السلطان عبد الحميد واليهود .. الصلابي
31-05-2008, 05:25 PM
السلطان عبد الحميد واليهود ....
عن كتاب الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط للدكتور علي محمد الصلابي
إن حقيقة الصراع بين السلطان عبدالحميد الثاني واليهود من أهم الأحداث في تاريخ السلطان المسلم الغيور عبدالحميد الثاني.
إن امر اليهود وعداؤهم للإسلام يعود جذوره الى ظهور الاسلام منذ أن أنتصر الاسلام وأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة المنورة لخيانتهم المتكررة وعداواتهم الدائمة ومن ثم عن سائر الجزيرة العربية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم يكيدون له وقد تظاهر بعضهم بالاسلام وبث السموم في جسم الامة الاسلامية عبر تاريخها الطويل وما عبدالله ابن سبأ والقرامطة والحشاشين والراوندية والدعوات الهدامة التي ظهرت في تاريخ المسلمين عنهم ببعيد.
لقد أهدى تتار بلاد القرم للسلطان سليمان القانوني في القرن الخامس عشر الميلادي فتاة يهودية روسية كانوا قد سبوها في إحدى غزواتهم فتزوجها السلطان سليمان القانوني وأنجبت له بنتاً فما إن كبرت تلك البنت حتى سعت أمها اليهودية من اللقيط الكرواتي رستم باشا ثم إمعاناً منها في الغدر تمكنت من قتل الصدر الأعظم ابراهيم باشا ونصبت صهرها اللقيط بدلاً عنه ثم قامت بتدير مؤامرة اخرى استطاعت بها أن تتخلص من ولي العهد مصطفى ابن السلطان سليمان من زوجته الأولى ونصبت ابنها سليم الثاني ولياً للعهد.
في ذلك الزمن كان اليهود قد تعرضوا للاضطهاد في الأندلس وروسيا وتشرد الكثير منهم هرباً من محاكم التفتيش فتقدمت تلك اليهودية من السلطان وسعت لديه بالحصول على إذن لهم بالهجرة الى البلاد، وبالفعل فقد استقر قسم منهم في إزمير( ) ومنطقة أدرنة، ومدينة بورصه والمناطق الشمالية والغربية من الاناضول ، وبعد استقرارهم في الدولة العثمانية، طبقت الحكومة عليهم أحكام الشريعة الاسلامية حيث تمتعوا في ظلها بقدر كبير من الاستقلال الذاتي، وفي الواقع أن يهود إسبانيا لم يجدوا المأوى فقط في تركيا العثمانية بل وجدوا الرفاهية والحرية التامة بحيث أصبح لهم التسلسل الهرمي في الدولة، إذ تغلغلوا في المراكز الحساسة منها مثل دون جوزيف ناسي، وغيرهم وتمتع يهود إسبانيا بشيء كبير من الاستقلال وأصبح رئيس الحاخاميين مخول له السلطة في الشؤون الدينية والحقوق المدنية بحيث أن مراسم وقرارات هذا الحاخام كانت تصدق من قبل الحكومة الى درجة تحولت الى قانون يخص اليهود( ).
وتجدر الاشارة في هذا المجال ، أن علي باشا وزير الخارجية (أصبح فيما بعد الصدر الأعظم ، قد شارك في بعثته الدبلوماسية عدد من اليهود في عام 1865م المرسلة الى الاقطار الأوروبية المسيحية)( ).
إن اليهود تمتعوا بكافة الامتيازات والحصانات بموجب قوانين رعايا الدولة( ) ووجدوا السلم والأمان وحرية الوجود الكامل في الدولة العثمانية( ).
أولاً: يهود الدونمة:
هناك مفاهيم عديدة لكلمة الدونمة، إذ إن الكلمة من الناحية اللغوية مشتقة من الكلمة التركية (دونمك) التي تعني الرجوع أو العودة أو الارتداد. أما المفهوم الاجتماعي لهذه الكلمة فإنه يعني المرتد أو المتذبذب، بينما تعني هذه الكلمة من الناحية الدينية مذهباً دينياً جديداً، دعا إليه الحاخام ساباتاي زيفي، أما المفهوم السياسي لهذه الكلمة فإنه يعني اليهود المسلمين الذين لهم كيانهم الخاص( )، وقد أطلق المعنى الخاص بالدونمة منذ القرن السابع عشر على اليهود الذين يعيشون في المدن الاسلامية وخاصة في ولاية سلانيك وأطلق العثمانيون اسم الدونمة على اليهود لغرض بيان وتوضيح العودة من اليهودية الى الاسلام ثم أصبح علماً على فئة من يهود الاندلس الذين لجؤوا الى الدولة العثمانية وتظاهروا باعتناق العقيدة الاسلامية( ).
إن مؤسس فرقة الدونمة هو شبتاي زيفي الذي أدعى بأنه المسيح المنتظر في القرن السابع عشر، حيث انتشرت في تلك الايام شائعة تقول أن المسيح سيظهر في عام 1648م كي يقود اليهود في صورة المسيح وأنه سوف يحكم العالم في فلسطين ، ويجعل القدس عاصمة الدولة اليهودية المزعومة( ) وكانت فكرة المسيح المنتظر ذائعة عندئذ في المجتمع اليهودي ، وكانت الأوساط اليهودية القديمة تؤمن بقرب ظهور هذا المسيح. ولذلك صادفت دعوة شبتاي تأييداً كبيراً بين يهود فلسطين ومصر وشرق أوروبا ، بل أيدها كثير من اليهود وأصحاب الأموال لأغراض سياسية ومالية( ).
وذاع أمر شبتاي في أوروبا وبولندا وألمانيا وهولندا وإنكلترا وإيطاليا وشمال أفريقيا وغيرها.
وفي أزمير أخذ يلتقي بالوفود اليهودية التي جاءت من أدرنة وصوفيا واليونان وألمانيا، حيث قلدته هذه الوفود تاج "ملك الملوك" ثم قام شبتاي بتقسيم العالم الى ثمانية وثلاثين جزءاً ، وعين لكل منها ملكاً، اعتقاداً منه بأنه سيحكم العالم كله من فلسطين، حيث كان يقول في هذا المجال: (أنا سليل سليمان بن داود حاكم البشر وأعتبر القدس قصراً لي)( ).
وقام شبتاي بشطب اسم السلطان محمد الرابع من الخطب التي كانت تلقى في كنيس اليهود وجعل أسمه محل اسم السلطان، وسمى نفسه (سلطان السلاطين) و(سليمان بن داود) مما لفت انتباه الحكومة العثمانية( ).
وأصبح شبتاي مصدر قلق لكثير من حاخامين اليهود ورفعوا ضده شكوى الى السلطان ، أكدوا فيها أن شبتاي ينوي القيام بحركة تمردية في سبيل تأسيس دولة يهودية في فلسطين( ).
ونتيجة لإشتداد فتنة شبتاي زيفي، أصدر الوزير القوي أحمد كوبرولو أوامره بإلقاء القبض عليه، وأودعه الوزير في السجن، وظل فيه لمدة شهرين ثم نقل الى قلعة جزيرة غاليبولي على الدردنيل ، وسمح لزوجته وكاتبه الخاص أن يتخذا لهما سكناً معه وأصبح له مجلس كمجلس الأمراء، لايدخل عليه إلا بإذن مسبق وينتظر الذين يريدون أن يتمتعوا برؤيته أياماً من أجل ذلك وأخذت زوجته تسلك سلوك الأميرات مع القادمين عليها والقادمات حيث كانت وفود يهودية من أنحاء العالم قادمين لزيارته( ).
