الأدعياء والفشل الذريع
20-10-2007, 06:23 PM
الأدعياء والفشل الذريع


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا .
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا .

أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

إن المتأمل في الأحداث الجارية على ساحة الأمة الإسلامية من انشقاق وتفرق ، سيجد أنها لا تختلف أبدا عما حدث بالأمس وربما عما سيحدث في الغد .

فكل أمة تأتي نجدها تعيد عقيدةً أو منهجاً أو فكراً كان بالأمس مشتعلا أو دفينا ..

فهذه تستدرك على سلفها ، وأخرى تواصل خطى المنهج ، وثالثة تجدد عقيدتها وتصفي مشربها ، ورابعة تنبش في التاريخ بحثاً عن خبايا ما أنزل الله بها من سلطان .

إذاً ليس هناك شيء جديد في مجال العقيدة الصحيحة أو الباطلة حتى يضاف إلى صفحات تاريخ الأمة سلبا أو إيجابا .

فالمسألة إذا بين ضدين لا نقيضين هما الخير والشر ، الحق والباطل .

فلا مصاديق ولا روابط تربط بينهما سوى حدود الطرفين والقابعة تحت سيطرة الشبهات والأهواء .

الحق واحد فقط لا يتعدد ولا يتكرر وله طريق غير معوج ، وهذا سبب وجود اللفظ المفرد لكلمة ( النور ) في القرآن الكريم ولم تذكر ( أنوار ) ..

بعكس الباطل الذي تعددت طرقه ومخارجه وفروعه ومشاربه ، لذا فنجد جمع الظلمة ( الظلمات ) قد تعددت ألفاظها كثيرا في القرآن الكريم .

نعم هذه الحقيقة وهذا الواقع يا أهل الواقع .

فمنذ أن استكبر إبليس عن أمر ربه حتى ينفخ الصور ، سيبقى طرفي النزاع على حرب ضروس لا هوادة فيها ولا رحمة ترجى .

بقي أن يسأل السائل :
- كيف نعرف أن هذا هو الحق وما خالفه هو الباطل ؟
- كيف نفسر تفرق الجماعة الواحدة التي قالت في الأمس أنها على الحق ، ونجدها اليوم عبارة عن فتات وأحزاب وفرق ، كل فرقة تبدع الأخرى وتلعنها ؟
- ما هو الحق ؟
- ومن هم جماعته ؟
- ومن يملك حق الإقصاء والإسقاط منه ؟
- ومتى يكون ذلك ؟
- ولماذا ؟
- وكيف ؟
- وما هو الاعتصام ؟
- وما هو الميزان في ذلك كله ؟


كل هذه الأسئلة قد تكفل بالرد عليها الشارع الحكيم ، وذلك في باب واحد فقط وهو ( باب الطاعة ) .

ويترتب على هذا الباب أبواب أخرى توصل في النهاية إلى سعادة الدارين .

فقد حدد أولا وجوب طاعته وإتباع رسوله صلى الله وعليه وسلم فقال :
﴿ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ﴾ .

وقال عز وجل :
﴿ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ﴾ .

فهذا هو الميزان وهذا هو الحق وخلافه الباطل والظلم والبهتان .

ثم كانت آيات الترغيب في طاعته ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

حيث ترتبت عليها إيجاب هدايتهم :
﴿ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾ .

ثم إيجاب رحمتهم :
﴿ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون .

ثم نتيجة ذلك :
﴿ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً .

وقال أيضا :
﴿ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون .

وأخيراً في بيان منزلتهم ومكانتهم :
﴿ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ﴾ .

ثم كان الترهيب في شأن من خالف و زاغ وتخاذل .

فقال سبحانه في التحذير من عاقبة ذلك :
﴿ يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم .

وقال في حال من بطلت أعماله بسبب التولي عن الطاعة :
﴿ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .
ثم قرنت طاعة أخرى بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لكنها مشروطة فقال سبحانه :
﴿ يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا .

ثم كانت طاعة الرسول موجبة لطاعة الله فقال سبحانه :
﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا .

وقال سبحانه في إيجاب الرحمة لمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم وقرنها بالأعمال الصالحة :
﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون .

فكانت خلاصة الأمر بالطاعة ترغيباً وترهيبا في قوله تعالى :
﴿ ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما .



ثم كان من لوازم الطاعة المتابعة فقال سبحانه :
﴿ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكمولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون .

ثم تم تحديد من يجب علينا إتباع نهجهم والإقتداء بهديهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والميزان في ذلك ، في أوضح صورة وأدق تفصيل وبيان فقال سبحانه :
﴿ و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهمبإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيهاأبدا ذلك الفوز العظيم .

ومن ثم تم تحديد مصير من خالف نهجهم فقال سبحانه :
﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا .

فكانت خلاصة الأمر بقوله :
﴿ واعتصموابحبل الله جميعا ولا تفرقوا .

وبذلك يكتمل الدين ويختم كأكبر عقيدة عرفها التاريخ وسيعرفها كاملة مصونة نقية ، جاء بها سيد ولد آدم من خالق الخلق سبحانه لخير الأمم ، فقال سبحانه :
﴿ اليوم أكملتلكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلامدينا .

ومع ذلك وللأسف فهناك من يذهب بتفسير هذا البيان الواضح الجلي حسب هواه وحسب منطلقاته وعقيدته التي تربى عليها .

لن أقول تعمد الباطل وخديعة نفسه والناس من حوله في هذا التفسير طيلة وقوعه في مستنقع الكبر والمكابرة .
لا ..
لكنها الشبهات والأهواء الهاوية به إلى الضياع ، ولا عودة إلا من رحم الله .

﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنياوهم يحسبونأنهم يحسنون صنعا ﴾ .

فلا حول ولا قوة إلا بالله .

لذا نلاحظ كثيرا من مدعي الإنصاف يقول ويردد : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) !
وآخر يقول : ( يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه ونتعاون فيما اتفقنا فيه ) !
وهلم جرا من قواعد الإنصاف المزعوم .

و حتى نسقط هذه القواعد وغيرها على أمثلة حية واقعية نقول :
هب أن قبوريا بجانبك يطوف حول قبر ولي أو شيطان ، فهل نقول له : ( ما قمت به أو رأيك خطأ يحتمل الصواب ) ؟
أو نعذره ؟
كما هي قاعدة حسن البنا .

من جانبه ..
هب أنك قلت لمسلم مخالف لك : ( الله منزه عن التعطيل والتجسيم ونثبت له ما أثبته لنفسه و أثبته له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ) فخالفك صاحبك .
هل سنقول له حينها :( يا أخانا رأي أو قولي هذا صواب يحتمل الخطأ ) ؟

لا شك ولا ريب بأن هذا تخبيط وتخليط وتخريط .

وقد وجدت من رد عليّ فيما مضى بقوله : ( هناك فرق بين الرأي والعقيدة في المقولة الأولى فلا تنزل القاعدة على أمثلة عقدية كالطواف حول القبور وكصفات الله سبحانه ) .

أقول وببساطة :
القاعدة المشار إليها لم تأتي في الأصل إلا لهذا الشأن ..
وإلا فما تفسير ترديدها في كل محفل ومؤتمر يجمع الأشعري بالصوفي بالماتريدي بالجهمي بالتكفيري بالمعتزلي بالرافضي .. وهلم جرا ؟

ما فائدة وضعها شعارا كبيرا وعنوانا عريضا في مداخل ومخارج المؤتمرات الدينية ؟

أعتقد أن صاحب هذه القاعدة في هذا الخصوص أحد أمرين :
- " ملبس " كونه وضع لفظا عاما ومجملا وأفيحا يسهل إيجاد باب الخروج منه إذا ما قويت الحجة عليه .
- أو " أن له بقية من ماء الحياء حيث " فلم يستبدل ( الرأي ) بـ ( العقيدة ) .

ثم لا أدري أين الوعي في مسألة التفريق وعدم الالتزام به ؟

إن كان رأيكم لا تقصدون به العقيدة فلما يوضع في محافل عقدية ؟

فهؤلاء يلزمون ولا يلتزمون ومن ثم يلمزون !!!!!
عجب والله !

هذه مصيبة أخرى تضاف إلى مصائب الأمة في مسألة تحوير وتدوير الألفاظ وإجمالها .

يجب أن نعلم أن مصطلح الرأي يستخدم في أمور خلافية فرعية شرعية كانت أو دنيوية لا تصل إلى الافتراق والتحزب .

لكن أن نخاطب من هو في فرقة أخرى بمصطلح ( الرأي ) على أنه ( رأي ) لا ( عقيدة ) فهذا تلبيس إبليس بعينه .

وهذا تعصب للباطل وتمييع للحق وإزهاق لسبب خيرية هذه الأمة المتمثل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقول الله سبحانه :
﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، وهاهو الضلال يمرر على أنه خلاف في الرأي فقط !!
فيا سبحان الله ..

يدعي هؤلاء أنهم يريدون الإنصاف وفي نفس الوقت يريدون وحدة الصف ، لكن على حساب من ؟

لاشك يلزمهم العمل على التشكيك بثوابت عقدية ومسلمات راسخة لدى كل عاقل .

فتارة تلاعب بالألفاظ ، وأخرى بالأفعال ، وثالثة بالإرهاب بشتى أنواعه .

دعاة الإنصاف الساذج ليسوا سوى دعاة فرقة وتميع ، فالجماعة هي التي حددها رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم لا أحلامكم ..

الجماعة ما كانت محققة لطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر فتلك هي .

وخلافها مجاعة لا جماعة .

يقول الرسول صلى الله عليه وآله سلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) .
قالوا : من هي يا رسول الله ؟
قال : ( هي الجماعة ) .

فهل الجماعة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم هي من اجتمعت في محافل وندوات كل يحمل ضلالته يفتخر بها ، فيعذر الآخر بما عنده لعلمه أنه بالمقابل سيعذره بما لديه ؟؟

أم إنها مرتبطة بقوله عليه الصلاة والسلام :(تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي ) ، وقوله : ( تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ) ؟؟

هل بالله عليكم هذه الفرق والعقائد التي أسميتموها آراء تمييعا تلتزم بكتاب الله وسنة نبيه التي كان عليها أصحابه وآل بيته عليهم الصلاة والسلام جميعا ؟

مجازفة وإدعاء فاشل من قبل ومن بعد .
ولا عجب أن الإنشطارات التفرقات والتحزبات تبدأ عند أول اتفاقٍ لهم ..

نسأل الله العفو والعافية والسلامة في الدين وحفظ نعمة السنة وعلماء السنة وأهلها وأن يحفظ لبلاد المسلمين أمنهم واستقرارهم ويسدد للحق ولاة أمرهم .
والله المستعان ..