من روائع وطرائف الشعر العربي
14-12-2013, 10:07 PM
عبقرية "أبو تمام"
أنشد أبو تمام قصيدة مدح فيها الأمير أحمد بن الخليفة المعتصم مطلعها:
ما في وقوفك ساعةً من باس *** نقضي ذمام الأربع الأدراس
وعند بلوغه:
إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ *** في حلمِ أحنفَ في ذكاء إياسِ
(حيث: عمرو: هو عمرو بن معد يكرب، الفارس المشهور حاتم: هو حاتم الطائي، أحنف: هو الأحنف بن قيس، كان سيد تميم يضرب به المثل في الحلم
إياس: هو إياس بن معاوية قاضي البصرة من طرف عمر بن عبد العزيز يضرب به المثل في الذكاء)
حينها قام أحد حساد الشاعر قائلا:
إن الأمير فوق ما وصفت، ولم تزد على أن شبهته بأجلاف العرب!
فأطرق أبو تمام قليلا ثم أضاف البيتين التاليين إلى القصيدة ارتجالا:
لا تنكروا ضربي له مَنْ دُونه *** مثلاً شروداً في الندى والباس
فاللهُ قد ضرب الأقلّ لنـــوره *** مثلاً من المشــكاة والنبراس
فاللهُ قد ضرب الأقلّ لنـــوره *** مثلاً من المشــكاة والنبراس
(أي لا تستغربوا تشبيهي له بمن هم أقل شأنا منه، فالله سبحانه وتعالى شبه نوره بنور المصباح، في سورة النور،الآية 35 :
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. صدق الله العظيم)
أصاب الحاضرين الذهولُ لهذا الرد الارتجالي المفحم، خاصة عند التأكد من عدم وجود البيتين في الرقعة المكتوبة فيها القصيدة، وكان من بين الحاضرين أبو يوسف الكندي الفيلسوف الذي أشار إلى الشاعر قائلا: " إن هذا الرجل لن يعيش طويلاً " وبالفعل توفي أبوتمام وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
تحياتي وإلى اللقاء مع طرائف أخرى بحول الله