خيال فنان
26-06-2007, 12:02 AM
... والآن بدا للفنان، أن حامل السيف، رجل كئيب الوجه، يصيح وهو يمتشق آلته كأنه عازم على ذبح شاة، مندفعًا إلى أمام، تتساقط من جبينه حبات العرق، فتتناثر على الأرض الرملية، وخلفه جيش كثير العدد، في مقدمته رءوس كثيرة، واضحة المعالم، ووجوه مصبوغة بلون الموت، مكشرة أو حزينة، وشيئًا فشيئًا تصغر الوجوه حتى تمتزج بالأفق المشرب بالحمرة .
ثم لمح الفنان رءوسًا حليقة، تحيط بأعناقها إشارات الصليب.وبدت حسناء، وقد تمزقت السترة عن صدرها، وهي ترفع يديها إلى السماء متضرعة، كان رأسها قد مال إلى الخلف، كأنه يوشك على الانفصال عن جسدها.
ساقاها منفرجتان على ظهر حصان في وضع السقوط إلى الأرض. قائمتاه الأماميتان أقرب إليها من قائمتيه الخلفيتين.
وعندما أمعن الفنان النظر، بدا عليه فزع ، لقد نسي شيئًا مهمًا أو هكذا تصوّر، فالسماء الزرقاء كان من الممكن صبغها باللون الأحمر أو الأسود.
ثم، لماذا جاء الرسام بهذه الحسناء في عز الظهيرة، والحرب قائمة، وبعد حين سيلتقي الجيشان المدججان بالعتاد العتيق. فتتطاير الرءوس وتسقط الأبدان ملطخة بالدم والعرق.
لاشك أنهم سوف سيسخرون منه، حتى الأطفال، إذ كان من الواجب أن يرسم الفنان صورة المرأة التي ستسقط إلى الأرض في لوحة، وصورة المعركة في لوحة أخرى. وربما احتاج الأمرإلى لوحات عدة، أجل .. سلسلة من اللوحات التي تؤرخ لحرب قديمة، سيضرب بفرشاة، لكن المكان ضيق، أيرسم الحروب وهو ثمل؟!
ربما أراد الفنان أن يقول إن المرأة صرخت، طالبة النجدة، فجاءها النصر من حيث لا تدري، ولكن كم مضى من الزمن حتى جاءت الجيوش المثقلة بالعتاد.
ثم تبين الفنان أن رأس المرأة مائل إلى الخلف، وشعرها مسترسل على ظهر الحصان، وظن حامل السيف أن شعرها هو الذنب عند منبته، وقد كان عليه أن يحلق في السماء حتى يصل إليها، فيسلها من بطن العدو كما تسل الشعرة من العجين.
لكن هذا أيضا بدا صعبًا ، لأن الرسام جعل خلفها فارسًا شديد البأس، معتمرًا خوذة، وقابضًا على رمح طويل، واثقًا بقوته التي لا تقهر، إذ كان يضحك في استهتار. وبين رأس الرمح ورأس الحسناء مسافة قصيرة. ولهذا لامدعاة للشك في مقدرة الرسام الذي جعل حصانها يتعثر، خوفًا من طعنة غادرة.
وعندما تأمل الفنان المشهد جيدًا، ضحك، إذ لاحظ أن على الأرض جثثًا تحتضر، وأخرى مسترخية في سكون، وبجانب إحدى الجثث سيجارة يتصاعد منها خيط دخان، صاح قائلاً:
ـ هذا خطأ لا يغتفر، كيف يجوز خلط حرب قديمة بأشياء معاصرة؟!
وفجأة فغر فاهه وبقي كذلك مدة طويلة، تلاحقت أمام عينيه مشاهد صغيرة متتابعة، فعينا الحسناء اللتان ظهر منهما نصفهما، كانتا مصوبتين نحو طائرة مصبوغة بالأحمر، ثم اتضح له شيئًا فشيئًا أن هناك طائرات من ورق تتعقب الطائرة الحمراء، التي يشبه جناحاها ساقي إنسان. ومال نظره إلى الحسناء فتراءت له ريح قوية، عندها تساءل في استسلام. كيف غاب عن ذهني هذا كله؟!
الريح القوية هي التي عبثت بشعرها، فارتمى إلى الخلف، والفارس صاحب الرمح، يشهر آلته باليد اليسرى، فيما يده اليمنى تغطي عينيه. كأنه خائف أو كأن مشاهد القتلى والجرحى تبكيه. بدا أخيرًا الفنان غاية في الانشراح. وكأنه توهم أن وجود الريح القوية، والدم، والشمس، والظلام، والفتاة، والجند، سيضفي على اللوحة بريقًا لن يخفى على أحد.
وضرب جبهته براحة يده، ثم أغمض عينيه وفتحهما على سواد متراقص غمر المشاهد كلها. وشيئًا فشيئًا اتضحت المعالم، فقد علا دخان الحرب - التي نشبت ساعة أغمض عينيه - في سماء اللوحة. وبدت الحسناء محمولة على كتفي صاحب السيف العاشق، وحامل الرمح مستلق على الأرض الرملية. آلته كسرت.
وكان رأس السيف مصبوغًا بالدم الذي تجمد، وعساكر العدو منكسة رءوسها، مدبرة في فزع وخنوع شديدين.
ولما تطلع إلى الأعلى (إلى السماء) رأى زخات المطر المخلوطة بالدخان. وعلب السجائر مبللة، أما الطائرات، التي توهم أنها من ورق، فقد صارت الآن طيورًا متفحمة، ساقطة إلى الأرض حيث ينام الأموات. منقولة عن الحسن بنمونة من المغرب
ثم لمح الفنان رءوسًا حليقة، تحيط بأعناقها إشارات الصليب.وبدت حسناء، وقد تمزقت السترة عن صدرها، وهي ترفع يديها إلى السماء متضرعة، كان رأسها قد مال إلى الخلف، كأنه يوشك على الانفصال عن جسدها.
ساقاها منفرجتان على ظهر حصان في وضع السقوط إلى الأرض. قائمتاه الأماميتان أقرب إليها من قائمتيه الخلفيتين.
وعندما أمعن الفنان النظر، بدا عليه فزع ، لقد نسي شيئًا مهمًا أو هكذا تصوّر، فالسماء الزرقاء كان من الممكن صبغها باللون الأحمر أو الأسود.
ثم، لماذا جاء الرسام بهذه الحسناء في عز الظهيرة، والحرب قائمة، وبعد حين سيلتقي الجيشان المدججان بالعتاد العتيق. فتتطاير الرءوس وتسقط الأبدان ملطخة بالدم والعرق.
لاشك أنهم سوف سيسخرون منه، حتى الأطفال، إذ كان من الواجب أن يرسم الفنان صورة المرأة التي ستسقط إلى الأرض في لوحة، وصورة المعركة في لوحة أخرى. وربما احتاج الأمرإلى لوحات عدة، أجل .. سلسلة من اللوحات التي تؤرخ لحرب قديمة، سيضرب بفرشاة، لكن المكان ضيق، أيرسم الحروب وهو ثمل؟!
ربما أراد الفنان أن يقول إن المرأة صرخت، طالبة النجدة، فجاءها النصر من حيث لا تدري، ولكن كم مضى من الزمن حتى جاءت الجيوش المثقلة بالعتاد.
ثم تبين الفنان أن رأس المرأة مائل إلى الخلف، وشعرها مسترسل على ظهر الحصان، وظن حامل السيف أن شعرها هو الذنب عند منبته، وقد كان عليه أن يحلق في السماء حتى يصل إليها، فيسلها من بطن العدو كما تسل الشعرة من العجين.
لكن هذا أيضا بدا صعبًا ، لأن الرسام جعل خلفها فارسًا شديد البأس، معتمرًا خوذة، وقابضًا على رمح طويل، واثقًا بقوته التي لا تقهر، إذ كان يضحك في استهتار. وبين رأس الرمح ورأس الحسناء مسافة قصيرة. ولهذا لامدعاة للشك في مقدرة الرسام الذي جعل حصانها يتعثر، خوفًا من طعنة غادرة.
وعندما تأمل الفنان المشهد جيدًا، ضحك، إذ لاحظ أن على الأرض جثثًا تحتضر، وأخرى مسترخية في سكون، وبجانب إحدى الجثث سيجارة يتصاعد منها خيط دخان، صاح قائلاً:
ـ هذا خطأ لا يغتفر، كيف يجوز خلط حرب قديمة بأشياء معاصرة؟!
وفجأة فغر فاهه وبقي كذلك مدة طويلة، تلاحقت أمام عينيه مشاهد صغيرة متتابعة، فعينا الحسناء اللتان ظهر منهما نصفهما، كانتا مصوبتين نحو طائرة مصبوغة بالأحمر، ثم اتضح له شيئًا فشيئًا أن هناك طائرات من ورق تتعقب الطائرة الحمراء، التي يشبه جناحاها ساقي إنسان. ومال نظره إلى الحسناء فتراءت له ريح قوية، عندها تساءل في استسلام. كيف غاب عن ذهني هذا كله؟!
الريح القوية هي التي عبثت بشعرها، فارتمى إلى الخلف، والفارس صاحب الرمح، يشهر آلته باليد اليسرى، فيما يده اليمنى تغطي عينيه. كأنه خائف أو كأن مشاهد القتلى والجرحى تبكيه. بدا أخيرًا الفنان غاية في الانشراح. وكأنه توهم أن وجود الريح القوية، والدم، والشمس، والظلام، والفتاة، والجند، سيضفي على اللوحة بريقًا لن يخفى على أحد.
وضرب جبهته براحة يده، ثم أغمض عينيه وفتحهما على سواد متراقص غمر المشاهد كلها. وشيئًا فشيئًا اتضحت المعالم، فقد علا دخان الحرب - التي نشبت ساعة أغمض عينيه - في سماء اللوحة. وبدت الحسناء محمولة على كتفي صاحب السيف العاشق، وحامل الرمح مستلق على الأرض الرملية. آلته كسرت.
وكان رأس السيف مصبوغًا بالدم الذي تجمد، وعساكر العدو منكسة رءوسها، مدبرة في فزع وخنوع شديدين.
ولما تطلع إلى الأعلى (إلى السماء) رأى زخات المطر المخلوطة بالدخان. وعلب السجائر مبللة، أما الطائرات، التي توهم أنها من ورق، فقد صارت الآن طيورًا متفحمة، ساقطة إلى الأرض حيث ينام الأموات. منقولة عن الحسن بنمونة من المغرب
