تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية المشرف العام
المشرف العام
مدير عام سابق
  • تاريخ التسجيل : 22-12-2006
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 6,013

  • وسام فلسطين 

  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • المشرف العام has a spectacular aura aboutالمشرف العام has a spectacular aura about
الصورة الرمزية المشرف العام
المشرف العام
مدير عام سابق
موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 03:32 PM
ربما يتفق معي الجميع أن "ظاهرة الكلام الفاحش" في الطرقات، في الملاعب، في رمضان وفي غير رمضان تميز الجزائريين عن غيرهم، حتى أصبح الواحد منا يستحي أن يسير في الطريق مع صديقه أو مع عائلته فيسمع كلاما يتمنى لو أن الأرض ابتلعته قبل أن يسمعه.

وحسب معلوماتي أن هذه الظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري حيث قبل الاستعمار لم تكن موجودة وإنما انتشرت وازدهرت مع دخول الاستدمار الى الجزائر.

موضوع للنقاش
ويمكن تناول الموضوع من عدة نواحي:
- تاريخ الظاهرة
- أسبابها
- طرق علاجها

سنعود الى الموضوع بمزيد من التفاصيل


مع تحيات المشرف العام
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية واعد
واعد
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 10-06-2008
  • الدولة : أعماق ظلي
  • المشاركات : 5,426
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • واعد will become famous soon enough
الصورة الرمزية واعد
واعد
شروقي
Re: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 03:47 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المشرف العام مشاهدة المشاركة
ربما يتفق معي الجميع أن "ظاهرة الكلام الفاحش" في الطرقات، في الملاعب، في رمضان وفي غير رمضان تميز الجزائريين عن غيرهم، حتى أصبح الواحد منا يستحي أن يسير في الطريق مع صديقه أو مع عائلته فيسمع كلاما يتمنى لو أن الأرض ابتلعته قبل أن يسمعه.

وحسب معلوماتي أن هذه الظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري حيث قبل الاستعمار لم تكن موجودة وإنما انتشرت وازدهرت مع دخول الاستدمار الى الجزائر.

موضوع للنقاش
ويمكن تناول الموضوع من عدة نواحي:
- تاريخ الظاهرة
- أسبابها
- طرق علاجها

سنعود الى الموضوع بمزيد من التفاصيل


مع تحيات المشرف العام

شكرا على الموضوع القيم
وفيه إفادة كبيرة
صدقت لاتستطيع الخروج مع أي احد من العائلة
وللاسف يوجد بعض العائلات الكلام الفاحش أصبح عادي
والمشكل أنه أصبحت بعض الكلمات الفاحشة متداولة بين الصغار و الكبار وأصبحت عادية لكثرة تداولها
وهناك شباب يبغون ان تشيع الفاحشة بين المسلمين و العياذ بالله و الله المستعان على مايصفون
اللهم هدنا وهدي امتنا للهدى
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية moussa16
moussa16
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 30-08-2008
  • المشاركات : 4,241
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • moussa16 will become famous soon enough
الصورة الرمزية moussa16
moussa16
شروقي
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 03:49 PM
اولا شكرا للمشرف العام بالمجازفة
والانضمام معنا الى أخطر قسم :D:D
وبعد
الكلام الفاحش وحسب رأيي ظهر مع تقدم العلوم والتكنلوجيا حيث اطلع الانسان على أشياء لم يكن يعرفها لولا هذه الوسائل وان حاولت ترتيب التواريخ نجد ان
الهوائيات المقعرة {le parabole} كان اول سلاح هدام للشخصية...يليه الانترنت حيث اصبح مسرحا للمراهقين لتعرف أكثر على الجنس الناعم ...وختاما بالهاتف النقال الذي ربط وعلى المباشر الذكر بالانثى حيث قديم لتحديد موعد بين اثنين وعلى سبيل المثال تستعمل رسائل خطية وانتظار ردود اي تستعرق ايام أما الان بدل الرسائل الخطية اصبحت الاشارات الالكترونية sms تلعب دور الوسيط في ثواني معدودات...
هذا بإختصار كيف ذهب الحياء من الشباب وحتى الفتيات الكل اصبح مكشوف ومقارنة بين الكلام الفاحش وما يدور من اشياء اخرى يرى ان الكلام البذيئ لا شيئ
وان اردنا الحلول فلا شيئ أفضل من تربية النشئ
واعادت تأهيله من المدارس الابتدائية
والله أعلم
حين تموت الأسود ترقص الكلاب على أجسادها
لكن تبقى الأسود أسوداً و تبقى الكلاب كلاباً


أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
التعديل الأخير تم بواسطة moussa16 ; 16-09-2008 الساعة 03:51 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محمد دلومي
محمد دلومي
مشرف
  • تاريخ التسجيل : 05-07-2007
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 50
  • المشاركات : 891
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • محمد دلومي is on a distinguished road
الصورة الرمزية محمد دلومي
محمد دلومي
مشرف
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 09:11 PM
لفتة تستحق الاهتمام ، وصراحة ربما ما جعلنا نغفل عن هذا الامر ولا ندرجه في المنتدى ربما هو لاننا كجزائريين صار هذا الأمر عاديا جدا بيننا ، لان الكلام الفاحش والسب والشتم موجود حتى في الادارات ، ويتلفظ به حتى المسؤولين وزراء ، نواب وشخصيات ، وقد كنت شاهدا عن عضو في اللجنة المركزية في جبهة التحرير الوطني تلفظ بالشتم والسب بالكلام البذيء ضد عضو معه ونزل به شاتما امام الصحفيين بكلام جعل أغلب الحاضرين يذبلون والوجوه تصاب باصفرار .
لا أعرف للظاهرة تاريخا ولا سببا تجعلنا نشتم بالكلام البذيء ، ولكن أؤكد على أمر هام هو أننا كجزائريين فعلا نتميز بهذه الميزة القبيحة على غيرنا من الشعوب الأخرى ، خاصة في ظاهرة سب الدين وسب الله " هدى الله الجميع "
وفعلا موضوع يستحق التنويه وتدخل حتى أهل الاختصاص في علم الاجتماع وعلماء النفس لان الظاهرة موجودة ومنتشرة بشكل رهيب وفي كافة المستويات الغنية والفقيرة والمسؤولين والعمال وكل شرائح المجتمع .
مـــدونتـــي

  • ملف العضو
  • معلومات
imadin
زائر
  • المشاركات : n/a
imadin
زائر
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 09:38 PM
هي ظاهرة ظهرت من مدة ويمكن إرجاع سبب من أسبابها للأزمة التي مرت بها الجزائر
والأوضاع الإجتماعية التي وصلت إليها والمشاكل التي يتخبط فيها الشعب فأصبح القلق وتفشت الجريمة وهذه العادة جراء الفقر والتهميش وهذه المشاكل بالضرورة تترتب عنها سلوكات لا أخلاقية من بينها التلفظ بما لا يليق بشخص مسلم وهي في انتشار حتى أصبحنا نسمعها في شهر رمضان الكريم وستبقى في انتشار بين الصغير والكبير
مادام ليس هناك من يحارب هذه الظاهرة فقد تخلينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
روى الترمذي عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر ، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ))
وبما أن الدولة من أسباب معوقات المجتمع ولا يمكن الاعتماد عليها في حل الظاهرة فنهيب بالمساجد والتي من المفروض أن يكون لها دور بارز في مثل هذه الأمور لا أن تبقى مكان صلاة وفقط فالدين ودور المسجد منهج حياة متكامل فلو اتفق إخوة كل مسجد في الحي وحاربوا هذه الظاهرة وكل ظواهر الفساد الأخرى في حيهم بالقوة وبالمراقبة الصارمة لبدأ الصلاح ينتشر شيئا فشيئا ليشمل البلاد بجميع هياكلها
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جميلة باب الواد
جميلة باب الواد
شروقية
  • تاريخ التسجيل : 08-09-2007
  • الدولة : جزائر يا بدعة الفاطر
  • المشاركات : 5,616
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • جميلة باب الواد will become famous soon enough
الصورة الرمزية جميلة باب الواد
جميلة باب الواد
شروقية
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 09:38 PM
هي انعكاس للمستوى الاخلاقي الذي وصل اليه مجتمعنا حتى اصبح ابناؤه يتفننون في مختلف انواع الالفاظ بدون خشية او حياء لا من كبير او صغير شيخ او امراة كما سبقني البقية الى القول هي ظاهرة اجتماعية تحتاج الى دراسة من اهل الاختصاص يعني علماء الاجتماع و كذلك علماء النفس من اجل وضعها تحت اعين خبيرة و تدرسها دراسة علمية معمقة من اجل ايجاد حلول حقيقية لها
انا رايي ان الامر مرتبط خصوصا بتربية الابناء اذا تعامل الاولياء بصرامة مع ابنائهم في حال قولهم كلام فاحش منذ الصغر لكبر الاطفال على تلك السيرة و كبر معهم نبذها كما كان يفعل ابي مع اخوتي مثال واقعي
لكن المشكل الاكبر لما يكون الاولياء انفسهم يستعملون هذا الكلام الفاحش في هذه الحالة تنطبق هذا الكلام إذا كان ربالبيت بالدف ضارب’ فشيمت’ أهل البيت الرقص’
تحياتي
  • ملف العضو
  • معلومات
ضوء القمر
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 28-07-2007
  • الدولة : معسكر(الجزائر)
  • المشاركات : 2,587
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • ضوء القمر is on a distinguished road
ضوء القمر
شروقي
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 09:56 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جميلة باب الواد مشاهدة المشاركة
هي انعكاس للمستوى الاخلاقي الذي وصل اليه مجتمعنا حتى اصبح ابناؤه يتفننون في مختلف انواع الالفاظ بدون خشية او حياء لا من كبير او صغير شيخ او امراة كما سبقني البقية الى القول هي ظاهرة اجتماعية تحتاج الى دراسة من اهل الاختصاص يعني علماء الاجتماع و كذلك علماء النفس من اجل وضعها تحت اعين خبيرة و تدرسها دراسة علمية معمقة من اجل ايجاد حلول حقيقية لها

انا رايي ان الامر مرتبط خصوصا بتربية الابناء اذا تعامل الاولياء بصرامة مع ابنائهم في حال قولهم كلام فاحش منذ الصغر لكبر الاطفال على تلك السيرة و كبر معهم نبذها كما كان يفعل ابي مع اخوتي مثال واقعي
لكن المشكل الاكبر لما يكون الاولياء انفسهم يستعملون هذا الكلام الفاحش في هذه الحالة تنطبق هذا الكلام إذا كان ربالبيت بالدف ضارب’ فشيمت’ أهل البيت الرقص’

تحياتي
نفس الراي اختي فتجدين عائلات مثلا يفرحون اذا قال ابنهم كلاما بذيئا ويعتقدون انه كبر و اصبح رجلا .او عائلات يتفوه الكبار فيها قبل الصغار بابغض الكلام لمجرد الغضب او اي شيئ.
فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتق الاسرة ثم المدرسة اما من ترك اولاده للشارع فلن يحسن تربيتهم .
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية بوبكر حداد
بوبكر حداد
مشرف منتدى الأدب
  • تاريخ التسجيل : 19-01-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 1,642
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • بوبكر حداد will become famous soon enough
الصورة الرمزية بوبكر حداد
بوبكر حداد
مشرف منتدى الأدب
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 09:57 PM
موضوع مهم للغاية و يستحق وقفات و وقفات ، لأجل تشريح الظاهرة و معرفة اسبابها و نتائجها و من ثم ماهية طرق علاج هذه الظاهرة أو بمعنى ىخر السيطرة عليها ...و حسب رايي فإن التطور التكنولوجي و هذه الثورة الصناعية و هذه الطفرة المادية هي السبب المباشر بحيث إفتقدت حياة الجمعنة و ما لها من تأثير على سلوكيات الفرد و اصبح الفرد ميالاً للحياة الفردية ، فتفككت الأسر ، و غابت في نفس الوقت الثورة الروحية المناسبة لمثل هكذا مناسبات و قد اصبحنا نعيش ثورة رقمية اختصرت المسافات ليذوب الضعيف بمفاهيمه و ثقافته في مفاهين و قفافة القوي .....(( و لي عودة ان شاء الله ))
تحية أخي الفاضل على اثارة مثل هكذا مواضيع
  • ملف العضو
  • معلومات
عوير
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 16-09-2008
  • المشاركات : 14
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • عوير is on a distinguished road
عوير
عضو مبتدئ
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
16-09-2008, 10:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم، موضوع مهم وخطير، وهو وجه آخر من وجوه التخلف والانحطاط الذي أصاب أمتنا الجزائرية، حتى صرنا نتميز به عن غيرنا، بل ربما بززنا غيرنا فيه، إننا جميعا نشكوا من تخلفنا الاقتصادي، ومن تخلفنا العلمي، ومن تخلفنا الثقافي، ولكن قاصمة الظهر هي تخلفنا الأخلاقي، والمسؤولية أولا وآخرا بأيدينا في أسرنا، مع أولادنا وإخواننا، لنعلمهم الأخلاق الفاضلة، ونغرس فيهم مبادئنا الإسلامية، ونبغض إليهم كل قول ذميم، وفعل كل شيطان رجيم، لنغرس فيهم أن الأمم بأخلاقها، وليس بأموالها! وأن الأمم بِمَعَارِفِهَا، وليس بِمْعَرَفْهَا! وأن الأمم يكتب لها البقاء يوم تعود لربها، منكسرة تائبة، ترنو زكاة نفسها، من مساوئ الأخلاق، طالبة لباس التقوى والحياء، والتربية والتعليم أول ما يكون بالقدوة الصالحة، فلنعالج أنفسنا معاشر الكبار، حتى نكون مُثلا لهؤلاء الصغار، وقديما قيل: لا يستوي العود والظل أعوج...محبكم
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية المشرف العام
المشرف العام
مدير عام سابق
  • تاريخ التسجيل : 22-12-2006
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 6,013

  • وسام فلسطين 

  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • المشرف العام has a spectacular aura aboutالمشرف العام has a spectacular aura about
الصورة الرمزية المشرف العام
المشرف العام
مدير عام سابق
رد: موضوع للنقاش: ظاهرة الكلام الفاحش عند الجزائريين
17-09-2008, 11:35 AM
بحث قيم يساهم في فهم الظاهرة


الخصائص الشفوية و الرمزية للنظام الإجتماعي التقليدي

فوزية بوشارب
فوزية المولودة بوشارب ، )1971( باب الوادي ولاية الجزائر.، متحصلة على شهادة البكالوريا شعبة علوم الطبيعة والحياة من ثانوية السعيد تواتي بباب الوادي، خريجة معهد علم النفس و علوم التربية، حائزة على شهادة الليسانس تخصص علوم التربية سنة 1993 و متحصلة على شهادة الماجيستير تخصص علم النفس الاجتماعي سنة 1999 من جامعة الجزائر. تحضرحاليا شهادة الدكتوراه تخصص علم النفس الاجتماعي حول موضوع " القيل و القال "كظاهرة نفسية اجتماعية تشكل حركية نشطة بالمجتمعات التقليدية . ¨ تشغل حاليا منصب متصرفة ادارية بالمدرسة الوطنية للبريد و المواصلات . متحصلة على جوائز تكريمية في ميدان الأدب .

إن النظام الإجتماعي التقليدي هو نظام بناء علاقات إجتماعية ، يقوم أساسا على التعاملات و التفاعلات اللفظية ، ومن خاصية هذه التعاملات و التفاعلات نقل الميراث الثقافي و المحافظة على تواصل و بقاء الثقافة التقليدية والذي يتم بطريقة واحدة و وحيدة و المتمثلة في النقل الشفهي )2(.

ولقد سبقنا مظهر سليمان إلى إبراز الخصائص الشفوية للنظام الإجتماعي التقليدي وكان قبله ماك لوهان Mc-Luhan قد أشار إلى ذلك حتى أنه قسم التاريخ البشري كله إلى حقبات تقوم الحقبة الأولى منه على ما أسماه بمرحلة الإتصالات الشفهية و تخص المجتمعات التقليدية.
وفي تاريخ الأصل الإنساني وجدت الكلمة المنطوقة قبل الكلمة المكتوبة .يعود ذلك حسب ليبرمان Alvin M.LIBERMAN إلى إعتبار الكلمة المنطوقة نتاج التطور الطبيعي على عكس الكلمة المكتوبة فهي نتاج الإبتكار البشري ( George A.MILLER , 1975 ) . و يعتبر النسق اللغوي الذي تتم خلاله عملية الإتصالات التقليدية يشكل مؤسسة إجتماعية هي مجال نشاط خاص : الإلتفاف للحديث كلما تسنت الفرصة لذلك و دوما يكون مستغرقا لوقت طويل ، إستهلاك واسع لكل وسيلة عصرية تخدم الإتصالات الشفهية كالهاتف و الأنترنيت ، كذلك الإجتماع اليومي المعتاد بين الموظفين هو تعبير عن الإرتباط تجاه الجماعة و الحرص على الإبقاء على هذه الرابطة قدر المستطاع.
فالمجتمعات الشفهية تعتمد على التخاطب الشفهي و الجسدي و الجشتلطي. هذا الأخير له دلالات رمزية عن ممارسات إجتماعية إمّا مقموعة أم غائرة في اللاشعور الجمعي فلا يحتفظ عندها المجتمع إلاّ برموزها . و بالنسبة للمجتمعات الشفهية تكون الكلمة فيها كالنار و نظرا للإندماج الكامل و التام بين الأفراد و الطبيعة يلاحظ تقارب ترابط و تآلف عميق مع الطبيعة لذا برز سلوك التحاور الشفهي كخاصية للمجتمعات التقليدية طبيعيا ، لأن الكلمة المنطوقة لا تتطلب جهدا تفكيريا أو جهدا في إنتاجها فهي عالمية على غرار الكتابة و القراءة ، فالأشخاص يتكلمون و يستمعون دون أو يكونوا قادرين على القراءة و الكتابة فالكتابة تؤسس السلمية الإجتماعية مع أن الإتصال الشفهي يقلصها وفي تعبير جون لوهيس Jean LOHISSE أن المشاركة الشفهية الفعالة لأفراد المجتمعات التقليدية توجه التماثل على المستوى الثقافي(1) ( Jean LOHISSE ,1980 ) . هذا التماثل يخدم البناء الإجتماعي التقليدي والذي يعرفه لفين Harry LEVIN "كمجموعة من الخصائص المكتسبة التي تسمح لنا بإعادة بعث ما تلقيناه وما يجب علينا بثه" ( Jean LOHISSE ,1980:65 ) ، وما يسمح بسهولة التبادل الشفهي بين الأفراد ميزة الجماعة التقليدية بصغر حجمها و خاصيتها في كونها جماعة صغيرة ومع تغييب المجتمعات التقليدية للمكتوب و تفضيل الإتصالات الشخصية و التمرير الشفهي للإعلام ومع بروز الحاجة الكبيرة إلى الإعلام و تحقيق الخدمات برزت و نمت و تنامت و تعددت شبكة العلاقات الشخصية بالمجتمعات التي تقوم على نظم إجتماعية تقليدية و تشكل لنسيج إتصالي ، وفي خضن هذه الشبكات أبقي على نمط الإتصال الشفهي و أقصي أو غيب ما دونه . إن الحاجة إلى الإعلام و الإتصال هي ظاهرة إنسانية عالمية قائمة في كل المجتمعات و لدى جميع الأفراد ، إلاّ أن بالمجتمعات غير التقليدية توجد عدة طرق و وسائل لسد و تلبية الحاجات الإتصالية و الإعلامية على غرار المجتمعات التقليدية و المطبوعة بالإتصالات الشفهية فإن الفرد يجد نفسه مطبوع بمجموعة من القواعد التي يقدمها له المجتمع عن طريق الأساطير ، الروايات ، القصص و الأمثال الشعبية و سنستنجد في إثبات الطرح بما جاء عن ماك لوهان MC LUHAN نقلا عن هارمولان Christian HERMELIN حيث قسم الإتصالات البشرية حسب التطور الإنساني إلى :
نمط تقليدي مطبوع بالإتصالات الشفهية ، نمط حضاري يتم عن طريق الكتابة و الطباعة التي توجه إتجاهاتها بمجموعة من المعايير المكتوبة ، و النمط العصري الذي يتسم بالإتصال الجماهيري حيث يحاول الإنسان نسج سلوكه ليس على مستوى الجماعة أو سلطة العائلة و لكن على مستوى عالمي ( Robert BOURE et Isabelle PAILLIART , 1992 ) .
بعد أن بينا أن النظم الإجتماعية التقليدية تقوم على الإتصالات الشفهية فهذه الأخيرة هي ميزة المجتمعات التقليدية و خاصيتها الأساسية ، فرغم التطور الذي عرفته بعض المجتمعات إلاّ أنها حافظت على خصائصها الشفهية ، ففي المجتمعات التقليدية القديمة بقي النظام الشفهي بدون ركائز مادية و الكتابة أعطت للغة الشفهية خصائص مادية جعلته منقولا فنتج عنه تطور الفكر و تطور العلاقات فيما بين البشر وعلى هذا المستوى يرى إسكاربيت Robert Escarpit أن اللغة غير المكتوبة تميل إلى التغير و التحريف بسهولة (Jean LOHISSE , 1980 ) .
لذا تنشط الإتصالات الشفهية و تتكاثف لتقلل من درجة التحريف ، ولكن التحريف قائم و حاصل ومع مرور الزمن و الحقبات و الأجيال لا يبقى من الأصل إلاّ مؤشرات يستدل بها على كينونتة نسميها رموز حيث يغيب الأصل و تبقى الرموز المشيرة له ، هذه الرموز التي يعالجها التحريف كثيرا ما تموه فلا صل الباحث إلى دلالتها الحقيقية إلاّ بعد مشقة و جهد جهيد خاصة و أن من أهم خصائص الحياة الجماعية التقليدية الإغماء و التستر على القضايا الإجتماعية و دحضها إلى الظلام . وبما أن التغير الإجتماعي لم يمس المجتمعات التقليدية لأنه لم يمس الهيكلة الإجتماعية فحسب روشي Guy Rocher " التغير الإجتماعي يجب أن يكون تغير في الهيكلة الإجتماعية" ،"و تغير الهيكلة تفترض إمكانية تحديها عبر الزمان" ( Guy Rocher , 1968 : 20 ) ، لذا وجدت بإثبات مظهر نظم إجتماعية تقليدية لازالت محافظة على خصائص شفهية و رمزية رغم بروز و إنتشار أشكال أخرى من الإتصالات المقروءة و المكتوبة وحتى السمعية البصرية ، لذا سنتحدث منذ الآن على ما نصطلح على تسميته بالإتصالات التقليدية والتي تتسم بالشفهية و الرمزية .
إن الإتصالات التقليدية هي اتصالات إجبارية تخضع لقانون الإلزام الإجتماعي و تشكل محور الحياة الإجتماعية و الجماعية التي لا تستغني عن العوامل المادية للجماعة كعامل الإعلام و التحفيز ، كما تصبوا الإتصالات التقليدية إلى تحقيق التناغم و الإنسجام و التناسق بين الأفراد ، إلى جانب أهم عامل و المتمثل في التمرير الشفهي للآليات التقليدية حيث يتوسع مجال التقليد و التعليم الإجتماعي بين الأفراد : "كالقيل و القال" و غيرها .و لإرضاء الإتصالات التقليدية حاجة الأفراد لإثبات الذات تصبوا أساسا إلى ربط الإنسان بمختلف المستويات الإجتماعية و بماضي جماعته و يشعر الفرد كلما وجد مجال و فرصة للإتصالات التقليدية بالأمان و الإستقرار الاجتماعيين. حيث تركز الإتصالات التقليدية على وحدة الأحياء و الأجداد مع تقديم ضمانات لإستمرارية و بقاء النظام الإجتماعي التقليدي ، و تسعى جهدها للتقليص من أبعاد الخوف من المجهول المتعاظم و المتنامي في كيان كل فرد . و بذلك تسمح للأفراد و للنظام الإجتماعي التقليدي بالإنسجام و بالثبات ، كما تسهل الإتصالات التقليدية التكيف مع المحيط الداخلي و الخارجي للأفراد عن طريق الحواس الخمسة لذا يتسم الأفراد بالمجتمعات التقليدية بقدرة عالية على الرقابة و الرقابة الذاتية باستعمال الحواس الخمس ، كما يتسمون بذاكرة قوية نظرا لأن الكلمات تنقل عن طريق السمع و الإتصال وجها لوجه ترصده العين ، دفعت هذه الخصائص ماك لوهان MC LUHAN ( 1967) إلى إعتبار هذه العوامل هي التي أوجدت الإنسان الجماعي و دفعت الناس إلى الإقتراب من بعضهم البعض على شكل قبائل و جماعات و كانوا إلى جانب ذلك عاطفيين لأن الكلمة المنطوقة تحمل عاطفة إضافة إلى معنى و الحديث به عاطفة أكبر ، فالفرد التقليدي تسهل مضايقته بالكلمات و عاطفته أقرب إلى السطح. وعلى هذا المستوى من التحليل نكون قد ظفرنا بأحد أهم المعطيات المفسرة منشأ "القيل و القال" والذي سنفصل فيه لاحقا ، إن أكثر و أكبر ما يضايق الفرد التقليدي تناوله بالكلام و أكبر ما يحطمه و يفنيه التعرض له بما كره من كلام ولا يتمكن طرف من آخر إلاّ بالكلام .
إن الإتصالات التقليدية عادة ما تنسج حول قائد الجماعة الذي تعتبره نموذجا محببا ومقتدى به ، و الأفراد يعبرون عن انتماءهم له و إعتزازهم به بتقليده و ترديد حديثه و النقل عنه(3) .
و انطلاقا من هذا المستوى إلى مستويات أخرى تتشكل عملية تفاعلية تقوم على الإعلام و الإستعلام و ربما لن نوفق في شرح ذلك أحسن من بيز و آخرون BIZE et All حيث إعتبروا الإعلام فيعني إعطاء كل جديد ، تمثيلي و إصطلاحي لحدث لا يكون الفرد المعني بالإعلام حاضرا مباشرة ، وهذا لغرض للتمكن من تمثيله له أي لمعرفة شكله الحقيقي ، أما الإستعلام يعني إعطاء شكل جديد إصطلاحي و تمثيلي أين نكون حاضرين مباشرة لتمكنه وفق هذا الشكل الرمزي استعمال أكبر قدر منه في الذاكرة أو لبثه و عندها يتولد عن كل معلومة تمر و تهمنا معلومة أخرى جديدة ( , 1967 BIZE et All ) وهذا الطرح يشكل مظهرا بسيطا و وجها واحدا من الأوجه المتعددة للإتصالات التقليدية . ولا ننسى أن من أهم و أبرز هذه الأوجه و المرتبطة و الملازمة لمختلف أوجه و أشكال الإتصالات التقليدية ، لغة الإشارات و الإيماءات . إن إرتباط نسق الإشارات و الإيماءات بأنساق الإتصالات التقليدية يكاد يكون تاما ، فكل حركة جسمية إكتسبت معنا خاصا و تتضمن شكلا من أشكال الإتصال و يتراوح هذا الشكل التعبيري حسب محمود عودة عين الحركة الإرادية التي تشير إلى اتجاه معين و الإستخدام الشعوري الواعي لطاقم مفصل من الإشارات أو العلامات ، وهناك بعض الإشارات و العلامات غير المكتسبة ( محمود عودة ، 1988 ) .
هذا النسق من الإشارات و الإيماءات يندرج تحت أنساق ثقافية بالدرجة الأولى ومن هنا فإننا نجد أن الإشارات و الإيماءات تختلف من جماعة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وفقا للإطار الثقافي الذي يميز هذه الجماعة وهذا المجتمع . فلكل جماعة إطارا نموذجيا إتصاليا يتفق و يتكامل مع النموذج و الإطار الثقافي الخاص به . وهذا شأن المجتمعات التقليدية و شأن جماعات "القيل و القال" فكثير من الإشارات و الإيماءات التي تثير تفاعلات رمزية ترتكز على الإتصالات و الرموز على إعتبار أن المعاني الكامنة في التفاعل الإجتماعي الرمزي تمثل حقيقة الحياة الإجتماعية .
أغلب السلوكات البشرية تستعمل نظام رمزي : رموز شفهية ، رموز كتابية. و نستعمل نظام مهيكل لإشارات غير شفهية ( جسدية و شكلية ) لنعبر عما نريد إرساله أو توصيله للأشخاص الآخرين .
يقول الأنثروبولوجيون أن أي مجتمع كان عليه أن يطور نظام رمزي : شفهي و كتابي و يستعمل نظام مهيكل لإشارات غير شفهية ( جسدية ، شكلية ) للتعبير عما يريد إرساله أو توصيله للأشخاص الآخرين .
إن أي مجتمع كان عليه أن يطور نظام رمزي حتى يضمن بقاءه إذا كانت الحاجة إلى الرموز مرتبط فقط بضرورة الحصول على الأكل و السكن فإن هذا المجتمع يطور فقط الرموز الموافقة لهذه الحاجيات ( Gail MYERS et Michele TOLELA MYERS , 1984 ) .
النظام الرمزي في الإتصالات يؤسس لعلاقة مع إحتياجات الأفراد الذين يعبرون عن معاشهم .
إن جميع سلوكاتنا الإتصالية تجد جذورها في الماضي ، فقد تعودنا التحدث عن بعض الأشياء بطريقة معينة و التفكير حسب بعض العادات.هذه الجذور تعود أساسا لوجود تقاليد شفهية بقيت راسخة منذ وجود ثقافة بدون كتابة في المجتمعات القديمة ، وبما أن اللغة في حاملة الثقافة التقليدية حسب ( N’SOUGAN Agblemagnon , 1984 ) وجدت تقاليد شفهية والتي لا تعني فقط اللغة و إنما تأخذ جميع المظاهر الثقافية ولكن تبقى اللغة تسمو على الإشارات بحكم نطاقها و مداها و معانيها الخاصة المحدودة و اختلافاتها و تدرجاتها و تعبيراتها المتعددة و قدراتها الواضحة على التجريد وهذا لا يلغي الخصائص الرمزية للإتصالات التقليدية لأن الإتصال باستعمال الرموز هو جوهر التفاعل الإجتماعي و جوهر الظواهر الإجتماعية و ترتكز أشكال التفاعلات الرمزية بكل تفرعاتها على اعتبار المعاني من أهم الأشكال الإجتماعية .
إن المجتمع ينشأ و يستمر وجوده في توصيل الرموز الدالة و ينشىء الفرد الرموز الدالة التي يستعملها في الإتصال والتي من شأنها التأثير على الدوافع و المدركات الإجتماعية عندما تحدد الأشكال المعبرة لذا تعتبر الرموز هي بيانات المعاني التي يمكن ملاحظتها مباشرة في العلاقات الإجتماعية(1) .

القيمة الإجتماعية للكلام :
يقينا أن الكلام ملكة لغوية و فكرية و اتصالية تخص و تميز في عمومها بنو البشر على نطاق فردي و آخر جماعي ، حتى أن جميع الباحثين و العلماء اعتبروها مؤسسة اجتماعية)2(. يكون الكلام خلالها مؤطرا بمعايير نفسية و اجتماعية مشتقة من معايير و قيم و أعراف جماعة الإنتماء ولا تكوّن سوى امتدادا أصيلا الثقافة المجتمع ككل . حتى أن كثيرا من الحضارات العريقة إقترن ذكرها بالكلام و فنونه و عليه بني مجدها كالحضارة الرومانية التي يمكن أن نعتبرها أكبر مجتمع إتصالات فهو أكثر المجتمعات كلاما و ثرثرة في التاريخ ، كذلك شأن اليونان فقد تميزوا بفن الحوار اليوناني و بلغت أهمية الحوار عندهم درجة و مقاما جعل من أكبر فلاسفة اليونان من أمثال أفلاطون و سقراط أن انتهجوه طريقة مثالية و نموذجية للتعلم و المحاججة)3(.
إن الحاجة إلى الكلام و التحدث بما يعرفه الإنسان إلى الآخرين و بما يفكر فيه و معرفة ما يعرف الآخرين و يفكرون فيه جعل من الكلام دليل على الحالة العقلية للمتكلم و للمتحاورين بصفة عامة كما دفعت هذه الحاجة بالأفراد إلى التركيز على العلاقات فيما بينهم و مجمل العلاقات بين فرد و آخر يعني تفاعل إجتماعي(1) . ومع أن الكلام ذا صبغة عالمية أي أن الأشخاص يتكلمون و يستمعون بدون أن يعرفوا القراءة ولا الكتابة ومع كونه ( أي الكلام ) منتوج تطور طبيعي إلاّ أنه لم يفلت من قبضة الثقافة الإجتماعية التي عالجته منذ القديم السحيق بمركباتها و عناصرها و كانت تضيف إليه و تحذف ما شاءت و تصقله و تهذبه حتى صار على الشاكلة العالمية المتداولة في وقتنا الحاضر من خلال شبكات الأنترنيت و الوسائل السمعة البصرية و الجماهيرية بدرجة أوسع .
تلقى الإنسان الكلام حسب ما تقتضيه التقاليد. و حسب النصوص المسيحية فما كان خلق العالم إلاّ للتسمية( الإنجيل، 1987 ) و حسب النصوص الإسلامية" وعلم آدم الأسماء كلها" ( القرآن، سورة البقرة : الآية 31) و التسمية تصبو إلى خلق معرفة تقوم اللغة على حملها(2) حيث يشكل الإسم دوما مرجعية للدلالة على شيئ محدد ، فمدلول الإسم لدى البدائيين مرتبط بالكائن نفسه و بالشيئ)، فمثلا ما هو إسمك ؟ يعادل : من تكون ؟ وفي هذا المقال يعبر عن هوية كل شخص ، و ينبهنا كوسدورف GUSDORF في هذا المقام أن "معرفة الإسم يعني التمكن منه"( Georges GUSDORF , 1977 : 15) .
إقترنت دلالة الإسم عند البدائيين بكينونة الشيئ و إقترن الكلام قديما ولا زال بقيم سحرية و دينية(4)، وكل ما يخشاه الإنسان يسميه لذا نعود إلى كوسدورف GUSDORF و نشاطره حين إعتبر أن أول كلمة كانت كلمة الإله و كانت أول كلم تمثل الوجود ، ونعتقد في طرح إفتراضي أن الإنسان أول ما عني بتسميته خص ما فاق قوته و أعجزه و أرهبه ، فقد سمى الإنسان النار و القمر و الريح و الجبال و العواصف و الزلازل و الحيوانات المفترسة وما إلى ذلك و نعود في هذا المقام إلى نظرية العنف الإجتماعي لمظهر ، فأمام محيط خارجي عدواني أحاط بالإنسان منذ القدم و بما أن أول مرحلة من مراحل بناء صرح الهرم المعرفي متمثلة في عملية التسمية و معها عملية التلقيب استطاعت كثير من الأمم التحكم في ذلك المحيط بتسميته ونعته و وصفه و دراسته و إحداث الأثر النفعي عليه لصالح الإنسان و انتقلت بذلك إلى التطور و التنمية الحضارية و التكنولوجية على غرار بعض الأنظمة الإجتماعية و بعض المجتمعات التي بلغت درجة كبيرة من الخوف و الرعب فانطوت على نفسها و انزوت حيث أمنت بظهرها صوب العالم الخارجي و تحاشته كما تحاشت الحديث عنه أو ذكره أو نعته أو وصفه أو حتى تسميته و تحاشي ذكره بالإسم ، فإذا تحدثوا على الزلزال وصفوه "بالمربوحة" و إذا تحدثوا عن الفحم و صفوه "بالبياض" و إذا تحدثوا عن المطر و الشتاء و العواصف و صفوها "بعرس الذيب" و إذا تحدثوا عن كل نجم أو شهب أو طارئ يرى بالسماء يقال عنه "حزام العروسة" وإذا قلع سن طلب سن غزال عوضا عنه و هلم دواليك .
وقد يرى القارئ على هذا المستوى من التحليل أن الأمر مجرد إعتقادات قديمة و بالية قضت عليها المعرفة العلمية إلاّ أن الأمر مخالف لذلك تماما فعملية المطابقة قديما و حديثا صحيحة و صادقة ، فكل عمل إجرامي هزّ المجتمع الجزائري خلال عشرية سنوات التسعينات كان الجزائريون يتفادون الحديث عنه و تسمية أو حتى ذكره ولا يشار إليه إلاّ تحت تسميات أخرى وكان هذا شأن الثوار خلال حرب التحرير الوطنية ، كما أن كل شخص يشكل خطرا أو ينالنا منه قسطا من العنف أو لا يخضع ولا يمتثل لمعايير و قوانين الجماعةيكنى و يلقب : ككاتبة مديرية يطلق عليها "المديرة" "la Directrice" نظرا لعجرفتها في العمل ، إذا تخاصمنا مع شخص نقول "هاذاك ألي ما يتسماش" أو نخصه بأسماء الحيوانات، وفي الآونة الأخيرة قدم لنا التحليل النفسي بعض المعطيات التي صارت مستهلكة بشكل واسع لدى العامة كـ " المعقد" أو "الكومبليكسي" و غيرها .
وبما أن المجتمعات التقليدية لم تسمى ولم تتحكم في شيء و عليه تصدق مقولة كوسدورف حيث قال : " أن الدراية بالإسم يعني التمكن منه"( Georges GUSDORF ,1977:15 ). وكل تغيير للمكانة الإجتماعية يترجم تحويل الإسم و بروز تراكيب لغوية جديدة ، فينظر إلى الإسم بعين المساواة للشخص نفسه .
أعطى الكلام للإنسان الهيمنة على المجال الظرفي و لكن في حالة "القيل و القال" فقد أعطى الكلام للإنسان الهيمنة على الأشخاص وعلى المجال العلائقي بالدرجة الأولى لخدمة مقومات النظام الإجتماعي التقليدي و بقاءه لذا تنتر به النميمة ، الكذب ، الغيبة ، القذف ، النفاق و غيرها .
نقول أن كل المجتمعات التقليدية معنية "بالقيل و القال" كأسلوب و ظاهرة إتصالية تقليدية و لكن كثير من الأشكال الإتصالية التقليدية أبدا لم يعنى بها النظام الإجتماعي التقليدي ولا علاقة لها به ، فلا تخصه لا من قريب ولا من بعيد ، من أمثلة ذلك علوم البلاغة ، الدياليكتيك ، السوفيستيك و جميعها أشكال تقليدية لفن إقناعي تجعل من المنطق وسيلة للرغبة في الهيمنة ، لأن الإقناع فن نبيل يعني الإنتصار و المنافسة و المواجهة و ليست هذه خصائص النظام الإجتماعي التقليدي . هذا الأخير يقوم على سياسة الهروب من كل مواجهة سواء الهروب إلى الأمام أم الخلف .
إن الإنتقال بعدها من التسمية ( تسمية الأشياء ) إلى الإتصال جعلنا عندما نتكلم نأخذ موقفا من العالم ومن الروابط الإجتماعية(1) ، فعند كل عملية إتصال تلازمها عملية تعبي حيثر الكلام هو إحدى الوسائل إلى جانب الحركات الجسدية و النظر و الصراخ و الهمسات وما إلى ذلك حتى أن جييوم Paul GUILLAUME يعتبره نظام إجتماعي ( Denis HUISMAN , 1983) له "وظيفة إنسانية للإندماج الإجتماعي" (Georges GUSDORF , 1977 : 93 ) .
والكلام خاصية الإنسان للخروج من ذاته و لخلق إتصال مع الخارج ، فكل مظاهر الصراخ ، الإستفهام ، العويل ، التعجب تبدوا مجهودات لتكييف الأنا مع العالم الخارجي و يبقى الأسلوب في ذاك هو التعبير الخاص بالشخصية و بعض الأساليب هي رمز للعظمة و رمز للوعي على سبيل المثال أسلوب الإقناع أو أسلوب المحاججة .
إن الوجه الشائع للكلام هو تبادل مجموعة من المعلومات ، الرسائل ، التعليمات و غيرها ولكن كل كلام عبارة عن نشر و إشهار فعند الكلام و خلال عملة الإتصال يتم الإفصاح عن مكنون النفس و التعبير يفرض نفسه تلقائيا و وظيفة التعبير تتطلب من الإنسان الطواف خارج ذاته لإعطاء معنى للحقيقي . لذا يقوم الكلام على ثنائية متلازمة : الإصغاء و الكلام .
إن الكلام هو دليل و مرشد للواقع الإجتماعي و إذا وقفنا على تحليل كلام عامة الجزائريين نجده مشحون بالتوتر و العصبية مبعثر بالفوضى، كثير ، الثرثرة . سريع الوتيرة ، فقير الأفكار ، قصير الجمل ، بسيط التراكيب النحوية ، جمله غير تامة وفي أغلب الأحيان لا تحوي على أفكار فهو كلام يحتوي على سرد جاف لأحداث هامشية متناولة من الحياة الإجتماعية و المعاش اليومي عادة ما تكون متمحورة حول قضايا الزواج و العلاقات الشخصية و تتخذ دوما صور الشكوى و التذمر و الإستبكاء و لكن التمني بها قليل لأنه يكشف النوايا إلى الأفضل و الأحسن و يفضح عن طموح صاحبه . كما أن جميع الإتصالات بين الجزائريين ومعه كلامهم يتخذ شكل المستفسر و المترصد و المترقب يلقاه الطرف الثاني بالمثل فيتحول حوارهم إلى تحقيق بوليسي متبادل بين الطرفين ( أي غير أحادي الجانب ) ، و ببساطة يتناول هذا الحوار ومعه الكلام و سذاجته الأفراد بشغف و متعه في بعض الأحيان ( مثل جلسات "القيل و القال") وفي ضيق و أرق و توتر في أحيان أخرى ( خلال المواجهات ) وفي إضطراب و تهرب في أحيان ثالثة ( خلال الحيازة على شيء أو نبأ يود الفرد التستر عليه و إخفاءه ) . تعود هذه المتعة في التناول إلى أمرين ، أولهما تلازم كل كلمة منطوقة بحركات جسدية و تعابير إتصالية غير لفظية و تفعيل فنيات و أساليب بارعة في خلق "الفرجة المسرحية" وفي شد إنتباه المستمعين إليهم . ثاني الأمرين يقوم على تناول جميع كلامهم للقضايا الشخصية و لكن بنسب متفاوتة بين الجزائريين تكون هذه القضايا هي محور إهتمام الجميع و هذا بفعل التنشئة الإجتماعية التي سنتناولها لاحقا. و يتميز كلامهم أيضا باستعمال لـ "ن" الجماعة و غياب "الأنا" مع تكرار و بروز الضمير الغائب أو الشخص المجهول: "الواحد" ، "الإنسان" ، "المرا" ، "الرجال"، و غيرها . كما يتميز بتبريرات مكثفة و أقسام مغلظة لسبب و لدون ما سبب و للعبارات البيانية و الإثباتية و للدلائل و للإستنتاجات ، كما يحمل الكلام لعدة إثباتات و عدة تعابير تشير إلى ربط قيم خاصة بتعابير إثباتية كـ : "أليس كذلك" ، "ولا... لا لا ؟ " ، "يا خي هكذا ؟ " ، "يعطيك الصحة"، و غيرها .
و تتميز لغة الجزائريين على العموم بعدم القدرة على تناول موضوع واحد للحديث مما ينتج عنه عدم تنظيم محتوى المعلومات ونادرا ما تستعمل الجمل الإعتراضية مع بساطة و تكرار تصريف الأفعال و استعمال عبارات الوصل: "يعني"، "ما خاطش"، "بصح"، "من بعد"، ...(1) .
يبدو للمطلع على هذه الصفات أن الكلام غير مؤسس اجتماعيا و يتسم بالثرثرة و التلقائية و العفوية وهذا خطأ كبير، فالكلام إلى جانب ما سبق وذكرناه ذا قيمة إجتماعة عظمى لا تضاهيها أية قوة أخرى ولا تتساوى معها ، فهو بالدرجة الأولى سلاح لصد عنف أو ممارسة عنف. ولا يفوتنا ذكر المثل الشعبي الرائج و المتداول بشكل واسع و الملقن للنشئ على ظهر قلب : "الكلمة كي الرصاصة إذا خرجت ما توليش" وصدق من أقام هذا التشبيه لأن الكلمة في المجتمعات التقليدية سلاح و المواجهات و المجابهات بين المتحدثين تظهر فورا من خلال الإستجابات اللفظية حيث يعبر المستقبل عنها و يحولها إلى مرسل بدوره . هذه الخاصية المفقودة في الإتصالات الكتابية جعلت هذه الأخيرة مقصية و منبوذة و غير مرغوب فيها لأن القارئ يعالج مجابهته في خياله بمثل ما بدأ المؤلف به في خياله عند شروعه في الكتابة، كما أن كل إتصال يخدم و يحرص على الحفاظ على الموصول المعرفي و الثقافي و التقني هو أيضا شكل منبوذ و غير محبذ في المجتمع الجزائري .
و سنكتفي بهذا الحد من التحليل دون أن نغوص في سرد الظواهر الإجتماعية التي تعنى بالممارسات الإجتماعية اللفظية اليومية للجزائريين ودون الخوض في سرد المظاهر اللفظية لحديث و سلوكات الجزائريين ودون الوقوف على التقيدات اللفظية و الكلامية و تحاشي الكثير من المواضيع للحديث فيها مع الجرأة و الإقدام على أخرى تبدوا أنها مواضيع محرمة و خطيرة لما تحمله من فتنة و إفتراء و مساسا بخصوصيات و كرامة الأشخاص و غيرها لأنه سيطول بنا الحديث عن ذلك كثيرا و يشكل كل ذلك مبحثا آخر لا يقل أهمية عن هذا المبحث(2).


القيمة الإجتماعية للصمت :
إذا كان الكلام يعتبر غريزة فطرية في الإنسان صقل و هذب عبر كامل أطوار و حقبات تطور الإنسانية جمعاء ، فكذلك الصمت شأنه شأن الكلام سواء . فالصمت يلازم الكلام و يعتبر ميزانه و بفضله تحدد الجمل و الأفكار و تلتقط الأنفاس خلاله و تستجمع القوى.
ولكنه إضافة إلى أهميته البالغة اتخذ كقيمة إجتماعية هامة في كثير من المجتمعات و بالمجتمعات التقليدية على وجه الخصوص . وصار الأفراد بهذه المجتمعات يخضعون لتدريب إجتماعي يصب في عملية تعلم إجتماعي عامة لإتفقان آليات إستعماله و التحكم فيه على أصعد ثلاث :
استعماله كوسيلة مراقبة و ترصد وهذا الوجه يعكس الحيطة و الحذر و الخوف من المحيط الخارج (والذي نحصره في كيان الطرف الآخر أي الكائن البشري كما سنبرزه لاحقا ) .
و ثانيها يستعمل كوسيلة عقابية و تأديبية و عدوانية وهذا الوجه يعكس التعامل و المواجهة مع الطرف الآخر .و يتخذ لمظاهر المقاطعة الإجتماعة و أهم أشكالها المقاطعة الإتصالية و اللفظية لمدة تطول أو تقصر حسب طبيعة العلاقات القائمة بين الطرفين . كما يتخذ لمظاهر النبذ و التهميش و العزل الإجتماعي على إثر وضعيات إجتماعية تدخل ضمن الوضعات الخاصة أو الوضعيات العامة المشتركة بين جميع الأفراد .
و آخرها يتخذ كوسيلة إمتثال و تبعية واعية في إطار الجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها الفرد أو يتعامل معها أو يتصل بها و يلاحظ بالمنظمات أين تتسم هذه الأخيرة بسلطة سلمية محددة و مؤطرة و بعنف هام و خطير مهدد لمصالح و كيان الأفراد لتفعيل الصمت بها بشكل بارز و ظاهر للعيان ، فالمسؤول حتى وإن جاوز صلاحياته القانونية خلال جلسات العمل و الإجتماعات فكل من حوله سكوت .
إن هذه الأوجه الثلاثة كلها آليات واعية ، مكتسبة و قهرية ، مسيطرة على الذات الفردية و مكبلة لها .و إضافة إلى كل هذا هي ممارسات نفسية إجتماعية بالدرجة الأولى شائعة و عامة لدى جميع الأفراد.و تشكل لدى كل فرد منهم حالات توتر و أرق و لكنهم لا يستطيعون التخلص منها لأنها و ملتحمة أشد الإلتحام بقيم إجتماعية هامة و مقدسة بالمجتمع كـ : "نيف" ، "الشرف" ، وغيرها .فمثلا يوجد بالمنظمات الكثير من الموظفين و العمال لا يتحدثون مع بعضهم البعض بتاتا لمدة سنوات طوال . هذه الوضعية أخلت بالسير الحسن للعمل بالمكتب وحتى على مستوى المركز ككل ، وإن كان لكل طرف و ندم و أسف على هذه الوضعية و ضجر منها و التي يود من أعماقه إنهاء و وضع حد لها وإصلاح ذات البين مع الطرف الآخر ، إلاّ أن القيم الإجتماعية "كالنيف" و "الكبرياء" و "الشرف" تحول دون ذلك . و الجماعة لا تتسامح مع كل من يتعدى على هذه القيم فيخشى أن يتحول خلافه و تتوسع رقعة مجابهاته بعدها إلى الجماعة ككل ، لذا يؤثر المداومة في توتره و أرقه على أن يخسر جماعته التي لا يمكنه أبدا الإستغناء عنها . و جماعات "القيل و القال" تترصد بشغف و إهتمام مثل هذه القطيعة اللفظية و نقاط التوتر التوتر التي وجدنا خلال دراستنا بالمنظمات أن كل قطيعة بين شخصين مردها إلى المعاملات اللفظية بينهم . سأوضح ذلك بالمثال التالي، قد تسرق حقيبة يدي أو نقودا لي و أكون على علم اليقين بسارقها و ربما أكون قد شاهدته يسرق ولكن بكحم معطيات التنشئة التقليدية التي أكون قد تشبعت بها تمنعني من معالجة المشكل مباشرة و وضع اليد على السارق متلبسا ، وإنما أعالج الوضع و القضية بطريقة أخرى تماما فإما أن أغمي عليها وإما أن أسترجع نقودي بتفعيل المكر و الحيلة و حسن التصرف و التدبير أو بطرق ملتوية أخرى ، ولكن أبدا لا تملي عليا التنشئة التقليدية أن أتستر على الأمر و أستر الفاعل و إن فعلت ذلك فالجماعة لا تسامحني و تطعن في ولائي و مصداقيتي إن إحتجت لها أو أعلنت عن الأمر لاحقا كما تملي عليا التنشئة التقليدية أن أخبر الجماعة بالأمر و إن كانت جماعة "القيل و القال" فعليا أن أتناول شخص الفاعل لا الفعل في ذاته و يكون فعله فرصة و سببا لتناوله بالكلام و "بالقيل و القال" .و القطيعة اللفظية و الإتصالية بصفة عامة لا تتبع عملية كشف السارق و إنما تعقب عدم التحكم و حسن استعمال الكلام الملفوظ كقيمة إجتماعية ، فهذا الملفوظ إذا ما وجه مباشرة إلى الشخص أمام الآخرين وعلى مرأى و مسمع منهم فتؤدي إلى قطيعة حتمية أما إذا سكب في قالب سلوك "القيل و القال" و عولج خلال جلسات "القيل و القال" يعني ذلك أن الرسالة و العقاب سيصل إلى الفرد دون المساس بشبكة العلاقات الإجتماعية فيتم المحافظة على هذه الأخيرة وإن وجدت خدوش صغيرة بها أي بأقل الأضرار و نستخلص عن ذلك أهمية المصلحة الجماعية على حساب المصلحة الشخصية.
فإذا تحدثنا عن الكلام نتحدث عن الصمت وإذا تحدثنا عن القيمة الإجتماعية للكلام نتحدث عن القيمة الإجتماعية للصمت كمتلازمة ثنائية تشكل لحمة واحدة لا يمكن الفصل بينها أبدا .
وإذا كان الباحثين و العلماء أثروا البحث العلم بدراسات هامة و مسهبة عن الكلام وعن الصرخة الأولى للطفل وعن كل التدريبات الصوتية و اللغوية التي يعنى بها خلال جميع مراحل نموه و اعتبروا الكلام إفصاحا و إشهارا و نشرا و إعلانا و تمييزا لصاحبه ، حتى أنهم استدلوا على شخصية صاحبها من كلامه و اعتبر جميع الأنثروبولوجيون و المؤرخون و اللسانيون أن ثقافة الصمت كانت الأسبق من ثقافة الكلام فاقترن إذن بالمرحلة الهمجية و البدائية من تطور الشعوب و الإنسان على وجه المعمورة . إلاّ أنهم أهملوا كثيرا الصمت ، وادخلوه في إطار الإضطرابات الصوتية و العقلية و الشخصية و اعتبر دوما مؤشرا عن خلل شخصي أو إجتماعي يشين صاحبه أو نقصا يعزوه فقر في اللغة و الكلام و التعبير ومنهم من إعتبره باضا في الحديث لا دلالة له ، وفي هذا الصدد يرى كوسدورف Georges GUSDORF أن الصمت ليس في حد ذاته شكلا تعبيريا خاصا و واسعا و لكن لا يكون له الأهمية إلاّ وسط إتصال ساري و هناك صمت نتاج فقر و غياب كما يوجد صمت مطلق . فالصمت هو بمثابة بياض تخلل الإتصال ( Georges GUSDORF , 1977 ) . ومنهم من ألصق الحديث بالإرادة الواعية للإقناع و لا تتأتى هذه الإرادة الواعية حسب فارغا Kibédi VARGA إلاّ بكسر الصمت كخطوة أولى و القدرة على ذلك و بعدها الغوص في المناقشات و المزحة لأغراض متعددة كالفوز بود شخص ، تحقيق التماثيل و غيرها (Kibédi VARGA , 1989 ) .
حتى أن تارد TARDE اعتبر الصمت مقابل الحوار يعني الإنقطاع عن كل المحادثات غير المهمة و الضرورية ، و يعتبر دوما تعديلا قاسيا و القاعدة الصارمة و دوما الكابحة ، وهذا ما يدل على الحاجة الماسة للحديث و بصفة عامة لا مكن مقاومتها حتى أن للحديث و التحاور مع الآخرين متعة لا تقاوم من طرف مختلف الأفكار و العموميات الأخلاقية ( Gabriel TARDE , 1989 ) ، فالتعبير يفرض نفسه تلقائيا و طبيعيا و نعود إلى كوسدورف GUSDORF الذي يرى أن أول ما يفعله المولود الجديد : الصراخ ، وهو كسر للصمت داخل بطن أمه ومنذ ذلك و الطفل يلقن و يعلم الكلام عن طريق تمارين لفظية و شفاهية قبل أن يكتسب اللغة حتى أن الفعالية الإجتماعية للواقع الإجتماعي تتحدد بإكتساب و استعمال اللغة و الكلام ( Georges GUSDORF , 1977 ) .
إلاّ أن المجتمعات أدركت قيمة كل من الكلام و الصمت على حد سواء منذ القديم و عنيت بالصمت أشد العناء ، فقد ورد في الأدب العربي الشعبي حكما و أمثالا و أقوالا مأثورة تشيد بقيمة الصمت و نذكر على سبيل المثال المقولة القائلة : "الصمت أبلغ من الكلام" ، كما عرفت المجتمعات منذ القدم الصيام الديني عن الكلام و كان منتشرا لدى الكثير من الأمم البدائية و خاصة عند سكان أمريكا و أستراليا ، حيث ذكر سبينسر و جلين أن المرأة في أستراليا الوسطى و المتوفى عنها زوجها يجب أن تظل مدة طويلة قد تبلغ العام الكامل صائمة عن الكلام . و شبيه بهذا قائم في الديانة اليهودية بدليل قول الله تعالى لمريم على لسان وليدها : "... فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا..."(1) ( قرآن ، سورة مريم : الآية 26 ) .
كما عرف العرب في الجاهلية هذا النوع من الصيام و مارسوه ، فكان يطلق عليه اسم "الضرس" وهو صمت يوم إلى الليل ( علي عبد الواحد وافي ، 1951 ) .
كما أن التنشئة الإجتماعية بكل المجتمعات تحث عن معرفة الإصغاء و إتقان الكلام ، وآداب استعمالها أي أن عملية الصمت خلال عملية التحاور لها وظيفتها و دلالتها وهي بناءة في العملية الإتصالية .
والصمت لا نعني به الهدوء و لا نعني به الإنقطاع عن المحادثات غير المهمة و الضرورية بقدر ما نعني به كل صمت دال والذي يعتبر شكل تعبيري مميز و رائج بالمجتمعات التقليدية و يتخذ لعدة أشكال من بينها كل ما هو غير معبر عنه و غير مصرح به . هذا النوع الأخير من الصمت تخصه التنشئة الإجتماعية التقليدية بكثير من الأهمية و المعالجة عند صقل شخصية الأطفال عليه .

المظاهر اللفظية للعنف الإجتماعي :
لقد تبنت المجتمعات التقليدية منذ القديم نمط إتصال شفهي يفضل العلاقات الداخلية للجماعة و يعتبر كل ما يحيط به مجالا خطيرا و عنيفا . ولأن الأنظمة الإجتماعية التقليدية لا تعترف ولا ترضى بغير النمط الشفهي بديلا فقد سعت إلى صد عنف و عدوان المحيط الخارجي عنها بإبراز عدة مظاهر لفظية ما هي إلاّ إفرازات دفاعية عن عنف تعرضت له و تتعرض له باستمرار .
ويقدم لنا سليمان مظهر في هذا الصدد توضيحا و تعقيبا في إعتبار العنف يمارس بطريقة آلية ، لا واعية و لا إرادية . ويعتبر العنف متعدد المعاني وهو محرك للتفاعلات الإجتماعية و يظهر كعامل مهيكل و مسير للقطاعات الإجتماعية للتصدي و لتأسيس العلاقات الإجتماعة ( Slimane MEDHAR , 1997 ) .
كما أدى الإنتقال من الحياة الإجتماعية العائلية إلى الحياة المنظماتية بعد الإستقاال إلى نقلة يمكن أن تكون قاسية و عنيفة أجبر عليها الأفراد(1) ، ولعدم إمكانية الإنسحاب من محيط مهني عنيف و عدواني لأنه مصدر رزق و استرزاق برزت على إثرها عدة آليات عنيفة لصد عنف المحيط المهني ، نركز منها فقط على مظاهرها اللفظية(2) .
إن التنشئة الإجتماعية تغرس في نفسية الطفل منذ أن يكون صغيرا مفهوم العنف اللفظي و يتعرف عليه آنذاك من خلال حملات التعنيف و المعاتبة و اللوم التي يتلقاها من أهله و خاصة أمه ، هذه الأخيرة عادة ما تتقن الآليات النفسية الإجتماعية و الثقافية التقليدية، تتفادى في أغلب الأحان العقاب الجسدي ، و كيف يتأتى لها ذلك خاصة إذا ما أخذ ابنها يشبت رجلا و ابنتها تشبت امرأة ولكن وإن وجد العقاب الجسدي فالعقاب اللفظي و المعنوي حاضرا و مستمرا و فعالا ومفضل على الأول ، لأن كل عقاب جسدي يشوه صورة الأم الطيبة أو الأب الحنون . و بالإعتماد على دراسات مظهر سليمان فالأم تصبوا دوما للمحافظة على استقطاب الطاقة الوجدانية و العاطفية لإبنها ولا يتأتى لها ذلك إذا ما اعتبرت مصدر عنف لذا تلجأ إلى المظاهر اللفظية لممارسة العنف و العقاب على أبناءها دون أن تشوه صورتها المقصود إبرازها و رسمها لأطفالها و المفعمة بالعطف و الحنان و الود و الحب. لذا تلجأ عادة الأم التقليدية إلى تفعيل آليات: اللوم ، العتاب ، الدعاء على أطفالها ( و تتصنع في ذلك و ضعية ضعف و تمسكن و تتبنى موقف الضحية ) ، التحقيق ، الإصرار ، الإستجواب، الصمت ، المقاطعة اللفظية ( لا تتحدث معه أو إليه لمدة زمنية معينة لغرض تأديبه و دفعه لطلب السماح منها ) ، وغيرها .
ولكن نعلم أن الخوف و الكره متساويين و متلاحمين و متوازيين فبروز الأول يلازمه حتما بروز الثاني ، ولكن الأم تتفادى هذه الثنائية و تتفادى الوقوع فيها ، لأنها مصدر عاطفة وأمان و أمن حتى يبدو أن لا هم لها سوى الإشراف على شؤون إبنها و رعايته و التدخل الفوري لحمايته تلقائيا ساعة تعرضه لخطر . فلا هم لها بعدها ( كما تجتهد الأم في إبرازه ) إلاّ الحياة لأجل خدمة أبناءها . هذه العلاقة التي تكون دوما علاقة نرجسة بين الأم و طفلها تبقى إطارا مرجعيا لجمع مظاهر العنف في سلوكات الأطفال .
إن التنشئة الإجتماعية ترفض و تحارب النموذج السلمي أو المعتدى عليه لذا تزود الطفل منذ صغره على جملة من الآليات و المعاملات اللفظية العنيفة المأطرة بنظرات شزراء و حادة و مخيفة لتمكينه من مجابهة و صد عنف الآخر ، فتحبذ هذه التنشئة أن يكون الطفل معتديا أو قادرا على صد العنف و العدوان بعنف و عدوان أكبر منه ( لأنه آنذاك فحلا و مصدر قوة و يكون مفخرة أهله )، و تحارب الطفل المسالم أو الضعيف و تسقط عليه شحنة من العنف و العقاب الإجتماعي ( لأنه آنذاك يكون ضعيفا و يكون وصمة عار أهله ) . إلاّ أن إظهار المسالمة مطلوب و تحث عليه التنشئة الإجتماعية في المواقف الإجتماعية بصفة عامة فالمسالمون هم "الناس الملاح" الذين يتسم سلوكهم بالإنسحاب من حلقة "القيل والقال" وهم دائما محل رضا و اطمئنان مؤقت حتى لا ينقلبوا لأنهم ليسوا بمصدر خطر فالمسالمة و الصمت و المراقبة و الترصد كلها آليات مطلوب العمل و التلاعب بها و إظهارها في مختلف المواقف الإجتماعية . وما يدرب عليه الطفل بحرص و عناية تأويل الكلام و كشف النوايا عن طريق قراءة تعابير الوجه و تحليل الكلام و استخراج المعاني الكامنة خلفه ، فلا يوجد في النظام الإجتماعي كلام بريئ أو كلام خالص و صريح فكل كلمة يتفوه بها صاحبها إلاّ و تحمل معنا غير الذي جاءت في سياقه و كل النوايا مشفرة و مرمزة و أول نقطة خلاف أو توتر حدث بين شخصين يتم الإستنجاد فورا و تلقائيا بالعنف اللفظي على شكل شجار ، مشاحنات ، مزايدات ، تلميحات ، مضايقات ، التمثيل بالأمثلة الشعبية ، إستحضار قصص ذات معنى و مدلول و مطابقتها على الموقف و غيرها . و تصاحب لهذه المظاهر العدوانية مظاهر أخرى غير لفظية و لكن لها دلالات لفظية كالصمت ، الإنسحاب ، قطع الحديث مع الطرف الآخر ، النظرات الثقيلة المشحونة عنفا ، النبذ ، الإحتقار و غيرها .
إن أهم مظهر من مظاهر العنف اللفظي و الذي يمارس كنشاطا قائم بحد ذاته و عام لدى جميع الجزائريين و لكن بدرجات متفاوتة يتمثل في سلوك "القيل والقال"حتى أن لا يوجد جزائري لا يمارس "القيل والقال" وحتى أن جميع مكاتب الإدارات تحولت إلى أوكار "للقيل والقال" ولا تخلوا أي منظمة سواء كانت عائلية أو مهنية من "القيل و القال" و "التقطاع" أو "التمنشير" ، إذ يعتبر صورة لحركية اجتماعية لا مثيل لها : نشطة ، فعالة و إجترارية منصبة على التشهير و الإساءة اللفظية لسمعة الآخرين وفي ذلك عنف لفظي غير رسمي و غير مباشر و جبان . وإن كان العنف اللفظي هو سلوك دفاعي لصد عنف و عدوان خارجي ، فهذا لا يمنع "القيل والقال" وإن كان يأتي على تناول مواضيع الزواج ، المرأة ، الجنس و المسؤولين لأن في كل واحدة منها خطر يهدد بصفة مباشرة كيان النظام الإجتماعي التقليدي لذا توجب إحاطته و تتبعه في جلسات "القيل والقال" .
وفي وسط لمنظمات المهنية يشعر كل فرد أن شيئا يحدث حوله و لكن لا يدري ما هو حتى صار الكل يتحرك في صمت و بنظرات مملوءة بالريبة و الإرتياب خاصة وأن القرارات بالمنظمات المهنية مرمزة و مشفرة و غير مباشرة بينما الأوامر المقدمة لإنجاز عمل معين صريحة ، مشبعة بالعنف و جافة و مظاهر اللأمن التي حددها دوروشي و واجي DUROCHER et WAGUET و المتمثلة في الفرار ، الدفاع و الهجوم قائمة بالمنظمات ( DUROCHER et WAGUET , 1976 ) .
وإذا عجز أي فرد على تفعيل هذه الآليات الثلاثة أو إحداها تعرض بصفة فورية و سريعة و صارمة لعملية الإقصاء الإجتماعي .
أثر التنشئة العائلية في اكتساب سلوك "القيل و القال" لدى الأطفال :
إن الخلية الإجتماعة الأولى التي تشكل البيئة الحيوية "للقيل و القال" متمثلة في العائلة والتي تقدم دوما نموذجا جاهزا و وحيدا للإقتداء به .
إن التنشئة الإجتماعية التقليدية تقوم على اعتبار العائلة وحدة متماسكة في كينونتها و كليتها .ولأنها تعيش في وسط إجتماعي و طبيعي عدواني و عنيف فهي منغلقة على نفسها حيث تعتبر العائلة مجالها الداخلي آمن و إيجابي وكل ما هو خارج عنها أو محيط بها خطر و سلبي . تغرس هذه الفكرة لدى جميع الأفراد وفق تنشئة اجتماعية صارمة . و العائلة تسعى جهدها للحفاظ على طاقتها الحيوية و المتمثلة في العنصر البشري من الأفراد المكونين لها ، لأنها بفضلهم وعن طريقهم تتمكن التصدي و البقاء أمام أخطار المحيط العدواني الذي يهدد باستمرار بقاءها .وعليه تغرس العائلة لدى أفرادها جميع القيم الإجتماعية التقليدية : الإيخاء ، التعاون ، التضامن ، الشرف ، الوحدة ، الإتحاد ، وغيرها . و تظهر بالموازاة تأهبها الدائم لخدمة و حماية أفرادها بطلبهم أو لدون ما ذلك ، حتى أن جميع المواقف و الأزمات التي تعترض الفرد منذ الصغر تسارع العائلة من خلال ممثليها ( الأبوان ) أو أفرادها في جملتهم للتدخل السريع لحماية الفرد .
ولكن إدراك الفرد ( أو الطفل ) منذ نعومة أظافره على أنه لا خيار له أمام البقاء أو الإنسحاب من العائلة، فهو جزء منها وأبدا لا تسمح له العائلة بمغادرتها أو التنصل عنها، هذا الإنتماء الأبدي لها مدرك من طرف الأفراد بفضل التنشئة الإجتماعية على شكل قيم إجتماعية مغروسة لديهم . وتتكفل العائلة بتدريبهم و تنشئتهم على خدمتها و يكون هذا على شكل ولاء تام لها(2) ، يجبر الفرد على إبداءه ، يقوم هذا الإجبار في خضم التنشئة العائلية التقليدية على : التلميح ، الإزعاج ، الريبة ، المضايقات ، الإستشارة ، الصمت الثقيل، اللوم و العتاب ، النظرات العدوانية ...و غيرها ،حتى تنطبع هذه السلوكات في شخصية الأفراد و تتحول إلى الطابع المميز و الغالب على سلوكاتهم و تصرفاتهم.وما يهمنا من هذا الولاء ومن التربية على الولاء وفق منطلق هذا البحث ، ثلاث نقاط أساسية وهي : الإستخبار ، الإعلام و الدفاع .
فأما عن الإستخبار فالعائلة تحفز و تحث الطفل على حسن تقصي المحيط الخارجي عن العائلة و التعامل معه بالفطنة و الحذر ، فإبن الجار غير مأمون الجانب كذلك الجار و الأصدقاء و صاحب الحانوت و ابناء العمومة ، وسكان الحي أيضا غير مأموني الجانب.فخطر الآخر مدرك أكثر من خطر المحيط الفيزيقي ، لذا يحث الطفل دوما على ترصده و مراقبته ومن أبرز أشكال ذلك الإستخبار المستمر عن الآخرين ، فالطفل حينما يبلغ أهله بما توصل إليه من خلال إستخباره حول قضية ما ، يقوم أهله بالمقابل بثوابه و استحسان صنعه، فيشركونه عندها في قضايا الكبار و يرفعونه حين أخبارهم إلى درجة تمكنه من إبداء رأيه حول القضية و الأخذ بها ، على العكس من ذلك فإن هم ادركوا لخبر أو لنبئ كان يعلمه و تستر عليه عن قصد أو عن غير قصد فعندها يؤنبونه و يعاقبونه و تتأرجح درجة عقوبته حسب إثبات القصدية أو عدمها .وكل استخبار يقوم به الطفل لصالح عائلته هو بالدرجة الأولى إبداء للولاء و طلب لإستمرار ثوابه على ذلك السلوك الإجتماعي الموافق لإندماج حسن و مقبول .
وتلي وظيفة الإستخبار بصفة تلقائية وظيفة الإعلام ، فعلى الطفل أن يعلم أهله فور حصوله على الخبر مهما كان حجم هذا الخبر أو أهميته .
والوظيفة الأخيرة متمثلة في الدفاع عن العائلة و حسن تمثيلها للخارج فهو دوما يدحض الإعلام المشين لها و يدحض عنها كل إعلام سلبي و يصححه كما يضخم ويزيد في كل إعلام إيجابي و يخدم و يصب في إطار الصالح العام للعائلة و يعمل عمل المنقي و المصفي و المقوم المعطيات المعلوماتية حول عائلته و أفرادها في شموليتهم .
وفي هذا الإطار لا نجد مفرا من الرجوع إلى الدراسات القاعدية للباحث سليمان مظهر حين عبر عن هذه التربية في شموليتها بقوله : "إن الإنغماس في الجماعة تفرض عليه كحتمية حيوية [ أي على الفرد ] ، فالجماعة تتكفل به و يستفيد في نفس الوقت من التربية التي تقدمهاله الجماعة و تفرض عليه قوانين و ضوابط و معايير اجتماعية و أعراف و أدوار اجتماعية و نماذج علائقية وهذا بمراقبته بدون انقطاع لغرض إستغلاله و استعماله"( Slimane MEDHAR , 1997 : 38 ).
ودائما حسب نفس الباحث ، ينتج السند الإجتماعي عن المناسبات الأليمة أو السارة وهي وسيلة للحفاظ على تربية دائمة تحفظ ثلاث وظائف عنيفة بدورها : الحفاظ على انغماس الفرد داخل الجماعة ، تبرير متطلبات اجتماعية و أخيرا صحة وظيفة آلياته . وما يهمنا بالدرجة الأولى من هذه التربية العمل على غرس عادات الكلام و الحديث لدى الطفل من طرف محيطه الأسري . ولعل الشخص الأول و المؤهل و الذي يمر تقنيات الحديث و الكلام لدى كل جزائري في أمه . إن العلاقة الثنائية أم – طفل تنعكس بصفة مباشرة على تكوين العادات الكلامية و اللفظية وعلى التنشئة الإجتماعية ككل . وإذا تحدثنا عن علاقة أم – طفل نتحدث عن العلاقة اللفظية أم – طفل ، حيث العنف اللفظي قائم للدفاع عن الطفل و لمعاتبة و تأديبه ، الإحباطات اللفظية قائمة ، التلاعبات و المضايقات اللفظة أيضا قائمة ، الكذب اللفظي قائم و غيرها .وكل ذلك من شأنه أن يكوّن الشخصية اللفظية للطفل والتي من شأنها صقل شخصتيه الإجتماعية .
إن الشخصية الإجتماعية المكتملة تعني أن الفرد مجبر على الحضور خلال الأحداث السارة و غير السارة ( زواج ، ميلاد ، وفاة ، أعياد ، مرض و غيرها )، أو تبادل الزيارات و المشاركة فيها بفعالية. وهذا الطرح يوافق ما ذهب إليه مظهر في إعتبار الفرد المعزول مشبوه من طرف محيطه الإجتماعي وهو مجبر لإظهار حضوره ولا بد أن يشارك في حركية جماعته و يحتفظ سريا خصوصياته و تقديم صورة إيجابية للخارج و ابداء رضاه نحو إنتماءه للجماعة (Slimane MEDHAR , 1997 ) .
يكتسب الأساس القاعدي لهذه الشخصية الإجتماعية خلال المراحل الأولى من الطفولة ولا تكتمل إلاّ بعد التعامل مع منظمات خارجية عن المجال العائلي سواء كانت رسمية أم غير رسمية و تتحدد قرابة نهاية المراهقة أو بعدها بقليل ، أين يطالب الفرد عندها بالمشاركة المادية في مداخيل العائلة ، المهم أن مقومات الشخصية الإجتماعية تقوم أساسا على استدخال العنف ، اللأمن ، الحذر و اللإطمئنان في نفسية الطفل منذ نعومته و تدرك و تترسخ لديه في المواقف الإجتماعية خاصة حيث تعتبر هذه الأخيرة حقل تجريبي حقيقي يحول كل هذه المستدخلات إلى مدركات اجتماعة تحرضه دوما على الحركة .
ونعود إلى معطيات أبحاث مظهر سليمان الذي أثبت أن الفرد يستفيد من تكفل مؤمن وفي نفس الوقت عنيفا و رمزيا (Slimane MEDHAR , 1997 ) ، هذا التكفل العنيف و الرمزي تنوط العائلة طفلها به و لكن هذا العنف يبرر دوما و يفسر و يوجه لصالح الطفل لذا ينتبه الطفل و يدرك قاعدته الناجعة و الفعالة و الحيوية ، فالطفل يدرك أهميته و يدرك يتقبله وإن كان مؤلما و عنيفا . هذا العنف يؤطر كثيرا من النشاطات الحيوية للطفل و أهم و أبرز ما يغرسه و يؤطره لدى الطفل متمثل في سلوك "القيل و القال" و يتم ذلك بفضل آليتان :
1- الآليات التدريبية لصقل المعاملات اللفظية : يدرب الطفل على جملة من القواعد أهمها حفظ سر عائلته و عدم البوح به لأي كان خارج نطاق عائلته الصغيرة ، و يتعلق السر خاصة بالمداخيل المادية للأسرة ، مشاريعها ( بناء ، شراء مقتنيات ، زواج ، خطوبة ...) فضائحها ، عيوبها ، نكباتها و نكساتها ، عاهات أفرادها و أمراضهم المزمنة أو الخطيرة و غيرها .كل هذه المحاور من شأنها أن تجعل هذه العائلة عرضة للتناول و عرضة لشد الإهتمام حولها من طرف الآخرين ( جماعات أخرى ). هذا الإهتمام إمّا يكون لإقتسام المنافع و الإمتيازات معها و تجلب هذه الوضعية للعائلة الحسد، "العين" و "السحر" ، أي محاولة أخذ ما لديها و إفتكاكه منها و لو بالأعمال السحرية ، أو على العكس من ذلك إذا كانت تشوبها النكبات و النكسات و النقائص أن تكون عرضة لأن تكون كبش فداء أو فريسة سهلة لعنف و عدوانية المحيط الخارجي الذي لا يرحم . هذه المدركات القاعدية يدرب عليها الطفل كي لا يبوح بأي شيئ متعلق بعائلته و إنما علية ( وهو مجبر على ذلك ) تعديل وضبط و تمثيل عائلته أحسن تمثيل ، فإن كان بها نقص عليه أن يخفي ذلك النقص و إذا كانت في رفاهية و يسر حال فعليه أن يتكتم و تستر على ما هي عليه و بالمقابل و كذلك يوجب عليه مراقبة المحيط الخارجي ( أي الجماعات الأخرى ) التي تترصد له و لأهله فيجتهد و يجهد نفسه و يصرف كامل طاقته ليتطلع و يستكشف ما لدى الآخرين ، ولأنه يدرك أنهم أيضا يجتهدون في إخفاء أشياء كثيرة كما يخفيها هو و أهله ، فيلجأ إلى آليات تقليدية فعالة ( وفق النمط التقليدي ) في الوصول إلى هذه المعطيات و الحقائق و استجلاءها منها : إستراق النظر و السمع ، قراءة ما بين الشفاه و خلف الكلمات ، تأويل النظرات و النوايا و الحركات و العبارات ، تقديم الأباطيل و الحقائق المضللة لغرض الضبط و الحصول على الحقائق الصحيحة ، الإستطلاع و الإستخبار من طرف الآخرين ، الزيارات و إقحام النفس مباغتة و فجأة للمعاينة و الضبط و الوقوف على الأحداث على صورتها الحقيقية ، مراقبة العلاقات بين الأفراد و ضبط حالات التوتر أو كل النوايا العاطفية مهما كانت طبيعتها وغيرها .وأي سلوك لا يسلم من مصفاة هذه الرقابة التي تجتهد و تجهد طاقة أفرادها في التأويل السلبي خاصة لجميع المعطيات الواقعة تحت قبضتها .
2- الآليات التأديبية لصقل المعاملات اللفظية : إن الطفل الذي لا ينصاع للتنشئة الإجتماعية المركزة حول معاملاته اللفظية ، تخضعه عائلته و خاصة أمه إلى جملة من الآليات التأديبية لصقل معاملاته اللفظية و تقويمها . ولعل أول ما كان يقصى منه الطفل في التنشئة التقليدية القديمة أن يجالس مجالس الكبار و خاصة مجالس "القيل و القال" لما تأتي عليه هذه المجالس من الحديث عن قضايا الزواج و الجنس . هذا الإقصاء يولد لدى الطفل الرغبة الملحة في إكتشاف ما يدور بهذه الجلسات و يحاول جاهدا قراءة و استنباط نقاط الغموض التي تكتنف حديث جلسات "القيل و القال" كالحديث عن "العذرية" أو الحديث عن الولادة أو الحديث عن "الحيض" وما إلى ذلك . و الطفل يلاحظ كيف يهمس بهذه المواضيع همسا من لفم إلى الأذن و كيف ينخفض الصوت و تتغير النظرات و تتمايل الأجساد عندها ، والطفل في كل ذلك ملاحظ شغوف لا يتوانى عن سؤال أمه عنها . و عادة ما يكون القمع سريعا و عنيفا له . فيتعلم من هذا القمع أن مواضيع جلسات "القيل و القال" سرية النشاط و متكتم عنها فلا يوجد أمامه سوى استراق السمع و النظر إليها و تسقط في هذه الحالة عملية التلقين على "القيل و القال" أي التلقين المقصود و الموجه وإنما هو تعلم حر وهذا عن طريق الملاحظة و التقليد أو عن طريق التعلم الإجتماعي بصفة عامة .
و تنصب عملية التأديب على كل سلوك لفظي غير عنيف أو مستسلم كما ينصب التأديب بالدرجة الأولى لا على المعتدي خارج الأسرة بقدر تأديب المعتدى عليه والذي لم يستطع الدفاع عن نفسه ولا رد العنف عنه ولا عن عائلته ، فيأنب بأعنف العبارات و يعاتب وقد يعاقب على ذلك .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فما أتينا على ذكره من شأن الآليات التدريبية ، إن لم تحترم ولم تعنى بالتطبيق فسرعان ما يتدخل التأديب لمعالجة و تصحيح الوضع من ذلك نذكر: عدم حفظ أسرار عائلته و البوح بخصوصياته و خصوصيات أهله ، التصريح بالمداخيل المادية لأسرته و مشاريعها وغيرها .
والآليات التأديبية تكون دوما مشحونة عنفا و متضمنة عنفا ، وتتمحور حول : النهي، التلقين ، إملاء السلوك المطلوب والذي يكون كنموذج للإقتداء ، القطيعة اللفظية ، التعنيف ، المعاتبة التأنيب ، الإستنكار و التنبؤ بعاقبة ما سيحدث ( و يكون تنبؤ متشاءم و مبالغ فيه ) .
ومن الآليات التأديبية ما يقوم على الإسترجاع الحادث أو حوادث ماضية و مطابقتها على ما يحدث أو على ما هو متوقع حدوثه أو بروزه من ذلك الفرد ولا يترك أمره إلاّ إذا بلغت به الإستقامه والعدول عليه والولاء التام لما يقدمونه له من تقويم حد اللارجعة إلى ما كان عليه .
ومن الآليات ما نراه فعال و شائع الإستعمال بالمجتمع و المتمثل في الإستنطاق و الإستجواب المشحون عنفا ، حيث تكرار سؤال الطفل عما قاله للآخرين وما أخذ منه الآخرين من معلومات و مقدار ذلك و كيفية حدوثه و غيرها ، هذا السلوك من شأنه أن يهول في نفس الطفل شنيع ما صنع فيحرص مرة أخرى على استذكار ما لقيه و جسيم ما سيفعله .

الكلام و الطبقات الإجتماعية :
لقد أبرز و أكد تارد TARDE G. على أن الحديث و المحاولات تعكس دوما الحياة الحقيقية للأفراد ( Gabriel TARD , 1989 ) و الكلام الذي يحمل بأداة اللغة هو دليل و مرشد على الواقع الإجتماعي سواء كان مكتوبا أم منطوقا . و رأينا سابقا أن كل مكتوب غير محبذ و منبوذ بالمجتمعات التقليدية وفي بعض الحالات محرم_(1) على غرار المنطوق الذ يخدم و يغذي العلاقات الإجتماعية و هو أفضل أشكال الإتصال بها .إلاّ أن الكلام المنطوق يختلف من طبقة إجتماعية لأخرى على اعتبار أن لكل طبقة إجتماعية إهتمامات و إتجاهات و ميول و ممارسات و طقوس و معايير و إعتقادات و قيم متغايرة و إن كانت متقاربة ، وإنطلاقا من هذا التمايز إختلفت اللغة و اختلف الكلام من طبقة لأخرى . كما ساعد تشعب و تعدد الإهتمامات بتعقد الحياة العصرية إلى نمطية الكلام و اللغة حسب كل جماعة وكل طبقة ، فالأفراد قديما لم يكونوا يتحدثون إلاّ على الصيد و الزراعة و حاليا صاروا يتحدثون على الأنترنت و الصحافة و الموسيقى و الدراسة و السياسة و غيرها . و وسعت هذه الوضعية مجال المواجهات اللفظية بين الأفراد في الطبقة الواحدة و بين مختلف الطبقات . والإختلاف بين الطبقات يوجب على الفرد أن يخاطبها بلغتها .وقد أسلفنا الذكر على أن كلما نزلنا إلى الطبقات الإجتماعية الدنيا إلاّ و يكثر إنتشار و ظهور نشاط "القيل و القال" كنشاط ممارس و شائع و مألوف . و تعتبر الطبقات الشعبية من الطبقات الإجتماعية الدنيا التي تتميز بخصائص و نمط معيشي خاص و مميز ، فهي غالبا ما تتميز بخصائص ونمط معيشي خاص و مميز فهي غالبا ما تتميز بإحتلالها لرقعة مكانية صغيرة ، يعيش بها عدد كبير من الأفراد أين يقومون بتنظيم هذا الحيز و استغلاله على آخره . و مرد هذا إلى محدودية المداخيل و عسر الحال و المستوى التعليمي المتدني الذي يدفع بهؤلاء الأفراد إلى اللجوء إلى الحياة الجماعية وإلى شبكة العلاقات الإجتماعية التي تمكنهم من الوصول إلى أدنى قدر من الحاجيات و سد الرغبات و المتطلبات الأساسية لتحقيق البقاء وهذه الحياة الإجتماعية أوجبت تحقيق جيد لأركان الملكية الجماعية والتي سبق وأن أشرنا إليها . وهذا وفق قانون الإلزام الإجتماعي الذي يلزم و يخضع كل فرد لتقديم ما لديه من معلومات و تلقي ما لدى الغير على شكل خدمات إعلامية مجانية تسهل للفرد تحقيق حالات التكيف و الإندماج الإجتماعيين ، تتحول مع مرور الوقت و بفعل التنشئة الإجتماعية إلى ممارسات إجتماعية تنم عن طبع متأصل لدى الأفراد و لا يكون ستوى سلوكا مكتسبا مع وجود استعداد نفسي لدى من اعتبرناهم "أصحاب قيل و قال" بدرجة أعلى من غيرهم .
هذا النمط من الحياة يعتبر بيئة خصبة و حيوية لبروز "القيل و القال" وما خصائص لغة الطبقات الشعبية إلا وهي نفس خصائص جماعات "القيل و القال" حيث يتميزون بكثرة الكلام صخبه على ما إصطلحنا على تسميته بحالة "إسهال لفظي" أو "غليان لفظي" ، فهم كثيروا الكلام(1) ، إلى جانب ذلك تتميز اهتماماتهم و محاور حديثهم بالبساطة و السذاجة ، فأفكارهم فقيرة ، مجترة و مستهلكة دوما ولا جديد تحويه ، إلاّ أن قوة التعبير لديهم قوية قد ترقى في بعض الحالات إلى مستوى التجسيد الفني للصور و المواقف الإجتماعية فوصفهم بليغ و سردهم جذاب و حديثهم عذب و ربما يعود الفضل في ذلك لإتسامهم بإتصال غير لفظي عال و تفاعل اجتماعي عاليين وهو دوما محقق على نطاق واسع .
إن كل طبقة اجتماعية محاطة بحدود من شأنها الحد من التأثيرات الخارجية المهددة أو المخالفة لها لذا تتميز بالإنغلاق على نفسها بفضل تفعيل أفرادها لجملة من الآليات لتحقيق وظائف متعددة من بين هذه الوظائف وظيفة المحافظة على الجماعة و خصائصها .و اللغة و إن اعتبرناها أداة إتصال فلها عدة وظائف تسخرها الجماعة و تكيفها لخدمة أهدافها لذا نتعامل معها ومع الإتصال بصفة عامة كنظام ثقافي يتغذى من الجماعة و يغذيها في حركية غير منقطعة و كذلك شأن "القيل و القال" و يوافقنا في هذا الطرح باشمان و آخرونBACHMANN Christian et ALL إذ إعتبروا أن للقيام بالإتصال لا يكفي لذلك معرفة اللغة و النظام اللغوي و لكن يجب أيضا معرفة كيفية التعامل مع المحتوى الإجتماعي(BACHMANN Christian et ALL : 1981 ) . و ربما يختلف مع هذا الطرح باحثين آخرين و على رأسهم جون دوي DEWEY إذ يعتبر اللغة مؤسسة إجتماعية في حد ذاتها ( جون دوي ، 1963 ) . وما يهمنا في هذا و ذاك أنه لا يختلف إثنان على إعتبار أن لغة الفلاّح تختلف على لغة المهندس و لغة الطبقات الشعبية تختلف على لغة ما سواها من باقي الطبقات الإجتماعية .
ومن الباحثين من اعتبر اللغة سيرورة إتصال و ضمنها ثلاثة أنواع من الخطاب :
1- الخطاب العلمي والذي يتضمن إستثمار عاطفي يحيط بالموضوع الإبستيمولوجي والذي يرمي إلى إنتاج معطيات ذات قيمة عالمية .
2- الخطاب الأدبي والذي يوافق إستثمار عاطفي يهيمن فيه الموضوع النفسي و يصبوا إلى إنتاج قيم خاصة هذائية وهي قريبة من الخطاب المرضي .
الخطاب الساذج والذي يوافق توزيع متغير للإستثمار العاطفي ( Michel MOXATO et Jacques WITTWER , 1992 ) .
و "القيل و القال" قد لا يختلف إثنان في إعتباره خطاب ساذج إلاّ أننا لا ننكر مظهره الأدبي لما يتضمنه من براعة السرد و الإلقاء و خلق "الفرجة" الفنية كذلك هو مفعم بالأحكام و الأمثال الشعبة و مأثور الأقوال و الأحاجي ( الألغاز ) و الحكايات و الإشارات و الصمت و المتحكم فيه ببراعة خلال عمليات الدردشة و الحوار بين المستمع و المتحدث والذي يفضي دوما إلى خلق تفاعل اجتماعي عال وفي ذلك تحرير ذوق جمالي لقيم فنية يوجد مثيلها في الأدب و الفن.
لقد أسهم قبلنا برنستان Basil BERNSTEIN في الوقوف على دراسة خصائص لغة الطبقات الشعبية بالمجتمعات الغربية ، و وجدناها لا تختلف كثيرا عن خصائص لغة الطبقات الشعبية بالمجتمعات التقليدية . وهي على العموم تتميز بجمل قصيرة ذات تركيبة لغوية بسيطة ، دوما غير منتهية و غير تامة وذات تركيبة صرفية فقيرة، كما تتميز بمظهر بسيط و تكراري لحروف العطف و ظروف الزمان و المكان ( donc ; alors ; et puis ; parceque ; etc… ) وذات مظهر نادر لجمل الوصل . و يتميز الأفراد على العموم بعدم القدرة على تناول موضوع محدد و واحد مما يعمل على الإخلال بمحتوى المعلومات و عدم تنظيمها . تجر هذه الخاصية خاصية أخرى تتمثل في تميز لغتهم و حديثهم بالمراوغاة اللفظية ، إضافة إلى ذلك يتخذ بها نعت الفعل مظهرا جامدا و محددا و تحمل إثباتات نمطية مبررة بإستنتاجات ، و العديد من هذه الإثباتات و التعابير مرتبطة بقيمة خاصة لطلب إبداء تقييم المستمع ، إعطاء قيمة أو طلب السند الإجتماعي ، مثال على ذلك التعابير التالية : " ألست كذلك n`est –ce pas ? " ، " هل تتصور tu te rends compte " أو كما هو شائع لدى الجزائريين " ولا... لا لا ؟ " وهي بصفة عامة لغة ذات دلالات توريطية ( Basil BERNSTEIN , 1975 ) .
إن لغة و كلام الطبقات الشعبية تعكس الإهتمامات العاجلة للحياة اليومية لذا هي مفعمة بعبارات موجزة و تدور حول الإهتمامات الأولية التي في كثير من الأحيان يعاني أفرادها صعوبة تحصيلها : كالأكل، الشرب، الجنس مأوى ، أمن و غيرها ، و يبرز إلحاح الحاجة الأولية المظهر المتكرر و الدائم و السائد للإبلاغ و التبريرات كما يحصر أهداف الأفراد في تحقيق هذه الإحتياجات و غيبت الدقة و التحديد في حديثهم حتى غابت معها ظروف الزمان و المكان و صارت نادرة التكرار في منتوج حديث الطبقات الشعبية ، كما أن بساطة الإهتمامات و الأهداف أنتجت تلك الجمل القصيرة و الفقيرة نحويا و صرفيا و الناقصة وقد نرجع ذلك إلى سلسلة الإحباطات و الحرمان المتكررة و الدائمة والتي يعاني منها الأفراد نتيجة صعوبة العيش و قسوة و عنف المحيط الخارجي و أيضا العنف الإجتماعي الذي يعانون منه ، فالإعتداد بالنفس و الثقة بها و قوة الإرادة و الرغبة المتنامية مغيبة أمام بساطة الإهتمامات و الإحتياجات و صعوبة تحصيل أدنى قدر منها مما أضعف الفرد و أفقده الثقة في نفسه لهذا السبب نلاحظ دوما الطلب الملح للمتحدثين بهذه الطبقات للتعرف على إنطباع المستمع "أليس كذلك؟ " ، "هل تصدق؟ " ، "ولا...لا لا؟ " ، "إذا كنت غالط قولي؟"، "يا خي عندي الحق؟ " ...و غيرها .كما أن المحاباة و الإبتسامات المبالغ فيها و المعانقات و القبلات الحارة وما شابها وكان على شاكلتها تعكس حاجة الفرد للآخر، و بالتالي الحاجة إلى خلق و تغذية و توسيع شبكة العلاقات الإجتماعية و يعود بنا هذا الطرح إلى أبحاث مظهر سليمان وكنا أسهبنا في عرضها خلال الجزء الأول ، كما أن حالة اللإستقرار العاطفي و النفسي الذي يعاني منه الأفراد بالطبقات الشعبية ، جعلتهم عديمي القدرة على التحكم و الإقتصار عند التحدث على موضوع محدد مع بروز فوضى و عدم تنظيم في المحتوى الإعلامي. كما يمثل الأفراد في المجتمعات اللتقليدية إلى التحدث باسم الجماعة مع غياب التام للفردية ، نادرا ما يستعمل "أنا" المخاطب . فيستعملون "نحن" المخاطب وبما أن فئة أصحاب "القيل و القال" كثيرة الإنتشار و الظهور بالطبقات الإجتماعية الشعبية و المتدنية بصفة عامة فهي تشترك مع أفراد هذه الطبقات في جميع خصائصها إلاّ أنها تختلف عنها في بعضها و يعود لذلك فضّل تميزها أو تفوقها في بعض نقاط التشابه و الإشتراك . فالمواضيع المتناولة و المفضلة لدى أصحاب "القيل و القال" متمحورة حول القضايا الشخصية و الجنسية أمّا باقي الأفراد فيتناولون الحياة اليومية أو المعاش اليومي و قضاياه و لغتهم غنية بالأمثال الشعبية و سريعة الوتيرة وهم كثيروا الاستعمال للاتصالات غير اللفظية كحركات الجسد و الإيماءات و تعابير الوجه من مد و بسط وما إلى ذلك على عكس الأفراد الآخرين فهم ولا يبالغون في ذلك ، وأهم ميزة متمثلة في عذوبة و فنيات الكلام و الحديث.

المصدر: http://www.ulum.nl/b26.htm
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع
مـئة من الأحاديث المشتهرة على الألسنة
موضوع للنقيش خاص بمشروع جمعية العلماء
الهجرة موضوع هام للنقاش
الهجرة موضوع هام للنقاش
قوانين منتديات الشروق أونلاين
الساعة الآن 04:46 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى