الجنرال خالد نزار ينفي أي تورط للجيش في انتهاكات حقوق الإنسان بالجزائر
04-12-2011, 09:31 AM
الجنرال خالد نزار ينفي أي تورط للجيش في انتهاكات حقوق الإنسان بالجزائر
"وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين."
في محضر جلسة الاستجواب الذي نشرته صحيفة "الوطن" الجزائرية، حاول الجنرال المتقاعد خالد نزار أن ينكر دور الجيش في ارتكاب جرائم ضد المواطنين وشدد على أنه "لم تكن هناك فرق خاصة وأن أغلب التجاوزات هي من صُـنع الجماعات المسلحة، وإن وُجدت بعض التجاوزات فقد عولجت من قبل قوات الأمن". ولقد أنكر خالد نزار أكثر من مرة تورط الجيش وجميع قوات الأمن، والتي كانت تحت وصايته مباشرة، في أية تجاوزات من أي نوع؛ فكل ما صدر من تصريحات وشهادات بهذا الشأن وبشأن الفظائع المرتكبة، ما هي، حسب ادعائه، سوى دعايات مغرضة ومضللة مصدرها الجماعات المسلحة التي ليس لها أية علاقة بالجيش الوطني الشعبي. وخصومه يتهمونه صراحة "بعدم القيام بما من شأنه أن يُوقف ارتكاب هذه الفظائع. فقد كان رئيس هيئة الأركان ثم وزيرا للدفاع وأحد المحرضين على وقف المسار الانتخابي. وهو الذي يكون قد فرض حالة الطوارئ بعد أن أجبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة، دائما حسب خصومه. ومن الناحية المنطقية، هو الذي يكون قد سمح، إن لم يكن قد أمر الوحدات العسكرية المسلحة بممارسة التعذيب. ذلك أن كل مراكز الشرطة والدرك والثكنات العسكرية في كامل التراب الجزائري، مُورست فيها عمليات التعذيب. وقد تحول ذلك إلى تصرف منهجي ولم يعودوا يقدمون الضحايا أمام المحاكم. وحتى بالنسبة للذين تمت إحالتهم على المحاكم، فلم يكونوا يأخذون حتى مجرد الاحتياطات لإخفاء آثار التعذيب أثناء عرضهم على القاضي".
عندما أتصفح الجرائد في هذا البلد، أكاد أطير، ليس فرحا، لأن الفرح في هذا البلد ممنوع على أمثالي، وإنما تغيضا وغضبا. لقد بات مؤكدا الآن أن جرائدنا، سواء منها المعربة والمفرنسة، تعاهدت مع الشيطان – على وزن النظام – على أن تنقل الحقائق كما يراها هو وقبيله لا كما تراها عدساتها؛ صحافتنا تقايض الكذب والزور والبهتان. فلا حديث إلا على أحداث الشغب المصطنعة والتي يسهل إخمادها في أوقات قياسية وبأقل تكلفة: بائع "الدخان" مثلا، يكفي في معظم الحالات للقيام بهذه المهمة وإلا دعم ببائع "الشمة". وفي بعض الحالات تعمد هذه الجرائد إلى التذكير، كي لا ننسى، أن هناك بقايا الإرهاب، والدولة على قدم وساق لمحوه من الوجود، على الأقل ريثما تنتهي العهدة الثالثة ويشرع في التحضير للرابعة إذا استجاب القدر لصاحبها. وحتى في ميدان الرياضة، نجد الأقلام قد جفت إلا عن أقدام المولودية والاتحاد وشبيبة القبائل.. أما القضايا المصيرية والجادة والتي من شأنها أن تعالج الأمراض أو تقي منها، فهي محرمة على جرائدنا بحكم نص "المعاهدة" أو لعجز أصحاب الأقلام على إدراكها وتحليلها؛ وأنى لفاقد الشيء أن يعطيه؟
سابقا، كنت أذرف الدموع حزنا على كل صحفي أغتيل أو صحيفة توقفت أو أوقفت عن الصدور. لم أكن أفهم أو لم أكن أتفهم الأسباب والدواعي الحقيقية وراء قتل أصحاب الأقلام وإيقاف الصحائف عن الصدور.. أما اليوم وقد هرمت والشيب ، فقد فهمت ولكني لا أتفهم كيف يعيش هؤلاء الصحفيون ويقرؤون ما كتبت أيديهم زورا وبهتانا؟ أتعجب كيف نقتني صحفهم ونحن أدرى الناس بحقيقتها.. فهمت أيضا لماذا أصيب ربع الجزائريين بضغط الدم والنسبة نزاعة نحو الارتفاع.. وفهمت كيف تصل الجمالات إلى سدة الحكم وكيف يسكنون على أعصابنا المحترقة ثم نجدد لهم العهد وفاء وإخلاصا...
قرأت لأحد الصحفيين كلاما مثيرا، استهله بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، وتشوقت لهذا الاستهلال في سياق الحديث عن حادثة توقيف الجنرال المتقاعد خالد نزار؛ ومن لا يعرف خالد نزار وهو صاحب المقولة المشهورة في حق الإسلاميين بالجزائر: "سنقضي عليهم.."؟ هذا الصحفي قال بالحرف الواحد: "الجنرال خالد نزار واحد من الذين أنقذوا الجزائر من أيدي المتلاعبين بمصيرها وله كل الفضل في إنهاء المهزلة الانتخابية في جانفي 1992..." ! ولن أزيد على هذا شيئا اتقاء لمزيد من الضغط الدموي.
المجرم خالد نزار وجد في مثل هؤلاء الصحفيين متنفسا له للتمتع بالحديث عن جرائمه في حق الجزائريين. وقال ما معناه إن "الذين يدّعون أن النظام الجزائري نظام فاسد ومجرم وأن قوات الأمن الجزائرية، جيشا وشرطة ودركا، لا ترحم مواطنيها، هم كذابون مرجفون مارقون.. ومن قال إن جيشنا العتيد - سليل جيش التحرير الوطني- وشرطتنا العصرية الوطنية حتى النخاع ودركنا الطائع لنظامه الخداع، ظلمة وطغاة؟ من هذا الذي تسول له نفسه بالتقول على قواتنا؟ أحماة الوطن يعذبون مواطنيهم؟ فجيشنا وشرطتنا ودركنا ينفذون الأوامر في إطار مهامهم المنيطة بهم وأحيانا، وبسبب حبهم الشديد لوطنهم المفدى، يبالغون في تأدية هذه المهام، ليس إلا..
لا يقول مثل هذا الكلام إلا من ذاق مرارتهم واكتوى بناهرهم، وأنا منهم وأشهد أن قوات الأمن، حسب ما رأيت بأمي عيني وما سمعته بأذني وما جمعته من شهادات حية، قد عذبت الجزائريين وتعدت على حرماتهم، وقتّلتهم ظلما وعدوانا. وحدث ذلك قبيل وبعد الإعلان عن حالة الطوارئ يوم 09 فبراير 1992. لقد عذبت واعتدي علي وديست كرامتي مدة عشرين سنة مضت وهذه شهادتي.
في اليوم التاسع من فبراير 1992 على الساعة العاشرة ليلا، وهذا على سبيل المثال فحسب، كنت على شفا حفرة من النوم أصارع النعاس. كانت زوجتي بجنبي تصارع آلاما في بطنها صاحب السبعة أشهر من الحمل. ليلتها كنت معها في وئام ولكني كنت أتوجس خيفة من زوار الليل؛ زوار الليل في الجزائر بلادي، قد يكونون من الجيش أو من الشرطة أو من الدرك، وقد يكونون غير ذلك، تبعا لطبيعة المزور؛ زوجتي لم تكن تعلم شيئا عن ذلك، مع أن شيئا ما كان ينذر بالخطر وحتى خط الهاتف تعطل ذلك اليوم.. لقد سبق أن تعطل الهاتف مرتين وتم اعتقالي بعدهما..
بينما كنت أسترجع ذكرى اعتقالي في المرتين الماضيتين رافضا فكرة الاعتقال هذه المرة، سمعت دوي المحركات تتخلله حركة مثيرة توحي بالسير والقفز أو كما شبه لي من خلال انكسارات الضوء المنبعث من مصابيح السيارات عبر شقق النافذة المطلة على الساحة. إطلالة واحدة عبر شق النافذة كانت كافية لمعرفة ما كان يحصل وما سيحصل في اللحظات القابلة. إنهم زوار الليل؛ من خلال شق في النافذة كنت أتفرج على عملية انتشار عناصر الدرك وهم يشهرون أسلحتهم كأنهم في موقف حصار لجماعة من الأشرار..
وبعد عدة دقات عنيفة مفزعة، تلتها ضربات أظنها بالأرجل، انكسرت الباب جراءها، غمر المنزل عن آخره بزوار الليل من الدرك. يعجز اللسان عن تصوير الموقف؛ مع ذلك لن أنسى تلك الكلمات النابية التي سمعناها معا، أنا وزوجتي وابنتي، والأخرى كانت صبية وقد تكون فهت أيضا؛ ولن أذكر منها هنا إلا ما يسمح به الموقف؛ وأسجل للتاريخ أن قائد الدرك قال لي: "ارفع يديك انعل دين ربك وانعل دين أمك يا ولد ال...". وما آلمني طوال مدة الحجز قول أحدهم: "جيبوه ن.. ومن بعد نرجعو.."، أي "آتوا به سنفعل فيه ونعود إلى أهله". والمضحك المبكي أني عشت سنوات أفكر في هذا الكلام دون أن أجرؤ سؤال زوجتي، هل عاد إليها زوار الليل بعد اعتقالي أم لا. وكتب لي أن أعيش فأبوح بمثل هذا الكلام للسيد فاروق قسنطيني بحضور بعض زملائي المعتقلين، قبل بضعة أشهر فقط؛ يومها أقسمت أمامهم أني سأسأل زوجتي عند عودتي إلى المنزل. وفعلت وكانت الإجابة بالنفي، مشيرة إلى أنها كانت حاملا وقد أجهضت لحظة اعتقالي. مهما يكن فإن الدرك أشبعوني شتما وضربا إلى أن ولوجت داخل سيارتهم وكانت مملوءة بالمعتقلين؛ إحدى تلك الضربات بواسطة أخمس البندقية ما زالت تؤلمني إلى غاية هذه اللحظة.. أما الشتم والسب وما شابه ذلك من اللغو الذي يتفنن فيه الجيش والدرك والشرطة الجزائرية، فقد شبنا معها.
وهنا لا بد من وقفة لأسأل: هل هذا كاف لتجريم خالد نزار الذي كان على رأس القوات المسلحة آنذاك أم ينقصه شيء كي يرتفع إلى مستوى الإجرام؟ مع العلم، وهذا ما عرفته بعد أحد عشر شهرا من الاعتقال، إن زوجتي الحامل في شهرها السابع، قد أجهضت لحظة اعتقالي بعد أن دفعها أحد عناصر الدرك المجرمين ثم جراء الصدمة؛ وهل لي أن أضيف أن الوليد المنتظر كان ثمرة ثماني سنوات من الانتظار؟ ومن يجهل ما معنى الولد عند الأمازيغ، وأنا أمازيغي حتى النخاع؟ يضاف إلى كل ما سبق، وهذا ليس موجها لأمثال خالد نزار الجاهل بالمقادير والمقاييس والمعايير، بل لمن يعرفون قيمة الإنسان بصفاته الإنسانية: لقد تم اعتقالي بصفتي نائبا لرئيس المجلس الشعبي الولائي ومرشحا في الانتخابات التشريعية المجهضة.
كم أتمنى لو توقف الاعتداء عند هذا الحد، على خطورته، فأبذل جهدا للعفو وأدعو الله بالغفران لمن تسبب في ذلك كله، مع أن الجريمة ثابتة وتكفي وحدها، ولكن هذا الذي ذكرته من العذاب، وهو عند خالد نزار وأشباهه إجراء وقائي، بمثابة قطرة في بحر. ذلك أن الذي سيحدث، يخرج عن نطاق التصور البشري للعقلاء. حسب القارئ أن يعرف أن تلك اللحظات المرعبة كانت مقدمة لأحد عشر شهر من الاعتقال بالنسبة إلى (4 سنوات للبعض الآخر)، عشر سنوات من الاضطهاد في ظل الإقامة الجبرية والمنع من التنقل والسفر، توّجت بخمس سنوات من العذاب في الغربة وفي أخبث بقعة في العالم وهي فرنسا، بين سندان الحرمان ومطرقة المخابرات الفرنسية منسقة مع المخابرات الجزائرية. كل هذه السنين من العسر لم تكن لترحم ضناي، إذ رمتني مجددا إلى بلادي الظالم حكامها لأعيش في الذل والمهانة أواجه غلبة الدهر وقهر الرجال إلى هذه اللحظة التي أخالها بوابة لليسر إن شاء الله.
وما هذا إلا جزء من كلّ، ودمعة من بكاء طويل المدى، هرمت معه ومعي زوجتي، وشبّت بناتي ورضع منه ابني الصغير، وما يزال الزمان يقضم جوانحي ويحرق مشاعري. كل هذا والجزائر هي قلبي وحياتي. لي عودة إلى كل هذا بالتفصيل، إذا ترك لي الزمان وقتا أطعم فيه بعضا من اليسر. سأحدثكم عن جزء من مسؤولية العسكر في ما آلت إليه الأمور وعن المأساة الجزائرية. وهذه إليكم خلاصة ما سأحدثكم عنه مستقبلا: فبعد أن خطفني الدرك رفقة عشرة من زملائي كلهم منتخبين إلا اثنان، تم اقتيادنا إلى مقر الدرك أين تم استنطاقنا في ظروف مخزية ثم إلى الثكنة العسكرية الواقعة ببلدية حيزر أين فعلت ببعضنا الأفاعيل ومكثنا هنالك ثلاثة أيام وأربعة ليال في ظروف لا تطاق؛ كنا حوالي 150 معتقلا؛ قيل لنا إن مكوثنا هناك مجرد وقاية من "الإرهاب"؛ والغريب أننا صدقنا كلامهم لأننا كنا فعلا ضد استعمال العنف لاسترداد حقوقنا المهضومة جهارا نهارا. وفي فجر 13 فبراير الذي صادف ذكرى تفجير فرنسا للقنبلة النووية بمنطقة رقان، نقلنا على متن الشاحنات العسكرية مقيدين إلى القاعدة العسكرية ببوفاريك في ظروف وحشية. ومن المطار العسكري هناك، نقلنا جوا مقيدين نحو جهة مجهولة. بعد عدة ساعات من التحليق، نزلنا بمطار رقان حيث أكبر قاعدة عسكرية في الجزائر. والمكان معروف بكونه المرصد النووي الذي تم به الضغط على الزر المفجر لأعظم قنبلة نووية أنتجتها فرنسا. وزج بنا في مستودع للأسلحة مساحته حوالي 10 هكتارات بلغت فيه الحرارة 60 درجة في شهر جوان وكنا نبيت في العراء أو داخل خيام. مكثنا هناك 6 شهور يصعب وصفها، كتبت حولها ما يربو عن ألف صفحة. وبعد قتل بوضياف، وهو الذي أعطى الأوامر بذلك، تم تحويلنا إلى منطقة تبرغامين فوق الشاحنات ثم في الحافلات مقيدين بالسلاسل. وهناك حشرنا في مستودعات وضعت تحت حراسة مشددة للعسكر. ومكثنا ثلاثة أشهر ثم نقلنا على الشاحنات مقيدين نحو منطقة تسابيت القريبة من أدرار؛ للتذكير إن بوضياف كان معتقلا في هذا المكان سنة 1963 وقيل لنا إنه هو الذي أمر بذلك ثارا، كأننا أنصار لبن بلة أو بومدين.. واليوم يدّعي المدعون إن الجيش بريء من التجاوزات ومن جميع أشكال التعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان؛ اللهم إلا إذا كان أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ من غير طينة الإنسان.. فمن نكون إذن وما معنى التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان؟
ختاما، قد يسألني سائل فيقول: هل وجود المجرمين في صفوف الجيش يسوغ لنا هدم البلد؟ فأجيب: لا بالتأكيد. وهل وجود عسكريين فاسدين في الجيش يتعاطون الرشوة ويبيضون الأموال يجعلنا نفكر في تفكيكه؟ فأجيب بلا أيضا. ونفس السؤال يطرح فيما يخص المخابرات العسكرية وما يدور حولها من كلام غث وسمين: هل يحق لنا أن ندعو إلى القضاء عليها لمجرد أنها تضم في صفوفها مجرمين حقيقيين ولكنهم، وهذه هي المعضلة، بقدر إجرامهم يقدمون خدمات جليلة لهذا الوطن، إن عن حسن أو سوء نية؟ لنقل للناس إننا واعون بكل ذلك ولكننا لا نخرب بيوتنا بأيدينا. هذا هو جوهر ما أردت أن أقوله من صميم قلبي وأنا الذي عانيت جراء تصرفات هؤلاء المجرمين، مع ذلك لن أشارك ولو بالسكوت في هدم ركن من أركان بيت اسمه الجيش الوطني الشعبي ولو نهب كل أموال الجزائر ما دام يحافظ على الجزائر.
هذه عقيدتي وهذه طريقة تفكيري علمتني إياها بلادي.
البويرة في 03 ديسمبر 2011|
العيد دوان
"وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين."
في محضر جلسة الاستجواب الذي نشرته صحيفة "الوطن" الجزائرية، حاول الجنرال المتقاعد خالد نزار أن ينكر دور الجيش في ارتكاب جرائم ضد المواطنين وشدد على أنه "لم تكن هناك فرق خاصة وأن أغلب التجاوزات هي من صُـنع الجماعات المسلحة، وإن وُجدت بعض التجاوزات فقد عولجت من قبل قوات الأمن". ولقد أنكر خالد نزار أكثر من مرة تورط الجيش وجميع قوات الأمن، والتي كانت تحت وصايته مباشرة، في أية تجاوزات من أي نوع؛ فكل ما صدر من تصريحات وشهادات بهذا الشأن وبشأن الفظائع المرتكبة، ما هي، حسب ادعائه، سوى دعايات مغرضة ومضللة مصدرها الجماعات المسلحة التي ليس لها أية علاقة بالجيش الوطني الشعبي. وخصومه يتهمونه صراحة "بعدم القيام بما من شأنه أن يُوقف ارتكاب هذه الفظائع. فقد كان رئيس هيئة الأركان ثم وزيرا للدفاع وأحد المحرضين على وقف المسار الانتخابي. وهو الذي يكون قد فرض حالة الطوارئ بعد أن أجبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة، دائما حسب خصومه. ومن الناحية المنطقية، هو الذي يكون قد سمح، إن لم يكن قد أمر الوحدات العسكرية المسلحة بممارسة التعذيب. ذلك أن كل مراكز الشرطة والدرك والثكنات العسكرية في كامل التراب الجزائري، مُورست فيها عمليات التعذيب. وقد تحول ذلك إلى تصرف منهجي ولم يعودوا يقدمون الضحايا أمام المحاكم. وحتى بالنسبة للذين تمت إحالتهم على المحاكم، فلم يكونوا يأخذون حتى مجرد الاحتياطات لإخفاء آثار التعذيب أثناء عرضهم على القاضي".
عندما أتصفح الجرائد في هذا البلد، أكاد أطير، ليس فرحا، لأن الفرح في هذا البلد ممنوع على أمثالي، وإنما تغيضا وغضبا. لقد بات مؤكدا الآن أن جرائدنا، سواء منها المعربة والمفرنسة، تعاهدت مع الشيطان – على وزن النظام – على أن تنقل الحقائق كما يراها هو وقبيله لا كما تراها عدساتها؛ صحافتنا تقايض الكذب والزور والبهتان. فلا حديث إلا على أحداث الشغب المصطنعة والتي يسهل إخمادها في أوقات قياسية وبأقل تكلفة: بائع "الدخان" مثلا، يكفي في معظم الحالات للقيام بهذه المهمة وإلا دعم ببائع "الشمة". وفي بعض الحالات تعمد هذه الجرائد إلى التذكير، كي لا ننسى، أن هناك بقايا الإرهاب، والدولة على قدم وساق لمحوه من الوجود، على الأقل ريثما تنتهي العهدة الثالثة ويشرع في التحضير للرابعة إذا استجاب القدر لصاحبها. وحتى في ميدان الرياضة، نجد الأقلام قد جفت إلا عن أقدام المولودية والاتحاد وشبيبة القبائل.. أما القضايا المصيرية والجادة والتي من شأنها أن تعالج الأمراض أو تقي منها، فهي محرمة على جرائدنا بحكم نص "المعاهدة" أو لعجز أصحاب الأقلام على إدراكها وتحليلها؛ وأنى لفاقد الشيء أن يعطيه؟
سابقا، كنت أذرف الدموع حزنا على كل صحفي أغتيل أو صحيفة توقفت أو أوقفت عن الصدور. لم أكن أفهم أو لم أكن أتفهم الأسباب والدواعي الحقيقية وراء قتل أصحاب الأقلام وإيقاف الصحائف عن الصدور.. أما اليوم وقد هرمت والشيب ، فقد فهمت ولكني لا أتفهم كيف يعيش هؤلاء الصحفيون ويقرؤون ما كتبت أيديهم زورا وبهتانا؟ أتعجب كيف نقتني صحفهم ونحن أدرى الناس بحقيقتها.. فهمت أيضا لماذا أصيب ربع الجزائريين بضغط الدم والنسبة نزاعة نحو الارتفاع.. وفهمت كيف تصل الجمالات إلى سدة الحكم وكيف يسكنون على أعصابنا المحترقة ثم نجدد لهم العهد وفاء وإخلاصا...
قرأت لأحد الصحفيين كلاما مثيرا، استهله بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، وتشوقت لهذا الاستهلال في سياق الحديث عن حادثة توقيف الجنرال المتقاعد خالد نزار؛ ومن لا يعرف خالد نزار وهو صاحب المقولة المشهورة في حق الإسلاميين بالجزائر: "سنقضي عليهم.."؟ هذا الصحفي قال بالحرف الواحد: "الجنرال خالد نزار واحد من الذين أنقذوا الجزائر من أيدي المتلاعبين بمصيرها وله كل الفضل في إنهاء المهزلة الانتخابية في جانفي 1992..." ! ولن أزيد على هذا شيئا اتقاء لمزيد من الضغط الدموي.
المجرم خالد نزار وجد في مثل هؤلاء الصحفيين متنفسا له للتمتع بالحديث عن جرائمه في حق الجزائريين. وقال ما معناه إن "الذين يدّعون أن النظام الجزائري نظام فاسد ومجرم وأن قوات الأمن الجزائرية، جيشا وشرطة ودركا، لا ترحم مواطنيها، هم كذابون مرجفون مارقون.. ومن قال إن جيشنا العتيد - سليل جيش التحرير الوطني- وشرطتنا العصرية الوطنية حتى النخاع ودركنا الطائع لنظامه الخداع، ظلمة وطغاة؟ من هذا الذي تسول له نفسه بالتقول على قواتنا؟ أحماة الوطن يعذبون مواطنيهم؟ فجيشنا وشرطتنا ودركنا ينفذون الأوامر في إطار مهامهم المنيطة بهم وأحيانا، وبسبب حبهم الشديد لوطنهم المفدى، يبالغون في تأدية هذه المهام، ليس إلا..
لا يقول مثل هذا الكلام إلا من ذاق مرارتهم واكتوى بناهرهم، وأنا منهم وأشهد أن قوات الأمن، حسب ما رأيت بأمي عيني وما سمعته بأذني وما جمعته من شهادات حية، قد عذبت الجزائريين وتعدت على حرماتهم، وقتّلتهم ظلما وعدوانا. وحدث ذلك قبيل وبعد الإعلان عن حالة الطوارئ يوم 09 فبراير 1992. لقد عذبت واعتدي علي وديست كرامتي مدة عشرين سنة مضت وهذه شهادتي.
في اليوم التاسع من فبراير 1992 على الساعة العاشرة ليلا، وهذا على سبيل المثال فحسب، كنت على شفا حفرة من النوم أصارع النعاس. كانت زوجتي بجنبي تصارع آلاما في بطنها صاحب السبعة أشهر من الحمل. ليلتها كنت معها في وئام ولكني كنت أتوجس خيفة من زوار الليل؛ زوار الليل في الجزائر بلادي، قد يكونون من الجيش أو من الشرطة أو من الدرك، وقد يكونون غير ذلك، تبعا لطبيعة المزور؛ زوجتي لم تكن تعلم شيئا عن ذلك، مع أن شيئا ما كان ينذر بالخطر وحتى خط الهاتف تعطل ذلك اليوم.. لقد سبق أن تعطل الهاتف مرتين وتم اعتقالي بعدهما..
بينما كنت أسترجع ذكرى اعتقالي في المرتين الماضيتين رافضا فكرة الاعتقال هذه المرة، سمعت دوي المحركات تتخلله حركة مثيرة توحي بالسير والقفز أو كما شبه لي من خلال انكسارات الضوء المنبعث من مصابيح السيارات عبر شقق النافذة المطلة على الساحة. إطلالة واحدة عبر شق النافذة كانت كافية لمعرفة ما كان يحصل وما سيحصل في اللحظات القابلة. إنهم زوار الليل؛ من خلال شق في النافذة كنت أتفرج على عملية انتشار عناصر الدرك وهم يشهرون أسلحتهم كأنهم في موقف حصار لجماعة من الأشرار..
وبعد عدة دقات عنيفة مفزعة، تلتها ضربات أظنها بالأرجل، انكسرت الباب جراءها، غمر المنزل عن آخره بزوار الليل من الدرك. يعجز اللسان عن تصوير الموقف؛ مع ذلك لن أنسى تلك الكلمات النابية التي سمعناها معا، أنا وزوجتي وابنتي، والأخرى كانت صبية وقد تكون فهت أيضا؛ ولن أذكر منها هنا إلا ما يسمح به الموقف؛ وأسجل للتاريخ أن قائد الدرك قال لي: "ارفع يديك انعل دين ربك وانعل دين أمك يا ولد ال...". وما آلمني طوال مدة الحجز قول أحدهم: "جيبوه ن.. ومن بعد نرجعو.."، أي "آتوا به سنفعل فيه ونعود إلى أهله". والمضحك المبكي أني عشت سنوات أفكر في هذا الكلام دون أن أجرؤ سؤال زوجتي، هل عاد إليها زوار الليل بعد اعتقالي أم لا. وكتب لي أن أعيش فأبوح بمثل هذا الكلام للسيد فاروق قسنطيني بحضور بعض زملائي المعتقلين، قبل بضعة أشهر فقط؛ يومها أقسمت أمامهم أني سأسأل زوجتي عند عودتي إلى المنزل. وفعلت وكانت الإجابة بالنفي، مشيرة إلى أنها كانت حاملا وقد أجهضت لحظة اعتقالي. مهما يكن فإن الدرك أشبعوني شتما وضربا إلى أن ولوجت داخل سيارتهم وكانت مملوءة بالمعتقلين؛ إحدى تلك الضربات بواسطة أخمس البندقية ما زالت تؤلمني إلى غاية هذه اللحظة.. أما الشتم والسب وما شابه ذلك من اللغو الذي يتفنن فيه الجيش والدرك والشرطة الجزائرية، فقد شبنا معها.
وهنا لا بد من وقفة لأسأل: هل هذا كاف لتجريم خالد نزار الذي كان على رأس القوات المسلحة آنذاك أم ينقصه شيء كي يرتفع إلى مستوى الإجرام؟ مع العلم، وهذا ما عرفته بعد أحد عشر شهرا من الاعتقال، إن زوجتي الحامل في شهرها السابع، قد أجهضت لحظة اعتقالي بعد أن دفعها أحد عناصر الدرك المجرمين ثم جراء الصدمة؛ وهل لي أن أضيف أن الوليد المنتظر كان ثمرة ثماني سنوات من الانتظار؟ ومن يجهل ما معنى الولد عند الأمازيغ، وأنا أمازيغي حتى النخاع؟ يضاف إلى كل ما سبق، وهذا ليس موجها لأمثال خالد نزار الجاهل بالمقادير والمقاييس والمعايير، بل لمن يعرفون قيمة الإنسان بصفاته الإنسانية: لقد تم اعتقالي بصفتي نائبا لرئيس المجلس الشعبي الولائي ومرشحا في الانتخابات التشريعية المجهضة.
كم أتمنى لو توقف الاعتداء عند هذا الحد، على خطورته، فأبذل جهدا للعفو وأدعو الله بالغفران لمن تسبب في ذلك كله، مع أن الجريمة ثابتة وتكفي وحدها، ولكن هذا الذي ذكرته من العذاب، وهو عند خالد نزار وأشباهه إجراء وقائي، بمثابة قطرة في بحر. ذلك أن الذي سيحدث، يخرج عن نطاق التصور البشري للعقلاء. حسب القارئ أن يعرف أن تلك اللحظات المرعبة كانت مقدمة لأحد عشر شهر من الاعتقال بالنسبة إلى (4 سنوات للبعض الآخر)، عشر سنوات من الاضطهاد في ظل الإقامة الجبرية والمنع من التنقل والسفر، توّجت بخمس سنوات من العذاب في الغربة وفي أخبث بقعة في العالم وهي فرنسا، بين سندان الحرمان ومطرقة المخابرات الفرنسية منسقة مع المخابرات الجزائرية. كل هذه السنين من العسر لم تكن لترحم ضناي، إذ رمتني مجددا إلى بلادي الظالم حكامها لأعيش في الذل والمهانة أواجه غلبة الدهر وقهر الرجال إلى هذه اللحظة التي أخالها بوابة لليسر إن شاء الله.
وما هذا إلا جزء من كلّ، ودمعة من بكاء طويل المدى، هرمت معه ومعي زوجتي، وشبّت بناتي ورضع منه ابني الصغير، وما يزال الزمان يقضم جوانحي ويحرق مشاعري. كل هذا والجزائر هي قلبي وحياتي. لي عودة إلى كل هذا بالتفصيل، إذا ترك لي الزمان وقتا أطعم فيه بعضا من اليسر. سأحدثكم عن جزء من مسؤولية العسكر في ما آلت إليه الأمور وعن المأساة الجزائرية. وهذه إليكم خلاصة ما سأحدثكم عنه مستقبلا: فبعد أن خطفني الدرك رفقة عشرة من زملائي كلهم منتخبين إلا اثنان، تم اقتيادنا إلى مقر الدرك أين تم استنطاقنا في ظروف مخزية ثم إلى الثكنة العسكرية الواقعة ببلدية حيزر أين فعلت ببعضنا الأفاعيل ومكثنا هنالك ثلاثة أيام وأربعة ليال في ظروف لا تطاق؛ كنا حوالي 150 معتقلا؛ قيل لنا إن مكوثنا هناك مجرد وقاية من "الإرهاب"؛ والغريب أننا صدقنا كلامهم لأننا كنا فعلا ضد استعمال العنف لاسترداد حقوقنا المهضومة جهارا نهارا. وفي فجر 13 فبراير الذي صادف ذكرى تفجير فرنسا للقنبلة النووية بمنطقة رقان، نقلنا على متن الشاحنات العسكرية مقيدين إلى القاعدة العسكرية ببوفاريك في ظروف وحشية. ومن المطار العسكري هناك، نقلنا جوا مقيدين نحو جهة مجهولة. بعد عدة ساعات من التحليق، نزلنا بمطار رقان حيث أكبر قاعدة عسكرية في الجزائر. والمكان معروف بكونه المرصد النووي الذي تم به الضغط على الزر المفجر لأعظم قنبلة نووية أنتجتها فرنسا. وزج بنا في مستودع للأسلحة مساحته حوالي 10 هكتارات بلغت فيه الحرارة 60 درجة في شهر جوان وكنا نبيت في العراء أو داخل خيام. مكثنا هناك 6 شهور يصعب وصفها، كتبت حولها ما يربو عن ألف صفحة. وبعد قتل بوضياف، وهو الذي أعطى الأوامر بذلك، تم تحويلنا إلى منطقة تبرغامين فوق الشاحنات ثم في الحافلات مقيدين بالسلاسل. وهناك حشرنا في مستودعات وضعت تحت حراسة مشددة للعسكر. ومكثنا ثلاثة أشهر ثم نقلنا على الشاحنات مقيدين نحو منطقة تسابيت القريبة من أدرار؛ للتذكير إن بوضياف كان معتقلا في هذا المكان سنة 1963 وقيل لنا إنه هو الذي أمر بذلك ثارا، كأننا أنصار لبن بلة أو بومدين.. واليوم يدّعي المدعون إن الجيش بريء من التجاوزات ومن جميع أشكال التعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان؛ اللهم إلا إذا كان أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ من غير طينة الإنسان.. فمن نكون إذن وما معنى التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان؟
ختاما، قد يسألني سائل فيقول: هل وجود المجرمين في صفوف الجيش يسوغ لنا هدم البلد؟ فأجيب: لا بالتأكيد. وهل وجود عسكريين فاسدين في الجيش يتعاطون الرشوة ويبيضون الأموال يجعلنا نفكر في تفكيكه؟ فأجيب بلا أيضا. ونفس السؤال يطرح فيما يخص المخابرات العسكرية وما يدور حولها من كلام غث وسمين: هل يحق لنا أن ندعو إلى القضاء عليها لمجرد أنها تضم في صفوفها مجرمين حقيقيين ولكنهم، وهذه هي المعضلة، بقدر إجرامهم يقدمون خدمات جليلة لهذا الوطن، إن عن حسن أو سوء نية؟ لنقل للناس إننا واعون بكل ذلك ولكننا لا نخرب بيوتنا بأيدينا. هذا هو جوهر ما أردت أن أقوله من صميم قلبي وأنا الذي عانيت جراء تصرفات هؤلاء المجرمين، مع ذلك لن أشارك ولو بالسكوت في هدم ركن من أركان بيت اسمه الجيش الوطني الشعبي ولو نهب كل أموال الجزائر ما دام يحافظ على الجزائر.
هذه عقيدتي وهذه طريقة تفكيري علمتني إياها بلادي.
البويرة في 03 ديسمبر 2011|
العيد دوان
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة العيد دوان ; 05-12-2011 الساعة 02:11 PM