أكانوا من أجهزة التعبير عن إرادة الدولة من الداخل أو من أجهزة عن إرادة الدولة في الخارج، إنما هي تصرفات صادرة من الدول ذاتها، فتنسب لها وتنصرف كافة آثارها القانونية عليها، فهم جميعاً في مباشرتهم لأعمالهم إنما يؤدونها بصفتهم ممثلين لدولتهم.
الفصل الأول : الجهاز الداخلي المختص بإرادة العلاقات الدولية
المبحث الأول : رئيس الدولة
لكل دولة رئيس أعلى يحددها دستورها ويمثلها في علاقاتها مع الدول الأخرى، ورئيس الدولة إما أن يكون عاهلاً أو رئيساً للجمهورية أو مباحاً وأياً كان شكل الرئاسة أو تكوينها فإن لرئيس الدولة دوراً أساسياً في التمييز الشئون الخارجية بل هو الممثل الأول لدولته فهو يرسل ويستقبل البعثات الدبلوماسية والقنصلية ويبرم المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
ولقد جرى العرف على التزام الدولة بأن تخطر الدول الأخرى بشخص رئيسها وألقابه وعلى هذه الدول الاعتراف به كممثل أعلى للدولة والاعتراف برئيس الدولة هو اعتراف بالحكومة التي يمثلها، ويعد الامتناع عن الاعتراف برئيس استقرت له مقاليد الأمر في دولته تدخلاً في الشئون الداخلية لدولته وهو ما لا يجيزه القانون الدولي، أما فيما يتعلق بالألقاب فقد جرت العادة بين الدول على أن لا ترفض الاعتراف بلقب رئيس الدولة إلا في الحالات التي يتعارض فيها منح هذا اللقب مع قواعد القانون الدولي أو مصالح الدول الأخرى.
أولاً- دور رئيس الدولة في العلاقات الخارجية:
رئيس الدولة له سلطات واسعة في ميدان العلاقات الدولية، فله سلطة التفاوض بشأن المعاهدات الدولية وإبرامها والتصديق عليها، وسلطة إعلان الحرب كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا ينفي هذه السلطة ضرورة موافقة البرلمان بالإجماع، في بعض الأحوال كما في معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة كما يتعمد رئيس الجمهورية ممثلي الدول الأجنبية السياسيين.
ويكون لرئيس الدولة في بعض الأنظمة الدستورية دور رئيسي في مباشرة هذه السلطات ويعاونه في أدائه لهذه المهام وزير الخارجية والمبعوثين الدبلوماسيين في حين يكون وزير الخارجية في ظل أنظمة أخرى هو المسئول الأول في هذه المجالات.
ويتقيد اختصاص رئيس الدولة في ميدان العلاقات الدولية بالحدود الواردة في دستور أحوال لا بد من اشتراك رئيس الجمهورية مع السلطة التشريعية في اتخاذ التصرفات الهامة في ميدان العلاقات الدولية كالموافقة على المعاهدات، ولكن ثار التساؤل حول مدى صحة هذه التصرفات ومدى إلزامها إذا اتخذها رئيس الدولة مخالفاً لدستور دولته.
- يذهب قلة من الشراح أن هذه التصرفات لا تكون ملزمة للدولة لمخالفة رئيس الدولة للدستور الداخلي.
- يذهب غالبية الفقه الدولي إلى أنها ملزمة للدولة وذلك لأن تصرفات رئيس الدولة في هذه الحالات تكون صادرة من شخص مختص بإعلان إرادة الدولة وإن القول يغير صحة تصرفاته في هذا الشأن يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار العلاقات الدولية فضلاً عن أنه من العسير على الدول الأخرى التحقق من هذه النصوص وحتى لو أمكن لها هذا فإن محاولة البحث في مدى سلطات رئيس الدولة للتثبت من مدى اتفاق تصرفاته مع أحكام الدستور بعد تدخلاً في شئون الدولة الداخلية وعلى هذا فقد جرى العمل الدولي على اعتبار أن القيود الدستورية لا تحدث آثارها إلا في الدائرة الداخلية ويقتصر أثر مخالفتها على مساءلة رئيس الدول في ظل هذا النظام.
ثانياً– امتيازات وحصانات رئيس الدولة:
يتمتع رئيس الدولة بمركز خاص باعتباره الممثل الأعلى للدولة في علاقاتها الخارجية ويكون شخصه محل رعاية خاصة من سائر الدول الأخرى، ويتمتع بمجموعة من الامتيازات والحصانات التي تكفل له الرعاية والاحترام وعدم المساس بسيادة الدولة التي يرأسها ويحظى رئيس الدولة بهذا الاحترام والرعاية سواء أكان على إقليم دولته أو على إقليم دولة أخرى، فيجب توفير الحماية له وفرض أشد العقوبات على من يحاول المساس بسلامته أو الاعتداء عليه كما يتمتع بحصانة قضائية ويعفى من الضرائب والرسوم الجمركية، ويمتد التمتع بهذه الامتيازات والحصانات إلى أفراد الأسرة رئيس الدولة ومرافقته.
ولكن ينتهي تمتع رئيس الدولة بالامتيازات والحصانات بزوال صفته كرئيس للدولة سواء كان ذلك بسبب انتهاء مده رئاسته أو تنازل عنها أو بسبب العزل السياسي، على أن العمل الدولي جرى على أن تحتفظ الدول ببعض هذه الامتيازات والحصانات لرؤساء الدول السابقين على سبيل المجاملة.
المبحث الثاني : وزير الخارجية
أولاً- اختصاصات وزير الخارجية:
وزير الخارجية هو الشخص الذي يعاون رئيس الدولة في مباشرة اختصاصاته والإشراف على العلاقات الخارجية وسبب وجوده عدم قدرة رئيس الجمهورية بمفرده على ممارسة هذه الاختصاصات.
ويعد وزير الخارجية حلقة الاتصال الفعلي بين دولته والدول الأخرى مما يخول له سلطة التفاوض وتوقيع المعاهدات باسم رئيس الدولة ورعاية مصالح دولته قبل الدول الأخرى، وقد جرى العرف نظراً لأهمية دور وزير الخارجية على أن تقوم الدول بإبلاغ الدول الأخرى بشخص وزير الخارجية وأي تغيرات تطرأ على هذا المنصب.
وتختلف اختصاصات وزير الخارجية من نظام دستوري إلى آخر ولكن يمكن حصر أهمها فيما يلي:
1- رئاسة البعثات الدبلوماسية والقنصلية التي توفدها الدولة إلى الدول الأجنبية.
2- الاتصال بوزارات الخارجية بالدول الأخرى وبرؤساء بعثاتهم الدبلوماسية في دولته.
3- التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات باسم رئيس الدولة.
4- يكون مسئول عن تنفيذ سياسة الدولة الخارجية أمام الملك أو أمام البرلمان في ظل الأنظمة البرلمانية.
5- يحدد مواقف دولته السياسية ووجهة نظرها فيما يتعلق ببعض المشاكل الدولية عن طريق مؤتمرات صحفية تعقد بهدف إطلاع الرأي العام العالمي على سياسة دول في مواجهة المتغيرات السياسية والأزمات الدولية.
ويعد كل ما يصدر عن وزير الخارجية بوصفه ممثلاً لدولته في الشئون الخارجية ملزماً لدولته ومنتجاً لكافة آثاره القانونية حتى إذا تجاوز حدود الاختصاصات التي خولها له الدستور.
ثانياً- امتيازات وحصانات وزير الخارجية:
يعبر وزير الخارجية عن إرادة دولته تأرجياً ما يعتبر رئيس الإداري للجهاز الدبلوماسي للدولة لذا يجب أن يحاط بالاحترام والتقدير وأن يتم استقباله ووداعه رسمياً إذا كان في زيادة دولة أخرى ويجب أن يتمتع بالحصانات القضائية والمالية، ويجب أن يحاط وجوده بحماية مادية كافية لدرء أي محاولة للاعتداء على شخص.
وفيما يتعلق بالحصانة القضائية فهي كاملة ومطابقة بالنسبة المحاكمة الأجنبية لكنها ليست كذلك فيما يتعلق بالمسائل المدنية حيث لا تشمل هذه الحصانة إلا الأعمال الرسمية لوزير الخارجية فتظل أعماله الخاصة خاضعة لاختصاص محاكم الدولة الأجنبية.
أما الحصانات المالية، فتقضي قواعد المجاملات بإعفاء حقائب وزير الخارجية من التفتيش الجمركي، وذلك بهدف المحافظة على أسرار الدولة التي يمثلها، ويلاحظ أن زوجة وزير الخارجية وأولاده ومرافقي رحلاته الرسمية خارج البلاد يتمتعون بنفس المركز القانوني الممتاز الذي يتمتع به وزير الخارجية بما يشاء من حصانات وامتيازات.
المبحث الثالث : القائد العام للقوات المسلحة
يمثل القائد العام للقوات المسلحة دولته في وقت الحرب فقط وينحصر ذلك في المسائل المتعلقة بالعمليات العسكرية أو إنهائها، فله إبرام الاتفاقيات الخاصة بالتبادل أسرى الحرب أو وقف القتال أو الهدنة المؤقتة أو الدائمة أو التسليم وتكون مثل هذه الاتفاقيات ملزمة للدول عادة دول حاجة إلى التصديق عليها.
الفصل الثاني : البعثات الدبلوماسية
أولاً- تطور نظام التمثيل الدبلوماسي:
عرف التمثيل الدبلوماسي منذ القدم، فقد جرى العمل بين الدول متى منتصف القرون الوسطى على أن يتم الاتصال بينها عن طريق بعثات مؤقتة أو عارضة تكلف بمهام خاصة تؤديها لدى الدول الأجنبية وكان يعترف لهؤلاء المبعوثين بمزايا وحصانات خاصة ويحظون بتكريم الدول الموفودين لها.
ومع تزايد الاتصال بين الدول وتداخل مصالحها، ازدادت أهمية وضرورة وجود مبعوثين دائمين لها لدى الدول الأجنبية لرعاية هذه المصالح والعمل على توطيد الروابط بينها.
وتطور الأمر بشكل كبير خلال القرن التاسع عشر وخاصة بعد ظهور ما يسمى بمؤتمر السفراء وهي مؤتمرات يعقدها المبعوثين الدبلوماسيون الدائمون بصفة دورية في عاصمة من إحدى العواصم الكبرى لبحث مختلف المسائل التي تهم بلادهم لمناقشة الشئون الدبلوماسية للقارة الأوربية بصفة عامة.
ويرجع استقرار نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم على المستوى الدولي والعالمي إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حيث ازداد عدد الدول المستقلة التي تملك تبادل البعثات الدبلوماسية وساهم في ذلك إنشاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من جهة وازدياد الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مختلف دول العالم من جهة أخرى.
ثانياً- مصدر القواعد المنظمة للتمثيل الدبلوماسي:
يعد النظام القانوني للمبعوثين الدبلوماسيين من أول النظم الدولية القانونية التي استمدت مصدرها الأساسي من العرف الدولي، وفي فترة لاحقة تمر إقرار لائحة فيينا لمرتبة الممثلين الدبلوماسيين عام 1815، ثم تطور الأمر ليصبح الأمر محل للاتفاقيات الدولية حيث حققت اتفاقية لاشابل في هافانا عام 1928 في شأن الامتيازات والحصانات الدبلوماسية، بالإضافة للعدد من الاتفاقيات الثنائية والتي تتناول تنظيم بعثاتها الدبلوماسية وقواعد تبادل المبعوثين الدبلوماسية، وبجانب هذه الاتفاقيات فقد حاولت الدول في إطار تشريعاتها الداخلية تقنين قواعد العرف الدولي في هذا المجال.
- غير أن الاستناد إلى العرف الدولي بجانب الاتفاقيات الدولية التي تناولت بعض جوانب العلاقات الدبلوماسية بالتنظيم لم يعد كافياً في ظل المتغيرات الدولية في هذا المجال لذلك بقيت الحاجة ملحة إلى تقنين قواعد العلاقات الدبلوماسية وذلك نتيجة تطور وظائف البعثات الدبلوماسية التي أصبحت تهدف إلى رعاية مصالح الأمة وليس مصالح الرئيس الشخصية من جهة نتيجة بداية عصور التنظيم الدولي الذي بدأت بإنشاء عصبة الأمم ومن ثم الأمم المتحدة من جهة ثانية.

المبحث الأول : تبادل البعثات الدبلوماسية
أولاً- الطبيعة القانونية لتبادل التمثيل الدبلوماسي:
يذهب بعض الفقهاء إلى أن حق تبادل التمثيل الدبلوماسي هو أحد الحقوق التي يتمتع بها أشخاص القانون الدولي العام فهو أحد الحقوق الطبيعية اللصيقة بأشخاص القانون الدولي ومن ثم هناك التزاماً على الدول أن تستقبل البعثات الدبلوماسية للدول الأخرى وأن لها حق إرسال بعثاتها لدى الدول الأخرى، ويستند أنصار هذا المذهب إلى أن هذا الحق نتيجة حتمية لطبيعة تكوين الجماعة السياسية وضرورة الاتصال بين الجماعات السياسية المختلفة ونظراً لصعوبة وعدم كفاية الاتصالات بين رؤساء الدول، كما وأنه تطبيق عملي لمبدأ المساواة بين الدول ذات السيادة في نطاق العلاقات الدولية.
- ويذهب جانب أخر من الفقه إلى حرية الدولة بقبول التبادل الدبلوماسي من دونه استناداً إلى استقلال وسيادة الدولة على إقليميها، كما وأن القواعد الدولية الاتفاقية خالية من أي نص صريح بإلزام الدولة بتبادل العلاقات الدبلوماسية مع غيرها من الدول.
- وقد حسمت اتفاقية فينا الأمر ويقبل التبادل مبني على رضا الدولة، والراجح أن حق الاتصال الدبلوماسي ما هو إلا مجرد رخصة للدولة في أن تدخل مع غيرها في علاقات دبلوماسية دون اعتراض من جانب الدول الأخرى على ذلك، والتبادل الدبلوماسي يعتبر أجد مظاهر المجاملات الدولية وتطبيقاًً لمبدأ المعاملة بالمثل.
- والدول كاملة السيادة والبابا والمنظمات الدولية يملكون حق إرسال وتلقي المبعوثين الدبلوماسيين، وهذا يعد نتيجة طبيعية لكون حق التمثيل الدبلوماسي من خصائص الشخصية القانونية الدولية، أما الدول غير كاملة السيادة أو أعضاء الاتحادات الدولية التي لا تندب فيها شخصية الدولة الداخلة في الاتحاد، فهي تملك أو لا تملك حق تبادل التمثيل الدبلوماسي مع أعضاء المجتمع الدولي بحسب ما تنص عليه اتفاقية التبعية أو ميثاق الاتحاد بحسب الأحوال.
ثانياً- تكوين البعثة الدبلوماسية:
ينظم القانون الداخلي لكل دولة بعثاتها الدبلوماسية وكيفية تكوينها وحجمها، وتعيين أعضائها وتجدي أقدمياتهم، ويختلف حكم البعثة الدبلوماسية تبعاً لقوة العلاقة بين الدولة الموفدة والدولة الموفد إليها، وأهمية المصالح التي تجمع بينهما، وتتكون البعثة الدبلوماسية من:
1- رئيس البعثة:
هو المسئول عن بعثته، ويتولى تمثيل الدولة والإشراف على أعمال البعثة وأفرادها ويتعين أن توافق الدولة الموفد إليها على شخص رئيس البعثة، كما يجوز لرئيس البعثة أن يمثل أكثر من دولة أو يمثل دولته في أكثر من دولة، وعلى رئيس البعثة أن يقدم أوراق اعتماده، والتي تتضمن صفته التمثيلية إلى رئيس الدولة الموفد إليها.
وتحدد الدولة مرتبة رئيس كل بعثة من بعثاتها الدبلوماسية وفقاً لمدى حجم وأهمية العلاقات التي تربطها بالدولة الموفد إليها البعثة، وقد حددت اتفاقية فينا مراتب رؤساء البعثات الدبلوماسية على النحو التالي:
أ- مرتبة السفراء وممثلي البابا من درجة قاصد رسولي المعتدين لدى رؤساء الدول، ويكون اعتمادهم شخصياً من رئيس الدولة التي يتبعونها، وتصدر أوراق اعتمارهم موجهة إلى رئيس الدولة المعتمدين لديها، ويطلق على البعثة التي يرأسها سفير اسم "السفير".
ب- مرتبة الوزراء المفوضين: والمندوبين فوق العادة ومندوبي البابا من درجة وكيل قاصد رسولي المعتمدين لدى رؤساء الدول، وهؤلاء لا يختلف وضعهم عن وضع السفراء من حيث اعتمادهم من رئيس دولتهم لدى رئيس الدولة المعتدين لديها ولكن تأتي مرتبتهم تالية لمرتبة السفراء، وتسمى البعثة التي يرأسها أجد هؤلاء باسم "مفوضية".
ج- مرتبة القائمين بالأعمال المعتمدين لدى وزارة الخارجية وهؤلاء يعتبرون مبعوثين من قبل وزير الخارجية لدى وزير خارجية الدويلة المعتمدين لديها وليس من قبل رؤساء دولهم، وليس لمرتبة القائمين بالأعمال الاتصال برئيس الدولة المعتمدين لديها ويعتبرون في مركز أقل أهمية من مراكز الدرجات السابقة.
ولقد نصت اتفاقية فينا على أنه لا يجوز التمييز بين أي من رؤساء البعثات بسبب فئاتهم أو مراتبهم إلا فيما يتعلق بحق التقدم والصدارة في الحفلات والمقابلات الرسمية وتكون الأسبقية بين أفراد المرتبة الواحدة تبعاً للأقدمية التي تحتسب من تاريخ إخطار المبعوث سيولة الموفد لديها بنبأ وصوله رسمياً.
2- موظف البعثة:
وهم الأشخاص الذي تعينهم الدولة الموفدة لمعاونة رئيس البعثة في المهام الموكولة إليه في الدولة الموفد لديها، ويشمل هؤلاء الطوائف التالية:
أ- الموظفون الدبلوماسيون:
وهو الذين يشغلون درجة دبلوماسية كدرجة المستشار أو السكرتير أو الملحق وقد يكون بعضهم متخصصاً في نشاط معين كالملحقين والمستشارين أو الثقافيين أو العسكريين.
ب- الموظفون الإداريون والفنيون:
وهم الذين يشغلون وظائف إدارية أو فنية كمديري الحسابات أو أبناء المحفوظات والمترجمون والكتبة والصيارفة.
ج- مستخدمو البعثة:
وهم الأشخاص الذين يعملون في خدمة البعثة الدبلوماسية كخدم السفارات ومراسها وعمال الصيانة والسعادة وعمال التليفون.
د- الخدم الخصوصيون:
وهم الذين يعملون في الخدمة المنزلية لرئيس البعثة أو لموظفيها ولا يكونون من مستخدمي الدولة الموفدة.
- وللتفرقة بين الطوائف المختلفة لموظفي البعثة الدبلوماسية أهمية كبيرة من عدة نواحي: أهمها ما يتمتع به كل منهم من حصانات وامتيازات في الدولة الموفدين لديها.
المبحث الثاني : وظائف البعثة الدبلوماسية
أولاً- اختصاصات المبعوثين الدبلوماسيين:
1- التمثيل:
تتمثل الدولة الموفدة لدى الدولة الموفد لديها ودعم العلاقات بينهما.
2- التفاوض:
التفاوض والتشاور مع وزير خارجية الدولة المعتمد لديها في كل ما يهم دولته والعمل على تقريب وجهتي نظر الدولتين في المسائل المشتركة.
3- المراقبة:
مراقبة الحوادث والتطورات المختلفة في كافة الميادين ويشترط أن تتم هذه المراقبة والتحليل في إطار الوسائل المشروعة وفي الحدود التي يقرها القانون الدولي وألا يترتب عليها التدخل في الشئون الداخلية للدولة المعتمد لديها.

4- الحماية الدبلوماسية:
حماية المصالح الدولة الموفدة وحماية المقيمين في الدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي من أي اعتداء قد يقع عليهم أو على أموالهم على أن يتم ذلك في الحدود التي يقرها القانون الدولي، مع التأكد من أن من يدعي منهم وقوع ضرر عليه قد استنفذ كل الوسائل الداخلية المتاحة للحصول على حقه دون أن يتحقق له ذلك.
ثانياً- واجبات أعضاء البعثة الدبلوماسية:
1- احترام القوانين واللوائح الداخلية لدول المقر.
2- الامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية لدولة المقر والامتناع عن مناصرة أي حزب سياسي فيها أو المساهمة في أعمال ثورية ضد حكومتها,
3- عدم الاتصال بدولة المقر إلا عن طريق وزارة الخارجية ومن خلال القنوات التي تحددها، ما لم يكن هناك اتفاق بين دولتين على خلاف ذلك.
4- عدم استعمال مقر البعثة الدبلوماسية في أغراض لا تتفق مع وظائفها كما هو متعارف عليه طبقاً لقواعد القانون الدولي والاتفاقات الخاصة بين الدولتين.
5- عدم ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري لمصلحته الشخصية في دولة المقر.
المبحث الثالث : الحصانات والامتيازات الدبلوماسية
أولاً- الأساس القانوني للحصانات والامتيازات الدبلوماسية:
انقسم الفقه في هذا الشأن إلى ثلاث نظريات على النحو التالي:
1- نظرية امتداد الإقليم: ومؤادها اعتبار المبعوث الدبلوماسي أثناء وجوده في إقليم دولة أخرى كأنه لا يزال موجوداً في إقليم دولته ويترتب على ذلك عدة نتائج منها عدم خضوعه لقانون الدولة الموجودة فيها، ولا تسري عليه تشريعاتها وإنما يخضع فقط لقانون دولته.
نقد:
تقوم هذه النظرية على فروض لا تتفق مع الواقع أو الحقيقة، فهي تقتضي عدم وجود المبعوثين الدبلوماسي على إقليم الدولة المعتمد لديها، وهو فرض يجعلنا بالتالي نفترض أن مقر البعثة الدبلوماسية لا يقع أيضاً على إقليم الدولة المعتمد لديها البعثة كي يتمتع المقر بالحصانات والامتيازات المقررة له، وهو افتراض خيالي لا ظل له من الحقيقة، ولقد هجرت هذه النظرية من زمن بعيد حيث كان الأخذ بها يؤدي إلى التوسع المبالغ فيه في الحصانات والامتيازات، قد استند إليها سواء بعض الدول في الماضي مطالبين بحصانات وإعفاءات تتناول الحي أو المنطقة التي بها مقر شعاراتهم
2- نظرية النيابة:
وفقاً لهذه النظرية يكون الممثل الدبلوماسي نائباً عن الرئيس في مباشرة الوظيفة الدبلوماسية، وبالتالي يتمتع النائب بامتيازات وحصانات الأصيل.
نقد:
تضيق هذه النظرية من مفهوم الحصانات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي خارج نطاق عمله، ومن جهة أخرى مقارنة الممثل الدبلوماسي برئيس الدولة من حيث الحصانات يؤدي إلى أنه مثل الرئيس لا جوز مساءلته على أي وجه من الوجوه وهو ما لا يمكن التسليم له على الإطلاق.
3- نظرية الوظيفة:
تقضي هذه النظرية بتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات أمر تحتمه ضرورة متمكينة من ممارسة وظيفته بشكل فعال وميسر، أي أن الحصانات المقررة لمصلحة الوظيفة وليس لفائدة الممثل الدبلوماسي الشخصية. وهذا ما قررته لجنة القانون الدولي واتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية.
ثانياً- تنظيم الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:
تنقسم الحصانات والامتيازات الدبلوماسية إلى أنواع ثلاث، منها ما يتعلق بمقر البعثة ومستنداتها الرسمية، ومنها ما هو متعلق بتسهيل عمل البعثة وأخيراً الحصانات المقررة لأعضاء البعثة الدبلوماسية.
1- حصانات مقر البعثة ومستنداتها الرسمية:
أ- يتعين على الدولة المضيفة إعطاء مقر مناسب للبعثة ولسكن أعضائها ويجب تأمين حراسة وحماية كافية من أي اعتداء أو ضرر.
ب- لا يجوز منح المجرمين الدولة المعتمد لديها البعثة دخول دورها إلا بتصريح من رئيس البعثة كما لا يجوز تفتيش دار البعثة أو الاستيلاء أو الحجز عليها أو خضوعها لأي أجراء تنفيذي آخر.
ج- لا يجوز منح المجرمين العاديين حق اللجوء لدار البعثة، وفي حال لجوءه فلا يجوز اقتحام دار البعثة وإنما يقتصر الأمر على حصارها والمطالبة بإخراجه أما بالنسبة للمجرم السياسية فيرى البعض جواز إيوائه في بعض الأحوال كما لو كانت حياته معرضة للخط ويرى البعض الأخر عدم شرعية فكرة الملجأ الدبلوماسي لمخالفة ذلك لمبدأ السيادة الإقليمية.
ولمحكمة العدل الدولية رأي في ذلك حيث قررت أن منح الملجأ لدبلوماسي يتضمن خروجاً على قاعدة السيادة الإقليمية، وأنه يجب ألا يمنح إلا إذا وجد له أساس إنساني كما لو خيف على المجرم السياسي من اعتداء أو همجية بعض العناصر غير المسئولة عن السكان.
د- يعفى مقر البعثة من كافة الضرائب والرسوم الوطنية أو المحلية إلا ما كان منها مقابل خدمات فعلية كالمياه والكهرباء.
هـ- لا يجوز المساس بمحفوظات البعثة ووثائقها بأية صورة من الصور، في أي وقت وأينما كانت.
و- للدولة الموفدة حق رفع علمها وشعارها على دور البعثة ومسكن رئيسها ووسائل انتقاله كما أن لها الحق في إقامة الشعائر الدينية الخاصة بها والاحتفال بالمناسبات القومية للدولة الموفدة في هذه الدول.
2- الحصانات والامتيازات المقررة لتيسير أعمال البعثة:
أ- حرية الانتقال:
وتقيد هذه الحرية فيما تحرمه الدول المضيفة من مناطق فتنظم دخولها أو عدمه لأسباب تتعلق بأمنها الوطني.
ب- حرية الاتصال:
للبعثة الدبلوماسية أن تستخدم كافة وسائل الاتصال المتاحة ولها استعمال رموز خاصة في هذا الاتصال كالشفرة، ولها استخدام الحقائب الدبلوماسية التي لا يجوز تفتيشها ويتمتع المبعوث الدبلوماسي الذي يرافق الحقيبة بالحصانة الشخصية.
فلا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال، ويتطلب العرف الدولي أن يكون حامل الحقيبة الدبلوماسية شخصاً يحمل الوثائق اللازمة التي تثبت صفته وعدد الطرود التي تتكون منها الحقيبة.
- ولكن لا يجز تركيب أجهزة لاسلكية بغير موافقة دولة المقر، كما لا يجوز إساءة استعمال الحقيبة الدبلوماسية، كما لو استغلت للتهريب مثلاً، فإنه يجوز للدولة المعتمدة لديها البعثة أن تقطع علاقاتها مع الدولة الموفدة أو تعتبر المبعوث شخصاً غير مرغوب فيه وتأمره بمغادرة الإقليم.
ج- التسهيلات المالية:
لا تخضع الرسوم التي تتقاضها البعثة في أداء أعمالها الرسمية، كرسوم التسجيل والتأشيرات للضرائب بكافة أنواعها، أو الرسوم الوطنية.
3- الحصانات المقررة لأعضاء البعثة الدبلوماسية:
أ- الحصانة الشخصية:
لا يجوز القبض على المبعوث الدبلوماسي أو حجزه إدارياً أو قضائياً، فإذا ارتكب فعلاً مخلاً بقانون الدولة المعتمد لديها أو بسلامتها يتعين إخطار دولته بذلك، ويطلب منه مغادرة الإقليم فوراً.
ب- حصانة المسكن والممتلكات:
يتمتع المسكن الشخصي للمبعوث الدبلوماسي بنفس الحرمة التي يتمتع بها مقر البعثة الدبلوماسية، فيحرم على سلطات الدولة المعتمد لديها دخول مسكنه إلا بإذن منه ولا يحق لها أن تتخذ أي إجراءات قضائية على مسكنه، كما لا يجوز اتخاذها ضد شخصه، وتمتد هذه الحصانة إلى أوراقه ومراسلاته ومتعلقاته الشخصية، فلا يجوز التصرف في سيارته أو حقائبه أو مراسلاته الخاصة وأورقه الشخصية أو التي يتبادلها مع حكومة دولته تنفيذاً لمهام وظيفته.
ج- الحصانة القضائية:
- القضاء الجنائي:
لا يجوز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد المبعوث الدبلوماسي بسبب ارتكابه أية جناية وهذه الحصانة مطلقة لا يرد عليها أي استثناء، ويتعين إبلاغ دولته لتستدعيه وتحاكمه وفي بعض الأحوال الاستثنائية يجوز القبض على المبعوث الدبلوماسي وتسليمه لدولته لتتولى محاكمته.
- القضاء المدني:
لا يخضع المبعوث الدبلوماسي للقضاء المدني للدولة الموفد إليها إلا في الحالات الاستثنائية التالية:
• الدعاوى العينية بعقار يملكه المبعوث الدبلوماسي يقع في إقليم الدولة المعتمد لديها.
• الدعاوى الخاصة بالميراث والتي يكون فيها المبعوث الدبلوماسي صاحب مصلحة أو نصيب في تركة، أو كان وارثاً أو موصى له.
• الدعاوى الناشئة عن أعمال تجارية أو مهنية قام بها المبعوث الدبلوماسي في الدولة المعتد لديها لحسابه الخاص دون أن تكون لها علاقة بمهام وظيفته.
• إذا كانت الدعوى متفرقة في دعاوي أصلية أقامها المبعوث الدبلوماسي بنفسه وتقدم بها إلى قضاء الدولة المعتمد لديها بصفته مدعياً.
ويترتب على ما سبق أنه لا يجوز إكراه المبعوث الدبلوماسي على الشهادة في دعوى ما ويكتفي بأن يطلب منه الإدلاء بمعلوماته كتابة إذا رضي هو بذلك.
د- الإعفاءات المالية:
يعفى المبعوث الدبلوماسي من جميع الضرائب والرسوم الشخصية ومن الرسوم الجمركية حتى على المنقولات المخصصة لاستعماله وأسرته الشخصي، ولكنه يلتزم بالضرائب العينية على العقارات التي يملكها في الدولة المعتمد لديها.
- وتشمل هذه الحصانات والامتيازات جميع أعضاء البعثة وأفراد عائلاتهم بشرط ألا يكونوا من رعايا دولة الإقليم، أما خدم البعثة فلا يتمتعون بهذه الحصانات والامتيازات إلا فيما يتعلق بأعمالهم الرسمية التي يؤدونها في خدمة البعثة وفي إطار الوظائف الرسمية الموكولة إليهم، وهؤلاء يعفون من الضرائب والرسوم على المرتبات التي يحصلون عليها بسبب عملهم وذلك بشرط ألا يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها البعثة، أما الخدم الخصوصيون فلا يتمتعون إلا بالإعفاء من الضرائب والرسوم على أجورهم التي يحصلون عليها بسبب عملهم وذلك بشرط ألا يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها البعثة.
المبحث الرابع : انتهاء مهمة المبعوث الدبلوماسي
أولاً- الحالات التي تنتهي فيها مهمة المبعوث الدبلوماسي:
1- انقضاء أجل المهمة: إذا كان هناك اتفاق على أجل محدد لمباشرة المهمة الدبلوماسية.
2- تنفيذ المهمة: مثل إبرام معاهدة أو حضور مؤتمر.
3- الاستدعاء: من قبل دولته إما لتغييره أو لنقله أو لترقيته وقد يكون بناء على طلب الدولة المعتمد لديها لأن أصبح شخص خطر أو غير مرغوب فيه.
4- التكليف بمغادرة الإقليم: ويكون ذلك من قبل الدولة المعتمد لديها دون الرجوع إلى دولته إذا أتى تصرفات تكون محلاً للريبة أو الشك أو تتنافى مع امن وسلامة الدولة المعتمد لديها.
5- موت رئيس أحد الدولتين أو تغييره: يؤثر ذلك على السفير والوزير المفوضى، ولكن لا تنتهي مهمة المبعوث هنا ولكن يلزم تجديدها نظراً لتغير الظروف السياسية وذلك بتقديم أوراق اعتماد جديدة ويكون ذلك غالباً في النظام الملكية أما في النظم الجمهورية فلا يحتاج تقديم أوراق اعتماد جديدة، ويجب ملاحظة أنه في حالة تقديم أوراق اعتماد جديدة فإن هذا لا يؤثر في أسبقية المبعوثين.
6- تغير نظام الحكم في إحدى الدولتين نتيجة ثورة أو انقلاب: يلزم في هذه الحالة تقديم أوراق اعتماد جديدة باسم رئيس الدولة الجديدة ويعتبر عدم تقديمها في فترة معقولة بمثابة عدم اعتراف من جان حكومته بالحكومة الجديدة.
7- قطع العلاقات الدبلوماسية: يترتب عليه انتهاء مهمة البعثة الدبلوماسية وقطع العلاقات الدبلوماسية إجراء خطير لا يتم إلا إذا توترت العلاقات بين الدولتين.
8- قيام حالة الحرب بين الدولتين المعتمدة والمتعمد عليها: فالتبادل الدبلوماسي لا يكون إلا في حالة السلم وفقاً لقواعد القانون الدولي، ويجب على الدولة الموفد إليها فتح تسهيلات تمكن المبعوثين الدبلوماسيين من مغادرة البلاد على وجه السرعة.
9- انقضاء الشخصية الدولية لأحد الدولتين: وذلك لأن التبادل الدبلوماسي لا يكون إلا بين الدول وهو من خصائص الشخصية الدولية ومن حقوق اللصيقة بها.
ثانياً- رعاية المصالح في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية:
في هذه الحالة يمكن تكليف دولة ثالثة بحماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها وذلك بشرط موافقة الدول الموفد إليها، ويمكن حصر المصالح التي ترعاها الدولة الثالثة فيما يلي:
1- الإشراف على مفاوضات ترحيل الممثلين التي ترعاها الممثلين الدبلوماسيين والقنصليين.
2- حماية أشخاص ورعاية الدولة الموفدة الموجودين على إقليم الدولة المعتمد لديها البعثة ورعاية مصالحهم والمحافظة على ممتلكاتهم وأموالهم.
3- الإشراف في حالة النزاع المسلح على أسرى الحرب التابعين للدولة الموفدة وذلك بالتحقق من شخصياتهم ورعايتهم طبياً وتنظيم تبادلهم وذلك بالإشراك مع لجنة الصليب الأحمر الدولية.
4- الإشراف على أموال وممتلكات الدولة الموفدة في الدولة الموفد إليها.
* وفي حال قيام دولة ثالثة برعاية مصالح الدولة الموفدة فإنه يمكنها الاستعانة في ذلك ببعض الموظفين الدبلوماسيين التابعين للدولة الموفدة بشرط أن توافق على ذلك دولة المقر.
الفصل الثالث : البعثات القنصلية
- أصل النظام القنصلي:
يرجع تاريخه إلى منتصف القرون الوسطى وذلك عندما كان تجار غرب البحر الأبيض المتوسط أن ينتخبوا من بينهم شخصاً يتولى مهمة حل المنازعات التي تنشأ بينهم ويطلقون عليه اسم القنصل التاجر، وكان العرف هو المصدر الوحيد الذي ينظم قواعد إرسال البعثات القنصلية مع وجود كثير من الاتفاقيات الدولية عقدت فيما بعد.
- تبادل وإنشاء البعثات القنصلية:
لكل دولة كاملة السيادة الحق في أن تتفق بإرادتها الحرة مع دولة أخرى على تبادل العلاقات القنصلية، ولا يجوز إنشاء قنصلية جديدة إلا بموافقة دولة المقر.
المبحث الأول : :تشكيل البعثة القنصلية ووظائفها
أولاً- أنواع القناصل ومراتبهم:
تشمل درجات الوظيفة القنصلية ما يلي:
1- القنصل العام: وهو أرفع درجات البعثة القنصلية ويشرف على جميع موظفي البعثة القنصلية بجميع درجاتها ومراتبها.
2- القنصل: ويباشر مهما الوظيفة القنصلية في منطقة معينة.
3- نائب القنصل: ويساعد القنصل في قيامه بأعباء وظيفته.
4- وكيل القنصل: ويعهد إليه بإدارة وكالات قنصلية يتم إنشاؤها باتفاق خاص بين الدولتين المعنيتين ويتحدد وضعهم في هذا الاتفاق.
القناصل نوعان:
أ- القناصل المبعوثون:
هم الذين تعبث بهم الدولة لتولي شئونها القنصلية في دولة أخرى.
ب- القناصل المختارون:
هم الذين تعينهم الدولة من بين الأشخاص المقيمين في الجهة التي ترغب أن يكون لها فيها تمثيل قنصلي، وهؤلاء قد يكونون من رعايا الدولة التي تعينهم أو رعايا الدولة التي يؤدون فيها مهمتهم أو من رعايا دولة ثالثة، وينظم القانون الداخلي لكل دولة بعثاتها القنصلية وكيفية تكوينها وحجمها، وتعيين أعضائها وتحديد أقد حياتهم، ويختلف حجم البعثة القنصلية تبعاً لحجم التجارة الخارجية بين الدولة الموفدة والدولة الموفد إليها حجم الجالية التابعة للدولة الموفدة في الدولة الموفد إليها.
ثانياً- تشكيل البعثة القنصلية:
1- رئيس البعثة:
وهو الشخص الذي تختاره الدولة لرئاسة البعثة القنصلية وتمنحه خطاب تفويض أو تعيين صادر من رئيس الدولة متضمناً اسمه ودرجته ومقر القنصلية ودائرة اختصاصها.
ويجوز أن يكون رئيس البعثة من درجة قنصل عام أو قنصل أو نائب قنصل أو وكيل قنصل.
2- الأعضاء القنصليون:
ويوكل إليهم مباشرة الاختصاصات القنصلية ويعاونون رئيس البعثة في عمله وتختلف درجات الموظفين القنصليين من دولة لأخرى
2- الأعضاء القنصليون الفخريون:
تختارهم الدولة الموفدة من الأشخاص المقيمين في الجهة التي ترغب في أن يكون لها فيها بعثة قنصلية، ويجوز اختيارهم بغض النظر عن جنسيتهم، ولا تدفع لهم مرتبات لأنه يسمح لهم بالأشغال بمهنة أخرى، ولا يملك هؤلاء كافة اختصاصات القناصل وإنما يمارسون الأعمال القنصلية التي يكلفون بها، كما لا يتمتعون كقاعدة عامة بالحصانات القنصلية.
4- الموظفون:
وهم الكتبة والمترجمون وأمناء المحفوظات والعهد والحرس والمراسلات وهؤلاء لا يملكون مباشرة الوظائف القنصلية، وإن جاز تكليفهم بمباشرة بعضها تحت إشراف رؤساء البعثة القنصلية.
ثالثاً- وظائف البعثة القنصلية:
1- حماية مواطني الدولة ورعاية شئونهم:
يتولى القنصل رعاية شئون مواطنيه ومساعدتهم، والعمل على إعادتهم إلى وظنهم كما يقوم بحمايتهم من تعسف السلطات المحلية ويساعدهم على رفع دعاويهم وعرض طلباتهم المشروعة على هذه السلطات، كما يقوم بحماية تركات المتوفين للحفاظ على حقوق ورثتهم فيها، ويقوم القنصل بالنسبة لمواطنيه بعمل موثق العقود، وتحرير عقود الزواج وإعلانات الوراثة، والتصديق على التوقيعات، وإصدار ترجمات للأوراق المطلوب ترجمة رسمية لها.
2- تعهد المصالح التجارية للدولة الموفدة:
بقوم القنصل بمراقبة تنفيذ المعاهدات التجارية في الدولة التي يمارس فيها مهامه وموافاة دولته بكل ما يهمها الوقوف عليه فيما يتعلق بشئون التجارة والصناعة وتزويدها بمقترحات في هذا الشأن.
3- تعهد المصالح الخاصة بالملاحة المتعلقة بدولته:
فهو مسئولي عن كافة الشئون المتعلقة بسفن دولته حال وجودها في الميناء الأجنبي الذي يتولى فيه مهام وظيفته.
4- التأشير على وثائق السفر:
يقوم القنصل بإصدار وثائق السفر لرعايا دولته ومنح التأشيرات للرعايا الأجانب الراغبين في دخول إقليم دولته.
وليس للقنصل أي اختصاصات سياسية، وكان ما يجب عليهم هو مراقبة وتتبع الحوادث السياسية في الدولة التي يباشرون عملهم فيها، وموافاة دولتهم بما يهمها من معلومات في هذا الشأن.
* واجبات القنصل تجاه دولة المقر:
أ- احترام القوانين والسلطات الرسمية والامتناع عن ارتكاب أي فعل من شأنه المساس بهذه الدولة أو بنظمها الداخلية.
ب- عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة الموفد إليها.
ج- لا يجوز لأعضاء البعثة القنصية العاملين ما عدا الفخريين أن يقوموا بمزاولة أي نشاط مهني أو تجاري بقصد الكسب الشخصي في الدولة الموفد إليها.
المبحث الثاني : التسهيلات والمزايا والحصانات للبعثات القنصلية
أولاً- التسهيلات والمزايا والحصانات الخاصة بالبعثة:
لا تمثل البعثة القنصلية دولتها كما هو شأن البعثات الدبلوماسية، وإنما تقوم بما يطلب منها من أعمال، لذلك لا تتمتع البعثات القنصلية بذات الإعفاءات والحصانات المقررة للبعثة الدبلوماسية، إلا أن العرف الدولي واتفاقية فينا اعتراف ببعض الحصانات والامتيازات البعثة القنصلية على النحو التالي:
1- التسهيلات والمزايا الخاصة بالبعثة:
وذلك بغية أداء البعثة القنصلية لأعمالها كحيازة المباني اللازمة لمقر البعثة واستعمال العلم والشعار الوطنيين.
2- حرمة المقر:
تكون لماني القنصلية حرمة، ولكنها محدودة على ذلك الجزء المخصص لأعمال القنصلية الذي يمتنع على سلطات الدولة الموفد إليها دخوله إلا بإذن من رئيس البعثة القنصلية أو من ينيبه، إلا أنه يجوز لهذه السلطات دخول هذه الأجزاء في حالة الحريق أو أية كارثة أخرى تستدعي اتخاذ تدابير وقائية فورية.
3- حرية الاتصال:
على دولة المقر تأمين وتيسير كل وسائل الاتصال للقنصلية في كل ما يتعلق بأعمالها الرسمية غير أنه لا يجوز للبعثة القنصلية أن تستخدم محطة لاسلكية إلا بموافقة دولة المقر.
4- الحقيبة القنصلية:
البعثة القنصلية استعمال حقيبة قنصلية لأغراض الاتصال وحمل الطرود والمراسلات لدولتها ويجب أن تحمل هذه الحقيبة علامات تدل على طبيعتها ولا يجب أن تحمل غير الوثائق والمراسلات الرسمية ولا تفتح ولا تفتش إلا بناء على أسباب جدية ويقوم بفتحها المندوب الذي يحملها بنفسه، وإذا رفض هو أو دولته ذلك تعاد إلى مصدرها كما يتمتع حامل الحقيبة في أثناء قيامه بمهمته بالحصانة الشخصية ولا يكون عرضة لأي نوع من أنواع القبض أو الحجز.
5- التسهيلات والمزايا الأخرى:
أ- الاتصال برعايا الدولة الموفدة.
ب- الاتصال بسلطات الدولة الموفد إليها.
ج- إعفاء كافة الرسوم التي تحصل على أعمالها في الدولة الموفد إليها من الضرائب المحلية.
ثانياً- التسهيلات والحصانات الخاصة بأعضاء البعثة القنصلية:
1- الحصانة الشخصية:
يجب معاملة أعضاء البعثة باحترام ويجب توفير الحماية لهم ولا يجوز القبض عليهم أو اعتقالهم أو حبسهم احتياطياً إلا إذا ارتكبوا جناية فطيرة وبعد صدور قرار من السلطة القضائي المختصة.
2- الحصانة القضائية:
يخضع أعضاء البعثة القضاء دولة المقر وتجوز محاكمتهم وتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية ضدهم ويجب إخطار رئيس البعثة عند اتخاذ أو إجراء أما إذا كان المقبوض عليه رئيس البعثة فتخطر دولته، ويخضع أعضاء البعثة للقضاء المدني لدولة المقر إلا فيما يتعلق بالأعمال التي يأتونها أثناء وظائفهم ومع ذلك فإنهم يخضعون للقضاء المدني بالنسبة لهذه الأعمال في حالتين:
أ- العقود التي يبرمها عضو البعثة لم يكن التعاقد قد تم صراحة أو ضمناً بوصفه وكيلاً عن الدولة الموفدة.
ب- الدعاوى المرفوعة من الطرف الثالث عن ضرر نتج في الدولة الموفد إليها وبسبب مركب أو سفينة أو طائرة تابعة للدولة الموفدة.
وبصفة عامة لا يجوز تكليف الموظفين القنصليين بالشهادة أمام المحاكم بوصفهم خبراء في القانون الداخلي للدولة الموفدة.
3- حصانات ومزايا أخرى:
أ- الإعفاء من بعض القيود الخاصة بالأجانب كالقواعد الخاصة بتراخيص العمل.
ب- الإعفاء من أحكام قانون التأمين الاجتماعي المقررة في الدولة الموفد إليها ويسري الإعفاء على الخدم الخصوصيون بشرط ألا يكونوا من رعايا الدولة الموفد إليها.
ج- الإعفاء من الضرائب ما عدا الضرائب غير المباشرة والضرائب والرسوم العقارية وضرائب الشركات والأيلولة والإرث.
د- الإعفاء من الرسوم الجمركية والتفتيش الجمركي.
ثالثاً- حصانات وامتيازات القناصل الفخريين:
1- تأمين الحصول على مقر للبعثة.
2- تأمين حرية الاتصال بالدولة الموفدة وبرعاياها في الدولة الموفد إليها.
3- إعفاء القنصلية من الضرائب عن رسوم ومتحصلات القنصلية.
4- حماية القنصل الفخري من أي اعتداء عليه.
5- الإعفاء من القيود الخاصة بتسجيل الأجانب وإقامتهم.
6- إعفاءه من الضرائب والرسوم على المكافآت والمرتبات التي يتقاضاها نظير قيامه بأعماله القنصلية.
7- الإعفاء من الرسوم الجمركية على ما يستورده للاستعمال الرسمي للبعثة القنصلية.
ولا يتمتع الأعضاء القنصليون والفخريون بالحصانة الجنائية وإن كان يجب إخطار الدولة الموفدة في أحوال القبض عليهم، غير أنهم يتمتعون بالحصانة المدنية بالنسبة لأعمال وظائفهم.
رابعاً- انتهاء أعمال عضو البعثة القنصلية:
تنتهي بالوفاة أو الاستقالة أو بقيام الدولة الموفدة بإبلاغ الدولة الموفد إليها بانتهاء أعماله، أو بسحب إجازته القنصلية أو بإخطار من الدولة الموفد إليها إلى دولته باعتباره شخصاًُ غير مرغوب فيه.
كما تنتهي بانعدام الشخصية الدولية لدولته أو للدولة المبعوث لديها لفنائها أو ضمها إلى دولة أخرى مثلاً.
ولا يتمتع القنصل بالصفة التمثيلية لذلك فإن مهمته لا تنتهي بوفاة أو تغيير رئيس أحد الدولتين أو في حال وقع العلاقات الدبلوماسية بينهما ولا في حالة نشوب حرب بينهما لأنه لا يتمتع بصفة سياسية وما يحصل عادة أن يستدعي بواسطة دولته الاستحالة قيامه بمهمته لما يترتب على الحرب من قطع العلاقات السلمية بين الدولتين.


الباب الثاني :المعاهدات
تمهيد:
هناك أعمال قانونية تصدر من جانب واحد ولكنه لم تلق أي اهتمام على الصعيد الدولي لأن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لم يتضمن إشارة إلى هذه الأعمال كمصدر من مصادر القانون الدولي العام، وبالمقابل هناك أعمال قانونية تصدر من جانبين ومنها المعاهدات الدولية التي تعتبر مصدراً من مصادر القانون الدولي العام.
أولاً- تعريف المعاهدات:
هي اتفاق تبرمه الدول أو غيرها من أشخاص القانون الدولي ممن يملكون أهلية إبرام المعاهدات فيما بينها بغرض تنظيم علاقات قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العلاقة ويتضمن الاتفاق إنشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه.
ثانياً- أنواع المعاهدات:
- من حيث أطرافها: تقسم إلى معاهدات ثنائية أو خاصة ومعاهدات جماعية أو عامة.
- من حيث مدتها: تقسم إلى معاهدات محددة المدة أو مؤقتة ومعاهدات غير محددة المدة أو مستديمة.
- من حيث طبيعتها: تقسم إلى معاهدات شارعة ومعاهدات عقدية.
- من حيث موضوعها: تقسم إلى معاهدات سياسية ومعاهدات اجتماعية أو اقتصادية.
* ويجري العرف الدولي على التمييز بين المعاهدات بالمعنى الضيق وبين أنواع أخرى من المعاهدات، والمعاهدات بالمعنى الضيق لهذا الاصطلاح هي الوثائق الدولية التي يتم فيها تسجيل اتفاق رسمي يتم بالتراضي بين أطرافه ويتناول بالتنظيم موضوعاً ذا أهمية خاصة يغلب عليه بالطابع السياسي ومن ذلك معاهدات الصلح أمام المعاهدات بالمعنى العام فتطلق على فئات متعددة من الوثائق الدولية ويطلق عليه مسميات مختلفة ونستعرض فيما يلي بعض هذه المعاهدات.
1- الاتفاق: وهو يطلق على الوثائق الدولية التي لا تكون لها صفة سياسية كالاتفاقات المالية والثقافية والتجارية.
2- الاتفاقية: يطلق على الوثائق الدولية التي يكون غرضها وضع قواعد قانونية تسري في علاقات أكثر من دولتين.
3- الميثاق أو العهد: يطلق عادة على المعاهدات التي تتمتع بأهمية كبيرة في ميدان العلاقات الدولية، وبصفة خاصة تلك التي تنشأ بموجبها المنظمات الدولية كميثاق الأمم المتحدة.
4- البروتوكول: يطلق عادة على الوثيقة التي يثبت بها موجز المفاوضات بشأن موضوع معين، أو اتفاق على مسائل تبعية أو متفرقة عن المسائل التي تم الاتفاق عليها في معاهدة أصلية عقدت بين الأطراف.
5- التصريح الجماعي: يطلق على الوثيقة الدولية الهادفة إلى تأكيد مبدأ معين أو تثبيت قاعدة قانونية تتبعها الدول في علاقاتها المتبادلة.
على أنه يجب ملاحظة أن التصريح المشترك إذا كان الهدف منه مجرد إعلان سياسة مشتركة فإنه لا يعد بالتالي معاهدة دولية.
6- الترتيب المؤقت: يطلق على الوثيقة التي تحوي اتفاقاً بين الدول على أحكام تتضمن تنظيماً مؤقتاً يعمل به خلال فترة من الزمن.
* وتتم الاتفاقيات الدولية في الوقت الحالي في أشكال دبلوماسية متحدة وقد اصطلح على تخصيص كل نوع أو اصطلاح منها على صورة من صور المعاملات الدبلوماسية غير أن ذلك لا يؤثر أو لا يغير من مضمونها ومن اعتبارها معاهدات دولية فكلها تدل على معنى واحد وهو قيام اتفاق دولي ويلزم لصحتها نفس الشروط التي يشترطها القانون الدولي بصحة انعقاد المعاهدات الدولية.
الفصل الأول : انعقاد المعاهدات
تمر المعاهدات قبل انعقادها بالمراحل التالية:
أولاً- مرحلة الاتصالات:
وهي اتصال الدولتين للاتفاق مبدئياً على موضوع المعاهدة والإجراءات اللازمة لانعقادها.
ثانياً- مرحلة المفاوضات:
وهي المرحلة التي يتم فيها تبادل وجهات النظر بين الدول المشتركة في المعاهدة بقصد التوصل إلى عقد اتفاق دولي بينهما، وليس للمفاوضات نطاق معين فقط تتناول تنظيم العلاقات السياسية أو الاقتصادية وقد يكون موضوعها تبادل وجهات النظر بشأن موضوع معين.
وقد يتم التفاوض شفاهة أو عن طريق تبادل المذكرات أو عن طريق مقابلات شخصية أو في اجتماعات رسمية، وتتم المفاوضات عادة بالنسبة للمعاهدات الثنائية عن طريق اجتماع ممثلي الدول صاحبة الشأن، أمات فيما يتعلق بالمعاهدات الجماعية أو العامة فتتم غالباً عن طريق مؤتمر عام تدعى إليه الدول المهتمة بموضوع المعاهدة.
