غَرْدَاية بين لَهِيب الصِّرَاع المَذْهَبِي وَتَحَالف المَصَالح
09-07-2015, 08:22 AM
غَرْدَاية بين لَهِيب الصِّرَاع المَذْهَبِي وَتَحَالف المَصَالح
عِنْدَمَا تَخْتَلِط الأُمُور فَإِنْ مَا يَضِيع لَيْسَ الحِوَار فَقَطْ , وَإِنَّمَا يَضِيع السِّلْمَ وَالأَمْنَ وَلاَ يَكَون هُنَاكَ بَدِيلٌ غَيْرَ العُنْفَ وَالدَّم , وَلَيْسَ اَمَامَ النِّظَام الذِي حَاول مَرَّاتٍ كَثِرَة وَفَشَلَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ أُخْرَى فِي اِحْتِوَاء الأزْمَة , سِوَى اِسْتِعْمَال القُوَّة العَسْكَرِية , وَبِصَرْف النَّظَر عَنْ حُلُول النِّظَامِ وَجِدِّيَتِهَا وَ التِي كَانَتْ بِدَايَتِهِ عَبْر قَنَاة تِلْفِيزْيُون أو مَحَطَّة إِذَاعَة أو جَرِيدَة وَهَذِهِ وَسَائِلْ غَيرَ كَافِية لاحْتِوَاء أَزْمَة مِثْلَ أَزْمَة غَرْدَايَة يَتَشَابَك فِيهَا التَّارِيخ وَالعَقِيدَة وَالعَادَة , إِلَى حَدِّ الاخْتِلاطِ وَ التَّدَاخُل , ثُمَّ أنَّ مَصَالَحَ شَخْصِيَة ، وَ رَغَبَات مِن أُخْرَى نَافِذَة فِي الاسْتِفَادَة مِن اِمْتِيَّازَاتٍ عَقَّارِية وَمَاليِة عَلَى أَرْضٍ لَمْ تَكُنْ يَوْمَا تُمَثِّل مَوقَع إِقَامَة لأَهْلِهَا وَإِنَّمَا كَانَت بِمَثَابَة لُحُودٍ مُقَدَسَة يَتَوَاصل فِيهَا الجِذْرُ مَعَ الفَرْع وَلا يَنْفَصِلاَن وَشَوَاهَد الوَاقِع تُشِير أَنَّ تَحَالف المَصَالح وَالإلحَاحَ عَلَيهَا هَو مَنْ تَوَلَّى رِعَايَة اِشْتِعَال الصَّراع وَتَفْجِيرَ الأوْضَاعَ , وَلَمْ تَجِد السُّلْطَة مِنْ وَسِيلة بَعْدَ أنْ عَجَزَت عَنْ تَطْوِيع إِرَادَة النَّاسِ بِالكَلاَمِ أَوْلَت المُهِمَّة لَلسِّلاح حَتَّى يُخْضِعَهُم بِالنَّار , وَقَد اسْتَخَفْت قَبْلُ بِهَذِهِ الأَزْمَة , فَقَد كَانَت الشَّخْصِيَّات الوَافِدة لِغَرداية , تَعْتَمِد عَلَى أَهَمِّية مَنصِبَهَا فِي الدَّولَة , و تَظُنُّ ذَلِكَ فِيهِ كِفَايَة وَزِيَادَة مُتَّجِهَة صَوبَ زَعَمَات مَحَلية تُوكَلُ لَها مُهِة حَل الأزْمَة و تَعْقِدُ فِيهَا أَنَّهَا تَسْعَى بِصِدْق لَتَحْقِق مَا أدَّعَت و مُنَفِّذَة مَا تَوَهَّمت أَنَّها تَسْتَطِيعُه وَلَمْ تَكُنْ هَذِه الزَّعَمَات المَحَلية فِي الحَقِيقَة سِوى طَرَفًا فِي الأزْمَة تَسْتَفِيد مِن إِشْعَالِها . ثُمَّ تَتَحَوَّل لِمُنْقِذ لِلسُّلطَة و عَرَّابًا لِحَلِّ الأَزْمَة , كَيْ تَسْتَفِيدَ مَرَّة أُخْرَى مِنْ رَمَادِ الصِّرَاع .
إِنَّ اِسْتِعْمَال السِّلاَح لإِخْضَاع النَّاس فِي هَذِه الأَحْوَال أَشبَهُ بِالسَّير عَلَى الحَبل فَهُو مَحْفُوف بِالمَخَاطِر لَو خَرَجَت رَصَاصَة مِنْه وتَنَاثَرَ الدَّم مَرة أُخرَى يُصْبِح السِّلاح خَصْمًا ثَالِثًا فِي الصِّرَاع وَخَاصَّة أَنَّ أَطْرَافًا مِن أَهْلِ النَّزَاعِ تَرَى أن السُّلطة تَعْمَلُ ضِدَّهُم , وإِن لَم يُحْسَن إِسْتِعْمَال السلاح فَإِنّهُ سَيَزِيد الأمر تعقيدا .
فِي هَذِهِ الأَحْوَال عَلَى السُّلْطَة أن تتَقَدَّم للدَّور المَنُوط بِهَا وَ المَرْجُو مِنْهَا بِدعْوَة الأَطْرَاف للْحِوَار الذِّي يَتَطَلَّبُ حِكْمَة العَقْل وَعَلَيهَا أَن تَمِيزَ بَينَ مُسْتَغِلِّين للنِّزَاع وَبَينَ أَصْحَاب النِّزاع الذين تَعنِيهم القَضِية , كَمَا أن إِخْضَاع النَّاس يَتَطَلَّب حِكمة و كَذلِكَ قُوة غَير مُسْرفَة تُجْبِر أطْراف الصِّراع للحِوَار وَالتَّنازُل عَن مَطَالب قَد تَصْعُب و الإحْتِكَام لِمَا هُوَ مَعْقُول وَمُمْكِن الحُدوث , كَمَا أن تَقَصَّي الحَقَائِق والأسباب الدَّاعِية لِتَفْجِير الصِّرَاع كَفيلٌ بإيجَاد الأسْبَاب الدَّاعِية لإِخْمَاد النَّزَاع نهَائِيا , لا يَخْفى أن الخَلِيطَ الغَير مُتَجَانِس بَين السُّكان مِنأَسْبَاب الأَزمَة , وَقَد كَان يَحتَوِيه اِلتِزَامَ كُلَّ طَرَفٍ مَكَانَهُ وَفِكْرَه , لَكِن بَعدَ أن تَدَاخَلت الأوضَاع كمَا ذَكَرتُ وَلَم يَكُن هُناك ثَقَافَة التَّعايش فِي ظِل عَدَم التَّجَانس وعَدَمُ القُدْرةُ عَلَى التَّسَالم فِي غِياب التَّعايش وَهَذِهِ إِن بِقِيَت فِإن قَدَح شَرَارَة وَاحِدَة كَافَية بِأن تُلهِب الصِّراع َمَرَّة أُخرى وَخَاصَّةً أن اللإِنْتِهَازِيُّون دَائمَا عَلَى اِسْتِعْدَاد لإذْكَاء مِثْل هَذِه الشَّرارة حَتَّى تَصِير لَهِيبًا
ليس للكاتب منصب وراتب بل قلم ومنبر
مع تحياتي وإلتزامي فارس معمر
مع تحياتي وإلتزامي فارس معمر