أركان العبادة ( المحبة - الخوف - الرجاء )
10-02-2009, 12:59 PM
الحمد لله رب العالمين خالق الأولين والآخرين ومعبود من في السموات والأرضين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

أعظم ما يجب على العبيد معرفة الله - سبحانه - وإخلاص العبادة للرب الحميد القائل في كتابه المجيد
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]
فغاية الخلق هي العبادة وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومن أنواعها الدعاء والتوكل والرهبة والخشوع والإنابة وغيرها والله - سبحانه - لا يرضى أن يصرف شيء من هذه إلى غيره ومن صرف منها شيء فهو مشرك كافر مستحق للخلود في النار إذا مات على ذلك فهذا نوع من أنواع الخروج عن العبودية وهو صرفها لغير مستحقها .
من أنواع الخروج عن العبودية ايضا أن لا يتعبد الإنسان لله - سبحانه - بأحد هذه العبوديات كأن لا يخشع لله أو لايصلي لله أوينيب إلى الله وما اشبهها ولولم يصرفها لغيره.
أو يظن بأن نوعا واحدا من هذه العبادات كافيا للوصول إلى أعلى الدرجات كما ظنت فرق فاهملت جوانب من هذه العبودية فأخذت ببعض لكتاب وكفرت ببعض كما قال - سبحانه - أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة : 85]

فتعبدت طائفة لله - سبحانه - بالمحبة فقط وتعبدت أخرى بالخوف فقط وقابلتها أخرى بالرجاء فقط .
فلم يعطوا للعبادة حقها فاردت في هذه الكلمات القصيرات , أن أستدل ببعض الآيات , على إبطال هذه المعتقدات والله من وراء القصد
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً [الإنسان : 9]

ذكر الله - سبحانه - في كتابه ثلاثة أركان للعبادة لا تقوم إلا بها وهي : المحبة - الخوف - الرجاء .
جاء في أول سورة الفاتحة قوله سبحانه

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 2]
الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 3]
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : 4]

فالأية الأولى ذكرت المحبة المتضمنة في الحمد , فالحمد هو الثناء على المعبود محبة وتعظيما أما إذا فقدت المحبة فهو مدح وليس حمدا.

في الأية الثانية اسمان من أسماء الله - سبحانه - إذا سمعهما الإنسان حمله ذلك على حسن الظن بالله والرجاء فيه بالرغم من ذنوبه ومعاصيه فهو الغافر للزلات وإن عظمت , والمتجاوز عن الخطيئات ولو كثرت .
فهذه الأية متضمنة للرجاء .

في الأية الثالثة عندما يقرا الإنسان يعلم أن هناك يوما سيحاسب فيه على كل أعماله فيثمره ذلك اجتناب النواهي والمحرمات ويثمر في قلبه الخوف والرهبة والخشية من الله – سبحانه - .
ففي هذه الآيات الثلاث إثبات لركائز العبادة الثلاثة المحبة والخوف والرجاء .

ثم نجد أية أخرى تتحدث في نفس السياق وتذكر الدعائم الثلاثة وذلك في سورة الإسراء
أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء : 57]
فأثنى الله – سبحانه – على عباده بأنهم يبتغون إليه الوسيلة أي القربة ولا تبتغى القربة إلا لمن نحب وذكر أنهم مع ذلك يرجون رحمته ويخافون عذابه .
قال بن كثير – رحمه الله – في هذه الاية :
{ ويرجون رحمته ويخافون عذابه } لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء فبالخوف ينكف عن المناهي وبالرجاء يكثر من الطاعات{ إن عذاب ربك كان محذورا } أي ينبغي أن يحذر منه ويخاف من وقوعه وحصوله عياذا بالله منه . (تفسير بن كثير 3 / 66 ).

قال القرطبي – رحمه الله - :

{ ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } أي مخوفا لا أمان لأحد منه فينبغي أن يحذر منه ويخاف وقال سهل بن عبد الله : الرجاء والخوف زمانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله وإن رجح أحدهما بطل الآخر .

قال الشوكاني – رحمه الله - :

{ يخافون عذابه } : أي إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم .

قال البغوي – رحمه الله - :
{ ويرجون رحمته } جنته { ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } أي يطلب منه الحذر .

قال الآلوسي – رحمه الله - :

وفي الآية دليل على أن رجاء الرحمة وخوف العذاب مما لا يخل بكمال العابد وشاع عن بعض العابدين أنه قال : لست أعبد الله تعالى رجاء جنته ولا خوفا من ناره والناس بين قادح لمن يقول ذلك ومادح والحق تفصيل وهو أن من قاله إظهارا للإستغناء عن فضل الله تعالى ورحمته فهو مخطيء كافر ومن قاله لاعتقاد أن الله عز وجل أهل للعبادة لذاته حتى لو لم يكن هناك جنة ولانار لكان أهلا لأن يعبد فهو محقق عارف كما لا يخفى .

فالعبد المحقق للعبودية الحقة يتعبد لله – سبحانه – بهذه الأركان الثلاثة المحبة والخوف والرجاء .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله –
وقال من قال من السلف من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالرجاء فهو مرجئ ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد ( العبودية 37).

فالمؤمن في سيره لله – سبحانه – كالطائر يطير بجناحيه فالمحبة راسه والخوف والرجاء جناحاه فإذا فقد الرأس مات الطائر وإذا فقد أحد الجناحين فهو عرضة لكل كاسر .