نحو الرجوع إلى فكرة "الإمام الدرويش".
06-12-2012, 03:37 PM
نحو الرجوع إلى فكرة "الإمام الدرويش".
لا أدري إن كنت فهمت كلام "معالي" وزير الشئون الدينية والأوقاف الذي نقلته إحدى الصحف مؤخرا على وجهه حين قال أنه ابتداء من السنة الجارية لن يوظف أي أحد بالمسجد إلا خريجو معاهد تكوين الأئمة المتخصصة ، والمقصود معاهد تكوين الأئمة التي تخرج كل عام مئات من الملتحقين بمنصب "إمام معلم"، إذ لو صح الكلام عنه، وصح فهمي لذاك الكلام، فهو رسالة مبطنة إلى حاملي شهادات الليسانس في العلوم الإسلامية أن يحجزوا لأنفسهم أمكنة في الأرصفة والساحات العمومية لبيع "الكاوكاو"، فإن وزارة الشئون الدينية ما عادت ترغب في توظيفهم.وليست هذه المرة الأولى التي يتحامل فيها معالي الوزير ومن لف لفه على الأئمة خريجي الجامعات (الأئمة الأساتذة حسب التسمية القانونية)، وأظن أن الأمر لو كان بيده لحرمهم من حق التوظيف في الإمامة، ولـ" طهر" هذا السلك من كل جامعي ومثقف!
لماذا يُضايق الأئمة الجامعيون من وزارة الشئون الدينية، ولماذا يغازل المسئولون في هذه الوزارة أئمة المعاهد الذين يُطالبون بمستوى الثالثة ثانوي (فقط!) للالتحاق بمسابقات الدخول إلى هذه المعاهد؟ مع أن السير الطبيعي للأمور يقتضي أن يزداد الاهتمام بالجامعيين.
قبل الجواب عن هذا السؤال المحير، ينبغي بيان أن من أئمة المعاهد كفاءات نفيسة من أبناء هذا البلد المبارك، منهم مرابطون في مساجد في رءوس الجبال والقرى النائية والصحارى القاحلة، صابرون على أعباء الدعوة إلى الله تعالى، ومنهم من ثابر على تكوين نفسه-بعد توظيفه- فنال أعلى الشهادات الجامعية ليس في علوم الشريعة فقط بل في علوم أخرى، وأعرف من هؤلاء طائفة أعانهم الله تعالى ووفقهم لما فيه خير الدين والبلاد.
لكن منهم كثير، وبالأخص في المعاهد البعيدة عن العاصمة حيث لا حسيب ولا رقيب، وحيث تمتد "بركات" شيوخ الزوايا ويشتد نفوذ "اللوبي" الطرقي، منهم كثير ممن يمكن أن نسميهم مشاريع "أئمة دراويش"!
معاهد تكوين الأئمة مؤسسات تابعة مباشرة لوزارة الشئون الدينية، بمعنى أن الوزارة تفعل فيها ما تشاء: تقبل من تريد، وتقصي من تريد، من أجل ذلك حشدت وزارتنا حشودا من طلبة الزوايا، وإياك أن تفهم من قولي "زوايا" زوايا العلم والقرآن، وإنما زوايا الدروشة بكل مظاهرها: من شركيات وبدع وخرافات وزردات ووعدات و"هردات" و"وخدات" على حد تعبير الشيخ أحمد حماني -رحمه الله-، حشدت من هذه الزوايا (المظلمة) حشودا ممن التحق بها من مرتزقة العمل الديني، والآكلين بكتاب الله تعالى، وبوأتهم مقاعد في معاهدها، وتنازلت لهم حتى عن شرط الثالثة ثانوي حسب القانون الأساسي الأخير.
فماذا ينتظر من هؤلاء إذا تخرجوا وصاروا أئمة؟ هل ينتظر منهم خدمة المجتمع ومحاربة الانحرافات؟ هل ينتظر منهم وقاية الجزائريين من المذاهب الهدامة والأهواء الرديئة؟ هل ينتظر منهم مجادلة المنصرين والرافضة والتكفيريين؟ إن "الإمام الدرويش" الذي تصبو إليه بعض الأطراف في وزارة الشئون الدينية، وتعطيه الشرعية القانونية عبر بعض معاهدها هو الإمام الذي نشأ في الدروشة وتربى عليها، هو الإمام الذي يأكل بقراءة القرآن على الأموات، ويرتزق بكتابة الحروز، هو الإمام الذي يُنَفِّذ من غير مناقشة، ويرى في الوزير والمدير والمفتش وجها آخر لشيخ الزاوية ومقدمها ونقيبها، وما أطرف ما علق بهم أحد الأفاضل على هذا النهج المنتهج من وزارتنا للشئون الدينية: "إنهم يريدون أئمة لو أمروا بأداء خطبة الجمعة بـ:"الشورت" لامتثلوا"!!
أما أئمة الجامعات أو الأئمة الأساتذة حسب التسمية القانونية، فهم "وجع رأس" للوزير ومن دار في فلكه، لأنه درسوا على أساتذة ودكاترة في الجامعات، علموهم النقد والتمحيص والمنهج العلمي، لأنهم قرءوا كتب علماء الإسلام ومفكريه، وطالعوا آراء المصلحين، فهم لا يؤمنون بـ"الغول"! ولا يعترفون بالقدرات "الخارقة" لشيخ الزاوية، ولا يطوفون بالقبور، ولا يتمسحون بالعتبات، ولا يتلون "صلاة الفاتح" التي يعتبر الدراويش تلاوتها خيرا من تلاوة كتاب الله!
فماذا ينتظر من هؤلاء إن صاروا أئمة؟ ينتظر منهم أن يبصروا الناس بالبدع والشركيات، ويبطلوا المخاريق والخزعبلات، ويربطوا الناس بالكتاب والسنة، أئمة يناقشون و يداخلون ويحللون، أئمة يفضحون مروق وزارتنا في حالات عديدة عن المرجعية الوطنية مع أنها نصبت نفسها "الراعي الرسمي" للمذهب المالكي في بلدنا، أئمة يخلعون رداء القدسية المزيفة التي يتوارى بها سدنة القبور والمقامات وكهنوت الطرق الصوفية، أئمة يدافعون عن حقوقهم، ويشكلون نقابات وجمعيات، أئمة يكتبون في الصحف ويتحدثون إلى وسائل الإعلام...
وفي ذلك رزية وأي رزية لشيوخ الزوايا والطرقيين، والحامي الرسمي لمصالحهم معالي الوزير-قدس الله سره!-، فالأئمة عند هؤلاء ينبغي أن يكونوا كالمريدين "مسلمين مكتفين" ينفذون ولا يناقشون، والوزير كالولي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون!
لأجل هذا كان التحامل على أئمة الجامعات والتعويل على أئمة المعاهد، حتى يكون تقدم سلك الأئمة...إلى الوراء! فهذه هي إذا مشاريع بعض المتنفذين في وزارة الشئون الدينية والأوقاف فيما يخص الأئمة ومساجد الأمة، مشروع "الإمام الدرويش"، ومشروع مساجد "صل وارفد صباطك"، ومشروع "الخطب المُنَوّمَة"..كان الله تعالى لهذه الأمة المسكينة، وأعان الله تعالى المصلحين!
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!