رشيد ولد بوسيافة
ما حدث للعالم الفيزيائي الجزائري جمال ضو بمطار هواري بومدين يؤكد مرة أخرى أنّ فرنسا لم تخرج من الجزائر، وأنّ استقلالنا كان مجرد مزحة لا أكثر.. كيف لا وقد قام قائد طائرة الخطوط الجوّية الجزائرية بطرد عالم الفيزياء، لأنّه طالب بمخاطبته باللغة الرسمية المنصوص عليها في الدستور.
كان يمكن تجاوز الإهانة التي تعرض لها الدكتور ضو لو بدر منه سلوك خاطئ، أما وأنه طالب بتطبيق قوانين الجمهورية، وفعل ذلك بكل أدب واحترام لدرجة أنه كتب مطلبه في ورقة وسلمها للمضيفة حتى لا يحرجها أمام باقي المسافرين، لكن هذا السلوك الحضاري من طرف الدّكتور ضو قوبل بتصرف مافياوي من قبل قائد الطائرة الذي استخدم مركزه وصلاحيته لإهانة عالم بمكانة البروفيسور جمال ضو.
الرّجل خيّر المضيفة بين أن تكلمه باللغة العربية أو الدارجة، وإلا فيمكنها الحديث معه باللغة الانجليزية باعتبارها لغة التواصل العالمي بين كل الشعوب، رافضا أن تحدثه بالفرنسية، لأنه لا يستخدمها، فهل هذا المطلب العادي يستدعي طرده من الطائرة باستخدام القوة؟ وما هذه العقدة من اللغة الانجليزية عند أمثال هذا الطيار من المستلبين لغويا وثقافيا؟
لا بد من فتح تحقيق عاجل في هذه الحادثة الغريبة التي تسيء للخطوط الجوية الجزائرية وهي ملك للشعب الجزائري وليس ملكا لهذا الطيار حتى يطرد منها من طالبه بالتحدث بالعربية، ولا بد من وضع حد لمثل هذه السلوكات الشّاذة في الإدارة الجزائرية، لأنها لا تشرف أحدا.
وليعلم هؤلاء أن مكانة اللّغة العربية التي يخجلون من التّكلم بها أصبحت لا تقارن بالفرنسية التي تتراجع حتى في عقر دارها، ولا تستخدم خارج فرنسا إلا في بعض الدول الإفريقية المتخلفة إذا استثنينا إقليم كيبيك بكندا، بل إن الدول المتطورة مثل كوريا الجنوبية أصبحت تهتم باللّغة العربية التي فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة كلغة عالمية.
لن نذكّر هؤلاء بأنّ العربية لغة القرآن، وهي اللّغة التي تكلم بها خير البشر، ولا فائدة من ذكر محاسن هذه اللغة، وكيف أنها أغنى لغة في العالم، وأسهلها وأكثرها ضبطا، لأن هؤلاء مصرّون على التّخلف الذي زرعته فرنسا في الجزائر، وحولتهم إلى أدوات لرعايته واستمراره، لكن عزاؤنا في الجيل الجديد، الذي يجيد العربية رغم أنوفهم، ويستخدمها حتى في اللّعب، ومن أراد أن يتأكّد فليزر أقرب مدرسة... موتوا بغيظكم.
التدريس بالعامية مسخ لفكر الجيل الناشئ وتسميم لوجدانه!!؟.
حمزة يدوغي
بعد ثلثي قرن من الاستقلال تستفز مشاعر الجزائريين ويعتدى على ثوابتهم، ليس من طرف خصم لهم أو عدو وإنما من طرف جزائريين آخرين!.. وأي صنف من الجزائريين؟! إنهم ممن استؤمنوا على إعداد الجيل الناشئ وتهيئته ليعيش بمنطق الألفية الثالثة التي تهدد فيها العولمة بتذويب جميع الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية!
فلم يجدوا ما يحصنونه به من هذه الضغوط والتحديات إلا مسخ فكره وتسميم وجدانه وذلك "باقتراح" تدريسه بالعامية!
والمحزن المبكي أننا اليوم أصبحنا نألف مثل هذه "الخرجات" بسبب تواليها وتكرارها، ومن الألفية ما قيل! لأنها تهون من الخطر ومن ضرورة مواجته بجد وحزم!
فعلا، إن مثل هذه "المبادرات" الشاذة الغريبة لم تخل منها فترة من فترات حياتنا ولم يسلم منها مجال حساس له علاقة وثيقة بعناصر هويتنا الوطنية ومقومات شخصيتنا الحضارية، فما الذي يفسر هذا الفكر الشاذ والجرأة في عرضه والدفاع عنه؟! هل يكفي أن نهب في كل مرة للرد على أصحابه وتفنيد حججهم وفضح نواياهم والتبصير بمخاطرها؟! وهل يكفي لتفسير هذه "الخرجات" أن نقول إن أصحابها ممن يحملون هذا الفكر الشاذ "تغريبيون فرانكوفيليون مستلبون"؟!
لكن السؤال يظل مع ذلك كله قائما، لأن هؤلاء جميعا جزائريون تخرجوا من معاهد وجامعات جزائرية بشهادات عالية في شتى العلوم والمعارف!
فما الذي يفسر إذن "شذوذهم" وخروجهم عن الإجماع بتنكرهم لثوابت أمتهم وجراءتهم عليها واستهانتهم بها؟!
السبب الجوهري لذلك كله أن ما يعرف "بمصدر التلقي" في مجال القيم لم يعد واحدا مواحدا بالنسبة لجميع الجزائريين بل أصبح "متعددا" بسبب اهتزاز مرجعيتنا العقيدية والثقافية والحضارية! وبتعبير عصري آخر نقول: لأننا لم نحقق ما يسمى "الأمن الفكري" الذي يدونه يعيش المجتمع اضطرابا وتناقضا بين ما يؤمن به من مبادئ وقيم من جهة، وبين ما يعيشه في واقع حياته وما يطمح إلى تحقيقه في مستقبل أيامه من جهة أخرى!
معلوم أن الأمن الفكري يستند إلى مرجعية واحدة يؤمن بها جميع أفراد المجتمع على تعدد نسيجه الاجتماعي واللغوي والثقافي، وتتفرع عن هذه المرجعية منظومة قيم يقدسها الجميع، ما يحقق التماسك والوحدة لهذا المجتمع الذي يعيش عندئذ بشكل صحي التعدد والتنوع والتميز في إطار هذه الوحدة الجامعة!
وهذا ما يجعل تحقيق هذا الأمن الفكري مسؤولية كل مؤسسات المجتمع التي لها علاقة بتشكيل ذهنية أفراده، فتجعل كل واحد منهم يحس بأن منظومته القانونية والأخلاقية والفكرية التي تنظم علاقاته بمجتمعه وبدولته هي منظومة متماسكة متناسقة غير مهزوزة ولا مضطربة! ومعنى هذا كله أن صيانة مختلف مؤسسات المجتمع من الانحراف بسبب "تعدد مصادر التلقي" تعدد المرجعيات هو أمر أساسي لضمان تحقيق هذا الأمن الفكري!
إن مثل هذه القضايا التي نواجهها اليوم مما له علاقة بعناصر هويتنا، والتي تبدو منفصلة بعضها عن بعض، ومن إفرازات ظروف خاصة محددة تعود كلها إلى سبب واحد تمتد جذوره إلى السنوات الأولى من الاستقلال التي أفرزت تناقضات حادة سببها تمييع المبادئ التي صاغ منها نوفمبر المشروع الحضاري للمجتمع الجزائري وتفريغها من محتواها!
إن الهزة العنيفة التي عرفتها منظومة قيمنا الدينية والوطنية بسبب اهتزاز مرجعيتنا ستمتد شقوقها وتصدعاتها عبر السنين وتكون لها "هزات ارتدادية" تعكس آثارها مجالات كثيرة مختلفة كالمجال التربوي الذي يشهد هذه الفتنة التي أشعلها دعاة التدريس بالعامية! والخلاصة التي أريد أن أنتهي إليها هي أنه إذا كان قدرنا نحن اليوم أن نخوض مثل هذه المعارك الوهمية كلما اضطررنا إلى ذلك، دفاعا عن ثوابتنا، فإن من حق الجيل الناشئ علينا أن نصونه من مثل هذه المعارك وذلك بالقضاء على بواعثها أصلا فلا يضطر جزائريون في المستقبل إلى تبديد طاقتهم ووقتهم في "مجادلة" جزائريين آخرين حول مسلمات وبديهيات. مثلما نفعل نحن اليوم!
ولا يكون ذلك إلا بتحقيق الأمن الفكري وإحكام صلة هذا الجيل بمرجعيته الدينية والثقافية والحضارية وتوحيد "مصدر التلقي" في مجال المبادئ والقيم!
هل مشكلة التعليم في اللغة!!؟
الدكتور:( جمال ضو: أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة الوادي).
لم تشهد الجزائر حراكا افتراضيا وإعلاميا منذ سنوات عديدة، مثلما تشهده اليوم حول موضوع تدريس العامية، والذي أعاد الصراع القديم الجديد أو "الكلاسيكو" بين العربية والفرنسية، ولكن هذه المرة دخل لاعب ثالث هو الانجليزية، وربما لاعب إضافي وإن كان على استحياء هو الأمازيغية.
طبعا هذه الأحداث تجعل الذاكرة تعود بسرعة، وتستحضر تلك الصائفة التي تم فيها تسريب أسئلة البكالوريا، وأقيل أو استقال على إثرها الوزير السابق علي بن محمد الذي تجرأ واقترب من المنطقة المحظورة واللغة المحظوظة في الجزائر وحاول أن يجعل لها ضرة.
لست هنا لأدافع عن اللغة العربية، فلقد تصدى آخرون لهذا الموضوع ممن هم أجدر بذلك وأقدر، حتى وإن كنت أرى أن السِّمة الغالبة في وسائل الدفاع هو منطلق الهوية، كما أن عبثية الطرح وضعف حجة أنصار العامية جعل عملية الرد عليهم سهلة وحوّلتهم إلى محل سخرية، وهذا لا ينفي أن أصحاب قرار تدريس العامية لا يدركون هذه الحجج أو غائبة عن أذهانهم، بل المتأمل لحالة الاستقطاب التي شاهدتها الساحة الإعلامية في الجزائر وحالة التخندق لا يصعب عليه معرفة الدوافع المختلفة لتأييد قرار تدريس العامية أو لغة الشارع.
إنما دفعني للكتابة في موضوع بن غبريط وقراراتها "الجريئة" الخطأ الجسيم الذي يرتكبه أغلب من ناصبوا قرارات بن غبريط العداء، حيث اختصروا أزمة التعليم وسبب انتفاضتهم في مسألة اللغة، وهذا لعمري سطحية ما بعدها سطحية وتضييع للجهود ولفرصة طرح أزمة التعليم بعمق أمام الشعب وبشكل علمي بعيد عن الشعباوية والشيفونية والحسابات الإيديولوجية الضيقة التي يريدنا البعض أن نغرق فيها، فبدل الولوج في أزمة التعليم بكل مستوياته من الابتدائي إلى الجامعي انقسم معارضو بن غبريط إلى فئتين تقريبا: ففئة تحركها الخوف على الهوية والعربية والإسلام، وهم لا شك محقّون في ذلك لأن ما يُدبَّر في السر والعلن لم تعد تخطيء الأعين في دوافعه وأهدافه، أما الفئة الثانية فذهبت تحاول تقديم الانجليزية كبديل للفرنسية، وإن كان الأغلب مزج بين الدفاع عن الهوية والانجليزية كلغة ثانية.
لن أتعرض لصراع الهوية الذي أعتقد أنه مليء بالأشواك ومفخخ، ولكن ما يعنيني هنا هو هذا المطلب الذي أصبح يلقى رواجا كبيرا، ويحظى بتأييد كاسح حسب جميع استطلاعات الرأي الإلكترونية، وهو استبدال الفرنسية بالانجليزية كلغة ثانية.
المنطلق الرئيس الذي أسس عليه من يطالبون أن تكون الانجليزية لغة ثانية بدل الفرنسية هو أن الانجليزية هي لغة التواصل العلمي والتكنولوجي، بينما تكاد تنحصر الفرنسية في فرنسا وبعض مستعمراتها الإفريقية السابقة التي ترزح تحت وطأة تخلف لا يختلف عن تخلفنا أو يزيد، وهذه الحجة لا يستطيع أنصار الفرنسية في الجزائر (مناصرو بن غبريط) أن يردوها حتى يلج الجمل من سم الخياط، ولكن هذا الطرح اللغوي البديل يخفي وراءه كثيرا من السطحية وعدم الإدراك لخطورة الوضع في التعليم وعمق الأزمة وتجذرها وتشابكها، فعندما نسمع شخصية إعلامية مرموقة تقول لا بأس أن نرمي العربية والفرنسية في البحر، المهم أن يتعلم أبناؤنا الانجليزية، يخيَل للمتلقي والشباب اليوم أن الانجليزية هي خاتم سليمان والمفتاح السحري للنهضة وإخراج منظومتنا التربوية والتعليمة والبحثية من براثن الرداءة والانهيار، في حين لو فكر هؤلاء قليلا لأدركوا بُعدهم التام عن الصواب والواقع والطرح العلمي، فلو كان الحل يكمن في استبدال لغة بلغة لكانت شعوب ودول أخرى في مصاف الدول المتقدمة، فتلاميذ تلك الدول يتعلمون الانجليزية من أول يوم دراسة، بل هناك دول يكاد شعبها كله يتكلم الانجليزية بينما هي من أشد الدول تخلفا علميا واقتصاديا، على سبيل المثال، هل نيجيريا والكامرون وكل الدول الإفريقية الأنجلوفونية والسعودية والكويت ومصر... دول متطورة تربويا وعلميا؟ وهل ترينداد-طوباقو دولة مزدهرة؟...
إن اللغات الأجنبية هي وسائل اتصال والانجليزية اليوم هي لغة التواصلوالنشر العلميين، لهذا فتعلمها فرض عين وشرط ضروري للالتحاق بركب العلم والحضارة والنهل من مصادر العلوم المباشرة، وليس عبر فرنسا، ولكنه يبقى غير كاف، فأزمة التعليم والبحث العلمي والتربية أعمق من مجرد استبدال لغة بلغة، كما أننا لا نكاد نجد أمة أو دولة نهضت ورأت النور إلا باستعمال لغتها، وهذا ما أيدته دراسات اجتماعية واقتصادية عن العلاقة بين لغة التعليم ولغة الاقتصاد والإدارة وسوق العمل.
إن أزمة التعليم في الجزائر اليوم تجاوزت كثيرا مرحلة الإصلاح عبر تغير وزير أو وزيرة، لأن حالة التعفن والرداءة التي وصل إليها التعليم في الجزائر تجعل من عملية إصلاح التعليم مسألة بالغة التعقيد والتحدي، وتحتاج لمشروع مجتمعي تتبناه الدولة والنخب وفتح حوار معمق يستدعى له خيرة من أنجبت الجزائر من علماء ومفكرين مخلصين مرتبطين روحيا بهذا الوطن برابط وثيق، سيان في ذلك بين من هو داخل الجزائر أو خارجها. هذا المشروع لا يناقش مسألة المنظومة التربوية فحسب بل التعليم العالي والبحث العلمي أيضا، فالأزمة مترابطة ولا يمكن معالجة إحداها بمعزل عن الأخرى.
أخيرا أقول إنه من المؤسف أنه لا بن غبريط ولا لجنتها الفرانكو-جزائرية رأت من سوءات التعليم شيئا، ولم تقع أعينهم إلا على إشكالية العامية والفصحى في سابقة لا مثيل لها في دولة من الدول التي تحترم نفسها وشعبها (بل حتى تلك التي لا تحترم شعبها)؛ وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا عن الدوافع الحقيقية وراء هذه التوصيات التي تركت الجوهر وذهبت لتفتح جبهة صراع هُوِيات خطير يهدد التماسك الاجتماعي ويتجاوز صلاحياتهم بل وصلاحيات رئيس الجمهورية ذاته.
إنه لمن دواعي الحيرة أن لا نرى من السيدة الوزيرة ولجانها مناقشة جدية لمشاكل التربية، فلماذا لا تحدثنا الوزيرة عن الضرورة العاجلة لبناء مدارس وأقسام جديدة لا يتعدى عدد التلاميذ فيها 25 تلميذا، يسهّل على المعلم أداء مهامه والتعامل معهم، مثل كل دول العالم التي رأت نور النهضة والتقدم؟
لماذا لم نسمع نقاشا صريحا حول المحتوى الركيك للمقررات وكثرة الكتب وانخفاض مستوى المعلمين والأساتذة ودروس الدعم وعدم واقعية نسب النجاح وتضخيمها من أجل إسكات وإرضاء النقابات والأولياء من دون أن ينال أبناؤهم كمًا من المعارف يجعلهم أهلا لذاك النجاح؟
لماذا لم نسمع حديثا جادا عن الانفلات الأمني والأخلاقي الذي تشهده مؤسساتنا التعليمية، حتى غدت أشبه بل أسوأ من المقاهي والملاهي؟ بل كانت التوصيات هي إدخال لغة الشارع والمقاهي إلى المدارس!
لو كانت توصيات الوزيرة ولجانها تقدم علاجا لمشكلة من المشاكل التي أشرنا إليها لقلنا إن الوزيرة تسعى بجدية لإصلاح ما أفسده بن بوزيد بغض النظر عن قناعاتها الإيديولوجية ونظرتها لهذا الشعب، ولكن عندما تكون التوصيات واللجان بهذا الشكل فإنه من الصعب أن نصدق أنه يراد خير بمدرستنا وأبنائنا.
لماذا الأنجليزية أو الفرنسية!!؟
لقد بلغ التوقيع على لائحة المطالبة، باعتماد اللغة الأنجليزية بدل اللغة الفرنسية الآلاف من الموقعين، التي قيل إنها ستعرض على الوزير الأول عبد المالك سلال، وهؤلاء الآلاف من الموقعين يمثلون جميع فئات المجتمع الجزائري، سياسيين وأكاديميين ورجال إعلام ورجال تربية وتعليم ومستثمرين.. إلخ.
وهذه التوقيعات فيما يبدو تحمل وجهين من الغايات المترتبة عنها. وجه يمثل موقفا سياسيا، وهو موقف يريد الانعتاق من الهيمنة الفرنسية على واقعنا السياسي والثقافي والإقتصادي بواسطة اللغة، حيث ان فرنسا في سياستها وعلاقاتها مع العالم ومنها مستعمراتها القديمة، تعتبر اللغة من المكاسب التي تحقق لها البقاء، وأنشأت لذلك "وزارة الفرانكوفونية" التي تعد من أهم الوزارات، بحيث تضاهي مكانتها في العرف الفرنسي مكانة وزارة الدفاع. والوجه الثاني وجه براغماتي يربط الاهتمام باللغة بقدر الاهتمام بالعلاقات مع العالم، علما واقتصادا واتصالا، ومن هذه الجهة يرى المطالبون بالتخلي عن الفرنسية؛ ان تخليهم عنها تخلي عن لغة ضعيفة في العالم، ومساحات التعامل بها ضيقة جدا، حتى أن أحدهم قال إن الفرنسية يودعها المسافر الجزائري من مطار هواري بومدين، ولا يصحبها معه إلا من توجه إلى فرنسا.
وهذان الوجهان من حيث المبدأ مشروعان، سواء من الناحية السياسية، وقد تأخرت الجزائر كثيرا، حيث لا نزال بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، نعتقد أن بقاء الفرنسية ضروري في إداراتنا وتعليمنا، وكذلك من الناحية الاقتصادية والعلمية، التي أضحت فيها اللغة الفرنسية لغة متخلفة بالنسبة للأنجليزية، ولكن الظرف الذي تناقش فيه مثل هذه المسألة، لا يتجاوز فعلنا رد الفعل كما في كل مرة تثار فيها موضوعات المنظومة التربوية، التي تنحصر فيها النقاشات في "الصراع اللغوي"، الذي كان بين العربية والفرنسية، وبين العربية والأمازيغية، ثم بين العربية الفصحى والعامية، وأخيرا بين الفرنسية والأنجليزية، كأننا لا نريد أن نعرف أن المنظومة التربوية تمثل جوهر بناء المجتمع بجميع أبعاده الوطنية، وعصبه اللغة الوطنية.
لقد أثير موضوع تعليم الأنجليزية في عهد سي علي بن محمد، وتقرر رسميا أن يترك اختيار اللغة الثانية في الابتدائي لأولياء التلاميذ، ولكن بحكم أن القرار لم يتجاوز الانفعال الآني المبني في الظاهر على التوجهين المذكورين، أقبر المشروع في أول تجربة له، ولم يخضع للمتابعة اللازمة ولا للتقييم. وأذكر أنا شخصيا أنني اخترت لابنتي "أسماء" اللغة الانجليزية في الابتدائي، ولكن بكل أسف لم تلب المدرسة رغبة الأولياء؛ لأن الذين اختاروا الأنجليزية كانوا قليلين، بحيث لم تتمكن إدارة المدرسة من جمع قسم واحد لتخصص لهم معلما.. فدخل المخيرون الصف وتعلموا الفرنسية رغما عنهم، ولكن العالم النفسي لأسماء ابنتي، وربما لكثير من امثتالها، قد أهَّلها إلى قبول التحدي، لتتحصل على نقطة 16/20 في الباكالوريا، وتدرس اللغة أنجليزية في الجامعة وتتخرج وتصبح استاذة للغة الأنجليزية.
إن تحقيق اعتماد اللغة الأنجليزية بدل الفرنسية، سيحقق مكسبا سياسيا، ويجعلنا ننفتح على العالم أكثر، ولكن من الناحية التربوية والتعليمية، لم نحقق شيئا يرتفع بالمنظومة التربوية إلى مصاف المجتمعات المتقدمة، وإنما نكون قد استبدلنا استعمارا باستعمار؛ لأن ذلك كان على حساب الإجتهاد في الارتقاء باللغة الوطنية التي هي لغة التعليم إلى موقعها اللائق بها في المؤسسات الوطنية ومنها التعليم..، اما فيما يتعلق بتعليم اللغات الأجنبية، ما الفرق تربويا بين ان أعلم الفرنسية أو الأنجليزية، على حساب العربية؛ لأن النقاش الأصل هو في مدى صلاحية تعليم اللغات الأجنبية في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي، وقد اتخذت اجراءات في إطار مدرسة التعليم الأساسي، بغرض إلغاء تعليم اللغات الأجنبية خلال مرحلة التعليم الابتدائي، واستمرت العملية سنوات، ولكنها في النهاية عطلت والآن يمكن ان تعاد اللغة الأجنبية إلى السنة الثانية.
فالنقاش في جوهره إذا، ليس في الموازنة بين لغتين أجنبيتين وإنما بين لغة وطنية ولغة أجنبية، واللغة الأجنبية مهما كانت صلاحيتها، لا تحل محل اللغة الوطنية.
إن منطق السيادة والهوية هو الحسم في لغة التعليم أولا، لا سيما في سنواته الأولى من التعليم الابتدائي، ثم ننتقل إلى الموازنة بين اللغات.
اما الخيارات العاجلة، فقد حسم فيها أهلها والمحتاجين إليها، فالشباب الذين فرضت عليه الفرنسية في الجزائر بسياسة الأمر الواقع، قد تحرروا منها عندما انتقلوا إلى الدول الأنجلوساكسونية، بل تفوقوا في الأنجليزية نفسها، وأضحوا في العالم ينافسون عباقرة العالم، وكذلك رجال الأعمال الذين اكتشفوا السوق العالمية، فقد تعلموا بجهودهم الخاصة اللغة الأنجليزية والصينية والفارسية، وتحرروا تماما من عقدة الفرنسية، عندما فرضت عليهم الحاجة تعلم اللغات التي لها علاقة بنشاطهم الاقتصادي.
إن تعلم اللغة الأنجليزية ليس هو الذي يصنع لنا عباقرة ويحررنا من الفرنسية وغيرها، وإنما صناعة المنظومة التربوية القوية، والإطارات الواعية في قطاع التعليم، هما اللذان يصنعان العجب في نهضة المجتمعات، أما تبني اللغة الأنجليزية مع هذا الواقع المهزوز الذي نعيش، فلا يغير من الأمر شيئا؛ لأننا بكل أسف غير واعين حتى بما بين أيدينا من قوانين قابلة للإستثمار في مجال تطويل التعليم، فالتعليم العالي باللغة العربية لا يوجد قانون يمنع الأستاذ من التعليم باللغة العربية، وكذلك الطالب لا يوجد ما يمنعه من تحضير رسالته بالعربية، ولكننا نفسيا لا أحد يشعر بذلك أو بأهمية استغلاله.. لأن الفرنسية تستعمرنا من الداخل وليس من خارجنا.
أما الأنجليزية من حيث الهمينة، فهي كالفرنسية في مستعمراتها السابقة، فواقعها في شبه القارة الهندية والخليج والشرق الأوسط عموما، كالفرنسية عندنا تماما،
ومن الأمثلة التي صدمتني وانا في طريقي إلى الحج سنة 2012، انني مررت بمطار الدوحة، وبت به ليلة، وفي تلك الليلة أردت أن أتواصل مع الموظفين في المطار، ولكني بكل أسف لم أجد من أتكلم معه بالعربية في هذه البقعة، لا في شركة الطيران القطرية ولا في موظفي المطار القطري، وبصعوبة كبيرة "عثرت" على لبناني استعنت به على حاجتي في التواصل مع من أردت التواصل معه.
وإذا كنا نعتقد ان مجرد تغليب كفة الأنجليزية سيحل مشاكلنا فنحن مخطئون؛ لأننا في الحقيقة تحررنا من فرنسا لتحتلنا بريطانيا، كما هو واقع الخليج العربي، السعودية وقطر والإمارات، وكما قال رئيس شرطة دبي ذات يوم "نخاف أننا نبني العمارات ولكننا سنخسر الإمارات".
إننا في الجزائر مثل سائر شعوب العالم، نملك من القدرة على التحرر من كل ما فرض علينا، ولكن ذلك مشروط بمدى قدرات منظومتنا التربوية، التي ينبغي أن تحمل في روحها الاستقلالية المطلوبة، لتكون أكثر حرية والتزاما وخدمة لنا وللإنسانية، اما وقد بقي واقعنا يراوح مكانه، بدلا من مناقشة دستورية لغة التعليم.. !! ولماذا لم تنتقل اللغة الرسمية إلى التعليم العالي..؟ وما علاقة اللغة الرسمية بالمنظومة التربوية؟ رحنا نشغل أنفسنا بأهمية الأنجليزية، وبضرورة تعليم الأمازيغية، وأولوية هذه عن تلك، فإن الأمور ستبقى كما هي، ولا يتغير شيء مما نريد تغييره.
اللهم إلا إذا كنا لا نريد إلا هزيمة فرنسا بتبني الأنجليزية، فذلك أمر آخر ولكنه لا يحل المشكلة، أما الحاجة إلى الأنجليزية فقد اختار المجتمع طريقه في ذلك، ولم ينتظر القوانين التي تيسر له ذلك، وإنما شق طريقه إليها بمجرد شعوره بالحاجة.
المشكلات التي تسببها العامية حاليا في الأدب و الكون
(وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام)
المشكلات التي تسببها العامية حاليا في الأدب و الكون :
أفسدتم المنقول والمعقول وال** مسموع من لغة بكل لسان !
( وصيتي ألا يتحدث الأحباب سوى بالفصحى ما استطاعوا )
كنت طرفا في حوار حولالأدب الشعبي بالعامية ، وسطرت موقفا أراه صوابا حولالفصحى وموقف الأديب منها ، وأنقله للفائدة ( مزيدا ) على شكل نقاط :
حجم الخسارة :
• خسارتنا شاملة مع العامية ( دينية * دنيوية * مادية* معنوية )تأثر المشاعر بالتعبيرات العامية :
• الشعور يأتي بالتعود فمن عود نفسه الفصحى سيشعر بها إن شاء الله وسيفكربها بعد ذلك، وبذلك نتخلص من العامية التي يحبها المستعمر المخرب لأنهاتبعدنا عن لغة القرآن التي فيها الهداية والثواب، وبها نفهم السنة ودررالسلف ، ونواكب العلوم جميعا ، ومعها ترتقي الأنفس وتستعيد شيم الأباة منتراثهم الفصيح
فهلا وعينا الدرس ؟
إنها لغة الكرامةومقدمة العزة
أم نكون كما قال حيدر
لا يفهمون المكرمات كأنها*** عربية وكأنهم أتراك !
فلتكن ساعة وساعة :
*كلما تحدثنا بالعامية فرح المستعمر المستعبد المستخرب ، لأن معناه أن ملكةالفصحى تقل (ولو بالإزاحة المكانية والزمانية ) فيصير القرآن غريباجزئياعلى العقول ، ولا يجتهد الناس لتعلم الفصحى كثيرا ساعتها للأسف ،أماالرقي كل الرقي فهو أن نحاول فهي مفتاح من مفاتيح النهضة
• الأدب يعين على تذوق القرآن البليغ مبناه ويرقى بالحس وينشر الفكر في أحلي صورة تطهر العقول من أدران الإعلام
والله المستعان ...
الأمر يحتاج مجاهدة للنفس
لكنني سأرد النفس كرهة ***على الذي تتقي والله معوان
وإني لست من ليعت جوانحه ***وبات فيها من الأشجان جذلان
إلى هذه الدرجة ؟ ..... :
* اللغة هي وعاء الحضارة ، وممارساتنا اللغوية هي اللغة ، وأي خروج فيها يستهلك جزءا من المخ والقلب والمشاعر ويبعد عن الأصل
*لغتنا هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم،وتحدث بها الرسول الكريم عليهأفضل الصلوات والتسليم ، فهي حصن ووعاء للدين وأي مسلم غير عربي يسعىلتعلمها سعيا واجبا ومن ضيعها وهو عربي فقد ساهم في تضييع الدين
والتضييع دركات فكل تأثير سلبي يعد تقصيرا وربما عد حربا على الله تعالى
كما قال أبو الفضل الوليد
فما لغة العرب مسموعة ***من القوم والأكثرون نيام
وما عربية هذا الزمان*** كتلك التي ربيت في الخيام
تحمس جيشا وتنشد شعرا وتعلو الجواد وتجلو الحسام
فأين الإباء وأين السخاء ***وأين الوفاءوأين الذمام
*رأيت مسلمين في بلاد شرق آسيا يسافرون لدبي خصيصا لشراء محمول عربي للجميع – تسع ساعات سفر - ، ويحبون أن أتكلم معهم بالعربية - رغم ضعفهم فيها- وأن أرسل لهم رسائلي بالعربية وكلما نسيت وجرى لساني بغيرها قالوا لا ...لغة القرآن وكان الأمر يصيبني بالحياء والسعادة معا
*اللغة الفصحىأوسع لغات الأرض ولا توجد لغة بنفس السعة ولا بنفس الجمال
هل الفصحى صعبة عسيرة معقدة :
* أي لحن أو أوركاكة ( أو غموض أو حذلقة ) في الفصحى فهو خطأ من صاحبه وليس عيبا أو قصورا فيها
فهو العابث باللغة جهلا والمنتقي عن عمى !
فهو واللغة كما قال قيس :
أيا عمرو كم مهرة عربية ***من الناس بليت بوغد يقودها
يسوس وما يدري لها من سياسة ***يريد بها أشياء ليست تريدها
( النص يتسع لمن لا يتقن اللغة العربية أو الجامعة العربية )
يقولون لغتنا قريبة من الفصحي :
*العامية تحطم الفصحى لأنها لا تلتزم بالإعراب وتسكن أواخر الكلمات ، وتغيرالحركات في أول الكلمات ، وتبدل بعض الحروف (كإبدال القاف جيما أو همزة )
*التحول من الفصحي إلى العامية مصيبة حدثت وداء حل لابد من التداوي منه لأنه يصيب الدين والنفس معا
يهيم بالغرب لم يقرأ له أدباً ** ويجحد العرب لا يدرى الذى جحدا
وكل ما عنده كتب يعددها ** لم يدر مما حَوت غياً ولا رشدا
ومن حما لغة الأسلاف من عبث ** وزاد عنها حما دينا ومعتقدا
*قال أحد الأدباء عن اللغة العربية: "لقد تعرضت وحدها من بين لغات العالملكل ما ينصب عليها من معاول الهدم ويحيط بها من دسائس الراصدين لها؛ لأنهاقوام فكرة وثقافة وعلاقة تاريخية".
* العامية شتت العرب ومزقتهم إلى دول ، والفصحى توحدهم ، وإلا لصارت الصلة بين المصري والمغربي كالصلة بين المصرى والفلبيني المسلم
وبالفعل حين يتكلم العربي بلهجته المحلية يعجز غيره عن متابعته !
كما قال الشاعر :
***عربية عجماء تلهي العارفا !!
وحين يتكلم الفصحى نفهم ونتواصل
وهي أمور بدهية وتنميتها واجب لنصير أمة متوحدة في وجه التحديات الهائلة
أفق ... العالم كله ينافح لأجل لغته ....:
*قامت إسرائيل بإحياء اللغة العبرية الميتة
وترفض فرنسا تلويث الأذن الفرنسية بالإنجليزية حتى سن معينة فلا تعلمهاللأطفال وتسن قوانين لتكون نسبة الأفلام المترجمة صوتيا كبيرة كي لا يعتادالناس سماع غير لغتهم ( في عصر العولمة ) واليابان لها باع في حفظ لغتهابالمثل ومنع الأجنبية عن الأطفال
وتحافظ ألمانيا على لغتها بقواميس وكتب ومعاجم لغوية متطورة كل عام - خاصةبعد التوحيد - لرأب الصدع اللغوي ، رغم أن لغتهم صعبة وفقيرة
فلماذا ؟
لأن اللغة هي جزء من الذات ...
الذات
فحين يأتي الأجنبي طوعا للعربية حبا في القرءان فهو هنا يغير دينه راضيامقتنعا موقنا بتغيير حاضره ومستقبله ومصيره وكل صلاته ومنطلقاته وغاياته ،أما نحن فعلام ...!
*الأدب هو المعبر الذي تصل به الدعوة للقلوب ، وتصل به كل رسائل الإصلاح (أو الإفساد )، وترسخ به المعاني وتحب به اللغة التي صيغ بها !!
فلو صيغ الأدب بطريقة تحبب الناس في العامية فهو أدب محارب لديننا وهويتنا ، ويقلص من مساحة الحق داخلنا ... مهما حسنت نية قائله
ولو تعود الناس على روائع الفصحى أحبوها وانتصر الدين في تلك الخطوة
والله تعالى أعلم
طغى العقوق وعذر الأقربين على ** هذا التراث فأضحى وهو ينتهبُ
باعوا اللآلئ والأصداف من سفه ** وعذرهم أنهم فى الغوص ما تعبُ
لا يخجلون حياء إن هم لحنوا ** فيها وفيما سواها اللحن يجتنبُ
ما قصرت لغة الفرقان عن غرض ** ولم يؤد سواها كل ما يجبُ
كم فى معاجمها من طرفةعجزت **عنها لغات الورى لوتكشف الحجبُ
وكم ترى فى تراب الأرض تحقره ** وفى ثناياه لو فتشته الذهبُ
وقد تحدث أهل العلم عن أن تعلم العربية الفصحى واجب على المسلم ، لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ، على الأقل يوما بيوم من الفاتحة فصاعدا
ووحدة الأمة تقوم على الشرع بلا شك ، وجزء منه لغة التشريع التي تفهم بهاالأوامر والمواعظ ، وقد تحدث أهل العلم عن الخطبة بالأعجمية وهل تجوز ! بمعني أنهم يعلمون أنها مشيئة الله تعالى أن تنتشر تلك اللغة وتصير جزءا منالدين
وهو ما لا ينفي الخصوصية ، فرغم الفصحي يبقى لكل شعب بعض ممارساته التيتميزه ، وقد كان وسيكون إلى ما شاء الله تعالى ، ولكن سعادتهم بأن يكونالجميع قلبا وقالبا موصولين بحبل تلك الكريمة ،وهو ما نراه في شرق العالموغربه من الصادقين قديما وحديثا
هل يصح أن نقول : عامية أو فصحى ! المهم المضمون ؟...:
أعتقد أن الأمر لا خلاف عليه - على الأقل بيننا - في تلك النقطة ، فأراكموالجميع أهل حرص أحسبكم كذلك والله حسيبكم ونسأل الله لنا ولكم مزيدا منالعلم والإخلاص
أعني أننا نتكلم عن الفصحي أو العامية كأدب إسلامي وهو موضع الحوار ، أما المضمون فمتفق عليه ( فمن رغب
عن سنتي رغب عني )
الأمر ليس صراعا بين وسيلة وغاية ...
فالفصحي جزء من الغاية وركن من الهدف، والمعادون للأمة يدعمون تلكالمحاولات ( التي لا شك في حسن نية الكثيرين من أصحابها ) في هجوم خبيثعريض لتفتيت اللغة العربية وعلومها وآدابها ، مما ينعكس على فهم الإسلاموالقرب من القرآن كما أسلفنا
والجواب يكون بالبناء .... قال شوقي :
وتقلدي لغة الكتاب فإنها *** حجر البناء وعدة الإنشاء
وهناك الكثير من التعبيرات الفصيحة في القرآن يعدل عنها القوم للعامية ! وكما قلنا الأمر في أوله صعب ولكنه يهون لاحقا إن شاء الله
فكما نجح اليهود وصارت العبرية التي لا حروف لها معروفة ، ولا تشابه حروفالإنجليزية ولا العربية وكانت ميتة حبيسة كتب وعقول قلة ( يعني صلتهم بهاأبعد من صلتنا بالفصحى ) سائدة أدبا وطبا ، فمن ثم قويت الصلة بالتوراةالمحرفة
*يجب أن ننجح ونتعود ونعود غيرنا ثم نتذوق ويحدث ما حدث سابقا ، وتعودالفصحى لمجدها ويشعر الناس بها ، حين نرتقي نحن بهم ونحاول ونبذل الجهدالذي لدينا في الفصحي بدلا من العامية ستحدث الاستجابة إن شاء الله
ويجب أن تكون الفصحي السهلة الجميلة الواضحة القريبة هي العمدة
فمثلا يقول الله تعالى
( ومن يتق الله يجعل له مخرجا) ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم
ويقول الشاعر
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدى
تلك كلها أمثلة واضحة يفهمها الجميع فلم لا توظف وأمثالها ويقاس عليها
فيعود للأدب الحي بهاؤه ....
كما قام البارودي ثم من بعده شوقي ( على خلافنا لبعض المضامين) فقدما أدبا أنعش العالم وجعله يعود ليشعر بجمال اللغة وسلطانها
فلو قمنا بدعوة ثم عمل كما عمل هؤلاء لأدينا بعض ما علينا والله المستعان على من يعاديها
لهفي على الفصحى رماها معشر***من أهلها ! شلت يمين الرامي
لا أعرف العربي يلوي فكه ***إن هم يوما فكه بكلام
إن فاه تسمع لكنة ممقوتة ***من فيه سكسونية الأنغام
هل الأمر نخوة وعاطفة ؟ وهل يحرم الكلام بالعامية ؟
ليس الأمر عاطفيا حسب فهمي ،وبالفعل أدع الفرصة لغيري ليجتهد ويبلغ الرسالةأحيانا وفي مقامات معينة مع أناس معينين بالعامية ، وربما يكون أفضل معالمسنينالبعيدين تماما - في حدود معينة طبعا - لأنهم لا زالوا يعون بعضالفصيح البسيط القرءاني الجميل،
لكن هنا ... حين نريد أن نحيي الأدب العربي ! فلنصوبه لفظا ومعني ونحوا وصرفا ، ليكون أفضل لوجه الله تعالى ونبتعد عما حرف
لأني أرى بعقلي وعيني أن العداة يدعمون تلك المسألة كما لا يخفى على فطن مثلك
أراها معركة دين وحضارة وثقافة تشكل اللغة وعاءها
هذا ولا أقول أن الأديب العاميمجرم أو آثم حاشاك أخي الحبيب ، بل هيرؤيتي أنا الفقير المسكين الذليل المقصر وأعتقدها صوابا يحتمل التعديل
أقول أن من لديه القدرة على الإحياء ثم تخلى عنها لينعش شيئا عاميا فهويقلص من قربنا من الحق ومساحته داخلنا نحن العرب خاصة ، وهو أمر مشاهد فيالجيل ...
قال سبحانه
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌمُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىلِلْمُحْسِنِينَ}الأحقاف
ما عنيتها ليست لغة أجنبية ضد لغة محليةفليست عنصرية،
بل رد القوم للغتهم الأم التي انحرفوا عنها فليس وأدا للسانهم بل تقويما
ما عنيته لغة عامية تحدرت من لغة فصيحة ,وأي تقليص للفصيحة خسارة للدين لأنالعرب – خاصة- هم حملة الرسالة ( قبل غيرهم ) وصلتهم بها تحتاج للغة أنتحيا
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَأَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِنوَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } سورة الرعد ... ومن أصدق من الله قيلا.
ملاحظة: منقول بواسطة الأخ الفاضل:" مصطفى".
"الدارجة" واللغة الرسمية: الأدهى والأمر!!؟
أبو بكر خالد سعد الله
لقد اتخذ موضوع التدريس بالدارجة أبعادا لم تكن منتظرة من هذا الطرف أو ذاك، وجاءت تصريحات الوزير الأول الأخيرة لتمسك العصا من الوسط في انتظار تهدئة الأوضاع وميول الكفة في هذا الجدل الذي تمنّينا ألا يطول لينشغل القوم بما يحتاج فعلا إلى نقاش.
من تلك المواضيع التي كان من المفروض أن تطرح بقوة، موضوع يشدّ الانتباه في الداخل والخارج: لماذا يلجأ الرسميون خلال أدائهم لمهامهم الرسمية في داخل البلاد وخارجها إلى الحديث بلغة أخرى غير اللغة الرسمية؟ هل المواطن الجزائري محكوم عليه أن يتقن لغة أجنبية ليفهم الخطاب الذي يوجهه إليه المسؤول الكبير والصغير في البلاد ويتواصل معه؟
ألا يشعر المسؤول عندنا بالإحراج حينما يكشف عن جهله باللغة الرسمية أمام الملأ في الداخل والخارج؟ كيف يقبل تحمل مسؤولية وهو عاجز عن توضيح أمرها وسيرورتها لمخاطبيه الجزائريين على الأقل؟ كيف يعيّنه من يعيّنه في ذلك المنصب وهو يدرك عجزه وعدم مقدرته على التواصل مع المواطنين؟ هل نتصور مسؤولا ألمانيا لا يستطيع مخاطبة الألمان بالألمانية؟ بل هل نتصور إسرائيليا أو إيرانيا أو تركيا أو رومانيا أو فرنسيا أو صينيا... يخاطب جمهور بلده بلغة أخرى غير لغة البلد؟ أبدا!
لا يحدث هذا إلا عندنا لأن إتقان اللغة التي يلم بها معظم أفراد الشعب (وهي اللغة العربية لكونها لغة التدريس منذ نصف قرن، ولكون الشعب الجزائري مكون من الشباب) ليس من شروط تولّي المسؤوليات عند أصحاب الحل والربط، ولو كان هذا الإتقان شرطا أساسيا في تولّي المناصب ما وجدنا من ينادي بتدريس الدارجة في المدارس... وما تولّى مثلا مهام وزارة التربية شخص لا يتقن لغة التدريس مهما كانت وطنيته ونزاهته وإخلاصه وولاؤه والتزامه، ونظرا لهذا التسيّب فنحن نجد هذه الأيام الإعلام المعرب يندّد عموما بفكرة التدريس بالدارجة متخذا أشكالا مختلفة، وبالموازاة مع ذلك نجد الإعلام المفرنس برمته يصب في اتجاه تدعيم الفكرة والتنديد بـ"المحافظين-البعثيين-الإسلامويين"... هكذا كتلة واحدة دون تمييز... وأحيانا يضيفون إليها "الأصوليين-الإرهابيين"!
ولعل الأديب والأستاذ أمين الزاوي -رغم عمق ثقافته وتمكنه الكبير من اللغتين- كان أوضح هؤلاء عندما كتب في صحيفة ليبرتي (الناطقة بالفرنسية) يوم 6 أوت مقالا بعنوان "لغة حية أو لغة الحياة؟"، تناول الكاتب في هذا المقال دور الدارجة في تعميق الثقافة وإثراء اللغة الرسمية، وجاء على لسانه على الخصوص: "على الرغم من أن العربية لغة جاءت قبل الإسلام فإن هذا الدين استولى عليها، لقد صادر الدين الإسلامي اللغة العربية"!
ونقرأ في مكان آخر من نفس المقال: "اللغة العربية الفصحى كانت منذ الاستقلال لغة مقدسة في المساجد والمدارس، بين "الديني" و"الوطني" أما اللغة الفرنسية فكانت دائما لغة الانفتاح ولغة القرار."
ثم يقترح في نفس النص:"لكي تتحرر اللغة العربية من الذاكرة الدينية فلا بد لها من أن ترتمي في أحضان الدارجة" (كذا)، ثم يضيف: "لقد صارت اللغة العربية الفصحى مُتْعَبَة بشكل متزايد من جراء المد الديني السياسي والتقليد (المحافظة)."
نجد في هذا المقال التحليلي القصير لوضع الدارج والفصيح الإشارة إلى الدين والإسلام عديد المرات، رغم أن عدد كلماته تناهز 600كلمة، وهكذا يرى الأستاذ الزاوي ومن حذا حذوه أن"الدين الإسلامي" هو المشكلة في القضية اللغوية المطروحة وأن"الدارجة" هي التي ستحلها أو ستؤدي دورا أساسيا في حلها!
وبالموازاة مع ذلك هناك من لا يربط هذا الربط الغريب بين المعتقد (الدين أو غيره) واللغة، نشير على سبيل المثال إلى مقال طويل بعنوان"العلوم العصبية في الاكتساب والتعلم المدرسي للغة: قضية نفسية معرفية وليست قضية اجتماعية" طالعتنا به يوم 22 أوت الخبيرة في اللسانيات وعلم النفس، الأستاذة نصيرة زلال في صحيفة "يومية وهران" (الناطقة بالفرنسية)، وذلك في سياق الجدل القائم حول الدارج والفصيح.
تساءلت الأستاذة زلال: "لماذا أطفال الألمان... الذين يتكلمون لغات جهوية شديدة الاختلاف -10 لغات على الأقل-... لا يشعرون بأي نوع من الصدمات العصبية عندما يتعلمون في المدرسة اللغة الألمانية المعيارية التي يوحّدها ويثريها السويسريون والألمان والنمساويون بصفة منتظمة؟"، وتضيف الأستاذة قائلة: "إن التحجج بإحداث صدمة عصبية لدى الطفل إثر الاحتكاك البسيط بالجديد في المدرسة، (أو تذكيرنا -وهذا أدهى-بأنه علينا الاعتزاز بـ "قيم أسلافنا التي تحملها لهجاتنا" والدفاع عنها بقوة) ليست حجة علمية، ذلك أن هذا الخطاب المزدوج يفتقد إلى إثبات تدعمه دراسة مقارنة... ما دام الأمر يتعلق "بالبيداغوجيا المدرسية" فحتى نكون علميين يجب الاعتماد على مفهوم المشاهدة والملاحظة كيلا نقع في خطاب بعيد عن الموضوعية."
نلاحظ أن مقال الأستاذة زلال يقع في أزيد من 6000 كلمة (أي ما يعادل 10 مرات طول مقال الأستاذ الزاوي) ورغم ذلك لم ترد فيه أبدا كلمة "الدين" أو"الإسلام"! والغريب أن يلاحظ الأستاذ الزاوي أيضا:"في الوقت الذي تموقعت فيه الدارجة في الفن والإبداع... تموقعت اللغة العربية الفصحى في المساجد وخطب الجمعة والصلاة على الأموات وفي الخطب الرسمية الكاذبة".
وجه الغرابة الذي نريد هنا الإشارة إليه -إضافة إلى ما يحمّله الكاتب للدين بخصوص استحواذه على اللغة العربية- أن نسمع بأن اللغة العربية الفصحى تموقعت في الخطاب الرسمي! نحن نفهم من "الخطاب الرسمي" أنه الخطاب الذي يدلي به المسؤولون الرسميون (سيما كبارهم)، فمن الذي يتكلم اللغة الرسمية في البلاد من الرسميين، يا ترى؟ لعلهم يتكلمونها خفية في بيوتهم؟ فإذا استثنينا النزر القليل من هؤلاء وجدناهم لا يحسنون اللغة الرسمية، ولا حتى الدارجة أحيانا، وتلك هي الكارثة الكبرى المسكوت عنها من كل الأطراف.