تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى القرآن الكريم

> منهج إثبات القرآن للخالق ووحدانيته

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
منهج إثبات القرآن للخالق ووحدانيته
27-05-2008, 06:52 PM
منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته:

هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة، التي تقتنع بها العقول، وتسلم بها الخصوم، ومن ذلك‏:‏
1 ـ من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث
هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛ حتى للصبيان؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصره، لقال‏:‏ من ضربني‏؟‏ فلو قيل له‏:‏ لم يضربكَ أحدٌ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث؛ فإذا قيل‏:‏ فلان ضربَكَ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35‏]‏‏.‏
وهذا تقسيم حاصر، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، لا يمكن جحدها، يقول‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ‏}‏ أي‏:‏ من غير خالق خلقهم، أم هم خَلَقوا أنفسهم‏؟‏ وكلا الأمرين باطلٌ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم، وهو الله سبحانه، ليسَ هُناك خالق غيره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
‏{‏أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/4‏]‏‏.‏
‏‏أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّا‏ر ‏[‏الرعد/16‏]‏، ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الحج/73‏]‏‏.‏ {‏وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/20‏]‏‏.‏ ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/17‏]‏‏.‏
ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك -، فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له‏.‏
2 ـ انتظام أمر العالم كله وإحكامه
أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏‏.‏
فالإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله آخر، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ؛ فعل‏.‏ وإن لم يقدر على ذلك، انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه، فيحصل الانقسام‏.‏ فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور‏:‏
أ ـ إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه‏.‏
ب ـ وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه؛ فيحصل الانقسام‏.‏
جـ ـ وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه‏.‏
وهذا هو الواقعُ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، لا منازع له، وأن مالكه واحد لا شريك له‏.‏
3 ـ تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها، والقيام بخصائصها
فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى‏}‏ أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه/49، 50‏]‏ أي‏:‏ ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضَارِّ عنه، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك؛ ما يتمكن به من فعل ما ينفعه، ودفع ما يضره، وما به يؤدي مهمته في الحياة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ‏}‏ ‏[‏السجدة/7‏]‏‏.‏
فالذي خلق جميعَ المخلوقات، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولاشك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه، في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه‏.‏‏.‏‏.‏
وفي كُـلِّ شـيءٍ لَـهُ آيـةٌ ** تَدلُّ على أنّه الواحدُ
ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك‏:‏ هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح؛ لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدً
ا
من كتاب عقدية التوحيد للشيخ الفوزان
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية رميته
رميته
رئيس الهيئة الاستشارية
  • تاريخ التسجيل : 28-12-2006
  • الدولة : مدينة ميلة , ولاية ميلة , الجزائر
  • العمر : 70
  • المشاركات : 5,284
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • رميته will become famous soon enough
الصورة الرمزية رميته
رميته
رئيس الهيئة الاستشارية
  • ملف العضو
  • معلومات
haroun59
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 08-05-2008
  • المشاركات : 2,743
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • haroun59 will become famous soon enough
haroun59
شروقي
رد: منهج إثبات القرآن للخالق ووحدانيته
28-05-2008, 02:01 PM
سلام الله عليك يا عبد الحميد .....ودمت لنا دخرا
هل لك ان تبين لنا طبيعة العلاقة بين الادلة العقلية والادلة النقلية فيما يثبت وحدانية الله وربوبيته..
تحياتي الخالصة...
اخوك ..هارون...
  • ملف العضو
  • معلومات
imadtooway
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 29-12-2007
  • الدولة : algérie,mila
  • العمر : 39
  • المشاركات : 19
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • imadtooway is on a distinguished road
imadtooway
عضو مبتدئ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: منهج إثبات القرآن للخالق ووحدانيته
28-05-2008, 02:24 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة imadtooway مشاهدة المشاركة
الف شكر اخي الكريم على الموضوع .
العفو أخي العزيز والموضوع بحد ذاته يعتبر ردا على سؤالك فالأدلة النقلية تخاطب العقل فهي بحد ذاتها أدلة عقلية والقرآن الكريم يخاطب العقول كما هو معلوم
يتبع.............
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: منهج إثبات القرآن للخالق ووحدانيته
28-05-2008, 02:27 PM
في إثبات وجوب الوجود لله – سبحانه وتعالى
للعلامة عبد الرزاق العفيفي رحمه الله

إن لفظ الوجود ، ومعناه المطلق ، يشترك فيهما كل من الممكن الواجب ، والحادث والقديم الأزلى . فالله يوصف بأنه موجود والحادث يقال له – أيضاً – إنه موجود – ولكن للممكن وجد يخصه ، فإنه حادث سبق وجوده عدم ، ويلحقه الفناء ، وهو في حاجة دائمة ابتداءً ، ودواماً ، إلي من يكسبه ، ويعطيه الوجود ، بل يحفظه عليه. ولله تعالى – وجود يخصه ، فهو – سبحانه – واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم ، ولا يلحقه فناء ، ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره.
وذلك لأنه – تعالى – الغنى عن كل ما سواه ، وبذلك جاء السمع ، وشهد العقل.أما السمع : فمنه قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3)
وأما العقل : فبيانه أنه – تعالى – لو كان مستحيل الوجود لم يصح أن يستند إليه الممكن في حدوثه بداهة ، لأن المستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده وفاقد الشيء لا يعطيه.
ولو كان ممكناً لافتقر في حدوثه إل يمن يرجح وجوده على عدمه لما تقدم ، فإن استمرت الحاجة ، فاستند كل في وجوده إلي نظير له من الممكنات لزم إما الدور القبلى . ، وأما التسلسل في المؤثرات إلي ما لا نهاية ، وكلاهما محال . وإذا انتفي عنه الإمكان. والاستحالة ثبت له الوجوب ضرورة. لأن أقسام الحكم العقلى ثلاثة ، وقد انتفى اثنان ، فتعين الثالث ، وهو الوجوب فالله – تعالى – واجب الوجود.
منها قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) الدور السبقي ، ويقال له القبلي : هو توقف الشيء على ما توقف عليه ، وهو قسمان : مصرح ، ومضمر. فالمصرح ما كانت الواسطة فيه واحدة ، مثاله كأن يقال مثلاً خالد أوجد بكراً ، وبكر أوجد خالداً ، فبكر متوقف في وجوده على خالد ثم خالد توقف في وجوده على بكر والواسطة واحدة وهى بكر. ويقال له : هذا دور بمرتبة. فإن تعددت المراتب كانت بحبسها ، وهذا الدور باطل لما يلزمه من التناقض ، إذ يلزمه أن يكون الشيء سابقاً مؤثراً لا مؤثراً إلخ. بل يلزم أن يكون الشيء نقيض نفسه ضرورة المغايرة بين المتقدم والمتأخر ، والأثر والمؤثر. أما الدور المعنى مثل توقف الأبوة على البنوة والبنوة على الأبوة ، فجائز. لأنه من باب الإضافات ، وهى اعتبارية لا وجود لها. والتسلسل هو ترتب أمور بعضها على بعض بحيث يكون كل متأخر منها يتوقف في وجوده على سابق عليه. يكون علة له في وجوده إلي غير نهاية. ويسمى هذا النوع التسلسل بعبارة جامعة لهما فقال : هما أن يتوالى عروض العلية والمعلولية لا إلي نهاية ، بأن يكون كل ما هو معروض للعلية معروضاً للمعلولية ، ولا ينتهى إلي حالة تعرض له العلية دون المعلولية ، فإن كانت المعروضات متناهية ، فهو الدور بمرتبة إن كان اثنين ، وبمراتب إن كانت المعروضات فوق اثنين وإلا فهو التسلسل.
- وهذه الآية ، وإن سيقت للاستدلال على توحيد الألوهية الذي تقدم قبلها في قوله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163)
إلا أنها تدل قاطعة على توحيد الربوبية ، فإن استحقاقه – تعالى – للعبادة ،واختصاصه بها فرع عن وجوده ، وانفراده بالخلق ، والتدبير ، والتصريف ، والتقدير.
ومنها قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)
فهذه الآيات ، وإن ذكرت لتنزيه الله – تعالى – وتقديسه عما ظنه به منكرو البعث ، وسيقت لإثبات قدرته على المعاد . كما يرشد إليه ما قبلها من الآيات ، فهى دليل – أيضاً – على وجوده – تعالى – ولا يعقل ذلك إلا إذا كان واجب الوجود.
فمن نظر إلي ما ترشد إليه هذه الآيات ، ونحوها من سنن الله في العالم نظراً ثاقباً ، وفكر في عجائب خلقها ، وحسن تنسيقها ، وشدة أسرها تفكيراً عميقاً ، وبحث في أحكامها ، وبديع صنعها بحثاً بريئاً من الهوى ، والحمية الجاهلية ، وأنصف مناظره من نفسه ، فلم يمنعه من فهم ما عرض عليه من الق ، والإذعان له كبر يرديه ، ولا عناد يطغيه ، واتضح له طريق الهدى . واضطره ذلك أن يستيقن النتيجة ، ويؤمن من أعماق قلبه ، بأن للعالم رباً خلاقاً فاعلاً مختاراً حكيماً في تقديره ، وتدبيره أحاط بكل شيء علماً ، وهو على كل شيء قدير.
ومع قيام الدليل ، ووضوح السبيل ، تعامى فرعون موسى عن الحق ، وتجاهل ما استيقنته نفسه ، وأنكر بلسانه ما شهدت به الفطرة ، دل عليه العقل من وجود واجب الوجود ، فأقام موسى عليه الحجة ، بدلالة الأثر على المؤثر ، والصنعة على الصانع ، ووجود العالم ، وعظم خلقه على وجود الخالق ، وعظيم قدرته ، وسعى علمه ، وكمال حكمته ، فغلبه بحجته .
وذلك بين واضح فيما حكاه الله عنهما من الحوار ، والسؤال والجواب : قال تعالى ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) .
فانظر كيف وقف موسي موقف من يصدع بالحق ، ويقيم عليه البرهان ؟
وكيف وقف فرعون من موسى موقف السفهاء ، لا يملك إلا الشتم والسباب ، والسخرية ، والاستهزاء ، والتهديد بأليم العذاب ؟ ‍‍!!
وقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً) (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) وقال تعالى : (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

إن فرعون حينما أخذته الحجة ، وانتصر عليه موسى ، لم يبق بيده سلاح إلا التمويه على قومه ، وإنذار موسى ومن آمن به أن يذلهم ، ويذيقهم العذاب الأليم.
وإني له ذلك ! والله من ورائهم محيط ؟ ! وقد كتب على نفسه ان يجعل العاقبة للمتقين.
وقال تعالى : (فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً).
وقد ورث ذلك الزيغ ، والإلحاد أناس ظهروا في عصور متعاقبة بأسماء مختلفة ، واشتهروا بألقاب متنوعة.
فتارة يسمون بالدهريين : وأخرى برجال الحقيقة ووحدة الوجود وأحياناً بالشيوعيين ، وأخرى بالوجوديين. ( اللقب الجديد ) وآونة بالبهائيين.
إلي غير ذلك من العبارات التى اختلفت حروفها ومبانيها ، وائتلفت مقاصدها ، واتحدت معانيها ، فكلها ترمى إلي غرض واحد ، وتدور حول محور واحد ، هو أنه ليس للعالم رب يخلق ويدبر ، وليس له إله يعبد ويقصد.
وبما تقدم من دليل حاجة الممكن إلي موجد ، ودليل وجوب وجوده – تعالى – يظهر لك فساد مذهبهم ، وخروجه عن مقتضي النظر ، وموجب العقل ، وما يصدق ذلك ، أن وجود العالم وليد الصدفة والاتفاق.
أو أنه نشأت أطواره عن تفاعل بين عناصر المادة ، فتفرقت إلي وحدات بعد اجتماع ، أو اجتمعت ، وائتلفت بعد تفرق واختلاف. وصار لتلك الوحدات ، أو المركبات من الخواص ما لم يكن لها قبل هذا التفاعل ، وبذلك تجددت الظواهر ، وحدث ما نشاهده من تغيير ، وآثار مع جريانها على سنة لا تتبدل ، وناموس لا يختلف ، ولا يتغير.
وقيل له : من الذي أودع تلك المادة طبيعتها ، وأكسبها خواصها ، فإنها إن كانت لها من ذاتها ، ومقتضي حقيقتها لم تقبل التغير والزوال لأن ما بالذات لا يتخلف ولا يزال ، وقد رأيناها تتبدل ، فلا بد لها من واهب هبها ، وفاعل مختار حكيم عليم يدبرها ، ويضعها في محالها ، وليس ذلك من المادة وحدها ، ولا من خواصها ، أو طبيعتها القائمة بها ، فإنها ليس لها من سعة العلم ، وكمال الحكمة ، وشمول المشيئة ، وعظيم القدرة ما ينتظم معه الكون على ما نشاهده من إحكام تبهر العقول دقته وجماله ، ومن إبداع يأخذ بمجامع القلوب ما فيه من شدة الأسر ، وقوة الربط بين وحداته ، وكمال التناسب ، والتكافؤ بين أجزائه ، وقيام كل من الآخر مقام الخادم من سيدة ، والراعى من رعيته.
ألا أن الطبيعة صماء لا تسمع ، بكماء لا تنطق ، عمياء لا تبصر ، جاهلة لا تعلم ، مسخرة لمن أودعها المادة ، خاضعة لتصريفه وتقديره ، سائرة على ما رسم لها من سنن لا تعدوها ، ونواميس لا تخرج عنها ، فأنى يكون لها خلق وإبداع أو إليها تنظيم وتدبير أو منها وحى وتشريع ؟ إنما ذلك إلي الله وحده ، تعالى الله عما يقول الملحدون : (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ* وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ).
ولا يعيب الحق بعد ذلك ان يتنكب طريقة من مسخت فطرته ، واتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه ، وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، ولا يضير الدعاة إلي الحق أن عدل عن طريقه المستقيم من انحراف مزاجه ، أو غلبته شهوته ، فخشي أن تحد الشريعة من نزغاته الخبيثة، وتحول دون وصوله إلي نزواته الدنيئة. أو أطغاه كبره وسلطانه ، وخاف أن تذهب الشريعة بزعامته الكاذبة ، وسلطانه الجائز ، فوقف في سبيلها ، ولج في خصامها بغياً وعدواناً . فإن الله ناصر دينه ، ومؤيد رسله وأولياءه.
قال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقال سبحانه (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)


والحمد لله على نعمة التوحيد والسنة
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 03:16 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى