رد: زَادَكَ اللهُ حِرصًا..وَلَا تَعُد (5): لَا تُسرِف ِفي.. العَدلِ!
28-02-2015, 02:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله
أماني أريس، مرحبا بك في نقاشنا، ومشكورة على إثرائه بتعقيباتك.
أورد على ما عقب الإخوة والأخوات فأقول:
يا أسفا على المقاصد!
قرأت في بعض التعقيبات: "قراءة مقاصدية"!..ثم تدبرت ثمرتها..
فترحمت على من أُشرِبَ قَلبُه روحَ الشريعة وعدلها ورحمتها من الربانيين الراسخين.. إذا تكلم أحدهم فقال "مقصد" الشريعة و"أصلها" و"قياسها" رأيتَ أنوار النبوة تطفح من كلامه..وساق بين يدي قوله "مقصد" ومن خلفه جيوشا من الحِجاج الزاحفة المتراصة كالبنيان.. فيهجم كلامه على القلب.. وتتطامن له النفس.. وينشرح له الصدر..
واليوم صارت لفظة "مقاصد" لعبة يتخذها كل مُتَصَابٍ في فقه شريعتنا، متكئٍ على أريكته، يهدم بـ"مقاصده" ما حاك في صدره وكره أن يطلع عليه "أسيادنا" في العدوة الأخرى من البحر المتوسط.
وأفضت "مقاصد" صاحبنا إلى هدي ما أراه بقاصد: الجهاد السلبي الدفاعي..الذي لو استفتي في جدواه مدرب كرة قدم لما رضيه في "لعبه"! أفيرضاه جادّ في "جده"؟ أيشرعه لنا من قوله فصل وليس بالهزل؟!
أليس أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم –كما يقولون-؟ هذا رد "أريكي" (نسبة إلى الاتكاء على الأريكة!) على شبهة "أريكية" حول جهاد الغزو، في الجعبة سهام أحد وأنفذ..
ما دام إسلام وكفر..دامت دار إسلام ودار حرب..
وزعم زاعم أن تقسيم الديار إلى دار إسلام ودار حرب قد ولى..
وأحسبه أُتي من قبل أن التسمية قديمة بالية..ونحن في عصر الألفاظ الرنانة "اللائقة سياسيا"..كعلاقات التعاون وحسن الجوار والاتفاقيات الدولية..وننعم بالأمن العالمي والسلام الكوني في كفالة الأمم المتحدة ورعاية مجلس الأمن..
والذي أراه أن الحال هو الحال..وإنما سميت أمور بغير اسمها فاغتر بها كل غِرّ، فما كان –أمس- غزوا وعدوانا وحملة صليبية..انقلب احتلالا واستعمارا وحماية وانتدابا..ثم عمليات حفظ سلام، ومحاربة إرهاب، وحظرا جويا، وعقوبات تجارية، وإعادة هيكلة اقتصادية، وسياسيات نيولبرالية متوحشة، وعولمة ضارية..
وهذا "الخير" يأتي دائما من دار الحرب (سابقا!) إلى دار الإسلام (سابقا!)..ولربما سهل علينا "الحربيون" فهم القضية إذا زلت ألسنتهم عرفناهم في لحن القول، وقد زل لسان "الحربي" الأعظم يوم قال: "حملة صليبية" و"محور الشر" و"من ليس معنا فهو ضدنا"، وزل لسان قداسة "باباهم" السابق، ورئيس مجلس إيطاليا..مع ما كان ينبغي أن يكون عليه هؤلاء من التحفظ وضبط النفس، أما ما يصدر عمن هو دونهم فأكثر من أن يُتتبع فيحصر..وما تخفي صدورهم أكبر..
وقد كان لنا في قول بارئنا غنية: "وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا"..
المعيار واحد!
ثم تنبه! المعيار الذي نحب به الخير للكفرة..ونرحمهم به..ونعدل بينهم..ونبرهم ونقسط إليهم (في حالات!).
والمعيار الذي نبغضهم به..ونبرأ منهم..ونباديهم العداء..
هو معيار واحد..إيماني إنساني..وإنساني إيماني..فالإنسانية شعبة من الإيمان..الإيمان حاكم عليها..وهي محكومة به..أليس الإيمان هو الفطرة؟
وأما كيف يجتمع في قلب تجاه شخص عدل ورحمة مع بغض وتبري، ففهم ذلك أيسر ما يكون..
فعاقل بني آدم يرحم السارق والقاتل..ويرجو له من جريمته توبة وكفّا..ولكن يرضى معاقبته وقمعه..ويصوب والوقاية من جريمته بما يلزم ذلك من قوة..فاجعل في مكان "عاقل بني آدم" المؤمن..واجعل في مكان "السارق" و"القاتل" الكافر..واجعل في مكان "السرقة" و"القتل" الكفر..
نور من الوراء..أم ظلام من الأمام..
قال مولانا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا"..
أظلمت الأرض حتى أشرقت عليها أنوار النبوة والوحي.. فنور الإسلام ساطع يبلغ مداه يوم القيامة..كاف لمن استنار بسناه..واتبع هداه..في رحلته إلى ربه.." يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"
وقال قوم إن أعيننا ما رُكّبتا في قفًا..بل هما شمسان نيرتان..وبدران طالعان..مغنيتان عن كل نور..
مثلهم كمثل هم بمجاوزة مفازة.. بها وحوش وحفر..وسراق وأغوال..وهي مع ذلك مظلمة موحشة.. فجعل له مصباح عظيم..يبلغ نوره دار السلام..وسخر له أدلاء يحفظون طريق السلامة..وقيل له استنر بنور المصباح..وأطع الأدلاء..واتبع قولهم..تبلغ مأمنك..
فقال لي عينان مبصرتان..فأطفئوا السراج..واصرفوا الدليل..
فهل تراه يسلم؟
وأما "استلهام" الماضي..فما المراد به؟
إن "ماضينا" ليس أساطير يونانية..ومخاريق رومانية..يبطش إله البحر بإله النار..ويعبث إله الغضب بـ"شرف" آلهة الحب!
إن "ماضينا" هو وحي محفوظ وإجماع معصوم.. يُتبع ويطاع..ونُخضع له الوقائع والنوازل.. لأنه يسعها ويسع أضعافها..علم ذلك من علمه..وجهله من جهله..
فلنعم الشعار!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"..
لو أوكل إلي أن أختار شعارا للعقيدة السياسية والاقتصادية لدولة..لما بغيت عن هذا الحديث الشريف المبارك حولا..
الفتح ثروة قامت بها قائمة المسلمين..يوم لم يكن بترول ولا غاز..لقد كانت خزينة الدولة الجزائرية –كما يقول المؤرخون- أغنى خزينة في العالم يوم كانت سوق الجهاد (البحري) فيها قائمة..و"المخالفون" أذلاء لها..يدفعون الجزية والإتاوة عن يد وهم صاغرون..
وأما ماذا ننتج نحن..فهل ينبغي أن ننتج؟
هل الأمة القوية المتمكنة سياسيا واقتصاديا ينبغي أن تنتج؟ أي تصنع سيارة وطيارة ورقاقة حاسوب؟
ماذا لو كانت هذه القضية..قضية مطروحة للنقاش..وليست بديهية نصدقها "مسلمين مكتفين"!
نعم..الإنتاج الصناعي..والقوة الزراعية من ينابيع الثروة.. وسبل القوة والنهوض..
لكن من الأمم ما ثروته تجارية بحتة..وقوته موانئ ليس فيها إلا تبادل السلع..
بل أدلك على ما هو أعجب من ذلك!
من الأمم اليوم ما قوته إدارية وتسييرية..أي أنها "تنتج" أفكارا تسويقية وآراءا تسييرية..وتكسب أموالا قارونية بهذا الهراء! واطلع إن شئت على عقيدة شركة "نايكي" التجارية التي أعيت الباحثين..
فإذا كانت أمور غير الصناعة من أبواب الثروة..لما لا يكون الغزو منها..والفتح أحدها؟
ثم إذا فتحت الدولة المسلمة بلدان كافرة صناعية وفلاحية..فأذعن أهلها لسلطانها..ودفعوا الجزية..وصاروا رعاياها، لهم –في الجملة- ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين..فداموا على إنتاجهم الصناعي والزراعي..أليس هذا "إنتاجا" من مواطنينا الذميين؟ أريت كيف يتتبع الرزق ظل الرمح؟
ومع ذلك كله يقول رب العزة: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"..
ولرب خير ينعم به كافر من بركة عبادة مؤمن..ولرب جائحة بلي بها مؤمن من شؤم كفر كافر..
وقد أخبر الصادق المصدوق عن الحالة الاقتصادية لفترة يخلص فيها الإيمان وتتمحض فيها العزة لأهله: "ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِّسْل ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس".
علمان..
العلم علمان، علم أخروي، وهو المقصود بلفظ العلم إذا أطلق في نصوص الكتاب والسنة، وعلم دنيوي.
وللمسلمين..مطلق المسلمين –قديما- حظ من العلمين عظيم..
قلت مطلق المسلمين.. حتى لا يتحذلق متحذلق فيقول: كيف تثنون بالعلم (الدنيوي) على من لا ترضون سيرته ومذهبه الإسلامي..وتفخرون بمن ليس بـ"سلفي"!!
فهؤلاء العلماء مسلمون على الأصل -إلا من ثبت كفره بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة!- منسوبون إلى الحضارة الإسلامية في إنجازاتهم العلمية، نفخر بهم ونعتد بإسهامهم في نفع البشرية..
وأما ما تدنس به بعضهم من علوم الأقدمين، فنرجو من الله تعالى له المغفرة والثواب، وأن يهب إساءته لإحسانه..
فليحرر الفرق..نفخر بطب العالم (المسلم) ولا نفخر بفلسفته اليونانية..ونعتد بجبره وهندسته ونتبرأ من مخاريقه الياسقية..
ثم لماذا تُحصر النهضة المعرفية الإسلامية في أسماء رنانة لا تتجاوز إلى سواها إذا ما ذكرت حضارة المسلمين في العلوم والمعارف؟
أحقا كل علماء المسلمين وعباقرتهم أصحاب مخاريق فلسفية؟ ولوثات يونانية؟ألم يكن منهم مع كثرتهم من هو على الفطرة لم تجتله الشياطين؟
معاملة أهل البراء..
من لم يفهم شريعة خالقنا يضرب مثاليتها بواقعيتها..وواقعيتها بمثاليتها..لذلك يصرخ –منتشيا- بما يظنه ظفرا بمبدأ البراء المقدس، وحملا على أهله بحجة ذات بال: كيف تتبرءون من الكفرة وتقرون معاملتهم؟
ألا إن الذي شرع لنا بغضهم وعداوتهم..أباح لنا التعامل معهم..
وفتح لذلك أبوابا وسبلا: الذّمة والأمان والصلح.. عقود تضمن التبادل الاقتصادي وسير الأعمال..والأعمال هي الأعمال –كما لا يخفى عليك-..والتجارة هي التجارة..وقد تتاجر مع أبغض الناس إليك..ولا ضير..
أهو عتاب؟
لو أدمن واعظ ترهيب الناس وتذكيرهم بالنار دهره كله..فنصحه ناصح أن يطعِّم وعظه بذكر الجنة والترغيب فيها..لما استقبحت نصيحته..
ولو أدمن واعظ وصف الجنة، والترغيب فيها، وأمعن في أحاديث الرجاء، فنُصح أن يرهب كما يرغب..لما استهجنت هذه النصيحة..
فمع أن معظم كلام ربنا، وأقوال نبينا حول الجنة والنار ..لِيم من مال بشقه في الوعظ وعتاب الأمة إلى أحد الجانبين: الخوف أو الرجاء..
هلموا إلى مثالب الكفار..كم مقدار ذكرها في كتاب والسنة؟
ثم هلموا إلى "محاسن" الكفار..كم مقدار ذكرها في الكتاب والسنة؟ محاسنهم غارقة في بحر مثالبهم!
بمعنى لو أمضى واعظنا دهره للكفار ثالبا، ثم ختم حياته "الوعظية" بنصف كلمة في ذكر محاسنهم "عتابا" للمؤمنين..لما كان قاسطا!
فكيف بمن هجيراه مدح الكافر والثناء عليه، واتخاذ ذلك خطة في الوعظ والعتاب؟
هل مدح الكفار اليوم عمل معزول؟ واستطراد غير مقصود؟ وتذييل على أصل؟ وتفريع على قاعدة؟ أم أن مدحهم اليوم صارت فاكهة المجالس، وحليتها، وروحها؟ هذا ما أراه..ويا ليتني أكون في هذا مخطئا..
وتفضيل مطلق المسلم على مطلق الكافر هو الحق، والعدل ومقتضى الإيمان..
ولذرة إيمان في قلب مؤمن خير من ملء الأرض كفرة..
والذي يسوِّغ الإمعان في مدح الكفرة، والإغراق في ثلب المسلمين إنما ينظر إلى ظاهر الحياة الدنيا فقط..لذلك يعظم عليه قول من قال إن المسلم خير من الكافر بمفاوز بما في قلبه من الإيمان، وبما اقترفت جوارحه من الصالحات وإن قلت..
لأن الإيمان، بُخس الميزان، ولم ترجح به كفة عند هؤلاء..
وأثقل منه –عندهم- بهاء وسناء على "حضارة" الكفار اليوم..
ورب العزة يقول: "لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"..
نقول للناس كما قال ربنا: "وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ".. وقد يغتر حمقى، فيحسبون في ذلك تزكية لما ساء من أخلاق من ينتسب إلى الإسلام، كما اغتر آخرون بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة"..
وشفاء الشبهة بيانها ودحضها..ولا يترك الحق وتبليغه لأجل مظنة ما أيسر دفعها..
نعم لعتاب المحب أمته وتحريضها على الخير أبواب وأبواب..ذكر محاسن الكفار أضيقها وأقلها فتحا..فعلام التزاحم عليه؟
هداني الله وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه..إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: «ليسوا بشيء»