على أنه يجب أن يكون التفاوض مزوداً بأوراق تفويض فيما عدا رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية أو رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدول التي يتم التفاوض بها مع ممثليها، فهؤلاء تكفي صفتهم المعتمدة في إجراء المفاوضات دون حاجة إلى أوراق تفويض من قبل دولتهم.
ثالثاً- تحرير المعاهدات:
من المستقر عليه أن المعاهدة يجب إبرامها كتابة، غير أنه ليس هناك قانون ما يمنع من إبرام المعاهدة شفاهة حيث تكون ملزمة ما دامت صدرت من ممثلي الدول الذين لهم سلطة إبرام المعاهدات، ونادراً ما تلجأ الدول إلى ذلك نظراً لما تحتويه المعاهدة الشفهية من صعوبات في التنفيذ وفي الإثبات.
واعترفت اتفاقية فيينا بالقوة الإلزامية للمعاهدات غير المحررة، ولكن تحرير المعاهدة في شكل وثيقة كتابية أصبح من الأمور الضرورية لتحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية.
ولا يشترط شكلاً خاصاً للكتابة ولا لغة معينة أو واحدة فإذا كانت هناك لغة سائدة بين الدول المتعاقدة حررت المعاهدة بهذه اللغة، أما إذا كانت لغة الدول المتعاقدة مختلفة فيمكن في هذه الحالة تحرير المعاهدة من عدة صور تكتب كل منها بلغة كل دولة من دول الأطراف مع النص صراحة على تساوي جميع الصور في القوة من حيث التفسير والقوة الملزمة، وأن هذه القوة ثابتة لإحداها فقط في حالة اختلاف التفسير بسبب اختلاف اللغة.
وهناك إجراءات شكلية قبل تحرير المعاهدة بصيغتها النهائية مثل تبادل التفويضات للتأكد من أن المعاهدة ضمن حدودها ولكي لا تتعرض لعدم التصديق عليها.
وعلى الرغم من أنه ليس هناك قاعدة محددة في كيفية تحرير المعاهدة فقد جرى العمل على أن تتخذ المعاهدة فيما يتعلق بكيفية صياغتها الشكل التالي:
1- الديباجة: وهي المقدمة حيث يذكر فيها أسباب المعاهدة وأسماء الدول الأطراف.
2- الأحكام: ويطلق عليها طلب المعاهدة ويتضمن موضوع المعاهدة وتاريخ نفاذها وكيفية الانضمام إليها من الدول التي لم تشترك في إعدادها أو إبرامها.
وغالباً ما تصحب الصيغة النهائية للمعاهدة ملاحق يطلق عليها عدة مسميات كتصريح أو بروتوكول يكون غرضها تفسير بعض نصوص المعاهدة أو إبداء تحفظات بعض الدول على نصوص معينة من المعاهدة وتخضع هذه الملاحق لنفس شروط المعاهدة ويكون لها نفس القيمة القانونية والقوة الملزمة وتعد جزءاً لا يتجزأ من المعاهدة الأصلية.
3- الخاتمة: وتشتمل على توقيعات الدول المشتركة في إبرام المعاهدة ويكون التوقيع عادة بأسماء المندوبين كاملة، ولكن أحياناً يكون بالأحرف الأولى من أسمائهم يكون الغرض منه التشاور مع حكوماتهم بشأن ما تم الاتفاق عليه في المعاهدة فإذا وافقت حكوماتهم يتم التوقيع الكامل أما إذا رفضت لا يتم التوقيع النهائي عليها، وبالتالي لا يعتبر التوقيع بالأحرف الأولى ملزماً تجاه الدولة ولا يلزم المندوبين بالتوقيع النهائي على المعاهدة ولكن اتفاقية فيينا جعلته كالتوقيع النهائي إذا اتفقت الدول المتعاقدة على ذلك أو إذا أجازت الدولة التي يتبعها المندوب ذلك وذكرت اتفاقية فيينا عدة حالات يعتبر توقيع ممثل الدولة على المعاهدة تعبيراً عن رضاها بالالتزام بأحكام المعاهدة وهي:
أ- إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا الأثر.
ب- إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يترتب على التوقيع هذا الأثر.
ج- إذا تضمنت وثيقة التفويض التي يحملها ممثل الدول إعطاء التوقيع هذا الأثر أو عبرت الدولة عن ذلك أثناء المفاوضات.
رابعاً- التصديق على المعاهدة:
لا يكفي للالتزام الدولة بالمعاهدة مجرد التوقيع بل لابد من قبولها النهائي للالتزامات الواردة في المعاهدة ويتخذ التعبير عن القبول عدة صور منها الموافقة أو بتبادل الوثائق المكونة لها ولكن الوسيلة الشائعة للتعبير عن القبول هي التصديق وهو إجراء يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها وهو إجراء جوهري بدونه لا تتقيد الدولة أساساً بالمعاهدة التي وقعها ممثلها بل تسقط المعاهدة إذا كانت ثنائية بعدم تصديق الدولتين الطرف عليها أو إذا كانت جماعية واشترطت لنفاذها عدد معين من التصديقات ولم يتوفر ذلك، والتصديق هو الذي يحدد اللحظة التي تصبح عندها المعادلة ملزمة، فهو الإعلان الحقيقي لإرادة الدولة في الالتزام، والأصل أن كل معاهدة لابد أن يتم التصديق عليها إلا إذا تنازلت الدولة عن حقها في التصديق صراحة أو ضمناً.
وسلطة التصديق على المعاهدة إما أن تكون لرئيس الدولة منفرداً وإما تكون لرئيس الدولة بالاشتراك مع الهيئات السياسية لدولته حسب اختلاف الدول والنظم التي الدستورية التي تسودها.
وتنص اتفاقية فيينا أن الدولة تعبر عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة ما بالتصديق عليها وذلك في الحالات التالية:
1- إذا نصت المعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة التعبير على الارتضاء.
2- إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق.
3- إذا عبرت نية الدولة المعنية في أن يكون التوقيع بشرط التصديق اللاحق من وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضة.
* وقد يكون التصديق صريحاً وقد يكون ضمنياً كأن تبدأ الدولة في تنفيذ المعاهدة التي تم التوقيع عليها، ولكن العرف والعمل الدولي جرى على أن يثبت التصديق في وثيقة مكتوبة تحوي نص المعاهدة أو الإشارة إليها وتوقع من رئيس الدولة ومن وزير خارجيتها وليحدث التصديق أثره لابد من علم الدول الأخرى الأطراف به ويكون ذلك عبر تبادل التصديقات.
والتصديق إجراء دولي يثبت بتمامه التزام الدولة بأحكام المعاهدة قبل الدول الأخرى الموقعة ليها وهو ما يختلف عن الإصدار الذي يعتبر إجراءاً داخلياً الغرض منه إضفاء صفة القانون على المعاهدة التي تم التصديق عليها حتى تتقيد بها سلطات الدولة المختلفة وأفرادها وتصبح نافذة في النطاق الداخلي للدولة.
خامساً- تسجيل المعاهدات ونشرها:
نصت على هذا الإجراء كل من عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا، وجزاء عدم التسجيل وفقاً لميثاق الأمم المتحدة هو عدم جواز التمسك بها أمام الأمم المتحدة أو أي من فروعها ولكن ذلك لا يؤثر على صحة ونفاذ المعاهدة غير المسجلة.
* والغرض المباشر من التسجيل يرجع إلى إنكار الاتفاقيات السرية التي تتضمن مؤامرات ضد سلامة وأمن دولة ما مما يهدد السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يهدف التسجيل إلى تحقيق فني وهو تدوين المعاهدات الدولية في مجموعة كاملة يسهل الرجوع غليها عند اللزوم، ويتم التسجيل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة في سجل خاص يحرر باللغات الرسمية للأمم المتحدة، ومن ثم يحصل نشر المعاهدة في أقرب وقت ممكن في مجموعة واحدة باللغة أو اللغات التي حررت بها المعاهدة مع ترجمتها إلى الفرنسية أو الإنجليزية.
الفصل الثاني : شروط صحة انعقاد المعاهدات وعناصرها
المبحث الأول: شروط صحة المعاهدات
أولاً- أهلية التعاقد:
يعد إبرام المعاهدة من مظاهر سيادة الدولة وبالتالي الدولة الكاملة السيادة هي من تملك إبرام المعاهدات أياً كان نوعها، أما الدول الناقصة السيادة أو الدولة التابعة فيجب دائماً الرجوع إلى الوثيقة التي تحدد هذه العلاقة لمعرفة ما إذا كانت تملك إبرام المعاهدة أ لا ولكن إذا أبرمت دولة ناقصة السيادة معاهدة ليست أهلاً لإبرامها فهي تكون معاهدة قابلة للإبطال لمصلحة الدولة المتبوعة فلها أن تقرها أو تبطلها حسب مصلحتها.
* كما لا يجوز للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم معاهدات تتنافى طبيعتها مع حالة الحياد كمعاهدات التحالف، أما دول الاتحاد الفيدرالي فيرجع بالنسبة لها إلى ميثاق أو دستور الاتحاد لمعرفة الحدود التي يجوز لها فيها إبرام المعاهدات الدولية.
* غير أنه في المجال الدولي تمتد أهلية إبرام المعاهدات إلى وحدات دولية أخرى مثل البابا والمنظمات الدولية وذلك باعتبارهم من أشخاص القانون الدولي العام، أما بالنسبة لأشخاص القانون الدولي العام الأخرى فيتمتعون حق إبرام المعاهدات التي تتفق مع الاختصاص المحدود المعترف به لهم وفي الإطار اللازم لتحقيق أهدافهم.
* ولا يعد من قبيل المعاهدات العمال التي يأتيها أشخاص القانون الداخلي حتى لو اتخذت في بعض الأحيان شكل الاتفاق الدولي، ومن أمثلة ذلك العقود الدولية التي تبرمها شركات تابعة لدول مختلفة.
* أما السلطات التي تملك إبرام المعاهدات في نطاق الدولة الواحدة يحدده القانون الأساسي لكل دولة، على أنه جرى العمل على أن تختص السلطة التنفيذية دائماً بإجراء المفاوضات بشأن المعاهدات التي ترى الدولة إبرامها، وقد تنفرد السلطة التنفيذية باستكمال باقي الإجراءات بعقد المعاهدة وترجع في ذلك إلى السلطة التشريعية وذلك ؟..... حسبما يقضي به دستور كل دولة.

ثانياً- الرضا:
لا تكفي أهلية التعاقد لصحة المعاهدة، بل يلزم أيضاً أن تكون الإدارة المعبر عنها في المعاهدة منسوبة إلى الدولة وأن تكون صحيحة، أي تكون صادرة من أحد ممثلي الدولة الذين يملكون سلطة إبرام المعاهدات، وفي حال تجاوز ممثلي الدولة حدود اختصاصهم أو التفويض الممنوح لهم فلا يمكن الاحتجاج بذلك تجاه الدول الأخرى إلا إذا كانت مخالفتهم صريحة وتتصل بقاعدة قانونية جوهرية من قواعد القانون الداخلي، أما إذا قيدت الدولة ممثليها في إبرام المعاهدة بقيود معينة فلا يمكن الاحتجاج بهذه القيود إلا إذا كان قد سبق إعلانها للدول الأخرى أطراف المعاهدة.
* ويجوز للدولة طلب إبطال المعاهدة وفقاً لاتفاقية فيينا إذا تم إفساد إرادة ممثلها بإغرائه مادياً أو معنوياً، فالمعاهدة لا تنعقد صحيحة إلا بتوافر الرضا التام الخالي من العيوب، وعيوب الإرادة هي الغلط والتدليس والغبن والإكراه ولكن يثور التساؤل هنا عن أثر عيوب الإرادة في إبرام الاتفاقيات الدولية، وهل يمكن الاحتجاج بالبطلان لتوافر هذه الأسباب بنفس الطريقة المتبعة في القانون المدني؟
من الصعب واقعياً أن يكون لعيوب الرضا الواردة في القانون المدني ذات الأهمية في محيط العلاقات الدولية وذلك لعدم إمكانية تصور الغش أو الغلط في حالة إبرام المعاهدة وذلك لأنه يلزم لإبرامها المرور كقاعدة عامة بمراحل عديدة، ، من مفاوضات وتحرير وتوقيع وتصديق مما يجعل الوقوع في الخطأ أو الغش مستحيلاً وبالتالي تكون المعاهدة على الوجه المتقدم أقرب إلى التشريع منها إلى العقد بمفهوم القانون الخاص وخاصة إذا كانت المعاهدة من النوع الذي يتضمن إنشاء قاعدة قانونية.
* ومع ذلك ومن قبيل الاحتياط قرر العرف الدولي حق الدولة التي أبرمت معاهدة نتيجة غش أو تدليس في طلب إبطالها.
* الإكراه: يفرق الشراح بين حالتين:
- الحالة الأولى: إكراه ممثلي الدولة في إبرام المعاهدة: تكون المعاهدة باطلة بإجماع الفقه وهذا ما قررته اتفاقية فيينا.
- الحالة الثانية: الإكراه الواقع على ذات الدولة: وقد يكون الإكراه مادياً كالحرب وقد يكون معنوياً كالضغط السياسي أو الاقتصادي فلقد اختلف الشراح على الشكل التالي:
الاتجاه الأول: يرى أنه لا يجوز للدولة أن تحتج بالإكراه لأن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع الدولية ويقلل من قيمة المعاهدة كما يساعد الدولة على التهرب من المعاهدات وبدليل هذا الاتجاه على كلامه بصحة اتفاقية الصلح التي تنشأ عادة تحت الإكراه الناتج عن الهزيمة في الحرب.
\الاتجاه الثاني: يرى أن ن حق الدولة طلب إبطال المعاهدة لأن ذلك ما تفرضه مبادئ العدالة والإنسانية والمساواة بين الدول، فالاتجاه السابق يتعارض مع المبادئ المسلم بها في كافة الأنظمة القانونية التي تقتضي وجود إرادة حرة، وإن ما يهدد استقرار العلاقات الدولية هو وجود أوضاع ظالمة ناتجة عن الإكراه لأنه في أقرب فرصة سوف تتحرر الدول الواقعة تحت إكراه إلى التحلل من هذه الالتزامات.
* وأخذت اتفاقية فيينا بالاتجاه الثاني لأنه أقرب إلى العدالة والمساواة بين الدول.
ثالثاً- مشروعية موضوع التعاقد:
يجب أن يكون موضوع المعاهدة مشروعاً وجائزاً ويكون موضوعها مشروعاً إذا تم الاتفاق على أمر من الأمور التي يبيحها القانون وتقرها مبادئ الأخلاق ولا يتعارض مع تعهدات أو التزامات سابقة وطبقاً لهذا لا تعتبر المعاهدة صحيحة في الحالات التالية:
1- إذا كان موضوعها منافياً لقواعد القانون الدولي العام الثابتة أو الآمرة كما لو اتفقت دولتان على تنظيم الاتجار في الدقيق أو على تحديد مناطق في أعالي البحار تختص كل منها بالسيادة عليها وقررت اتفاقية فيينا أن المعاهدة باطلة بطلان مطلق في هذه الحالة.
2- إذا كان موضوعها منافياً لحسن الأخلاق أو مبادئ الإنسانية العامة، كما لو اتفقت دولتان على اتخاذ تدابير اضطهادية لا مبرر لها ضد جنس معين أو الإبادة لهذا الجنس أو لأنه يدين بديانة معينة، أو أن تفرض دولة على أخرى معاهدة تتضمن شروطاً فيها اعتداء صارخ على الحقوق الأساسية لهذه الدولة، أو تتضمن معاملة لشعبها تتنافى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
3- أن يكون موضوعها مخالفاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة.
4- أن يكون موضوعها منافياً لتعهد سابق التزم به أحد أطرافها في اتفاقيات جماعية لأن مثل هذه القواعد التي تعبر عن المصلحة العليا للمجتمع الدولي تعتبر في مرتبة سامية ولا يجوز مخالفتها إلا بقواعد من نفس النوع.
المبحث الثاني : العناصر التبعية للمعاهدات
أولاً- الأجل:
غالباً ما يحدد في المعاهدة أجل بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو ببعض أحكامها، كأن تنص المعاهدة على سريان أحكامها بعد مضي فترة من الزمن من إيداع التصديقات، أو على انتهاء العمل بها بعد زمن معين من دخولها في دور التنفيذ، فإن لم تحو المعاهدة مثل ذلك أصبحت نافذة المفعول بمجرد ارتضاء جميع الدول الأطراف الالتزام بأحكامها بأي من الطرق التي ذكرناها سابقاً والتي تدل على الارتضاء، ولقد قررت اتفاقية فيينا أنه إذا تم ارتضاء الدولة الالتزام بالمعاهدة في تاريخ لاحق لدخولها دور النفاذ فإن المعاهدة تعتبر نافذة في مواجهة هذه الدولة منذ هذا التاريخ ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك.
ثانياً- الشرط:
الشرط هو عبارة عن حادثة مستقلة وغير مؤكدة تحدد بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو بعض أحكامها وتحتوي بعض المعاهدات على شروط.
ثالثاً- التحفظ:
التحفظ هو إجراء تعلن الدولة بمقتضاه عن رغبتها في عدم التقيد ببعض أحكام المعاهدة أو تعطي لها تحديداً معيناً، والتحفظات إما أن ترد صراحة في نصوص المعاهدة ولكن ذلك لا يعتبر تحفظاً بالمعنى الصحيح بقدر ما يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مضمون المعاهدة وقد يقترن التحفظ بالتوقيع على المعاهدة، ويكون ذلك عن طريق تحرير بروتوكول خاص بذلك يسمى بروتوكول التوقيع ويتم التحفظ في هذه الحالة بعد مناقشته بواسطة الأطراف قبل تمام إبرام المعاهدة وقد يقترن التحفظ بالتصديق على المعاهدة أو الانضمام إليها وهنا يجب قبوله من الدول الأطراف الأخرى إلا إذا كانت المعاهدة تنص على إمكان إصدار مثل هذه التحفظات قيد التصديق عليها.
* ويتم قبول التحفظ صراحة أو ضمناً إذا لم يعترض عليه أطراف المعاهدة، ولا تثير التحفظات التي تعلن عند التوقيع صعوبات كثيرة لانتفاء عنصر المفاجأة فيها بعد التوقيع فتثير مشاكل كبيرة فلا يكون أمام الأطراف الأخرى في المعاهدة إلا قبول أو رفض المعاهدة ككل، أما التحفظ الذي يصحب الانضمام إلى المعاهدة فهو أكثرها صعوبة حيث يأتي بعد إبرام المعاهدة ونفاذها.
* على أنه لا يجوز بصفة عامة لطرف في المعاهدة أن يبدي تحفظات إذا كانت نصوصها تمنع ذلك بصفة عامة، أو فيما يتعلق ببعض أحكامها، كما لا يجوز إبداء تحفظات إذا كانت تتعارض مع موضوع المعاهدة أو الغرض منها.
*الآثار القانونية المترتبة على التحفظات:
يجب أن نفرق بين نوعي من المعاهدات:
1- المعاهدات الثنائية أو محددة الأطراف:
لا ينفذ مفعول التحفظ إلا بقبوله من جميع الأطراف، ويرجع ذلك إلى طبيعة هذه المعاهدات التي لا تتفق مع إبداء تحفظات عليها حيث تكون أهدافها وموضوعها واجبة التطبيق بالنسبة لجميع أحكامها وفي مواجهة كافة أطرافها.
2- المعاهدات الجماعية العامة:
التحفظ على بعض أحكامها جائز كمبدأ عام، ومن المتصور في هذه الحالة أن تقبل بعض الدول الأطراف التحفظ وأن ترفضه دول أخرى فيسري التحفظ في حق من قبله ولا يسري في حق باقي أطراف المعاهدة، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات تتعلق بطبيعة هذا النوع من المعاهدات حيث نضع قواعد عامة لا ترتب التزامات متبادلة، وبالتالي يجوز لدولة أن تقبل بعض أحكام المعاهدة دون البعض الأخر، ومن ناحية أخرى فإن هذه المعاهدات غالباً ما يكون الانضمام مفتوحاً للدول الأخرى التي لم تشترك في إبرامها ولما كان انضمام الدول في هذه المعاهدات أمراً اختيارياَ فإنه بالتالي يجوز أن يكون هذا الانضمام جزئياً بقبول الدول المنضمة بعض نصوص المعاهدة دون البعض الآخر.
الفصل الثالث : الآثار القانونية للمعاهدات
المبحث الأول : آثار المعاهدات فيما بين أطرافها
للمعاهدة المبرمة صحيحاً أثناء نفاذها قوة القانون بين أطرافها فهي ملزمة لجميع أطرافها ويجب على كل دولة طرف توفير وسائل تنفيذ المعاهدة وإلا سوف تتحمل المسئولية الدولية، كما لا يجوز لها التحلل من التزاماتها بحجة أنها أصبحت مجحفة أو أنها أكرهت عليها تحت تأثير ظروف خاصة لأن هذا يؤدي إلى فوضى دولية، ولقد أكدت اتفاقية فيينا ذلك وقررت أولوية أحكام المعاهدة على القانون الدولي.
* ومن المقرر أن المعاهدات لا يمتد أثرها على الماضي بالنسبة للأعمال أو الوقائع التي تمت قبل نفاذها مل لم يتفق الأطراف على غير ذلك، كما أن المعاهدة تنطبق على كافة أجزاء الأقاليم التابعة لأطرافها إلا إذا نص صراحة على غير ذلك في نصوص المعاهدة وهذا ما أيدته اتفاقية فيينا.
المبحث الثاني : آثار المعاهدات بالنسبة لغير أطرافها
القاعدة العامة أن المعاهدة لا ترتب حقوقاً وواجبات إلا بين أطرافها وأن أثرها لا يمتد إلى الدول التي لم تساهم في إبرامها وهذا المبدأ مسلم به ويجمع عليه الفقه والقضاء الدوليين وعليه يجري العمل بين الدول.
* ولكن قد يحدث أن تمتد آثار المعاهدة المبرمة بين دول معينة إلى دول أخرى لم تكن طرفاً فيها، وذلك إذا كان تنفيذ الالتزامات الواردة في المعاهدة يحقق نفعاً لها.
ولكن اتفاقية فيينا تشترط قبول الدولة الغير كتاب بتحمل الالتزامات التي تفرضها عليها المعاهدة ورغم ذلك توجد حالات يمتد فيها أثر المعاهدات إلى غير الأطراف على سبيل الاستثناء وسندرس هذه الحالات بالتفصيل؟
أولاً- المعاهدات المنظمة لأوضاع دائمة:
وتعني المعاهدات التي يتعذر فيها تنظيم المركز القانوني لمنظمة معينة أو لإقليم ما، حيث غالباً ما تقرر هذه المعاهدات أموراً تهم المجتمع الدولي بنفس القدر الذي تهم فيه الدول التي أبرمتها وخاصة إذا ما استقرت المبادئ التي تضمنتها في العرف الدولي.
ومن أمثلة هذا النوع من المعاهدات ميثاق الأمم المتحدة الذي يمتاز بالطابع الدستوري حيث يكون ملزم للدول الأطراف وغير الأطراف.
ثانياً- الانضمام اللاحق للمعاهدة:
هناك المعاهدات المقفلة التي تشترط لدخول عضو جديد فيها الدخول في مفاوضات مع أطراف المعاهدة وبالمقابل هناك المعاهدات المفتوحة وهي التي تحوي نصاً يبيح انضمام الغير إليها أو قبولها لها وكثيراً ما تتخذ المعاهدات الهامة الشكل الأخير بعد استيفاء شروط أو إجراءات معينة، والنص المبيح للانضمام للمعاهدة يتخذ في غالب الأحوال شكل دعوة موجهة إلى الدول غير الأطراف لكي تقبل الانضمام إلى المعاهدة.
* ولا يحصل الانضمام إلى المعاهدات إلا بعد نفاذها بين أطرافها الأصليين وبتمام إجراءات الانضمام تصبح الدولة طرفاً في المعاهدة ويكون لها كافة الحقوق والمزايا التي تتمتع بها أطرافها كما تتحمل كافة الأعباء والالتزامات التي تقررها المعاهدة بالنسبة لأطرافها.
ثالثاً- شرط الدولة الأكثر رعاية:
يحدث أحياناً عند إبرام معاهدة أو اتفاق بين دولتين أن تتعهد كل منهما للأخرى لمقتضى نص خاص بأن تسمح لها بالاستفادة من كل امتياز تمنحه في المستقبل لدولة أو لدول غيرها بالنسبة لأمر من الأمور التي تم الاتفاق عليها في المعاهدة، فإذا تضمنت معاهدة بين دولتين هذا النص ثم أبرمت إحدى الدولتين معاهدة مع دولة ثالثة تمنحها فيها لعض الحقوق أو المزايا التي لم ترد في المعاهدة الأولى، كان للدولة الثانية الحق في الاستفادة من هذه الحقوق والمزايا استناداً إلى شرط الدولة الأكثر رعاية، ويعد هذا الشرط وسيلة انضمام غير مباشرة لدولة في معاهدة هي ليست طرفاً فيها.
* وغالباً ما يتم تضمين هذا الشرط في الاتفاقيات ذات الصفة الاقتصادية أو التجارية وفي اتفاقات إقامة الأجانب، ويعد هذا الشرط وسيلة من وسائل توحيد القواعد والنظم التي يتناولها مما يؤدي إلى توحيد القانون والمساواة في المعاملة بين الدول.
والدول المنتفعة بهذا الشرط لها فقط أن تطالب بالمساواة القانونية، ولا يمتد مجال هذا الشرط إلى محيط العلاقات التي تستند إلى نظم وروابط خاصة، كتلك التي تقوم بين دول اتحاد أو تعاهد أو بما يبرم بين الدول الأعضاء في منظمة إقليمية كجامعة الدول العربية، وإنما يتناول فقط الاتفاقات التي تبرم في حدود العلاقات الدولية العادية بين الدول بصفة عامة.
رابعاً- الاشتراط لمصلحة الغير:
قد ينشأ حق لدولة ليست طرفاً في معاهدة إذا نصت المعاهدة على منح هذا الحق لدولة معينة أو لمجموعة من الدول أو للدول جميعاً، ووافقت الدول الغير على قبول هذا الحق صراحة أو ضمناً على أن للدول التي تتمتع بممارسة حق من هذا النوع أن تتم ممارستها لهذا الحق في حدود الشروط التي حددتها المعاهدة، وفي مقابل هذا يمنع على أطراف المعاهدة إلغاء أو تغيير حق تم إقراره أو النص عليه لمصلحة الغير إذا كانت المعاهدة تتضمن نصاً بعدم التعديل، أو إذا ثبت أن أطراف المعاهدة قد قصدوا ألا يتم تعديل أو إلغاء هذا الحق بدون موافقة الدول غير الأطراف في المعاهدة والتي تقرر هذا الشرط لمصلحتها.
* أحكام معاهدة فيينا حول أثر المعاهدات بالنسبة للدول الغير:
1- لا تنشئ المعاهدات التزامات أو حقوقاً للدول الغير بدون موافقتها.
2- ينشأ التزام على الدولة الغير نتيجة نص في معاهدة إذا قصد أطراف المعاهدة بهذا النص أن يكون وسيلة لإنشاء الالتزام، وقبلت الدول الغير صراحة هذا الالتزام.
3- ينشأ حق للدولة الغير نتيجة نص في المعاهدة إذا قصد أطراف المعاهدة بهذا النص منح هذا الحق للدولة الغير أو لمجموعة من الدول تنتمي هذه الدولة إليها أو للدول جميعاً ووافقت الدول الغير على ذلك، وتفترض هذه الموافقة ما لم يصدر عن الدولة الغير ما يفيد العكس إلا إذا نصت المعاهدة على غير ذلك.
4- تلتزم الدولة التي تمارس حقها مراعاة شروط ممارسة هذا الحق المنصوص في المعاهدة أو الموضوعة وفقاً لها.
5- عندما ينشأ التزام على الدولة الغير فإن إلغاء أو تغيير هذا الالتزام لا يتم إلا بالرضاء المتبادل للأطراف ولدولة الغير ما لم يثبت أنهم اتفقوا على غير ذلك.
6- عندما ينشأ حق للدولة الغير فلا يجوز للأطراف إلغاء أو تغيير هذا الحق إذا ثبت أنه به ألا يكون محلاً للإلغاء أو التغيير بغير موافقة الدولة الغير.
7- ليس في البنود السابقة ما يحول دون قاعدة واردة في معاهدة أن تصبح ملزمة لدولة ليست طرفاً فيها باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي ومعترفاً لها بهذه لها بهذه الصفة.
الفصل الرابع : تفسير المعاهدات
يقصد بتفسير المعاهدات تحديد معنى النصوص التي أتت بها ونطاقها تحديداً دقيقاً.
المبحث الأول : اختصاص التفسير
تؤسس المعاهدات على رضا أطرافها، ولما كان المجتمع الدولي تنقصه السلطة التشريعية أو القضائي بالمعنى المتعارف عليه في القانون الداخلي، وقد ترتب على ذلك أن الدول الأطراف في المعاهدة المبرمة هم الذين يسند إليهم اختصاص تفسير نصوص المعاهدة المبرمة بينها ويجب مراعاة قواعد العدالة وحسن النية، والقصد الحقيقي من المعاهدة عند التفسير، وإذا قام خلاف بين الدول بشأن التفسير فلكل دولة حق تفسير المعاهدة غير أن هذا التفسير لا يلزم غيرها من الأطراف، وقد يحال أمر التفسير إلى هيئات التحكيم أو إلى القضاء الدولي ولقد أصبح من السائغ في الوقت الحالي أن تحتوي المعاهدة على نصوص تفرض على أطرافها في حال وجود خلاف على تفسير نصوصها التزام اللجوء إلى التحكيم أو إلى محكمة العدل الدولية.
* وقد يتفق الأطراف على تفسير النص المختلف عليه بواسطة تصريح أو بروتوكول يلحق بالاتفاق نفسه، وقد يتفقون على التفسير ويسجلون هذا الاتفاق في معاهدة لاحقة تتم بالوسيلة ذاتها التي تم بها الاتفاق الأصلي، وهو ما يطلق عليه التفسير الرسمي.
* ويختص القضاء المصري – الداخلي – بتفسير المعاهدات التي تطبق داخل إقليم الدولة المصرية وذلك لأن المعاهدة لا تسري داخل مصر إلا بمقتضى تشريع داخلي يصدر بتطبيقها داخل الإقليم المصري.
* ويرى مؤلف الكتاب أن تفسير المعاهدات يجب ألا يترك لمحاكم كل دولة حتى لا تتضارب التفسيرات ويضيع الهدف من المعاهدة، فمن الصعب السماح للقاضي بتفسير إرادات الدول الأخرى أطراف المعاهدة واستخلاص ما انصرفت إليه هذه الإرادات.
المبحث الثاني : وسائل تفسير المعاهدات
أولاً- القواعد العامة للتفسير:
1- تفسير المعاهدة بحسن نية في ضوء موضوعها والغرض منها.
2- الإطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير يشمل إلى جانب نص المعاهدة بما في ذلك الديباجة والملخصات ما يلي:
أ- أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعاً بمناسبة عقد هذه المعاهدة.
ب- أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة.
3- يؤخذ في الاعتبار إلى جانب الإطار الخاص بالمعاهدة.
أ- أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها.
ب- أي مسلك لاحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه الأطراف بشأن تفسيرها.
ج- أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العلاقة بين الأطراف.
4- يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك.
ثانياً- الوسائل المكملة للتفسير:
يجوز الالتجاء إلى وسائل المكملة للتفسير كالعمال التحضيرية وذلك لتحديد المعنى إذا أدى التفسير إلى:
أ- بقاء المعنى غامضاً أو غير واضح.
ب- أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة.
ثالثاً- المعاهدات المعتمدة بأكثر من لغة واحدة:
1- إذا اعتمدت المعاهدة بلغتين أو أكثر يكون لكل نص من نصوصها نفس الحجية ما لم تنص المعاهدة أو يتفق الأطراف على أنه عند الاختلاف تكون الغلبة لنص معين.
2- نص المعاهدة الذي يصاغ بلغة غير إحدى اللغات التي اعتمد بها لا يكون له نفس الحجية إلا إذا نصت المعاهدة أو اتفق الأطراف على ذلك.
4- يفترض أن لإلغاء المعاهدة نفس المعنى في كل نص من نصوصها المعتمدة.
الفصل الخامس : انقضاء المعاهدة
انتهاء المعاهدة يعني أن أحكامها قد توقفت عن السريان وزالت قوتها الملزمة، حينما نتكلم عن الانقضاء فنحن نفترض وجود معاهدة صحيحة، أما بطلان المعاهدة فيتحقق عندما تفقد المعاهدة شرطاً من شروط الانعقاد.
المبحث الأول : طرق انقضاء المعاهدات
أولاً- انقضاء المعاهدة بالاتفاق:
قد يتفق أطراف المعاهدة على طريقة إنهاء العمل بها بإحدى الصور الآتية:
1- قد تنص المعاهدة على أنها تسري لأجل محدد وقد تحتوي على شرط فاسخ فتنقضي المعاهدة بحلول الأجل أو يتحقق الشرط الفاسخ، وقد ينص على انقضاء المعاهدة بمجرد تنفيذها تنفيذاً كاملاً، كمعاهدات تعيين الحدود بين دولتين، وانتهاء المعاهدة فهذه الحالات لا يحول دون الاستشهاد بها كوثيقة تتثبت ما تضمنته من التزامات، أما إذا كانت المعاهدة متعددة الأطراف وتتطلب لنفاذها انضمام عدد معين من الدول إليها وحدث بعد نفاذها أن نقص عدد أطرافها عن الحد الأدنى الذي قررته المعاهدة فإن ذلك لا يؤدي إلى انقضاء المعاهدة إلا إذا نصت على خلاف ذلك.
2- وقد تبيح المعاهدة انسحاب أحد الأطراف منها بشروط معينة، ويترتب على الانسحاب في المعاهدات الثنائية انقضاء المعاهدة، أما في المعاهدات الجماعية فتظل المعاهدة سارية المفعول في مواجهة باقي الأطراف، وتعتبر المعاهدة منتهية في مواجهة الطرف المنسحب منها.
3- وقد تنقضي المعاهدة باتفاق الدول الأطراف فيها صراحة على إنهائها أو تعديلها وقد يكون اتفاق الأطراف ضمنياً باستبدال معاهدة جديدة بها أو بعقد معاهدة جديدة بين أطراف المعاهدة الأولى تحتوي على نصوص تتعارض مع نصوص المعاهدة الأولى الذين لم يوافقوا عليها.
* وإذا كانت المعاهدة خالية من أي نص يحدد طريقة إنهائها أو يعطي لأطرافها الحق في الانسحاب منها فإنها تظل نافذة طالما لم يطرأ سبب آخر يؤدي إلى انقضائها.
ثانياً- انقضاء المعاهدة بغير الاتفاق:
يجوز للدول استثناء من المبدأ العام التحلل من المعاهدة بإرادتها المنفردة وذلك في الأحوال التالية:
1-انقضاء المعاهدة بالفسخ:
يجوز لدولة طرف فسخ المعاهدة بإرادتها المنفردة أو توقف تنفيذ أحكامها كلياً أو جزئياً إذا ما أقر الطرف الآخر بالتزاماته المقررة في المعاهدة، ولكن يجب ان يكون الفسخ مقترناً بأسباب قوية تتعلق بإخلال بمسائل جوهرية في المعاهدة، أما الفسخ غير المشروع أو التعسفي فيرتب تحمل الدولة الفاسخة تبعة المسئولية الدولية. وأجازت معاهدة فيينا إنهاء المعاهدة سواء كانت ثنائية أم جماعية إذ كانت هناك إخلال جوهري بأحكام المعاهدة ولكن يقتصر أثر الإنهاء في المعاهدة الجماعية تجاه الدول المخالفة فقط. ولكن معاهدة فيينا فرضت على الدولة التي تغرب في إنهاء المعاهدة على أساس الفسخ أو غير من المبررات إخطار الطرف الآخر للمعاهدة بذلك، فإذا أبدى هذا الطرف اعتراضه كان عليهما أن يتفقا على حل للمسألة بطريقة سلمية وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
2- انقضاء المعاهدة بتغير الظروف:
تبرم المعاهدات بصفة عامة تحت شرط ضمني هو بقاء الظروف على حالها فإذا ما تغيرت الظروف كان للدولة أن تطالب الطرف الآخر بإنهاء أو تعديل المعاهدة ويكون طلبها هذا متفقاً مع قواعد القانون الدولي العام، ولكن يجب أن يكون التغيير في الظروف أساسياً، وغالباً ما ترفض المحاكم الدولية الأسباب التي يدعيها الطرف الذي يطلب إنهاء المعاهدة لتغيير الظروف وذلك حفاظاً على استقرار المعاملات الدولية. واشترطت معاهدة فيينا للانسحاب من المعاهدة بسبب تغيير الظروف ما يلي:
أ- إذا كان وجود هذه الظروف قد كون أساساً هاماً لارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة.
ب- إذا ترتب على التغير تبدل جذري في نطاق الالتزامات التي يجب أن تنفذ مستقبلاً طبقاً للمعاهدة.
* وتقرر معاهدة فيينا أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:
أ- إذا كانت المعاهدة منشئة لحدود.
ب- إذا كان التغير الجوهري إخلال طرف بالتزام طبقاً للمعاهدة أو بأي التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.
* والدفع بتغيير الظروف يستلزم إبلاغ الطرف الآخر بذلك كتابة فإذا مضت فترة لا تقل عن ثلاثة شهور دون أن يصدر أي اعتراض من أي طرف آخر يكون للطرف صاحب الإبلاغ أن يقوم بالإجراء الذي اقترحه، أما إذا صدر اعتراض من أي طرف، فعلى الأطراف أن ينشدوا حلاً عن طريق تسوية النزاع بالوسائل السلمية.
3- انقضاء المعاهدة بانقطاع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية:
ولكن لا تطبق هذه الحالة إلا حينما يكون وجود هذه العلاقات الدبلوماسية والقنصلية أمراً ضرورياً لتنفيذ المعاهدة وفي مثل هذه الحالات يوقف تنفيذ المعاهدة حتى تعود العلاقات بين الدول مرة أخرى ثم يستأنف تنفيذ المعاهدة.
4- انقضاء المعاهدة بسبب الحرب:تؤدي الحرب إلى قطع العلاقات السلمية بين الدول المتحاربة مما يؤثر على المعاهدات التي تربط بينها.
* ولكن هناك معاهدات لا تنتهي بقيام الحرب وهي:
أ- المعاهدات التي أبرمت خصيصاً لتنظيم حالة الحرب نفسها وبيان ما يترتب عليها من آثار تصبح نافذة المفعول بقيام الحرب لأن مجال تطبيقها هو حالة الحرب نفسها ومن ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949.
ب- المعاهدات التي أبرمت لتنظيم حالة دائمة نهائية وتم تنفيذها بالفعل كمعاهدات التنازل عن الإقليم.
ج- المعاهدات الجماعية أو العامة التي تنظم أموراً تهم الدول جميعاً والتي تساهم فيها دول غير الدول المتحاربة، حيث يوقف نفاذها بالنسبة للدول المتحاربة حتى انتهاء الحرب، حيث تعاود نفاذها بعد انتهاء الحرب دون حاجة لاتفاق جديد ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك.
* أما المعاهدات التي تنتهي بقيام الحرب فهي:
المعاهدات التي تبرمها دولتان بغرض توثيق علاقاتهما وتحقيق التعاون بينهما في ناحية من النواحي كمعاهدات الصداقة حيث تنتهي بقيام الحرب بين الدول لأن طبيعتها تتنافى مع حالة الحرب، ولا تعود إلى النفاذ بعد انتهاء الحرب إلا باتفاق جديد.
المبحث الثاني : أسباب انقضاء المعاهدة
أولاً- انتهاك أحكام المعاهدة:
لا تنقضي المعاهدة بانتهاك أحكامها بشكل تلقائي وإنما تصبح المعاهدة قابلة للإلغاء من جانب الطرف الذي انتهكت الأحكام حياله، وعلى ذلك فإن إنهاء المعاهدة لا يتحقق إلا من وقت طلبه لا من وقت تحقق سببه.
* وطلب إنهاء المعاهدة لانتهاك أحكامها لا يثر أي مشاكل بالنسبة للمعاهدات الثنائية حيث تكون العلاقة منحصرة بين دولتين فقط، أما في المعاهدات الجماعية فلا يجوز لطرف واحد أن يلغي المعاهدة لأن طرف آخر قد أخل بالتزاماته، فلا بد من إجماع أطراف المعاهدة مع عدا الطرف المخالف على إنهاء المعاهدة ولا يجوز أن يتم ذلك بطريق فردي من أحد الدول.
* شروط الإخلال بالمعاهدة:
أ- أن يكون جوهرياً سواء بنص من نصوص المعاهدة أو بروح الاتفاق نفسه.
ب- أن يحدث من أجهزة الدولة المسئولة، ولا يعتد بالإخلال الصادر من الأفراد أو الجماعات الأخرى التي لا تكون الدولة مسئولة عن تصرفاتهم.
* ويجب على الطرف الذي يطالب بإلغاء المعاهدة أن يستعمل هذا الحق في وقت مناسب من تاريخ وصوله، وإلا فإن السكوت على الإخلال فترة من الزمن قد يفيد قبول الدولة التي انتهكت مصالحها نتيجة هذا الإخلال لهذا الوضع، أي قبولها بعض التغييرات في المعاهدة.
ثانياً- استحالة تنفيذ المعاهدة:
استحالة تنفيذ المعاهدة يعني استحالة تطبيق أحكامها على واقعة معينة بسبب قوة قاهرة أو حالة الضرورة والاستحالة قد تكون موضوعية وقد تكون قانونية.
* الاستحالة الموضوعية: من صورها أن تبرم دولتان معاهدة لتنظيم حقوق كل منهما على جزيرة معينة ثم تختفي هذه الجزيرة نتيجة غمر مياه البحر لها.
* الاستحالة القانونية: من صورها أن تبرم معاهدة تحالف بين ثلاث دول ثم تشب الحرب بين اثنتين منهما، فإن الدولة الثالثة تكون في حل من هذه المعاهدة لأنه يستحيل عليها القيام بالتزاماتها قبل كل من الدولتين المتحاربتين في نفس الوقت، ومن صورها ............... من قواعد النظام العام بعد إبرام المعاهدة تجعل تنفيذها مستحيلاً كتحريم تجارة الدقيق بعد إبرام معاهدة ................. الدقيق.
* وتنقضي المعاهدة بسبب الاستحالة تلقائياً فيما جرى عليه الفقه الغالب دون حاجة إلى إجراء من جانب أطرافها، المر الذي يمكن معه أن تدخل الاستحالة ضمن انقضاء المعاهدات بدلاً من أسباب انقضائها.
ثالثاً- سقوط المعاهدات بالتقادم:
يقرر الفقه وعلى خلاف التشريع الداخلي إمكانية الأخذ بفكرة سقوط المعاهدة بالتقادم في مجال العلاقات الدولية، وليست هناك مدة محددة يجب انقضاؤها لكي يمكن الاحتجاج بأن المعاهدة قد سقطت بالتقادم، وإن كان يرجح أنه يجب انقضاء فترة زمنية طويلة وممتدة لإمكان إعمال فكرة التقادم بالنسبة للمعاهدات على أنه يجب عدم اتخاذ السكوت وحده دليلاً على سقوط أحكام المعاهدة بالتقادم، بل .......... تقوم بجانبه قرائن قوية تؤدي وتدعم ذلك.
الباب الثالث : المسئولية الدولية
تمهيـد:
المسئولية الدولية هي الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي العام على عدم احترام أحد الأشخاص لالتزاماته الدولية، والمسئولية الدولية لا تنشأ إلا بين الدول المتمتعة بالسيادة ولا يدخل في ذلك الأفراد أو الهيئات الخاصة، أما الدول غير تامة السيادة كالدول المحمية والتابعة والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي فهي محرومة من ممارسة سيادتها في الخارج أو مقيدة في ممارستها فتتحمل المسئولية بدلاً منها الدول التي تمارس عنها السيادة.
وكذلك الحال بالنسبة للدول المكونة لدول تعاهدية، فالحكومة التعاهدية هي التي تعد مسئولة دولياً عن أعمال الدول المكونة لاتحاد كونفدرالي أو شخصي فنظراً لأن كلاً منها تستقل بتصريف شئونها الخارجية وتحتفظ بشخصيتها الدولية فإن أي إخلال من جانبها بالتزاماتها الدولية يولد التزاماً آخر في جانبها هو الالتزام بالمسئولية الدولية.
* المسئولية الدولية وسيادة الدولة:
يرى بعض الفقهاء من المؤيدين لنظرية السيادة المطلقة للدولة أن هناك تعارضاً بين مسئولية الدولة وسيادتها، لذلك لا يجوز أن تكون الدولة محلاً للمسألة من دولة أخرى.
أما الرأي الراجح يرى ...... الدولة بالسيادة لا يتعارض مع التزاماتها بقواعد المسئولية الدولية، فالسيادة من الأفكار المطلقة المجردة ...... الحرة فكما أنه من غير المتصور أن ينعم الفرد في المجتمع بحريته ما لم يوجد في القانون المبين للحد ......... حريته وحرية غيره، فكذلك لا يتصور تمتع الدول بسيادتها في المجتمع الدولي ما لم توجد قواعد دولية ملزمة ترسم لكل منها حدود سيادته وتكفل التعايش السلمي بين كل ما يحتويه المجتمع الدولي من سيادات وعلى فإن مسئولية الدولة عن أعمالها ما هي إلا نوع من المحافظة على سيادات الدول الأخرى.
* وقد أيد القضاء الدولي وعلى رأسه محكمة العدل الدولية مبدأ المسئولية الدولية.
* أنواع المسئولية الدولية:يترتب على إخلال الدولة بواجب أدبي المسئولية الأدبية لهذه الدولة وينتج عن ذلك حق معاملتها بالمثل.
أما المسئولية الدولية فتترتب نتيجة الإخلال بالتزام قانوني وتنقسم إلى:
أ- المسئولية المباشرة: وهي التي ترجع إلى خرق الدولة لالتزاماتها الدولية كما لو نسب إليها تقصير مباشر في أداء هذه الالتزامات، والمسئولية الباشرة في قصوره المسئولية الدولية.
ب- المسئولية غير المباشرة: فهي التي تنشأ في الحالات التي تتحمل فيها الدولة المسئولية عن أعمال دولة أخرى، وهذه الصورة تفترض قيام علاقة قانونية من نوع .......... التي ارتكبت الفعل غير المشروع وبين الدولة التي تتحمل المسئولية عنها، ومثال ذلك مسئولية الدولة الحامية عن أعمال الدولة المحمية.
الفصل الأول : شروط المسئولية الدولية وحالاتها
المبحث الأول : شروط المسئولية الدولية
أولاً- الضرر وإسناده إلى الدولة:
يشترط أن يكون هناك ضرر أصاب دولة من الدول، ويقصد بالضرر هنا المساس بحق أو بمصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون الدولي العام، ويجب أن يكون الضرر فعلي أي أن يكون هناك إخلال حقيقي بحقوق الدولة التي تشكو هذا الضرر.
* ويختلف معنى الضرر في العلاقات الدولية عن معناه في علاقات القانون الداخلي فالقانون الدولي ينظم علاقات الدولة ويحمي مصالحها المشروعة، وهذه المصالح غالباً ما تأخذ الصفة السياسية، ولذلك فإن الاعتداء على هذه المصالح قد يتسبب عنه ضرر معنوي أو أدبي، غير أن أحكام المسئولية الدولية تسوي في الحكم بين الضرر المادي كالاعتداء على حدود الدولة مثلاً، والضرر المعنوي أو الأدبي وهو الضرر الذي لا يمس المصالح المالية للمضار كامتهان كرامة ممثلي الدولة أو الإخلال بما يجب لها من الاحترام ويجب أن ينسب الضرر للدولة ويعتبر القانون الدولي أن الفعل الذي تسبب في الضرر منسوب للدولة إذا كان صادراً من سلطاتها العامة ويمتد اصطلاح سلطات الدولة هنا إلى كل فرد أو هيئة تمارس اختصاصاً معيناً وفقاً لأحكام القانون الداخلي وتنشأ المسئولية الدولية في هذه الحالة دون تفرقة بين سلطات الدولة العامة أي يستوي أن يكون الفعل المنسوب إلى الدولة صادراً عن سلطاتها التشريعية أو القضائية أو التنفيذية.
ثانياً- أن يكون الضرر نتيجة فعل غير مشروع:
يجب أن يكون الفعل الذي سبب الضرر غير مشروع من وجهة نظر القانون الدولي العام أما إذا كان الضرر نتيجة لمباشرة الدولة لحقوقها الطبيعية أو أدائها لالتزاماتها القانونية وفي الحدود التي قررها لها القانون الدولي العام دون تعسف من جانبها في استعمال هذا الحق وامتنع قيام المسئولية الدولية عنها.
ولا تسأل الدولة عن الأضرار الناتجة عن استعمال حقوقها إلا إذا تعسفت في ذلك كما لو قصدت الإضرار بدولة أجنبية أو بالأجانب المقيمين فيها، أو إذا كان استعمالها لهذا الحق يرتب فائدة لا يمكن مقارنتها بالأضرار التي تلحق بالغير، كما لو أصدرت الدولة تشريعاً يقضي بتحديد ملكية الأجانب للأراضي الزراعية داخل إقليمها ثم يتضح أن هذا التشريع قصد به الأفراد الذين يتمتعون بجنسية معينة دون سواهم.
أو أن تقوم الدولة بإصدار تشريع يحدد اتساع مياهها الإقليمية بشكل يهدد مصالح الدول الأخرى.
ثالثاً- أن يكون هناك خطأ من جانب الدولة:
يجب لترتب المسئولية الدولية على الدولة أن يكون هناك خطأ من جانب هذه الدولة، سواء كان هذا الخطأ متعمداً أو كان نتيجة إهمال منها، فإذا انتفى الخطأ كلية من جانب الدولة المشكو منها انتفت بذلك مسئوليتها الدولية.
وقررت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة حالات خاصة تنتفي فيها المسئولية الدولية من جانب الدولة وهي حالات ضرورية منها:
1- لا تسأل الدولة عن الأضرار التي تصيب الأجانب إذا كانت الإجراءات التي اتخذتها قد اقتضتها قوة قاهرة أو حالة ضرورة ناشئة عن خطر جسيم حال يهدد مصلحة حيوية للدولة على شرط ألا تكون هي المتسببة في ذلك ولم تكن تستطيع تجنبه بطريقة أخرى.
2- كذلك، لا تسأل الدول عن الأضرار التي وقعت إذا كان الفعل الضار منشئوه خطأ ارتكبه الأجنبي ذاته.
3- في حالة عدم إمكان قبولها كأسباب معفية من المسئولية تعتبر كل من القوة القاهرة وحالة الضرورة والخطأ المنسوب للأجنبي كظروف مخففة عند تحديد قدر التعويض.
* وهناك جانب من الفقه يرى أن الدولة يمكن أن تسأل مسئولية مجردة من الخطأ في الأحوال التي تمارس فيها الدولة نشاطاً يتسم بطابع الخطر غير المألوف كما لو قامت الدولة بإجراء بعض التجارب النووية لأغراض سلمية.
المبحث الثاني : حالات المسئولية الدولية
أولاً- المسئولية الدولية التعاقدية:
تثور المسئولية الدولية التعاقدية عند انتهاك الدولة لأحكام المعاهدات أو المواثيق الدولية التي أبرمتها مع الدول الأخرى، وبالتالي تلتزم الدولة بالتعويض كإصلاح للضرر وتلتزم بذلك حتى إن لم تنص المعاهدة على التعويض، لأن جبر الضرر مبدأ مستقر في القانون الدولي.
* وفي مجال الحديث عن مسئولية الدولية التعاقدية يفرق بين مسئولية الدولة عن تعهداتها تجاه دولة أخرى، ومسئوليتها عن تعهداتها قبل الأفراد التابعين لدولة أجنبية ويفرق في الحالة الأخيرة بين ما تبرمه الدولة من عقود مع الأفراد التابعين لدولة أجنبية بصفته شخصاً معنوياً مادياً، وما تبرمه الدولة من عقود مع هؤلاء الأفراد باعتبارها سلطة عامة وارتكاناً إلى سيادتها.
* وفيما يتعلق بانتهاك الدولة لعقد أبرمته مع أجنبي بصفتها شخصاً معنوياً فلا يترتب ذلك حتماً مسئوليتها الدولية حيال الدولة التي يتبعها الأجنبي، فالشخص الذي يشكو ضرراً من هذا الانتهاك يلجأ إلى القضاء مطالباً بالتنفيذ أو التعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة لهذا الإخلال بشرط أنه يجب ملاحظة أن المقصود بالتدخل هنا هو التدخل دبلوماسياً أو يرفع الأمر إلى القضاء الدولي وليس التدخل باستعمال القوة لأن ذلك يتمشى مع مبدأ فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ولقد ظهر في هذه الفترة مبدأ دراجو وزير خارجية الأرجنتين ومقتضاه أنه لا يجوز لدولة الدائنين أن تتخذ إجراءات الإكراه ضد الدولة المدينة.
