" ما يحدث في الشوارع " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس)
16-02-2009, 07:15 AM
ما يـحدث في الشوارع ..
سأرفأ أيامي بأحلامي ، و أحيك نسيج العنكبوت قصرا .. سأمتطي أفراس حكايا العجائز في زمن الـحكايا ،و أتدثّر ببـخور دجل الدجالين.. فأنا أحس بالبرد إذ هبَّ الـهواء على قلبي عندما فتحت أنت النافذة على العمر .. و لـم تغلق النافذة بعدها أبدا ،فغادرت الغرفة و سرت في الشوارع الـخلفية الـمعتمة للمدينة بـحذائي الـحزين فالشوارع العريضة الـمشعة بأنوار الـحياة تطأها أحذية أخرى ، يتعثر حذاء حزنـي ببغايا الكريستال و الـمشردين و القطط السائبة .. لا أدري أي تيه حـملني إلى شارع بورقيبة ، فهل الذكرى خبيثة إلى هذا الـحد ؟ أم الصبر مغفل إلى أبعد حد ؟ أسير على نفس الرصيف الذي يـحفظ بوفاء عجيب وقع أقدامنا الـمـميز وهي تأخذ اتـجاها مـحددا سلفا نـحو.. هناك ، واجهات الـمحلات التجارية مازالت للأسف تـحتفظ بانعكاس صورتنا عندما كنا نقف أمامها نتأمل السلع و نطلق التعليقات الساخرة على أثـمانـها الـمرتفعة ، ارتفعت في أذني حينها رنة ضحكتها البديعة ..أصمت فلا معنى للكلمات أمام الزلازل .. و يضطرب انتظام الدقات بين قضبان صدري بدقات أخرى متسللة فقد كنت أخشى أن يـحملني حذائي الـحزين إلى .. هناك .. هناك مقعدنا حيث تطالعنا الساعة في الساحة الدائرية ..و لكنَّ حذائي يـجعل خَشيتي حقيقةً مرعبةً إذ وجدتُني أَسيرُ في ذلك الاتـجاه .. أشبه بالريح الباردة و الساخنة في آنٍ تـهب ذكرى الـمقعد الـحبيبة أو اللعينة .. لـم أعد أميز .. كانت تتكئ على كتفي فتميد الأرض تـحت وطأة الروح و تسطع إشراقات و لا نلبث جالسين على مقعدنا الـمعتاد طويلا حتى تأتينا دغدغات لذيذات و تصّاعد ترنيمات خفية من عمق الأعماق و يضيء نور مبهر حيث تظلم الدنيا من حولنا و ترتفع في الـمكان أوراد عشق عندما تصفو النفس بشوقها الذي لا يسكن ، و يذوب الكيانان واحدا فكأنـها إياي أو كأنـي إياها ، كنا نتكلم دون كلام ، لعلنا كنا نـحفظ للحب قداسته فلا نستخدم كلمات قد يستخدمها غيرنا كذبا أو خداعا .. تسري في كياني الواهن رعدة باردة تـماما كتلك اللحظات عندما نغيب عن الكون إذ تتعاظم الأرواح و تتعالى الترنيمات و جوقة نورانية ترفعنا إلى عالـم هناك بعيد و تتدفق الأحاسيس فيضا عجيبا ..
تداخلت الأفكار و الـمعاني عندما لـمـحت شبحي جالسين على نفس مقعدنا ، كانت تتكئ على كتفه و يسطع وجهاهـما بنور غريب و لكنهما كانا أيضا صامتين كأنـهما كانا يـحفظان للحب قداسته فلا يستخدمان كلمات قد يستخدمها غيرهـما كذبا أو خداعا .. انـحدر بصري إلى أسفل لـما طأطأت الرأس حسرة فرأيت الشاب ينتعل حذاءً مهيئًا للحزن فقد كان يشبه حذائي كثيرا ، لا أدرك كيف وقع ذلك فقد غابت الأشياء من حولي للحظات لا ادري عددها و غامت الصور و تداخلت .. و لكن عندما أفقت كانت أضواء الذكرى قد انطفأت و تألقت في عيني أضواء الطريق بنورها ساطعًا وهاجًا و بغير تردد رأيتُني أقلع الـحذاء و أسير في الشارع الفسيح حافيا ..
فيصل الزوايدي
سأرفأ أيامي بأحلامي ، و أحيك نسيج العنكبوت قصرا .. سأمتطي أفراس حكايا العجائز في زمن الـحكايا ،و أتدثّر ببـخور دجل الدجالين.. فأنا أحس بالبرد إذ هبَّ الـهواء على قلبي عندما فتحت أنت النافذة على العمر .. و لـم تغلق النافذة بعدها أبدا ،فغادرت الغرفة و سرت في الشوارع الـخلفية الـمعتمة للمدينة بـحذائي الـحزين فالشوارع العريضة الـمشعة بأنوار الـحياة تطأها أحذية أخرى ، يتعثر حذاء حزنـي ببغايا الكريستال و الـمشردين و القطط السائبة .. لا أدري أي تيه حـملني إلى شارع بورقيبة ، فهل الذكرى خبيثة إلى هذا الـحد ؟ أم الصبر مغفل إلى أبعد حد ؟ أسير على نفس الرصيف الذي يـحفظ بوفاء عجيب وقع أقدامنا الـمـميز وهي تأخذ اتـجاها مـحددا سلفا نـحو.. هناك ، واجهات الـمحلات التجارية مازالت للأسف تـحتفظ بانعكاس صورتنا عندما كنا نقف أمامها نتأمل السلع و نطلق التعليقات الساخرة على أثـمانـها الـمرتفعة ، ارتفعت في أذني حينها رنة ضحكتها البديعة ..أصمت فلا معنى للكلمات أمام الزلازل .. و يضطرب انتظام الدقات بين قضبان صدري بدقات أخرى متسللة فقد كنت أخشى أن يـحملني حذائي الـحزين إلى .. هناك .. هناك مقعدنا حيث تطالعنا الساعة في الساحة الدائرية ..و لكنَّ حذائي يـجعل خَشيتي حقيقةً مرعبةً إذ وجدتُني أَسيرُ في ذلك الاتـجاه .. أشبه بالريح الباردة و الساخنة في آنٍ تـهب ذكرى الـمقعد الـحبيبة أو اللعينة .. لـم أعد أميز .. كانت تتكئ على كتفي فتميد الأرض تـحت وطأة الروح و تسطع إشراقات و لا نلبث جالسين على مقعدنا الـمعتاد طويلا حتى تأتينا دغدغات لذيذات و تصّاعد ترنيمات خفية من عمق الأعماق و يضيء نور مبهر حيث تظلم الدنيا من حولنا و ترتفع في الـمكان أوراد عشق عندما تصفو النفس بشوقها الذي لا يسكن ، و يذوب الكيانان واحدا فكأنـها إياي أو كأنـي إياها ، كنا نتكلم دون كلام ، لعلنا كنا نـحفظ للحب قداسته فلا نستخدم كلمات قد يستخدمها غيرنا كذبا أو خداعا .. تسري في كياني الواهن رعدة باردة تـماما كتلك اللحظات عندما نغيب عن الكون إذ تتعاظم الأرواح و تتعالى الترنيمات و جوقة نورانية ترفعنا إلى عالـم هناك بعيد و تتدفق الأحاسيس فيضا عجيبا ..
تداخلت الأفكار و الـمعاني عندما لـمـحت شبحي جالسين على نفس مقعدنا ، كانت تتكئ على كتفه و يسطع وجهاهـما بنور غريب و لكنهما كانا أيضا صامتين كأنـهما كانا يـحفظان للحب قداسته فلا يستخدمان كلمات قد يستخدمها غيرهـما كذبا أو خداعا .. انـحدر بصري إلى أسفل لـما طأطأت الرأس حسرة فرأيت الشاب ينتعل حذاءً مهيئًا للحزن فقد كان يشبه حذائي كثيرا ، لا أدرك كيف وقع ذلك فقد غابت الأشياء من حولي للحظات لا ادري عددها و غامت الصور و تداخلت .. و لكن عندما أفقت كانت أضواء الذكرى قد انطفأت و تألقت في عيني أضواء الطريق بنورها ساطعًا وهاجًا و بغير تردد رأيتُني أقلع الـحذاء و أسير في الشارع الفسيح حافيا ..
فيصل الزوايدي