الإمام مالك بن أنس .
28-07-2012, 11:50 AM
الإمام مالك بن أنس
الإمام الذي يستحي أن يطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد بالمدينة سنة 93 هجرية ، وعاش فيها طوال حياته ، لم يغادرها قط إلا لحج أو عمرة إلى أن ثوي ترابها في البقيع عام 179 هجرية ، وهو يستنشق أنسام مدينة الرسول ، ونفحات ريح النبوة ، مستلهما أيام النور والبطولات والفرقان . فهو جدير حقا بعشق المدينة ، وإمامة الحرمين . قال عنه صديقه الليث بن سعد بأنه ( وعاء العلم ) ، ووصفه الشافعي بالنجم الثاقب قائلا ( إذا ذكر الحديث فمالك هو النجم الثاقب .) وهو بحق سيد الفقهاء ، ولا شك في أن اختياره دار الصحابي عبد الله بن مسعود سكنا له ، واتخاذه المكان الذي يجلس فيه عمر بن الخطاب منبرا لإلقاء دروسه، إلا اٍشارة للمنهل الذي يرتوي منه ، ويسترشد به في علمه ، وعمله وفتواه . ومذهبه ثاني المذاهب الأربعة قدما ، ويعرف أصحابه بأهل الحديث ، واختص بالإحتجاج بعمل أهل المدينة ، ويقدمه على خبر الآحاد ، كان الإعتماد في فتواه على كتاب الله وسنة رسوله ، وهو منتشراليوم في بلاد إفريقيا ،والمغرب الكبير ، والسودان ، وقليل انتشاره في العراق والحجاز، وفلسطين والشام .
**طفولة مفعمة بالإيمان والأمل ...
حفظ القرآن وبعض الأحاديث في العاشرة ، تحرص أمه على تطييبه وإلباسه أحسن الثوب ، ليجلس في حلقة ( ربيعة) من بين سبعين حلقة من الحلقات التي تقام حول أعمدة المسجد النبوي ، يؤطرها سبعون من أساطين العلم ...( وربيعة) أكثرهم فقها ورأيا ودعوة إلى الاٍجتهاد والأخذ بالرأي، لذا عرف باسم ربيعة الرأي .
واكتسب إمامنا مالك منذ طفولته عادة الإستحمام والتطيب ، ولبس خير ثيابه ، كلما جلس للعلم أو التعليم . وكان دائم التنقل بين حلقات الفقهاء ليستوعب المزيد من الأحاديث النبوية ويدرك تأويلها ، وحرصه أشد على حفظ الحديث واستظهاره ، فكان يحمل خيطا يعقد مع كل حديث عقدة ، حتى إذا جاء المساء استظهر تلك الأحاديث وعد العقد ، وإذا لا حظ نسيانا فاٍنه لا يتوانى في طرق أبواب شيوخه لتصحيح الخطأ وتصويب الحفظ .
تفرغ كلية للتحصيل العلمي ، ومات والده التاجر ، ولم ينجح إمامنا في التوفيق بين التجارة والعلم ، واضطر إلى بيع خشب سقف بيته ليعيش وأسرته بثمنه ، وتمكن العوز من أسرته الصغيرة ، فتصرخ ابنته الصغرى من الجوع طيلة ليلها ، ويضطر االإمام إلى إدارة الرحى حتى لا يستمع الجيران لصراخها. ومن معاناته للعوز والفاقه ، قال عندما سئل عن عدم سعيه لطلب الرزق والإنقطاع لطلب العلم قائلا: ( لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم ، حتى يضربه الفقر ويؤثره على كل حال ، ومن طلب هذا ألأمر صبر عليه .)
برزت صرخة إجتهاده الأولى بمناشدة الحكام تمكين أهل العلم بالتفرغ للعلم ، بإجراء رواتب عليهم تكفل لهم الحياة الكريمة .** بين مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، والشافعي وآخرين ....
التقى الإمام مالك بجل فقهاء زمانه ، من أهل السنة والرأي ، وجالسهم في حلقة ( ربيعة) ، فكان الفقهاء من كل الأمصار والبلدان يجتمعون في الحج وفي الحرم النبوي لتبادل الرأي ومناقشة الفتاوى ، واستفاد الإمام من صحبة جعفر الصادق ، وأتقن عنه إحكام العقل فيما لم يرد فيه نص ، فقضى بما يحقق مقاصد الشريعة ، واعتبار المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة ، كما أخذ عنه طرق استنباط الأحكام ، وأحكام المعاملات ، وبالرغم من اختلاف الإمام مالك في الرأي حول الإمام علي وشيعته ، بتفضيل الخلفاء الذين سبقوه عليه ، وجعله مثيلا لبقية الصحابة الآخرين ، إلا أن ذلك لم يمنعه من اصطياد العلم حيث كان ، معتمدا على حسن التفقه بالقرآن ، وعمق العلم بالناسخ والمنسوخ ، ودلالات النصوص ظاهرا وخفيا ، وأسرار الأحكام ، وحسن معرفة الحديث وآثار الصحابة ، وأوردت الروايات اللقاء الحميمي بينه وبين الليث بن سعد المصري النوبي ، وأدرك الليث ما يكابده صديقه مالك في طلب العلم ، وعرف حاجته للمساعدة والمال ، ولكنه لم يعرف الطريقة التي يمد به العون ، وكانت فرصة تقديم مالك طبقا فيه رطب إلى الليث ، فما كان من الأخير الى أن رد الطبق مملوءا بالدنانير ...وقد ظل الليث يصله بمائة دينار كل عام ، ولم ينقطع عطاء الليث عنه حتى أصابه عطاء الخلفاء وأصبح ثريا ، وتعود الليث أن يزور صديقه مالكا كلما ذهب للحج والعمرة وزيارة مدينة الرسول ، وأورد التاريخ رسالتين كاملتين تصوران التقدير والاٍحترام ، والعواطف المتبادلة بين الرجلين ، بالرغم من حدة الاٍختلاف بينهما حول بعض المسائل الخلافية بين فقهاء ذلك الزمان ، خاصة ما تعلق بتبعية الناس لأهل المدينة واعتبار عملهم بمثابة السنة المتواترة ، ولا يحق للفقهاء الفتوى ، بما يخالف عمل المدينة، وهو ما انتقده الأئمة الآخرون أمثال أبو حنيفة ، والليث ،والشافعي ، وابن حزم .، وذاك خلاف وسجال بين أهل الحديث وأهل الرأي .
وكان الاٍمام الشافعي من طلاب الإمام مالك ، وللتحاقه بحلقة الإمام مالك عبرة فيها توسط للوالي ، وحفظ عن ظهر قلب للموطأ ، وهي أمور شفعت للشافعي في القبول ، بعد أن تنبأ له مالك بمستقبل زاهر بقوله ( سيكون لك شأن وأي شأن ) .
**مالك وحسن الملبس والمسكن ...
حافظ الإمام مالك على حسن هندامه وتطيبه قبل الخروج للمسجد ، وعنه تعلم الليث بن سعد المصري ،وأثث داره بأجمل الأثاث ، وزينها بأحسن زينة ، وملأ أجواءها بعرف البخور المعطر ، بعد أن نال راتبا كبيرا من بيت المال ، وتوالت هدايا الخلفاء بعد اقتناعهم برأيه حول مطلبه الثوري بشأن إعطاء أهل العلم ، لتمكينهم التفرغ للعلم ، مثل ما يعطى لقادة الجند ، فالجهاد جهادان جهاد بالكلمة وجهاد بالسيف ؟ ولكل حق في بيت مال المسلمين .
**رأيه في بني أمية وآل البيت :
لم يهاجم الأمويين ، فأصابه منهم خير كثير ، وأغدق عليه العباسيون مزيدا من النعم ، وأصبح الإمام مالك رجلا غنيا يعيش في دعة ، مانحا كل وقته للعلم ، ذلك أنه لم يمدح علي بن أبي طالب ولم يساند حقه في الخلافة ، فهو أدرك أن الوقوف اٍلى جانب آل البيت سيكلفه الويلات والدمار ، لذا مارس سياسة الملاينة والحياد إشفاقا على نفسه ، وعلى أهل مدينته ، بعدما لا حظ عنف إخماد الأمويين لثورتي يزيد بن علي زين العابدين ، والخوارج ، إلا أن السياسة لم تترك أحدا على الحياد . لأن الإمام أفرط في شرح وتأويل الحديث الشريف القائل ( ليس على مستكره يمين ... ) ويوضح للناس أنه من طلق مكرها لا يقع منه طلاق ، وهو ما شجع على قيام أحد أحفاد الحسن ( النفس الزكية) بثورة ضد المنصور العباسي ، الذي أخذ البيعة قسرا فبايعه الناس مستكرهين . وعملا بالحديث انظم خلق كبير للنفس الزكية ، وبعث والي المدينة إلى الإمام مالك يطالبه الكف عن الكلام بهذا الحديث ، وكتمه عن الناس بدعوى أنه يحرض العامة على الثورة ، غير أن الاٍمام رفض كتم العلم، لأن كاتم العلم ملعون ، وظل يفسر الحديث غير آبه بالتهديد ، ووضح أبعاده على كل صور الإكراه في المعاملات الدنيوية ، وهو ما كلفه ضربا بالسوط ، وجذبا غليظا من يده ، وجرا على الأرض حتى انخلع كتفه ، وأعادوه اٍلى داره بعد أن فرضوا عليه الاٍقامة الجبرية . وقمع المنصور العباسي ثورة النفس الزكية ، وسفك دمه هو وآل البيت جميعهم ، بأصحابهم وأتباعهم ، ومُثل بأجسادهم على غرار ما وقع في إخماد ثورتي الحسين وزيد في عهد بني أمية .
أدرك المنصور خطورة الجفاء مع الإمام مالك ، فاسترضاه أن جاءه بنفسه من العراق إلى الحجاز، في إحدى مواسم الحج ، معتذرا عن ما بدر من عامله في حق الإمام ، وأمره أن يخبره بكل تجاوز قد يراه في حق الرعية ، وطالبه بوضع كتاب يتضمن أحاديث الرسول وأقضية الصحابة وآثارهم ، ليكون مثابة قانون الدولة في كل أنحائها بدل ترك الأمور موضع شقاق واختلاف بين الفقهاء والقضاة . قائلا :( ضع للناس كتابا أحملهم عليه) ، و ( ضعه فما أحد اليوم أعلم منك ) ، فاعتذر مالك عن ذلك لأنه يرى أن لكل قطر رأي ، ومن الصعب إجبار الناس على قول واحد لتعدد الرأي . رغم حرص المنصور على فرض مذهب الإمام ولو بالقوة ، لكنه استجاب لإعداد الكتاب الذي عنونه باسم الموطأ الذي يعني في اللغة المنقح . وامتاز إمامنا بالرغبة في التواصل مع الحكام وإن كانوا ظالمين ، وقد أفتى بوجوب طاعة الحكام وإن كانوا جبارين متغطرسين ، ولا ينبغي الخروج على الحاكم بالثورة المؤدية للفتنة ، بل يجب السعي على تغيير المنكر بالموعظة الحسنة ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاكم الظالم يسلط الله عليه ما هو شر منه ، لأن الله يرمي الظالم بظالم أشد ، ولا غرو أن هذا النزوع والمهادنة هي التي جعلت الإمام مالك أكثر الأئمة قبولا عند الساسة والحكام، واغدقوا عليه بالعطايا والهدايا والهبات ، واقتطعوا له دخلا من بيت مال المسلمين ، ومازال مذهبه محط عناية الحكام إلى يومنا هذا ، على عكس الأئمة الاخرين الذين أشهروا العداوة ، وصدعوا بكلمة الحق ، دون خوف ولا وجل ، وشعارهم في ذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
** موطأ الإمام مالك :
أنجزه الإمام استجابة لطلب الخليفة المنصور ، وعكف سنين عديدة في تنقيحه وتصحيحه ، وخلال تلك الفترة سارع منافسوه من علماء المدينة المنورة إلى انتاج كتب كثيرة في الحديث والآثار سميت بالموطآت ، اٍلا أنها لم ترق إلى مستوى موطأ الإمام مالك الذي طمسها جميعا بقوة محتواه وصحته . لهذا أراد خلفاء ما بعد المنصور العناية بالموطأ ، وها هو هارون الرشيد العباسي يريد تعليقه في الكعبة لكن الإمام أبى .
** بين أهل الحديث وأهل الرأي:
*إن أهل الحديث يقفون عند النصوص لا يعدونها ، فإن لم يجدوا حكما فيها لا يفتون ، ويعتقدون بأن الجدال في الدين مفسدة ، وهو الرد الذي ورد على لسان الإمام مالك في رفضه مناظرة أبا يوسف صاحب أبي حنيفة بطلب من هارون الرشيد قائلا : (إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة ) ، وبالرغم من بروز ألأفكار الجديدة واقتحامها لأهل المدينة إلا أن مالكا كان يردد قائلا ( الكلام في الدين أكرهه ، وأنهى عنه ولم يزل أهل بلدنا (المدينة) يكرهونه وينهون عنه .... فالكلام في القدر والجبر ونحو ذلك ، ولا أحب إلا فيما تحته عمل ) ((وما تحته عمل من الدين هو ما يفيد الناس في دنياهم وآخرتهم ، هو الفقه الذي يحكم أعمال الناس ويرد الفروع إلى الأصول ، أما العقائد فهي نهي الجدل فيها ، وقد فسر مالك كل آية تتحدث عن العداوة والبغضاء التي تقع بين عباد الله بأنها الخصومات للجدل في الدين ،)) ويتساءل عن جدوى الأفكار المبتدعة عن ذات الله ، والجبر ، والإختيار وخلق القرآن ؟ ويتهم أهل الرأي بالأخذ بالظن .
*أما أهل الرأي فقد نظروا في تعطل الأحكام بدعوى غياب النصوص ، واستنبطوا من النصوص أحكاما لم يرد نص صريح على حكمه، إعمالا للعقل وإلحاقا للأمور بأشباهها ونظرائها إذا توفرت علل الحكم ، وقد بلغ تمسك أهل الحديث بالنص إستنكار وسخرية أهل الرأي ، وقد يتجلى ذلك في المثال الآتي :
بعض من الموالي ( مسلمون غير عرب) قدموا الكوفة ، وكان لرجل منهم إمرأة فائقة الجمال ، فتعلق بها رجل كوفي ، وادعى أنها زوجته ، وادعت المرأة أيضا ذلك ، وعجز المولى زوج المرأة عن البينة ، فعرضت القضية على أبي حنيفة ( من أهل الرأي ) ...وقد سبق لأهل الحديث أن افتوا بأن المرأة للكوفي ، لكن أبا حنيفة لم يطمئن إلى الأخذ بهذا الظاهر، كما صنع أهل الحديث ، ورأى التحقق في الأمر بنفسه ، وشك في ادعاء الزوجة والكوفي معا ، فأخذ جماعة من الناس ومعهم ثلة من أهل الحديث ، وذهبوا حيث ينزل الموالي ، فنبحت كلابهم ، وهمت بالهجوم كعادتها عند رؤية الغريب .... عاود أبو حنيفة المحاولة مرة أخرى ، ومعه الزوجة بمعية شهود من أهل الحديث ، وأمر الزوجة أن تدخل بمفردها إلى منازل الموالي ، فلما دنت بصبص الكلاب حولها كما تفعل بأصحابها فقال أبو حنيفة : ( ظهر الحق) ، فانقادت المرأة للحق واعترفت بكذبها ، وعادت إلى زوجها ... ومن ذلك سخر أهل الرأي من أهل الحديث في هذه القضية .
**شذرات من فقه المالكية :
أغنى مالك الفقه الإسلامي بآرائه المختلفة ، إذ جعل المصلحة مناط الأحكام وأساسه فيما لم يرد فيه نص بالإباحة أو المنع ، وأخذه بالذرائع فيما يتعلق بالحلال والحرام، والحرية الملكية مكفولة دون الإضرار بالغير ، البيع بالأقساط سبيل للربا إذا كان مبتغاه رفع الثمن الأصلي ، لأن المحتكر ملعون بنص القرآن .
*حق الزوجة في الطلاق إذا لم ينفق عليها زوجها ، أو ظهر فيه عيب لم يصرح به وقت العقد . وقد عارضه الإمام ابن حزم الأندلسي في المسألة .
* حقوق الله مؤخرة ، وديون العباد مقدمة ، في التركات ، لأن العباد يتضررون أكثر من الدولة ... أما ديون الله فالله غفور رحيم بعباده ، وقد عارضه الإمام ابن حزم الأندلسي في المسألة .
* أفتى بأن الحمل قد يستمر في بطن أمه ثلاث سنوات ، وهو ما وضعه موضع نقد واستهجان من خصومه ، واتهموه بأنه يشجع على الفساد من نساء غير صالحات ( المطلقات و الأرامل ).
*عدم جواز صيام ستة من شوال ، عمل أهل المدينة عن حديث آحاد .
* وضع ضوابط لأحقية الرجل في الطلاق والزواج بأكثر من واحدة ، لضمان مصلحة الأسرة التي تعد الأساس في الرعاية .
* انبناء الشريعة على جلب المنافع ودرء المفاسد ، فكل وسيلة من وسائل العمل يجب النظر إلى نتائجها ، فإن كانت النتيجة مصلحة فالعمل مباح ، وإن كانت النتيجة فسادا وجب منع العمل .
عارض بعض ممن عاصر الإمام مالك معارضة شديدة ، وأكثرهم بأسا صديقه الليث بن سعد فقيه مصر ،وتلميذه الشافعي ، وابن حزم الأندلسي ، خاصة فيما يتعلق بأفضلية فقه المدينه على غيره من الأمصار ، وقد راسله الليث برسالة طويلة وضح فيها بأن عمل المدينة لم يعد سُنة بعد ، ولا يمكن اتباعه بعد الرسول ، والخلفاء من بعده ، فالصحابة غادروا المدينة بعد مقتل عمر ، وتفرقوا في الأمصار وبثوا فيها فقههم ، وأوائل أهل المدينة ليسوا كأواخرهم .
**عن وفاته رحمه الله :
توفي الإمام مالك رحمه الله وعمره يناهز تسع وثمانون سنة ، غسله ابن أبي زنبر ، وصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم الهاشمي ، ودفن بالبقيع اتفاقا ، وقبره مشهور ، تاركا وراءه أتباع وأشياع ، ومذهب فقهي وقور ، مزدان بالموطأ ، وتصنيفات لأتباعه ومريديه وطلابه هي : المدونة ، والواضحة ، والعتبية ، والموازية ، مخلفا وراءه مائة عمامة فضلا عن سواها ، ومنزل به من البسط والمنصات والمخاد ما ينيف عن خمس مائة دينار ، وخمس مائة زوج من النعال ، وقد اشتهى يوما كساءا قوصيا فما مات إلا وعنده منها سبعة بعثت إليه ، وترك من الناض ألفي دينار وست مائة دينار وسبعة وعشرين دينارا ، ومن الدراهم ألف درهم ، فقد كان إمامنا من الكبراء السعداء ، والسادة العلماء ، ذا حشمة وتجمل ، وعبيد ، ودار فاخرة ، ونعمة ظاهرة ، ورفعة في الدنيا والآخرة ، كان يقبل الهدية ، ويأكل طيبا ، ويعمل صالحا ، وما أحسن قول المبارك فيه منشدا :
صَموتَُُ إذا ما الصمت زين أهله***** وفتاق أبكار الكلام المختم
وعى ما وعى القرآن من كل حكمة ***** وسيطت له الآداب باللحم والدم .
نافلة القول أن العصر الأموي فيه تشجيع لوضع الحديث ، ونشر لفكر الجبرية بين المسلمين ، وزيادة في مناقب الخليفة عثمان الأموي ، وتعظيم للشام ومدحها ، وهو المنحى ذاته عند أهل الحجاز (المدينة) ، والعراق (الكوفة) ، اللذان أوجدا أحاديث تؤيد مذاهبهما ونحلهما الفقهية مع اختلافها ،هذا التناقض ، وهذا الإختلاف هو السبب في كثرة الإنتحال وتقطع العصم وتعادي المسلمين تكفيرا لبعضهم البعض . والقاريء المنصف يكتشف أن أكثر أسباب البلاوي التي أصابت المسلمين مردها للسياسة ، والتنافس على السلطة ، بين أبناء العمومة من جهة ، وبين أهل الحديث وأهل الرأي من جهة ثانية ، فكان مبدأ الغلبة والتغليب بارزا ، وبه أصبح الإسلام تابعا لا متبوعا ، كل يبحث لنفسه عن الشرعية و باسم الإسلام .
رحم الله إمامنا ، وأسكنه فسيح جناته .
من مواضيعي
0 دواعش كرة القدم ؟!
0 الصراع اللغوي في الجزائر ... قَاطع تُقاطع .
0 إغتيال (جمال غاشقجي) أهو ترهيب للفكر الحر ؟
0 ثورة التحرير وقيم الحرية والتنوع .
0 الأمازيغية ... مرفوضة بين أهاليها ؟؟ !
0 كرة قدم مستفزة !
0 الصراع اللغوي في الجزائر ... قَاطع تُقاطع .
0 إغتيال (جمال غاشقجي) أهو ترهيب للفكر الحر ؟
0 ثورة التحرير وقيم الحرية والتنوع .
0 الأمازيغية ... مرفوضة بين أهاليها ؟؟ !
0 كرة قدم مستفزة !
التعديل الأخير تم بواسطة الأمازيغي52 ; 28-07-2012 الساعة 12:02 PM