ثانياً- المسئولية الدولية التقصيرية:
معظم القضايا التي تعرض على المحاكم الدولية يكون أساسها فعل خاطئ أتته الدولة وتعد الدولة مسئولة عن تصرفات سلطاتها أو هيئاتها العامة المخالفة لقواعد القانون الدولي حتى إن كانت متفقة على قواعد القانون الداخلي ويستوي في ذلك التصرفات الإيجابية أما السلبية.
1- مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية:
إذا لم تراع السلطة التشريعية للدولة عند قيامها بإصدار التشريعات عدم تعارض هذه التشريعات مع قواعد القانون الدولي ترتبت مسئوليتها الدولية عن كل ما يترتب على تنفيذ هذه التشريعات من مساس بحقوق الدول الأخرى أو برعاياها.
ومسئولية الدولة قد تترتب في إحدى حالتين:
الحالة الأولى: هي حالة إصدارها لتشريع يخالف التزاماتها الدولية وتكون مسئولية الدولة هنا نتيجة عمل إيجابي صادر من جانبها.
الحالة الثانية: هي حالة إعمال إهمال الدولة إصدار تشريع ضروري لتنفيذ الالتزامات الدولية والمحافظة عليها.
* ولقد ثار الخلاف في الفقه حول ما إذا كان مجرد صدور قواعد تشريعية مخالفة لأحكام القانون الدولي يعتبر في حد ذاته عملاً غير مشروع يرتب المسئولية الدولية. أم أن المسئولية تترتب عندما تضع الدولة هذا التشريع موضع التنفيذ وهنا تجب التفرقة بين نوعين من التشريعات:
الأول: هو التشريع الذي يقع الضرر بمجرد صدوره دون حاجة إلى إجراءات تنفيذية ومن ذلك قانون يلغي الحصانات الدبلوماسية، فهذا النوع من التشريعات يرتب المسئولية الدولية ويعطي الدولة المتضررة طلب إلغاءه أمام محكمة العدل الدولية.
الثاني: وهو التشريع الذي يستلزم تنفيذه إجراءات لاحقة ومن ثم فإن الضرر لا يقع بمجرد صدور التشريع ولكنه يقع بالتنفيذ الفعلي له مثال أن تصدر السلطة التشريعية للدولة قانوناً يتقرر فيه حرمان الأجانب الموجودين على إقليم الدولة من بعض الحقوق الثابتة لهم أو بتأميم ممتلكاتهم الموجودة في هذا الإقليم دون أن تمنحهم مقابل ذلك التعويض المناسب في هذه الحالة لا يقع الضرر بمجرد صدور هذا التشريع موضع التنفيذ، فالضرر هنا يتحقق بالنزاع الفعلي للملكية بمقتضى قرارات إدارية أو أحكام قضائية أو إجراءات تنفيذية ومن ثم فإن مسئولية الدولة في مثل هذه الحالة لا تترتب بمجرد صدور التشريع وإنما على تنفيذه ووقوع الضرر نتيجة لهذا التنفيذ.
2- مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة القضائية:
تقوم مسئولية الدولة عن أعمال سلطتها القضائية إذا أصدرت أحكاماً متعارضة مع قواعد القانون الدولي، ولا تستطيع الدولة أن تحتج باستقلال السلطة القضائية لأن مجال إعمال ذلك يكون في النطاق الداخلي، أما الدول الأجنبية فلا شأن لها بذلك كما لا يمكن للدولة دفع مسئوليتها بحجة أن لأحكام محاكمها قوة الشيء المحكوم فيه، وذلك لأنه هذه الفكرة تنطبق داخل إقليم الدولة فقط، بينما تظهر الدولة في ميدان العلاقات الدولية كشخصية ذات إرادة ذاتية واحدة مهما اختلفت وسائل التعبير عنها.
* وتعارض حكم القضاء مع قواعد القانون الدولي قد يأخذ إحدى صور ثلاث على الوجه التالي:
أ- قد يتضمن الحكم تفسيراً خاطئاً لنص داخلي مما يؤدي إلى تعارضه مع القانون الدولي.
ب- قد يتضمن الحكم تطبيق نص متعارض في ذاته مع قواعد القانون الدولي.
ج- قد يتضمن الحكم خطأ في تفسير قاعدة دولية التزم القاضي بالرجوع إليها تطبيقاً لنص داخلي.
* وتسأل الدولة في حالة إنكار العدالة، وفكرة إنكار العدالة تعني إحدى الصور الآتية:
أ- حرمان الأجنبي من حق اللجوء إلى محاكم الدولة للدفاع عن حقوقه.
ب- أن يكون هناك نقص في إجراءات التقاضي يؤدي إلى إخلال فادح بالضمانات التي يكفلها القانون الداخلي للمتقاضين.
ج- أن كون الحكم الصادر من المحكمة ضد الأجنبي يتسم بالتعسف تحت تأثير نزعة خاصة أو شعور عدائي ذد الأجانب أو ضد جنسية هذا الأجنبي بالذات.
* ومن المتفق عليه أن الدول لا تسأل عن الأخطاء الصادرة من محاكمها إذا كانت مبنية على خطأ في تقدير الوقائع أو في التطبيق القانون الوطني متى تم ذلك بحسن نية، فما دام القضاء الوطني قد بذل العناية المعقولة في سبل تحقيق العدالة فتنقض المسئولية عن الأحكام الصادرة منه والتي يشوبها خطأ من هذا النوع.
3- مسئولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية:
تسأل الدولة عن الأعمال الإيجابية والسلبية التي تصدر سلطتها التنفيذية وتتضمن إخلالاً بقواعد القانون الدولي أو بواجبات الدولة تجاه الدول الأخرى، ويدخل في مدلول السلطة التنفيذية للدولة جميع الجهات التي تتولى شئون الإدارة في الدولة أو تشرف عليها سواء كانت من السلطات المركزية أو المحلية وسواء صدرت من كبار موظفي الدولة أم صغارها، فإذا صدر قرار وزاري بالاستيلاء على دار سفارة أجنبية فإن مثل هذا القرار يعتبر عملاً غير مشروع في حد ذاته وتترتب مسئولية الدولة عليه بمجرد صدوره.
ويشترط أن تكون الأعمال أثناء مباشرة الاختصاصات الرسمية المحددة وفق القانون الوطني غير أن هناك جانباً كبيراً من الفقه يؤدي مبدأ مسئولية الدولة عن أعمال موظفيها حتى لو كانت تلك الأعمال خارجة عن نطاق اختصاصهم وأساس ذلك المظهر الذي جعل الموظف يبدو للآخرين بأنه يتصرف باعتباره موظفاً عاماً له حق التصرف بصفته هذه في الحالة موضوع المسئولية.
وخلاصة القول أن الدول تتحمل تبعة المسئولية الدولية عن أعمال موظفيها إذا كانت هذه الأعمال مرتبطة بالوظيفة أو تمت تحت ستارها.
* ويثور التساؤل عن تحمل الدولة تابعة للمسئولية الدولة عن تصرفات الأفراد العاديين الذين لا يحملون صفة الموظف العام، وقد استقر الفقه والقضاء الدوليين على أن الدولة تتحمل تبعة المسئولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة التي تصدر عن الأفراد العاديين أياً كانت جنسيتهم ما دامت قد ارتكبت على إقليم الدولة وأساس مسئولية الدولية هنا ينبغي على هدم وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية والتي تقضي باتخاذ التدابير الكفيلة بمراعاة قواعد القانون الدولي وتنفيذها في إقليمها، ومسئولية الدولة هنا مسئولية تقصيرية ناشئة عن سيادة الدولة وما تعترض هذه السيادة مقدرة فعلية على فرض احترام قواعد القانون الدولي على جميع الأفراد المقيمين على إقليمها.
الفصل الثاني : آثار المسئولية الدولية
المبحث الأول : الالتزام بالتعويض
يؤد التعويض إلى إزالة الضرر وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل ويتخذ التعويض الصور التالية:
أولاً- التعويض الأدبي:
ويتخذ هذا التعويض صورة الترضية للدولة التي تطالب بإصلاح الضرر، فقد يكون الفعل غير المشروع الذي ترتبت عليه المسئولية الدولية لم ينتج عنه أي ضرر مادي، ففي هذه الحالة يمكن للدول المسئولة أن تتخذ إجراءات داخلية لإصلاح الخطأ كأن تعلن عدم إقرارها للتصرفات الصادرة من موظفيها أو سلطاتها مع اتخاذ إجراءات ضد المتسبب في الأفعال محل المساءلة الدولية، كأن تتقدم الدولة المسئولية باعتذار للدولة عن طريق قنواتها الدبلوماسية.
ثانياً- التعويض العيني:
ويقصد به إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقوع العمل غير المشروع، وقد يتضمن التعويض العيني تعويضاً قانونياً أو مادياً أو كليهما معاً.
- ويقصد بالتعويض العيني القانوني: إزالة عمل قانوني غير مشروع كإلغاء تشريع صدر بالمخالفة لأحكام القانون الدولي.
- أما التعويض العيني المادي: فيقصد به إعادة الأمور إلى ما كانت عليه بإصلاح الضرر المادي كإعادة الأموال التي تكون قد صودرت بدون وجه حق من الأجانب أو الإفراج عن شخص معتقل دون وجه حق.
ثالثاً- التعويض المالي:
يكون عند استحالة التعويض العيني، حيث تقوم الدولة المسئولية بدفع مبلغ من المال تعويضاًٌ عن الضرر الذي حدث كصدور حكم قضائي من المحاكم الوطنية للدولة يستحيل معه إلغاؤه نظراً لتمتع هذا الحكم بحجية الشيء المقضي به طبقاً للنظام القانوني الداخلي وفي هذه الحالة لا يكون أمام الأجنبي إلا المطالبة بالتعويض المالي عن الأضرار التي أصابته.
المبحث الثاني : موانع المسئولية الدولية
يمكن للدولة أن تطالب بإعفائها من المسئولية الدولية إذا كان هناك ظروف تحول العمل غير المشروع إلى عمل مقبول وأهم هذه الظروف:
أولاً- الرضا:يعد رضاء الدولة التي وقعت المخالفة الدولية في مواجهتها بهذه المخالفة أحد موانع المسئولية الدولية حيث يعتبر الرضا هنا بمثابة إقرار بقبول هذا التصرف من جانبها ويشترط أن يكون الرضا سابقاً أو مصاحباً للتصرف، وذلك لأن الرضا اللاحق لا يحول العمل غير المشروع إلى عمل غير مشروع، وينحصر أثره على منع المسئولية الدولية بمعنى أنه يمتنع فقط على الدولة التي صدر عنها هذا التصرف بالتعويض.
* ويعد الرضا من موانع المسئولية الدولية بالنسبة للدولة التي ثبت رضاها عن الفعل أما الدول الأخرى التي يكون الفعل غير المشروع قد أخل بمصالحها ولم تقره أو ترضى عنه فإنها تظل محتفظة بحقها في رفع دعوى المسئولية على الدولة التي صدر منها بالفعل.

ثالثاً- الدفاع الشرعي:
إذا ثبت توافر حالة الدفاع الشرعي جانب الدولة فإنها لا تتحمل تبعة أية مسئولية دولية عن أعمالها في الدفاع عن نفسها، ويشترط في هذه الحالة أن يكون دفاع الدولة عن نفسها ناتجاً عن اعتداء غير مشروع عليها، كما يشترط ألا يتجاوز دفاع الدولة عن نفسها الحدود المقررة للدفاع عن النفس، وتجاوز حدود الدفاع الشرعي يعد من الأمور الدقيقة التي يترك تقديرها حسب ظروف كل حالة على حدة، أما إذا اختل أحد الشرطين السابقين فتقوم المسئولية الدولية للدولة.
الفصل الثالث : أحكام دعوى المسئولية الدولية
إذا أصاب الدولة ضرر نتيجة عمل غير مشروع فلا تثور أية مشكلة حيث يحل بالطرق الدبلوماسية أو القضائية المختلفة، أما إذا أصاب الضرر أفراد عاديين فيتم اللجوء إلى ممارسة الحماية الدبلوماسية والتي تعني حق كل دولة في حماية مواطنيها في الخارج عن طريق التدخل كما يتم دبلوماسياً وللمطالبة بحقوقهم.
* وتبدأ الحماية الدبلوماسية: بتدخل الدولة التي ينتمي إليها الأفراد المضرورين لدى حكومة الدولة المسئولة فإذا اختلفت وجهات النظر بينهما فإن الدولة التي يتبعها الأفراد المضرورين تبني مطالبهم وبذلك يتحول النزاع من نزاع داخلي بين الدولة المسئولة وبعض الأفراد الأجانب إلى نزاع دولي بين الدولة المسئولة والدولة التي يتبعها الأفراد المطالبون بالتعويض.
أولاً- شروط مباشرة الحماية الدبلوماسية:
1- شرط الجنسية:
يجب أن يتمتع الشخص المضرور بجنسية الدولة التي تباشر الحماية الدبلوماسية مع استمرار الشخص سواء كان طبيعياً أو معنوياً محتفظاً بجنسية الدولة التي تباشر الحماية الدبلوماسية حتى يتم البت في موضوع التعويض، وفي حالة الدولة الناقصة السيادة تتولى الدولة التي تشرف على الشئون الخارجية للدولة الناقصة السيادة نيابة عنها مهمة مباشرة الحماية الدبلوماسية.
ويثير شرط الجنسية الموضوعات التالية:
أ- حالة ازدواج جنسية الشخص المضرور: هنا يفرق بين حالتين:
الأولى: تمتع الشخص المضرور بجنسية الدولة المسئولية وجنسية الدولة المدعية: لقد اختلفت الآراء حول هذه الحالة ولكن الرأي الغالب يرى أنه لا يجوز لأي من دولتين مباشرة الحماية الدبلوماسية تجاه الأخرى.
الثانية: تمتع الشخص المضرور بجنسية دولتين لا تكون من بينهما الدولة المسئولية: الرأي الغالب في الفقه يعطي الحق للدولة التي يرتبط الشخص بها أكثر من غيرها وهو ما يطلق عليه الجنسية الفعلية.
ب- جنسية الشخص المعنوي: كان المتبع في الماضي أن تحدد جنسية الشخص المعنوي بالإقليم الذي يوجد فيه مركز إدارة الشركة، غير أن العرف والقضاء الدولي اتجه إلى الأخذ بفكرة الرقابة بمعنى تحديد جنسية الشركة تبعاً لجنسية الأشخاص الذين يشرفون فعلاً على إدارتها والذي يحملون أسهمها.
ج- وقت الاعتداد بالجنسية:
يرى بعض الفقه الاعتداد بوقت الضرر، فإذا اكتسب المضرور جنسية دولة أخرى بعد وقوع الضرر فالدولة صاحبة الحق في ممارسة الحماية الدبلوماسي هي الدولة التي كان يحمل جنسيتها وقت وقوع الضرر وليس الدولة التي اكتسب جنسيتها بعد ذلك ويرى جانب آخر من الفقه: أن الدولة تستطيع في أي وقت أن تتدخل لمباشرة الحماية الدبلوماسية للأشخاص المتمتعين بجنسيتها بعد وقوع الفعل الضار، ويرجع هذا الاختلاف الفقهي إلى الأساس الذي تبنى عليه الحماية الدبلوماسية وهل ترجع مباشرتها إلى فكرة انتهاك حقوق رعايا الدولة أم ترجع إلى التزام الدولة بصفة عامة بمساعدة رعاياها وتأييد حقوقهم لدى الدول الأخرى، ففي الحال الأولى لا يجوز للدولة التدخل لدى الدولة التي وقع فيها الضرر لمباشرة الحماية الدبلوماسية للأشخاص المتمتعين بجنسيتها إلا إذا كان المضرور متمتعاً بجنسيتها وقت وقوع الفعل الضار، أما في الحالة الثانية فإن الدولة تكون ملزمة بمساعدة من كون متمتعاً بجنسيتها وقت تدخلها حتى ولو كان قد اكتسب جنسيتها بعد وقوع الضرر.
2- شرط استنفاذ كافة وسائل التقاضي الداخلية:
يجب أن يلجئ الأجنبي المضرور أولاً إلى سلطات ومحاكم الدولة التي يقيم فيها ويستنفذ كافة وسائل التقاضي التي يسمح بها النظام القانون لهذه الدولة من استئناف ونقض فإذا فشل في التوصل إلى حقه يلجأ إلى دولته ويطلب منها حمايته وتبني مطلبه.
* والغرض منها هذا الشرط إعطاء سلطات الدولة المسئولة الفرصة لكي تعوض الضرر الذي أصاب الأجنبي، أما إذا تعذر على الأجنبي اللجوء إلى المحاكم الداخلية أو لم تكن هناك محاكم مختصة للنظر في الضرر الذي أصابه أو كان الحكم الذي صدر سنوياً بإنكار العدالة، كان لدولته أن تتدخل للمطالبة بحقوقه بطريقة دولية.
* إلا أنه مع ذلك يجوز التقاضي عن شرط استنفاذ وسائل التقاضي الداخلية إذا اتفقت الدولة التي ينتهي إليها الأجنبي بجنسيته مع الدولة المسئولة عن الضرر الذي أصابه.
3- شرط عدم مخالفة قواعد القانون الدولي:
يجب ألا يكون قد صدر من الشخص المضار ما يعد لقواعد القانون الدولي، فإذا كان الفعل الضار الذي وقع من الدولة هو مصادرة أموال الأجنبي، وثبت أن قرار المصادرة صدر نظراً لإخلال الأجنبي ومخالفته للالتزامات الملقاة على عاتق الرعايا المحايدين لصالح دولة محاربة فلا يجوز مباشرة الحماية الدبلوماسية.
ثانياً- تسوية المنازعات المتصلة بالتعويض:
تلزم الدول بتسوية منازعاتها المتصلة بالمسئولية الدولية بالوسائل السلمية التي حددها ميثاق الأمم المتحدة كالتوفيق والتحكيم، فاللجوء إلى القوة لاستيفاء التعويضات المترتبة على المسئولية الدولية يتنافى مع المبادئ الحديثة في القانون الدولي والتي تمنع استعمال القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.
* ولقد أيدت المنظمات الدولية المتخصصة هذا الاتجاه فبادرت بالنص في الاتفاقيات المنشئة لها على كيفية حل المنازعات التي قد تثور بين الدول ومواطني الدول الأخرى ولم تفيد القانون الواجب التطبيق في هذه الحالات يجب الرجوع إلى القواعد القانونية التي يتفق عليها الأطراف، وفي حالة عدم الاتفاق تطبق المحكمة قانون الدولة المتعاقدة وقواعد القانون الدولي التي تقبل التطبيق.®

القسم الخامس : الجرائم الدولية
باب تمهيدي : العنف والسياسية في مجال العلاقات الدولية
الفصل الأول : فلسفة الجريمة السياسية
تتفاوت نظرة الفقه الجنائي إلى العنف السياسي فالبعض يجعله في مرتبة واحدة مع العدوان الخارجي وبالتالي يجب على الدولة أن تقمعه فإن شدة مواجهتها لأي عدوان خارجي حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز نطاق الشرعية الدستورية، وينتج عن ذلك أن المجرم السياسي يعتبر عدواً للمجتمع.
* أما النظرية الثانية فقد ظهرت كنتيجة للنظرية الفردية التي تقدس حرية الفرد وتجعل مهمة السلطة الدفاع عن حقوقه وبالتالي يجب أن تكون السلطة بيد الأمة كلها لا في يد الحاكم فالحاكم يستمد وجوده من إرادة الأمة، وقد ترتب على ذلك تغيير جذر في نظرة الفقه الجنائي إلى الجريمة السياسية، فأصبحت تمثل في فقه هذه النظرية اعتداء على شخص الحاكم وليس على المجتمع ذاته، ومن ثم أصبح ينظر إليها على أنها جريمة عادية شأنها شأن باقي أنواع الجرائم.
* ولقد ظهر اتجاه يوفق بين الاتجاهين السابقين حيث أصبح يراعي دوافع المجرم السياسي التي قد تكون نبيلة الهدف منها تغيير المجتمع إلى الأفضل لذلك بدأ الاتجاه نحو تخفيف عقابه ومعاملته معاملة خاصة، ولقد أدت هذه النظرية إلى تمتع المجرم السياسي بعدة امتيازات في المعاملة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية على الصعيد المحلي والدولي على حد سواء.
* وفي أعقاب الحرب الثانية بما ألحقته بالبشرة من أضرار جسيمة انعقد المجتمع الدولي على تجرم مجموعة من الأفعال التي تضر بالنظام العام الدولي واعتبارها جرائم دولية، ومن هذه الجرائم جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم ضد السلام، وجرائم الإرهاب الدولي.
الفصل الثاني : انتشار ظاهرة العنف على المستوى الدولي
منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات كثر تداول مصطلحات "الإرهاب" والإرهاب السياسي والإرهاب الداخلي، والإرهاب الدولي وإرهاب الدولة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية كما تطالعنا الصحف من وقت لآخر بالمزيد من الأخبار المروعة والمفجعة عن خطف الطائرات، وتدمير السفارات أو إشعال النار فيها، واحتجاز الرهائن وتفجير السيارات الملغومة، ولم تقف ظاهرة الإرهاب عند حد اختطاف الطائرات بل امتد العنف ليشمل الممثلين الدبلوماسيين وأصبحت الأعمال الموجهة ضدهن تستحق الاهتمام، وكثرت حوادث اختطافهم وأخذهم كرهائن وإعدامهم إذا لم تقم حكوماتهم بتحقيق مطالب الخاطفين.
ويتضح مما تقدم مدى ما وصل إليه الحال على الساحة الدولية، فقد استفحلت الأمور واشتد الخطر وتوالدت الانتهاكات الصارخة لكافة المواثيق والأعراف الدولية وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من خلال هذه الموجة الظالمة والمستبدة من الأعمال الإرهابية التي تعصف بأرواح البشر وتهدد سلامتهم، ومما يزيد الأمر خطورة فشل الدول في معالجة الأسباب الكامنة وراء الإرهاب وموقف الأمم المتحدة السلبي في التصدي لتلك الظاهرة الخطيرة وعجزها عن اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه مرتكبي تلك الأفعال الإجرامية أو تعبئة الرأي العام العالمي ضدها مما أدى إلى امتدادها إلى كافة أرجاء المعمورة.
الباب الأول : الجرائم الموجهة ضد النظام العام الدولي
* إن الخطوة الهامة في هذا المجال هي انعقاد محكمة نورومبرج وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من الألمان واليابانيين، ولقد نص نظام المحكمة على مسئولية مرتكبي هذه الجرائم سواء أكانوا قد ارتكبوها تنفيذاً لأوامر صادرة إليهم من حكوماتهم أو انصياعاً لأوامر قياداتهم العليا فقد كان مصدر المسئولية الجنائية هو ارتكاب هذه الجرائم الوحشية باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وتنقسم الجرائم ضد النظام العام الدولة إلى ثلاث طوائف سندرس كل منها في فصل مستقل.
الفصل الأول : جرائم الحرب
جرائم الحرب هي الجرائم التي ترتكب ضد قوانين وعادات الحرب وأهمها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وهي:
1- اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.
2- اتفاقية جنيف بشأن تحسين حالة الجرحى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار.
3- اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.
4- اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.
ولقد أجازت الاتفاقية الرابعة... حماية المدنيين "تسليم الأشخاص الذين يرتكبون أياً من الأفعال الخطرة المذكورة فيها لدولة أو دول متعاقدة أخرى متن ذوي الشأن لمحاكمتهم بشرط أن يكون لديهم أدلة اتهامات كافية ضد هؤلاء الأشخاص وفي عام 1977 تم التوقيع على لحقين إضافيين بمعاهدات جنيف تضمن الأول تصنيفاً للأفعال التي تعد جرائم خطيرة أو انتهاكات جسيمة تضاف إلى ما ورد في اتفاقيات جنيف وذلك إذا ارتكبت عن عمد وسببت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة ومنها:
1- جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفاً للهجوم.
2- شن هجوم عشوائي يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية.
3- اتخاذ شخص ما هدفاً للهجوم عن معرفة بأنه عاجز عن القتال.
4- ممارسة التفرقة العنصرية.
5- قيام دولة الاحتلال بترحيل أو نقل السكان المدنيين.
6- شن الهجمات على المنشآت التاريخية أو الدينية أو الثقافية.
* أما البروتوكول الثاني فقد اعتنى بالنزاعات المسلحة غير الدولية وخاصة الحروب الأهلية والنزاع غير الدولي هو كل نزاع لا تنطبق علي شروط النزاع الدولي وتدور رحاه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين قواته وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى، وتمارس تحت قيادة مسئولية على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة وتستطيع تنفيذ البروتوكول الثاني وعلى ذلك تستبعد الأعمال الفردية تماماً عن الخضوع لهذا البروتوكول ولكن لا يسري البروتوكول "اللحق" الثاني على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية والمشننة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة.
الفصل الثاني : الجرائم ضد الإنسانية
الجرائم ضد الإنسانية هي تلك الأفعال التي تنطوي على انتهاج سلوك عدواني صارخ ضد أحد الأفراد أو في مواجهة جماعة إنسانية معينة.
وفي إطار مكافحة الجرائم ضد الإنسانية تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ثلاث اتفاقيات سندرسها تباعاً:
أولاً- اتفاقية مكافحة جريمة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها لعام 1948:
اتفقت الأطراف المتعاقدة في مؤتمر مكافحة جريمة إبادة الجنس البشري سنة 1948 وأكدت على أن الأفعال التي ترمي إلى إبادة الجنس البشري سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب تعد جريمة في نظر القانون الدولي وتعهدت جميع الأطراف باتخاذ التدابير لمنع ارتكابها والعقاب عليها.
- وقد عرضت جريمة إبادة الجنس بأنها أي فعل من الأفعال التي يرتكب بقصد القضاء جزئياً أو كلياً على جماعة بشرية بالنظر إلى صفاتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية.
وكما نصت الاتفاقية على معاقبة جريمة الإبادة الجماعية فقد جرمت أيضاً:
1- الاتفاق على ارتكابها.
2- التحريض العلني والمباشر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
3- الشروع في ارتكابها.
4- الاشتراك في جريمة الإبادة الجماعية.
* ومن أهم ما نصت عليه الاتفاقية هو معاقبة كل من يرتكب هذه الجريمة أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها سواء كان الجاني من الحكام أو من الموظفين المسئولين في الدولة أو من الأفراد، وبالتالي أصبحت الجريمة ليست فقط محل اهتمام وتدخل في اختصاص التشريعات الوطنية فحسب، وإنما ذات صبغة دولية، فإذا ارتكبتها أي حكومة من الحكومات داخل حدودها ضد مواطنيها فلن يعد هذا أمراً داخلياً يخضع لسلطان الدولة ذاتها وتشريعاتها الوطنية ولكنه أمر دولي يدخل في اختصاص القانون الدولي وتشمله الحماية الدولية.
وتتمثل الحماية الدولية لضمان تنفيذ نصوص الاتفاقية في لجوء الأطراف إلى الهيئات التابعة للأمم المتحدة لكي تتخذ التدابير الملائمة، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة للوقاية من الأعمال التي تحرمها الاتفاقية أو العقاب عليها.
ثانياً- الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله لعام 1965:
عرفت الاتفاقية التمييز العنصري بأنه: كل تمييز أو استثناء أو تغيير أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الجنس بهدف إلى تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
وتختلف هذه الاتفاقية عن سابقاتها بأنها أكثر شمولاً فهي لم تحدد نفسها بأي مجال معين ولكنها تحرم التفرقة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في جميع مجالات الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
* وتعد نصوصها بعيدة المدى حيث أعلنت بموجبها الدول الأطراف شجبها للتمييز العنصري وتعهدت بأن تنتهج كل الوسائل اللازمة للقضاء على التمييز العنصري، كما تعهدت كل الدول بمراعاة اتخاذ التدابير الفعالة اللازمة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية.
* وقد اعتبرت الاتفاقية كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية وكل مساعدة للنشاطات العنصرية بما في ذلك تمويلها جريمة يعاقب عليها القانون.
* وينظر إلى نصوص هذه الاتفاقية في بعض الأحيان إلى أنها تشكل صعوبات دستورية لبعض الدول لما تتضمنه من تحديد لبعض الحقوق مثل حرية التعبير عن الرأي وحرية التعبير والتي كفلتها دساتير هذه الدول.
* وبموجب هذه الاتفاقية فقد أنشئت لجنة القضاء على التمييز العنصري تتكون من 18 خبير من مواطني الدول الأطراف ويتم اختيارهم عن طرق الانتخاب وعضويتهم في اللجنة تكون بصفتهم الشخصية لا كممثلين لدولهم، واختصاصاتهم مماثلة لاختصاصات لجنة حقوق الإنسان المشكلة طبقاً للاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، ومجرد الانضمام لهذه الاتفاقية يجيز لكل دولة طرف لفت نظر اللجنة إلى أي انتهاك تراه من أي دولة أخرى من الدولة الأطراف في إعمال أحكام هذه الاتفاقية.
* وتتضمن الاتفاقية أيضاً تعيين لجنة توفيق اختصاصاتها مماثلة للجنة حقوق الإنسان وعند نشوء أي نزاع بين دولتين أو أكثر من الأطراف بشأن تفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها وتتعذر سبل تسوية هذا النزاع عن طريق المفاوضة أو الإجراءات التي حددتها هذه الاتفاقية فقد نصت الاتفاقية على إحالة هذا النزاع بناءً على رغبة أي طرف من أطرافه إلى محكمة العدل الدولية للفصل فيه، ما لم تتفق الأطراف المتنازعة على طرق أخرى لتسوية نزاعهم.
* كما يجوز لأية دولة طرف في الاتفاقية أن تعلن في أي وقت من الأوقات موافقتها على اختصاص اللجنة في تلقي ونظر الوسائل والتبليغات المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدعو أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية وذلك بشرط خاصة حددتها الاتفاقية.
ثالثاً- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973:
عرفت الاتفاقية جريمة الفل العنصري بأنها تشمل سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي تمارس في الجنوب الإفريقي، والأفعال اللا إنسانية المرتكبة بغرض إقامة هيمنة فئة عنصرية ما من البشر على أية فئة عنصرية أخرى من البشر واضطهادهم إياها بصورة منهجية وهذه الأفعال هي:
1- حرمان عضو أو أعضاء في فئة أو فئات عنصرية من الحق في الحياة والحرية الشخصية.
2- إخضاع فئة أو فئات عنصرية عمداً لظروف معيشية يقصد منها أم تفضى بها إلى الهلاك الجسدي كلياً أو جزئياً.
3- استغلا عمل أعضاء فئة أو فئات عنصرية لاسيما بإخضاعهم للعمل القسري.
4- اضطهاد المنظمات والأشخاص بحرمانهم من الحقوق والحريات الأساسية لمعارضتهم للفصل العنصري.
* وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدول أطراف الاتفاقية قد أعلنت تجريم المنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يرتكبون جريمة الفصل العنصري وتقع المسئولية الجنائية الدولية، أياً كان الدافع، على الأفراد وأعضاء المنظمات والمؤسسات وممثلي الدول، سواء كانوا مقيمين في إقليم الدولة التي ترتكب فيها الأعمال أو في إقليم دولة أخرى.
أ- إذا قاموا بارتكاب أي من الأفعال الواردة في الاتفاقية أو بالاشتراك فيها أو بالتحريض مباشرة عليه. أو بالتواطؤ عليه.
ب- إذا قاموا بصورة مباشرة بالتحريض أو التشجيع على ارتكاب جريمة الفصل العنصري أو آزروا مباشرة في ارتكابها.
* وقد تعهدت الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ جميع التدابير التشريعية وغير التشريعية اللازمة لقمع أو ردع أي تشجيع على ارتكاب جريمة الفصل العنصري وسياسات الدول الأخرى المماثلة أو مظاهرها، كما تمهدت باتخاذ تدابير تشريعية وقضائية وإدارية للقيام وفقاً لولايتها القضائية بملاحقة ومحاكمة ومعاقبة الأشخاص المسئولين عن ارتكاب الأفعال التي تشكل جريمة الفصل العنصري وفقاً لنصوص الاتفاقية أو المهتمين بارتكابها سواء كان هؤلاء من رعايا هذه الدولة أو من رعايا دولة أخرى أو كانوا بلا جنسية، ويجوز أن يحاكم المتهمون بارتكاب الأفعال الواردة في الاتفاقية أمام المحاكم المختصة لأية دولة ظرف في اتفاقية ويمكن أن تكون لها ولاية على هؤلاء المتهمين، أو من قبل محكمة جنائية دولية يكون لها اختصاص قضائي في مواجهة الدول الأعضاء التي قبلت ولايتها.
* ولا يجوز لأية دولة أن تطلب إلى أية هيئة مختصة من هيئات الأمم المتحدة وفقاً لأحكام الميثاق اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لمنع ارتكاب جريمة الفصل العنصري وقمعها، كما خولت الاتفاقية لجنة حقوق الإنسان سلطة القيام ببعض الوظائف ومنها إعداد قائمة بأسماء الأشخاص والمنظمات والمؤسسات وممثلي الدول المتهمين بكونهم مسئولين عن ارتكاب الأفعال التي تشكل جريمة الفصل العنصري.
والتي تشكل جريمة الفصل العنصري لا تعتبر من قبيل الجرائم السياسية وقد تعهدت الدول الأطراف بتسليم المجرمين طبقاً لتشريعاتها والمعاهدات السارية المفعول.
الفصل الثالث : الجرائم ضد سلم وأمن البشرية
قدمت لجنة القانون الدولي مشروعين للجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمنان الجرائم ضد سلم وأمن البشرية ولكن لم يعتمد أياً منهما لعدم الاتفاق على تعريف موحد لجريمة العدوان ولكن الأمر الجدير بالذكر أن هذا المشروع قد أمر مبدأ المسئولية الجنائية الدولية الفردية حيث يسأل الفرد عن ارتكاب الجرائم الدولية حتى إن تم ذلك بتكليف من دولتهم.
* وتشمل الجرائم ضد سلم البشرية وأمنها جريمة الحرب العدوانية والقرصنة وتجنيد المرتزقة واستخدامهم وسنتناول كل منها بإيجاز:
أولاً- جريمة الحرب العدوانية:
الحرب العدوانية هي أخطر الجرائم الموجهة ضد السلم طبقاً للمفهوم التقليدي، وقد تناول القانون الدولي العام جريمة الحرب العدوانية بالتحديد والتآصيل، ورغم فشل المجهودات التي بذلت لتعرف العدوان إلا أنها أوضحت كثيراً من الجوانب الهامة التي تنطوي عليها فكرة تعريف العدوان.
* وعلى الرغم من فشل عصيبة الأمم في وضع تعريف محدد للعدوان فلقد نجحت الجمعية العامة بعد جهود جبارة في وضع تعريف للعدوان عام 1974 حيث عرفته بأنه "استخدم القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة ووحدة الأراضي الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأي طريقة لا تتمشى مع ميثاق الأمم المتحدة.
* نقد هذا التعريف:
أ- لا تكتمل عناصر جريمة العدوان إلا في حالة الاستخدام الفعلي للقوة المسلحة من جانب دولة ضد أخرى، وبالتالي فإن التهديد باستخدام القوة لا تعتبر عدوان.
ب- وفقاً لهذا التعريف فإن كافة الضغوط والتدخلات السياسية والاقتصادية والثقافية والمذهبية والتي لا تستخدم فيها القوة المسلحة لا ترقى إلى درجة العمل الفدائي.
* وقد تم إعداد مذكرة تفسيرية تفسيرية توضح معنى الدولة الوارد في تعريف العدوان حيث يشمل مفهوم الدولة:
1- الدولة المعترف بها وغير المعترف بها ما دامت اختلفت عناصرها وفقاً للقانون الدولي، ويشمل الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة ويستبعد من التعريف للجمعيات السياسية التي لا تشكل دولاً بالمعنى القانوني.
2- أن لفظ الدولة ينصرف إلى دولة واحدة أو مجموعة من الدول في الحالات التي يكون فيها العدوان جماعياً أو اشتركت فيه أكثر من دولة.
ويستنتج مما تقدم جريمة العدوان أخطر من جريمة الإرهاب حيث خصص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للتعامل مع حالات العدوان، وعند وقوع أي عمل منها فقط يمكن لمجلس الأمن أن يتخذ التدابير العسكرية وغير العسكرية على المستوى الدولي، لقمع العدوان وإعادة السلم إلى نصابه.
ثانياً- القرصنة:
لما كانت البحار العالية لا تدخل في سلطان أية دولة من الدول فقد جرى العرف الدولي على أن تقوم كل دولة من جانبها بالسهر على صيانة الأمن فيها وذلك عن طريق تخويلها الاختصاص بضبط المجرمين، ومحاكمتهم وإنزال العقاب عليهم.
وعلى الرغم من أن هناك اختلافاً على تعريف القرصنة إلا أن هناك إجماعاً في الفقه الدولي على أن العمل يعد "قرصنة" إذا توافرت فيه العناصر التالية:
1- أن يكون من الأعمال الإجرامية.
2- أن ينطوي على استعمال العنف ضد الأشخاص أو ضد الأموال.
3- أن يتم بقصد تحقيق غنم شخصي أو أغراض خاصة.
4- أن يتم في البحار العالية.
* ولم تتضمن اتفاقية جنيف للبحار العالية تعريفاً محدداً للقرصنة، بل أوردت بعض الأفعال التي تعد من أعمال القرصنة ومنها:
1- أي عمل غير قانوني ينطوي على العنف أو النهب لتحقيق أغراض خاصة يقوم به طاقم السفينة الخاصة أو ركابها أو طاقم الطائرة أو ركابها ويكون موجهاً:
أ- ضد سفينة أو طائرة أخرى في البحار العالية.
ب- ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في مكان يقع خارج دائرة اختصاص أية دولة.
2- أي عمل يعد اشتراكاً اختيارياً في إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس القرصنة.
3- ما يتم عن عمد من أعمال التحريض أو التيسير للقيام بالأعمال المبينة في الحالتين السابقتين.
4- أعمال القرصنة والتي تكون بواسطة سفينة حربية أو سفينة حكومية أو طائرة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها، ففي هذه الحالة تعد هذه الأعمال كأنها صادرة من سفينة خاصة.
5- تعد السفينة أو الطائرة ممارسة للقرصنة إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها فعلاً يهدفون إلى استعمالها بقصد ارتكاب عمل من أعمال القرصنة.
* وفيما يتعلق بالقضاء على القرصنة تنص الاتفاقية على التزام جميع الدول بأن تتعاون إلى أقصى حد ممكن في قمع القرصنة في أعالي البحار أو أي مكان آخر خارج نطاق ولاية أي دولة ويمكن القول أن تعهد الدول بالتعاون إلى أقصى حد ممكن في قمع القرصنة هو التزام قد يعادل في بعض الحالات واجباً بالقبض على قرصان من القراصنة ومع ذلك ربما تتردد المحاكم الدولية من الناحية العملية في اعتبار دولة مسئولة عن انتهاك هذا الواجب لأن الحكم الوارد في الاتفاقية بما فيه من إبهام يمكن الدولة من أن تقدم أسباباً مقبولة لعدم قيامها بالقبض على قرصان في حالة فعلية.
وعلى الرغم من أن اتفاقية جنيف للبحار لم تعتبر القرصنة جريمة دولية إلا أن الاتفاقية جعلت من القرصنة عملاً محظوراً على المستوى الدولي، ولكن القانون الدولي لم يقرر المسئولية الجنائية للأفراد عن ارتكاب أفعال القرصنة، ومن ثم لا يجوز محاكمتهم أمام المحاكم الدولية وإنما أمام المحاكم الجنائية المحلية للدولة التي قامت بالقبض على القراصنة، فللدول في حالات القرصنة قضائية استثنائية في عرض البحر فيما لا يتعلق بالأشخاص الذين ليسوا من رعاياها.
ثالثاً- تجنيد المرتزقة:
توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد الاتفاقية الدولية لمناهضة المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم.
1- نطاق تطبيق الاتفاقية:
عرفت المادة الأولى من الاتفاقية المرتزق بأنه أي شخص:
أ- يجند خصيصاً محلياً أو في الخارج للقتال في نزاع مسلح.
ب- يكون دافعه في ذلك تحقيق مغنم شخصي.
ج- لا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع.
د- ليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع.
هـ- لم تولد الدولة ليست طرفاً في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد قواتها المسلحة.
وكل شخص يجلد المرتزقة أو يستخدمهم أو يمولهم أو يدربهم يرتكب جريمة وفقاً لهذه الاتفاقية وكذلك إذا كان شريكاً لشخص يرتكب بأنه يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، ويشمل هذا الحظر الدول أيضاً وتتعاون الدول الأطراف في هذه الاتفاقية على منع هذه الجرائم واتخاذ جميع التدابير الممكنة في إقليمها لمنع التحضير لارتكاب هذه الجرائم داخل أقاليمها أو خارجها بما في ذلك الأنشطة غير المشروعة التي يمارسها الأشخاص والجماعات والمنظمات للتشجيع على ارتكاب هذه الجرائم أو التحريض عليها أو تنظيمها أو الاشتراك في ارتكابها.
2- الاختصاص القضائي:
ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإقامة ولايتها القضائية على أي من الجرائم المذكورة والتي ارتكبت الجريمة في إقليمها أو على متن إحدى سفنها أو طائراتها المسجلة فيها وإذا ارتكبت الجريمة من أحد رعاياها أو من قبل الأشخاص عديمي الجنسية إذا اتخذوا محل إقامتهم المعتاد في إقليمها وأن تقوم بحبسه وفقاً لقوانينها أو تتخذ التدابير اللازمة لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتخاذ أية إجراءات جنائية أو إجراءات تسليمه وأن تجري تحقيقاً أولياً في الوقائع المتصلة بالجريمة، وتكفل الدولة التي جرت الجريمة في إقليمها المعاملة العادلة في جميع تلك المراحل والإجراءات وأن ترعى جميع الحقوق والضمانات المنصوص عليها في القانون الوطني للدولة وأن تراعي قواعد القانون الدولي في هذا المجال.
هذا، وقد ألزمت الاتفاقية الدولة الطرف التي يحاكم فيها الشخص المتهم بارتكاب الجريمة إبلاغ النتيجة النهائية لإجراءات المحاكمة وفقاً للقوانين المطبقة في إقليمها إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
3- التسليم:
اعتبرت الاتفاقية الجرائم الواردة فيها من الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين، وتتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم بوصفها جرائم تستدعي تسليم المجرمين في كل معاهدة لتسليم المجرمين تعقد بينها أما في حالة عدم وجود اتفاقية في هذا المجال بين الدول المعنية فإنه يجوز لها إذا شاءت أن تعتبر هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يتعلق بهذه الجرائم.
- وعلى الدول الأطراف التي لا تجعل تسليم المجرمين رهناً بوجود معاهدة أن تعتبر هذه الجرائم من الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين فيما بينها مع مراعاة الشروط التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب وتعامل الجرائم لغرض تسليم المجرمين بين الدول الأطراف وكأنها قد ارتكبت لا في المكان الذي وقعت فيه فحسب، بل أيضاً في أقاليم الدول المطلوب منها إقامة ولايتها القضائية.
الباب الثاني : الإرهاب الدولي
الفصل الأول : الأبعاد السياسية لمشكلة الإرهاب
يرى البعض أن الوضع المتردي الذي وصلت إليه أحوال العالم في ظل الإرهاب يجعل من تلك الظاهرة أحد مستجدات العلاقات الدولية، وعاملاً من عوامل هذه العلاقات، وإن تحليل بعض الأعمال الإرهابية يؤدي بنا إلى نتيجة هامة وهي الارتباط الوثيق بين الإرهاب وقى التطرف التي تسعى إلى تقويض دعائم الاستقرار.
ويرتبط تاريخ الإرهاب بتاريخ العنف بأشكاله المختلفة، وتعد التناقضات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية من الأسباب التي تؤدي إلى العنف ومن الأعذار التي تبرر اللجوء إليه، ويمكن أن يتخذ العنف أحد الأشكال التالية:
1- فعل مباشر يهدف إلى تدمير أو قمع..... العنف.
2- القهر السياسي أو الاقتصادي والذي لا يوجد ما يبرره في كل حالة على حدة في نصوص القوانين الإدارية أو المدنية أو الجنائية، ولكن يمكن أن يكون مدمجاً في النظام السياسي الذي تتبناه الدولة.
* ونظراً لوجود تناقضات سياسية واقتصادية واجتماعية في مختلف المجتمعات الداخلية والدولية فقد دفع ذلك بالمشتغلين بالعلوم السياسية إلى محاولة تحليل وتأصيل ظاهرة العنف إلى تقديم عدة أنماط من الإرهاب.
الفصل الثاني : المواثيق الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب
لقد كان هناك عدة اتفاقيات من أجل منع ومعاقبة الإرهاب الدولي بكافة أشكاله ولكن رغم ذلك يجمع هذه الاتفاقيات تناولها بالتحديد مجموعة الأفعال المكونة للإرهاب والتي تشكل جرائم معاقب عليها طبقاً لنصوصها، كما توضح تلك الاتفاقيات طبيعة وملامح جريمة الإرهاب من وجهة نظر القانون الدولي.
أولاً- اتفاقيات منع ومعاقبة الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الدولة:
1- اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الإرهاب عام 1937:
عقدت هذه الاتفاقية في ظل عصبة الأمم وتتكون من ديباجة و 22 مادة، وقد حثت هذه الاتفاقية الأطراف المتعاقدة على اتخاذ تدابير لمنع الإرهاب وهذا ما تعهدت به الدول الأطراف في المادة الأولى، بينما بينت المادة الثانية العمال التي تكون جريمة إرهابية.
وطبقاً لهذه الاتفاقية يشترط في العمل الإرهابي أن يكون من النوع الذي يدخل ضمن الأفعال الإجرامية الواردة في الاتفاقية والتشريعات العقابية الوطنية، وأن يوجه الفعل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى دولة، فالأفعال الموجهة ضد الأفراد لا تدخل في نطاق تطبيق الاتفاقية وأن يكون الهدف من ارتكابه هو إحداث حالة من الفزع والرعب وأن تتولد هذه الحالة لدى شخصيات معينة أو مجموعات معينة من الأشخاص أو لدى الجمهور وأن يدخل الفعل الإرهابي في عداد الأفعال الواردة في المادة الثانية من الاتفاقية، وأن يكتسب الفعل طابعاً دولياً.
* وتتميز اتفاقية جنيف بأنها تتناول بالتحديد مجموعة الأفعال المكونة للإرهاب والتي تشكل جرائم معاقب عليها، طبقاً لنصوصها كما توضح الاتفاقية طبيعة وملامح جريمة الإرهاب من وجهة نظر القانون الدولي، مع تحديد محل هذه الجريمة.
* وعلى الرغم من عدم دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بسبب عدم تصديق الدول الموقعة عليها فهي تعد أول محاولة جادة لمعالجة ظاهرة الإرهاب على المستوى الدولي.
ويؤخذ على هذه الاتفاقية اقتصارها على شكل وحيد من الإرهاب وهو الإرهاب الثوري والاعتداءات الموجهة ضد حائزي السلطان الدولة ولكنها رغم ذلك تعبر عن إيمان الدول بالتعاون لمكافحة الإرهاب وقمع العنف السياسي.
2- الاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب لعام 1977:
عقدت هذه الاتفاقية في مدينة ستراسبورغ في إطار دول مجلس أوربا تتكون من ديباجة و16 مادة، وتنص الديباجة على أن الهدف من هذه الاتفاقية هو اتخاذ التدابير الفعالة لتأكيد عدم إفلات مرتكبي الأعمال الإرهابية من الإدانة وتأمين معاقبتهم.
ولقد حددت المادة الأولى من الاتفاقية الأفعال المكونة لجريمة الإرهاب الدولة والتي ينبغي عدم اعتبارها جرائم سياسية حتى يمكن تسليم مرتكبيها إلى الدول التي وقعت الجريمة على إقليمها.
نقد:
1- العمومية والتجريد الذي انتهجته الاتفاقية عند تحديدها للأفعال المجرمة طبقاً لنصوصها مما يفتح الباب على مصراعيه لتعدد التفسيرات عند وضع هذا النص موضع التنفيذ.
2- غموض معيار ارتكاب عمل من أعمال العنف الخطيرة، الذي تبنته الاتفاقية وهو ما يفتح باب التقدير التعسفي من جانب الدولة في تحديد ما يعد إرهاباً وما ليس كذلك.
* ولكن رغم هذه الانتقادات فإن اتفاقية تعد إحدى المحاولات الهامة نحو قمع الأعمال الإرهابية في منطقة جغرافية محددة من القارة الأوربية، ويمكن القول أن الدافع وراء إبرام هذه الاتفاقية هو تعرض القارة الأوربية للعديد من الأعمال الإرهابية ومن جهة أخرى ساعد التجانس القائم بين الدول الأعضاء في مجلس أوربا، وتقارب نظمها السياسية والقانونية والاجتماعية على تحقيق هذا القدر من التعاون الذي بلورته نصوص الاتفاقية.
ثانياً- المواثيق الخاصة بمنع ومعاقبة أعمال الإرهاب الموجهة ضد الأفراد والأشخاص المتمتعين بحماية دولية:
لم تقف ظاهرة الإرهاب الدولي عند حدود الأعمال الموجهة ضد الدولية، بل امتد ليشمل خطف الأبرياء واحتجازهم كرهائن طلباً لفدية أو للضغط على الحكومات تحقيقاً لمطلب سياسي كما تفشت ظاهرة خطف الممثلين الدبلوماسيين والاعتداء عليهم.
وقد شهدت الأعوام الأخيرة جهداً دولياً واضحاً بهدف مكافحة هذه الجرائم وتشديد العقاب على مرتكبيها وتم التوقيع على ثلاث اتفاقيات دولية بهذا الشأن.
1- اتفاقية منع ومعاقبة الإرهاب التي تأخذ شكل الجرائم ضد الأشخاص، وأعمال الابتزاز المرتبطة بها ذات الأهمية الدولية، الموقعة في واشنطن عام 1971:
عقدت هذه الاتفاقية نظراً لتزايد الأعمال الإرهابية في قارة أمريكا اللاتينية وازدياد خطف الدبلوماسيين والاعتداء عليهم، وتتكون الاتفاقية من ديباجة وثلاث عشرة مادة، وتهدف إلى حماية الأشخاص المتمتعين بحماية خاصة طبقاً لقواعد القانون الدولي وعلى وجه الخصوص أعضاء البعثات الدبلوماسي.
المادة الأولى: تقضي بتعاون الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات لقمع هذا النوع من الجرائم.
المادة الثالثة: تقضي بجواز تسليم الأشخاص المهتمين بارتكاب أي من الجرائم التي نصت عليها الاتفاقية وذلك طبقاً لمعاهدات التسليم السارية بين الأطراف المتعاقدة أو طبقاً لتشريعاتها الداخلية.
المادة الثامنة: تدعم التعاون بين الأطراف لمكافحة هذه الجرائم تقضي هذه المادة على منع التحضير لهذه الجرائم على إقليم أي دولة طرف وتقضي بضرورة تبادل المعلومات بين الدول الأطراف وبتجريم هذه الأفعال في التشريعات الوطنية.
2- اتفاقية منع ومعاقبة الجرائم ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بما في ذلك المبعوثون الدبلوماسيون الموقعة في نيويورك عام 1973:
تم التوقيع على هذه الاتفاقية في ظل الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتكون من ديباجة وعشرين مادة.
المادة الأولى: حددت الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية.
المادة الثانية: حددت الاعتداءات العمدية التي تشكل جرائم طبقاً للتشريع الداخلي للدول المتعاقدة.
المادة السابعة: تشير إلى أنه في حالة عدم قيام الدولة بتسليم المتهم بارتكاب إحدى الجرائم التي نصت عليها الاتفاقية لسبب أو آخر، فإنه ينبغي عليها إحالته على وجه السرعة إلى سلطتها المختصة لمباشرة الدعوى الجنائية ضده، وذلك طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في تشريعها الوطني.
3- الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن الموقعة في نيويورك عام 1979:
تقدمت حكومة ألمانيا الاتحادية على أثر واقعة احتلال السفارة الألمانية في استكهولم بطلب إدراج صياغة اتفاقية لمناهضة أخذ الرهائن على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد جهود طويلة تم إقرار الجمعية العامة لهذه الاتفاقية.
ولا تنطبق أحكام الاتفاقية إلا على جريمة أخذ الرهائن ذات الطابع الدولي أي التي تتضمن عنصراً خارجياً أو دولياً، فالجريمة التي تقع بكل عناصرها داخل إقليم دولة واحدة تخرج عن نطاق الاتفاقية وتخضع للتشريع الوطني لتلك الدولة.
وتأخذ الاتفاقية بمبدأ التسليم أو المحاكمة في إطار قمع جريمة احتجاز الرهائن وألزمت الاتفاقية الدولية الأطراف بإدراج جريمة أخذ الرهائن في عداد الجرائم التي يتم فيها تسليم المجرمين التي تعقد فيما بينها.
* وبرغم أن أخذ الرهائن يعد جريمة يعاقب عليها في جميع التشريعات الجنائية لدول العالم المختلفة، إلا أن الاتفاقية تعد خطوة للأمام، في اتجاه التجريم الدولي لاحتجاز الرهائن بصفة خاصة، والأعمال الإرهابية بصفة عامة، وتنظيم التعاون الدولي في مجال منع ومعاقبة هذه الجرائم.
ثالثاً- الاتفاقيات المتعلقة بقمع التدخل غير المشروع في خدمات الطيران المدني الدولي:
1- اتفاقية الجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات، الموقعة في طوكيو عام 1963:
تنطبق اتفاقية طوكيو على ما يلي:
أ- الجرائم الخاضعة لأحكام قانون العقوبات.
ب- الأفعال التي تعد جرائم أو لا تعد كذلك والتي من شأنها أن تعرض أو يحتمل أن تعرض للخطر سلامة الطائرة أو الأشخاص أو الأموال الموجود فيها أو تعرض للخطر حسن النظام والضبط على متنها.
ج- الجرائم التي ترتكب أو الأفعال التي تقوم بها أي شخص على متن أي طائرة مسجلة في دولة متعاقدة أثناء وجود هذه الطائرة في حالة طيران أو فوق سطح أعالي البحار أو فوق أي منطقة خارج إقليم أي دولة.
نقد:
أ- لم يرد في الاتفاقية ما يفيد اعتبار الاستيلاء غير المشروع على الطائرات جريمة تستوجب العقاب.
ب- لم تلزم الدولة التي تهبط فيها الطائرة المختطفة بقمع هذا الاستيلاء غير المشروع من خلال تسليم خاطفيها إلى دولة تسجيل الطائرة أو الدولة التي وقع فيها الاختطاف على إقليمها أو مقاضاة المختطف أمام محاكمها، فالاتفاقية قد حرصت بالدرجة الأولى على إلزام الدولة التي تهبط فيها الطائرة بأن تسمح لركابها بتكملة رحلتهم في أقرب وقت ممكن وإعادة الطائرة والبضائع التي على متنها إلى الأشخاص الذين يمتلكون قانوناً.
2- اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات الموقعة في لاهاي سنة 1970:
عقدت هذه الاتفاقية نظراً لعجز اتفاقية طوكيو عن تقديم حلول فعالة لمواجهة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات من جهة ولتفاقم حوادث اختطاف الطائرات واتساع نطاقها من جهة ثانية.
ويعد مرتكباً لجريمة الاستيلاء غير المشروع على الطائرة وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية أي شخص على متن الطائرة وهي في حالة طيران:
أ- يقوم على نحو غير مشروع بالقوة أو بالتهديد باستعمالها أو استعمال أي شكل من أشكال الإكراه، بالاستيلاء على الطائرة أو ممارسة سيطرة عليها أو يشرع في ارتكاب أي من هذه الأفعال.
ب- أن يشترك مع أي شخص أو يشرع في ارتكاب أي من هذه الأفعال.
وتعد هذه الاتفاقية خطوة هامة في طريق مكافحة خطف الطائرات ومعاقبة مرتكبيها، حيث أكدت على فكرة الاختصاص العالمي لمكافحة مختطفي الطائرات.
3- اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني الموقعة في مونتريال عام 1971:
تهدف هذه الاتفاقية إلى معالجة الثغرات وتفادي الانتقادات التي وجهت إلى اتفاقية لاهاي، والتي لم شمل نطاق تطبيقها الأفعال غير المشروع التي توجه إلى الطائرات أثناء وجودها بأرض المطار أو أثناء تحليقها في الجو، أو تلك الموجهة إلى المنشآت والخدمات الأرضية في المطارات.
وتنطبق أحكام هذه الاتفاقية على أي شخص:
أ- يقوم بأحد أعمال العنف ضد شخص على متن طائرة في حالة الطيران إذا كان من المحتمل أن يعرض هذا العمل سلامة هذه الطائرة للخطر.
ب- يدمر طائرة في الخدمة أو يتسبب بعدم صلاحيتها للطيران.
ج- يضع أو يتسبب في وضع جهاز أو مادة في طائرة في الخدمة بأية وسيلة كانت بحيث من المحتمل أن تدمر هذه الطائرة أو تصيبها بالضرر الذي يجعلها غير صالحة للطيران أو يتسبب في حدوث أضرار لها من المحتمل أن تشكل خطورة على سلامتها أثناء الطيران.
د- يدمر أو يتلف معدات تسهيلات ملاحة جوية أو يتدخل في عملياتها إذا كان أي من هذه الأفعال يعرض للخطر سلامة طائرة في حالة طيران.
هـ- يبلغ معلومات يعرف أنها غير صحيحة من شأنها أن تعرض سلامة طائرة في حالة طيران للخطر.
و- من يشرع في ارتكاب أي من الأفعال السابقة أو يشترك مع شخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من تلك الأفعال.
* وتلزم الاتفاقية أياً من الدول المتعاقدة التي يتواجد مرتكب الجريمة أو المتهم بارتكابها في إقليمها أن تقوم بالقبض عليه أو تتخذ قبله الإجراءات الأخرى التي تكفل التحفظ عليه.
* وتعتبر الأفعال الواردة في الاتفاقية من الجرائم القابلة للتسليم التي يتضمنها أية معاهدة تسليم تكون قائمة بين الدول المتعاقدة.
* مقارنة بين اتفاقية مونتربال واتفاقية لاهاي:
- أوجه الشبه: هناك نصوص كثيرة متشابهة في الاتفاقيتين.
- أوجه الخلاف: هدف اتفاقية مونتريال مناهضة الاعتداءات والتخريب الموجه إلى الطائرات المدنية سواء كان أثناء طيرانها أو أثناء وجودها في أرض المطار أما اتفاقية لاهاي فقد ركزت على الاستيلاء غير المشروع على الطائرة، أي عملية الخطف ذاتها.
رابعاً- اتفاقيات أخرى لمكافحة بعض مظاهر الإرهاب الدولي:
1- اتفاقية فيينا للحماية المادية للمواد النووية عام 1979.
2- البروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي عام 1988,
3- اتفاقية روما لقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية عام 1988.
4- الاتفاقية المتعلقة بسلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها عام 1994.
الفصل الثالث
جهود الأمم المتحدة للقضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي
أولاً- إدانة الأمم المتحدة لأعمال الإرهاب الدولي وحث الدول على التعاون لمكافحته:
تبنت الأمم المتحدة، في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، عدى قرارات تناولت فيها الإرهاب الدولي تركزت أساساً في أعمال الاستيلاء على الطائرات وتحويل مسارها وتهديد مسارها وتهديد ركابها التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ودعت الدول والمنظمات الدولية المعنية إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة الأعمال الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها.
ونذكر فيما يلي أهم القرارات الصادرة بهذا الشأن:
1- القرار الصادر من الجمعية العامة لعام 1969 الذي يدين تحويل مسار الطائرات المدنية بالقوة أثناء طيرانها.
2- القرار الصادر من مجلس الأمن لعام 1970 والذي أعرب فيه المجلس عن قلقه البالغ للتهديدات التي تتعرض لها حياة المدنيين الأبرياء بسبب خطف الطائرات.
3- القرار الذي تبنته الجمعية العامة عام 1970 بشأن التدخل في السفر الجوي المدني أو تحويل مسار الطائرات.
4- القرار الصادر من مجلس الأمن عام 1972 والذي أعرب فيه عن قلقه البالغ إزاء تهديد حياة الركاب والملاحين نتيجة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات أو غير ذلك من أعمال التدخل غير المشروع في الملاحة الجوية المدنية.
ثانياً- اللجنة الخاصة المعنية بالإرهاب الدولي:
بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1972 أنشئت لجنة خاصة معينة بالإرهاب لدراسة الملاحظات التي تتقدم بها الدول، على أن تتقدم إلى الجمعية العامة بتقرير مشفوع بتوصيات ترمي إلى توفير سبل التعاون المدني من أجل القضاء السريع على المشكلة.
ولقد كان مجمل ما تقدمت به اللجنة من خلال اجتماعاتها المتعاقبة منذ عام 1972 حتى عام 1979 هو وضع تعريف للإرهاب وتحديد الأسباب التي تدعو إلى الإرهاب بالإضافة إلى حث الدول على التعاون من أجل وضع إجراءات تحد من الإرهاب.
وأما عن الإجراءات اللازمة لمناهضة الإرهاب فقد أوصت اللجنة بتدابير عملية التعاون من أجل القضاء السريع على مشكلة الإرهاب. ومنها سرعة انضمام الدول للاتفاقيات الدولية التي تعالج بعض جوانب الإرهاب الدولية، وإبرام معاهدات ثنائية تتضمن أحكاماً خاصة بتسليم أو محاكمة الإرهابيين الدوليين.
* ولكن رغم ذلك لم تصل اللجنة حتى الآن إلى اتفاقية شاملة لمكافحة الإرهاب نظراً للتباين الشديد في وجهات نظر الدول فيما يتعلق بالجوانب القانونية للإرهاب الدولي وعدم اتفاقها على العناصر المكونة لتلك الجريمة.
الفصل الرابع : الجوانب القانونية لجريمة الإرهاب الدولي
المبحث الأول : صعوبة وضع تعرف محدد للإرهاب الدول
لقد كان هناك انقسام في المجتمع الدولي حول مضمون الإرهاب حيث كانت الولايات المتحدة والدول الغربية ترى أن الإرهاب يشمل حتى نضال حركات التحرر الوطني بينما كان الاتحاد السوفيتي لا يرى في نضال حركات التحرر الوطني من قبيل الأعمال الإرهابية والاختلاف بين وجهات نظر الدول ليس هو العقبة الوحيدة أمام التوصل إلى تعريف محدد للإرهاب الدولي، فهناك صعوبات أخرى تتمثل في تعدد البواعث والدوافع لارتكاب تلك الجريمة وتنوع صور وأشكال الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى اختلاف نظرة القانون الدولي الجنائي لظاهرة الإرهاب عن نظرة القوانين الجنائية المحلية للدول المختلفة.
أولاً- دوافع الإرهاب الدولي وأسبابه:
رغم تعدد وتشعب دوافع الإرهاب نستطيع تصنيفها وحصرها في الدوافع السياسية والاقتصادية والإعلامية.
- الدوافع السياسية: وهي الدوافع الرئيسية لأغلب أعمال الإرهاب من بينها الحصول على تقرير المصير أول رفض التفرقة العنصرية أو لفت الرأي العالمي لقضية تهم الجماعة العرقية أو الاحتجاج ضد سياسات الدولة، والعمليات الإرهابية ذات الدوافع السياسية يكون هدفها في النهاية إجبار سلطات الدولة على اتخاذ قرار معين يراه مرتكبو العمل الإرهابي محققاً لمصالح الجماعة التي ينتمون إليها أو متفقاً مع رغباتها وأهدافها السياسية،كذلك قد تهدف العمليات الإرهابية إلى إنزال الضرر بمصالح دولة معينة أو برعاياها نظراً لمواقفها السياسية من قضية معينة.
- الدوافع الاقتصادية: تدمير المنشآت الصناعية أو التجارية أو السياحية بهدف إنزال أضرار مادية بموار الدولة الاقتصادية أو من أجل سد حاجة الجماعة الإرهابية إلى دعم مالي يمكنها من مواصلة عملياتها للوصول إلى الأهداف التي قامت من أجل تحقيقها.
- الدوافع الإعلامية: وهي لفت نظر الرأي العام العالمي إلى القضية التي تدافع عنها الجماعة الحصول على الاعتراف بعدالتها وشرعيتها والاهتمام بها على المستوى الدولي.
ملاحظة: ومن خلال هذه الاستعراض لأسباب الإرهاب نرى أن الإرهاب ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة من أجل الوصول على أهداف أخرى كالحصول على الدعم السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي.
ثانياً- صور وأشكال الإرهاب الدولي:
1- الأفعال التي ترتكب ضد وسائل النقل المدني الدولي:
كاختطاف الطائرات والسفن أو تدميرها سواء كانت متحركة أم ثابتة.
2- الأفعال التي ترتكب ضد الأشخاص:
وتشمل عمليات الاعتداء على السلامة الجسدية كحوادث الاغتيال الموجهة ضد رمز السلطة العامة ورجال الدولة والمبعوثين الدبلوماسيين.
3- الأفعال التي ترتكب ضد الأموال:
وتشمل إشعال الحرائق وإلقاء القنابل وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وتخريب وسائل النقل العام وتفجير السفارات.
ثالثاً-القانون الدولي الجنائي وتعريف الجريمة الدولية:
القانون الدولي هو من فروع القانون الدولي يعين الجرائم ضد سلامة وأمن البشرية وينص على الجزاءات ويحدد شروط مسئولية الأفراد وغيرها من الأشخاص القانونية بغية عن النظام العام الدولي، ولقد تبلورت ملامحه عقب الحرب العالمية الثانية ومحاكمات نورمبرج وطوكيو.
* وتتميز قواعد القانون الدولي الجنائي عن قواعد القانون الجنائي الداخلي التي تتعامل مع الجرائم الدولية، ويطلق عليها البعض اصطلاح "القانون الجنائي الدولي" بأن الأولى لها طابع دولي وتجد مصدرها في الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تتفق عليها الدول، أما الثانية فتتعلق بالجانب الخاص من القانون العقابي الداخلي الذي يهدف إلى تحديد الاختصاص القمعي للدولة في مكافحة الجريمة التي لها طابع دولي، وتجد مصدرها في التشريعات العقابية الداخلية لكل دولة وهناك اختلاف بين فقهاء القانون الدولي الجنائي وفقهاء القانون الجنائي الدولي في تعريف الجريمة الدولية، حيث يعرفها الفقيه جلاسير بأنها الفعل الذي نجل بقواعد القانون الدولي، ويرى أن مرتكب الجريمة الدولية لا يمكن أن يكون إلا الشخص الطبيعي سواء ارتكبها لصالحه الخاص أم باسم دولته وبالتالي لا يمكن أن تقوم المسئولية الجنائية أو الأشخاص المعنوية.
* أما الأستاذ الدكتور محمد محي الدين عوض فيعرفها بأنها كل مخالفة للقانون الدولي سواء كان يحظرها القانون الوطني أو يقرها وتقع بفعل أو ترك من فرد محتفظ بحريته في الاختيار مسئول "أخلاقياً" إضراراً بالأفراد أو المجتمع الدولي بناءً على طلب الدولة أو تشجيعها أو رضائها في الغالب، ويكون من الممكن مجازاته جنائياً عنها طبقاً لأحكام ذلك القانون.
* ولعل أهم خصائص الجريمة الدولية هو توافر العنصر الدولي فيها، وتتحقق الصفة الدولية للجريمة إذا كان تمس المصالح والقيم التي يحميها المجتمع الدولي أو تعرض مرافقه الحيوية للخطر، أو إذا كان الجناة ينتمون بجنسياتهم إلى أكثر من دولة، أو إذا عرف الجناة إلى دولة أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة، أو إذا وقعت الجريمة على أشخاص يتمتعون بالحماية الدولية، ولا يشترط لكي تأخذ الجريمة الصفة الدولية أن تكون صادرة عن دولة ضد دولة أخرى، أو أن تكون هناك دولة وراء التدابير أو التحريض على ارتكابها فالجرائم التي ترتكب أثناء أو بسبب الحري هي جرائم دولية يجوز محاكمة مرتكبها سواء كان ما اقترفوه من جرائم بناء على أوامر من دولتهم أو قاموا به من تلقاء أنفسهم.
كما وأن القرصنة تعد من الجرائم الدولية على الرغم من أن ارتكاب هذا العمل الإجرامي لا يتم بناءً على أوامر دولة أو بتحريض منه، وتتحقق الصفة الدولية للجريمة لمجرد أنها ارتكبت في البحار العالية.
المبحث الثاني : مفهومنا الخاص للإرهاب الدولي
أولاً- التعريف المقترح للإرهاب الدولي:
هو استخدام طرف عنيفة كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للأشياء على اتخاذ موقف معين أو الامتناع عن موقف معين، ومن هذا التعريف يتضح أن ملامح جريمة الإرهاب تختلف عن غيرها من الجرائم حيث:
1- أن الإرهاب وسيلة وليس غاية.
2- أو الوسائل المستخدمة عديدة ومتنوعة وتتميز بطابع الهدف وتخلق حالة من الفزع والخوف.
3- الحديث عن جريمة الإرهاب لا يثار إلا إذا كانت هناك مشكلة سياسية أو موقف معين وبالتالي لا ينصرف الإرهاب إلى كل أحوال العنف السياسي التي تولد رعباً أو تخلق حالة من الفزع أو ما شابه ذلك، فقد تستخدم القوة في بعض الحالات دون قصد إشاعة الرعب أو خلق الفزع أو الخوف بين العامة، وإنما يأتي ذلك دون قصد أو عن طريق المصادفة.
وبذلك يجب أن نخرج من دائرة الإرهاب في مفهومه القانوني، كل الأعمال التي يكون الهدف منها إحداث ضرر جسماني بمحل الواقعة نفسها أو بالرهائن أو قتلهم أو تعذيبهم.
ونخلص مما تقدم إلى أن عناصر الإرهاب الدولي هي:
1- عمل من أعمال العنف موجة إلى ضحية معينة.
2- أن يكون منفذ العمل قد قصد من إتيان فعله أن يثير حالة من الرعب والفزع لمجموعة من الأفراد بعيدين عن مسرح العمل الإرهابي باستخدام الضحايا كوسيلة أو أداة لنشر هذه الحالة.
3- أن يكون منفذ العمل يتوقع أن هؤلاء الأفراد سوف يحققون له مطالبة وهو الهدف من هذه العملية.
4- أن يتسم العمل بالطابع الدولي، أي أن تكون الجريمة قد وقعت في أكثر من دولة أو أن يكون ضحايا العمل ينتمون إلى دول مختلفة.
* وعلى ذلك من جريمة الإرهاب تختلف اختلافاً جوهرياً عن جريمة العدوان، في أن الثانية تقع ضد سلامة الأراضي والاستقبال السياسي لدولة من الدول وأطرافها دول فقط، بينما الإرهاب هو جريمة تقع ضد سلامة الأشخاص وحياتهم و....... الأساسية وأطرافها لا يكونوا إلا أفراداً أو جماعات ومنفذوها لا يكونوا إلا إفراداً، فليس هناك دول إرهاب، كما أنه لا يمكن إطلاق مصطلح إرهاب دولة، فالدولة طبقاً للقانون الدولي لا تكون إلا دولة معتدية، والأفراد والجماعات لا يرتكبون جريمة العدوان وإنما يرتكبون جرائم أخرى منها جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإرهاب.
* وتجدر الإشارة إلى أن الخلط بين ما يعد عنواناً أو ما يعد من قبيل الإرهاب له نتائج قانونية متعددة.
فالعدوان كجريمة أشد خطورة من الإرهاب، حيث يكون العدوان عبارة عن استخدام للقوة في نطاق العلاقات الدولية وهو ما يخلف ميثاق الأمم المتحدة، بينما الإرهاب فهو استخدام طرق عنيفة من جانب فرد أو جماعة، ضد أفراد أو جماعات كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للإجبار على اتخاذ معين أو الامتناع عن موقف معين.
- إن مجلس الأمن في مباشرته لاختصاصات سلطة قمع مقيد بما إذا كان قد وقع تهديداً للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع يعد عملاً من أعمال العدوان، وللمجلس في هذا المجال سلسلة واسعة في التقدير، فله أن يقدم في هذا الشأن توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير لحفظ السلم الدولي أو إعادته إلى نصابه، وهناك تدابير مؤقتة وتدابير غير عسكرية، وتدابير عسكرية يمكن اتخاذها ضد الدولة المعنوية من قبل المجلس أما إذا كان الموقف إرهاباً فإنه يصعب أن نقول إن لمجلس الأمن اختصاصاً أصيلاً في هذه الحالة.
ثانياً- الحلول المقترحة للقضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي:
1- تعريف الأفعال المكونة للإرهاب الدولي وتجريمها على المستوى الدولي من خلال معاهدة دولية جماعية ذات طبيعة شارعة.
2- القضاء على أسباب الإرهاب من تفرقة عنصرية وانتهاك لحقوق الإنسان واحتلال الأراضي.
3- إنشاء محاكم جنائية إقليمية لمعاقبة مرتكبي جريمة الإرهاب الدولي.
4- تطوير القواعد الخاصة بتسليم المجرمين في التشريعات الجنائية للدول المختلفة مع إبرام المعاهدات الدولية على المستويين الثنائي والجماعي بشأن تسليم ومحاكمة مرتكب جريمة الإرهاب الدولي.®

القسم السادس : المنازعات الدولية وطرق تسويتها
تمهيد:
النزاع الدولي هو خلاف حول نقطة قانونية أو واقعية أو تناقض وتعارض الآراء القانونية أو المنافع بين دولتين، أما المنازعات بين أفراد من جنسيات مختلفة فلا تعد نزاعات دولية حيث يحكمها القانون الدولي الخاص، وكذلك المنازعات بين دولة وفرد من جنسية أخرى من نطاق النزاعات الدولية وتخضع لقواعد الحماية الدبلوماسية. ومن أهم أسباب النزاعات الدولية اختلاف المصالح والسياسات، ومع تطور العلاقات الدولية كان من الضروري حل هذه المنازعات بطريقة سلمية حتى تسير العلاقات الدولية سيراً طبيعياً ولتفادي ما من شأنه الإخلال بالسلم والأمن الدوليين.
* وقد أظهرت النزعة التنظيمية للمجتمع الدولي أن هناك إمكانيات وفيرة ومحسوسة في إيجاد الحلول للأزمات الدولية من خلال الوسائل الريفية، بعد أن أصبح تحريم استخدام القوة أو التهديد في العلاقات الدولية من أهم المبادئ القانونية المستحدثة في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة على وجه الإطلاق.
فلقد كانت قواعد القانون الدولي التقليدي تقر مشروعية الحرب، بينما أصبح استعمال القوة محرماً في نطاق ميثاق الأمم المتحدة حيث كانت هناك نصوص كثيرة تشير إلى أنه يجب حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، وهذه الطرف أو الوسائل قد تكون قضائية وقد تكون غير قضائية، ويلاحظ أن الوسائل الأولى هي الأنسب لحل المنازعات القانونية، أما الوسائل الثانية فهي التي تلائم المنازعات السياسية.
* ولقد اختلف الفقه حول معيار التفرقة بين المنازعات القانونية والسياسية إلى ثلاث اتجاهات:
الأولى: يرى أن المنازعات القانونية هي تلك التي تتصل بمسائل ثانوية أو غير ذات أهمية ولا تمس مصالح الدولة العليا، أما النزاع السياسي فهو الذي يمس مصالح الدولة العليا.
الثاني: يرى أن المنازعات القانونية هي تلك التي يمكن تسويتها وفقاً لقواعد القانون الدولي المقبولة من الدول، أما النزاع السياسي فهو الذي لا يمكن تسويته وفقاً لقواعد القانون الدولي وعلى ذلك إذا تعذر تسوية نزاع ما وفقاً لقواعد القانون الدولي فإن هذا النزاع يكون سياسياً وعلى العكس من ذلك إذا كان من الجائز تسوية نزاع ما من خلال تطبيق قواعد القانون الدول يكون هذا النزاع قانونياً.
الثالث: يرى أنصار هذا المذهب أن المنازعات القانوني هي التي تكون الخصومة فيها على وجود حقوق معينة ولا يطلب أطراف النزاع تعديل المبدأ القانوني الذي ينطبق على النزاع القائم بينهم، في حين أن النزاع السياسي يتصل بالمطالبة بتعديل القانون القائم ونظراً لصعوبة التفرقة بين النزاع القانوني والنزاع السياسي نرى أن اتفاق الدول الأطراف في النزاع هو الذي يحدد طبيعته قانوني أم سياسي.
* وأهمية التفرقة بينهما ترجع إلى أن محكمة العدل الدولية لها سلطة الإفتاء وإصدار الآراء الاستشارية في المسائل القانونية متى طلبت إليها هيئات دولية معينة ذلك ولا يجوز للمحكمة أن تصدر آراء استشارة في المنازعات السياسية، وذلك على خلاف اختصاص المحكمة القضائي الذي تباشره بصدد أي نزاع سواء أكان متعلقاً بمسألة قانونية أم سياسية.
* وتثور مشكلة أخرى وهي التفرقة بين النزاع والموقف عند فرض الأمر على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يجب على الدولة التي تكون عضو في مجلس الأمن وتكون طرفاً في نزاع عن التصويت "حق الفيتو" على القرارات التي قد تتخذ وفقاً لأحكام الفصل السادس والمادة 52 من الميثاق بيد أنها لا تلزم بذلك الامتناع إذا كانت طرفاً في موقف يؤدي إلى احتكاك دولي.
الباب الأول : الوسائل السياسية لتسوية المنازعات الدولية
الفصل الأول : التسوية السياسية للمنازعات الدولية في إطار القانون الدولي التقليدي
أولاً- المساعي الحميدة:
هي قيام دولة بمحاولة التقريب في وجهات النظر بين دولتين متنازعتين، وحثهما على الدخول في مفاوضات لحل النزاع القائم بينهما، ولا تشترك الدولة التي تقدم مساعيها الحميدة في المفاوضات بأية وسيلة مباشرة، وإن كان يمكن أن تقدم العون لإنجاح المفاوضات بطريق غير مباشر.
ثانياً- الوساطة:
وهي سعي دولة لإيجاد حل النزاع قائم بين دولتين عن طريق اشتراكهما مباشرة في مفاوضات تقوم بها الدولتان المتنازعتان للتقريب بين وجهات النظر من أجل التوصل حل النزاع القائم بينهما.
ثالثاً- التحقيق:
إذا لم يكتب النجاح للمفاوضات الخاصة بحل النزاع القائم بين دولتين لأسباب ترجع إلى اختلافهما حول تحديد وقائع النزاع، فيمكن للدولتين المتنازعتين الاتفاق على تعيين لجنة يوكل إليها حصر الوقائع وتحديد أسباب النزاع وفحصها وتقديم تقرير عنها برأيها، ويكون تقرير لجنة تحقيق غير ملزم لأطراف النزاع.
رابعاً- التوفيق:
هو حل النزاع عن طريق إحالته إلى هيئة محايدة تتولى فحص الموضوع وتحديد الوقائع واقتراح التسوية الملائمة على الأطراف المتنازعة، وتجد الإشارة إلى أن قرار هيئة التوفيق ير ملزم لأطراف النزاع، وهذا ما يميزه عن قرار هيئة التحكيم الذي يلتزم أطراف النزاع بتنفيذه.
والطرق السابقة التي أقرها القانون الدولي التقليدي ما هي إلا وسائل اختيارية تعتمد فعالتها بالدرجة الأولى على إرادة الدول المتنازعة، فلها أن تلجأ إليها أو ترفضها فإذا اختارت اللجوء فإنها تبقى حرة في قبول أو رفض اقتراحات الوسيط أو تقرير لجنة التحقيق أو قرار هيئة التوفيق.
ولم تفرض كل من اتفاقية لاهاي لسنة 1899 ولسنة 1907 الطرق السابقة كالتزام دولي واكتفتا بالتصريح بأن الدول المتعاقدة لن تلجأ إلى الحرب قبل أن تلجأ إلى المساعي الحميدة أو الوساطة، وذلك بقدر ما تسمح به الظروف.
الفصل الثاني: التسوية السياسية للمنازعات الدولية في إطار الأمم المتحدة
تقضي المحافظة على السلم والأمن الدوليين، ضرورة التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتسوية ما قد ينشأ بينهم من منازعات بالطرق السلمية، وبأتي التزام الدول الأعضاء بأن يسلكوا سبل الحل السلمي نتيجة ضرورية لتحريم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية ولقد أشارت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة إلى الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية، بالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية ولأعضاء الأمم المتحدة في سبيل التوصل لتسوية المنازعات التي قد تثور بينهم اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية طلباً للحل السلمي.
* والالتزام الملقى على عاتق أطراف النزاع باللجوء إلى الوسائل السلمية يقتصر على المنازعات التي يكون من شأن استمرارها تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر حيث يعد حفظهما من أولويات الميثاق وجاء ذلك في ديباجته.
* والسلم الذي تهدف الهيئة إلى تدعيمه والمحافظة عليه هو السلم الدولي، أي أن يسود السلام العالم وتمتنع الدول عن الحرب في علاقاتها المتبادلة، أما الأمن الذي يأتي يذكره بعد السلم، فالمقصود به الأمن الجماعي بما يتضمنه من جانب وقائي وجانب علاجي، وبما يشتمل عليه من تضامن لمواجهة العدوان وتجنب الحروب، كل ذلك في إطار من العمل الإيجابي المنظم للقضاء على أسباب الاضطرابات الدولية، وتوفير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المناسبة، بحيث تعيش الدول في حالة استقرار ويتوفر كل منها أسباب الأمن والطمأنينة على سلامتها.
* وفي سبيل تحقيق المحافظة على السلم والأمن الدوليين نصت المادة الأولى من الميثاق على الوسائل التالية:
1- اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الاضطرابات الدولية التي قد تهدد السلم وإزالتها متى قامت.
2- حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي.
3- التضامن في مواجهة الأعمال العدوانية وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم إذا فشل الوسائل السلمية في حل النزاع.
* وأخيراً لا يمتد نطاق المادة الأولى إلى السلم الداخلي لمقتضيات سيادة كل دولة ولكن إذا امتدت آثار الاضطرابات الداخلية إلى خارج الدولة وتعدت حدودها الإقليمية وأدت إلى تعكير السلم والإخلال بالأمن الدوليين فإنه يكون من واجب الأمم المتحدة أن تمارس حقها المشروع في التدخل من أجل إعادة السلم إلى نصابه وتوفير الأمن الدولي.
الباب الثاني : الوسائل القضائية لتسوية المنازعات الدولية
التسوية القضائية تعني تولي شخص من غير أطراف النزاع سلطة الفصل فيه على أساس من قواعد القانون وإصدار قرار ملزم بشأنه من الناحية القانونية.
وتتم مباشرة الوظيفة القضائية في المجتمع الدولي بإحدى صورتين هما: التحكيم، أو القضاء.

الفصل الأول: التحكيم الدولي
المبحث الأول : أهمية التحكيم في تسوية المنازعات الدولية
أولاً- ماهية التحكيم الدولي:
يمكن تعريف التحكيم الدولي بـ:
- إن موضوع التحكيم الدول هو تسوية المنازعات بين الدول، بواسطة قضاة من اختيارهم وعلى أساس احترام القانون، وأن اللجوء إلى التحكيم يتضمن تعهداً بالخضوع للحكم بحسن نية، ومن هذا التعريف تتضح لنا الخصائص الأساسية للتحكيم، وهي:
1- أنه تسوية النزاع بواسطة قضاة من اختيار الأطراف.
2- أنه تسوية على أساس القانون.
3- أن الحكم الذي يصدر ملزم للأطراف.
وقد بدأ التحكيم بمرحلة التحكيم الفردي الذي يقوم به فرد واحد قد يكون فقيه أو رجل دين ثم انتقل إلى مرحلة التحكيم الجماعي الذي يقوم بهي مجموعة من المحكمين، ويقوم على أساس اللجان المختلطة التي تمثل تطوراً جديداً للتحكيم، وأخيراً بعد أن تشابكت مصالح الدول وازداد التطور في العلاقات الدولية، ظهرت الحاجة الماسة إلى التحكيم الدولي.
ثانياً- مراحل تطور التحكيم الدولي:
عرفت المجتمعات القديمة التحكيم رغم ندرة اللجوء إليه، حيث كانت الدول تفضل حل منازعاتها عن طريق الحرب ولم تكن فكرة السلام قد تبلورت بعد.
وتعتبر معاهدة "جاب" التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1794 من أولى المعاهدات التي نظمت التحكيم، أما أول القضايا التي بلورت النظام الكامل للتحكيم فهي القضية الشهيرة المعروفة بقضية الألباما التي وقعت أحداثها بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى عام 1871 وقد عرف المجتمع العربي القبل التحكيم حيث كان يتم اختيار شيخ قبيلة مشهور له بالعدل والحيدة للفصل في المنازعات وقد عرف الإسلام التحكيم من خلال التركيز على أهمية التصالح بالوسائل المختلفة التي تحقق السلام والعدل بدلاً من النزاع والفرقة، والتاريخ الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين حاف بالوقائع التي تؤكد الاهتمام بالتحكيم بين القبائل والشعوب.
* وقد تميز القرن التاسع عشر بنشاط فقهي واسع لتشجيع اللجوء إلى التحكيم الدولي، وكان من أبرز الدراسات هي التي انتهت بوضع مشروع لائحة إجراءات التحكيم الدولي عام 1875 ولعل أول إجماع على أهمية استخدام التحكيم الدولي في حل المنازعات الدولية وهو ما تمثل في اتفاقيتي لاهاي للتسوية السلمية للمنازعات الدولية عام 1899 و 1907 حيث تم تنظيم موضوع وإجراءات التحكيم كما تم وضع هيكل محكمة التحكيم الدائمة.
* ولقد نص عهد عصبة الأمم صراحة على اللجوء التحكيم الدولي، وبإنشاء الأمم المتحدة تجدد الاهتمام الدولي بالتحكيم كوسيلة لحل المنازعات بين الدول، وكان للأمم المتحدة أثر بالغ في التنظيم الحالي للتحكيم الدولي، حيث كان من مبادئها الرئيسية تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، ويجب الامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في نطاق العلاقات الدولية.
* ولقد كان التحكيم الدولي على قائمة الموضوعات الهامة التي تعني لجنة القانون الدولي بتطويرها وتقنينها، وقد كان لدور الأمم المتحدة في تطوير التحكيم الدولي أن أصبح الآن من أهم الوسائل التي تختارها الدول لحل الخلافات بينها، وفي الوقت الحاضر نجد اتجاهاً لتطوير التحكيم الدولي ليأخذ مكانه كإحدى الوسائل القضائية الفعالة لتسوية المنازعات الدولية، وقد أخذت الدول تختار المحكمين من بن المتخصصين في القانون الدولي.
المبحث الثاني : أمثلة لبعض قضايا التحكيم الدولي
أولاً- بالنسبة للأحكام والقرارات التي لم تنفذ:
ومن أمثلة ذلك قضية تشاميزال بين الولايات المتحدة والمكسيك عام 1911.
ثانياً- بالنسبة للأحكام والقرارات التي نفذت:
1- قضية تحكيم أبو ظبي عام 1951:
وقع حاكم أبو طبي عام 1939 عقد امتياز مع شركة بريطانية للتنقيب عن النفط لمدة 75 سنة في جميع الأراضي الواقعة تحت حكمه وفي جميع الجزر ومياه البحر العائدة للمنطقة.
وفي سنة 1949 أعلن حاكم أبو ظبي السيادة على الجرف القاري على امتداد ساح أبو ظبي ومنح امتيازاً للنفط في مناطق الجرف لشركة أمريكية، وحيث أن امتياز سنة 1939 نص على التحكيم، وحيث ن الشركة البريطانية أكدت أن التربة المغمورة للجرف هي جزء من امتياز 1939، فقد أحيل النزاع على التحكيم.
* قررت هيئة التحكيم على 1951 أن فكرة الجرف القاري لم تكن معروفة سنة 1939 ومن ثم فإن الامتياز البريطاني لا يشتمل إلا على التربة الواقعة تحت المياه الإقليمية لمشيخة أبو ظبي وأن الحاكم أبو ظبي مطلق الحرية في التصرف في التربة المغمورة للجرف القاري عن طريق منح امتياز ثان، ولذلك فإن ادعاء الشركة البريطانية بامتلاك امتياز في موارد الجرف القاري يجب رفضه.
2- قضية الحدود بين الأرجنتين وشيلي 1966:
عرض النزاع بينهما حول وضع بعض نقاط الحدود التي تفصل الدوليتين على تحكيم ملكة إنجلترا، واستمرت القضية معروضة على التحكيم فترة طويلة إلى أن أصدرت الملكة قرارها بتنظيم الحدود بين الدولتين، حيث حكمن بأحقية حوالي 71 بالمائة من المنطقة المتنازع عليها للأرجنتين ومنح الباقي لشيلي، وقد ألتزمت كل منهما بتنفيذ الحكم.
ثالثاً- الفروق بين التحكيم والقضاء الدوليين:
لقد كان هناك عزوف من قبل الدول عن الالتجاء إلى محكمة العدل الدولية وذلك للأسباب التالية:
1- تنظر الدول من الناحية السياسية إلى أن مجرد إجبار الدولة على المثول أمام المحكمة يعتبر تصرفاً غير ودي.
2- تعتبر الدول أن وسائل التسوية الأخرى كالتحقيق والوساطة أكثر مناسبة للشؤون الإقليمية والفنية.
3- تفضيل مرونة التحكيم على جمود الاختصاص القضائي الإجباري.
4- عدم إيمان دول الكتلة الشيوعية بالمحكمة.
5- النزعة الحديثة الرامية إلى مضاعفة المحاكم الدولية على حساب التوحيد الضروري للقضاء الدولي.
* ومما تقدم نرى أن الفارق الوحيد بين التحكيم والقضاء في القانون الدولي هو فارق شكلي ونظامي ففي حين يتألف الجهاز التحكيمي على أساس اتفاقي بواسطة قضاة تختارهم الأطراف لتسوية نزاع معين دون سواه، وبعد نشوء هذا النزاع، فإن هذا الجهاز القضائي الدولي معين سلفاً من جانب الأمم المتحدة ويؤدي عمله بموجب معاهدة جماعية متعددة الأطراف للنظر في عدد غير محدود من المنازعات، وخلال مدة غير محددة من الزمن.
المبحث الثالث : دور التحكيم الدولي في تسوية المنازعات العربية
أولاً- التحكيم الدولي في ميثاق جامعة الدول العربية:
يأتي في مقدمة اختصاصات الجامعة العربية حل المنازعات بين الدول العربية بالطرف السلمية من خلال وسيلتين الأولى دبلوماسية أو سياسة وهي الوساطة والثانية قضائية وهي التحكيم وأطلقت الحرية للدول في اللجوء إلى هذه الوسيلة من عدمه. ولمجلس الجامعة أن يتوسط في حل خلاف بين عضوين في الجامعة أو بين عضو ودولة غير عضو، في حالة واحدة فقط في حالة الخشية من وقوع الحرب، وذلك بهدف التوفيق بين الدول المتنازعة، وتصدر القرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية آراء المجلس، وليس للدول المتنازعة صوت معدود، كما أن القرار الذي يتخذ غير ملزم.
* كما لا يجوز لمجلس الجامعة أن يتدخل في المنازعات التي نشبت بين دولة وأخرى من أعضاء الجامعة بوصفه سلطة تحكيم إلا بالشروط التالية:
1- أن يلجأ المتنازعون إليه لفض النزاع، ومعنى ذلك انه لا يجوز للمجلس أن يتدخل للتحكيم من تلقاء نفسه، وهكذا لم يأخذ الميثاق بفكرة التحكيم الإجباري.
2- أن يكون النزاع غير متعلق باستقلال دولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها مع منح الدول المتنازعة سلطة تقدير ذلك.
وبالتالي فإن اختصاص المجلس في هذا النطاق محدود وغير فعال، وتصدر قرارات التحكيم بالأغلبية دون أن يكون للدول المتنازعة حق الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته ويكون القرار في هذه الحالة وخلافاً لحل الوساطة نافذاً وملزماً.
* وتجد الإشارة هنا إلى أن ميثاق الجامعة العربية لا يوجد به ما يمنع قانون الدول من اللجوء إلى وسائل أخرى لحل منازعاتها سلمياً كالمفاوضات والمساعي الحميدة أو عن طريق اللجوء إلى القضاء الدولي أو التحكيم الدولي من خلال اتفاق خاص بينها، دون تدخل من مجلس الجامعة كسلطة تحكيم.
ثانياً- قضية تحكيم طابا بين مصر وإسرائيل:
لقد حددت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بما لا يدع مجالاً للشك لأن حدود مصر الشرفية هي الحدود المشتركة مع فلسطين تحت الانتداب، ويشكل موضوع الانسحاب الالتزام الرئيسي الذي وضعته المعاهدة على عاتق إسرائيل.
ولكن رغم ذلك اختلفت إسرائيل مشكلة وطالبت بتنازل مصر على منطقة طابا.
1- اتفاق 1982 بشأن طابا:
تم توقيع اتفاق بين مصر وإسرائيل حول الترتيبات المؤقتة في منطقة رأس طابا ولعل أهم ما جاء في هذا الاتفاق هو عرض النزاع على التحكيم الدولي.
2- إعداد مشاركة التحكيم بين مصر وإسرائيل:
وافقت إسرائيل على قبول التحكيم الدولي كوسيلة ارتضتها مصر كل النزاع بشأن طابا.
3- تشكيل محكمة التحكيم في قضية طابا:
لقد تم تشكيل قضية التحكيم من خمسة محكمين بينهم محكم من جانب مصر والآخر من جانب إسرائيل وثلاثة محكمين من جنسيات مختلفة روعي فيهم أن يتصفوا بالحيدة الكاملة والنزاهة والكفاءة العلمية، ولقد نصت المادة العاشرة من المشارطة ومتى أن تكون المذكرات المكتوبة، والمرافعات الشفوية، وقرارات المحكمة وكافة الإجراءات الأخرى باللغة الإنجليزية.
4- اختصاص وسلطات عامة التحكيم وفقاً لمشارطة التحكيم:
أ- من حيث المكان:
طلب من المحكمة تقرير ومواضع إعلانات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وفقاً لمعاهدة السلام واتفاق 1982 والملحق.
ب- من حيث الزمان:
ينحصر اختصاصها فيما يتعلق بالفصل في الموضوع في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين كما تسعى المحكمة أن تصدر حكمها خلال تسعين يوماً من انتهاء المرافعات الشفوية والزيارات ويتضمن الحكم الأسباب التي استند إليها.
ج- القيود المفروضة على اختصاص المحكمة:
لقد أوضح ملحق المشارطة العلامات المختل عليها بين خصائص على سبيل الحصر وهي أربع عشرة علامة، كما انه ليس من سلطة المحكمة تقرير موضع علامة حدود بخلاف المواضع المقدمة من مصر وإسرائيل.
5- منطوق الحكم:
حكمت المحكمة بأن منطقة طابا مصرية وذلك بأغلبية الأصوات واعتراض عضو محكمة الممثل لإسرائيل وذلك يدل على جهود مصر المتميزة التي بذلت في سبيل تقرير حقها في منطقة طابا.
الفصل الثاني : محكمة العدل الدولية
المبحث الأول : الجهاز القضائي للأمم المتحدة
أولاً- المحكمة فرع من فروع الأمم المتحدة:
لقد نص الميثاق على أن المحكمة هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، ويعتبر جميع أعضاء الأمم المتحدة أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، ولكن يجوز لغير الدول الأعضاء الانضمام لنظام المحكمة بالشروط التي تحددها الجمعية العامة لكل حالة على حدة بناءً على توصية مجلس الأمن، ويترتب على كون المحكمة أحد الفروع الرئيسي للأمم المتحدة النتائج التالية:
1- يشترك مجلس الأمن والجمعية العامة في اختيار قضاة محكمة العدل الدولية.
2- لأي من الجمعية العامة ومجلس الأمن أن يطلب إليها إفتائه في أية مسألة قانونية.
3-لسائر فروع الأمم المتحدة الأخرى والوكالات المتخصصة المرتبطة بها، أن تطلب من المحكمة إفتاؤها في أية مسألة قانونية داخلة في نطاق أعمالها، وذلك بعد استئذان الجمعية العامة في ذلك.
4- يتعد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها، في حالة المخالفة للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن ليقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.
5- يحدد مجلس الأمن الشروط التي يجوز بموجبها لسائر الدول الأخرى أن تتقاضى أمم المحكمة على أن لا يخل ذلك بالمساواة بين المتقاطعين أمام المحكمة.
6- تخطر (تبلغ) المحكمة أعضاء الأمم المتحدة بأية قضية ترفع أمامها عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة.
7- على المحكمة أن ترفع تقارير على نشاطها إلى الجمعية العامة للنظر فيها.
8- تتحمل الأمم المتحدة مصروفات المحكمة، وتحدد الجمعية العامة مرتبات القضاة ومكافآتهم وما يستحق لهم من تعويضات.
9- يجري تعديل النظام الأساس للمحكمة بنفس الطريقة المتبعة لتعديل ميثاق الأمم المتحدة.
ثانياً- تشكيل المحكمة:
تتألف من خمسة عشر عضو يمثلون خمس عشرة دولة، ينتخبون من بين الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية الحائزين على المؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، ويقوم كل من مجلس الأمن والجمعية العامة مستقلاً عن الآخر بانتخاب أعضاء المحكمة، من قائمة يعد الأمين العام، بأسماء الأشخاص الذي رشحتهم الشعب الأهلية في محكمة التحكيم الدائمة.
ويجب أن يكمل تشكيل المحكمة تمثيل المدنيات الكبرى، و...... القانونية الرئيسية في العالم.
ينتخب أعضاء المحكمة لمدة سبع سنوات، ولا يجوز لعضو المحكمة أن يتولى وظائف سياسية أو إدارية أو أي عمل من قبيل أعمال المهن وتنتخب المحكمة رئيسها ونائبه لمدة ثلاث سنوات وستمتع أعضاء المحكمة في مباشرة وظائفهم بالمزايا والإعفاءات السياسية، ولا يجوز فصل أي عضو إلا إذا أجمع سائر الأعضاء عل أنه قد أصبح غير مستوف للشروط المطلوبة، ويوجد مقر للمحكمة في (قر السلام بلاهاي بهولندا).
المبحث الثاني : أسلوب عمل وسلطات محكمة العدل الدولية
أولاً- أسلوب عمل محكمة العدل الدولية:
تتألف المحكمة من خمسة عشر قاضياً ينتخبون من بين الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالة الحائزين على المؤهلات المطلوبة لأرفع المناصب القضائية.
وتنتخب المحكمة في الأصل بكامل هيئتها، إلا انه يكفي تسعة قضاة لصحة تشكيلها، ويجوز لأي طرف من أطراف الدعوى، إذا لم يكن من قضاة المحكمة من ينتمي إلى جنسيته، أن يختار قاضياً آخر للانضمام إلى هيئة المحكمة إلى انه بفصل في النزاع، ويعرف هذا النظام "بنظام القاضي المؤقت" وقد أخذت المحكمة بنظام القاضي المؤقت تحقيقاً للتوازن بين مصالح الأطراف المتنازعة، إذ يمارس القاضي المؤقت وظيفة القاضي في نزاع معين وتنتهي سياسته في الحكم.
وترفع القضايا أمام المحكمة، أما بإعلان الاتفاق الخاص الذي تم بين الدول المتنازعة حول رفعها للمحكمة، وإما بطلب كتابي إن كان المتنازعون من الدول التي سبق أن قبلت الولاية الجبرية للمحكمة، ويجب أن يوقع الطلب وكيل الدولة المعنية أو ممثلها الدبلوماسي في الدول التي يوجد فيها مقر المحكمة، وعلى مسجل المحكمة أن يبلغ هذا الطلب فور وصول إلى الدولة المدعى عليها، وكذلك أعضاء الأمم المتحدة عن طريق الأمين العام.
ثانياً- سلطات محكمة العدل الدولية:
للمحكمة في هذا الصدد مهمتان أساسيتان: مهمة قضائية وأخرى إفتائية.
1- الاختصاصي القضائي لمحكمة العدل الدولية: تشمل ولاية المحكمة جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون وكذلك جميع المسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة أو في المعاهدات أو الاتفاقات المنصوص عليها.
* وولاية المحكمة ولاية اختيارية إذ أن قبول الدول لعرض النزاع عليها شرطاً أولياً لتقرير ولايتها، وللدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة أن تصرح بأنها تقبل الولاية الجبرية للمحكمة في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دول تقبل الالتزام نفسه، متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الآتية:
أ- تفسير معاهدة من المعاهدات. ب- أية مسألة من مسائل القانون الدولي.
ج- تحقيق في واقعة من الوقائع التي إذا يثبت إنها كانت خرقاً للالتزام دولي.
د- نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي ومدى هذا التعويض.
* وقد ثار خلاف حو مدى إمكانية اعتبار التوصية التي تصدر من مجلس الأمن ويعرض نزاع معين على المحكمة مصدر من مصادر الاختصاص الإجباري للمحكمة، فقد ذهب بعض الفقه: إلى أن اختصاص المحكمة في هذه الأمور يكون إجبارياً وملزماً قانونياً لأطراف النزاع بينما تذهب غالبة الفقه: إلى أن اختصاص المحكمة في هذه الأمور اختيارياً، فما يصدره مجلس الأمن هو مجرد توصية لا تتمتع بقيمة قانونية ملزمة.
* في حالة قيام نزاع حول ولاية المحكمة، فإنها تتولى بنفسها البت في المسألة اختصاصها بقرار منها، وهذا ما يطلق عليه "نظام الاختصاص بنظر الاختصاص".
* والدول هي وحدها هي التي يمكن أن تكون طرفا في خصومة تفصل فيها محكمة العدل الدولية، ولا تختص بنظر الدعاوى التي ترفع من أو على أشخاص القانون الدولي الآخرين، كما يشترط أن تكون الدول المتقاضية كلها أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وأن تقبل صراحة أو ضمناً المثول أمام المحكمة.
2- الاختصاص الاستشاري لمحكمة العدل الدولية:
لمحكمة العدل الدولية سلطة الإفتاء وإصدار الآراء الاستشارية في المسائل القانونية متى طلبت إليها هيئات دولية معنية ذلك، وهذه الهيئات هي:
1- لأي من الجمعية العامة ومجلس الأمن أن يطلب إلى المحكمة إفتائه في أي مسألة قانونية.
2- لسائر فروع الهيئة ووكالتها المتخصصة المرتبطة بهicon30ا أن تطلب إلى المحكمة إفتائها فيما يخصها من المسائل القانونية الداخلة في نطاق أعمالها.
وبناء على ذلك لا يكون للدول الحق في أن تطلب آراء استشارية من المحكمة.
* ينحصر اختصاص المحكمة الاستشاري في المسائل القانونية فقط دون غيرها من المسائل السياسية، وذلك بخلاف الاختصاص القضائي الذي تباشره المحكمة بصدد أي نزاع يتفق أطرافه على عرضه عليها سواء كان متعلقاً بمسألة قانونية أو سياسية.
* الآراء الاستشارية التي تصدرها المحكمة لا تلزم الجهة التي طلبتها. غير أن العمل في الأمم المتحدة قد جرى على احترام تلك الآراء على نحو يجعل لها من القيمة ما يعادل قيمة الأحكام الملزمة قانونياً.®
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية khiery
khiery
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 18-09-2008
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 39
  • المشاركات : 120
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • khiery is on a distinguished road
الصورة الرمزية khiery
khiery
عضو فعال
رد: محاضرات في القانون الدولي العام
28-12-2008, 06:49 PM
امين يا رب العالمين

حسبنا الله و نعم الوكيل يا ذا الجلال و العزة
اللهم انقذ المسلمين فى غزة
اللهم كن لهم عونا و نصيرا
اللهم ربنا جل ثناؤك و تقدست اسماؤك
اللهم لا يرد امرك و لا يهزم جندك
سبحانك و بحمدك
اللهم عليك باليهود الظالمين
اللهم منزل الكتاب,هازم الاحزاب,مجرى السحاب
اهزمهم و زلزلهم
اللهم ارينا فيهم عجائب قدرتك .. قتلة الرسل و الانبياء
ظلمت العزل الابرياء
اللهم حرر المسلمين فى غزة يا ذا الجلال و العزة
اللهم فك اسرهم و اشفى مريضهم و اكشف كربتهم
اللهم بدل خوفهم امنا يا ذا الجلال و العزة
اللهم اعز الاسلام و المسلمين و اذل الشرك و المشركين و دمر اعداء الدين و احمى حوزة الاسلام
و اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين
اللهم انج المستضعفين المسلمين فى كل مكان
اللهم اصلح احوال المسلمين فى فلسطين و العراق و فى كل مكان
اللهم الف بين قلوبهم و اهديهم سبل السلام و اخرجهم من الظلمات الى النور
يا ذا الجلال و الاكرام و العزة
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية fenec
fenec
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 15-08-2008
  • الدولة : algeria
  • المشاركات : 238
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • fenec is on a distinguished road
الصورة الرمزية fenec
fenec
عضو فعال
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع
محاضرات القانون المدني
الوجيز في القانون الاداري
القانون الدستوري السداسي الأول لطلاب السنة الاولى
نظرية القانون
مدخل للعلوم القانونية السداسي الاول لطلاب السنة الاولى
الساعة الآن 01:28 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى