حوانيت الأعراض ..[
01-06-2014, 08:43 PM
حوانيت الأعراض ..
مصطفى لطفي المنفلوطي
أنا لا أستطيع أن أتصور الفرق بين رجل يمد يده إلى خزانة بيتي فيسرق مالي، وبين آخر يمد لسانه أو قلمه إلى شرفي فيستلبه! كلاهما مجرم فاتك وكلاهما لص مغتال، وإن كان أولهما من نظر القانون وفي عرف الناس أكبرهما إثما وأسوؤهما أثرا.
المال خادم من خدام الشرف وحاجب من حجابه والوقوف على بابه، ولولا مكان الشرف والكلف بصيانته والضن به أن يعبث بجوهره عابث ما كان لامرئ في هذا المعدن الصامت أرب أكثر من أن يقيم به صلبه ويمسك به حباءه.
فإن كان سارق المال مجرما من حيث كونه هاتكا لذلك الحجاب المسبل دون الشرف فجدير بمن يسرق الشرف نفسه أن يكون رأس الجانين وأكبر المجرمين.
يكون للرجل -من الصحفيين مثلا- عند الرجل من كرام الناس وسراتهم وذوي السيرة الصالحة فيهم مأرب من المآرب التي لا يعرف لنفسه فيها حقا ولا يمت إليها بسبب من الأسباب الظاهرة أوالباطنة! فما هو إلا أن يمتنع عليه حتى يرميه بسهم جارح من سهامه النافذات يصيب به مقتلا من شرفه وكرامته! ولا ذنب له عنده إلا أنه لم يمكنه من لحيته يلف عثنونها على يده ثم يقوده بها إلى حيث شاء كما تقاد السائمة إلى مصرعها.
يحب الرجل المجد حبا يملأ ما بين جوانحه ويكلف به حتى يصبح آثر عنده من نفسه التي بين جنبيه، ويقضي لكلفه به و(رصه) عليه سواد ليله يساهر الكوكب حتى ينحدر إلى مغربه وبياض نهاره يساير الشمس حتى تغرب في حمأتها ويقيم بينه و بين شهوات نفسه ونزعات قلبه حربا عوانا يحمل في سبيلها ما لا يستطيع أن يحمله بشر حتى إذا أمكنه المقدار منه وبدأ ينهل أول نهلة من مورده البارد العذب رآها ممزوجة بذلك العلقم المر الذي صبه له في إنائه ذلك المجرم الأثيم.
إن بين جدران تلك القاعات التي يسمونها ((إدارات)) قوما مفاليك قد دارت الأيام دورتها وسلبتهم المواهب التي يعيش بها أمثالهم ممن ولد مولدهم ونشأ منشأهم، ضاقت بهم سبل العيش التي ما كانت تضيق بهم لو أن الله أبقى لهم بعد أن سلبهم فضيلة الفهم والعلم، فضيلة العمل الصالح والسيرة المستقيمة! فلما لم يجدوا بين أيديهم منفذا ينفذون منه إلى القوت فتحوا حوانيت للاتجار بأعراض الناس وكرامتهم سموها صحفا، وأكثر مشتملاتها أعراض الأشراف والعظماء وأرباب الجد والعمل الذين سبقوهم إلى فردوس السعادة وخلفوهم وراءهم يتأكلون غيظا لحرمانهم مما أفاض الله عليهم، فهم إن فتشت عنهم وكشفت عن دخائل نفوسهم علمت أن لا فرق بينهم وبين أولئك الفوضويين الذين يدينون بقتل الملوك والأمراء، وأستغفر الله! فللفوضويين مبدأ يتقلدونه ورأي يرونه في تلك الجرائم-على ما به من خطل يتمذهبون به من حيث كونه عقيدة ثابتة لا تجارة رابحة- بل هم كقطاع الطريق الذين يهاجمون الغادين والرائحين ولا ذنب لهم عندهم إلا أنهم مزودون وهم مقفروا الأيدي من الزاد!
ولقد كان يكون خطبهم سهلا ومصابهم محتملا لو أنهم صرحوا عن أنفسهم وأبدوا للناس صفحات وجوههم وطلبوا قوتهم من طريق الكدية الواضحة البنية، ولكنهم مراؤون مخادعون يشتمون باسم الموعظة ويقرضون الأعراض باسم النصيحة ويتهمون الأبرياء باسم الغيرة الدينية أو الأدبية ووالله ما بهم من أدب ولا دين ولا عظة ولا نصيحة! ولكنهم قوم محدودون قد بلغت الفلاكة منهم مبلغا وضاقت بهم الأرض الفضاء على رحبها!
فهم يروحون عن نفوسهم بالنيل من شرف الشرفاء وتنغيص لذة السعداء ويطلبون قوتهم فيما بين هذا وذاك من يد تلك الفئة الساذجة التي لا تستطيع أن تفرق بين الكاتب الذي يكتب ليقوم معوجا أو يصلح مختلا أو يرفع بدعة باطلة أو يكشف عن حقيقة خافية، وبين الآخر الذي يدور مع الدنيا دورة الحرباء مع الشمس لا يفارقه حتى يفارقها والذي لا يلذه شرب الماء إلا ممزوجا بدم!
ووالله ما أدري ما الذي أقامهم هذا المقام وعهد إليهم هذا العهد ومن الذي وكل إليهم النظر في شؤون الناس والفصل في قضاياهم والقيام على حسناتهم وسيئاتهم، وماهم بالبررة الأتقياء الذين يصلحون أن يكونوا أمثلة حسنة في منازلهم فيكونوا قدوة صالحة في أمتهم ولا بالعلماء الفضلاء فنهتدي بهداهم ونستن بسنتهم ولا بالصادقين المخلصين فنبتعد بإجلالهم وإعظامهم، بل ليس لواحد منهم فضل الصانع في مصنعه أو التاجر في حانوته أو العامل في معمله فيصلح أن يكون حكما في قضايا الأشراف والنبلاء وميزانا لحسناتهم وسيئاتهم وعندي أن لو جمعت عيوب الناس في كفة ميزان ووضعت في الكفة الاخرى عيوبهم الجامعة للسفاهة والكذب والنميمة والتجسس وهتك الاعراض واتهام الأبرياء واستهواء الضعفاء لثقلت كفتهم أمام كفة الذين يزعمون أنهم يقومون معوجهم ويصلحون ما فسد من شؤونهم.
مصطفى لطفي المنفلوطي
أنا لا أستطيع أن أتصور الفرق بين رجل يمد يده إلى خزانة بيتي فيسرق مالي، وبين آخر يمد لسانه أو قلمه إلى شرفي فيستلبه! كلاهما مجرم فاتك وكلاهما لص مغتال، وإن كان أولهما من نظر القانون وفي عرف الناس أكبرهما إثما وأسوؤهما أثرا.
المال خادم من خدام الشرف وحاجب من حجابه والوقوف على بابه، ولولا مكان الشرف والكلف بصيانته والضن به أن يعبث بجوهره عابث ما كان لامرئ في هذا المعدن الصامت أرب أكثر من أن يقيم به صلبه ويمسك به حباءه.
فإن كان سارق المال مجرما من حيث كونه هاتكا لذلك الحجاب المسبل دون الشرف فجدير بمن يسرق الشرف نفسه أن يكون رأس الجانين وأكبر المجرمين.
يكون للرجل -من الصحفيين مثلا- عند الرجل من كرام الناس وسراتهم وذوي السيرة الصالحة فيهم مأرب من المآرب التي لا يعرف لنفسه فيها حقا ولا يمت إليها بسبب من الأسباب الظاهرة أوالباطنة! فما هو إلا أن يمتنع عليه حتى يرميه بسهم جارح من سهامه النافذات يصيب به مقتلا من شرفه وكرامته! ولا ذنب له عنده إلا أنه لم يمكنه من لحيته يلف عثنونها على يده ثم يقوده بها إلى حيث شاء كما تقاد السائمة إلى مصرعها.
يحب الرجل المجد حبا يملأ ما بين جوانحه ويكلف به حتى يصبح آثر عنده من نفسه التي بين جنبيه، ويقضي لكلفه به و(رصه) عليه سواد ليله يساهر الكوكب حتى ينحدر إلى مغربه وبياض نهاره يساير الشمس حتى تغرب في حمأتها ويقيم بينه و بين شهوات نفسه ونزعات قلبه حربا عوانا يحمل في سبيلها ما لا يستطيع أن يحمله بشر حتى إذا أمكنه المقدار منه وبدأ ينهل أول نهلة من مورده البارد العذب رآها ممزوجة بذلك العلقم المر الذي صبه له في إنائه ذلك المجرم الأثيم.
إن بين جدران تلك القاعات التي يسمونها ((إدارات)) قوما مفاليك قد دارت الأيام دورتها وسلبتهم المواهب التي يعيش بها أمثالهم ممن ولد مولدهم ونشأ منشأهم، ضاقت بهم سبل العيش التي ما كانت تضيق بهم لو أن الله أبقى لهم بعد أن سلبهم فضيلة الفهم والعلم، فضيلة العمل الصالح والسيرة المستقيمة! فلما لم يجدوا بين أيديهم منفذا ينفذون منه إلى القوت فتحوا حوانيت للاتجار بأعراض الناس وكرامتهم سموها صحفا، وأكثر مشتملاتها أعراض الأشراف والعظماء وأرباب الجد والعمل الذين سبقوهم إلى فردوس السعادة وخلفوهم وراءهم يتأكلون غيظا لحرمانهم مما أفاض الله عليهم، فهم إن فتشت عنهم وكشفت عن دخائل نفوسهم علمت أن لا فرق بينهم وبين أولئك الفوضويين الذين يدينون بقتل الملوك والأمراء، وأستغفر الله! فللفوضويين مبدأ يتقلدونه ورأي يرونه في تلك الجرائم-على ما به من خطل يتمذهبون به من حيث كونه عقيدة ثابتة لا تجارة رابحة- بل هم كقطاع الطريق الذين يهاجمون الغادين والرائحين ولا ذنب لهم عندهم إلا أنهم مزودون وهم مقفروا الأيدي من الزاد!
ولقد كان يكون خطبهم سهلا ومصابهم محتملا لو أنهم صرحوا عن أنفسهم وأبدوا للناس صفحات وجوههم وطلبوا قوتهم من طريق الكدية الواضحة البنية، ولكنهم مراؤون مخادعون يشتمون باسم الموعظة ويقرضون الأعراض باسم النصيحة ويتهمون الأبرياء باسم الغيرة الدينية أو الأدبية ووالله ما بهم من أدب ولا دين ولا عظة ولا نصيحة! ولكنهم قوم محدودون قد بلغت الفلاكة منهم مبلغا وضاقت بهم الأرض الفضاء على رحبها!
فهم يروحون عن نفوسهم بالنيل من شرف الشرفاء وتنغيص لذة السعداء ويطلبون قوتهم فيما بين هذا وذاك من يد تلك الفئة الساذجة التي لا تستطيع أن تفرق بين الكاتب الذي يكتب ليقوم معوجا أو يصلح مختلا أو يرفع بدعة باطلة أو يكشف عن حقيقة خافية، وبين الآخر الذي يدور مع الدنيا دورة الحرباء مع الشمس لا يفارقه حتى يفارقها والذي لا يلذه شرب الماء إلا ممزوجا بدم!
ووالله ما أدري ما الذي أقامهم هذا المقام وعهد إليهم هذا العهد ومن الذي وكل إليهم النظر في شؤون الناس والفصل في قضاياهم والقيام على حسناتهم وسيئاتهم، وماهم بالبررة الأتقياء الذين يصلحون أن يكونوا أمثلة حسنة في منازلهم فيكونوا قدوة صالحة في أمتهم ولا بالعلماء الفضلاء فنهتدي بهداهم ونستن بسنتهم ولا بالصادقين المخلصين فنبتعد بإجلالهم وإعظامهم، بل ليس لواحد منهم فضل الصانع في مصنعه أو التاجر في حانوته أو العامل في معمله فيصلح أن يكون حكما في قضايا الأشراف والنبلاء وميزانا لحسناتهم وسيئاتهم وعندي أن لو جمعت عيوب الناس في كفة ميزان ووضعت في الكفة الاخرى عيوبهم الجامعة للسفاهة والكذب والنميمة والتجسس وهتك الاعراض واتهام الأبرياء واستهواء الضعفاء لثقلت كفتهم أمام كفة الذين يزعمون أنهم يقومون معوجهم ويصلحون ما فسد من شؤونهم.
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة