هدوء حذر في طهران
24-06-2009, 12:49 AM
هدوء حذر في طهران
لا تظاهر اليوم ولا عنف, وإنما هناك تهديد صارم من وزارة الداخلية لموسوي, وإعلان هذا عن قرب انتهاء أتباعه من وضع تقرير مفصل عن التجاوزات في الانتخابات, وهو الأمر الذي ينفيه مجلس صيانة الدستور بعد المراجعة التي قام بها لنسبة من الصناديق، ويبدو أن سبب عودة الهدوء تعود إلى التهديد الذي أطلقه الحرس الثوري بالأمس, مما يعني أن الحسم حصل أو يكاد, وقد انتقل التصعيد إلى الخارج, من إدانة أمريكية, وقلق فرنسي, وتبادل لطرد الديبلوماسيين مع لندن, وتحريض إسرائيلي, وغليان في أوساط المعارضة الإيرانية في المنفي, وفي العواصم الغربية خاصة. من جانب أخر هناك تأييد روسي تام للرئيس المنتخب, وتاييد سوري بالأمس للدولة الإيرانية, إلى تأييد مبطن لأمير قطر اليوم, بالإضافة إلى ما سبق من تأييد فينزويلي وصيني, بمعنى أن الصرا ع الذي ازداد اشتعالا في الخارج هو صراع تقليدي - إن صج التعبير- بين أنصار الثورة الإيرانية بين الدول, وبين الغرب, صراع الانتماءات والمحاور والمصالح التي تنشأ عنها تكتلات كما نرى ذلك في الجدل الدائر اليوم بين الدول المتحرشة بإيران والدول التي تعلن تأييدها لها.

وقصارى القول هو أن المعارضة الإيرانية في المنفى, تحلم بالعودة إلى إيران على ظهر دبابات غربية لتحكم إيران على ذوقها ومقاسها ومنافعها, بإعادة السيناريو العراقي, أما الغرب فإنه يسعى إلى إسقاط هذه القلعة الصامدة التي صدته عن إكمال السيطرة والهيمنة التامة على منطقة الشرق الأوسط على الأقل, ولذلك ينتهز هذه الفرصة, ويريد استغلالها إلى أبعد الحلول, من أجل الإطاحة بالنظام الإيراني, مما يمكنه من بسط نفوذه التام وسيطرته الكاملة على المنطقة, إلى أجل غير مسمى. أما أسرائيل فالفرصة بالنسبة إليها أكثر من ذهبية, ولذلك نوه اليوم نتنياهو بشجاعة المتظاهرين في طهران, بمعنى أنه يطلب منهم المزيد, ويتمنى أن يكون الحل داخليا في إيران أي بتولي أبناءها حسم الأمور فيما بينهم في اتجاه القضاء على الحكم القائم, حتى يزول الكابوس الإيراني اللعين, الطريقة التي يريدها, حيث قال أمس أنه يرفض وجود إيران قوي ومتطور تكنولوجيا, وهذا هو بيت القصيد.

نعم إن الوضع صعب, كون الصراع قائما بين فريقين من ذات الطبقة الحاكمة, وهنا تكمن الخطورة الجسيمة في احتمال تطور الأمور أو بالأحرى تدهورها - لاقدر الله - إلى درجة الحرب الأهلية المفضية إلى القضاء على إيران القوية لصالح بلد ضعيف لا حول له ولا قوة, تعبث به الصراعات والقلاقل والتقاتل. لكن بالرغم من أهمية الفريق المعارض وقوته, باعتباره داخل السلطة, أو صاحب نفوذ ووجود لا يستهان به على الساحة الإيرانية, بالرغم من ذلك, فلا أعتقد أن من يسمونهم أنصار موسوي, يمكن أن يذهبوا إلى حد المواجهة المسلحة مع مواطنيهم من أجل موسوي أو غيره, أظن أن الوضع الإيراني يختلف جذريا عن الوضع العراقي, لذلك أستبعد فرضية الحرب الأهلية الكفيلة بإنهاء وجود إيراني قوي, كقوة إقليمية وعالمية. ليس هناك من الدلائل ما يؤيد قوة أنصار موسوي إلى الدرجة التي يمكن أن تورطهم في حرب أهلية مدمرة, بدليل أن مجرد تهديد للحرس الثوري بالأمس, جعلهم يلتزمون الهدوء التام اليوم. إن الصراع في طهران ليس واقعا بين الملالي والشعب أبدا, بل هو بين الملالي والملالي. الملالي الذين هم في قمة السلطة وأصحاب الطموح الجامح في تطوير القوة الإيرانية وتكنولوجيتها بكل سرعة وإلى أبعد الحدود, وملالي كونوا ثورات طائلة باستغلالهم مراكزهم السياسية القوية خلال ثلاثين عاما من الحكم, وهم يطمحون إلى حكم إيران وحدهم, حتى يضمنوا استمرار امتيازاتهم ومكتسباتهم, وليبيضوا أموالهم, حتى لو بلغ بهم الأمر درجة التضحية بالثورة وبقوة إيران وتطورها التكنولوجي ومكانتها في المنطقة وفي العالم. إننا لا نرى جهة في إيران حريصة على قوة إيران وتطورها وهو ما يهمنا كثيرا, باعتبار ذلك بعدا وعمقا استراتيجيا للعرب, وباعتبار إيران القوية مناعة للمنطقة من قيام المشروع الأمريكي الغربي الصهيوني في المنطقة والهيمنة عليها واستعباد شعوبها, والقضاء على أملها في المستقبل الآمن والحياة الكريمة. لا أحد من الآخرين سواء اللاجئين أو الإصلاحيين يحمل مشروعا لصالح شعب إيران وشعوب المنطقة, وكل ما يسعون إليه هو الوصول إلى السلطة لحماية مصالحهم المادية والسياسة, ولا نظن أن الشعب الإيراني غبي إلى الدرجة التي تعميه عن رؤية الحقيقة, إن الأقلية الطبقية التي تقف وراء موسوي والتي يسميها الغرب وإسرائيل وأتباعهما شعبا, متجاهلين الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني المؤيدة لمصالحها عن طريق تأييدها للحكم الثوري الحاكم, وكأن هذه الأغلية لا رأي لها ولا تأثير في الأحداث, كما يتهيأ لهم, وهو حلم لا أساس له, ومآله الخسران المبين. نرجو من كل قلوبنا ألا يقع الصدام, لكن ذلك مجرد أحلام يقظة, فقد تقع بعض الصدامات الدموية, لكن الدولة في النهاية, أو الجانب الثوري من الدولة سينتصر, وسيحسم الأمر لصالح الشعب الإيراني ومجموع شعوب المنطقة, ولا أحد سواه من المعارضة في الداخل أو الخارج, يمكن له أن يحافظ على الثورة الإيرانية القائمة كقوة إقلمية وعالمية تصنع التقدم والتطور وتحمي المنطقة من أعدائها, لذلك فإن الخيار واضح أمام الشعب الإيراني لا غبار عليه, ومن ثم فموقف الأغلبية الساحقة من أبنائه محسوم بالانتخابات وبالشرعية وبحماية مصيره التي تهدده الجماعات المصلحية والطبقية التي تريد رخاءها الخاص على حساب بؤسه واستعباده وضياع قوته ومنعته وأمله الحقيقي في المستقبل المزدهر. كلنا لا نريد الملالي في السلطة في إيران وفي غير إيران, لكن أعطونا البديل والضمانة على ألا تقع إيران في المصير العراقي المشؤوم البائس, وستجدوننا معكم تماما, ندافع عن أطروحاتكم التي ستكون حينئذ أجمل وأروع, أما أن نرمي ما في أيدينا ونسير خلف مطامحكم السياسية والمادية, فهذا هو عين البله والجنون, والعياذ بالله, ثم ما هذا التباكي التمساحي على حرية التظاهر وضحايا التظاهر, وهل هناك دولة في العالم, ولا أقول في المنطقة تسمح بتهديد أمنها واستقرارها؟ أو تتسامح مع من يثيرون القلاقل والشغب ويصرون على التظاهر بدون ترخيص؟ أما الأغلبية الساحقة من حكومات المنطقة, فأنها لا تردد في مواجهة أي تظاهر ومهما كانت أسبابه بالحديد والنار, ولا يلقى أي معارضة أو لوم من الغرب راعي الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم, إنه التجني المفضوح والتحرش المبيت والظلم الغاشم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحكمة ضالة المؤمن