تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى الأدب > منتدى القصة القصيرة

> مهدية :"هستيريا على أطلال الموت"

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محمد 07
محمد 07
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-08-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 800
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • محمد 07 is on a distinguished road
الصورة الرمزية محمد 07
محمد 07
عضو متميز
مهدية :"هستيريا على أطلال الموت"
25-05-2009, 11:50 AM


كانت مهدية تشتكى وضعها الصعب،وترى نفسها ليست مثل قريناتها من طالبات الجامعة ،تعيش حالة نفسية مضطربة،تدخل حجرة الدرس تختال، متثاقلة الخطى مهمومة الملامح ... تجلس مائلة على المقعد الأخير، غائبة الوعي، تنظر إلى الأستاذ شاردة الذهن والحزن يعانق جفنيها ويثقلهما، وضع مضطرب، أقلق من هم من حولها،نصحتها إحدى صديقاتها بزيارة عيادة الرعاية النفسية،فلم تتردد كثيرا،وأخذت الأمر بمأخذ الجد ،وراحت تقلب أرشيف ذكرياتها، فانتقت من بين صوره لافتة، "طبيب أخصائي الأمراض العصبية والنفسية " في مخيم اللاجئين بمدينة البؤس،فتغيرت ملامح وجهها الأسمر،وتبدل لونه بازدياد احمراره ،رفعت رأسها وكأنها سمعت سؤال زميلتها عما يجول في خاطرها وقالت:لاشيء، لاشيء،أجل، ماذا سأقول له؟،فأنا لا أعرف من حياتي إلا يوميات عذاب ، ولحظات يأس،وذكريات مبعثرة وليالي خوف من قادم مجهول، وتنهدت طويلا،و أطرقت طويلا ثم ودعت زميلتها.
افترقت الزميلتان، دون أن تكملا حديثهما، وفور وصولها إلى المخيم ،اتجهت صوب العيادة ودخلت مسرعة وعلى وجهها أعراض مستهجنة،دخلت على الطبيب كالمخبول دون استئذان ، وجلست أمامه وهي تتحسس جبينها تارة ومقدمة رأسها طورا،عابثة بخصلات شعرها الأسود البارز التجاعيد،بعينين زائغتين متوجستين واسترسلت في شرح هواجسها كلها... في أول لقاء،حاول الطبيب أن يطرق معها ظاهرة الوهم ،لدى بعض المرضى النفسيين وكيف قادتهم إلى حالات وسلوكيات غريبة وتسببت لهم في متاعب ، خاصة في عتمة الليل، وأثناء الخلود إلى الراحة والخلوة إلى النفس.!!
لكن مهدية بنت 23 عاما،لم تكن تستمع إلى الطبيب ، بل كانت ملتفتة إلى المرآة مشدوهة فاعتقد أنها مصابة بالجنون،أو البله،لطول مكوثها وحدة نظراتها الشزراء تحملق في ملامح وجهها الجميل،ذو البشرة العسلية،الحامل لأنف ظريف وعينين سوداويين واسعتين وفم على مقاس جمالها،قال الطبيب: قومي انصرفي ليس لديك حالة مرضية يمكن علاجها،عندها تذكرت أنها عند الطبيب، جاءت لتستشره في أسباب ما تعانيه من القلق، وراحت تجيبه عن أسئلته، استمع إليها،وتمعن في مسار حياتها فتراءت له صورة غير التي ظنها،فالموقف اجترار لذكريات، بحثا عما تحمله من جميل بذور لاستغلالها في مزرعة مستقبل الأيام.
أدرك حينها أن مهدية ولدت وأبصرت النور كأي إنسان في هذا الوجود،من أبوين من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين،منحدرين من طائفتين أختلف لون بشرتيهما وتباين معتقديهما" ابيض واسمر،أم عاملة شقراء من أصل اوربي،وأب ثري أسمر من أصل عربي يمني" فأثمر ذلك الزواج وجها مشرقا جمع البياض والسمرة،فبدا عسليا مشرقا،استنشقت،هواء رواندا ذلك البلد الصغير في محيط منطقة البحيرات العظمى وسط القارة السمراء، وسط اسرة ميسورة الحال ذات هجين ثقافي عربي اسلامي الماني إفريقي فنما جسمها نموا سليما متزنا طيلة العقد الأول من حياتها ، فكان جسما كزهرة الخزام أو أكثر جمالا وامتلاء ، يسر الناظرين لونا وشكلا وقياما، واجتمع لها من الثقافة والتربية ما يؤهلها لمستقبل هام.
أطرق الطبيب هنيهة ثم قال:مهدية..؟،هذا اسم على غرار(هدى، وهادية، وهدهدة و..هل آنت مسلمة؟ لم تجبه، وقالت في فرارة نفسها:إذن الطبيب عنصري وهزت رأسها ورفعت كفيها بالتجاهل،فقال الطبيب ، نعم، قالت لا ادري، كل ما اعرفه إنني وجدت نفسي أخرج من المدرسة هاربة رفقة ممرضة صديقة أمي، نسير عشرات الكيلومترات ليل نهار،بين الجثث والرؤوس المقطوعة ،على مشارف العاصمة الرواندية "كينغالي"وعمري لا يتعدى العشر سنوات ،ابتسم الطبيب ليخفي ما استقرأه من كلامها،وقال في نفسه:
إنها صدمة نفسية كبيرة، لم تكن الصغيرة تدري ما تخفي لها الأيام، ولم تكن تعلم بما وقع وما سيقع،ولم تكن تدري أنه يأتي يوما لن يكون فيه أحد عكازا لأحد يرتكز عليه،وعلى الفرد مهما كان سنه، أن يتعلم المشي وحده عندما يتخلى عنه الآخرون،بل عليه أن يتدرب على القفز ولو على رجل واحدة عندما تغيب الرحمة ويزول التراحم ويفتقد السند ، إنه القدر الذي ساقها لتكون تمرة ذلك الزواج وهو الذي أبى إلا أن تولد فوق تراب بلد إفريقي جمع بين جود الطبيعة وطمع الاستعمار،وتناحر الطوائف فحمل عبء العصبية القبلية والتصادم العرقي والتناحر الديني،والميز العنصري، لكنها ولدت هناك على أرض رواندا....هذه حقيقة ، وفي حالات كثيرة من أحوال الحياة تدهشك الكلمة عندما ترتبط بالمعني والعمق الإنساني،الرامي إلى البحث عن مساحات اكبر للتنفيس عن النفس بالبوح والتعبير عن رغبة في رؤية واقع مختلف ، يوشح يومياته كانسان في صفتيه المذكرة أو المؤنثة ، خاصة إذا ما تعدد ت رؤاه وهو يحاول الاقتراب من ضبط مواطن وجعه، يصمت كثيرا يتحدث قليلا . يسبح بخياله بعيدا ويعود،ويموت مكبوتا في كثير من حالاته ، لكنه أحيانا يحتاج إلى رأي في منتهى الشفافية والى روح متطلعة إلى الأعلى متحررة من العقد خالية من التعقيد، والى إنسان عميق الذكاء حكيم التصرف حتى يأخذ بيده إلى منتهى الوجع ويمكنه من التعبير عن حلمه شخصيا في واقع يتحرك ،يراه من حوله اكبر وأفضل هذا الذي يبادر إلى الاستقرار في ذهن كل من يشاهد صورة الصغيرة مهدية، في عيادة الطبيب بمجمع الأيتام اللاجئين،استعرض النفساني صور تموقعات الصغيرة على مقاعد مدارس مفوضية اللاجئين،أو إثناء التربص العملي ، تلك الصور التي تعبر عن واقع لا يذرك أغواره إلا من عاش حقيقة تفاصيله وذاق مرارة حاله.
فخلص إلى أن انفجار الصراع بين الصغيرة وواقعها، قي لحظة التطلع إلى ما قد يريح النفس،ويزيل الألم، عجل بتجمع الذكريات، وأضعف الآمال، وزاد من شدة الذهول والهذيان،هذه الحال جعلته يضرب لها موعدا ليس ببعيد،ويعدها بالعمل على العلاج السريع والفعال لحالتها التي وصفها لها بالسهلة.
عادت الصغيرة في اليوم الموعود وهي اقل اضطرابا مما كانت عليه في المرة الأولى،استقبلها الطبيب مبتسما وقال مرحبا أيتها الفتاة الظريفة،اجلسي، وبادرها قائلا:
قلت انك مشيت رفقة الممرضة عشرات الكيلومترات،متى كان ذلك و إلى أين اتجهتما ؟.
استرسلت مهدية في الحديث وكأنها تقرأ كتابا ممحص الأحرف... في شهر أبريل 1994م، في مقاطعة كيبوي غرب رواندا عندما اغتالت قبائل ذات أغلبية من الهوتو مئات الآلاف من قبائل توتسي خلال ثلاثة أشهر وقتلت ما بين ألفين و ستة آلاف في يوم واحد حسب رواية الكبار، في مقاطعة كيبوي غرب رواندا،
مشينا واختبأنا عند المسلمين الروانديين الذين كان كثير منهم أزواجا مختلطين من الهوتو و التوتسي، وغيرهما،وجدناهم فتحوا أبوابهم للآلاف من أعضاء قبائل التوتسي الهاربين، من جحيم ميليشيا الهوتو التي كانت تخشى أن تقتحم المناطق التي يكثر فيها المسلمون،توقفت المسكينة عن الكلام وأجهشت بالبكاء وارتعش جسمها كأنها تعاني بردا شديدا.
أطرق الطبيب برهة ثم قال:من أوصلك إلى داكار؟. لا اعلم كلما أعرفه أن الممرضة آوتني إلى مجمع الصليب الأحمر،وقالت لرجل اسمر هذه ابنة (فلان) فأدخلني المركز ثم جاءوا بنا إلى هنا سنة1995م،ما اعرفه اليوم هي مرارة الوحدة أحتسيها كل ليلة، فتبلل معابر أعماقي و أحسها تمتزج بدم قلبي فأشعربموت كل الأشياء في ذاكرتي،وتصم أذناي إلا عن أصوات قهقهة الطالبات وهن يتغامزن عند رؤيتنا ننزل من الحافلة القادمة من المخيم، حركاتهن صارت وسادة جمر أتوسدها كل ليلة ،أضع راسي في حضنها فيتصاعد دخان ذاكرتي، وتختفي فيها رائحة التفاصيل المشتعلة،شبح يلقي علي بظلاله كل ليلة، كل ليلة ..فيثير همومي ويزيد من قلقي... مأساة تتكرر كالنبض في تولد شهقة و دهشة لا تتوقف و سؤال ذهول ليست له إجابة، إنها حكاية رعب خاتمتها لحظات بلا تفاصيل..حالة مرضية استعصى علي شفاؤها، وجئتك ابحث عن علاج سيدي...
ابتسم الطبيب ابتسامة بيضاء لإيهام الفتاة أن ليس في الأمر ما يقلق وقال:هل تجتازين الاختبارات دائما بنجاح متماثل ؟ فردت باختصار،ليس كل مرة،أتفوق عندما أنسى أو أتناسى، واخفق عندما تسترجع ذاكرتي صور الذكريات،لم تسألني هذا السؤال؟ ...فقط لأعرف ما هي التجارب التي تزعجك قال الطبيب،ثم استطردت: وتكون النتائج عند الإحساس بالألم البدني أفضل منه عند ما اشعر بالألم العاطفي.آآآه، لم أعد أدري .. هل أعود إدراجي من حيث أتيت وابحث عن بقايا ذكرياتي،ابحث عمن دمه من لون دمي، وفرعه من أصل فرعي ؟
أم أقتحم المجهول وابقى في مساري مع نسائم قادتني في مجرى التيارات الجارفة والأقدار المريرة اللحظات ؟؟؟.
قالت المسكينة ذلك ببراءة الأطفال وغنج العذارى..واجهشت بالبكا،..قال الطبيب في سريته أنها ضحية،ضحية زواج غير متوازن،ومجتمع تهز أركانه تيارات العرقية القبلية، وتشوه صورته النزعات العنصرية.. والتفت الى مرضته قائلا: في الغد نلتقي لأكفكف دموعك،لأوجهك صغيرتي.
انصرفت مهدية، وهي تحاول الإجابة عن أسئلة فرضا اللقاء "ماذا يقصد بكلماته ؟، هل سيحول أجمل وهم عشته في حياتي إلى حقيقة ويزيل عني هما عاش بداخلي دهرا ولم عميق لا يشعر بقسوته إلا عند المصدومين بعصا الضياع ؟،هل سيذلني على ،ما يمكنني من مضلة الحياة...و تحقيق الشعور بالاطمئنان ؟.
لآ اعتقد، كيف لطبيب في عيادته أن يدرك مجال حياة كحياتي لم تعرف الهدوء برهة ؟ وانى له أن ينقد آمالي الغارقة في بحر المآسي؟
(يتبع)
الحمد لله
غيمة تمطر طهرا
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية aNiSSa09
aNiSSa09
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 436
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • aNiSSa09 is on a distinguished road
الصورة الرمزية aNiSSa09
aNiSSa09
عضو فعال
رد: مهدية :"هستيريا على أطلال الموت"
25-05-2009, 02:04 PM
كثير ما يكون المرأ ضحية للظروف القاسية التي لا دخل له في وجودها أصلاً...
مهدية من أب يمني إلى أم ألمانية وثم حياة رعب في رواندا إلى مخيم اللاجئين في السنغال تحت الغذابين ... الذكرات المؤلمة و قسوة المجتمع العنصري...
في انتظارما سيلي... و ما يحمله الطبيب من أمل لمهدية.. و هل يحمله فعلاً؟... و كيف ستتمكن من تجاوز ذكريات أطلال الموت..؟
بعد كل غروب شمس ... إشراقة جديدة
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محمد 07
محمد 07
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-08-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 800
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • محمد 07 is on a distinguished road
الصورة الرمزية محمد 07
محمد 07
عضو متميز
رد: مهدية :"هستيريا على أطلال الموت"
26-05-2009, 12:29 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة anissa09 مشاهدة المشاركة
كثير ما يكون المرأ ضحية للظروف القاسية التي لا دخل له في وجودها أصلاً...
مهدية من أب يمني إلى أم ألمانية وثم حياة رعب في رواندا إلى مخيم اللاجئين في السنغال تحت الغذابين ... الذكرات المؤلمة و قسوة المجتمع العنصري...
في انتظارما سيلي... و ما يحمله الطبيب من أمل لمهدية.. و هل يحمله فعلاً؟... و كيف ستتمكن من تجاوز ذكريات أطلال الموت..؟
.


قراءة في الصميم

وهو ما يدل الاهتمام.

زيارتك نورت متصفحي أختي انيسة09

الحمد لله
غيمة تمطر طهرا
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:44 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى