نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
03-04-2010, 12:37 PM
قصة نهاية ظالم بقلم : بوفاتح سبقاق

كانت ليلة باردة جدا ، الدوريات العسكرية الفرنسية مازالت تمشط الشوارع و المنازل ، القصبة هذه الأيام تشهد الكثير من الأحداث
إنها بالفعل حرب مدينة الجزائر التي إندلعت شرارتها بشدة ، في حين
أن الثورة تسود كل المدن و الأرياف الجزائرية .
في بيت معزول بشارع ضيق ، جلس الفدائي عمار ينتظر
وصول رفقاءه ، يرتشف كوبا من القهوة و يطالع بكل إهتمام جريدة
إستعمارية مليئة بالأكاذيب ، يا لها من عناوين مثيرة ، الإنتصارات في الميدان و ليست على صفحات الجرائد ، تحول المجاهدون الأبطال الى فلاقة و قطاع طرق ، و أضحت المعارك التي يقوم بها الثوار عبر كل نواحي الوطن ، أعمال شغب و حوادث معزولة .
كلما زادت أكاذيب الفرنسيين إلا و ظهرت حقائق الميدان لتبين
أن أيام المستعمر محدودة و الإستقلال آت لمحالة ، و فجأة سمع طرق خفيف على الباب و بطريقة مميزة جدا ، فعرف بأنه عيسى رفيقه في الكفاح .......
- مرحبا عمار... هل جاء عبد القادر ؟
- لم يأت بعد ، أنت تعرف أن عبد القادر يأخد إحتياطات كبيرة
أثناء تحركاته ، إنه مازال متأثر بمحاولة القبض عليه المرة السابقة. .
- سيدفع الثمن ذالك الخائن مسعود الجزار ، أنتظر أمر الجبهة بفارغ الصبر لكي أقضي عليه .
- لا تشغل بالك به ، سيدفع الثمن قريبا ، و لكن التنفيذ أمر سري لا
يعرفه أحد .
- تفضل كوب من القهوة الساخنة ..
- ربنا يكون في عون إخواننا المجاهدين في الجبال..
- الدفء الحقيقي لا يكون سوى في الجزائر المستقلة ، مهما كانت الطبيعة قاسية معنا ، فإن قساوة المستعمر لا توصف ، قتل تشريد و تعذيب .

- الحمد لله الجبهة قامت بدورها في الخارج و كل العالم أضحى يعرف فظائع المستعمر الفرنسي .
بعد دقائق من الحديث حول ظروف عمل الجبهة في مدينة الجزائر
و صل عبد القادر أخيرا ، حاملا معه أوراقا كثيرة ، تدل على أن الإجتماع سيكون مصيري و مهم جدا .
كان عبد القادر القائد الفعلي للمجموعة ، يعرف خبايا القصبة و يدرك بأن المعركة ستكون حاسمة مع العدو ، تعليمات الجبهة واضحة ، لابد من تكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر ، إن نقل المعركة من الجبال و الأرياف الى قلب العاصمة سيكون البرهان الساطع على نجاح الثورة .
تصفح عبد القادر أوراقه بكل إهتمام و طاف ببصره عبر أرجاء الغرفة الضيقة ثم نظر الى رفقاءه قائلا :
- تعرفون بأن الوضعية صعبة جدا ، بالأمس فقط قبضوا على فدائيين في أعالي القصبة و اليوم كما تعرفون تشن الشرطة الفرنسية هجوما مكثفا من كافة المداخل ، لابد من ضربة سريعة و خاطفة نستعيد بها سيطرتنا على هذه القلعة .
- ربما يكون الفدائيون قد قاموا بعمليات ناجحة و لم نسمع بها بعد أضاف عيسى .
- لم تصلني أي أخبار جديدة و لكن وصلتني أوامر من الجبهة للتخلص من ضابط شرطة كبير إسمه مورياك .
- نحن جاهزون لأي عملية كما تعرف و أي قرار يأتي من القادة فحتما سيكون في مصلحة الجبهة و الجزائر .. قال عمار
- المجرم مورياك قام بقتل و تعذيب عشرات الجزائريين بمركز الشرطة و رمى بالجثث في المزابل .
- سيدفع الثمن غاليا هذا الوغد ..
- لقد قام مورياك أيضا بتعذيب الطلبة في الإضراب الأخير و أصابهم بعاهات مستديمة ، يقولون إنه وحش في صورة إنسان .
- أنني أتشوق لتفيذ حكم الجبهة فيه ...
- كما تعرفون لكل عملية خطة و يتعين أن تكون خطواتنا مدروسة
و محكمة ، العدو لن يرحمنا و الجبهة لن تتغاضى عن أخطاءنا ... أضاف عبد القادر .
- تفضل أيها القائد نحن في الإستماع لمعرفة تفاصيل هذه الخطة التي ستكون ناجحة بإذن الله .. أردف عيسى
- لقد قمت بمراقبة الضابط مورياك منذ أيام و عرفت كل برنامجه اليومي ، تأتيه دورية كل صباح تأخذه الى مقر الشرطة تتكون في الغالب من ثلاثة رجال شرطة بما فيهم السائق ، يبقى في مكتبه الى المساء حيث ينتقل من جديد الى مسكنه و في الطريق يقتني أحيانا بعد الحاجيات من متجر كبير و غالبا ما يدردش قليلا مع صاحب المحل ثم يواصل مشواره بحماية رجاله .
- يمكننا أن نضع له كمينا في طريقه أو نهجم عليه أثناء خروجه من المنزل في الصباح . قال عيسى .
- نسيت أن أخبركم بأن هناك حراسة دائمة على مسكنه ، حيث يتناوب على هذه المهمة شرطيان . أضاف عبد القادر
- لابد من دراسة كل الإحتمالات الممكنة و لابد من توفير كل ضمانات النجاح ، الأمر يتعلق بمكانة الجبهة في نفوس كل الجزائريين
تأكدوا بأن أي عملية ناجحة ستكون بمثابة خطوة صحيحة نحو تلاحم المناضلين و ترسيخ الإستقلال كهدف منشود .

تم إستعراض كل الخيارات الممكنة و النتائج المتوقعة ، و من الواضح
أن الضابط الفرنسي يحظى بحماية دائمة ، لابد من إيجاد الثغرات المناسبة عبر كل الأمكنة التي يتواجد بها من أجل ضمان نجاح العملية.
و فجأة تدخل عيسى بكل نرفزة و عصبية .
- ضيعنا الوقت الكثير في مناقشة أمر هذا المجرم ، المهم أن يموت
كما أرادت الجبهة ، نحن فداء هذا الوطن و لا يهمنا رد فعل رجال الشرطة المرافقين له ، نموت و يحي الوطن ..
- حافظ على هدوءك يا أخي ، أنا لا أشك في وطنيتك و لكن كما تعرف
فإن خروجنا سالمين من هذه العملية سيجعلنا نقوم بعمليات أخرى و نواصل الجهاد من أجل الوطن حتى نيل الإستقلال .. أجاب عبد القادر
- كلامك صحيح ، نحن مستعدين أن نموت من أجل الوطن و لكن إن إستطعنا أن نبقى أحياء سنقدم خدمات أخرى جليلة لبلادنا ... أضاف عمار ..
- يمكننا أن ننفذ هجومنا عليه ساعة خروجه من بيته في الصباح الباكر
ستكون يقظة رجال الشرطة أقل ، أو نباغته في السيارة أثناء عودته أو ذهابه لمركز الشرطة ، واحد منا يتكفل بتغطية الإنسحاب و الهجوم و إثنان يطلقان النار على الضابط و مرافقيه .. لسيت لدينا بدائل أخرى .
ما إن أكمل عبد القادر تدخله حتى ساد الغرفة سكون تام ، لم تقطعه سوى النوافذ التي تعبث بها الرياح ، لقد قامت المجموعة بعدة عمليات
ناجحة و لكن علمتهم التجربة أن يأخذوا إحتياطاتهم عند التخطيط لأهداف جديدة .
المستعمر لديه إمكانيات كبيرة و جواسيس في كل مكان ، الإرادة و التضحية و الكثير من اليقظة و حسن التدبير من أجل تحقيق النتائج المطلوبة ، رقعة المواجهات توسعت عبر كل أنحاء الوطن و جبهة التحرير لديها شبكة معلومات فعالة و عليه فإن نوعية و دقة العمليات يجعلان العدو يفقد توازنه و عندما يصل الى هذه المرحلة تكون الجبهة قد كسبت أوراقا جديدة .
- لدي فكرة أخرى قد تقلب كل الموازين ، سنقضي على الضابط مورياك في مكتبه بمركز الشرطة ... ما رأيكم ؟ سأل عبد القادر
- يا لها من فكرة غريبة ، الأمر ينطوي على كثير من الخطر ، و نسبة النجاح ضئيلة فمركز الشرطة كما تعرف به عشرات بل مئات من رجال الشرطة الذين يعج بهم المكان ، البطولة شيء رائع و لكن المغامرة الغير محسوبة قد تضرنا ، محاولة من هذا النوع قد تكون فاشلة ... قال عيسى ...
- و لكن هل لديك خطة واضحة قابلة للتنفيذ ؟ سأل عمار .
سكت عبد القادر ، في ظل هذا النقاش الساخن يتعين عليه أن يقوم بتجميع أفكاره الآن ، إن قتل الضابط المجرم في مكتبه سيكون ضربة قاسية إن نجحت العملية ، و لكن كيف سيتم الدخول الى مركز الشرطة؟ هذا هو السؤال الصعب الذي يتعين الإجابة عليه ، و فيما كان يفكر في الأمر و يتأمل رفاقه ، سطعت بذهنه فكرة ستقلب كل الموازين ... إرتشف ما تبقى من كوب القهوة و قال بكل ثقة :
- سيقوم أحدنا بتفيذ حكم الجبهة على المجرم في مكتبه ، عيسى أنت
لست محل بحث من طرف الشرطة الإستعمارية ، يمكنك أن تقوم بهذه المهمة .
كان عبد القادر يملك إجابات لكل الأسئلة المحتملة ، إستمرت الجلسة عدة ساعات ، و عند قرب حلول الفجر ، تم الإتفاق على موعد التنفيذ و الخطة التي سيتم إتباعها .
جاءت ساعة الحسم ، في هذا اليوم سوف يتحدد مصير مورياك ..
هذا الأخير خرج من بيته كعادته مرفقا بحمايته المعهودة الى مركز الشرطة ، سيجد حتما في إنتظاره وجبة بشرية جديدة ، إنه مصاص
دماء ، لا يمل ، التعذيب أضحى هوايته المفضلة ، لقد أبدع في تقنيات الإستنطاق فهو يحظى بدعم مباشر من قادته و خاصة و أن الغطاء السياسي قد توفر لممارسة التعذيب في الجزائر ، فقد تم إعتبار ما تقوم به السلطات الإستعمارية بمثابة رد فعل على التفجيرات التي تقوم بها الجبهة في الأماكن التي يرتادها المعمرون ، القبض على حاملي المتفجرات أضحى حق شرعي .
في هذه الأثناء كان الفدائيون الثلاث يقتربون من المنطقة ، فقد حاولوا
قدر الإمكان تفادي الشوارع التي توجد بها حواجز شرطة أو عسكر ستكون ناجحة ، الله معنا و الشيطان معهم ، هكذا حدث عبد القادر نفسه لقد نفذت المجموعة عدة عمليات في نواحي مدينة الجزائر و لكن اليوم سيكون الأمر إستثنائي نظرا لحساسية الهدف و نتائجه فالتخلص من مورياك سيكون ضربة تقضي كل طموحات رجالات فرنسا.
الجهات العسكرية التي تشرف على قمع الفدائيين ستصاب بزلزال عنيف ، و الأمر كذالك سيفضح بكل تأكيد أكاذيبهم عبر الصحف الإستعمارية ، فقد تحدثوا كثيرا عن تفكيك الشبكة التي تقوم بالتفجيرات ، و لكن اليوم سيتم قلب كل الموازين ..
عيسى كان متنكر بزي فلاح قروي يحمل قفة من التفاح الأحمر اللذيذ
أصبح الآن يمشي وحيدا ، في حين تموقع عبد القادر و عمار على جانبي المركز في إنتظار إشارة الهجوم .
واصل عيسى سيره حتى أصبح على بعد أمتار من المركز و لكن صراخ شديد أوقفه في مكانه .
- قف أيها العربي الوسخ ، ما الذي أتى بك الى هنا ؟ سأله الشرطي الذي أشهر سلاحه .
- إنني لا أحمل شيئا خطيرا ، أنظر القفة كلها تفاح لذيذ ، هل تريد واحدة ؟
- لا أريد أيها الغبي ، هيا غادر المكان حالا و إلا سأطلق عليك النار في الحال .... أضاف الشرطي .
تدخل شرطي آخر من بعيد ، كان يراقب ما يحدث.....
- لا تخشى شيئا ، إنه فلاح مسكين يريد أن يهدينا الكثير من التفاح ليس كل الجزائريين أشرار ، الكثير منهم يحبوننا ، أظنك تعرف ذالك ..
- إنها تفاحات لذيذة ، لقد قطفتها هذا الصباح من بستان السيد جورج أكيد أنكم تعرفونه ..
- قل أنك سرقتها أيها العربي المقرف .... أضاف الشرطي الأول
- أبدا ، إنها جزء من أجرتي لديه و كل ما أقوم به بعلمه .
- و لكن هل إحضار هذه القفة ، هو السبب الوحيد لمجيئك ؟ سأل الشرطي الثاني ..
- لقد جئت من أجل أمر خطير يا سيدي ....
- هيا إسرع إخبرنا قبل فوات الأوان .... إقترب

فتح الشرطي القفة و تأكد من محتوياتها و ظهرت على محياه إبتسامة و إستدار الى صاحبه مشيرا الى الفلاح المزيف ...
- إنه بالفعل صادق ، يريد أن يهدينا تفاح لذيذ ، نبدأ بها هذا اليوم الجديد ..
- و لكن هات ما عندك ؟
- لدي معلومات خطيرة قد تفيدكم في القضاء على مجرمي جبهة التحرير ..
- تكلم لا تخف ، ستكون لك جائزة إن صدقت معلوماتك .
- لن أتكلم إلا مع رئيس المركز .... قال عيسى
- و لكن نحن سنخبره بكل ما ستقوله لنا إطمئن من هذا الجانب .. قال الشرطي الأول .
- الضابط مورياك لا يستقبل الحشرات أمثالك ، إنه لا يهتم سوى بالقضايا الكبيرة ... قال الشرطي الثاني .
- يا سيدي أنا أيضا جئته من أجل أمر هام جدا ، هل القبض على زعيم مدبري تفجيرات الجزائر ، ليس قضية كبيرة ؟ قال عيسى

إقترب الشرطي من زميله و همس في أذنه :
- يبدو أن الأمر يستدعي الأهمية ، سأذهب حالا و أخبر مورياك بالأمر ، لا تتركه يفلت منك ، إنه فرصتنا للحصول على إجازة الى فرنسا إن صدقت معلوماته .

أسرع الشرطي بالدخول الى المركز لإخبار الضابط مورياك بالزائر الغريب ، في حين أخد عيسى يوزع التفاح على كل شرطي يمر بقربه محاولا أن يستميل كل الوجوه في إنتظار الفرصة المواتية لتنفيذ مهمته ، كان الشرطي الذي بقربه يلتهم تفاحة كبيرة بكل شراهة ، تأمله عيسى بكل إهتمام محدثا نفسه ، تقتلون العباد و تأكلون الخيرات و سفنكم تنقل كل المحاصيل الى فرنسا لابد من تحرير البلاد سيأتي يومكم أيها الأوغاد.
لاحظ الشرطي نظرات عيسى الغريبة نحوه فحاول إستدراك الموقف :
- في الحقيقة لا يسمح لنا بقبول الأكل من الغرباء ، فقد يكون مسموما أنت تعرف الوضع خطير جدا هذه الأيام ، و لكن يبدو أنك فلاح طيب و هذا التفاح جاء مباشرة من الأشجار و لا أظن أن البساتين تكره الفرنسيين .
- بالهناء و الشفاء أيها الشرطي الرائع ، السم لا يوضع سوى في القهوة أو الشاي ... أضاف عيسى .

كان عبد القادر و عمار يراقبان عن بعد ما يحدث ، كل المؤشرات الأولية تدل على أن الأمور تسير على ما يرام ، إذا وفق عيسى في مقابلة الضابط مورياك سيقضي عليه بدون شك ، فقد زوده عبد القادر بمسدس صغير و فعال و خبأه بإحكام داخل لباسه ، القفة أسالت لعاب رجال الشرطة و لم يقوموا بتفتيشه بدقة و تم الإتفاق على أن يتم الهجوم بالرصاص و القنابل بمجرد سماع الطلقات الأولى من مسدس عيسى .
و فجأة حضر مورياك شخصيا الى مدخل المركز ، و عليه علامات
النرفزة و الغضب .
- كل معتوه يأتي الى هنا ، تصدقونه ، اللعنة عليكم أيها الاوغاد
قلت لكم ألف مرة لا مجال للثقة في الجزائريين كلهم أعداءنا بدون إستثناء ، أين هو هذا العربي الوغد ؟
- إنه هنا تحت حراستي سيدي ... قال الشرطي الذي إنتهى منذ لحظات من أكل التفاحة الشهية .
- هل تم تفتيشه جيدا ؟
- نعم يا سيدي ، لا يحمل معه سوى قفة بها تفاحات لذيذة ... أضاف الشرطي.
إقترب مورياك من عيسى و أمسكه من رقبته بشدة صارخا :
- أي معلومات لديك ، هيا إسرع ليس لدي وقت .. سأل مورياك
- لقد رأيت بالأمس آثار أقدام غريبة في مزرعة السيد جورج ، يبدو أن المجرمين يختبئون هناك .... أجاب عيسى
- يا له من خبر رائع ، و هل هذا الأمر خطير ، لتأتي هنا و تضيع وقتي أيها النذل ...
قام مورياك برمي عيسى على الحائط بشدة ، فسقط أرضا و أمسك بطنه متظاهرا بالألم ، يبدو أن مورياك جاء الى حتفه برجليه ، لن يضيع عيسى هذه الفرصة و في هذه الأثناء كان عمار و عبد القادر في كامل الإستعداد لبداية المعركة .
- هيا إبعدوا عني هذا الكلب لو لم تكن قاعة التعذيب محجوزة اليوم لأدخلت هذا اللعين و طبقت عليه كل أساليب التعذيب القديمة و الجديدة .
و حين أراد الشرطيان الإقتراب من عيسى ، أوقفهما مورياك بكل حدة .
- لحظة ، هذا الفلاح الحقير أزعجني اليوم ، دعوني أتفحص القفة قد أجد فيها ما ينسيني غضبي ، قد تكون التفاحات أنظف من حاملها ..

إقترب مورياك كثيرا من عيسى ، محاولا أخد القفة من يده اليسرى
و لكن ما إن لامسها حتى وجد اليد اليمنى تطلق عليها ثلاث رصاصات في القلب ، فهوى على الأرض صريعا و في نفس
الوقت أمطر عبد القادر و عمار مدخل المركز بالرصاص و القنابل و سقط الشرطيان بدون حراك .
و إستطاع عيسى أن ينسحب سريعا الى شارع جانبي و كل رجال الشرطة الذين حاولوا اللحاق به وجدوا أنفسهم تحت مرمى النار .
مورياك يسبح في بركة دماء ، و أخيرا وصل المجرم الى نهايته
المحتومة ، لقد تمتع بتعذيب الجزائريين و لم يكن يدري بأنه سيكون ضحية قفة تفاح .
يبدو أن الجبناء كثيرون داخل مركز الشرطة و لم يتمكن أي واحد
منهم من تجاوز مدخل المركز و فجأة تعالى الصرخات من داخله .
- الله أكبر ... الله أكبر ... تحيا الجزائر ... تحيا الجزائر



إنها أصوات المعتقلين داخل المركز ، معاناة التعذيب لم تمنعهم
من التعبير عن فرحتهم بنهاية المجرم مورياك ، و تعالت فيما بعد زغاريد النسوة من العمارات المجاورة ، إنه يوم أسود للمستعمريين
و في لمح البصر إستطاع عمار و عبد القادر أن ينسحبا كل على حدى ، يبدو أن خروج مورياك من مكتبه ساهم في سرعة تنفيذ العملية ، وصلت التعزيزات الأمنية متأخرة ، و إجتمع عشرات من رجال الشرطة حول الضابط مورياك ، الذي شاءت الأقدار أن لا يكمل برنامجه التعذيبي هذا اليوم .




بعد ساعة إلتقى الفدائيون الثلاث في القصبة ، الغرفة الضيقة و النافذة التي تتلاعب بها الرياح ، لم يتغير شيئا في المكان ، ماعدا
نشوة النصر التي بدت على الجميع .
- الحمد لله لقد نجحنا و قضينا على المجرم مورياك و خرجنا بدون خسائر .... قال عبد القادر .
- كنت أفكر في كيفية قتله في مكتبه و لكنه خرج الى أجله
إنها نهاية كل طاغية ... أضاف عيسى
- يا إخوتي إنني أحس اليوم أن الإستقلال أضحى قريبا جدا
أحلم باليوم الذي نعيش فيه بسلام و نتمتع بخيرات بلادنا ... قال عمار.
- على ذكر الخيرات .. هل بقيت تفاحات في القفة يا عيسى ؟ سأل عبد القادر..
- تصوروا بالرغم من كل التفاح الذي وزعته بقي معي أربع تفاحات
تفضلا ، إنها بالفعل لذيذة ، يبدو أن نوعيتها المميزة ساهمت في نجاح عملية اليوم .... قال عيسى
- سبحان الله حتى التفاح يقاتل معنا المستعمر ، إنها بالفعل أرض الثوار ... قال عمار متعجبا ...
- لدي مفاجأة أخرى لكم .... قال عيسى
- لقد توالت الأفراح هات ما عندك يا بطل .....
أدخل عيسى يده تحت لباسه و أخرج مسدس جديد ..
- لقد أخذت مسدس مورياك قبل إنسحابي ...
- رائع إنها غنيمة رائعة ، سوف تسر القيادة كثيرا بهذه الأنباء
سلاح إضافي معناه عمليات أخرى تسند لفدائيين آخرين ... قال عبد القادر .
رائحة التفاح تملأ المكان و أخذ الفدائيون يستعيدون الأحداث و يحاولون تذكر كل التفاصيل ، الإنتصارات لا تهرب من الذاكرة و تبقى دوما في الأذهان ، تفاحة واحدة بقت فوق الطاولة ربما هي الأخرى تستعيد أمجادها و تفكر في مهمات جديدة أو أفواه جديدة .
- أنتظر بفارغ الصبر جرائد الغد لمعرفة رد فعل السلطات الإستعمارية ...
- لا تشغل بالك يا عمار ، لن يعترفوا بشيء ، أنت تعرف بأن الصحافة الإستعمارية تمارس الكذب الفاضح .... قال عيسى

و فجأة سمعت دقات سريعة على الباب ، فتسمر الجميع في أماكنهم
بإستثناء عمار ..

- إنه إسماعيل ، أعرف جيدا دقاته ...
إستعد عبد القادر و عيسى لمواجهة أي طارئ و توجه عمار الى الباب بكل حذر ، و بعد ثواني عاد رفقة الفدائي إسماعيل .
تبادل السلام مع الجميع و جلس معهم و بدى واضحا أنه يحمل أنباءا أو تعليمات جديدة .
- يا إخوتي قيادة الجبهة تبلغكم سلامها و تهنئكم على نصر اليوم
و إن شاء الله تعود علينا هذا الإنتصارات بالهدف المنشود ، الذي لن يكون سوى الإستقلال .
- نحن في خدمة الجبهة و الجزائر ، مورياك دفع ثمن جرائمه و كل المستعمرين أمثاله سوف يدفعون الثمن ... أضاف عبد القادر .

- لقد أتيت أيضا لأطلعكم على العملية الجديدة التي ستنفذونها بالجزائر و التي ستزيد من هزائم المستعمر .... قال إسماعيل .
- نحن مستعدين يا أخي و لكن قبل الدخول في التفاصيل
تفضل هذه التفاحة التي بقيت من عملية اليوم ، أظنها تريد أن تبقى لتشارك معنا في العملية القادمة ... قال عيسى
ضحك الجميع كثيرا لكلام عيسى الغير متوقع ، كانت الثورة تسري بين البشر و الحجر و الشجر ، من أجل هدف واحد طرد المستعمر و إستقلال البلاد
مدونتي:

http://sebgag.maktoobblog.com/

عنواني :

[email protected]