وحدة الجماعة الاسلامية .للشيخ محمد الغزالي
13-05-2014, 10:47 PM
وحدة الجماعة الاسلامية
بقلم الشيخ محمد الغزالي
بقلم الشيخ محمد الغزالي
لم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم.
ذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار أُقحمت فيها ما ليس منها، فإذا المسلمون قسمان كبيران: شيعة، وسنّة.
مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي يصلح بها الدين وتُلتمس النجاة.
وقد يختلف المسلمون في تقدير الرجال، ووزن كفايتهم، واعتبار المؤهلات التي ترشحهم للحكم، لكن هذا الاختلاف غريب كل الغرابة عن أصل الإيمان، وتآخي المسلمين طرّاً فيه، وتوحد جماعتهم الكبرى عليه.
ومع أني أذهب في كثير من أحكامي على الأمور مذاهب غير ما يرى "الشيعة" فلست أعدُّ رأيي دينا يأثم المخالف له، وكذلك موقفي بالنسبة لبعض الآراء الفقهية الشائعة بين "السنة".
خذ مثلا القول باختيار الخليفة.
إن إخواننا "الشيعة" يرون ضرورة انتخابه من بيت النبوة.
ويرى إخواننا "السنة" أنه يكون من قريش.
والرأي عندي أن زعيم المسلمين لا ينميه بيت معيّن، ولا قبيلة معيّنة، وأن أكفأ الناس أحق بقيادهم من غيره، دون نظر إلى نسب، أو جنس، لكن ما قيمة هذا الاختلاف؟
هب أن حزبي إنجلترا – العمال والمحافظين- اختلفت أنظارهم في طريقة إدارة الحكم، فهل يعني ذلك انقسام الإنجليز إلى طائفتين متنابزتين متباغضتين؟
إن ذلك لم يحدث، لا لشيء إلا لأن القوم أعقل من أن يضخموا التوافه، أو يدعوها تخدش المصلحة العليا لوطنهم.
أما نحن، فإن أضغان الأسر الحاكمة والأسر المحرومة على مر القرون، هورت الجراحات، وورثت الثارات، وكانت خاتمة المطاف أن جُعل الشقاق بين الشيعة والسنة متصلا بأصول العقيدة ! ليتمزق الدين الواحد مزقتين، وتنشعب الأمة الواحدة شعبتين، كلاهما يتربص بالآخر الدوائر، بل يتربص به ريب المنون !
إن كل امرئ يعين على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ الأنعام: 159.
وأعرف أن المسارعة بالتكفير ميسورة في باب الجدل، وأن إلزام الخصم بالكفر نتيجة رأي يقول به، أمر سهل في حمى النقاش.
غير أنني أسأل: أهذه خطة إصلاح أم خطة صلاح؟
هناك مئات بل ألوف من العوام يتعلقون عندنا بقبور الأولياء، ومن الممكن عدُّهم مشركين بهذا التصرف الغبي وهذه وسيلة سريعة لهدم الأمة.
أما الراغبون في البناء والإرشاد فيذودون الجهال عن هذه الضلالات، ويردونهم إلى التوحيد الخالص بأسلوب أجدى على الناس، وأتقى لله.
وقد تجد في عوام الشيعة من يخوض في سيِّر السلف الصالحين بحمق بيّن.. والتذرّع بهذا إلى استبقاء الفرقة، وتعكير صفو الأمة، ليس منهجا راشدا، لمن يجمعون شمل الإسلام وأهله، بعدما قطعه الأعداء الخبثاء، والأصدقاء الجهلاء...!!!
ويسرني أن تقوم "إدارة الثقافة بوزارة الأوقاف المصرية" بعمل نبيل أرجو أن يكون له أثره البعيد في رأب الصدع التاريخي الذي أصاب أمتنا الإسلامية.
ذلك أنها شرعت في طبع كتاب "المختصر النافع" وهو كتاب فقهي يضم أحكام العبادات على مذاهب الشيعة الإمامية.
وصدور هذا المؤلف من إدارة يقوم عليها علماء أزهريون، ويشرف على توجيهها وزير سنّي أمر له دلالته الطيّبة، وهي خطوة لها قيمتها في جعل الأخوة الإسلامية الدعامة الفذة لما بين المسلمين جميعاً من صلات.
ونقتطف هنا جملا من مقدمة هذا الكتاب:
(قضية السنة والشيعة. هي في نظري قضية إيمان وعلم معًا.
فإذا رأينا أن تحل مشكلاتها على ضوء من صدق الإيمان، وسعة العلم فلن تستعصي علينا عقدة، ولن يقف أمامنا عائق.أما إذا تركنا للمعرفة القاصرة واليقين الواهي، أمر النظر في هذه القضية، والبت في مصيرها، فلن يقع إلا الشر.
وهذا الشر الواقع إذا جاز له أن ينتمي إلى نسب، أو يعتمد على سبب، فليبحث عن كل نسب في الدنيا، وعن كل سبب في الحياة إلا نسباً للإيمان الصحيح أو سبباً إلى المعرفة الصادقة).
نعم، قضية علم وإيمان..
فأما أنها قضية علم، فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله، ويتفقان اتفاقا مطلقاً على الأصول الجامعة في هذا الدين، فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية، فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره، أخطأ أم أصاب.
وثبوت الأجر له قاطع بداهة في إبعاد الظنة عنه، ونفي الريبة أن تناله من قرب أو بعد.
على أن الخطأ العلمي – وتلك سماحة الإسلام في تقديره- ليس حكرا على مذهب بعينه، ومن الشطط القول بذلك.
وعندما ندخل مجال الفقه المقارن، ونقيس الشقة التي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي، أو بين تصحيح حديث وتضعيفه، نجد أن المدى بين الشيعة والسنة، كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة، والمذهب الفقهي لمالك، أو الشافعي.
ونحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة، وإن اختلفت الأساليب.
نرى الحصيلة العلمية لهذا الجهد الفقهي جديرة بالحفاوة وإمعان النظر، وإحسان الدراسة، فهي تراث علمي مقدور مشكور.
أما أنها قضية إيمان فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف، وتسعير البغضاء بين أبناء أمة واحدة، ولو كان ذلك لعلة قائمة، فكيف لو لم تكن هناك علة قط؟
إن تحطيم الجماعة الكبرى جريمة قد نقبل – منعاً لارتكابها- بعض الهنات، وقد نتجاوز في سبيل ذلك عن الكثير والقليل. فكيف يرضى مؤمن صادق الصلة بالله أن تختلق الأسباب اختلاقا لإفساد ما بين الإخوة، وإقامة علائقهم على اصطياد الشُبه، وتجسيم التوافه، وإطلاق الدعايات الماكرة بالسذج والهمل.
وهب ذلك يقع فيه امرؤ تعوزه التجربة، وتنقصه الخبرة، فكيف تقع فيه أمة ذاقت الويلات من شؤم الخلاف، ولم يجد عدوها ثغرة للنفاذ إلى صميمها إلا من هذا الخلل المصطنع عن خطأ أو تهور..؟
ولقد رأيت أن أقوم بعمل إيجابي حاسم سداً لهذه الفجوة التي صنعتها الأوهام، بل إنهاء لهذه الجفوة التي خلقتها الأهواء. فرأيت أن تتولى وزارة الأوقاف ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر.
وستتولى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات والمعاملات في هذا الفقه الإسلامي للمجتهدين من إخواننا الشيعة.
وسيرى أولو الألباب – عند مطالعة هذه الجهود العلمية- أن الشَبه قريب بين ما ألفنا من قراءات فقهية، وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيئة.
وليس أحب إلى نفسي من أن يكون هذا العمل فاتحة موفقة لتصفية شاملة تنتقي تراثنا الثقافي والتاريخي من أدران علقت به وليست منه.
وأحسب أن كل بذل في هذا السبيل مضاعف الأجر، مذخور عند الله جل شأنه.
وأن الثمرات المرتقبة منه في عاجل أمرنا وآجله، تغري بالمزيد من العناية، والمزيد من التحمل والمصابرة.
على أنه لن ينجح في هذا المجال إلا من استمتع بخلّتين اثنتين: سعة العلم، وصدق الإيمان.