الجزائر.. تضحيات ومجازر الجزء الثالث
01-07-2007, 01:53 PM
مؤتمر الصومام

كان قادة الثورة الجزائرية قد تواعدوا عندما أطلقوا شرارة الثورة على الالتقاء بعد ستة أشهر لتقويم المرحلة السابقة، غير أن عنف الثورة، وانهماك القادة في الجانب العسكري والسياسي لم يسمح بهذا اللقاء إلا بعد (22) شهرًا، حيث انعقد مؤتمر الصومام في [ 14 محرم 1376 هـ= 20 أغسطس 1956م] في منطقة القبائل وحضره كبار القادة ومثلت فيه جميع الولايات، ويعتبر المؤتمر نقطة تحول هامة في تاريخ الثورة، واتخذ المؤتمر عدة قرارات هامة منها إقامة المجلس الوطني للثورة الذي تولى مهمة التوجيه العام لها، وتنظيم جيش التحرير على غرار التنظيم المتبع في جيش منطقة القبائل.

مشروع شال

وكانت جبهة التحرير الجزائرية قد أعلنت [جمادى الآخرة 1375 هـ: فبراير 1956م] استعدادها للمفاوضة مع فرنسا من أجل وقف القتال وحل المشكلة الجزائرية، إلا أن فرنسا رفضت هذه المبادرة، وأرسلت السفاح "روبيرلاكوست" قائدًا عامًا في الجزائر، وزادت قواتها الاستعمارية إلى أكثر من نصف مليون مقاتل، وقامت بأحد عشر هجومًا ضخمًا واسع النطاق حمل أسماء ضخمة، كان يهدف بعضها إلى عزل جيش التحرير عن مناطق الريف؛ لذلك تم إجلاء القرويين من مساكنهم وحشدوا في معسكرات تحت الرقابة الدائمة، أما النقطة الثانية فتتمثل في حشد قوات هائلة تستمر عملياتها من أسابيع إلى شهور لسحق الوطنيين وهو ما عرف بمشروع "شال".

ولم ترهب هذه القوات الفرنسية جيش التحرير الجزائري الذي زاد قواته ومجاهديه إلى أكثر من (120) ألفًا، وأنشأ مدارس عسكرية، بل امتدت عملياته الحربية والجهادية إلى الأراضي الفرنسية حيث تم تدمير مستودعات بترولية ضخمة في فرنسا.

وأمام هذا الوضع المتأزم اختطفت فرنسا في [ 1376 هـ= 1956م] طائرة مغربية وعلى متنها أربعة قادة من قادة الثورة الجزائرية وهم حسين آيات أحمد، وأحمد بن بله، ومحمد خضير، ومحمد بو ضياف، كذلك حاولت شق صف الثورة من خلالها عميلها "بن لونيس" إلا أن الثوار استطاعوا إعدامه.

قضية الجزائر

أصبحت القضية الجزائرية معضلة من أضخم المشكلات الدولية، وتعددت مناقشاتها في الأمم المتحدة واكتسبت تعاطفًا دوليًا متزايدًا على حساب تآكل الهيبة الفرنسية عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وقام قادة الثورة بزيارات لعدد من دول العالم، وتشكلت حكومة جزائرية مؤقتة في [6 ربيع الأول 1378هـ= 19 سبتمبر 1958م] برئاسة عباس فرحات، ولم يمض شهر واحد على تشكيلها حتى اعترفت بها (14) دولة.

وفي [جمادى الأولى 1379هـ= نوفمبر 1979م] أعلن الرئيس الفرنسي ديجول عن قبول فرنسا للمفاوضات بأسلوب غير مقبول، إذ أعلن أنه على ممثلي المنظمة الخارجة على القانون والمتمردين على فرنسا أن يأتوا إليها، فأعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة أنها كلفت الزعماء الجزائريين المختطفين في فرنسا بإجراء المفاوضات حول تقرير المصير، فرفض ديجول هذا المقترح.

محادثات إيفيان

وقع تمرد عسكري في صفوف القوات الفرنسية في الجزائر بقيادة عدد من الجنرالات وأعلنوا ذلك التمرد عبر إذاعة الجزائر في [ 7 ذي القعدة 1380هـ= 22 إبريل 1961م] وقامت مظاهرات عنيفة في الجزائر ضد الفرنسيين، وأعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة أنها شرعت في إجراء محادثات إيفيان بعد ذلك بأسابيع، لكنها ما لثبت أن توقفت بسبب الخلاف في موضوع الصحراء.

ثم استؤنفت المفاوضات بعد ذلك، واضطرت فرنسا إلى الاعتراف بحق الجزائر في الصحراء، وتم الاتفاق في [ 12 شوال 1381هـ= 19 مارس 1962م] على وقف إطلاق النار بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الجزائرية، وأن تتولى شؤون الجزائر هيئة مؤقتة تتألف من (12) عضوًا، ثم جرى استفتاء في [29 محرم 1382 هـ= 1 يونيو 19962م] على استقلال الجزائر جاءت نتيجته 97.3% لمصلحة الاستقلال.

ودخلت الحكومة الجزائرية برئاسة يوسف بن خده الجزائر، ثم أعلن الاستقلال في [ 3 صفر 1382 هـ= 5 يوليو 1962م] وقامت الدولة الجزائرية رغم المشكلات التي عرقلت سيرها وتفجر الصراع بين قادة الثورة والجهاد؛ وهو ما كاد يؤدي إلى حرب أهلية.

ولم يعترف المستوطنون الفرنسيون باتفاقية إيفيان، وشكلوا منظمات سرية فرنسية للإطاحة بما تم، لكنها لم تفلح في ذلك، فأخذ المستوطنون في ترك الجزائر، وهاجر ما يقرب من مليون مستوطن إلى فرنسا.

من حوار الشروق اليومي مع الأخضر الابراهيمي

لا أدري ما إذا كان قراؤكم الشباب يدركون ذلك العمل الجبار الذي قام به رائدان بارزان كانا ممثلين لجبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة بكل من غانا وغينيا، ألا وهما فرانتز فانون بأكرا وعمر أوصديق بكوناكري اللذين كانا، بالفعل، مستشارين مسموعين كثيرا من طرف كوام نكروما وأحمد سيكو توري. لقد أسهمت الجزائر بكل قوة في تطوير الحركات الوطنية في المستعمرات البرتغالية، لاسيما بأنغولا، مثلما شهد على ذلك، في ما بعد، أميلكار كابرال حينما قال : "الجزائر هي مكة الثوار !".

هناك اعتراف، مثلا، أن قمة عدم الانحياز المنعقدة بالجزائر سنة 1973، كانت أنجح القمم التي عقدتها الحركة من قبل. كما أن الجزائر – وباعتراف الجميع أيضا – كانت مصدر المبادرة بانعقاد جمعية عامة للأمم المتحدة انعقدت خصيصا للتعرض لمشكلات العالم الثالث وتطلعاته بصورة لم يسبق لها مثيل. كما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بوصفه رئيسا للجمعية العامة آنذاك، هو الذي حمل منظمة الأمم المتحدة على اتخاذ قرارين تاريخيين : تعليق عضوية النظام العنصري في جنوب إفريقيا وحرمانه من حضور جلسات الجمعية العامة إلى أن يلغي حكم الأبارتايد ؛ استقبال ياسر عرفات بكل التكريم اللائق برئيس دولة. أثناء تلك المهمة التي قادتني إلى جنوب إفريقيا لفائدة منظمة الأمم المتحدة ما بين 1993 و 1994، اندهشت وأنا أستمع إلى بيك بوتا، وزير خارجية لنظام كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يسألني عن أخبار الرئيس بوتفليقة. كنت أعلم أن وزيرنا للخارجية لم يسبق له أن التقى مسؤولا من النظام الحاكم في بريتوريا، إلا أن بيك بوتا لم يلبث أن شرح لي الموقف قائلا : "لا أنسى أنه هو الذي أبعدنا عن الجمعية العامة أثناء كل هذه السنين !".
كما قامت الجزائر بدور أساسي في المعركة من أجل دخول الصين الشعبية منظمة الأمم المتحدة.
من منا لا يتذكر ذلك الدور الذي قامت به الدبلوماسية الجزائرية في تسوية أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين بسفارة بلدهم بطهران ؟ فتحت إشراف بن يحيى، وزير الخارجية آنذاك، ورضا مالك، سفيرنا بواشنطن، عبد الكريم غريب، سفيرنا بطهران، وصغير مصطفاي، رئيس البنك المركزي، علمت دبلوماسيتنا، ليل نهار، من أجل النجاح في تلك الضربة الدبلوماسية القوية. وحتى وإن لم تأت التسوية، على الرغم من الجهود المبذولة، في وقت مبكر لتمكين الرئيس كارتر من الفوز على منافسه في سياق الرئاسيات، روانلد ريغن، يمكن القول إن نشاط دبلوماسية بلدنا في هذه الواقعة كان له تأثير معتبر في تطور الأوضاع داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مستوى العلاقات الدولية بوجه عام. وعندما لقي بن يحيى ومرافقوه حتفهم في ذلك الاعتداء السافر بالقرب من الحدود بين إيران، العراق وتركيا، توجه عدد من الأمريكيين العاديين، وبكل عفوية، إلى سفارة الجزائر ببلدهم لوضع أكاليل من الزهور وشمعات اعترافا بفضل الفقيد وفضل بلدنا في إطلاق سراح مواطنيهم المحتجزين بطهران.

القليل من البلدان أسهم بمثل ما أسهمت به الجزائر في سبيل تحرير القارة الإفريقية برمتها. لقد أشرنا إلى مقولة كابرال الشهيرة. يروى أنه في مؤتمر لحزب الفريليمو Frelimo الذي قاد حرب الموزمبيق ضد الاستعمار البرتغالي، خاطب الرئيس سامورا ماكل المؤتمرين فائلا :"فليقم منكم كل من استفاد من تكوين بالجزائر" فإذا بثلاثة أرباع الحاضرين يقوم ! غداة سقوط الدكتاتورية في البرتغال، افتتحت بلندن أول مفاوضات مع حزب Paigc – لكن بعد وفاة كابرال، مع الأسف – بمساعدة سفارتنا هناك، علاوة على أن هذه المفاوضات تُوِّجت بالجزائر.