حوكم شبتاي في سراي أدرنة، حيث شكل السلطان هيئة علمية إدارية برئاسة نائب الصدر الأعظم وعضوية كل من (شيخ الاسلام) يحيى أفندي منقري زادة وواحد من كبار العلماء وهو إمام القصر محمد أفندي وانلي، وقام بدور المترجم من الإسبانية الى التركية الطبيب مصطفى حياتي( ).
أكد قاضي المحكمة، أن المسألة تعد بالنسبة للدولة العثمانية، وعلى مسمع من السلطان الذي جلس في غرفة مجاورة (وبواسطة الترجمان قيل لسبتاي تدعي أنك المسيح فأرنا معجزتك سنجردك من ثيابك ونجعلك هدفاً لسهام المهرة من رجالنا فأن لم تغرز السهام في جسمك فسيقبل السلطان ادعاءك. فهم شبتاي ما قيل له فأنكر ما أسند إليه وقال إنهم تقولوا عليه )( )، فعرض عليه الإسلام فدخل فيه تحت اسم محمد عزيز أفندي( ) وطلب من السلطات العثمانية أن تسمح له بدعوة اليهود الى الاسلام، فأذنت له وانتهزها فرصة فأنطلق بين اليهود يواصل دعوته الى الايمان به ويحثهم على ضرورة تجمعهم معلنين في ظاهرهم الاسلام مبطنين يهوديتهم المنحرفة( ).
وظل شبتاي وأنصاره يتبعون دينهم الموسوي سراً، ويمارسون العمل للصهيونية في الخفاء، ويظهرون الاخلاص للاسلام في العلن والصلاح والتقوى أمام الأتراك، وكان يقول لأتباعه إنه كالنبي موسى الذي اضطر أن يبقى مدة من الزمن في قصور الفراعنة( ) وفي ظل هذه الظروف ألقي القبض على شبتاي مع مجموعة من أتباعه في كنيس (قوري جشمه) الكائنة في داخل المعبد بسبب أنه كان مرتدياً زياً يهودياً وهو محاط بالنساء يشربون الخمر وينشدون الأناشيد اليهودية، وقراءة المزامير مع عدد من اليهود فضلاً عن اتهامه بدعوته المسلمين الى ترك دينهم والإيمان به، ولولا تدخل شيخ الاسلام لقطع رأسه، حيث اعترض على إعدامه قائلاً: ( لو أعدم هذا المحتال سيكون سبباً لحدوث خرافة في الإنسانية ، حيث يدعي مريدوه بعروجه الى السماء كعيسى عليه السلام)( ). فأكتفى بنفيه الى مدينة دولسجنو في ألبانيا وذلك في صيف عام 1673م، وتوفى بعد خمس سنوات من نفيه وظلت عقيدة الشاباتائية موجودة لدى فرق سالونيك، وتفنن أتباعه في ممارسة المكر والتعصب والتجرد من المبادئ، والأخلاق( ).
وقد نظم شبتاي زيفي عقيدة الدونمة في ثماني عشرة مادة وفي الحقيقة تعد المادة السادسة عشرة والسابعة عشرة أهم سمات الدونمة، إذ تشير المادة (16): (يجب أن تطبق عادات الأتراك بدقة لصرف أنظارهم عنكم ويجب ألا يظهر أحد من الأتباع تضايقه من صيام رمضان ومن الأضحية ولمن ينفذ كل شيء يجب تنفيذه أمام الملأ)( ). أما المادة (17) فإنها تشير الى الآتي: (إن مناكحتهم (يعني المسلمين) ممنوعة قطعاً)( ).
إن شبتاي يعد أول يهودي بشر بعودة بني اسرائيل الى فلسطين ، وفي حقيقة الأمر، عدت حركة زيفي حركة سياسية ضد سلطة الدولة العثمانية أكبر من كونها حركة دينية( ).
لقد أسهمت هذه الطائفة في هدم القيم الاسلامية في المجتع العثماني وعملت على نشر الإلحاد والأفكار الغربية وانتشار الماسونية والدعوة لهتك حجاب المرأة المسلمة واختلاطها مع الرجال وخاصة في المدارس وكان الكثير من رجال الاتحاد والترقي يساهم في بعض نشاطاتها وأفراحها.
وقام يهود الدونما بدور فعال في نصرة القوى المعادية للسطان عبدالحميد والتي تحركت من سلانيك لعزله وهم الذين سمموا أفكار الضباط الشباب ولايزالون حتى وقتنا الحاضر يسعون لذلك ولهم صحف ودور نشر وتغلغلوا في الاقتصاد العثماني وكل مناحي الحياة في الدولة العثمانية( ).
وقد استطاعوا أن يأثروا في جمعية الاتحاد والترقي، وكان السلطان عبدالحميد الثاني عارفاً بحقيقة الدونمة ويؤكد هذه الحقيقة الجنرال جواد رفعت أتلخان، حيث يقول في هذا الصدد: (إن الشخص الوحيد في تاريخ الترك جمعيه، الذي عرف حقيقة الصهيونية والشبتائية وأضرارهما على الترك والاسلام وخطرها تماماً، وكافح معهما مدة طويلة بصورة جدية لتحديد شرورهم هو السلطان التركي العظيم كافح هذه المنظمات الخطيرة لمدة ثلاث وثلاثين سنة بذكاء وعزم وبإرادة مدهشة جداً كالأبطال)( ).
وفي حقيقة الأمر، أهتم عبدالحميد بإبقاء الدونمة في ولاية سالونيك ، وعدم وصولهم الى الاستانة، بغية عدم السيطرة عليها والتجنب من تحركاتهم ، ونتيجة للموقف الجاد من عبدالحميد إزاء فرقة الدونمة اتبعوا إستراتيجية مضادة له، حيث تحركوا ضده على مستوى الرأي العام العثماني والجيش( ).
ونتيجة لموقف عبدالحميد من الدونمة، قام يهود الدونمة بالتعاون مع المحافل الماسونية للإطاحة به، وقد استخدم هؤلاء شعارات معينة كالحرية والديمقراطية وإزاحة المستبد عبدالحميد، وعلى هذا الاساس قاموا بنشر الشقاق والتمرد في الدولة العثمانية بين صفوف الجيش . وكانت الغاية من هذا هي تحقيق المشروع الاستيطاني الصهيوني باستيطان فلسطين. وكان يهود الدونمة يشلكون اللبنة الأولى لتنفيذ المخططات اليهودية العالمية( ).
ثانياً: السلطان عبدالحميد وزعيم اليهودية العالمية (هرتزل):
استطاع زعيم الحركة اليهودية الصهيونية العالمية (تيودر هزتزل) أن يتحصل على تاييد أوروبي للمسألة اليهودية من الدول (ألمانيا، وبريطانيا وفرنسا) وجعل من هذه الدول قوة ضغط على الدولة العثمانية تمهيداً لمقابلة السلطان عبدالحميد، وطلب فلسطين منه وكانت الدولة العثمانية تعاني من مشاكل مالية متعددة، إذ كانت الأحوال الاقتصادية في البلاد على درجة من السوء بحيث فرضت الدول الأوروبية الدائنة وجود بعثة مالية أوروبية في تركيا العثمانية للإشراف على أوضاعها الاقتصادية ضماناً لديونها ، الأمر الذي دفع عبدالحميد الثاني أن يجد حلاً لهذه المعضلة.
كانت هذه الثغرة هي السبيل الوحيد أمام هرتزل، كي يؤثر على سياسة عبدالحميد الثاني تجاه اليهود. وفي هذا الصدد يقول هرتزل في مذكراته: (علينا أن ننفق عشرين مليون ليرة تركية لإصلاح الأوضاع المالية في تركيا ... مليونان منها ثمناً لفلسطين والباقي لتحرير تركيا العثمانية بتسديد ديونها تمهيداً للتخلص من البعثة الأوروبية ...ومن ثم نقوم بتمويل السلطان بعد ذلك بأي قروض جديدة يطلبها( ).
لقد أجرى هرتزل إتصالات مكثفة مع المسؤولين في ألمانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا وإنكلترا وكانت الغاية من هذه الاتصالات هي إجراء حوار مع عبدالحميد الثاني. وفي هذا الصدد فقد نصح لاندو منذ 21 شباط 1896م الصديق اليهودي لهرتزل أن يقوم بواسطة صديقه نيولنسكي رئيس تحرير (بريد الشرق) .وفي هذا المجال يقول هرتزل: (إن نحن حصلنا على فلسطين ، سندفع لتركيا كثيراً أو سنقدم عطايا كثيرة لمن .. لمن يتوسط لنا. ومقابل هذا نحن مستعدون أن نسوي أوضاع تركيا المالية. سنأخذ الأراضي التي يمتلكها السلطان ضمن القانون المدني، مع أنه ربما لم يكن هناك فرق بين السلطة الملكية والممتلكات الخاصة)( ).
وقام هرتزل بزيارة الى القسطنطينية وذلك في حزيران عام 1896م ، ورافقه في هذه الزيارة نيولنسكي ، الذي كانت له علاقة ودية مع السلطان عبدالحميد، ونتيجة لذلك فقد نقل بيولنسكي آراء هرتزل الى قصر يلدز، وقد دارت محاورة بين نيولنسكي والسلطان عبدالحميد إذ قال السلطان له: (هل بإمكان اليهود أن يستقروا في مقاطعة أخرى غير فلسطين؟ أجاب نيولنسكي قائلاً:
(تعتبر فلسطين هي المهد الأول لليهود، فعليه فإن اليهود لهم الرغبة في العودة إليها)، ورد السلطان قائلاً: (إن فلسطين لاتعتبر مهداً لليهود فقط، وإنما تعتبر مهداً لكافة الأديان الأخرى). أجاب نيولنسكي قائلاً: (في حالة عدم استرجاع فلسطين من قبل اليهود فإنهم سوف يحاولون الذهاب وبكل بساطة الى الارجنتين)( ).
وقام السلطان عبدالحميد بإرسال رسالة الى هرتزل بواسطة صديقه نيولنسكي جاء فيها: (انصح صديقك هرتزل، أن لايتخذ خطوات جديدة حول هذا الموضوع ، لأني لااستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة، لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي. وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، ورووها بدمائهم؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم . إذا مزقت دولتي ، من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل، ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولاً في جثتنا ولكن لا أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد الحياة)( ).
وفي هذا الصدد يقول عبدالحميد في مذكراته:
(ومن المناسب أن نقوم باستغلال الأراضي الخالية في الدولة، وهذا يعني من جانب آخر، أنه كان علينا أن ننهج إتباع سياسة تهجير خاصة، ولكننا لانجد أن هجرة اليهود مناسبة، لأن غايتنا هي استيطان عناصر تنتمي الى دين أسلافنا وتقاليدنا حتى لايستطيعوا من الهيمنة على زمام الأمور في الدولة)( ).
وبعد إخفاق جهود هرتزل في واسطة نيولنسكي ، اتجه هرتزل الى قصر وليم الثاني أمبراطور ألمانيا، ولاسيما أنه كان صديقاً لعبدالحميد، بالاضافة الى كون وليم الثاني هو الحليف الوحيد للعثمانيين في أوروبا( ) إلا أن مساعيه لم تكلل بالنجاح يقول المؤرخ التركي نظام الدين نظيف في كتابه (إعلان الحرية والسلطان عبدالحميد الثاني) : (....عندما رد طلب الوفد اليهودي -المسند من قبل الامبراطور وليم- في الحصول على وطن لهم، أي : عندما خاب هرتزل في مسعاه إشتد العداء ضد (يلدز) وهذا ماكان يتوقعه عبدالحميد، لأن اليهود قوم يتقنون العمل المنظم، وكانت لديهم قوى عديدة تضمن لهم النجاح في مسعاهم ، فالمال متوفر لديهم وكانوا يسيطرون على أهم العلاقات التجارية الدولية، وكانت صحافة أوروبا في قبضتهم، فكان في مقدرهم اطلاق العواصف التي يريدونها لدى الرأي العام متى شاءوا....)( ).
يردف المؤرخ التركي قائلاً: (بدأوا أولاً بتحريك الصحافة العالمية، ثم أخذوا بتوحيد أعداء عبدالحميد الذين نشأوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط، نجد، أنصار المشروطية يتخذون طابعاً منظماً وهجومياً، علماً بأنهم كانوا حتى ذلك الوقت متفرقين ويعملون دون نظام ودون تنسيق، إذ لم يكن صعباً عليهم توحيد أعداء عبدالحميد الذين نشأوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط. وقد أخذ (المشرق الأعظم الماسوني الإيطالي) على عاتقه هذه المهمة في التوحيد والتنسيق لأنه كان أقرب مركز ماسوني للامبراطورية العثمانية. ولعبت المحافل الايطالية وخاصة محفل (ريزوتا) في سلانيك دوراً ملحوظاً...)( ).
إزاء هذا الاخفاق قرر هرتزل أن يستخدم وسائل أخرى لاستمالة عبدالحميد الثاني، حيث عرض نفسه عن طريق نيولنسكي خدمته بواسطة القضية الأرمنية( ) وفي هذا الصدد يقول هرتزل: (طلب مني السلطان أن أقوم بخدمة له، وهي أن أؤثر على الصحف الأوروبية ، بغية قيام الأخيرة بالتحدث عن القضية الأرمنية بلهجة أقل عداء للأتراك، أخبرت نيولنسكي حالاً باستعدادي للقيام بهذه المهمة، ولكني أكدت على إعطائي فكرة وافية عن الوضع الأرمني : من هم الأشخاص في لندن الذين يجب أن أقنعهم بما يريدون ، وأي الصحف يجب أن نستميلها لجهتنا وغير ذلك)( ).
وعلى هذا الأساس، فقد نشطت الدبلوماسية الصهيونية لاقناع الأرمن بالتخلي عن ثورتهم. ونتيجة لذلك فقد اتصل هرتزل مع سالزبوري والمسؤولين الانكليز بغية استخدامهم للضغط على الأرمن، كما نشط اليهود في مدن أوروبية اخرى مثل فرنسا للقيام بنفس الدور. إلا أن دبلوماسية هرتزل قد أخفقت بسبب عدم تحمس بريطانيا، لأن ذلك كان يعني تأييد سياسة عبدالحميد، الأمر الذي يؤدي في إثارة الرأي العام البريطاني ضد الحكومة( ).
وقد حاول هرتزل لقاء عبدالحميد الثاني ، ولاسيما أثناء الزيارة الثانية للامبراطور وليم الثاني الى القسطنطينية، إلا أن موظفي قصر يلدز منعوه من ذلك. واستمر هرتزل في محاولاته المستمرة حتى تكللت جهوده بالنجاح بعد سنتين (1899-1901م) من الاحتكاك المباشر مع الموظفين الكبار لقصر يلدز من مقابلة عبدالحميد، حيث قابل السلطان لمدة ساعتين وقد اقترح هرتزل قيام البنوك اليهودية الغنية في أوروبا بمساعدة الدولة العثمانية لقاء السماح بالاستيطان في فلسطين، بالإضافة الى ذلك فإنه قد أكد لعبدالحميد أنه سوف يخفف الديون العامة للدولة العثمانية وذلك منذ عام 1881م ، وقد وعد هرتزل عبدالحميد أن يحتفظ بمناقشاته السرية معه( ).
كان السلطان عبدالحميد في خلال مقابلته مع هرتزل مستمعاً أكثر منه متكلماً وكا يرخي لهرتزل في الكلام كي بدفعه أن يتحدث بكل مايخطر في مخيلته من أفكار ومشروعات ومطالب. وقد أدى هذا الأمر الى أن يعتقد هرتزل بأنه نجح في مهمته هذه. ولكنه أدرك في نهاية الأمر بأنه قد أخفق مع عبدالحميد وأنه أخذ يسير في طريق مسدود معه( ).
وبعد إخفاق جهود هرتزل عند عبدالحميد الثاني، تحدث هرتزل قائلاً: (في حالة منح السلطان فلسطين لليهود ، سنأخذ على عاتقنا تنظيم الأوضاع المالية، اما في القارة الأوروبية فإننا سنقوم بإيجاد حصن منيع ضد آسيا، وسوف نبني حضارة ضد التخلف، كما سنبقي في جميع أنحاء أوروبا بغية ضمان وجودنا)( ).
وفي الحقيقة كان عبدالحميد يرى أنه من الضروري عدم توطين اليهود في فلسطين ، كي يحتفظ العنصر العربي بتفوقه الطبيعي. وفي هذا الصدد يقول: (... ولكن لدينا عدد كافٍ من اليهود ، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضاً تملكوا كافة قدراتها خلال وقت قصير، ولذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم)( ).
وكانت الدولة العثمانية تسعي في أحيان كثيرة الى أبعاد اليهود العثمانيين عن أفكار هرتزل والحركة الصهيونية، ومع ذلك فإنها في أحيان أخرى كانت تستخدم لغة التهديد معهم. وفي هذا الصدد أوضح علي فروخ بك الوسائل الاعلامية الاجنبية، وبصراحة تامة: (إنه لبعيد من الصواب أن يقوم الصهاينة على خلق صعوبات للحكومة العثمانية، بغية إرغامها على تحقيق مصالحها. ولكن هذه الصعوبات سوف تؤدي في نهاية الأمر الى إلحاق الأذى بوجودهم السلمي والسعيد في الدولة العثمانية... وهذه النقطة واضحة بالنسبة لعلاقة العثمانيين مع رعايا الأرمن، لأن قلة من المتمردين الذين قاموا على إرتكاب الخطأ والحماقة معتمدين الى الارشاد الميكافلي قد أدى في نهاية الأمر أن يندما على مافعلوه ، من دون التوصل على أية نتيجة)( ).
وعلى الرغم ، من اخفاق جهود هرتزل عند السلطان عبدالحميد، كتب هرتزل قائلاً: (يجب تملك الأرض بواسطة اليهود بطريقة تدريجية دون ماحاجة الى استخدام العنف، سنحاول أن نشجع الفقراء من السكان الأصليين على التروح الى البلدان المجاورة بتأمين أعمال لهم هناك مع خطر تشغيلهم في بلدنا إن الاستيلاء على الأرض سيتم بواسطة العملاء السريين للشركة اليهودية التي تتولى بعد ذلك بيع الأرض لليهود. علاوة على ذلك تقوم الشركة اليهودية بالإشراف على التجارة في بيع العقارات وشرائها، على أن يقتصر بيعها على اليهود وحدهم)( ).
وكتب هرتزل قائلاً: (أقر على ضوء حديثي مع السلطان عبدالحميد الثاني أنه لايمكن الاستفادة من تركيا إلا إذا تغيرت حالتها السياسية أو عن طريق الزج بها في حروب تهزم فيها، إو عن طريق الزج بها في مشكلات دولية أو بالطريقتين معاً في آن واحد)( ).
إن عبدالحميد كان يعرف أهداف الصهيونية، حيث قال في مذكراته السياسية: ( لن يستطيع رئيس الصهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره وقد يكون قوله : ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوي فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده، صحيحاً في رأيه ، أنه يسعى لتأمين ارض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل .. لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين بل يريدون أموراً مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم. وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين)( ).
وعن القدس يقول عبدالحميد الثاني: (لماذا نترك القدس ...إنها أرضنا في كل وقت وفي كل زمان وستبقى كذلك، فهي من مدننا المقدسة، وتقع في أرض إسلامية ، لابد أن تظل القدس لنا)( ).
لقد كان غرض السلطان عبدالحميد في استماعه الى (تيودور هرتزل) معرفة الآتي:
1. حقيقة الخطط اليهودية.
2-معرفة قوة اليهود العالمية ومدى قوتها.
3-إنقاذ الدولة العثمانية من مخاطر اليهود.
وشرع السلطان عبدالحميد في توجيه أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية لمتابعة اليهود وكتابة التقرير عنهم وأصدر إرادتين سنتين الأولى في 28 يونيو 1890م والأخرى في 7 يونيو 1890م. في الأولى (رفض قبول اليهود في الممالك الشاهسانية) والأخرى: (على مجلس الوزراء دراسة تفرعات المسألة واتخاذ قرار جدّي وحاسم في شأنها)( ).
واتخذ السلطان عبدالحميد الثاني كل التدابير اللازمة في سبيل عدم بيع الأراضي الى اليهود في فلسطين ، وفي سبيل ذلك عمل جاهداً على عدم إعطاء أي امتياز للهود من شأنه أن يؤدي الى تغلب اليهود على أرض فلسطين. ولابد في هذه الحالة أن تتكاتف جهود المنظمات الصهيونية بغية إبعاد السلطان عبدالحميد الثاني من الحكم. ويعزز هذا القول هرتزل عندما قال: (إني أفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود في فلسطين، وإن اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة، مادام السلطان عبدالحميد قائماً في الحكم، مستمراً فيه)( ).
وتحركت الصهيونية العالمية، لتدعم أعداء السلطان عبدالحميد الثاني ، وهم المتمردون الأرمن، والقوميون في البلقان، وحركة حزب الاتحاد والترقي، والوقوف مع كل حركة انفصالية عن الدولة العثمانية( ).
عن كتاب الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط للدكتور علي محمد الصلابي
إن حقيقة الصراع بين السلطان عبدالحميد الثاني واليهود من أهم الأحداث في تاريخ السلطان المسلم الغيور عبدالحميد الثاني.
إن امر اليهود وعداؤهم للإسلام يعود جذوره الى ظهور الاسلام منذ أن أنتصر الاسلام وأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة المنورة لخيانتهم المتكررة وعداواتهم الدائمة ومن ثم عن سائر الجزيرة العربية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهم يكيدون له وقد تظاهر بعضهم بالاسلام وبث السموم في جسم الامة الاسلامية عبر تاريخها الطويل وما عبدالله ابن سبأ والقرامطة والحشاشين والراوندية والدعوات الهدامة التي ظهرت في تاريخ المسلمين عنهم ببعيد.
لقد أهدى تتار بلاد القرم للسلطان سليمان القانوني في القرن الخامس عشر الميلادي فتاة يهودية روسية كانوا قد سبوها في إحدى غزواتهم فتزوجها السلطان سليمان القانوني وأنجبت له بنتاً فما إن كبرت تلك البنت حتى سعت أمها اليهودية من اللقيط الكرواتي رستم باشا ثم إمعاناً منها في الغدر تمكنت من قتل الصدر الأعظم ابراهيم باشا ونصبت صهرها اللقيط بدلاً عنه ثم قامت بتدير مؤامرة اخرى استطاعت بها أن تتخلص من ولي العهد مصطفى ابن السلطان سليمان من زوجته الأولى ونصبت ابنها سليم الثاني ولياً للعهد.
في ذلك الزمن كان اليهود قد تعرضوا للاضطهاد في الأندلس وروسيا وتشرد الكثير منهم هرباً من محاكم التفتيش فتقدمت تلك اليهودية من السلطان وسعت لديه بالحصول على إذن لهم بالهجرة الى البلاد، وبالفعل فقد استقر قسم منهم في إزمير( ) ومنطقة أدرنة، ومدينة بورصه والمناطق الشمالية والغربية من الاناضول ، وبعد استقرارهم في الدولة العثمانية، طبقت الحكومة عليهم أحكام الشريعة الاسلامية حيث تمتعوا في ظلها بقدر كبير من الاستقلال الذاتي، وفي الواقع أن يهود إسبانيا لم يجدوا المأوى فقط في تركيا العثمانية بل وجدوا الرفاهية والحرية التامة بحيث أصبح لهم التسلسل الهرمي في الدولة، إذ تغلغلوا في المراكز الحساسة منها مثل دون جوزيف ناسي، وغيرهم وتمتع يهود إسبانيا بشيء كبير من الاستقلال وأصبح رئيس الحاخاميين مخول له السلطة في الشؤون الدينية والحقوق المدنية بحيث أن مراسم وقرارات هذا الحاخام كانت تصدق من قبل الحكومة الى درجة تحولت الى قانون يخص اليهود( ).
وتجدر الاشارة في هذا المجال ، أن علي باشا وزير الخارجية (أصبح فيما بعد الصدر الأعظم ، قد شارك في بعثته الدبلوماسية عدد من اليهود في عام 1865م المرسلة الى الاقطار الأوروبية المسيحية)( ).
إن اليهود تمتعوا بكافة الامتيازات والحصانات بموجب قوانين رعايا الدولة( ) ووجدوا السلم والأمان وحرية الوجود الكامل في الدولة العثمانية( ).
أولاً: يهود الدونمة:
هناك مفاهيم عديدة لكلمة الدونمة، إذ إن الكلمة من الناحية اللغوية مشتقة من الكلمة التركية (دونمك) التي تعني الرجوع أو العودة أو الارتداد. أما المفهوم الاجتماعي لهذه الكلمة فإنه يعني المرتد أو المتذبذب، بينما تعني هذه الكلمة من الناحية الدينية مذهباً دينياً جديداً، دعا إليه الحاخام ساباتاي زيفي، أما المفهوم السياسي لهذه الكلمة فإنه يعني اليهود المسلمين الذين لهم كيانهم الخاص( )، وقد أطلق المعنى الخاص بالدونمة منذ القرن السابع عشر على اليهود الذين يعيشون في المدن الاسلامية وخاصة في ولاية سلانيك وأطلق العثمانيون اسم الدونمة على اليهود لغرض بيان وتوضيح العودة من اليهودية الى الاسلام ثم أصبح علماً على فئة من يهود الاندلس الذين لجؤوا الى الدولة العثمانية وتظاهروا باعتناق العقيدة الاسلامية( ).
إن مؤسس فرقة الدونمة هو شبتاي زيفي الذي أدعى بأنه المسيح المنتظر في القرن السابع عشر، حيث انتشرت في تلك الايام شائعة تقول أن المسيح سيظهر في عام 1648م كي يقود اليهود في صورة المسيح وأنه سوف يحكم العالم في فلسطين ، ويجعل القدس عاصمة الدولة اليهودية المزعومة( ) وكانت فكرة المسيح المنتظر ذائعة عندئذ في المجتمع اليهودي ، وكانت الأوساط اليهودية القديمة تؤمن بقرب ظهور هذا المسيح. ولذلك صادفت دعوة شبتاي تأييداً كبيراً بين يهود فلسطين ومصر وشرق أوروبا ، بل أيدها كثير من اليهود وأصحاب الأموال لأغراض سياسية ومالية( ).
وذاع أمر شبتاي في أوروبا وبولندا وألمانيا وهولندا وإنكلترا وإيطاليا وشمال أفريقيا وغيرها.
وفي أزمير أخذ يلتقي بالوفود اليهودية التي جاءت من أدرنة وصوفيا واليونان وألمانيا، حيث قلدته هذه الوفود تاج "ملك الملوك" ثم قام شبتاي بتقسيم العالم الى ثمانية وثلاثين جزءاً ، وعين لكل منها ملكاً، اعتقاداً منه بأنه سيحكم العالم كله من فلسطين، حيث كان يقول في هذا المجال: (أنا سليل سليمان بن داود حاكم البشر وأعتبر القدس قصراً لي)( ).
وقام شبتاي بشطب اسم السلطان محمد الرابع من الخطب التي كانت تلقى في كنيس اليهود وجعل أسمه محل اسم السلطان، وسمى نفسه (سلطان السلاطين) و(سليمان بن داود) مما لفت انتباه الحكومة العثمانية( ).
وأصبح شبتاي مصدر قلق لكثير من حاخامين اليهود ورفعوا ضده شكوى الى السلطان ، أكدوا فيها أن شبتاي ينوي القيام بحركة تمردية في سبيل تأسيس دولة يهودية في فلسطين( ).
ونتيجة لإشتداد فتنة شبتاي زيفي، أصدر الوزير القوي أحمد كوبرولو أوامره بإلقاء القبض عليه، وأودعه الوزير في السجن، وظل فيه لمدة شهرين ثم نقل الى قلعة جزيرة غاليبولي على الدردنيل ، وسمح لزوجته وكاتبه الخاص أن يتخذا لهما سكناً معه وأصبح له مجلس كمجلس الأمراء، لايدخل عليه إلا بإذن مسبق وينتظر الذين يريدون أن يتمتعوا برؤيته أياماً من أجل ذلك وأخذت زوجته تسلك سلوك الأميرات مع القادمين عليها والقادمات حيث كانت وفود يهودية من أنحاء العالم قادمين لزيارته( ).
حوكم شبتاي في سراي أدرنة، حيث شكل السلطان هيئة علمية إدارية برئاسة نائب الصدر الأعظم وعضوية كل من (شيخ الاسلام) يحيى أفندي منقري زادة وواحد من كبار العلماء وهو إمام القصر محمد أفندي وانلي، وقام بدور المترجم من الإسبانية الى التركية الطبيب مصطفى حياتي( ).
أكد قاضي المحكمة، أن المسألة تعد بالنسبة للدولة العثمانية، وعلى مسمع من السلطان الذي جلس في غرفة مجاورة (وبواسطة الترجمان قيل لسبتاي تدعي أنك المسيح فأرنا معجزتك سنجردك من ثيابك ونجعلك هدفاً لسهام المهرة من رجالنا فأن لم تغرز السهام في جسمك فسيقبل السلطان ادعاءك. فهم شبتاي ما قيل له فأنكر ما أسند إليه وقال إنهم تقولوا عليه )( )، فعرض عليه الإسلام فدخل فيه تحت اسم محمد عزيز أفندي( ) وطلب من السلطات العثمانية أن تسمح له بدعوة اليهود الى الاسلام، فأذنت له وانتهزها فرصة فأنطلق بين اليهود يواصل دعوته الى الايمان به ويحثهم على ضرورة تجمعهم معلنين في ظاهرهم الاسلام مبطنين يهوديتهم المنحرفة( ).
وظل شبتاي وأنصاره يتبعون دينهم الموسوي سراً، ويمارسون العمل للصهيونية في الخفاء، ويظهرون الاخلاص للاسلام في العلن والصلاح والتقوى أمام الأتراك، وكان يقول لأتباعه إنه كالنبي موسى الذي اضطر أن يبقى مدة من الزمن في قصور الفراعنة( ) وفي ظل هذه الظروف ألقي القبض على شبتاي مع مجموعة من أتباعه في كنيس (قوري جشمه) الكائنة في داخل المعبد بسبب أنه كان مرتدياً زياً يهودياً وهو محاط بالنساء يشربون الخمر وينشدون الأناشيد اليهودية، وقراءة المزامير مع عدد من اليهود فضلاً عن اتهامه بدعوته المسلمين الى ترك دينهم والإيمان به، ولولا تدخل شيخ الاسلام لقطع رأسه، حيث اعترض على إعدامه قائلاً: ( لو أعدم هذا المحتال سيكون سبباً لحدوث خرافة في الإنسانية ، حيث يدعي مريدوه بعروجه الى السماء كعيسى عليه السلام)( ). فأكتفى بنفيه الى مدينة دولسجنو في ألبانيا وذلك في صيف عام 1673م، وتوفى بعد خمس سنوات من نفيه وظلت عقيدة الشاباتائية موجودة لدى فرق سالونيك، وتفنن أتباعه في ممارسة المكر والتعصب والتجرد من المبادئ، والأخلاق( ).
وقد نظم شبتاي زيفي عقيدة الدونمة في ثماني عشرة مادة وفي الحقيقة تعد المادة السادسة عشرة والسابعة عشرة أهم سمات الدونمة، إذ تشير المادة (16): (يجب أن تطبق عادات الأتراك بدقة لصرف أنظارهم عنكم ويجب ألا يظهر أحد من الأتباع تضايقه من صيام رمضان ومن الأضحية ولمن ينفذ كل شيء يجب تنفيذه أمام الملأ)( ). أما المادة (17) فإنها تشير الى الآتي: (إن مناكحتهم (يعني المسلمين) ممنوعة قطعاً)( ).
إن شبتاي يعد أول يهودي بشر بعودة بني اسرائيل الى فلسطين ، وفي حقيقة الأمر، عدت حركة زيفي حركة سياسية ضد سلطة الدولة العثمانية أكبر من كونها حركة دينية( ).
لقد أسهمت هذه الطائفة في هدم القيم الاسلامية في المجتع العثماني وعملت على نشر الإلحاد والأفكار الغربية وانتشار الماسونية والدعوة لهتك حجاب المرأة المسلمة واختلاطها مع الرجال وخاصة في المدارس وكان الكثير من رجال الاتحاد والترقي يساهم في بعض نشاطاتها وأفراحها.
وقام يهود الدونما بدور فعال في نصرة القوى المعادية للسطان عبدالحميد والتي تحركت من سلانيك لعزله وهم الذين سمموا أفكار الضباط الشباب ولايزالون حتى وقتنا الحاضر يسعون لذلك ولهم صحف ودور نشر وتغلغلوا في الاقتصاد العثماني وكل مناحي الحياة في الدولة العثمانية( ).
وقد استطاعوا أن يأثروا في جمعية الاتحاد والترقي، وكان السلطان عبدالحميد الثاني عارفاً بحقيقة الدونمة ويؤكد هذه الحقيقة الجنرال جواد رفعت أتلخان، حيث يقول في هذا الصدد: (إن الشخص الوحيد في تاريخ الترك جمعيه، الذي عرف حقيقة الصهيونية والشبتائية وأضرارهما على الترك والاسلام وخطرها تماماً، وكافح معهما مدة طويلة بصورة جدية لتحديد شرورهم هو السلطان التركي العظيم كافح هذه المنظمات الخطيرة لمدة ثلاث وثلاثين سنة بذكاء وعزم وبإرادة مدهشة جداً كالأبطال)( ).
وفي حقيقة الأمر، أهتم عبدالحميد بإبقاء الدونمة في ولاية سالونيك ، وعدم وصولهم الى الاستانة، بغية عدم السيطرة عليها والتجنب من تحركاتهم ، ونتيجة للموقف الجاد من عبدالحميد إزاء فرقة الدونمة اتبعوا إستراتيجية مضادة له، حيث تحركوا ضده على مستوى الرأي العام العثماني والجيش( ).
ونتيجة لموقف عبدالحميد من الدونمة، قام يهود الدونمة بالتعاون مع المحافل الماسونية للإطاحة به، وقد استخدم هؤلاء شعارات معينة كالحرية والديمقراطية وإزاحة المستبد عبدالحميد، وعلى هذا الاساس قاموا بنشر الشقاق والتمرد في الدولة العثمانية بين صفوف الجيش . وكانت الغاية من هذا هي تحقيق المشروع الاستيطاني الصهيوني باستيطان فلسطين. وكان يهود الدونمة يشلكون اللبنة الأولى لتنفيذ المخططات اليهودية العالمية( ).
ثانياً: السلطان عبدالحميد وزعيم اليهودية العالمية (هرتزل):
استطاع زعيم الحركة اليهودية الصهيونية العالمية (تيودر هزتزل) أن يتحصل على تاييد أوروبي للمسألة اليهودية من الدول (ألمانيا، وبريطانيا وفرنسا) وجعل من هذه الدول قوة ضغط على الدولة العثمانية تمهيداً لمقابلة السلطان عبدالحميد، وطلب فلسطين منه وكانت الدولة العثمانية تعاني من مشاكل مالية متعددة، إذ كانت الأحوال الاقتصادية في البلاد على درجة من السوء بحيث فرضت الدول الأوروبية الدائنة وجود بعثة مالية أوروبية في تركيا العثمانية للإشراف على أوضاعها الاقتصادية ضماناً لديونها ، الأمر الذي دفع عبدالحميد الثاني أن يجد حلاً لهذه المعضلة.
كانت هذه الثغرة هي السبيل الوحيد أمام هرتزل، كي يؤثر على سياسة عبدالحميد الثاني تجاه اليهود. وفي هذا الصدد يقول هرتزل في مذكراته: (علينا أن ننفق عشرين مليون ليرة تركية لإصلاح الأوضاع المالية في تركيا ... مليونان منها ثمناً لفلسطين والباقي لتحرير تركيا العثمانية بتسديد ديونها تمهيداً للتخلص من البعثة الأوروبية ...ومن ثم نقوم بتمويل السلطان بعد ذلك بأي قروض جديدة يطلبها( ).
لقد أجرى هرتزل إتصالات مكثفة مع المسؤولين في ألمانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا وإنكلترا وكانت الغاية من هذه الاتصالات هي إجراء حوار مع عبدالحميد الثاني. وفي هذا الصدد فقد نصح لاندو منذ 21 شباط 1896م الصديق اليهودي لهرتزل أن يقوم بواسطة صديقه نيولنسكي رئيس تحرير (بريد الشرق) .وفي هذا المجال يقول هرتزل: (إن نحن حصلنا على فلسطين ، سندفع لتركيا كثيراً أو سنقدم عطايا كثيرة لمن .. لمن يتوسط لنا. ومقابل هذا نحن مستعدون أن نسوي أوضاع تركيا المالية. سنأخذ الأراضي التي يمتلكها السلطان ضمن القانون المدني، مع أنه ربما لم يكن هناك فرق بين السلطة الملكية والممتلكات الخاصة)( ).
وقام هرتزل بزيارة الى القسطنطينية وذلك في حزيران عام 1896م ، ورافقه في هذه الزيارة نيولنسكي ، الذي كانت له علاقة ودية مع السلطان عبدالحميد، ونتيجة لذلك فقد نقل بيولنسكي آراء هرتزل الى قصر يلدز، وقد دارت محاورة بين نيولنسكي والسلطان عبدالحميد إذ قال السلطان له: (هل بإمكان اليهود أن يستقروا في مقاطعة أخرى غير فلسطين؟ أجاب نيولنسكي قائلاً:
(تعتبر فلسطين هي المهد الأول لليهود، فعليه فإن اليهود لهم الرغبة في العودة إليها)، ورد السلطان قائلاً: (إن فلسطين لاتعتبر مهداً لليهود فقط، وإنما تعتبر مهداً لكافة الأديان الأخرى). أجاب نيولنسكي قائلاً: (في حالة عدم استرجاع فلسطين من قبل اليهود فإنهم سوف يحاولون الذهاب وبكل بساطة الى الارجنتين)( ).
وقام السلطان عبدالحميد بإرسال رسالة الى هرتزل بواسطة صديقه نيولنسكي جاء فيها: (انصح صديقك هرتزل، أن لايتخذ خطوات جديدة حول هذا الموضوع ، لأني لااستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة، لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي. وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، ورووها بدمائهم؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم . إذا مزقت دولتي ، من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل، ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولاً في جثتنا ولكن لا أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد الحياة)( ).
وفي هذا الصدد يقول عبدالحميد في مذكراته:
(ومن المناسب أن نقوم باستغلال الأراضي الخالية في الدولة، وهذا يعني من جانب آخر، أنه كان علينا أن ننهج إتباع سياسة تهجير خاصة، ولكننا لانجد أن هجرة اليهود مناسبة، لأن غايتنا هي استيطان عناصر تنتمي الى دين أسلافنا وتقاليدنا حتى لايستطيعوا من الهيمنة على زمام الأمور في الدولة)( ).
وبعد إخفاق جهود هرتزل في واسطة نيولنسكي ، اتجه هرتزل الى قصر وليم الثاني أمبراطور ألمانيا، ولاسيما أنه كان صديقاً لعبدالحميد، بالاضافة الى كون وليم الثاني هو الحليف الوحيد للعثمانيين في أوروبا( ) إلا أن مساعيه لم تكلل بالنجاح يقول المؤرخ التركي نظام الدين نظيف في كتابه (إعلان الحرية والسلطان عبدالحميد الثاني) : (....عندما رد طلب الوفد اليهودي -المسند من قبل الامبراطور وليم- في الحصول على وطن لهم، أي : عندما خاب هرتزل في مسعاه إشتد العداء ضد (يلدز) وهذا ماكان يتوقعه عبدالحميد، لأن اليهود قوم يتقنون العمل المنظم، وكانت لديهم قوى عديدة تضمن لهم النجاح في مسعاهم ، فالمال متوفر لديهم وكانوا يسيطرون على أهم العلاقات التجارية الدولية، وكانت صحافة أوروبا في قبضتهم، فكان في مقدرهم اطلاق العواصف التي يريدونها لدى الرأي العام متى شاءوا....)( ).
يردف المؤرخ التركي قائلاً: (بدأوا أولاً بتحريك الصحافة العالمية، ثم أخذوا بتوحيد أعداء عبدالحميد الذين نشأوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط، نجد، أنصار المشروطية يتخذون طابعاً منظماً وهجومياً، علماً بأنهم كانوا حتى ذلك الوقت متفرقين ويعملون دون نظام ودون تنسيق، إذ لم يكن صعباً عليهم توحيد أعداء عبدالحميد الذين نشأوا في ذلك المجتمع العثماني الخليط. وقد أخذ (المشرق الأعظم الماسوني الإيطالي) على عاتقه هذه المهمة في التوحيد والتنسيق لأنه كان أقرب مركز ماسوني للامبراطورية العثمانية. ولعبت المحافل الايطالية وخاصة محفل (ريزوتا) في سلانيك دوراً ملحوظاً...)( ).
إزاء هذا الاخفاق قرر هرتزل أن يستخدم وسائل أخرى لاستمالة عبدالحميد الثاني، حيث عرض نفسه عن طريق نيولنسكي خدمته بواسطة القضية الأرمنية( ) وفي هذا الصدد يقول هرتزل: (طلب مني السلطان أن أقوم بخدمة له، وهي أن أؤثر على الصحف الأوروبية ، بغية قيام الأخيرة بالتحدث عن القضية الأرمنية بلهجة أقل عداء للأتراك، أخبرت نيولنسكي حالاً باستعدادي للقيام بهذه المهمة، ولكني أكدت على إعطائي فكرة وافية عن الوضع الأرمني : من هم الأشخاص في لندن الذين يجب أن أقنعهم بما يريدون ، وأي الصحف يجب أن نستميلها لجهتنا وغير ذلك)( ).
وعلى هذا الأساس، فقد نشطت الدبلوماسية الصهيونية لاقناع الأرمن بالتخلي عن ثورتهم. ونتيجة لذلك فقد اتصل هرتزل مع سالزبوري والمسؤولين الانكليز بغية استخدامهم للضغط على الأرمن، كما نشط اليهود في مدن أوروبية اخرى مثل فرنسا للقيام بنفس الدور. إلا أن دبلوماسية هرتزل قد أخفقت بسبب عدم تحمس بريطانيا، لأن ذلك كان يعني تأييد سياسة عبدالحميد، الأمر الذي يؤدي في إثارة الرأي العام البريطاني ضد الحكومة( ).
وقد حاول هرتزل لقاء عبدالحميد الثاني ، ولاسيما أثناء الزيارة الثانية للامبراطور وليم الثاني الى القسطنطينية، إلا أن موظفي قصر يلدز منعوه من ذلك. واستمر هرتزل في محاولاته المستمرة حتى تكللت جهوده بالنجاح بعد سنتين (1899-1901م) من الاحتكاك المباشر مع الموظفين الكبار لقصر يلدز من مقابلة عبدالحميد، حيث قابل السلطان لمدة ساعتين وقد اقترح هرتزل قيام البنوك اليهودية الغنية في أوروبا بمساعدة الدولة العثمانية لقاء السماح بالاستيطان في فلسطين، بالإضافة الى ذلك فإنه قد أكد لعبدالحميد أنه سوف يخفف الديون العامة للدولة العثمانية وذلك منذ عام 1881م ، وقد وعد هرتزل عبدالحميد أن يحتفظ بمناقشاته السرية معه( ).
كان السلطان عبدالحميد في خلال مقابلته مع هرتزل مستمعاً أكثر منه متكلماً وكا يرخي لهرتزل في الكلام كي بدفعه أن يتحدث بكل مايخطر في مخيلته من أفكار ومشروعات ومطالب. وقد أدى هذا الأمر الى أن يعتقد هرتزل بأنه نجح في مهمته هذه. ولكنه أدرك في نهاية الأمر بأنه قد أخفق مع عبدالحميد وأنه أخذ يسير في طريق مسدود معه( ).
وبعد إخفاق جهود هرتزل عند عبدالحميد الثاني، تحدث هرتزل قائلاً: (في حالة منح السلطان فلسطين لليهود ، سنأخذ على عاتقنا تنظيم الأوضاع المالية، اما في القارة الأوروبية فإننا سنقوم بإيجاد حصن منيع ضد آسيا، وسوف نبني حضارة ضد التخلف، كما سنبقي في جميع أنحاء أوروبا بغية ضمان وجودنا)( ).
وفي الحقيقة كان عبدالحميد يرى أنه من الضروري عدم توطين اليهود في فلسطين ، كي يحتفظ العنصر العربي بتفوقه الطبيعي. وفي هذا الصدد يقول: (... ولكن لدينا عدد كافٍ من اليهود ، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضاً تملكوا كافة قدراتها خلال وقت قصير، ولذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم)( ).
وكانت الدولة العثمانية تسعي في أحيان كثيرة الى أبعاد اليهود العثمانيين عن أفكار هرتزل والحركة الصهيونية، ومع ذلك فإنها في أحيان أخرى كانت تستخدم لغة التهديد معهم. وفي هذا الصدد أوضح علي فروخ بك الوسائل الاعلامية الاجنبية، وبصراحة تامة: (إنه لبعيد من الصواب أن يقوم الصهاينة على خلق صعوبات للحكومة العثمانية، بغية إرغامها على تحقيق مصالحها. ولكن هذه الصعوبات سوف تؤدي في نهاية الأمر الى إلحاق الأذى بوجودهم السلمي والسعيد في الدولة العثمانية... وهذه النقطة واضحة بالنسبة لعلاقة العثمانيين مع رعايا الأرمن، لأن قلة من المتمردين الذين قاموا على إرتكاب الخطأ والحماقة معتمدين الى الارشاد الميكافلي قد أدى في نهاية الأمر أن يندما على مافعلوه ، من دون التوصل على أية نتيجة)( ).
وعلى الرغم ، من اخفاق جهود هرتزل عند السلطان عبدالحميد، كتب هرتزل قائلاً: (يجب تملك الأرض بواسطة اليهود بطريقة تدريجية دون ماحاجة الى استخدام العنف، سنحاول أن نشجع الفقراء من السكان الأصليين على التروح الى البلدان المجاورة بتأمين أعمال لهم هناك مع خطر تشغيلهم في بلدنا إن الاستيلاء على الأرض سيتم بواسطة العملاء السريين للشركة اليهودية التي تتولى بعد ذلك بيع الأرض لليهود. علاوة على ذلك تقوم الشركة اليهودية بالإشراف على التجارة في بيع العقارات وشرائها، على أن يقتصر بيعها على اليهود وحدهم)( ).
وكتب هرتزل قائلاً: (أقر على ضوء حديثي مع السلطان عبدالحميد الثاني أنه لايمكن الاستفادة من تركيا إلا إذا تغيرت حالتها السياسية أو عن طريق الزج بها في حروب تهزم فيها، إو عن طريق الزج بها في مشكلات دولية أو بالطريقتين معاً في آن واحد)( ).
إن عبدالحميد كان يعرف أهداف الصهيونية، حيث قال في مذكراته السياسية: ( لن يستطيع رئيس الصهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره وقد يكون قوله : ستحل المشكلة اليهودية يوم يقوي فيه اليهودي على قيادة محراثه بيده، صحيحاً في رأيه ، أنه يسعى لتأمين ارض لإخوانه اليهود، لكنه ينسى أن الذكاء ليس كافياً لحل جميع المشاكل .. لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين بل يريدون أموراً مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين، إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن اليهود سطحيون في ظنهم أنني سأقبل بمحاولاتهم. وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالي فإني أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين)( ).
وعن القدس يقول عبدالحميد الثاني: (لماذا نترك القدس ...إنها أرضنا في كل وقت وفي كل زمان وستبقى كذلك، فهي من مدننا المقدسة، وتقع في أرض إسلامية ، لابد أن تظل القدس لنا)( ).
لقد كان غرض السلطان عبدالحميد في استماعه الى (تيودور هرتزل) معرفة الآتي:
1. حقيقة الخطط اليهودية.
2-معرفة قوة اليهود العالمية ومدى قوتها.
3-إنقاذ الدولة العثمانية من مخاطر اليهود.
وشرع السلطان عبدالحميد في توجيه أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية لمتابعة اليهود وكتابة التقرير عنهم وأصدر إرادتين سنتين الأولى في 28 يونيو 1890م والأخرى في 7 يونيو 1890م. في الأولى (رفض قبول اليهود في الممالك الشاهسانية) والأخرى: (على مجلس الوزراء دراسة تفرعات المسألة واتخاذ قرار جدّي وحاسم في شأنها)( ).
واتخذ السلطان عبدالحميد الثاني كل التدابير اللازمة في سبيل عدم بيع الأراضي الى اليهود في فلسطين ، وفي سبيل ذلك عمل جاهداً على عدم إعطاء أي امتياز للهود من شأنه أن يؤدي الى تغلب اليهود على أرض فلسطين. ولابد في هذه الحالة أن تتكاتف جهود المنظمات الصهيونية بغية إبعاد السلطان عبدالحميد الثاني من الحكم. ويعزز هذا القول هرتزل عندما قال: (إني أفقد الأمل في تحقيق أماني اليهود في فلسطين، وإن اليهود لن يستطيعوا دخول الأرض الموعودة، مادام السلطان عبدالحميد قائماً في الحكم، مستمراً فيه)( ).
وتحركت الصهيونية العالمية، لتدعم أعداء السلطان عبدالحميد الثاني ، وهم المتمردون الأرمن، والقوميون في البلقان، وحركة حزب الاتحاد والترقي، والوقوف مع كل حركة انفصالية عن الدولة العثمانية( ).
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
من مواضيعي
0 دعوةٌ تُصيبُ هذا الصنف من التجّار
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته