الألبوم الإنتقامي
03-06-2008, 09:50 PM
وقف الإمام على المنبر وبدأ بما تعود المصلون على سماعه كمقدمة لأي خطبة جمعة و كان من المتوقع أن يتحدث عن ضرورة الإحسان لعابري السبيل أو صلة الرحم وغيرها من المواعظ التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب فمن النادر أن يخرج الإمام عن هذه المواضيع و إن حدث العكس فقد يكون
الأمر مرتبطا بذكرى ثورة نوفمبر أو تعليمة حكومية يتم شرحها على المنابر ، الحكومة تمنع إستعمال المساجد لأغراض سياسية ولكنها تبيح لنفسها ما
ما تمنعه و لكن الإمام هذه المرة قطع روابطه مع الحكومة وفضل التخندق مع
الشعب ، كانت خطبة نارية تتحدث عن ظاهرة الدعارة التي تفاقمت في الحي القديم وضرورة الوقوف أمام هذا المنكر العظيم ، لأول مرة يسمع الناس عن دعوة فعلية تحث على تغيير المنكر بالأيدي و تتفادى التركيز على القلب فقط الإندهاش أضحى سيد الموقف وقد تصور البعض أن الإمام فقد عقله ليتحدى
الحكومة على المباشر أو أن الأمر مجرد سيناريو مفتعل لإسقاط بعض رموز المعارضة ، كانت كل نبراته صادقة ود موعه ألهبت النفوس وهكذا تحول المصلون الى مؤمنين من الطراز الرفيع يعيشون واقعا يتعارض مع شعائر دينهم ويتعين تغييره وما إن أتم الإمام الصلاة حتى تهاطل عليه المؤيدون
لمسعاه فخرج الجميع يهللون ويكبرون وكانت مفاجأتهم كبيرة عندما وجودوا قوات مكافحة الشغب في إنتظارهم ،فطلب الإمام من مناصريه التوجه مباشرة نحو الحي القديم للقضاء على المنكر ،لم يستغرب أحد لحضور رجال الأمن فالخطبة كانت عبر مكبرات الصوت والمسجد في حد ذاته لا يخلو من بعض المخبرين .
كانت الدروب القديمة ممرا آمنا للإمام ومريديه و إكتفى رجال الشرطة بمالمراقبة عن بعد وما إن وصل الغاضبون الى بيوت الدعارة حتى شرعوا في تكسير الأبواب وطرد النساء اللواتي وجدنا في حالة تلبس مع زبائن لم يعرفوا أن الخطبة كانت مخصصة لسلوكاتهم المشينة ، الدروب لا تفرق بين الأخيار و
الأشرار فقد ساعدت بعض العاهرات على الهروب ، في حين أضرم بعض الشبان النار في المساكن التي أضحت ركاما وكان بعض الأطفال يسرقون كل ما يجدونه في طريقهم من أمتعة وأجهزة ، لم تتدخل قوات مكافحة الشغب و لكن
قام بعض رجال الأمن بإلتقاط صورا عن بعد ومن الواضح أن الإمام كان
النجم الذي سيظهر في كل المشاهد ولكن المحتجين لم يكونوا منشغلين إلا بتدمير البيوت وضرب المومسات وطرد هواة ومدمني ممارسة الجنس وكانت أغلبيتهم من شباب الخدمة الوطنية والتجار الذين يقصدون المدينة.
كان فعلا خليطا غريبا يعكس بحق تدهور القيم وشيوع الفاحشة ، إنتهت الأحداث
بعد العصر بقليل ، وهرع الى مكان المواجهة الفضوليون الذين غابوا عن صلاة
الجمعة ذلك اليوم و بعض سكان الأحياء المجاورة الذين إنبهروا بما حدث أضحى الإمام بطلا قوميا محليا لدى أهل المدينة ، في حين أعتبر مجرد شخص
خارج عن القانون من طرف السلطات.
كانت صلاة المغرب المحك الحقيقي لمعرفة مخلفات ونتائج الإنتفاضة كما سماها بعضهم ، ولكن المفاجأة أن كل صانعي الأحداث غابوا عنها ولم يحضر سوى الشيوخ وبعض الذين لم يأتوا سوى لرؤية الإمام و مناصريه.
ركعات سريعة غاب عنها الخشوع وحضر الخوف من رد فعل الدولة التي طالما أكدت على أنها ستضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن الأشخاص والممتلكات ، وتساءل الكثير من المهتمين بالموضوع عن مدى مشروعية إعتبار العاهرات ضمن الأشخاص أو أن بيوتهن ممتلكات يتعين
حمايتها وطبعا شكك المواطنون في مشروعية نفس الدولة التي تضرب بيد من طين على كبار رجالات المافيا السياسية والإقتصادية التي تحكم البلد وتمتص دماء المقهورين.
تم إقتياد الإمام في نفس المساء الى مكتب محافظ الشرطة ،هذا الأخير تعمد حسن
إستقباله ، لأنه يعرف بكل بساطة وزن و قيمة الرجل في المدينة فهو الآن الأب الروحي للأحداث وسوء معاملته ستؤدي حتما الى تفاقم الأزمة وعليه طلب منه تهدئة الأوضاع مع وعد بإيجاد حل عاجل للأزمة التي عصفت بمدينة جنوبية هادئة، وكان الإمام في مستوى الحدث ولكنه طالب بإتخاد إجراءات سريعة للقضاء نهائيا على بؤر الفساد.
كانت خطبة الجمعة الموالية مسالمة جدا وتعمد الأمام الثائر تهدئة النفوس وتكلم كثيرا عن التحكم في الأعصاب وضرورة إحترام أولي الأمر وطلب من أهل الحي إعطاء مهلة للسلطات لتنفيذ إلتزاماتها وهكذا عاد الهدوء وعمت السكينة
ولم تقع أي أحداث إضافية .
تغيير المنكر ، وقعت المفاجأة التي لم تكن في الحسبانبعد ثلاث أسابيع من
توفي الإمام بمرض غريب و غير متوقع وفقد الحي بطله الذي قهر الفساد لقد كانت جنازة مهيبة حضرها جمع غفير تطلب إستنفار السلطات الأمنية لتنظيمها وتفادي إنحرافها عن مسارها الطبيعي الذي يجب أن لا يحيد عن المقبرة.
بعد أيام أصبح محافظ الشرطة دون كيشوت محلي يطارد طواحين هواء بشرية بالإعتماد على الصور التذكارية التي تم إلتقاطها للثائرين وهكذا بدأت عملية القبض على كل من ظهرت وجوههم أو ملامحهم وأطرف ما حدث أن رجلا تم القبض عليه لأن صورة حماره ظهرت ضمن الألبوم الإنتقامي ، كان قرارا
إنفراديا مجنونا لم يتم التفكير في عواقبه ، فقد هرب الكثير من الشباب الى المدن الشمالية وإنخرطوا في الجماعات المناهضة للدولة ولكن الإمام بقي في الذاكرة الشعبية كرمز للشرف و الصمود من أجل الحق.
من مواضيعي
0 رجل دولة ................قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية