الاعتراف الأخير
01-06-2008, 06:27 PM

كانتالحياة هادئة وجميلة والأيام تمر في تسلسل بهيج كانسياب ماء الغدير الجاري بينالمروجوالمراعي ، لا شيء يعكر صفوها ولا صفو عبد الهادي الذي اعتاد على هذاالتسلسلالعادي.كان المكتب الذي يتقاسمه مع بعض الزملاء جنته الخاصة والمكان الوحيدالذيينعم فيه بالهدوء والطمأنينة ، وكلما ضاقت به الدنيا الا ووجد من يواسيه ويقفإلىجنبه حتى أضحى جزءا منه ،كان يثق في الأيام عكس بقية الخلق ويحترمها لأنها هيالتيتصنع الظروف وتضمد الجراح وتأتي بالأفراح ،فرأى فيها تجسيدا لأحلامه وطموحاته.وظل على حاله يترقبها بتفاؤل وما تحمله له إلى أن باغتته وسائل الإعلام بنبا قلبكيانهوغير من رؤيته للمستقبل ، فأحس بأن الأيام التي وضع فيها كل ثقته لم تعد قوىكماكان يعتقد واعتقد بأنها قد لا تكون بين عشية وضحاها
لقدبثت وسائل الإعلام الدوليةوالوطنيةخبرا مفاده أن الكرة الأرضية عشية هذه الألفية التي لم يبق عن انقضائهاالامائة واثنين وثلاثون يوما ، قد تشهد كسوفا وكثفت من نداءاتها حتى التهويل،حيثحثتفيها المواطنين بعدم الرؤية إلى السماء لتجنب أشعة الشمس الصادرة التي قد تؤديللعمى.
لميبق على اليوم الموعود الا يومواحدفانتابه الذعر ، ولم يهدأ له بال ، انه جد منزعج ، لم يسبق له أن رأى كسوفامنذنشأته لكنه كان يعلم من بعض الحضارات القديمة والتي كانت كلها تجمع بأن كسوفالشمسما هو الا غضب الإله على عباده ،وكلما حل كسوف الا وحلت معه اللعنةالإلهية،متمثلةفي كوارث طبيعية فتهلك القوم الضالة والظالمة وتطهر الأرض منهم ومندنسهم.
لميعد يثق في الشروحات التيقدمتهاوسائل الإعلام المرئية بغية تهدئة الأمور قبل حلول اللعنة كما كان يعتقدواعتبرهاسوى خطب سياسية ملقاة من أفواه علماء.
تذكرأحوال عالمه المعاصر الذييعيشفيه،فأوجد بأنه مليء بالتناقضات،بالمظالم والمعاصي،فيه تراق الدماء،تباحالمحرمات،عالممجنون ومتفسخ حيث لم تعد للنفس البشرية قيمتها،كثرت الحروب،القوىيأكلالظعيف وباختصار اجتمعت فيه كل العناصر التي من شأنها أن تكون سببا في هبوطاللعنةعليه وتفجيره،ثم تساءل وقال : كيف لا تأتي نهاية هذه الألفية بالانفجار وهيالتيأتت بالطاعون و الكونيتين والسيدا والخليجيتين ؟ وازدادت مخاوفه حين تذكرالكابوسالذي رآه ليلة البارحة ،حيث رأى فيما يرى النائم بأن البحر في لحظة هيجانوفيمد لا مثيل له غمر وأغرق جزءا كبيرا من مدينته،وقد هلك عدد كبير من الأهاليوالقلةالقليلة المتبقية تقاسمتها أسماك القرش والمجاعة.
أستيقظمن نومه مفزوعا،نظر إلىالساعةالمعلقة على جدار الغرفة فلم يبق على موعد الكسوف الا ثلاث ساعات تنهد فيحسرةوتساءل كالذي يكون في انتظار المقصلة التي ستهوى على رأسه وقال:أنا لم أقترفذنباوكثيرون هم أمثالي في هذا العالم ،ما مصير العالم بعد ثلاث ساعات؟ ثم أردف بلالعالملا يعنيني في شيء،ما مصير مكتبي وزميلتي نورا ؟
توضأثم صلى صلاة الصبح وظن بأنهاستكونآخر فرض له وأضرب عن شرب قهوته لأن نفسه مسدودة وتوجه إلي محطة النقل مثقلالخطوات،فشد انتباهه كثرة النوافذ المسيجة بالحديد والأبواب الخشبية التي استبدلتبأخرىحديدية ، الحديد أغزى كل شيء لم ينتبه لهذه الحقيقة الا هذا الصباح بالرغم منأنهذه الظاهرة شرع فيها من قبل ، هذا الصباح أيضا بدت حركة النقل شبه منعدمةوالمحلاتالتجارية مغلقة،حتى المقاهي والمخابز التي من المفروض أن تكون مفتوحة قددخلتفي إضراب غير معلن كأن أصحابها ظنوا بأنها نهاية العالم كما كان يعتقد،فالشارعالرئيسيأضحى مشلولا من الحركة الا من بعض الراجلين ثم اتجه إلى الكشك الوحيدالمفتوحفاشترى جريدة وظن بأنها ستكون آخر جريدة سيتصفحها،وفي قلق متزايد سارعلمعرفةالأخبار والعرق البارد يتصبب من جبينه،أهمل كل ما لم يتعلق بالكسوف وراحيلتهمالأخبار حيث جاء على صدر الصفحة الأولى ما يلي :
انتشرت حمى الكسوف فيالعالم،لقدانتحر رجل في مقتبل العمر بعد أن قضى على زوجته وأطفاله خوفا منالكسوف،لأنهكان يزعم بأنها نهاية العالم،وفي مدينة باريس توقع مصمم أزياء اختفاءالمدينةمن على سطح الأرض في كرة من اللهب،اليوم أثناء الكسوف بسبب مركبة الفضاءالروسية ّ مير ّ التي ستهوى عليها،إن لم تسارع أجهزة الأمن في التحكم فيها عن بعدوتوجيهمسارها وإسقاطها على الشواطئ الجنوبية للمتوسط ستدمر مدينة باريس عنآخرها،وقدأتستوحى كلامه من كتابات العراف المشهور ّنوستراد أموس ّ،وفي الوقت نفسهشكلسكان مدينة مرسيليا حكومة مؤقتة بدون العاصمة وسيتولون إدارة شؤون البلاد إذاماصحت التنبؤات..))
طوىالجريدة ثم تساءل في حزن : فيحالةما إذا صدقت التنبؤات وحولت المركبة من طرف سلطات العقد الاجتماعي إلى ضفافنالإسقاطهاعلى رؤوسنا فما هو مصيرنا؟أستشفع لنا صلاة الكسوف التي ستؤدى بالمساجد مناللعنة؟أيوجدمن يعيد توجيهها أو إسقاطها قبل أن تدخل مجالاتنا الإقليمية؟أليس بحرالمانشأقرب من المتوسط من باريس؟
بعدجهد جهيد وصل عبد الهادي إلىمكتبهحيث وجد المصلحة شبه مشلولة،كأن الزملاء فضلوا
مثلهالالتحاق بمن هم أعز عليهم فيهذهالأوقات الحرجة،وقد رخص للأمهات بالتغيب لحراسة أطفالهن ريثما تنتهي ظاهرةالكسوف
وماهي الا دقائق وتدخل الآنسةنوراكعادتها مبتسمة،فتبادر بالتحية وتجلس على مكتبها وتقول :إن حركة النقل جد صعبةلكننحن محظوظون لرأية ظاهرة كسوف الشمس،آه لو كان كلي لكان أجمل.
نظراليها عبد الهادي بتعجب وقالفينفسه : عجيب أمرك يا نورا رغم نباهتك الا أنك تستخفين بالأمور،أحقا أنت غيرمكترثةبما سيحدث؟
نطقعبد القادر الذي يعتبر عميدالمصلحةمن حيث الاستقامة والكفاءة والأقدمية مما جعل الجميعيكن له التقديروالاحترامأثناء التحدث وكأنه أحس بمخاوف عبد الهادي حيث حط يده على كتفه
الأيمنمطمئنا إياه وقال : حقا انهلمنظرجميل لكن للأسف أترك لكما فضل التمتع به،لأني سأحضر صلاة الكسوف بمسجد الحيالمجاوروالتي ستدوم منذ بدايته إلى نهايته ثم أغلق الباب وخرج.
كانتالساعة تشير إلى التاسعةوعشريندقيقة حيث بدأ اقتران القمر بقرص الشمس تدريجيا ورمى بظله على الأرض،فبدتالسماءوكأنها ملبدة بالغيوم واكتست العتمة سماء المصلحة فزاد اضطراب عبد الهاديولميعد هادي حتى أضحى جليا للأعين اضطرابه مما دفع بنورا الاقتراب منه ومساءلته :مابك يا عبد الهادي؟أراك مقتبضا صامتا وهذا ليس من عادتك.
الكسوف يا نورا..الكسوف،سنحترقإنتحترق باريس والأيام يا نورا..الأيام التي طالما انتظرتها وكنت أثق فيها..هلستكونيا نورا؟
بالطبع ستكون هناك أيام. أتظنبأنهانهاية العالم؟ لتحترق باريس فما دخلنا بها؟ألم تحترق قبلهابغداد وأطفالالعامريةولم يكن لها أي تأثير على جيرانها؟كلام الصحف؟انه مجرد إشهار لاتقلق،واستغفرربك فنهاية الكون ليست اليوم أو غدا،هذا لا يعلمه الا الله واعلم بأنالانسانمسير ولا مخير ،يعيش في الحياة حسب خط مرسوم له منذ البداية، وجد قبل أنيولد.
كانتهذه الكلمات لها الأثرالإيجابيعلى نفسية عبد الهادي، مما جعله يرتاح لها ويغوص في الكلام بدون انقطاع عنطفولتهالبائسة عن الحرمان عن الشقاء ،عن الريف،وعن سذاجة وطيبة أهله وعفويتهمووداعتهموعن خوفه الزائد من الأيام وتكلمت نورا هي الأخرى عن طفولتها ،عن حياتهاالتيلم تعد تطاق،عن المدينة ومدنيتها المتوحشة ،عن أضوائها الزائفة وعلاقاتهاالاجتماعيةالباردة وعن ذئابها المتوحشة وعن ضبابها وتلوثها.
لحظتهاقاطعها عبد الهادي وقال :الآنزادت ثقتي فيك ، أود أن أعترف لك بشيء يا نورا.
ليسالآن يا زميلي حالتك النفسيةتبدومهزوزة،هيا أنهض لنتأمل معا اللحظات الأخيرة فالظاهرة توشك أن تنته دون أننكونشاهدين عليها،هذا حدث تاريخي.تنهض من مكانها وتقترب من النافذة وتلبس نظاراتهاالخاصةوتنظر للسماء ثم تسلمها له ليرى بدوره ويبقيا على حالهما صامتين إلى أن أحستبشعورغريب ، شيء من الخوف وبدون شعور اقتربت منه أكثر حتى لامس جسدها جسده وقالت :فمايكون مصيرنا لو طال الكسوف ، لولا وجودك قربي لما بقيت لحظة وحدي .
وماهي الا لحظات حتى ظهر قرصالشمسكلية وانتهت الظاهرة وعادا ليجلسا بالقرب من بعضهما البعض ثم سألته :
-ها قد مر الكسوف وزالتمخاوفنا،بماذاأردت أن تعترف لي ؟أي حقيقة كنت تخفينها عني؟
-الحقيقة أن الاعتراف قرار شجاعوخطوةعملاقة نحو الانعتاق والتحرر من القيود والمخاوف التي قد نصطنعهالأنفسناحتى تضحى سدودا منيعة بيننا و بين ما نصبو إليه ..
-لا داعي للمراوغة هيا اعترف ، ماهواعترافك الأخير؟
-إني..إني أحبك يا نورا، من دونكلادلالة لي ،إن كنت مقصرا في حقك فاعف عني ،أنت كل شيء ،أنت..
تقاطعهنورا وهي في منتهى الغبطةقائلة. ّ
-أخيرا اعترفت بالحقيقة لماذا انتظرت كل هذه السنين،
لواعترفت منذ البداية لجنبتنا هذاالقلقوالخوف والشك الذي عشناه .
فيهذه الأثناء يدخل عبد القادربعدماأدى الصلاة ويبادرهما سائلا :
-كيف كان منظر الكسوف يا أولاد ؟
فتجيبهنورا وهي تنضر بطرف العينلعبدالهادي وكأنها ترد عن اعترافه الأخير ّ رائع..رائع..كان مشهد يجنن وشاعري.
-القهوة والمشروبات على حسابيالخاصيرد عبد الهادي ويستمر في حديثه ، هذه مناسبة تستحق الاحتفاء بها ثم ينهضلتنفيذما وعدهما به مناجيا نفسه ّ اليوم امتداد للغد وما دام الغد -موجود هناكأيامللحب للآمال وللأحلام.
[/QUOTE]
لقدبثت وسائل الإعلام الدوليةوالوطنيةخبرا مفاده أن الكرة الأرضية عشية هذه الألفية التي لم يبق عن انقضائهاالامائة واثنين وثلاثون يوما ، قد تشهد كسوفا وكثفت من نداءاتها حتى التهويل،حيثحثتفيها المواطنين بعدم الرؤية إلى السماء لتجنب أشعة الشمس الصادرة التي قد تؤديللعمى.
لميبق على اليوم الموعود الا يومواحدفانتابه الذعر ، ولم يهدأ له بال ، انه جد منزعج ، لم يسبق له أن رأى كسوفامنذنشأته لكنه كان يعلم من بعض الحضارات القديمة والتي كانت كلها تجمع بأن كسوفالشمسما هو الا غضب الإله على عباده ،وكلما حل كسوف الا وحلت معه اللعنةالإلهية،متمثلةفي كوارث طبيعية فتهلك القوم الضالة والظالمة وتطهر الأرض منهم ومندنسهم.
لميعد يثق في الشروحات التيقدمتهاوسائل الإعلام المرئية بغية تهدئة الأمور قبل حلول اللعنة كما كان يعتقدواعتبرهاسوى خطب سياسية ملقاة من أفواه علماء.
تذكرأحوال عالمه المعاصر الذييعيشفيه،فأوجد بأنه مليء بالتناقضات،بالمظالم والمعاصي،فيه تراق الدماء،تباحالمحرمات،عالممجنون ومتفسخ حيث لم تعد للنفس البشرية قيمتها،كثرت الحروب،القوىيأكلالظعيف وباختصار اجتمعت فيه كل العناصر التي من شأنها أن تكون سببا في هبوطاللعنةعليه وتفجيره،ثم تساءل وقال : كيف لا تأتي نهاية هذه الألفية بالانفجار وهيالتيأتت بالطاعون و الكونيتين والسيدا والخليجيتين ؟ وازدادت مخاوفه حين تذكرالكابوسالذي رآه ليلة البارحة ،حيث رأى فيما يرى النائم بأن البحر في لحظة هيجانوفيمد لا مثيل له غمر وأغرق جزءا كبيرا من مدينته،وقد هلك عدد كبير من الأهاليوالقلةالقليلة المتبقية تقاسمتها أسماك القرش والمجاعة.
أستيقظمن نومه مفزوعا،نظر إلىالساعةالمعلقة على جدار الغرفة فلم يبق على موعد الكسوف الا ثلاث ساعات تنهد فيحسرةوتساءل كالذي يكون في انتظار المقصلة التي ستهوى على رأسه وقال:أنا لم أقترفذنباوكثيرون هم أمثالي في هذا العالم ،ما مصير العالم بعد ثلاث ساعات؟ ثم أردف بلالعالملا يعنيني في شيء،ما مصير مكتبي وزميلتي نورا ؟
توضأثم صلى صلاة الصبح وظن بأنهاستكونآخر فرض له وأضرب عن شرب قهوته لأن نفسه مسدودة وتوجه إلي محطة النقل مثقلالخطوات،فشد انتباهه كثرة النوافذ المسيجة بالحديد والأبواب الخشبية التي استبدلتبأخرىحديدية ، الحديد أغزى كل شيء لم ينتبه لهذه الحقيقة الا هذا الصباح بالرغم منأنهذه الظاهرة شرع فيها من قبل ، هذا الصباح أيضا بدت حركة النقل شبه منعدمةوالمحلاتالتجارية مغلقة،حتى المقاهي والمخابز التي من المفروض أن تكون مفتوحة قددخلتفي إضراب غير معلن كأن أصحابها ظنوا بأنها نهاية العالم كما كان يعتقد،فالشارعالرئيسيأضحى مشلولا من الحركة الا من بعض الراجلين ثم اتجه إلى الكشك الوحيدالمفتوحفاشترى جريدة وظن بأنها ستكون آخر جريدة سيتصفحها،وفي قلق متزايد سارعلمعرفةالأخبار والعرق البارد يتصبب من جبينه،أهمل كل ما لم يتعلق بالكسوف وراحيلتهمالأخبار حيث جاء على صدر الصفحة الأولى ما يلي :
انتشرت حمى الكسوف فيالعالم،لقدانتحر رجل في مقتبل العمر بعد أن قضى على زوجته وأطفاله خوفا منالكسوف،لأنهكان يزعم بأنها نهاية العالم،وفي مدينة باريس توقع مصمم أزياء اختفاءالمدينةمن على سطح الأرض في كرة من اللهب،اليوم أثناء الكسوف بسبب مركبة الفضاءالروسية ّ مير ّ التي ستهوى عليها،إن لم تسارع أجهزة الأمن في التحكم فيها عن بعدوتوجيهمسارها وإسقاطها على الشواطئ الجنوبية للمتوسط ستدمر مدينة باريس عنآخرها،وقدأتستوحى كلامه من كتابات العراف المشهور ّنوستراد أموس ّ،وفي الوقت نفسهشكلسكان مدينة مرسيليا حكومة مؤقتة بدون العاصمة وسيتولون إدارة شؤون البلاد إذاماصحت التنبؤات..))
طوىالجريدة ثم تساءل في حزن : فيحالةما إذا صدقت التنبؤات وحولت المركبة من طرف سلطات العقد الاجتماعي إلى ضفافنالإسقاطهاعلى رؤوسنا فما هو مصيرنا؟أستشفع لنا صلاة الكسوف التي ستؤدى بالمساجد مناللعنة؟أيوجدمن يعيد توجيهها أو إسقاطها قبل أن تدخل مجالاتنا الإقليمية؟أليس بحرالمانشأقرب من المتوسط من باريس؟
بعدجهد جهيد وصل عبد الهادي إلىمكتبهحيث وجد المصلحة شبه مشلولة،كأن الزملاء فضلوا
مثلهالالتحاق بمن هم أعز عليهم فيهذهالأوقات الحرجة،وقد رخص للأمهات بالتغيب لحراسة أطفالهن ريثما تنتهي ظاهرةالكسوف
وماهي الا دقائق وتدخل الآنسةنوراكعادتها مبتسمة،فتبادر بالتحية وتجلس على مكتبها وتقول :إن حركة النقل جد صعبةلكننحن محظوظون لرأية ظاهرة كسوف الشمس،آه لو كان كلي لكان أجمل.
نظراليها عبد الهادي بتعجب وقالفينفسه : عجيب أمرك يا نورا رغم نباهتك الا أنك تستخفين بالأمور،أحقا أنت غيرمكترثةبما سيحدث؟
نطقعبد القادر الذي يعتبر عميدالمصلحةمن حيث الاستقامة والكفاءة والأقدمية مما جعل الجميعيكن له التقديروالاحترامأثناء التحدث وكأنه أحس بمخاوف عبد الهادي حيث حط يده على كتفه
الأيمنمطمئنا إياه وقال : حقا انهلمنظرجميل لكن للأسف أترك لكما فضل التمتع به،لأني سأحضر صلاة الكسوف بمسجد الحيالمجاوروالتي ستدوم منذ بدايته إلى نهايته ثم أغلق الباب وخرج.
كانتالساعة تشير إلى التاسعةوعشريندقيقة حيث بدأ اقتران القمر بقرص الشمس تدريجيا ورمى بظله على الأرض،فبدتالسماءوكأنها ملبدة بالغيوم واكتست العتمة سماء المصلحة فزاد اضطراب عبد الهاديولميعد هادي حتى أضحى جليا للأعين اضطرابه مما دفع بنورا الاقتراب منه ومساءلته :مابك يا عبد الهادي؟أراك مقتبضا صامتا وهذا ليس من عادتك.
الكسوف يا نورا..الكسوف،سنحترقإنتحترق باريس والأيام يا نورا..الأيام التي طالما انتظرتها وكنت أثق فيها..هلستكونيا نورا؟
بالطبع ستكون هناك أيام. أتظنبأنهانهاية العالم؟ لتحترق باريس فما دخلنا بها؟ألم تحترق قبلهابغداد وأطفالالعامريةولم يكن لها أي تأثير على جيرانها؟كلام الصحف؟انه مجرد إشهار لاتقلق،واستغفرربك فنهاية الكون ليست اليوم أو غدا،هذا لا يعلمه الا الله واعلم بأنالانسانمسير ولا مخير ،يعيش في الحياة حسب خط مرسوم له منذ البداية، وجد قبل أنيولد.
كانتهذه الكلمات لها الأثرالإيجابيعلى نفسية عبد الهادي، مما جعله يرتاح لها ويغوص في الكلام بدون انقطاع عنطفولتهالبائسة عن الحرمان عن الشقاء ،عن الريف،وعن سذاجة وطيبة أهله وعفويتهمووداعتهموعن خوفه الزائد من الأيام وتكلمت نورا هي الأخرى عن طفولتها ،عن حياتهاالتيلم تعد تطاق،عن المدينة ومدنيتها المتوحشة ،عن أضوائها الزائفة وعلاقاتهاالاجتماعيةالباردة وعن ذئابها المتوحشة وعن ضبابها وتلوثها.
لحظتهاقاطعها عبد الهادي وقال :الآنزادت ثقتي فيك ، أود أن أعترف لك بشيء يا نورا.
ليسالآن يا زميلي حالتك النفسيةتبدومهزوزة،هيا أنهض لنتأمل معا اللحظات الأخيرة فالظاهرة توشك أن تنته دون أننكونشاهدين عليها،هذا حدث تاريخي.تنهض من مكانها وتقترب من النافذة وتلبس نظاراتهاالخاصةوتنظر للسماء ثم تسلمها له ليرى بدوره ويبقيا على حالهما صامتين إلى أن أحستبشعورغريب ، شيء من الخوف وبدون شعور اقتربت منه أكثر حتى لامس جسدها جسده وقالت :فمايكون مصيرنا لو طال الكسوف ، لولا وجودك قربي لما بقيت لحظة وحدي .
وماهي الا لحظات حتى ظهر قرصالشمسكلية وانتهت الظاهرة وعادا ليجلسا بالقرب من بعضهما البعض ثم سألته :
-ها قد مر الكسوف وزالتمخاوفنا،بماذاأردت أن تعترف لي ؟أي حقيقة كنت تخفينها عني؟
-الحقيقة أن الاعتراف قرار شجاعوخطوةعملاقة نحو الانعتاق والتحرر من القيود والمخاوف التي قد نصطنعهالأنفسناحتى تضحى سدودا منيعة بيننا و بين ما نصبو إليه ..
-لا داعي للمراوغة هيا اعترف ، ماهواعترافك الأخير؟
-إني..إني أحبك يا نورا، من دونكلادلالة لي ،إن كنت مقصرا في حقك فاعف عني ،أنت كل شيء ،أنت..
تقاطعهنورا وهي في منتهى الغبطةقائلة. ّ
-أخيرا اعترفت بالحقيقة لماذا انتظرت كل هذه السنين،
لواعترفت منذ البداية لجنبتنا هذاالقلقوالخوف والشك الذي عشناه .
فيهذه الأثناء يدخل عبد القادربعدماأدى الصلاة ويبادرهما سائلا :
-كيف كان منظر الكسوف يا أولاد ؟
فتجيبهنورا وهي تنضر بطرف العينلعبدالهادي وكأنها ترد عن اعترافه الأخير ّ رائع..رائع..كان مشهد يجنن وشاعري.
-القهوة والمشروبات على حسابيالخاصيرد عبد الهادي ويستمر في حديثه ، هذه مناسبة تستحق الاحتفاء بها ثم ينهضلتنفيذما وعدهما به مناجيا نفسه ّ اليوم امتداد للغد وما دام الغد -موجود هناكأيامللحب للآمال وللأحلام.
ان احسست بالاختناق فابحث عن الحرية حيث ما تكون لكي لا تموت.
التعديل الأخير تم بواسطة روان علي شريف ; 31-01-2009 الساعة 02:14 PM










