فلسطين مرآة العرب
16-07-2009, 12:12 AM
فلسطين مرآة العرب
القدومي يكشف المستور
تداعيات انزلاق أوسلو
عندما بدأت تحرير هذا المقال لم يكن السيد فاروق قدومي, قد أكد التقرير مرة ثانية, أما وقد قام بالتأكيد وتحدى من يقول العكس بإثبات ما يذهب إليه, كما صرح بسبب إعلانه للتقرير الخطير وهو أن عباس قرر بصورة انفرادية عقد مؤتمر فتح القادم قريبا في الأراضي المحتلة, وواضح أن ذلك يعني إبعاد السيد قدومي الذي يرفض الدخول إلى الأراضي المحتلة, لأسباب مبدئية وأمنية, ثم إن عقد مؤتمر منظمة ما داخل الأراضي المحتلة, إنما يكون بترخيص ومباركة من الاحتلال, وهذا يعني أن هذه المنظمة صديقة, وهذا الذي يحدث لا يمكن نسبته إلى كل عناصر فتح, فهذه تصرفات السلطة, وهي مثل غيرها من السلطات العربية "المعتدلة", صديقة للغرب, ومن ثم فهي صديقة علنا أو سرا للكيان الصهيوني, وهي بالتبعية معادية للمقاومة, وقد صار ذلك العداء معلنا, إذ أن الاعتقالات التي تقوم بها السلطة في الضفة ليس لعناصر حماس وحدها بصفتها تتصارع معها على السلطة, لا بل إنها تقوم بذلك في إطار محاربة الإرهاب, وتتبنى هذه الذريعة الصهيونية الغربية لضرب المقاومة, وفرض الاستسلام على كل الأطراف الفلسطينية والعربية, بل وتقوم بذلك بقيادة جنرال أمريكي, كما سبق للسيد فاروق قدومي أن أعلن, هذا هو الوضع الذي يجب علينا أن نتعامل معه بصراحة ووضوح, ولسنا أول أمة يقع فيها مثل هذا الانقسام, فقد عرفته الفيتنام, حيث كانت الفيتنام الجنوبية تحارب إلى جانب الأمريكيين ضد إخوانها في الشمال, إلى أن سقط الاثنان معا, والقسم من الصين الذي ظل ضدها لا زال قائما ككيان صغير وشوكة في خصر الصين حتى الآن, وغير هذا من الأمثلة كثيرة في مختلف أنحاء العالم, فسياسة "فرق تسد" مفضلة عند الاستعمار, يستعملها حيثما حل وارتحل. ولا ينبغي أن نكذب على أنفسنا, وقد بلغت الأمور إلى الحد المتدهور بل الكارثي الذي بلغته. لكن لا بد من توضيح الأمور, والتمييز بدقة بين منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة, فالتصرفات الاستسلامية والتآمرية, هي من فعل السلطة وحدها, والدليل على ذلك هو أن أعضاء من فتح يعارضون الكثير من قرارات السلطة, ذلك أن هذه القرارات صادرة عن عباس ومحيطه الضيق, وليس عن فتح التي لم تجدد أطرها الشرعية منذ مدة, أما منظمة التحرير فهي حكم الملغاة, لأنها لم تعد موجودة نهائيا على أرض الواقع, بالرغم من أهميتها كإطار معترف به دوليا, كممثل شرعي للشعب الفلسطيني, لكن جماعة السلطة فرطوا فيها وأهملوها, لأنها لا تعنيهم, أو أن الإملاءات الصهيونية والغربية تمنعهم من إحيائها, لأسباب واضحة ومكشوفة. إن جماعات السلطة كغيرها في النظم السياسية العربية "المعتدلة" خاصة, تريد المحافظة على وجودها في السلطة بأي ثمن, وقد أصبح هذا الثمن بعد أكثر من عقد من الزمن, وبعد رحيل عرفات معلوما, إنه الانتفاع الشخصي والفئوي واقتسام الغنائم والبحث عن الثروة بكل السبل, بما في ذلك الفساد, الذي استشرى حتى في عهد عرفات ذاته, عرفات الذي انتهى به المطاف إلى الوقوع في أسر شارون, الذي منع خروجه من المقاطعة في رام الله, ومنعه من السفر, وقد كان في حكم المسجون, إلى أن تم القضاء عليه بالطريقة التي أصبحت منذ الأمس معلنة رسميا.
لقد كانت مفاجأتي كبيرة, عندما وردت الأنباء بإغلاق السلطة لمكتب الجزيرة في رام الله, وعزمها على متابعتها قضائيا, بسبب نشرها لتصريح القدومي وملخص التقرير الذي قدمه عن اغتيال المرحوم أبو عمار، وكان استغرابي أكبر عندما حاولت الاطلاع على ما تقوله المحطات العربية الأخرى, فلم أجد هناك من يشير إلى الموضوع من قريب ولا من بعيد غير قناة الجزيرة التي لا زالت تتابع التطورات, ولكون تصرفات السلطة غير منطقية, فقد صدرت تصريحات عن فتحاويين كبار يستنكرون هذا السلوك الغريب ويعتبرونه من الأخطاء الجسيمة. وبعد تأمل في هذا الوضع الإعلامي الغريب, ظهر لي أنه طبيعي جدا, ذلك أن السلطة في حالة اضطراب وحيرة ولا يمكن في هذه الحالة إلا أن تخبط خبط عشواء.أما عن وسائل الإعلام العربية, أو بالأحرى المحطات التلفزيونية, فسكوتها منطقي, ذلك لأن موقف قدومي, قد يؤدي إلى انقسام في فتح, مما ينتج عنه بروز جناح جديد, بزعامة أبو اللطف, ولأن الرجل ثائر ومقاوم, فإنه لا يمكن أن يجعل قيادته داخل الأراضي المحتلة, وهنا الإشكال, من هو البلد العربي الذي يستطيع استضافة فتح الجديدة؟ هناك استحالة تامة في هذا الأمر بالنسبة للأنظمة 'المعتدلة", فهي تعادي وتحارب المقاومة القائمة, فكيف بها تحتضن منظمة جديدة؟ أم الممانعون فهم ذاتهم لا يستضيفون أي فصيل مقاوم، كما هو معروف, ما عدا سوريا, وقد عانت ما عانت من أجل الحفاظ على موقفها المبدئي, إلى درجة التهديد الجدي بالاحتلال الأمريكي في العهد البوشي البائد. في هذا السياق يمكن فهم التجاهل الإعلامي العربي لتصريح القدومي, أو على الأقل إهمال متابعة تطوراته, إن النظم " المعتدلة " خاصة, لا تملك قرارها السياسي, إذ أن وجودها عالة على أمريكا والغرب والصهاينة. ومن ثم فإنها لا تقرر شيئا هاما ولا تتخذ موقفا أساسيا دون أن تطلب الموافقة من الأطراف المذكورة, ولأنها تعرف أن ذلك مستحيلا, فإنها تلتزم الصمت, لذلك بقيت الجزيرة وحدها في الميدان, ولأن الحق يعلو ولا يعلى عليه, فلا يسعنا إلا أن نهتف من أعماق قلوبنا: (عاش أمير قطر المفدى). وعلى أي حال فإن هذا الحادث ليس نهاية العالم, فالثورة ستتواصل, ومن أراد الوقوف ضدها, كائن من كان, سوف يجرفه سيل التاريخ إلى مزابله, وطال الزمان أو قصر, سوف يرتفع الوعي العربي تباعا بأمثال هذه الحوادث وبالممارسات والمعاناة اليومية للظلم المحلي والعالمي, وذات يوم ستقرر الشعوب أخذ مصيرها بأيديها عندما يصل وعيها درجة اللاعودة, وعندها سوف ترتفع أعلام النصر مرفرفة عزيزة فوق فلسطين الحبيبة, ويعم التحرر كل بلاد العرب, وتنشأ إمبراطوريتهم الكبرى, التي سوف تغير مجرى التاريخ, وتتسبب في وضع عالمي جديد, يكون العرب من بين سادته الأوائل, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الحكمة ضالة المؤمن