من الذي كتب رواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ؟
24-06-2008, 03:27 PM
الإشـاعة برّأت نزار قباني ، وورطت أحلام مستغانمي
من الذي كتب رواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي؟!
سؤال بدأ يتردد في الأوساط الثقافية والأدبية العربية مع صدور أولى طبعات هذه الرواية ، ولم يتوقف حتى الان ، المتهم الأول كان الشاعر نزار قباني ، والثاني كان الروائي الجزائري واسيني الأعرج ، أما المتهم الأخير فهو الشاعر العراقي سعدي يوسف ، وقبلهم جميعا كان ـ ولا يزال ـ الروائي الجزائري ـ الذي كان يكتب بالفرنسية ـ مالك حداد ، حيث اعتبر البعض أن تشابه ذاكرة الجسد مع روايته " ليس في رصيف الأزهار من يجيب " ، دليلا قاطعا على مشاركته في كتابتها ، رغم أنه لم ير أحلام مستغانمي مطلقا!!
الشاعر الكبير نزار قباني ـ المتهم الأول ـ رحل عن الحياة مضحيا بدليل تورطه في كتابة هذه الرواية ، وهو كلمات الإطراء التي دشن بها الكاتبة وروايتها ، وجاءت على غلافها الخلفي وخطه وتوقيعه ، ويقول فيها ، روايتها دوختني وأنا نادرا ما أدوخ·· ما أدوخ أمام رواية من الروايات ، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون .
والروائي واسيني الأعرج ـ المتهم الثاني ـ رغم أنه الأقرب لهذه الرواية بحكم تطابقها مع أجواء رواياته ، وبحكم أنه بلديات أحلام مستغانمي ، إلا أن إمكانية العثور عليه ـ لكي يدلو بدلوه في هذه القضية ـ صعبة وربما مستحيلة ·
الاعتراف المدوي :
أما الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف فقد وفر مشقة البحث عنه بين ردهات حواري وأزقة لندن مقر إقامته الحالي ، واعترف صراحة أنه هو ولا أحد سواه الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد ، ذلك الإعتراف المدوي الذي كتبه الناقد التونسي كارم الشريف في صحيفة الخبر الأسبوعية الجزائرية ، وتناقلته عشرات الصحف والمجلات العربية عبر وكالة الأنباء الفرنسية · وقال فيه ما نصه ، عشت مع أحلام مستغانمي كل مراحل كتابتها لهذه الرواية ، وكانت تمدني بكل ما تكتبه ، وكنت اقرأ وأعيد الكتابة ، ولما انتهت أعدت قراءة المخطوط ، ثم أعدت كتابته ليصير كما هو عليه الآن ـ ذاكرة الجسد ـ . ولأن ذاكرة الإنسان هي الأبقى ، ولأنها أعتى من ذاكرة الجسد والروح ، قررت بعد ألم ما حدث معي ، ومحاولة محو كل أثر لي ، ومحاولة محوي وإغراقي في نسيان قصدته أحلام ، كتبت قصيدة ستظل تحكي ما حدث وما لم يحدث لكل الذين عرفوا ولم يعرفوا ، خصوصا لي أنا ، وأيضا لها هي ، لأن الحقيقة اكبر·
هذا الاعتراف يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة الثقافية العربية ، وحتى إن سحبه سعدي يوسف أو أنكره ، فسيظل باقيا ، إذ أنه لفت الأنظار إلى إحدى قصائد ديوانه : حانة القرد المفكر ، الصادر في بيروت 1997 ، تلك القصيدة التي أكدت هذا الإعتراف ، وسترسخه على مر التاريخ ، مما يجعل إمكانية محوه مهمة صعبة ، وربما مستحيلة · في هذه القصيدة يقول سعدي يوسف تحت عنوان عن اللائي يكتبن رواية مشهورة متناسية سيرتك الأولي ـ خوفا ـ أو تعبا ـ فلماذا هذا العبث الفارغ كله؟ دوما تأخذك الكلمات ـ إلى أين ـ كأنك من الكلمات ، وكأن حياتك ليست بحياة ، قد تكتب أوراقا عن أسرار روايتك الأولى ، قد يذكر س أنك فرجينيا وولف ، حسنا، لكنك أدرى منه ، ومن تلك الأوراق ، أدري بتراب روايتك الأولى ·
رواية ذاكرة الجسد هي أولى روايات أحلام مستغانمي ، وقد أثارت ضجة واهتماما لدي صدورها وتواصل نجاحها وانتشارها ، فهي الأهم بين الروايات العربية على مستوى المبيعات ، إذ صدر منها حتى الآن ما يزيد على العشر طبعات عن دار الآداب البيروتية ، كما فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب العربي التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1998، وترجمت بناء على ذلك إلى اللغة الإنجليزية ، وهي عبارة عن قصة حب تقليدية بين خالد الفنان التشكيلي وأحلام الكاتبة الشابة ، ومن خلال مناجاة خالد لمحبوبته التي استحوذت على معظم صفحات هذه الرواية يظهر جانب من تاريخ الحركة الثورية الجزائرية التي قاومت الاحتلال الفرنسي ، ثم قاومت الإنتهازية الوطنية ، والتي أدي التحاق خالد بها إلى نقله إلى تونس لعلاجه من إصابة ألمت بذراعه في إحدى المعارك ضد الاحتلال ، وفي تونس يحدث له شيئان استحوذا على باقي الرواية أولهما بتر ذراعه الذي أدى إلى انبثاق موهبته في الرسم ، بناء على نصيحة طبيبه ، فأين هو ذلك الطبيب الذي نصحني بالرسم ذات مرة والذي صدقت نبوءته ولم أعد أحتاج إليه بعد ذلك ـ ص64 ـ . وثانيهما التقاؤه بالمولودة الصغيرة أحلام إبنة قائده في الثورة الجزائرية سي الطاهر والتي ستصبح مناجيته، ومعشوقته ، أو بعد خمسة وعشرين عاما يلتقيها في منفاه الاختياري باريس تتجول في أحد معارضه ، لتبدأ علاقة الحب الفاشلة ، التي تنتهي ـ كما الأفلام العربية ـ بزواجها من أحد المنتفعين بالثورة الجزائرية · هذا باختصار شديد ـ وغير مخل ـ ملخص رواية ذاكرة الجسد التي لم يكتف الناقد التونسي كارم الشريف في تشكيكه في نسبتها لأحلام مستغانمي باعتراف وقصيدة سعدي يوسف ، بل دعمه وقواه بتصريح لأحلام نفسها قالت فيه ، من أجمل الأشياء التي قيلت عن هذه الرواية أنه لو حذف منها الغلاف ، لن تعرف إن كان كاتبها رجلا أو امرأة ·
أسباب التورط :
الناقد الكبير فاروق عبد القادر ـ وهو من أوائل الذين تناولوا ـ نقديا ـ ذاكرة الجسد ، أكد أن معرفته بالشاعر الكبير سعدي يوسف ، تجعله يستبعد أن يقول هذا الاعتراف ، فهو أنبل وأكبر من ذلك ، أما مسألة ـ كما يضيف عبد القادر ـ أن تعرض كاتبة أو كاتب على صديق مخطوط عمل ليقرأه ويبدي فيه الرأي فهذا أمر وارد ومألوف ، وأنا شخصيا قرأت مخطوطات أعمال للعديد من الكتاب المعروفين قبل نشرها ، وأبديت ملاحظاتي ولا يهم أن يكونوا أخذوا بها أو لم يأخذوا ، فما أريد أن أقوله هو أن هذا الشأن طبيعي جدا وشائع بين كل الكتاب العرب · وعن سبب إثارة هذه الضجة يقول فاروق عبد القادر: أعتقد أن النجاح الذي حققته هذه الرواية هو دافع البعض لمثل هذا الحديث ، وأنا كقارئ أو كمشتغل بنقد الأدب ، لا يعنيني سوي الناتج النهائي ، ومثل هذا القول ليس جديدا على الواقع الثقافي العربي ، وأذكر ـ على ذلك ـ مثالا واحدا ، هو أنه حين صدرت رواية أيام معه لكولين خوري قال كثيرون أنها تحكي علاقتها بنزار قباني وأنه هو الذي أعاد كتابتها ، ولكن هذا لم يصرف القراء عن كولين ، فهذه الأقوال لا تتعدى أن تكون نوعا من النمائم الرخيصة التي لا يجب الاهتمام بها ، فالعمل نفسه هو الجدير بالاهتمام ·
أسباب الرواج :
وعن سبب رواج هذه الرواية يقول فاروق عبد القادر: إنه يرجع إلى أنها تعرضت لتاريخ نضال الشعب الجزائري منذ ما قبل اندلاع ثورة 25 بدء من المظاهرات التي عُرفت بمظاهرات سطيف ، والتي قتل فيها الفرنسيون أعدادا غفيرة من الجزائريين ، إذن هي تحكي النضال الجزائري من الأربعينات حتى المظاهرات التي قامت ضد الحزب الواحد وسقوط الجزائر في أيدي الانتهازيين عام 1988 . هذا بالإضافة إلى أنها وضعت النضال الجزائري في سياق النضال العربي ، من خلال شخصية زياد الفلسطيني الذي ارتبطت به الرواية في قصة حب لم تكتمل ، وهذه الرواية ترتفع من خصوصيتها كامرأة لتقارب مستوى الرمز للجزائر بأسرها ، فهي ابنة مناضل جزائري ، وأخت أحد أفراد الجماعات الإسلامية ، ثم يتزوجها أحد هؤلاء المسؤولين الذين استولوا على الجزائر وثورتها ·
وعن تقارب وربما تطابق أجواء وشخوص هذه الرواية مع رواية لمالك حداد قال عبد القادر : هذه الرواية تتماس بالفعل مع العديد من أعمال الكتاب الجزائريين وليس مالك حداد وحده ، فمثلا رواية البيت الكبير لمحمد دين تتشابه معها كثيرا ، وهذا راجع ـ في نظري ـ إلى وحدة الموضوع والمكان والقضية · وفي نهاية كلام فاروق عبد القادر ورصدنا لهذه القضية الغريبة يبقى سؤال : هل اعتراف سعدي يوسف سيشجع آخرين على رفع الستار عما يدور في كواليس كتابة الأعمال الأدبية قبل طباعتها ، وسيؤدي إلى إعلان ما يتم الهمس به في الجلسات والمسامرات الخاصة والمغلقة ، خصوصا الهمسات التي تتردد حول أعمال الكاتبات الشابات في مصر؟!
ربما · · دعونا نرى !!
سعدي يوسف : الرواية من صنع أحلام وحدها .
نفى الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ، الذي يقيم حاليا في لندن ، أن يكون هو الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ، وقال سعدي يوسف:
ان ما تردد في الصحف أخيراً عن أنني أدعيت أن أكون الكاتب من خلف الكواليس لرواية ذاكرة الجسد ليس له أي أساس من الصحة ، وأن كل ما حدث هو أنني كنت في زيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس حين التقيت بالكاتبة أحلام وزوجها جورج الرايس بحكم صداقتي القديمة بالأسرة · وأثناء لقائنا في باريس عرضت عليّ أحلام مخطوطة روايتها الجديدة لكي أطلع عليها وأقدم لها تعليقاتي ، وبالفعل ، بعد نحو شهر من اطلاعي على المخطوطة أعدت الرواية إلى أحلام متضمنة بعض التعليقات والإقتراحات المحدودة ، مثل إعادة ترتيب بعض الفصول وإدخال عناصر روائية من أسلوب الرواية الأميركية على النص · غير أن أحلام - والحديث لا يزال لسعدي يوسف - رفضت جملة الاقتراحات التي قدمتها لها - ربما لأن مزاجها وثقافتها فرنسية ولا تنسجم مع المزاج الأميركي الإنجليزي · كما أوضح سعدي أنه بالإضافة إلى هذه الاقتراحات ، التي أسماها حرفية وفنية ولا تتعلق بمضمون الرواية ، فقد اقترح بعض الإصلاحات اللغوية التي لا قيمة لها لأن أي مصحح إملائي ونحوي في الصحف العربية يستطيع القيام بها · · وهي في معظمها تقع عادة سهوا · وأضاف الشاعر العراقي أنه لم يقرأ الرواية بعد نشرها لأنه كان قد قرأها مخطوطة ، لكنه متأكد من أنها لم تشمل التعديلات التي كان قد اقترحها على الكاتبة أحلام موستغانمي ، لذا فإن الرواية مائة في المائة من صنع أحلام وحدها · من جهة أخرى ، أوضح سعدي يوسف مدى استيائه من الضجة الإعلامية والإشاعات غير الصحيحة التي دارت حول هذا الموضوع ، مؤكدا أن علاقته بالكاتبة أحلام وزوجها جورج الرايس لم تتأثر بهذه الضجة ، لأنها علاقة صداقة قديمة ومتينة ·
لعنة العروبة · · وقصاص النجاح والأنوثة .
ندوة المرأة والكتابة في مهرجان الرباط الدولي ـ يونيو 2000
أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد روايتي . .
كم تأخر هذا الموعد · كل هذا الحب ، كل هذا الترقب ، وأنا واقفة على حافة الأضداد ، كسيف ليس من حقه أن يخلف غمده · خفت إن أنا أخلفت موعدي مع المغرب أن يشحذ الوقت خنجر الشوق فيؤلمني الغياب عنكم · لماذا إذن إدماني الحضور بينكم ؟ ·
ألأنني منذ عشر سنوات يوم زرت المغرب آخر مرة ، لم أكن أحتاج إلى تأشيرة دخول إلى وطن هو مسقط قلبي ، وأنني اليوم يلزمني مبرر منطقي وكثير من الاستمارات والأوراق الثبوتية والصور الشمسية ، ليكون لي حق التجول في أزقة القلب المشرعة لسياحٍ ليس في جيوبهم من الحب لكم أكثر مما في قلبي · أفي غيبتي تواضعت أحلامنا المغاربية إلى هذا الحد؟ . جئتكم إذن بذريعة الأدب · لا لمعاتبتكم ولا لرفع العتب · لقد اكتشف نزار قباني قبلي أن العروبة لعنة وعقاب ، فاعذروا تعب عروبتي ، أنا الجزائرية القادمة إليكم من لبنان ، بجواز سفر فرنسي · فالكاتب العربي ، يأتي اليوم من حيث لا نتوقعه ، من بلاد أصبحت مصادفة وطنه ، مشهراً جواز سفره الأجنبي درعاً في وجه الشبهات · ولذا ، عندما يصل أينما وصل ، شيء ما يؤلمه ، حتى ليكاد يجهش بالبكاء · كم أخلفت من المواعيد الأدبية مع المدن العربية ، خوف أن يصبح حزني مشروعاً سياحياً، ووجاهة أعيشها باسم الأدب ، على حساب رفاق صمتوا وانطفأت أقلامهم إلى الأبد . هذا الضوء لا يخدعني · لقد وجدت نفسي في الصفوف الأمامية بعد أن مات من هم أكثر مني أهمية · عندما تكون كاتباً جزائرياً ، كيف لك أن تجلس لتكتب شيئاً في أي موضوع كان، دون أن تسند ظهرك إلى قبر · في زمن العنف العبثي ، والموت العدمي ، أنت تتعلم التواضع من قبور الآخرين ، وتتعلم احترام عتمة الغائبين · وتخاف أن تسرق ضوءهم دون قصد ، داخلاً مع كلّ موت في حالة صمت · حتى تكاد تصدق أن في صمت الكاتب عنفاً أيضاً ·
أوقتها اكتسبت تلك الفضيلة التي سيستفيد منها أعداؤك بإصرارك على مواجهة حقارة المثرثرين وإرهابهم · · بعنف صمتك؟ · منذ عشر سنوات إذن ، زرت المغرب للمرة الأخيرة للمشاركة في مهرجان شعري نسائي أقيم في فاس ، كان وجودي آنذاك في خانة الشاعرات ، خيانة من خياناتي الكثيرة للشعر · لكنني افترضت يومها أنها خيانتي الأجمل ، وأن الشعر سيغفرها لي ، لأنني لم أكن حضرت لأثبت شاعريتي لأحد ، ولكن لأثبت ، في حدود موهبتي ، أن الجزائر التي تعيشون بمحاذاة جرحها مازالت واقفة ، وأن الشعر عندنا مازال على قيد الحياة ، لا لكثرة شعرائنا ، ولا لجودة إنتاجهم ، ولكن لأنهم بإصرارهم على الكتابة ، أو بموتهم في لحظة إصرار أعادوا إلى الشعر وجاهته ، وإلى لقب شاعر ، هيبته وسطوته الأولى · أعود إليكم متنكرة في زي روائية · وربما لا أكون قد خُنتُ هذه المرة سوى نفسي ، ذلك أنه في كل ضوء خيانة للكتابة وانزلاق تدريجي نحو غرور مهيأ له الكاتب فِطرياً ، مما يجعلهُ يأخذ نفسه مأخذ الجد · · بدلاً أن يأخذ الكتابة مأخذ الجد · ليتواضع الكُتّاب قليلاً · من منا بإمكانه اليوم ، حتى وهو يحاضر من على منبر كهذا ، أن يجزم بأنه أديب حقاً؟ ·
وحده الوقت ، وأكاد أقول الموت ، هو الذي يحكم لكتاباتنا أو عليها ، حتى يخيل إليّ أننا نحتاجُ إلى موتنا كي نُدرك إن كنا حقاً كُتّاباً ، وكي نرى إذا كانت كُتبنا ستعيشُ بعدنا ، عندما لا نعود هنا لنستند إلى ضوضائنا · قبل سنة ونصف السنة ، يوم حصولي على جائزة نجيب محفوظ عن روايتي ذاكرة الجسد ، تلك الجائزة التي يبدو لي أنها أخطأت طريقها إليّ ، وكان من المفترض أن تذهب إلى نزار قباني ، أو إلى سعدي يوسف ، سبق أن قُلتُ في حفل تكريمي المسروق من أحدهما . . جميل كل ما يحدث لكاتب بسبب كتاب ، بسبب كتاب يمكن أن تُحَب ويمكن أن تُكرَه ، ويمكن أن تُسجَن ويمكن أن تُكرَّم ، ويمكن أن تُغتال ويمكن أن تُشرَّد · ويمكن أيضاً أن تحصل على جائزة لم تتوقعها يوماً ، وفي جميع هذه الحالات ، عليك أن تتذكر أنك كاتب ، وكاتب دون إضافات ، فأن تكون كاتباً يعني أن تكون على استعداد لأن يحدث لك أي أمر من كل هذا ، مقابل حفنة من الكلمات! . كم من الأشياء حدثت لي بسبب كتاب! · اليوم بإمكاني أن أضيف ، أنه بسبب كتاب ، قد تخسر كثيراً من أوهامك ، وترى كثيراً من القناعات تتهشم أمامك · فالحياة تستدرجك إلى عداوات أنت غير مستعد لها ، وعبثاً تبحث عن أعداء شرفاء ، ستقع في فخ معارك لا نُبْل لأصحابها ، لأنك لا تدري أن الطريق إلى النجاح محفوف بالأحقاد · ولكن لا تهتم ، فأنت مدين لهؤلاء بنجاحاتك · فلفرط خسارتك ، وبفضلها فقط ، أصبحت كاتباً، فالكاتب الكبير يفضّل على المكاسب الصغيرة خسارات في حجم قامته ، لكونها المادة الأولى لأدبه · كلما تقدّمت في الكتابة باللغة العربية ، غادرت عمر الوهم ودخلت سن الفاجعة ·
أي أُفّة هذه ؟ وأي قدر يتربّص بالكاتب العربي الناجح الذي يقف في مسافة وسطيّة بين القتلة والمرتزقة؟ فهو بالنسبة للأولين متهم بالكتابة ، والذين يعادونه ، والذين قد يقتلونه ، لم يقرؤوه ولم يحاولوا أن يفهموه أو يناقشوه ، إنما هم يحاسبونه على اختلافه عنهم لا على اختلافه معهم!·
أما إذا نجا من هؤلاء ، فمرتزقة الصحافة يتربّصون به ويريدون جثته ممددة على صحائفهم الصفراء للتمثيل بها ، لا بتهمة الكتابة ، هذه المرة ، بل بجريمة نجاحه فيها · فالنجاح هو أكبر جرم يرتكبه كاتب عربي اليوم ، ذلك أن الإنسان العربي الذي عاش وسط الخرائب وتعاسة الواقع البشع ، قد تعوّد على الفشل حتى باتت تؤذيه نجاحات الآخرين في أي ميدان كانت · وكما قال خليل حاوي ، موجع نبض الدم المحرور في اللحم القديد ، ولذا يظل يبحثُ لهذه النجاحات عن أسباب خارقة ، وقد ينسبها للجن أو للملائكة ، لا تكريساً لفكر غيبي يتمنطق به ، وإنما تبخيساً لمبدع ينتمي لأبناء جلدته · ففي جبّانة الأدب العربي الحديث ، أنت لا تجد قبوراً للأعمال الفاشلة فقط ، وإنما تعثر على حفر لوأد الإبداعات الجميلة وطمسها، لأننا نستكثر على أنفسنا أي شيء جميل ، مثلما يرهب عجائزنا الفرح ، وتعتبرنه نذير شؤم · لذا ، كل ما يؤلمني أن هذه الجاهلية العربية المعاصرة التي تنادت على قتل صغيرتي ، ذاكرة الجسد ، عهدت إلى خطف الشاهد من يدي ، لتصنع منه وتداً وتستند إليه خيمة منتدى النميمة العربية · فمن يبكي موؤودا ، صوروه ثمرة خطيئة ، تنسب كل مرة لأب أو لشاعر؟ · يا لمأساة كاتب يكتب اليوم باللغة العربية ، وليس يكسب من هذه اللغة سوى خساراته!· وأي قصاص هو قصاص المبدع العربي الذي في زمن هجره الكثيرين من الكتاب العرب إلى اللغات الأجنبية ، حيث المجد والكسب السريع والجوائز التي قد يقصر نظرنا عن إدراك غائيّتها ، يختار البقاء على قيد العروبة ، والكتابة بلغة محفوفة بالمخاطر ومُسيّجة من ناحية بحرّاس الأخلاق والأوصياء على الدين ، ومفروشة من ناحية أخرى بألغام المرتزقة بين مزورين يعيشون على تزوير كتبه في عشرات الطبعات ، فيصنعون من حاجته ثراءهم ، وآخرين بذريعة الصحافة ، وتحت جلباب النقد يحترفون ، بنوايا سوداء ، القرصنة الأدبية والتهتك الأخلاقي ، في زمن عربي انتشر فيه وباء فقدان مناعة الحياء·
منذ أيام فاجأتنا إحدى الصحف بمقال مكتوب بكثير من اللؤم المهندس والسم المنهجي لصحفي مغمور تحت عنوان سرقات أدبية: هل يختفي سعدي يوسف تحت قلم أحلام···؟· وهو مقال مليء بزيف الفجيعة والتباكي والحسرة ، يزف فيه صاحبه لآلاف القراء الذين وقعوا حسب تعبيره تحت سطوة هذه الرواية وانبهروا بها ، مرارة الحقيقة ، وهي كونهم جميعهم راحوا ضحية سرقة أدبية ، بعد أن بلغه أن الشاعر الكبير سعدي يوسف أعلن في إحدى السهرات صدفة ، وفي مقهى ما على ضفاف البحر الأبيض المتوسط ، وبمرارة وحرقة وألم مليء بالعذاب ، أنه الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد · وكعادتي لم أكن لأرد على هذا الموضوع · فقناعاتي كانت دائماً لا تجادل أحمقا أو جاهلاً ، فلن يعرف الناس الفرق بينكما، لولا أن صاحب هذا المقال تكفل بضمان حملة إشهارية لنفسه بتوزيعه على وكالات الأنباء الصحافية ، وكأنه اكتشف لتوه كوكبا غاب عن مرصاد الفلكيين ، فلم تبق صحيفة عربية إلا وتلقفت هذا الخبر · كان يلزمني بعض الوقت لأحصل على هاتف سعدي يوسف وأستفسره الأمر، إحتراماً لماضيه النضالي والشعري ، ولاعتقادي أن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عنه ، وإنه إذا كانت له هذه الموهبة الروائية ، فلماذا لم يكتب رواية تحمل إسمه يجني منها مجداً حقيقياً؟ فأنا لا أرى مجداً لشاعر استصغر نفسه حتى أصبح يستعير اسم شخص آخر · خاصة أن سعدي يوسف في غنى عن مثل هذا المجد · ورغم أنني لست من أولئك الذين يستمرؤون تفسير التاريخ والأحداث بشكل تآمري ، إلا أنني صدّقت سعدي يوسف ، وهو يسر لي بحزن حد البكاء على الطرف الآخر من الهاتف بأنه نظراً لمواقفه السياسية الأخيرة من النظام العراقي ، تم استنفار بعض الأقلام للإساءة له وهو يتعرض منذ مدة لكثير من الدس الصحافي · وهذه الزوبعة التي في ظاهرها أدبية وفي باطنها سياسية ، تحمل في ثناياها تقنية جديدة لتحطيم هذا المعارض أخلاقياً وإنسانياً ، حتى تتسنى تصفية مصداقيته كإنسان وكسياسي وكشاعر من أجل منعه من لعب أي دور سياسي قادم · لقد ظل سعدي يوسف بمرارة موجعة أنستني مرارتي يشرح لي ملابسات تلك القصيدة التي بنى عليها ذلك الصحافي حجته ، نافياً كل ما جاء في ذلك المقال ، مُصراً على ان صداقته بزوجي وما يجمعنا من مودة يمنعانه من أن يأتي على ذكري إلا بما يليق بعشرتنا من احترام · وأنه كذّب كل هذا في مقابلة أجرتها معه جريدة الحياة · ولكن سعدي يوسف المعتكف على حزنه ، والذي لم يخلع بعد حداده على ابنه ويرفض الاطلاع على الجرائد · وقلما يغادر بيته ، لا يدري أن الدنيا قامت ولم تقعد · ذلك أن ثمة أفكاراً مسبقة لدى الرجال ، بكون المرأة لا يمكن أن تبدع · فإذا ما أبدعت ينتظرون أول من يزرع الريبة ويشكك في مصداقيتها · لكأن البعض منذ عشر سنوات ، ومنذ صدور ذاكرة الجسد يستخسر في امرأة نجاحها ، ويستكثر على الجزائر أقلامها وكتّابها ، غير مصدق أن بإمكان جزائرية أن تتفوق على الكثيرين في الكتابة باللغة العربية ، لا لتفوقها عليهم في معرفتها بل في عشقها لها · والدليل هو ما جاء حرفياً على لسان هذا الصحافي عندما كتب : وفجأة أصبحت أحلام كما في الأحلام ، أهم روائية عربية في هذا القرن ، حتى لا نقول في تاريخ الرواية العربية · وبما أننا في عصر المعجزات تقبّلنا هذه المعجزة وشجعناها وأحببناها رغم أنه لم يفتنا أن نتساءل : من أين أتت هذه الكاتبة التي استحوذت على الأضواء . ولو أن هذا الكاتب كان يدري أن كلمة معجزة تنصرف إلى كل شيء خارق لا يخضع إلى قوانين الطبيعة ، لعرفنا أنه يريد أن يقول ، إن إبداع الأنثى العربية هو ضرب من ضروب الخوارق ، لأنها مقعدة على مستوى الخلق الأدبي ، وأن ما هو مسموح به لها ، هو تكرار الخلق البيولوجي الذي لا يُنتج غير قنبلة ديموغرافية · لذا ، فإن المسألة ليست مسألة ذاكرة الجسد ، ولا القضية قضية أحلام مستغانمي ، وإنما كوننا ننتمي إلى مجتمع عربي ذكوري يرفض الأنثى ويحتقر النساء ، حتى أنه ما ظهرت كاتبة أو شاعرة عربية إلا وجاء من يقول إن ثمة حتماً رجلاً يكتب لها · وهو ما لم نسمع أنه قيل حتى الآن عن رجل ، ولا أنه قيل عن كاتبة تكتب في مجتمع آخر غير المجتمع العربي · فعندما يقول العرب أن وراء كل رجل عظيم امرأة ، فإنهم بمفهوم المخالفة يعنون ان أمام كل امرأة مهما عظُمت رجلاً · إن الذهنية المريضة التي تجعل من شاعرين في مستوى نزار قباني وسعدي يوسف يتعاركان دون علمهما على رواية تنسبها الصحافة كل مرة لأحد منهما ، هي ذهنية تحتاج إلى الرثاء والشفقة ، أكثر من الشكوى والمبارزة . فهذان الشاعران بعمريهما المديدين في الإبداع ، لم يدعيا في يوم من الأيام أنهما كتاب رواية ، يكفيهما مجداً انهما عمالقة في دنيا الشعر العربي . أما أولئك الذين يريدون أن يروْ جثتي تطفو على بركة سخافاتهم ، فهم مطالبون بأن يشحذوا خيالهم في البحث عن سلطة أدبية أخرى ينسبون إليها عملي القادم · ذلك أن الضمائر المفروشة لبعض الصحافيين العرب ، الذين يؤجرونها حسب الحاجة ، هذه الضمائر والأقلام المفروشة للإيجار والاستثمار ، مأساتها في الذكاء · ولذا عندما أرادت محاربتي لم تجد من تحاربني به غير كبار الشعراء ، ومن لا علاقة لهم بالرواية ولا بوجع الجزائر وتفاصيل همومها الممتدة في كتبي على نصف قرن من التاريخ الذي لا يمكن لغير الجزائري أن يحمل فجيعته أو يصفها · وبالمناسبة ، ولمزيد من الإشهار ، أقترح على هذا الصحافي أو من شابهه البحث عن شاعر آخر حتى يعلن أبوته لـ فوضى الحواس ، وقد بلغت هذه الرواية طبعتها العاشرة خلال السنوات الثلاث الماضية · فأي إعلان عن أبوة متأخرة سيكون مرفوضاً بعد الآن · ولِمَ لا ، البحث عن شاعر يتبنى منذ الآن عملي الروائي القادم : سرير لرائعتك · أما أنا ، فإنني أجيب عن هذا الموضوع بمناسبة تواجدي في هذه الندوة المقامة حول الأدب النسائي · ولا تتوقعوا أن أقضي بقية عمري في نش الذباب · إنني غير معنية بالرد على كل ديك يصيح من على مزبلة ، لأنني أكره أن أتردّى في وهاد الانحطاط الذكوري العربي · فالكاتب لا يرد بمقال بل بكتاب آخر · إنه يبدع ولا وقت لديه لأن يلتفت لأولئك الذين يقتاتون من الفتات المتساقط من موائده · ولذا ، لن أجيب بعد الآن عن أي موضوع له علاقة بـ ذاكرة الجسد ، فإن كانت هذه الرواية غير قادرة على الدفاع عن نفسها ، فلتذهب إلى الجحيم · فنحن لا نكتب الكتب لنقضي حياتنا في الدفاع عنها · · بل لتدافع هي عنا حتى بعد موتنا . إن فجيعتي ليست أدبية وإنما أخلاقية · وكل همي أنني لا أعرف لمن أشتكي مثل هؤلاء الصحافيين : ألنقاباتهم أم لنقابات حفّاري القبور؟ · إن تاريخ تطاول الصحافيين الأقزام على المبدعين العرب طاعن في القدم ، ضالع في التجني ، وذلك لسببين:
أولاً : عدم وجود القواعد الأخلاقية المهنية التي هي ضمير المهنة ، واختلاط الأدوار بين صحافة النقد الجاد وبين الصحافة الفضائحية التي زادُها النميمة الأدبية والتشهير اللامؤدب ، والتي تستقي أخبارها من السهرات والسكرات التي تقام في مقهى ما على ضفاف البحر الأبيض المتوسط·
ثانياً : معرفة صبيان الصحافة العربية ، إن المبدع العربي إنسان يحصّل قوته بالكاد ، فلا يقوى على توكيل محام للدفاع عنه وإلزامه هو والملصقات التي يتقيأ هلوساته عليها بالتعويض العادل للمبدع عما أصابه من ضرر مادي ومعنوي · ولو كنت كتبت هذا الكتاب بالفرنسية ، لجنيت منه ثروتين : واحدة من مبيعاته ، وأخرى من الدعاوى التي كنت رفعتها على محترفي جرائم الشرف الأدبي الذين يحلو لهم إراقة حبر الكاتبات ودمهن ، وماء وجههن بجرة قلم ، قصد دخول الأدب من الأبواب الصغيرة الخلفية · ولكن أخطأ هؤلاء هذه المرة · فليس أمامهم أنثى مذعورة تخاف من كل شيء ، وعلى كل شيء · · ولا تملك إلا أن تقر في خبائها مهانة وهي من الشاكرين . وإذا كنت دائماً أطمح ألا تكون أنوثتي هي جواز مروري إلى القارىء ، فإنني أيضاً أرفض أن تكون حاجز التفتيش الذي تنتهك فيه كتبي ويستباح فيه شرفي بذريعة النقد الأدبي · وإن كانت الكتابة قد أعطتني سكينة وصمتاً داخلياً ، لا يبلغهما إلا كاتب خبر سراب الحياة ، وأعطتني ثروة لا يكتسبها ، إلا من قضى عمره في جمع الخسارات ، فإنني أصر على مكاسب القيم · ولذا نذرتُ ما أحصل عليه من مال من قلمي ، ليكون سياطاً تلهب جلود الأفاعي التي ليس لأقلامها أي شرف · لا لجمع ثروة من رخصهم ، ولكن لأؤدب بهم من استرخصوا أقلام الكتّاب ، وانتهكوا حرمة حبرهم · فلا شرف لكاتبٍ أو كاتبة خارج شرف القلم .
ملاحظة : نقلا عن موقع أفق
من الذي كتب رواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي؟!
سؤال بدأ يتردد في الأوساط الثقافية والأدبية العربية مع صدور أولى طبعات هذه الرواية ، ولم يتوقف حتى الان ، المتهم الأول كان الشاعر نزار قباني ، والثاني كان الروائي الجزائري واسيني الأعرج ، أما المتهم الأخير فهو الشاعر العراقي سعدي يوسف ، وقبلهم جميعا كان ـ ولا يزال ـ الروائي الجزائري ـ الذي كان يكتب بالفرنسية ـ مالك حداد ، حيث اعتبر البعض أن تشابه ذاكرة الجسد مع روايته " ليس في رصيف الأزهار من يجيب " ، دليلا قاطعا على مشاركته في كتابتها ، رغم أنه لم ير أحلام مستغانمي مطلقا!!
الشاعر الكبير نزار قباني ـ المتهم الأول ـ رحل عن الحياة مضحيا بدليل تورطه في كتابة هذه الرواية ، وهو كلمات الإطراء التي دشن بها الكاتبة وروايتها ، وجاءت على غلافها الخلفي وخطه وتوقيعه ، ويقول فيها ، روايتها دوختني وأنا نادرا ما أدوخ·· ما أدوخ أمام رواية من الروايات ، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون .
والروائي واسيني الأعرج ـ المتهم الثاني ـ رغم أنه الأقرب لهذه الرواية بحكم تطابقها مع أجواء رواياته ، وبحكم أنه بلديات أحلام مستغانمي ، إلا أن إمكانية العثور عليه ـ لكي يدلو بدلوه في هذه القضية ـ صعبة وربما مستحيلة ·
الاعتراف المدوي :
أما الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف فقد وفر مشقة البحث عنه بين ردهات حواري وأزقة لندن مقر إقامته الحالي ، واعترف صراحة أنه هو ولا أحد سواه الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد ، ذلك الإعتراف المدوي الذي كتبه الناقد التونسي كارم الشريف في صحيفة الخبر الأسبوعية الجزائرية ، وتناقلته عشرات الصحف والمجلات العربية عبر وكالة الأنباء الفرنسية · وقال فيه ما نصه ، عشت مع أحلام مستغانمي كل مراحل كتابتها لهذه الرواية ، وكانت تمدني بكل ما تكتبه ، وكنت اقرأ وأعيد الكتابة ، ولما انتهت أعدت قراءة المخطوط ، ثم أعدت كتابته ليصير كما هو عليه الآن ـ ذاكرة الجسد ـ . ولأن ذاكرة الإنسان هي الأبقى ، ولأنها أعتى من ذاكرة الجسد والروح ، قررت بعد ألم ما حدث معي ، ومحاولة محو كل أثر لي ، ومحاولة محوي وإغراقي في نسيان قصدته أحلام ، كتبت قصيدة ستظل تحكي ما حدث وما لم يحدث لكل الذين عرفوا ولم يعرفوا ، خصوصا لي أنا ، وأيضا لها هي ، لأن الحقيقة اكبر·
هذا الاعتراف يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة الثقافية العربية ، وحتى إن سحبه سعدي يوسف أو أنكره ، فسيظل باقيا ، إذ أنه لفت الأنظار إلى إحدى قصائد ديوانه : حانة القرد المفكر ، الصادر في بيروت 1997 ، تلك القصيدة التي أكدت هذا الإعتراف ، وسترسخه على مر التاريخ ، مما يجعل إمكانية محوه مهمة صعبة ، وربما مستحيلة · في هذه القصيدة يقول سعدي يوسف تحت عنوان عن اللائي يكتبن رواية مشهورة متناسية سيرتك الأولي ـ خوفا ـ أو تعبا ـ فلماذا هذا العبث الفارغ كله؟ دوما تأخذك الكلمات ـ إلى أين ـ كأنك من الكلمات ، وكأن حياتك ليست بحياة ، قد تكتب أوراقا عن أسرار روايتك الأولى ، قد يذكر س أنك فرجينيا وولف ، حسنا، لكنك أدرى منه ، ومن تلك الأوراق ، أدري بتراب روايتك الأولى ·
رواية ذاكرة الجسد هي أولى روايات أحلام مستغانمي ، وقد أثارت ضجة واهتماما لدي صدورها وتواصل نجاحها وانتشارها ، فهي الأهم بين الروايات العربية على مستوى المبيعات ، إذ صدر منها حتى الآن ما يزيد على العشر طبعات عن دار الآداب البيروتية ، كما فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب العربي التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1998، وترجمت بناء على ذلك إلى اللغة الإنجليزية ، وهي عبارة عن قصة حب تقليدية بين خالد الفنان التشكيلي وأحلام الكاتبة الشابة ، ومن خلال مناجاة خالد لمحبوبته التي استحوذت على معظم صفحات هذه الرواية يظهر جانب من تاريخ الحركة الثورية الجزائرية التي قاومت الاحتلال الفرنسي ، ثم قاومت الإنتهازية الوطنية ، والتي أدي التحاق خالد بها إلى نقله إلى تونس لعلاجه من إصابة ألمت بذراعه في إحدى المعارك ضد الاحتلال ، وفي تونس يحدث له شيئان استحوذا على باقي الرواية أولهما بتر ذراعه الذي أدى إلى انبثاق موهبته في الرسم ، بناء على نصيحة طبيبه ، فأين هو ذلك الطبيب الذي نصحني بالرسم ذات مرة والذي صدقت نبوءته ولم أعد أحتاج إليه بعد ذلك ـ ص64 ـ . وثانيهما التقاؤه بالمولودة الصغيرة أحلام إبنة قائده في الثورة الجزائرية سي الطاهر والتي ستصبح مناجيته، ومعشوقته ، أو بعد خمسة وعشرين عاما يلتقيها في منفاه الاختياري باريس تتجول في أحد معارضه ، لتبدأ علاقة الحب الفاشلة ، التي تنتهي ـ كما الأفلام العربية ـ بزواجها من أحد المنتفعين بالثورة الجزائرية · هذا باختصار شديد ـ وغير مخل ـ ملخص رواية ذاكرة الجسد التي لم يكتف الناقد التونسي كارم الشريف في تشكيكه في نسبتها لأحلام مستغانمي باعتراف وقصيدة سعدي يوسف ، بل دعمه وقواه بتصريح لأحلام نفسها قالت فيه ، من أجمل الأشياء التي قيلت عن هذه الرواية أنه لو حذف منها الغلاف ، لن تعرف إن كان كاتبها رجلا أو امرأة ·
أسباب التورط :
الناقد الكبير فاروق عبد القادر ـ وهو من أوائل الذين تناولوا ـ نقديا ـ ذاكرة الجسد ، أكد أن معرفته بالشاعر الكبير سعدي يوسف ، تجعله يستبعد أن يقول هذا الاعتراف ، فهو أنبل وأكبر من ذلك ، أما مسألة ـ كما يضيف عبد القادر ـ أن تعرض كاتبة أو كاتب على صديق مخطوط عمل ليقرأه ويبدي فيه الرأي فهذا أمر وارد ومألوف ، وأنا شخصيا قرأت مخطوطات أعمال للعديد من الكتاب المعروفين قبل نشرها ، وأبديت ملاحظاتي ولا يهم أن يكونوا أخذوا بها أو لم يأخذوا ، فما أريد أن أقوله هو أن هذا الشأن طبيعي جدا وشائع بين كل الكتاب العرب · وعن سبب إثارة هذه الضجة يقول فاروق عبد القادر: أعتقد أن النجاح الذي حققته هذه الرواية هو دافع البعض لمثل هذا الحديث ، وأنا كقارئ أو كمشتغل بنقد الأدب ، لا يعنيني سوي الناتج النهائي ، ومثل هذا القول ليس جديدا على الواقع الثقافي العربي ، وأذكر ـ على ذلك ـ مثالا واحدا ، هو أنه حين صدرت رواية أيام معه لكولين خوري قال كثيرون أنها تحكي علاقتها بنزار قباني وأنه هو الذي أعاد كتابتها ، ولكن هذا لم يصرف القراء عن كولين ، فهذه الأقوال لا تتعدى أن تكون نوعا من النمائم الرخيصة التي لا يجب الاهتمام بها ، فالعمل نفسه هو الجدير بالاهتمام ·
أسباب الرواج :
وعن سبب رواج هذه الرواية يقول فاروق عبد القادر: إنه يرجع إلى أنها تعرضت لتاريخ نضال الشعب الجزائري منذ ما قبل اندلاع ثورة 25 بدء من المظاهرات التي عُرفت بمظاهرات سطيف ، والتي قتل فيها الفرنسيون أعدادا غفيرة من الجزائريين ، إذن هي تحكي النضال الجزائري من الأربعينات حتى المظاهرات التي قامت ضد الحزب الواحد وسقوط الجزائر في أيدي الانتهازيين عام 1988 . هذا بالإضافة إلى أنها وضعت النضال الجزائري في سياق النضال العربي ، من خلال شخصية زياد الفلسطيني الذي ارتبطت به الرواية في قصة حب لم تكتمل ، وهذه الرواية ترتفع من خصوصيتها كامرأة لتقارب مستوى الرمز للجزائر بأسرها ، فهي ابنة مناضل جزائري ، وأخت أحد أفراد الجماعات الإسلامية ، ثم يتزوجها أحد هؤلاء المسؤولين الذين استولوا على الجزائر وثورتها ·
وعن تقارب وربما تطابق أجواء وشخوص هذه الرواية مع رواية لمالك حداد قال عبد القادر : هذه الرواية تتماس بالفعل مع العديد من أعمال الكتاب الجزائريين وليس مالك حداد وحده ، فمثلا رواية البيت الكبير لمحمد دين تتشابه معها كثيرا ، وهذا راجع ـ في نظري ـ إلى وحدة الموضوع والمكان والقضية · وفي نهاية كلام فاروق عبد القادر ورصدنا لهذه القضية الغريبة يبقى سؤال : هل اعتراف سعدي يوسف سيشجع آخرين على رفع الستار عما يدور في كواليس كتابة الأعمال الأدبية قبل طباعتها ، وسيؤدي إلى إعلان ما يتم الهمس به في الجلسات والمسامرات الخاصة والمغلقة ، خصوصا الهمسات التي تتردد حول أعمال الكاتبات الشابات في مصر؟!
ربما · · دعونا نرى !!
سعدي يوسف : الرواية من صنع أحلام وحدها .
نفى الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ، الذي يقيم حاليا في لندن ، أن يكون هو الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ، وقال سعدي يوسف:
ان ما تردد في الصحف أخيراً عن أنني أدعيت أن أكون الكاتب من خلف الكواليس لرواية ذاكرة الجسد ليس له أي أساس من الصحة ، وأن كل ما حدث هو أنني كنت في زيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس حين التقيت بالكاتبة أحلام وزوجها جورج الرايس بحكم صداقتي القديمة بالأسرة · وأثناء لقائنا في باريس عرضت عليّ أحلام مخطوطة روايتها الجديدة لكي أطلع عليها وأقدم لها تعليقاتي ، وبالفعل ، بعد نحو شهر من اطلاعي على المخطوطة أعدت الرواية إلى أحلام متضمنة بعض التعليقات والإقتراحات المحدودة ، مثل إعادة ترتيب بعض الفصول وإدخال عناصر روائية من أسلوب الرواية الأميركية على النص · غير أن أحلام - والحديث لا يزال لسعدي يوسف - رفضت جملة الاقتراحات التي قدمتها لها - ربما لأن مزاجها وثقافتها فرنسية ولا تنسجم مع المزاج الأميركي الإنجليزي · كما أوضح سعدي أنه بالإضافة إلى هذه الاقتراحات ، التي أسماها حرفية وفنية ولا تتعلق بمضمون الرواية ، فقد اقترح بعض الإصلاحات اللغوية التي لا قيمة لها لأن أي مصحح إملائي ونحوي في الصحف العربية يستطيع القيام بها · · وهي في معظمها تقع عادة سهوا · وأضاف الشاعر العراقي أنه لم يقرأ الرواية بعد نشرها لأنه كان قد قرأها مخطوطة ، لكنه متأكد من أنها لم تشمل التعديلات التي كان قد اقترحها على الكاتبة أحلام موستغانمي ، لذا فإن الرواية مائة في المائة من صنع أحلام وحدها · من جهة أخرى ، أوضح سعدي يوسف مدى استيائه من الضجة الإعلامية والإشاعات غير الصحيحة التي دارت حول هذا الموضوع ، مؤكدا أن علاقته بالكاتبة أحلام وزوجها جورج الرايس لم تتأثر بهذه الضجة ، لأنها علاقة صداقة قديمة ومتينة ·
لعنة العروبة · · وقصاص النجاح والأنوثة .
ندوة المرأة والكتابة في مهرجان الرباط الدولي ـ يونيو 2000
أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد روايتي . .
كم تأخر هذا الموعد · كل هذا الحب ، كل هذا الترقب ، وأنا واقفة على حافة الأضداد ، كسيف ليس من حقه أن يخلف غمده · خفت إن أنا أخلفت موعدي مع المغرب أن يشحذ الوقت خنجر الشوق فيؤلمني الغياب عنكم · لماذا إذن إدماني الحضور بينكم ؟ ·
ألأنني منذ عشر سنوات يوم زرت المغرب آخر مرة ، لم أكن أحتاج إلى تأشيرة دخول إلى وطن هو مسقط قلبي ، وأنني اليوم يلزمني مبرر منطقي وكثير من الاستمارات والأوراق الثبوتية والصور الشمسية ، ليكون لي حق التجول في أزقة القلب المشرعة لسياحٍ ليس في جيوبهم من الحب لكم أكثر مما في قلبي · أفي غيبتي تواضعت أحلامنا المغاربية إلى هذا الحد؟ . جئتكم إذن بذريعة الأدب · لا لمعاتبتكم ولا لرفع العتب · لقد اكتشف نزار قباني قبلي أن العروبة لعنة وعقاب ، فاعذروا تعب عروبتي ، أنا الجزائرية القادمة إليكم من لبنان ، بجواز سفر فرنسي · فالكاتب العربي ، يأتي اليوم من حيث لا نتوقعه ، من بلاد أصبحت مصادفة وطنه ، مشهراً جواز سفره الأجنبي درعاً في وجه الشبهات · ولذا ، عندما يصل أينما وصل ، شيء ما يؤلمه ، حتى ليكاد يجهش بالبكاء · كم أخلفت من المواعيد الأدبية مع المدن العربية ، خوف أن يصبح حزني مشروعاً سياحياً، ووجاهة أعيشها باسم الأدب ، على حساب رفاق صمتوا وانطفأت أقلامهم إلى الأبد . هذا الضوء لا يخدعني · لقد وجدت نفسي في الصفوف الأمامية بعد أن مات من هم أكثر مني أهمية · عندما تكون كاتباً جزائرياً ، كيف لك أن تجلس لتكتب شيئاً في أي موضوع كان، دون أن تسند ظهرك إلى قبر · في زمن العنف العبثي ، والموت العدمي ، أنت تتعلم التواضع من قبور الآخرين ، وتتعلم احترام عتمة الغائبين · وتخاف أن تسرق ضوءهم دون قصد ، داخلاً مع كلّ موت في حالة صمت · حتى تكاد تصدق أن في صمت الكاتب عنفاً أيضاً ·
أوقتها اكتسبت تلك الفضيلة التي سيستفيد منها أعداؤك بإصرارك على مواجهة حقارة المثرثرين وإرهابهم · · بعنف صمتك؟ · منذ عشر سنوات إذن ، زرت المغرب للمرة الأخيرة للمشاركة في مهرجان شعري نسائي أقيم في فاس ، كان وجودي آنذاك في خانة الشاعرات ، خيانة من خياناتي الكثيرة للشعر · لكنني افترضت يومها أنها خيانتي الأجمل ، وأن الشعر سيغفرها لي ، لأنني لم أكن حضرت لأثبت شاعريتي لأحد ، ولكن لأثبت ، في حدود موهبتي ، أن الجزائر التي تعيشون بمحاذاة جرحها مازالت واقفة ، وأن الشعر عندنا مازال على قيد الحياة ، لا لكثرة شعرائنا ، ولا لجودة إنتاجهم ، ولكن لأنهم بإصرارهم على الكتابة ، أو بموتهم في لحظة إصرار أعادوا إلى الشعر وجاهته ، وإلى لقب شاعر ، هيبته وسطوته الأولى · أعود إليكم متنكرة في زي روائية · وربما لا أكون قد خُنتُ هذه المرة سوى نفسي ، ذلك أنه في كل ضوء خيانة للكتابة وانزلاق تدريجي نحو غرور مهيأ له الكاتب فِطرياً ، مما يجعلهُ يأخذ نفسه مأخذ الجد · · بدلاً أن يأخذ الكتابة مأخذ الجد · ليتواضع الكُتّاب قليلاً · من منا بإمكانه اليوم ، حتى وهو يحاضر من على منبر كهذا ، أن يجزم بأنه أديب حقاً؟ ·
وحده الوقت ، وأكاد أقول الموت ، هو الذي يحكم لكتاباتنا أو عليها ، حتى يخيل إليّ أننا نحتاجُ إلى موتنا كي نُدرك إن كنا حقاً كُتّاباً ، وكي نرى إذا كانت كُتبنا ستعيشُ بعدنا ، عندما لا نعود هنا لنستند إلى ضوضائنا · قبل سنة ونصف السنة ، يوم حصولي على جائزة نجيب محفوظ عن روايتي ذاكرة الجسد ، تلك الجائزة التي يبدو لي أنها أخطأت طريقها إليّ ، وكان من المفترض أن تذهب إلى نزار قباني ، أو إلى سعدي يوسف ، سبق أن قُلتُ في حفل تكريمي المسروق من أحدهما . . جميل كل ما يحدث لكاتب بسبب كتاب ، بسبب كتاب يمكن أن تُحَب ويمكن أن تُكرَه ، ويمكن أن تُسجَن ويمكن أن تُكرَّم ، ويمكن أن تُغتال ويمكن أن تُشرَّد · ويمكن أيضاً أن تحصل على جائزة لم تتوقعها يوماً ، وفي جميع هذه الحالات ، عليك أن تتذكر أنك كاتب ، وكاتب دون إضافات ، فأن تكون كاتباً يعني أن تكون على استعداد لأن يحدث لك أي أمر من كل هذا ، مقابل حفنة من الكلمات! . كم من الأشياء حدثت لي بسبب كتاب! · اليوم بإمكاني أن أضيف ، أنه بسبب كتاب ، قد تخسر كثيراً من أوهامك ، وترى كثيراً من القناعات تتهشم أمامك · فالحياة تستدرجك إلى عداوات أنت غير مستعد لها ، وعبثاً تبحث عن أعداء شرفاء ، ستقع في فخ معارك لا نُبْل لأصحابها ، لأنك لا تدري أن الطريق إلى النجاح محفوف بالأحقاد · ولكن لا تهتم ، فأنت مدين لهؤلاء بنجاحاتك · فلفرط خسارتك ، وبفضلها فقط ، أصبحت كاتباً، فالكاتب الكبير يفضّل على المكاسب الصغيرة خسارات في حجم قامته ، لكونها المادة الأولى لأدبه · كلما تقدّمت في الكتابة باللغة العربية ، غادرت عمر الوهم ودخلت سن الفاجعة ·
أي أُفّة هذه ؟ وأي قدر يتربّص بالكاتب العربي الناجح الذي يقف في مسافة وسطيّة بين القتلة والمرتزقة؟ فهو بالنسبة للأولين متهم بالكتابة ، والذين يعادونه ، والذين قد يقتلونه ، لم يقرؤوه ولم يحاولوا أن يفهموه أو يناقشوه ، إنما هم يحاسبونه على اختلافه عنهم لا على اختلافه معهم!·
أما إذا نجا من هؤلاء ، فمرتزقة الصحافة يتربّصون به ويريدون جثته ممددة على صحائفهم الصفراء للتمثيل بها ، لا بتهمة الكتابة ، هذه المرة ، بل بجريمة نجاحه فيها · فالنجاح هو أكبر جرم يرتكبه كاتب عربي اليوم ، ذلك أن الإنسان العربي الذي عاش وسط الخرائب وتعاسة الواقع البشع ، قد تعوّد على الفشل حتى باتت تؤذيه نجاحات الآخرين في أي ميدان كانت · وكما قال خليل حاوي ، موجع نبض الدم المحرور في اللحم القديد ، ولذا يظل يبحثُ لهذه النجاحات عن أسباب خارقة ، وقد ينسبها للجن أو للملائكة ، لا تكريساً لفكر غيبي يتمنطق به ، وإنما تبخيساً لمبدع ينتمي لأبناء جلدته · ففي جبّانة الأدب العربي الحديث ، أنت لا تجد قبوراً للأعمال الفاشلة فقط ، وإنما تعثر على حفر لوأد الإبداعات الجميلة وطمسها، لأننا نستكثر على أنفسنا أي شيء جميل ، مثلما يرهب عجائزنا الفرح ، وتعتبرنه نذير شؤم · لذا ، كل ما يؤلمني أن هذه الجاهلية العربية المعاصرة التي تنادت على قتل صغيرتي ، ذاكرة الجسد ، عهدت إلى خطف الشاهد من يدي ، لتصنع منه وتداً وتستند إليه خيمة منتدى النميمة العربية · فمن يبكي موؤودا ، صوروه ثمرة خطيئة ، تنسب كل مرة لأب أو لشاعر؟ · يا لمأساة كاتب يكتب اليوم باللغة العربية ، وليس يكسب من هذه اللغة سوى خساراته!· وأي قصاص هو قصاص المبدع العربي الذي في زمن هجره الكثيرين من الكتاب العرب إلى اللغات الأجنبية ، حيث المجد والكسب السريع والجوائز التي قد يقصر نظرنا عن إدراك غائيّتها ، يختار البقاء على قيد العروبة ، والكتابة بلغة محفوفة بالمخاطر ومُسيّجة من ناحية بحرّاس الأخلاق والأوصياء على الدين ، ومفروشة من ناحية أخرى بألغام المرتزقة بين مزورين يعيشون على تزوير كتبه في عشرات الطبعات ، فيصنعون من حاجته ثراءهم ، وآخرين بذريعة الصحافة ، وتحت جلباب النقد يحترفون ، بنوايا سوداء ، القرصنة الأدبية والتهتك الأخلاقي ، في زمن عربي انتشر فيه وباء فقدان مناعة الحياء·
منذ أيام فاجأتنا إحدى الصحف بمقال مكتوب بكثير من اللؤم المهندس والسم المنهجي لصحفي مغمور تحت عنوان سرقات أدبية: هل يختفي سعدي يوسف تحت قلم أحلام···؟· وهو مقال مليء بزيف الفجيعة والتباكي والحسرة ، يزف فيه صاحبه لآلاف القراء الذين وقعوا حسب تعبيره تحت سطوة هذه الرواية وانبهروا بها ، مرارة الحقيقة ، وهي كونهم جميعهم راحوا ضحية سرقة أدبية ، بعد أن بلغه أن الشاعر الكبير سعدي يوسف أعلن في إحدى السهرات صدفة ، وفي مقهى ما على ضفاف البحر الأبيض المتوسط ، وبمرارة وحرقة وألم مليء بالعذاب ، أنه الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد · وكعادتي لم أكن لأرد على هذا الموضوع · فقناعاتي كانت دائماً لا تجادل أحمقا أو جاهلاً ، فلن يعرف الناس الفرق بينكما، لولا أن صاحب هذا المقال تكفل بضمان حملة إشهارية لنفسه بتوزيعه على وكالات الأنباء الصحافية ، وكأنه اكتشف لتوه كوكبا غاب عن مرصاد الفلكيين ، فلم تبق صحيفة عربية إلا وتلقفت هذا الخبر · كان يلزمني بعض الوقت لأحصل على هاتف سعدي يوسف وأستفسره الأمر، إحتراماً لماضيه النضالي والشعري ، ولاعتقادي أن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عنه ، وإنه إذا كانت له هذه الموهبة الروائية ، فلماذا لم يكتب رواية تحمل إسمه يجني منها مجداً حقيقياً؟ فأنا لا أرى مجداً لشاعر استصغر نفسه حتى أصبح يستعير اسم شخص آخر · خاصة أن سعدي يوسف في غنى عن مثل هذا المجد · ورغم أنني لست من أولئك الذين يستمرؤون تفسير التاريخ والأحداث بشكل تآمري ، إلا أنني صدّقت سعدي يوسف ، وهو يسر لي بحزن حد البكاء على الطرف الآخر من الهاتف بأنه نظراً لمواقفه السياسية الأخيرة من النظام العراقي ، تم استنفار بعض الأقلام للإساءة له وهو يتعرض منذ مدة لكثير من الدس الصحافي · وهذه الزوبعة التي في ظاهرها أدبية وفي باطنها سياسية ، تحمل في ثناياها تقنية جديدة لتحطيم هذا المعارض أخلاقياً وإنسانياً ، حتى تتسنى تصفية مصداقيته كإنسان وكسياسي وكشاعر من أجل منعه من لعب أي دور سياسي قادم · لقد ظل سعدي يوسف بمرارة موجعة أنستني مرارتي يشرح لي ملابسات تلك القصيدة التي بنى عليها ذلك الصحافي حجته ، نافياً كل ما جاء في ذلك المقال ، مُصراً على ان صداقته بزوجي وما يجمعنا من مودة يمنعانه من أن يأتي على ذكري إلا بما يليق بعشرتنا من احترام · وأنه كذّب كل هذا في مقابلة أجرتها معه جريدة الحياة · ولكن سعدي يوسف المعتكف على حزنه ، والذي لم يخلع بعد حداده على ابنه ويرفض الاطلاع على الجرائد · وقلما يغادر بيته ، لا يدري أن الدنيا قامت ولم تقعد · ذلك أن ثمة أفكاراً مسبقة لدى الرجال ، بكون المرأة لا يمكن أن تبدع · فإذا ما أبدعت ينتظرون أول من يزرع الريبة ويشكك في مصداقيتها · لكأن البعض منذ عشر سنوات ، ومنذ صدور ذاكرة الجسد يستخسر في امرأة نجاحها ، ويستكثر على الجزائر أقلامها وكتّابها ، غير مصدق أن بإمكان جزائرية أن تتفوق على الكثيرين في الكتابة باللغة العربية ، لا لتفوقها عليهم في معرفتها بل في عشقها لها · والدليل هو ما جاء حرفياً على لسان هذا الصحافي عندما كتب : وفجأة أصبحت أحلام كما في الأحلام ، أهم روائية عربية في هذا القرن ، حتى لا نقول في تاريخ الرواية العربية · وبما أننا في عصر المعجزات تقبّلنا هذه المعجزة وشجعناها وأحببناها رغم أنه لم يفتنا أن نتساءل : من أين أتت هذه الكاتبة التي استحوذت على الأضواء . ولو أن هذا الكاتب كان يدري أن كلمة معجزة تنصرف إلى كل شيء خارق لا يخضع إلى قوانين الطبيعة ، لعرفنا أنه يريد أن يقول ، إن إبداع الأنثى العربية هو ضرب من ضروب الخوارق ، لأنها مقعدة على مستوى الخلق الأدبي ، وأن ما هو مسموح به لها ، هو تكرار الخلق البيولوجي الذي لا يُنتج غير قنبلة ديموغرافية · لذا ، فإن المسألة ليست مسألة ذاكرة الجسد ، ولا القضية قضية أحلام مستغانمي ، وإنما كوننا ننتمي إلى مجتمع عربي ذكوري يرفض الأنثى ويحتقر النساء ، حتى أنه ما ظهرت كاتبة أو شاعرة عربية إلا وجاء من يقول إن ثمة حتماً رجلاً يكتب لها · وهو ما لم نسمع أنه قيل حتى الآن عن رجل ، ولا أنه قيل عن كاتبة تكتب في مجتمع آخر غير المجتمع العربي · فعندما يقول العرب أن وراء كل رجل عظيم امرأة ، فإنهم بمفهوم المخالفة يعنون ان أمام كل امرأة مهما عظُمت رجلاً · إن الذهنية المريضة التي تجعل من شاعرين في مستوى نزار قباني وسعدي يوسف يتعاركان دون علمهما على رواية تنسبها الصحافة كل مرة لأحد منهما ، هي ذهنية تحتاج إلى الرثاء والشفقة ، أكثر من الشكوى والمبارزة . فهذان الشاعران بعمريهما المديدين في الإبداع ، لم يدعيا في يوم من الأيام أنهما كتاب رواية ، يكفيهما مجداً انهما عمالقة في دنيا الشعر العربي . أما أولئك الذين يريدون أن يروْ جثتي تطفو على بركة سخافاتهم ، فهم مطالبون بأن يشحذوا خيالهم في البحث عن سلطة أدبية أخرى ينسبون إليها عملي القادم · ذلك أن الضمائر المفروشة لبعض الصحافيين العرب ، الذين يؤجرونها حسب الحاجة ، هذه الضمائر والأقلام المفروشة للإيجار والاستثمار ، مأساتها في الذكاء · ولذا عندما أرادت محاربتي لم تجد من تحاربني به غير كبار الشعراء ، ومن لا علاقة لهم بالرواية ولا بوجع الجزائر وتفاصيل همومها الممتدة في كتبي على نصف قرن من التاريخ الذي لا يمكن لغير الجزائري أن يحمل فجيعته أو يصفها · وبالمناسبة ، ولمزيد من الإشهار ، أقترح على هذا الصحافي أو من شابهه البحث عن شاعر آخر حتى يعلن أبوته لـ فوضى الحواس ، وقد بلغت هذه الرواية طبعتها العاشرة خلال السنوات الثلاث الماضية · فأي إعلان عن أبوة متأخرة سيكون مرفوضاً بعد الآن · ولِمَ لا ، البحث عن شاعر يتبنى منذ الآن عملي الروائي القادم : سرير لرائعتك · أما أنا ، فإنني أجيب عن هذا الموضوع بمناسبة تواجدي في هذه الندوة المقامة حول الأدب النسائي · ولا تتوقعوا أن أقضي بقية عمري في نش الذباب · إنني غير معنية بالرد على كل ديك يصيح من على مزبلة ، لأنني أكره أن أتردّى في وهاد الانحطاط الذكوري العربي · فالكاتب لا يرد بمقال بل بكتاب آخر · إنه يبدع ولا وقت لديه لأن يلتفت لأولئك الذين يقتاتون من الفتات المتساقط من موائده · ولذا ، لن أجيب بعد الآن عن أي موضوع له علاقة بـ ذاكرة الجسد ، فإن كانت هذه الرواية غير قادرة على الدفاع عن نفسها ، فلتذهب إلى الجحيم · فنحن لا نكتب الكتب لنقضي حياتنا في الدفاع عنها · · بل لتدافع هي عنا حتى بعد موتنا . إن فجيعتي ليست أدبية وإنما أخلاقية · وكل همي أنني لا أعرف لمن أشتكي مثل هؤلاء الصحافيين : ألنقاباتهم أم لنقابات حفّاري القبور؟ · إن تاريخ تطاول الصحافيين الأقزام على المبدعين العرب طاعن في القدم ، ضالع في التجني ، وذلك لسببين:
أولاً : عدم وجود القواعد الأخلاقية المهنية التي هي ضمير المهنة ، واختلاط الأدوار بين صحافة النقد الجاد وبين الصحافة الفضائحية التي زادُها النميمة الأدبية والتشهير اللامؤدب ، والتي تستقي أخبارها من السهرات والسكرات التي تقام في مقهى ما على ضفاف البحر الأبيض المتوسط·
ثانياً : معرفة صبيان الصحافة العربية ، إن المبدع العربي إنسان يحصّل قوته بالكاد ، فلا يقوى على توكيل محام للدفاع عنه وإلزامه هو والملصقات التي يتقيأ هلوساته عليها بالتعويض العادل للمبدع عما أصابه من ضرر مادي ومعنوي · ولو كنت كتبت هذا الكتاب بالفرنسية ، لجنيت منه ثروتين : واحدة من مبيعاته ، وأخرى من الدعاوى التي كنت رفعتها على محترفي جرائم الشرف الأدبي الذين يحلو لهم إراقة حبر الكاتبات ودمهن ، وماء وجههن بجرة قلم ، قصد دخول الأدب من الأبواب الصغيرة الخلفية · ولكن أخطأ هؤلاء هذه المرة · فليس أمامهم أنثى مذعورة تخاف من كل شيء ، وعلى كل شيء · · ولا تملك إلا أن تقر في خبائها مهانة وهي من الشاكرين . وإذا كنت دائماً أطمح ألا تكون أنوثتي هي جواز مروري إلى القارىء ، فإنني أيضاً أرفض أن تكون حاجز التفتيش الذي تنتهك فيه كتبي ويستباح فيه شرفي بذريعة النقد الأدبي · وإن كانت الكتابة قد أعطتني سكينة وصمتاً داخلياً ، لا يبلغهما إلا كاتب خبر سراب الحياة ، وأعطتني ثروة لا يكتسبها ، إلا من قضى عمره في جمع الخسارات ، فإنني أصر على مكاسب القيم · ولذا نذرتُ ما أحصل عليه من مال من قلمي ، ليكون سياطاً تلهب جلود الأفاعي التي ليس لأقلامها أي شرف · لا لجمع ثروة من رخصهم ، ولكن لأؤدب بهم من استرخصوا أقلام الكتّاب ، وانتهكوا حرمة حبرهم · فلا شرف لكاتبٍ أو كاتبة خارج شرف القلم .
ملاحظة : نقلا عن موقع أفق
من مواضيعي
0 رجل دولة ................قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية