آداب المواكلة
27-06-2016, 10:46 PM
أيها الأفاضل السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته،

يخطيء كثير منا حين يظن أن ما بلغه إنسان هذا الزمان هو أكثر أدبا في مجالسته غيره و مواكلتهم حتى يظن أنه أحيانا قد يكون مبالغاً في تكلف المراقبة الذاتية في حضرة الأقارب و الأغراب بما يسمى بالإتكيت مما كان عليه اسلافه في الأزمان الماضية ، بل حتى من سبقونا كان لهم اهتمام بهذه الأمور قد يدهشنا أحيانا
و إليكم بعض ما أورده أبو البركات الغزي في كتابه عن اداب المواكلة ذكر فيه جملة من الصفات الشنيعة عند الأكل مما قد يصحح أفكارنا :


المشنع
والمشنع: وهو الذي يجعل ما ينفيه عن طعامه من عظام أو نوى تمر وغيره بين يدي جاره تشنيعا عليه بكثرة الأكل. حكى أن متلاحيين حضرا على مائدة بعض الرؤساء، فقدم لهما رطب، فجعل أحدهما كلما أكل جعل النوى بين يدي الآخر حتى اجتمع بين يديه ما ليس بين يدي أحد من الحاضرين مثله؛ فالتفت الأول إلى رب المنزل، وقال: ألا ترى يا سيدنا ما أكثر أكل فلان الرطب! فإن بين يديه من النوى ما يفضل به الجماعة، فالتفت إليه صاحبه، وقال: أما أنا أصلحك الله فقد أكلت كما قال رطبا كثيرا، ولكن هذا الأحمق قد أكل الرطب بنواه، فضحك الجماعة وخجل المشنع.

المتثاقل
والمتثاقل: هو الذي يدعى فيجيب، ويوثق منه بالوفاء، ثم يتأخر عن الداعي الملهوف حتى يجيعه، ويجيع إخوانه، وينكد عليهم، فجزاء هذا بعد الاستظهار عليه بالحجج وإعادة الرسول إليه أن يستأثر الإخوان بالمؤاكلة دونه معتمدين بذلك الاستحقاق به ليؤدبوه إن كان فيه مسكة، أو ينبهوه إن كان له فطنة. وقد جاء في الخبر في إجابة الداعي وترك التأخر عنه قوله صلى الله عليه و سلم: (من دعي إلى طعام فليجب، إن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل).

فإذا كان الصائم قد أمر بالإجابة، فكيف بالمفطر، ومن أجاب ثم تأخر؟! وقد ناب ذلك جحظة البرمكي من فتى، فكتب إليه: تأخرت حتى كدرت الرسول وحتى سمت من الانتظار؛ وأوحشت إخوانك المستعدين، وأفحجتهم كشباب النهار وأضرمت بالجوع أحشاءهم بنار تزيد على كل نار؛ ويقال: ثلاثة تضني، سراج لا يضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر بها من يجيء.

المدمع
والمدمع: هو المتناول الطعام الحار، ولا يصبر عليه إلى أن يبرد، فيتناول اللقمة، فيخلف ظنه في احتمال حرارتها، فتدمع عيناه عند احتراق فمه، وربما اضطر إلى إخراجها من فيه أو إلى ابتلاعها بجرعة ماء بارد مهما يحصل من إحراقها معدته.

المبلغ
والمبلغ: هو الذي لا ينهنه اللقمة في فيه حتى يبلعها قبل تكامل طحنها. فإن ذلك مع كونه من أكبر علامات الشره والنهم، يضر من وجهين: أحدهما: أن الطعام إذا لم يطحن بالأضراس ناعما كان أقل تغذية وتقوية.
الثاني: تكليف المعدة هضم ما لا ينسحق وتنفصل أجزاؤه؛ وربما يغص فيحتاج لشرب الماء في أثناء الأكل وتزفير الإناء.

المقطع
والمقطع: ويسمى القطاع، وهو الذي إذا تناول اللقمة بيده استكبرها، فعض على نصفها، ويعاود غمس النصف الآخر في الطعام ويأكله.

المبعبع
والمبعبع: هو الذي إذا أراد الكلام لم يصبر إلى أن يبلع اللقمة؛ لكنه يتكلم في حال المضغ فيبعبع كالجمل، ولا يكاد يتفسر كلامه، وخصوصا مع كبر اللقمة.

المفرقع
والمفرقع: هو الذي لا يضم شفتيه عند المضغ، فيسمع لأشداقه صوت من باب بيته؛ وربما ينتثر المأكول من اشداقه، والأدب أن لا يسمعه الأقرب إليه.

الرشاف
والرشاف: هو الذي يجعل اللقمة في فمه ويرشفها، فيسمع له ساعة البلع حسا لا يخفى على أحد.

الدفاع
والدفاع: هو الذي إذا جعل اللقمة في فيه أدخل معها بعض سبابته، كأنه يدفعها بها.

اللطاع
واللطاع: ويسمى اللحاس، وهو الذي يلحس أصابعه ليميط عنها ودك الطعام قبل أن يفرغ من الأكل، ثم يعيدها للطعام، أما بعد الفراغ فلا بأس به، على أن لا يعاود، وأفضل الحالين تعهد الأصابع بما تمسح به كل وقت كمئزر المائدة.

المعطاش
والمعطاش: هو الذي إذا عطش، وفي فمه لقمة، لا يصبر حتى يبلعها، ثم يشرب، بل يمسكها في شدقه، ثم يشرب الماء، ثم يعاود إلى مضغها

النفاخ
والنفاخ: هو الذي يتناول اللقمة الحارة فينفخها بفيه ابتغاء تبريدها، وكان سبيله الكف عن الطعام إلى أن يمكنه تناوله.

الممتد
والممتد: هو الذي يأكل من صحيفة بعيدة عنه، فيحتاج إلى مد باعه والتزحزح نحوها.

الجراف
والجراف: هو الذي يضع اللقمة في جانب الزبدية، ويجرف بها إلى الجانب الآخر.

المزفر
والمزفر: هو الذي يستدعي الماء في حال الأكل ويتناول عروة الشربة، والأدب أن يسمح أصابعه بالمئزر نعما، ثم يتناول عروة الشربة بخنصره، أو يمسك كعبها، أو يتناول الشربة بالخنصرين والبنصرين جميعا.

المدسم
والمدسم: هو الذي يملأ المحل بالدسم بتغميسه اللحم فيه.

المغثي
والمغثي: وهو الذي يملأ ذقنه بالزفر لعدم ضبطه فمه أو يده عند وضعها في فمه، فترى الزفر، وقد قطر من شاربه، والذي منخره يتنحنح، فتارة ينفخ، وتارة ينشقن وتارة يمتخط.

المقزز
والمقزز: هو الذي يتحدث على المائدة بما تشمئز نفوس مؤاكليه من سمعه، كمن يذكر أخبار المرضى والمسهولين والدمامل والقيح والقيء والبراز والمخاط ونحو ذلك؛ والذي يكثر من التمخط والتنهع والبصق ومسح العين إذا جلس على الأكل.

العائب
والعائب: هو الذي ينبه على بعض عيوب الطعام، فيقول: هذا شواء أحرقه الشواء، وهذه هريسة جيدة، لولا أنها سمراء، وهذا طبيخ كثير الملح أو قليل الحمض أو الحلو.

المستبد
والمستبد: هو الذي يستبد بالملعقة دون مؤاكليه أو بغيرها مما يجري هذا المجرى.

المهمل
والمهمل: هو الذي لا يراعي من بجانبه، والأدب أن يؤثره في بعض ما يستطاب من لحم ونحوه، وأن يعرض عليه الشرب قبله عند تناوله الشربة؛ وأما الرئيس فمن أدبه في المؤاكلة تقديم النوالات إلى مؤاكليه.

الجملي
والجملي: هو الذي لخشيته من تنقيط المرق على أثوابه يمد رقبته، ويتطاول إلى قدام كالجمل حتى ينقط ما يقطر من فيه على المائدة أو المئزر.

الواثب
والواثب: وهو الذي ينهض ويثب ويتحرك عند وضع اللقمة حتى يكاد تسقط عنه عمامته؛ ويسمى أيضا بالمختل.

المخرب
والمخرب: هو الذي إذا أكل من صحيفة لم يبق فيها إلا العظام؛ فإنه يأكل أي لحمة رآها وأطايب الطعام، ولا يلتفت لغيره كأنما ليس عند الطعام غيره.

المصفف
والمصفف: وهو الذي يقوم ويتشمر عند حضور المائدة، ويصفف الصحاف والأطعمة يوهم أن هذا خدمة للحاضرين، وليس كذلك، بل لينظر في الألوان ليجعل الطيب في مكانه

الطفيلي
والطفيلي معروف: وهو من يحضر إلى الدعوة من غير أن يدعى، والتطفيل حرام.

المستهلك
والمستهلك: هو الذي يهلك أضراسه بشرب الماء عقب الحلواء أو الماء الصادق البرد عقب الطعام الحار إلا من إبريق، وكذلك الشرب على الهرايس والأكارع ونحوها والفاكهة الرطبة، فليس من آداب المؤاكلة، لأن فاعل ذلك ينسب إلى الجهل، وأصحابه يعيبون عليه ذلك.


و غير ذلك كثير مما لا ينتبه الناس له عند مواكلة غيرهم، فيؤذون أنفسهم و غيرهم و حتى صاحب الدار الذي استضافهم، و هي صفات مذمومة لا زالت موجودة بل هي أشنع مما كانت عليه في ذلك الزمان.