الثمن هي القدس .
29-02-2012, 05:40 PM
الثمن هي القدس .
أحد أكثر الأسئلة إلحاحا بعد الربيع العربي من ناحية العلاقات الخارجية هي سؤال " لماذا باركت الولايات المتحدة صعود الإسلاميين ؟" هذه المباركة التي جاءت برغم أن أمريكا لم تكن ملزمة بها ، فالربيع العربي لم يكن ربيعا إسلاميا كي تضطر لقبول الأمر الواقع ، حيث كان من الممكن ببعض الضغط أن تقوم بتحييد الإسلاميين من اللعبة السياسية و ترسيم قواعد جديدة للعبة بلا مفاجئات ، بل وحتى وإن كان تحييد الإسلاميين متعذرا فقد كان من الممكن الضغط نحو تبني النموذج التركي ، و هو أقصى ما كان يطمح له الإسلاميون بعد الربيع العربي الذي حيدهم كقوى معارضة تقليدية متكلسة ، وهو نموذج في وسعه أن يقي من المراهقات السياسية التي قد يجنح لها الإسلاميون ، لكن أمريكا وبعيدا عن كل هذا نجدها تقرر الذهاب في طريق التعامل مع الإسلاميين ، ليس الإسلاميين المعتدلين كما تصفهم فقط ، بل حتى المتطرفين منهم و الذين تدعي معاداتهم ، و هو الأمر الذي يبدو غريبا !!! ، فيكف تسير أمريكا في طريق مباركة من يشكلون ولو نظريا تهديدا لها في ظل عدم وجود أي دواعي اضطرارية تدعوها لهذا ؟.
أعتقد أنه وللإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع لتاريخ السياسة الأمريكية في المنطقة العربية ، فسابقا قررت أمريكا أيضا مباركات حركات انقلابية كانت تبدو معادية ولو نظريا لمصالحها، لكن في النهاية أتضح أن تلك الخطوة كانت محسوبة تماما (ويقال أنها كانت مدبرة)* وأنها لم تكن قصر نظر حيث استفادت أمريكا من هذا الدعم الكثير ، بينما في المقابل عانت شعوب المنطقة العربية الويلات بسبب هذه الحركات التي أدعت التحرر و مقاومة الاستعمار.
ملخص قضية الدعم الأمريكي للحركات الانقلابية في فترة ما سمي بتصفية الاستعمار ، أن أمريكا قررت إيجاد حل للملف الإسرائيلي ، فقد كانت إسرائيل في حينها بحاجة لمزيد من الأراضي للتوسع الاستيطاني ، و طبعا لم تكن لتأتي هذه الأراضي إلا في ظل أنظمة يكون أكثر ما تدعيه هو محاربتها للاستعمار و التوسع لتبدو أنظمة إذا حصل وفرطت في الأرض أنه تفريط إجباري لا يمكن رده وعليه على الشعب القبول به ، المهم و على هذا الأساس دعمت أمريكا هذه الأنظمة الداعية للتحرر وعلى رأسها نظام عبد الناصر عدو الامبريالية الذي و باسم استرجاع الأرض انتهى به الأمر إلى إضاعة ليس فلسطين فقط ، بل و الأراضي المصرية معها أيضا لصالح إسرائيل الاستيطانية ، وهو تماما ما كانت تسعى أمريكا فالنظام المدعي لاسترجاع الأرض هو من أضاعها ، وبالنسبة للشعوب العربية فلا شيء حصل ، فعبد الناصر ظل يذيع نشيد النصر على الأموات كما يقول نزار قباني ، و استمرت سياسات الكذب و التزوير والخطب الرنانة عن الامبريالية و التوسعية و الشعوب صدقت هذه الأكاذيب و رفعت عبد الناصر على الأكتاف مع أنه أضاع الأرض التي ادعى تحريها ، وهو لا يزال الى اليوم يرفع على الأكتاف ويعتبر زعيما مع أن فلسطين لا تزال ضائعة بسبب حماقاته الهوجاء ، و كل ما جنته الشعوب من الأنظمة القومية المجعجعة هو غياب الحريات وتدمير المجتمع المدني و ديمقراطية ، عدى الفساد و الاستبداد و التخلف الذي تعاني منه إلى الآن .
لكن طبعا بالنسبة لتلك الأنظمة لم يكن أمر ضياع فلسطين مهما و لا أمر تدمير ألأوطان ، فالأهم كان بالنسبة لهم هو البقاء في السلطة ، ولهذا أستمر الحلف ، فلسطين مقابل الدعم السياسي لهذه الأنظمة التي تمرر الملفات على حسب الرغبة الأمريكية ، بالإضافة إلى غض البصر عن السياسات الوحشية الممارسة في الداخل .
المهم بنفس المنطق يمكننا الحديث اليوم عن مسألة صعود الإسلام السياسي الذي جاء مناقضا للواقع )أو ربما مدبرا كما يرى البعض)*، فأمريكا ولدواعي الملف الإسرائيلي الذي تجمد بسبب قضية القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل لا يمكن التنازل عنها ، وفي ظل عجز الأنظمة الحالية عن تقديم هذا التنازل بسبب فقدان الشرعية ، باتت أمريكا في حاجة لأنظمة عربية يمكنها التفريط في القدس ، وطبعا لا يمكن لأنظمة ديمقراطية تحظى بدعم شعبي أن تقوم بهذا ، فهي سوف تتهم بالتخاذل و التفريط ولن يكون لديها الشرعية لفعل هذا الأمر (لهذا السبب تم اغتيال الراحل ياسر عرفات الذي رفض التفريط في القدس لأنه وكما قال لا يملك هذا الحق ) ، وعليه لا أفضل من أنظمة إسلامية لتمرير هذا الملف ، فهي التي حملت لواء الدفاع عن المقدسات دائما في وجه الأنظمة السابقة (القومية) ، وعليه فهي الطرف الأفضل للتفريط فيها (الإسلاميون الذين يسترجعون المقدسات يضيعونها ، في مقابل الوطنيين الذي يسترجعون الأرض و يخسرونها ( وطبعا الشعب وعلى غرار التجارب السابقة سيرفعهم على الأكتاف مهما علموا لأنهم لا يمكن أن يفرطوا إلا لسبب عظيم جدا فهم أهل التقوى والورع، وبنفس الدجل و الدعاية الناصرية سيتخدر الشعب مرة أخرى و ستنسى القدس وستصبح أمرا واقعا (هناك على ما اعتقد أحاديث إسلامية تروج منذ أمد أن القدس ستدمر يوما ما ، افترض أنها هي ما ستكون محور سياسة التخدير التي تتبع في حال ضياع القدس لتسكين الناس) .
المهم وبهذه القراءة يمكننا استشراف مستقبل المنطقة العربية ، فالظاهر أن الإسلاميين سيكتسحون وسيحكمون ، سواء بإرادة شعبية أو بدونها ، و لو أضطر هذا إلى التزوير لصالحهم كما تحاول بعض الأنظمة لسير في هذا المخطط ، وفي المقابل ستكون القدس هي الثمن المدفوع ، وعلى غرار ناصر سيسير الأخوان على نفس الخطى ، فبعد ضياع القدس سيجعجعون و يقرعجون لكن لا شيء سيحصل ، و ستضيع القدس من غير رجعه ، وكمكافئة لهم على هذا سيٌغض الطرف عنهم في تطبيقهم للشريعة و لاستيلائهم على السلطة ، مهما كانت الانتهاكات الوحشية التي ستنجم عن هذا حتما ، أما بالنسبة للشعوب العربية التي قد تتأثر بالصعود الإسلامي على غرار الصعود القومي سابقا ، فلا شيء سيتغير وكما وقعوا في كماشة الحكومات العسكرية الديكتاتورية بإسم التحرر من الاستعمار ، سيقعون أيضا في كماشة حكومات دينية متخلفة بإسم الازدهار الإسلامي الموعود .
يبقى أمر أخير في المعادلة ، وهو كيف يتم التعامل مع القوى الديمقراطية التي نادت بالثورة والتي تحمست لها والتي تثمل الآن الطرف الوحيد الذي يحمل لواء بناء أمة ديمقراطية حديثة ؟ ، من وجهة نظري أعتقد أنها ستسير على نفس نهج القوى الديمقراطية السابقة ، وهو عموما ما نراه يحصل الآن ، فكما خون القوميون معارضيهم و أعدموهم ، سيكفر الإسلاميون معارضيهم وسيرجمونهم ، وبدل تهمة العمالة للخارج لهدم الوطن ستصبح التهمة العمالة للشيطان لهدم الدين ، و الشعب بالعموم سيصدق فعملية تخدير الوعي ، وغسيل الأدمغة مستمرة منذ فترة ، و سيصدقون أن هؤلاء مجرد علمانيين كفرة منحلين يريدون منع تطبيق شرع الله الذي سيجلب الخير و الرفاه على المسلمين (سابقا العرب) ، تماما كما نرى الآن من التهم التي تكال للقوى الديمقراطية حيث أصبحوا هم الشياطين الإنسية المروجة للشذوذ و الإباحية و هم أعداء الله المطالبين بالدولة المدنية التي لا تريد تطبيق الشريعة .
وعن نفسي أتوقع أن لا ينجوا هؤلاء من هذه الحرب الشعواء عليهم ، مع تقديري الكامل للتضحيات الجبارة التي يقدمونها ، فالمشكلة ليس فيهم بقدر ما هي في الظروف التي يعملون فيها ، فهم لا يحاربون طرفا واحدا بل عدة إطراف داخلية وخارجية تربطها مصالح متشابكة لا يمكن التفريط فيها ، هذا عدى أنهم يخوضون حربا في بيئة موبوءة فالجهل و الأمية و الشعبوية كلها أمور لا تساعد من يدعوا لبناء ديمقراطي تعددي للتقدم بالوطن والشعب ، فالأرجح أن هذا الشعب الذي يضحون من أجله سيكون أول من يعاديهم ويحاول النيل منهم ، ولن يفيق هذا الشعب إلا بعد خراب البصرة هذا إذا حصل و فاق ، فبالعموم لن يكون هؤلاء أفضل ولا أكثر تضحية من الجيل السابق من الديمقراطيين ، لكن حجم التنكيل و العنف الذي مورس ضدهم لم يكن ليهزم في ظل الوسائل المتاحة ، وكما ذبح الديمقراطيون السابقون بإسم الوطنية و الدفاع عن الوطن و بمباركة الشعب الغافل ، سيذبح هؤلاء بإسم الإسلام و الشريعة ولن يجدوا من يتعاطف معهم ، لان الأمر ببساطة أنهم في الحقيقة ضد تلك القيم ، لكن الإشكال في المفاهيم المقلوبة التي تروج لدى الشعوب و التي تجعلها تعادي مصالحها عن جهل كما يقول الكواكبي ، فلا عداء الغرب الاستعماري سابقا كان هو الخيار الأمثل ، ولا تطبيق الشريعة اليوم هي الخيار الأمثل أيضا .
لكن مع هذا يبقى أن نقول أن الأمل يبقى معقودا على الشباب الواعي و المثقف للخروج من هذا المخطط ، حيث من المنوط به تنوير باقي قطاعات الشعب و سحبها من هذه الدوغما ، فنحن الآن لا نملك ترف الاستسلام مهما كانت الظروف ضدنا صعبة .
* في كتاب "لعبة الأمم" يروي مايلز كوبلاند ظابط المخابرات الامريكي كيف أن إنقلاب 23 يوليو في مصر وباقي الانقلابات في الدول العربية ليس سوى لعبة أمريكية لترسيخ الوجود الإسرائيلي .
* في كتاب "لعبة الشيطان" يوثق روبرت تريفوس كيف قامت كل من بريطانيا أولا ثم الولايات المتحدة بصناعة ما يسمى بالاسلام السياسي لتوضيفه في حروبها الخاصة ضد روسيا القيصرية ثم السفيات لاحقا أو حتى ضد بناء الدولة الديمقراطية .
أحد أكثر الأسئلة إلحاحا بعد الربيع العربي من ناحية العلاقات الخارجية هي سؤال " لماذا باركت الولايات المتحدة صعود الإسلاميين ؟" هذه المباركة التي جاءت برغم أن أمريكا لم تكن ملزمة بها ، فالربيع العربي لم يكن ربيعا إسلاميا كي تضطر لقبول الأمر الواقع ، حيث كان من الممكن ببعض الضغط أن تقوم بتحييد الإسلاميين من اللعبة السياسية و ترسيم قواعد جديدة للعبة بلا مفاجئات ، بل وحتى وإن كان تحييد الإسلاميين متعذرا فقد كان من الممكن الضغط نحو تبني النموذج التركي ، و هو أقصى ما كان يطمح له الإسلاميون بعد الربيع العربي الذي حيدهم كقوى معارضة تقليدية متكلسة ، وهو نموذج في وسعه أن يقي من المراهقات السياسية التي قد يجنح لها الإسلاميون ، لكن أمريكا وبعيدا عن كل هذا نجدها تقرر الذهاب في طريق التعامل مع الإسلاميين ، ليس الإسلاميين المعتدلين كما تصفهم فقط ، بل حتى المتطرفين منهم و الذين تدعي معاداتهم ، و هو الأمر الذي يبدو غريبا !!! ، فيكف تسير أمريكا في طريق مباركة من يشكلون ولو نظريا تهديدا لها في ظل عدم وجود أي دواعي اضطرارية تدعوها لهذا ؟.
أعتقد أنه وللإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع لتاريخ السياسة الأمريكية في المنطقة العربية ، فسابقا قررت أمريكا أيضا مباركات حركات انقلابية كانت تبدو معادية ولو نظريا لمصالحها، لكن في النهاية أتضح أن تلك الخطوة كانت محسوبة تماما (ويقال أنها كانت مدبرة)* وأنها لم تكن قصر نظر حيث استفادت أمريكا من هذا الدعم الكثير ، بينما في المقابل عانت شعوب المنطقة العربية الويلات بسبب هذه الحركات التي أدعت التحرر و مقاومة الاستعمار.
ملخص قضية الدعم الأمريكي للحركات الانقلابية في فترة ما سمي بتصفية الاستعمار ، أن أمريكا قررت إيجاد حل للملف الإسرائيلي ، فقد كانت إسرائيل في حينها بحاجة لمزيد من الأراضي للتوسع الاستيطاني ، و طبعا لم تكن لتأتي هذه الأراضي إلا في ظل أنظمة يكون أكثر ما تدعيه هو محاربتها للاستعمار و التوسع لتبدو أنظمة إذا حصل وفرطت في الأرض أنه تفريط إجباري لا يمكن رده وعليه على الشعب القبول به ، المهم و على هذا الأساس دعمت أمريكا هذه الأنظمة الداعية للتحرر وعلى رأسها نظام عبد الناصر عدو الامبريالية الذي و باسم استرجاع الأرض انتهى به الأمر إلى إضاعة ليس فلسطين فقط ، بل و الأراضي المصرية معها أيضا لصالح إسرائيل الاستيطانية ، وهو تماما ما كانت تسعى أمريكا فالنظام المدعي لاسترجاع الأرض هو من أضاعها ، وبالنسبة للشعوب العربية فلا شيء حصل ، فعبد الناصر ظل يذيع نشيد النصر على الأموات كما يقول نزار قباني ، و استمرت سياسات الكذب و التزوير والخطب الرنانة عن الامبريالية و التوسعية و الشعوب صدقت هذه الأكاذيب و رفعت عبد الناصر على الأكتاف مع أنه أضاع الأرض التي ادعى تحريها ، وهو لا يزال الى اليوم يرفع على الأكتاف ويعتبر زعيما مع أن فلسطين لا تزال ضائعة بسبب حماقاته الهوجاء ، و كل ما جنته الشعوب من الأنظمة القومية المجعجعة هو غياب الحريات وتدمير المجتمع المدني و ديمقراطية ، عدى الفساد و الاستبداد و التخلف الذي تعاني منه إلى الآن .
لكن طبعا بالنسبة لتلك الأنظمة لم يكن أمر ضياع فلسطين مهما و لا أمر تدمير ألأوطان ، فالأهم كان بالنسبة لهم هو البقاء في السلطة ، ولهذا أستمر الحلف ، فلسطين مقابل الدعم السياسي لهذه الأنظمة التي تمرر الملفات على حسب الرغبة الأمريكية ، بالإضافة إلى غض البصر عن السياسات الوحشية الممارسة في الداخل .
المهم بنفس المنطق يمكننا الحديث اليوم عن مسألة صعود الإسلام السياسي الذي جاء مناقضا للواقع )أو ربما مدبرا كما يرى البعض)*، فأمريكا ولدواعي الملف الإسرائيلي الذي تجمد بسبب قضية القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل لا يمكن التنازل عنها ، وفي ظل عجز الأنظمة الحالية عن تقديم هذا التنازل بسبب فقدان الشرعية ، باتت أمريكا في حاجة لأنظمة عربية يمكنها التفريط في القدس ، وطبعا لا يمكن لأنظمة ديمقراطية تحظى بدعم شعبي أن تقوم بهذا ، فهي سوف تتهم بالتخاذل و التفريط ولن يكون لديها الشرعية لفعل هذا الأمر (لهذا السبب تم اغتيال الراحل ياسر عرفات الذي رفض التفريط في القدس لأنه وكما قال لا يملك هذا الحق ) ، وعليه لا أفضل من أنظمة إسلامية لتمرير هذا الملف ، فهي التي حملت لواء الدفاع عن المقدسات دائما في وجه الأنظمة السابقة (القومية) ، وعليه فهي الطرف الأفضل للتفريط فيها (الإسلاميون الذين يسترجعون المقدسات يضيعونها ، في مقابل الوطنيين الذي يسترجعون الأرض و يخسرونها ( وطبعا الشعب وعلى غرار التجارب السابقة سيرفعهم على الأكتاف مهما علموا لأنهم لا يمكن أن يفرطوا إلا لسبب عظيم جدا فهم أهل التقوى والورع، وبنفس الدجل و الدعاية الناصرية سيتخدر الشعب مرة أخرى و ستنسى القدس وستصبح أمرا واقعا (هناك على ما اعتقد أحاديث إسلامية تروج منذ أمد أن القدس ستدمر يوما ما ، افترض أنها هي ما ستكون محور سياسة التخدير التي تتبع في حال ضياع القدس لتسكين الناس) .
المهم وبهذه القراءة يمكننا استشراف مستقبل المنطقة العربية ، فالظاهر أن الإسلاميين سيكتسحون وسيحكمون ، سواء بإرادة شعبية أو بدونها ، و لو أضطر هذا إلى التزوير لصالحهم كما تحاول بعض الأنظمة لسير في هذا المخطط ، وفي المقابل ستكون القدس هي الثمن المدفوع ، وعلى غرار ناصر سيسير الأخوان على نفس الخطى ، فبعد ضياع القدس سيجعجعون و يقرعجون لكن لا شيء سيحصل ، و ستضيع القدس من غير رجعه ، وكمكافئة لهم على هذا سيٌغض الطرف عنهم في تطبيقهم للشريعة و لاستيلائهم على السلطة ، مهما كانت الانتهاكات الوحشية التي ستنجم عن هذا حتما ، أما بالنسبة للشعوب العربية التي قد تتأثر بالصعود الإسلامي على غرار الصعود القومي سابقا ، فلا شيء سيتغير وكما وقعوا في كماشة الحكومات العسكرية الديكتاتورية بإسم التحرر من الاستعمار ، سيقعون أيضا في كماشة حكومات دينية متخلفة بإسم الازدهار الإسلامي الموعود .
يبقى أمر أخير في المعادلة ، وهو كيف يتم التعامل مع القوى الديمقراطية التي نادت بالثورة والتي تحمست لها والتي تثمل الآن الطرف الوحيد الذي يحمل لواء بناء أمة ديمقراطية حديثة ؟ ، من وجهة نظري أعتقد أنها ستسير على نفس نهج القوى الديمقراطية السابقة ، وهو عموما ما نراه يحصل الآن ، فكما خون القوميون معارضيهم و أعدموهم ، سيكفر الإسلاميون معارضيهم وسيرجمونهم ، وبدل تهمة العمالة للخارج لهدم الوطن ستصبح التهمة العمالة للشيطان لهدم الدين ، و الشعب بالعموم سيصدق فعملية تخدير الوعي ، وغسيل الأدمغة مستمرة منذ فترة ، و سيصدقون أن هؤلاء مجرد علمانيين كفرة منحلين يريدون منع تطبيق شرع الله الذي سيجلب الخير و الرفاه على المسلمين (سابقا العرب) ، تماما كما نرى الآن من التهم التي تكال للقوى الديمقراطية حيث أصبحوا هم الشياطين الإنسية المروجة للشذوذ و الإباحية و هم أعداء الله المطالبين بالدولة المدنية التي لا تريد تطبيق الشريعة .
وعن نفسي أتوقع أن لا ينجوا هؤلاء من هذه الحرب الشعواء عليهم ، مع تقديري الكامل للتضحيات الجبارة التي يقدمونها ، فالمشكلة ليس فيهم بقدر ما هي في الظروف التي يعملون فيها ، فهم لا يحاربون طرفا واحدا بل عدة إطراف داخلية وخارجية تربطها مصالح متشابكة لا يمكن التفريط فيها ، هذا عدى أنهم يخوضون حربا في بيئة موبوءة فالجهل و الأمية و الشعبوية كلها أمور لا تساعد من يدعوا لبناء ديمقراطي تعددي للتقدم بالوطن والشعب ، فالأرجح أن هذا الشعب الذي يضحون من أجله سيكون أول من يعاديهم ويحاول النيل منهم ، ولن يفيق هذا الشعب إلا بعد خراب البصرة هذا إذا حصل و فاق ، فبالعموم لن يكون هؤلاء أفضل ولا أكثر تضحية من الجيل السابق من الديمقراطيين ، لكن حجم التنكيل و العنف الذي مورس ضدهم لم يكن ليهزم في ظل الوسائل المتاحة ، وكما ذبح الديمقراطيون السابقون بإسم الوطنية و الدفاع عن الوطن و بمباركة الشعب الغافل ، سيذبح هؤلاء بإسم الإسلام و الشريعة ولن يجدوا من يتعاطف معهم ، لان الأمر ببساطة أنهم في الحقيقة ضد تلك القيم ، لكن الإشكال في المفاهيم المقلوبة التي تروج لدى الشعوب و التي تجعلها تعادي مصالحها عن جهل كما يقول الكواكبي ، فلا عداء الغرب الاستعماري سابقا كان هو الخيار الأمثل ، ولا تطبيق الشريعة اليوم هي الخيار الأمثل أيضا .
لكن مع هذا يبقى أن نقول أن الأمل يبقى معقودا على الشباب الواعي و المثقف للخروج من هذا المخطط ، حيث من المنوط به تنوير باقي قطاعات الشعب و سحبها من هذه الدوغما ، فنحن الآن لا نملك ترف الاستسلام مهما كانت الظروف ضدنا صعبة .
* في كتاب "لعبة الأمم" يروي مايلز كوبلاند ظابط المخابرات الامريكي كيف أن إنقلاب 23 يوليو في مصر وباقي الانقلابات في الدول العربية ليس سوى لعبة أمريكية لترسيخ الوجود الإسرائيلي .
* في كتاب "لعبة الشيطان" يوثق روبرت تريفوس كيف قامت كل من بريطانيا أولا ثم الولايات المتحدة بصناعة ما يسمى بالاسلام السياسي لتوضيفه في حروبها الخاصة ضد روسيا القيصرية ثم السفيات لاحقا أو حتى ضد بناء الدولة الديمقراطية .
سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتاب… كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من تَفَتُّح عُشْبَةٍ ... لا القُوَّةُ انتصرتْ ولا العَدْلُ الشريدُ ...سأَصير يوماً ما أُريدُ ..
درويش .
درويش .








