الرويبضة يعلن الحرب على العلاّمة القرضاوي!
17-10-2012, 01:22 PM
بعد أن أصبحت روسيا الشّيوعيّة أحرص على مصلحة الأمّة من الشّيخ!
الرويبضة يعلن الحرب على العلاّمة القرضاوي!
سلطان بركاني، الجزائر
17/10/2012م
المشروع الإيرانيّ من الثّورة الخمينيّة إلى الثّورة السّوريّة
لقد تنبّأ كثير من المتابعين لتصاعد الأحداث في المنطقة العربية أنّ الثّورة السّورية ستكون نقطة تحوّل فاصلة في تاريخ الصّراع بين المشاريع المتنافسة على المنطقة، وقد صدقت نبوءتهم إلى حدّ كبير وصارت الثورة السّوريّة تستحقّ بكلّ جدارة لقب "الثّورة الفاضحة"، لأنّها اضطرّت أصحاب المشاريع البغيضة إلى إخراج بعض أوراقهم التي كانت تلعب تحت الطّاولة في إطار ما يسمّونه "قواعد اللّعبة المتعارف عليها"، وأصابت الطائفيين على رؤوسهم، فاضطروا إلى إخراج ما في أجوافهم من ضغائن لأمّة الإسلام ولتاريخها.
لقد صدّع الإعلام رؤوسنا على مدار ثلاثة عقود متوالية بنظرية جعلها في مقام النظريات التي لا يجوز أن تُنقض أبدا، مفادها أنْ لا وجود في المنطقة إلا لمشروع وحيد هو المشروع الصّهيو-أمريكيّ الذي لم يجد من يقف في وجهه غير إيران وحزب الله والنّظام السّوريّ. فهل هذه هي الحقيقة التي ليس بعدها إلا الباطل؟.
المشكلة التي يعانيها كثير من المصفّقين لإيران أنّهم كثيرا ما ينسون الوقائع السّاطعة التي تدلّ على حقيقة المشروع الذي تحمله إيران، وأنّه مشروع لا يزعج الغرب، بل يخدم مصالحه ويحقّق أهدافه في تقسيم الأمّة الإسلاميّة، ونخرها من الدّاخل، لأنّه (أي الغرب) يعلم مدى الحقد الذي يحمله منظّرو هذا المشروع لبقية المسلمين الذين لا يعتنقون مذهبهم، لأجل هذا فقد وقف سرا إلى جانب هذا المشروع الصّفويّ الذي أريد له أن يلبس عباءة الدّين مرّة أخرى بعدما صارت العلمانيّة التي تبنّاها الشّاه ورقة متآكلة.
لقد وقفت أمريكا مع الخمينيّ في ثورته، عندما كان في فرنسا، وأوعزت لجنودها الذين كانوا في إيران أن لا يتدخّلوا ضدّ ثورة الخميني، وكان أنْ نجحت هذه الثّورة، وكان لا بدّ من القيام ببعض الاستعراضات لإخفاء حبل الودّ الموصول بين الطّرفين، فكانت حادثة السّفارة الأمريكيّة في طهران، وكان غلق السّفارة الإسرائيليّة التي لم يؤدّ غلقها إلى توقّف الصّهاينة عن إمداد النّظام الإيرانيّ الجديد بالسّلاح في حربه ضدّ العراق، فيما عرف فيما بعد بصفقة وفضيحة إيران-غيت.
لأجل مثل هذه المواقف نجد الصّحفي اليهوديّ (أوري شمحوني) يقول: " إنّ إيران دولة إقليميّة ولنا الكثير من المصالح الإستراتيجيّة معها، فإيران تؤثّر على مجريات الأحداث وبالتأكيد على ما سيجري في المستقبل، إنّ التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا بل من الدّول العربيّة المجاورة! فإسرائيل لم تكن أبداً ولن تكون عدواً لإيران ". (صحيفة معاريف الإسرائيلية: 23/09/1997م).
بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق، ومع إعدام الرئيس العراقي صدام حسين صبيحة عيد الأضحى، ظهر للعالم كيف تناغمت إيران مع الاحتلال الأمريكيّ، وكيف أعملت أسلحة مليشياتها الطائفية في المسلمين من غير طائفتها، وكيف اتّفقت مصلحتها مع مصلحة الموساد الإسرائيليّ في ملاحقة وتصفية العلماء العراقيين.
بدأت الأصوات تتعالى وبدأ الإعلام يتحدّث عن جرائم إيران إلى جانب جرائم الأمريكان، وبدأت أسهم المقاومة العراقية تتصاعد وتأخذ البريق من الطائفيين. أسقِط في أيدي أصحاب المشروع الصّفويّ، واستفاق على ضربة لم تكن في الحسبان، فاضطرّ للقيام بعملية استعراضية تمنحه وقتا مستقطعا ليلتقط أنفاسه ويلبس قناعا جديدا، ويستعيد شيئا من البريق الذي بدأ يفقده، فكانت حرب تمّوز 2006م.
على الرّغم من أنّ نتائج حرب تموز على الأرض لم تكن في مصلحة المشروع الطّائفيّ، إذ أنها جاءت بقوات اليونيفيل لزيادة طمأنينة الكيان الصّهيونيّ، وجعلت حزب الله يسارع إلى التبرؤ من أيّ صاروخ يطلق من الجنوب اللبنانيّ. على الرغم من هذا فقد أحسن الإعلام الطّائفيّ استغلال هذا الحدث، خاصّة في ظلّ وجود كثير من الإعلاميين والكتاب الذين سريعا ما ينسون التاريخ القريب، ولا يلقون بالا للتاريخ البعيد. وكانت النتيجة أن استعاد هذا المشروع بريقه، وخلت له السّاحة مرّة أخرى، وواجه الأمة الإسلامية بكلّ صفاقة بثنائية مزدكية مقيتة مفادها "إمّا معي أو مع الكيان الصّهيونيّ".
تلقّف كثير من الإعلاميين والكتّاب هذه الثنائية، وجعلوها دينا لا يقبل المناقشة، وصار أسهل شيء عليهم أن يشنوا حروبهم الإعلامية على من يخالف هذه الثنائية، ولو كان هذا الغير من أجلّة علماء الأمّة.
الثّورة السّوريّة تفضح التّناغم بين المشروعين الصّهيونيّ والصّفويّ
جاءت الثّورة السّورية وانحاز أحرار العالم من مختلف الأديان والطّوائف إلى الشّعب السّوريّ، إلا أنّ أصحاب المشروع الطّائفيّ أبوا إلا أن ينصروا الطائفة على حساب الدين، وأن يقفوا مع الجلاّد ضدّ ضحيته. تساءل الأحرار والمنصفون في كلّ مكان: لماذا وقفت إيران مع ثورات الشّعوب كلّها، وحينما تعلّق الأمر بنظام ينتمي إلى طائفتها قلبت ظهر المجنّ، وسخّرت إعلامها لوصم هذه الثورة بكلّ نقيصة، واتّهمت السّوريين بالولاء للمشروع الصّهيو-أمريكيّ في المنطقة، وأبى الله إلا أن يفضح كذبها، يوم خرج بعض المسئولين السّوريين يخوّفون الصّهاينة من ثورة الشّعب، ويحذّرونهم من أنّ هذه الثورة ستكون وبالا عليهم، وبادلهم الصّهاينة نفس الشّعور، وخرج بعض مسئوليهم السياسيين والأمنيين يدقّون نواقيس الخطر، ويحذّرون من سقوط النّظام الذي أمنوا في جواره على جبهة الجولان أكثر من 40 سنة.
تنبّه الأحرار من أبناء الأمّة إلى حجم الخطأ الذي وقعوا فيه يوم قبلوا بالإذعان لثنائية "إمّا مع إيران أو مع إسرائيل"، وأدركوا أنّ إيران ربّما تكون مع إسرائيل إذا استدعت مصلحة الطّائفة ذلك، ورأوا أنّ معاداة إسرائيل وأمريكا لا تكون بالضرورة في الحضن الإيرانيّ، فتحرّك الكتّاب والعلماء يبصّرون الأمّة بحقيقة المشروع الإيرانيّ الطّائفيّ البغيض المتنامي في المنطقة بمباركة من أمريكا وإسرائيل.
وكان من أبرز هؤلاء العلامة الشيخ القرضاوي، الذي حاول على مدار عام من توالي أحداث الثّورة السّورية أن يتغاضى عن اليد الإيرانية الممتدّة إلى دماء السّوريين، حرصا على وحدة الأمّة، ولكنّه حينما بلغت الأمور حدا لا يطاق، وخرجت الفتاوى من إيران تدعو الطائفيين للجهاد في صفّ النّظام السّوريّ الطّائفيّ، خرج الشيخ عن صمته، وهاجم إيران، وقال أنّها أصبحت عدوا، وحثّ الحجّاج أن يدعوا عليها في موسم الحجّ، فثارت ثائرة الإعلام الطائفيّ، وأجلب بخيله ورجله وعدّته وعتاده على الشيخ.
الثورة السورية تفضح أصحاب الأقلام المأجورة
كان المنتظر من الكتاب والإعلاميين أن ينتصروا للشّيخ في وجه هذه الحملة المسعورة التي تشنّ عليه، إلا أنّ بعضهم ممّن أشربوا في قلوبهم العجل الإيرانيّ، وأبوا إلا أن ينظروا إلى الواقع بعين واحدة، انضمّوا إلى الرّكب الإيرانيّ، وراحوا يلومون الشّيخ الذي انتصر للدّم السّوريّ ضدّ الخنجر الإيراني!. {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }.
أحد هؤلاء، كتب مقالا نشر في جريدة الشروق الجزائرية يوم الثلاثاء الماضي -16/10/2012م- تحت عنوان "القرضاوي يعلن الحرب على إيران"، وظنّ المسكين أنّ مثل هذا العنوان سيحشد التعاطف الإسلاميّ من المحيط إلى الخليج مع إيران، ضدّ هذه الحرب النووية التي أعلنها عليها القرضاوي من منبر الجمعة.
ولأنّ عادة الله في منتقصي العلماء قد جرت أن يفضحهم بألسنتهم ومواقفهم، فإنّ هذا الكاتب أبى إلا أن يفضح نفسه في بداية مقاله يوم اعترف أنّه يتمنّى لو أنّ القرضاوي مات قبل 10 سنوات، بمعنى أنّه يتمنّى لو مات الشّيخ قبل أن يفتضح المشروع الصّفويّ مع بداية الاحتلال الأمريكيّ للعراق سنة 2003م. يتمنّى أنْ لو مات الشّيخ القرضاوي، ومات كلّ من يجرؤ على انتقاد المشروع الصّفويّ، لتخلو السّاحة لأمثاله من الرّعاع أتباع كلّ ناعق ليصفّقوا للمشروع الصّفويّ، ويرقصوا على وقع لطمياته حتى الثمالة.
لقد نسي هذا المتطاول في خضمّ الحمية التي أخذته لإيران حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يُبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )، ونسي أنّ العلماء هم منارات الأمّة التي يهتدي بها الحيارى في مدلهمّات الفتن، وأنّه لولا العلماء –بعد الله- لصارت الأمّة قطعانا من الرّعاع يهتفون لكلّ راية ويصفّقون لكلّ ناعق، وصدق الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: ( النّاس ثلاثة: فعالم ربانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ).
ومن عجائب هذا الكاتب أنّه يستنكر أن يتكلّم أمثال الشّيخ القرضاويّ في القضايا السياسية والإقليميّة والدّولية، ويتمنّى لو أنّ الشّيخ اكتفى بالحديث في القضايا الدينيّة والفقهية!. لقد تحوّل الكاتب فجأة إلى علمانيّ صرف يدعو إلى الحجر على العلماء في المساجد، بعد أن دأب هو وأمثاله على انتقاص بعض العلماء بدعوى أنّهم لا يتكلّمون في قضايا الأمّة الكبرى. وهكذا الهوى يفضح صاحبه ويجعله يتلوّن تلوّن الحرباء، إذا لم يتكلّم العلماء في قضايا السّياسة وصمهم بعلماء الحيض والنّفاس، وإذا تكلّموا فيها وجاء كلامهم بما لا تهوى نفسه ضجّ قائلا: وما دخل العلماء في السياسة والقضايا الإقليميّة والدّوليّة؟!.
هل الوحدة الإسلاميّة تستوجب علينا أن نُسْلم رقابنا لإيران؟
أخذت الكاتبَ الحميةُ للمشروع الإيرانيّ، فما وجد من وتر يعزف عليه غير وتر الوحدة الإسلاميّة، وكأنّ هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقّق إلا إذا سكتنا عن موبقات إيران وجرائمها!.
حال هذا الكاتب في عزفه على وتر الوحدة في هذا الوقت، كحال رجل يسكن شقّة في عمارة، سمع يوما صراخا، فلمّا خرج وجد أحد جيرانه قد أضجع جارا آخر واستلّ السكّين ليذبحه، والجار الثاني يصرخ ويستنصر الجيران، فما كان من الرّجل وهو يرى هذا الموقف إلا أن توجّه إلى الضحيّة وصرخ في وجهه قائلا: " لقد فضحتنا أمام الجيران بصراخك، لقد أزعجتنا، ألا تعلم أنّك بصراخك هذا تخدم مصلحة الحاقدين؟". فهل يسوغ مثل هذا الموقف الذي يدعونا أن نُسْلم رقابنا للخنجر الإيرانيّ ليذبحنا بأيّ طريقة شاء، وإن قاومنا وأشرنا إلى من يحاول قتلنا فنحن طائفيون لا نريد الوحدة الإسلاميّة، ونخدم المشروع الصّهيو-أمريكيّ!.
هكذا انقلبت الموازين عند هذا الكاتب ومَن هم على شاكلته؛ وأصبح ما تفعله إيران من استصدار للفتاوى لأجل الجهاد ضدّ الشّعب السّوريّ واستباحة دماء السوريين تحت شعار "الحرب على النواصب أحفاد بني أمية"، ومن إعمالٍ لخناجر الغدر في أجساد السّوريين، لا يضرّ بالوحدة الإسلاميّة، أمّا نصرة الشيخ القرضاوي للضحايا فإنّه يضرّ بالوحدة الإسلاميّة! { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ }.
لماذا نطالَب نحن أن نحني رقابنا لأجل الوحدة الإسلامية، بينما هم يطعنون في ظهورنا، ويتحالفون مع الأمريكان والصّهاينة إذا اقتضت مصلحة الطّائفة ذلك؟.
هل حلّت إيران كلّ مشاكلها حتى تتفرّغ لذبح العراقيين والسّوريين؟
استعمل الكاتب في هجومه على الشّيخ القرضاوي ورقة أخرى هي ورقة المحن والأزمات التي تعيشها أمّة الإسلام، وتساءل إن كنّا قد حللنا كلّ أزماتنا حتى نتفرّغ لإيران؟. ونسي أنّ الحرب الطّائفية التي شنّتها إيران على العراق وتشنّها الآن على إيران كانت في ظلّ كلّ هذه الأزمات، فلماذا لم يسأل هذا الكاتب إيران إن كانت قد حلّت كلّ مشاكل الأمّة وحلّت كلّ مشاكلها الداخلية حتى تتفرّغ لذبح العراقيين والسّوريين؟ أم أنّ الكاتب يرى أنّنا لو حنينا رقابنا لإيران لتذبحنا فستحلّ كلّ مشاكل الأمّة؟. ما لكم كيف تحكمون، وبأيّ منطق تتكلّمون؟.
ثمّ هل نسي هذا الكاتب -أم أنّه أراد أن يتناسى عن سبق إصرار وترصّد- أنّ الشّيخ القرضاوي ليس ممّن يزايَد عليه في الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين، فما من قضية إلا وأدلى بدلوه فيها، ناصحا ومبيّنا ومرشدا. هو يعلم ذلك جيّدا، ولكنْ "حبّك إيران يعمي ويصمّ"، على وزن "حبّك الشّيء يعمي ويصمّ".
إيران تدعم الفصائل الفلسطينيّة ولكن؟
وحتى يغطي الكاتب على دفاعه المستميت على إيران وعلى مشروعها الصفويّ، استنكر هجوم بعض علماء المسلمين على شيوعية روسيا والصّين، ونسب إليهم فتاوى كان يتوقّع أن تصدر عنهم ضدّ البلدين، ولسوء حظّه أنّها لم تصدر، ولكنّه لم يْخفِ تمنّياته أنْ لو صدرت، ليتّخذها ذريعة لوصف العلماء بالأوصاف الجاهزة في نفسه.
لقد أصبحت روسيا صاحبة التاريخ الأحمر في ذبح ونحر وجزر المسلمين، أصبحت بين عشية وضحاها أحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين عند هؤلاء الكتّاب من علماء الأمّة!، وأصبح من الظّلم والإجحاف أن تهاجَم لأنّها تقف مع النّظام السّوريّ المقاوم لشعبه، ومع إيران التي تمدّ نظام الممانعة بالأسلحة والمقاتلين لتطهير الشّام من النّواصب أحفاد بني أمية، وأيّ دليل أوضح على هذه الحقيقة بعد التّصريح الذي أدلى به "سيرغي لافروف" بكلّ صفاقة لمحطة إذاعة "كوميرسانت- أف أم" الروسية في مارس الماضي، واعترف أنّه يخشى قيام دولة سنية في سوريا على أنقاض النّظام الحالي.
بعد أن قضى الكاتب نهمه من الدّفاع عن روسيا والصّين، عاد مرّة أخرى ليسمعنا تلك الأسطوانة المشروخة التي لا يملّ هو وأمثاله من سماعها وإسماعها، وأخذ يذكّرنا أنّ إيران ساندت المقاومة اللبنانية بالمال والسّلاح لدحر العدوّ الصّهيونيّ، وأنّها ساندت فصائل الجهاد الفلسطينيّ بالمال والسّلاح، ونحن لا ننكر أنّ إيران تسلّح حزب الله بكلّ ما يمكنها من أسلحة متطوّرة، وتهيّئه للدّور الذي تريده له، ولا بأس أن يدخل على هامش مشواره في معارك استعراضية مع الكيان الصّهيونيّ قبل أن يحين وقت المهمّة الأساسية التي يعدّ لها، هذه المهمّة التي ظهرت بعض ملامحها عندما كان هذا الحزب يسلّح ويدرّب عناصر جيش المهديّ لقتل نواصب العراق، وعندما وقف هذا الحزب مع النّظام السّوريّ برجاله في صفّ النّظام السّوريّ وأعمل أسلحته في رقاب عباد الله المسلمين.
أمّا عن فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد سمعنا في وسائل الإعلام جعجعة كبيرة أنّ إيران تزوّد الفصائل بالمال والسّلاح، ولكنّنا لم نر طحينا لتلك الجعجعة، لم نر عند حماس سوى صواريخ تصنع محليا، وسوى أسلحة خفيفة، لا تثخن عدوا، ببساطة لأنّ إيران تتعامل مع حماس بسياسة "خذ وهات" وبسياسة القطرة قطرة، لتضمن ولاءها الكامل، وتسمح لها بنشر مشروعها الطّائفيّ في غزّة، والدّليل على ذلك أنّها لما انحازت إلى الشعب السوريّ شنّ عليها إعلام التّشبيح في سوريا التابع بدوره لإعلام التّشبيح الإيرانيّ، حملة لا تقلّ ضراوة عن الحملة التي يشنّها الآن على الشّيخ القرضاوي.
هل تريد إيران إبادة النّواصب؟
من غرائب الكاتب التي تدلّ على جهله بخبايا المشروع الطّائفيّ الإيرانيّ، أنّه قال عن بعض علماء المسلمين أنّهم يكذبون على إيران وينسبون إليها أنّها طائفية تريد إبادة النّواصب!.
وكأنّ هذا الذي يُنسب إلى إيران اخترعه العلماء من عندهم، وليس مسطورا في أمّهات الكتب التي يرجع إليها ملالي إيران ويضع منظّروها خططهم على أساسها.
ألم يصرّح منظّرو الثّورة الإيرانيّة مع بداية قيام دولة الخميني أنّهم سيحرّرون السّعوديّة من حكم الوهّابيين النّواصب، يوم ألقى الدكتور الشّيعي "محمّد مهدي" يوم 17/03/1979م خطبة في احتفال رسمي وجماهيري في مدينة (عبدان) الإيرانية احتفاءً بقيام "الجمهورية الإسلاميّة"، أذاعها صوت الثورة الإيرانية الساعة 12 ظهرا، وقال فيها بكلّ صراحة أنّ مكّة المكرّمة يحتلها شرذمة أشدّ من اليهود؟.
ألم يصرّح حسين الخراساني أحد آياتهم في هذا العصر في كتابه (الإسلام على ضوء التشيّع: ص132-133) "أنّ طوائف الشيعة يترقّبون من حين لآخر أنّ يوما قريبا آت يفتح لهم تلك الأراضي المقدّسة"؟.
ألم تنشر مجلّة الشّهيد الإيراني –لسان حال علماء الشيعة في قم بإيران– في عددها (46) الصّادر بتاريخ: 16 شوال 1400هـ صورة تمثل الكعبة المشرّفة وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما يد قابضة على بندقية وتحتها تعليق: "سنحرّر القبلتين".؟!. ومن أيّ شيء يا ترى سيحرّرون الكعبة المشرّفة التي بشّر النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته أنّها لن تغزى إلى يوم القيامة فقال: ( لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة ) (الترمذي).
وهكذا الرّئيس الإيرانيّ الحالي أحمدي نجاد، لا يدّخر فرصة ولا واقعة إلا وأقحم فيها اسم المهديّ المنتظر، بل إنّ بعض الشّيعة يقولون أنّ نجّاد من الممهّدين للإمام المهديّ؛ المهديّ الذي تقول كتب الشّيعة أنّه سيهدم المسجدين الحرام والنبوي ويعيدهما إلى أساسيهما، ويقتل العرب ويخرج أبا بكر الصدّيق وعمر الفاروق من قبريهما غضّين طريين فيحرّقهما ويذريهما في الرّيح؟، وهذه بعض نصوصهم في هذا الاتّجاه:
1. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "القائم يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه، ومسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله) إلى أساسه، ويردّ البيت إلى موضعه، وأقام على أساسه، وقطع أيدي بني شيبة السرّاق، وعلّقها على الكعبة". (بحار الأنوار: 52/332).
2. عن بشير النبال، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السّلام؟" قلت: لا، قال: "يُخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد"، ثم قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عريش كعريش موسى عليه السّلام، وذكر أنّ مقدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان طينا وجانبه جريد النخل". (بحار الأنوار: 52/386).
والمقصود بـ"هذين": أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق رضي الله عنهما.
3. عن الحارث بن المغيرة وذريح المحاربي قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذّبح وأومأ بيده إلى حلقه" (بحار الأنوار: 52/349).
أليس الشّيعة المعاصرون على خطى أسلافهم؛ يرون أنّ أهل السنّة كفّار مخلّدون في النّار، وإن قال بعضهم بأنّهم مسلمون في الدّنيا كفّار مخلّدون في الآخرة (!)؟.
يقول آيتهم العظمى ومرجعهم الأعلى أبو القاسم الخوئي: "فالصّحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الإثني عشرية وإسلامهم ظاهرا، بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم، وإن كان جميعهم في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنّيا وكافر الآخرة "(كتاب الطهارة للسيد الخوئي: 02/87).
لو بقيت هذه العقائد حبرا على ورق، لربّما وجدنا عذرا لكتّابنا المدافعين عن إيران، ولكنّنا رأينا كيف تحوّلت هذه العقائد إلى واقع في العراق وسوريا وحتى في إيران ضدّ أهل السنّة.
هل هاجم الشّيخ القرضاويّ إيران لأنّها تقف في وجه إسرائيل؟
لقد صاغ كاتبنا مقاله صياغة يفهم منها أنّ الشيخ القرضاوي يهاجم إيران لأنّها تقف في وجه إسرائيل، وهذا من البهتان العظيم، لأنّ الشّيخ هاجم إيران لأنها أصبحت في نفس المعسكر مع دولة الكيان الغاصب ضد الشّعب السّوريّ الذي يطلب حريته وكرامته، ويريد التخلص من ديكتاتور ترك أرض الجولان للصهاينة يعبثون بها، ووجه أسلحته إلى رقاب وصدور شعبه.
والشّيخ تكلّم من منطلق ما شهد به أحرار العالم ومن منطلق ما تواترت به الأخبار والصّور من حمص ودرعا وحلب ودير الزّور وحماة والقصير، وغيرها من المدن المنكوبة.
هل سكت الشّيخ القرضاوي عن القواعد الأمريكيّة على أرض الخليج؟
كما لمز الكاتبُ الشّيخ القرضاوي بطرف خفيّ أنّه في الوقت الذي يهاجم إيران سكت عن القواعد العسكريّة الأمريكيّة في قطر ودول الخليج، مع أنّ الشيخ ليس ممّن يزايَد عليه في مثل هذه المواقف، وهو الذي أعلن استنكاره الشّديد لوجود تلك القواعد على أرض المسلمين، ولعلّ هذا الكاتب يعلم هذا جيّدا، ولكنْ ولأنّه أشرب العجل الإيراني في قلبه فقد راح يبحث عن كلّ نقيصة ليرمي بها الشّيخ، وحمّله كلّ محنة يعيشها المسلمون!، لا لشيء إلا لأنّه قال كلمة حقّ في وجه المشروع الإيراني الطائفي الشّعوبي.
ختاما: الشّيخ القرضاوي لم يعد وحيدا
في الختام نحبّ أن نطمئن محبّي الشّيخ القرضاوي أنّه لم يعد وحيدا، فكلّ الأحرار أنكروا على إيران وحزب الله ولوغهما في الدّم السوري، ولم يكن آخرهم المجاهد "خالد مشعل" الذي انحاز إلى الدم السّوري ضدّ النظام المجرم، وليس آخرهم أيضا الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين، الذي هاجم حزب الله وقال في حقّه: " كنت في حيرة عندما وجدت حزب الله يقاتل الصهاينة. فتاريخ أجدادهم مليء بالخيانة للأمّة والتآمر على الإسلام. وبعد الثّورة السورية انكشف قناعهم وبان كفرهم وحقدهم وظهر أنّ مقاومتهم كانت فقط لجذب الأغبياء ليصدّقوهم ".
وقال عن إيران: " فكلّ يوم هو يوم للقدس، ولا نعترف بأيام يحتفل بها هؤلاء القتلة المجرمون. تجتمعون على قتل إخواننا في سوريا وتنافقون بحبّكم للقدس؟. والله إنّ القدس بريئة من هذه الأشكال. والله إنّ القدس لا تتشرّف بهذه الأشكال. والله إن القدس لن تتحرر إلا بطلائع أبناء الجيش الحر ".
كما نحبّ أن نطمئن الشّانئين أنّ الشّيخ لن تزيده حملاتهم إلا ثباتا، ولن تزداد مكانته إلا رفعة في قلوب المسلمين، لأنّ ضوء النّهار قد لاح في الأفق، والأقنعة ستتساقط تباعا بإذن الله، فلا يبقى في صفوف المشاريع المتصارعة على هذه الأمّة إلا الإنبطاحيون والطّائفيون وأصحاب المصالح وحملة الأقلام المأجورة.
إنّها بحقّ الثّورة الفاضحة
هكذا إذن استطاعت الثورة السورية –بإذن الله- أن تكشف أوراق التوت عن عورات الطائفيين وتُسقط الأقنعة عن وجوههم، وتُبِين عن مدى حقدهم على المخالفين لهم في المذهب؛ حقد تفجّر في رقاب الأطفال الرضّع الذين ذُبحوا لا لشيء إلا لأنهم أبناء قوم يتقرّبون إلى الله بحبّ الصّحابة، وتفجّر في صدور الشّباب الذين لا ذنب لهم إلا أنّهم رفضوا اعتناق مذهب اللّعن والطّعن والحقد على سادات الأمّة والضّغينة لتاريخ المسلمين.
واستطاعت أن تفضح أصحابَ الأقلام المأجورة الذين أخذتهم العزّة بالإثم وكان لسان حالهم كما قال الله: { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }، فغضّوا أسماعهم وأبصارهم وعقولهم عن طائفية المشروع الإيرانيّ، وأصرّوا على التمسّك بثنائيته المزدكيّة " إمّا مع إيران أو مع إسرائيل" رغم ظهور الدّلائل القاطعة على أنّ إيران ربّما تكون مع إسرائيل ضدّ أيّ مشروع آخر يقف في طريق مشروعها الشّعوبيّ.
رسالة الجزائريين إلى المروّجين للمشروع الطّائفيّ
كما لا ننسى في نهاية هذا المقال أن نوجّه رسالة إلى الكتّاب الذين يحاولون عبثا التّمكين للمشروع الصّفوي في الجزائر، عن طريق الدّفاع عن النّظام السّوري ونظام الملالي الإيراني وحزب ولاية الفقيه اللبناني، نقول لهم: إنّنا لن ننسى أبدا ما فعلته الدّولة العبيدية التي ينحدر منها النظام السّوري الحالي، لن ننسى ما فعلته في الجزائر، يوم كان العبيديون يكتبون أسماء الصّحابة على رؤوس الحمير ويعلقونها على أبواب الحوانيت، ويقتلون من يرفض سبّ الصّحابة، ومن يعترض على ما يفعلون.
لا تنسوا أيها الكتّاب أنّنا أحفاد المعزّ بن باديس الصّنهاجي الذي طهّر الجزائر وشمال إفريقيا من رجس العبيديين.
الرويبضة يعلن الحرب على العلاّمة القرضاوي!
سلطان بركاني، الجزائر
17/10/2012م
المشروع الإيرانيّ من الثّورة الخمينيّة إلى الثّورة السّوريّة
لقد تنبّأ كثير من المتابعين لتصاعد الأحداث في المنطقة العربية أنّ الثّورة السّورية ستكون نقطة تحوّل فاصلة في تاريخ الصّراع بين المشاريع المتنافسة على المنطقة، وقد صدقت نبوءتهم إلى حدّ كبير وصارت الثورة السّوريّة تستحقّ بكلّ جدارة لقب "الثّورة الفاضحة"، لأنّها اضطرّت أصحاب المشاريع البغيضة إلى إخراج بعض أوراقهم التي كانت تلعب تحت الطّاولة في إطار ما يسمّونه "قواعد اللّعبة المتعارف عليها"، وأصابت الطائفيين على رؤوسهم، فاضطروا إلى إخراج ما في أجوافهم من ضغائن لأمّة الإسلام ولتاريخها.
لقد صدّع الإعلام رؤوسنا على مدار ثلاثة عقود متوالية بنظرية جعلها في مقام النظريات التي لا يجوز أن تُنقض أبدا، مفادها أنْ لا وجود في المنطقة إلا لمشروع وحيد هو المشروع الصّهيو-أمريكيّ الذي لم يجد من يقف في وجهه غير إيران وحزب الله والنّظام السّوريّ. فهل هذه هي الحقيقة التي ليس بعدها إلا الباطل؟.
المشكلة التي يعانيها كثير من المصفّقين لإيران أنّهم كثيرا ما ينسون الوقائع السّاطعة التي تدلّ على حقيقة المشروع الذي تحمله إيران، وأنّه مشروع لا يزعج الغرب، بل يخدم مصالحه ويحقّق أهدافه في تقسيم الأمّة الإسلاميّة، ونخرها من الدّاخل، لأنّه (أي الغرب) يعلم مدى الحقد الذي يحمله منظّرو هذا المشروع لبقية المسلمين الذين لا يعتنقون مذهبهم، لأجل هذا فقد وقف سرا إلى جانب هذا المشروع الصّفويّ الذي أريد له أن يلبس عباءة الدّين مرّة أخرى بعدما صارت العلمانيّة التي تبنّاها الشّاه ورقة متآكلة.
لقد وقفت أمريكا مع الخمينيّ في ثورته، عندما كان في فرنسا، وأوعزت لجنودها الذين كانوا في إيران أن لا يتدخّلوا ضدّ ثورة الخميني، وكان أنْ نجحت هذه الثّورة، وكان لا بدّ من القيام ببعض الاستعراضات لإخفاء حبل الودّ الموصول بين الطّرفين، فكانت حادثة السّفارة الأمريكيّة في طهران، وكان غلق السّفارة الإسرائيليّة التي لم يؤدّ غلقها إلى توقّف الصّهاينة عن إمداد النّظام الإيرانيّ الجديد بالسّلاح في حربه ضدّ العراق، فيما عرف فيما بعد بصفقة وفضيحة إيران-غيت.
لأجل مثل هذه المواقف نجد الصّحفي اليهوديّ (أوري شمحوني) يقول: " إنّ إيران دولة إقليميّة ولنا الكثير من المصالح الإستراتيجيّة معها، فإيران تؤثّر على مجريات الأحداث وبالتأكيد على ما سيجري في المستقبل، إنّ التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من ناحيتنا بل من الدّول العربيّة المجاورة! فإسرائيل لم تكن أبداً ولن تكون عدواً لإيران ". (صحيفة معاريف الإسرائيلية: 23/09/1997م).
بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق، ومع إعدام الرئيس العراقي صدام حسين صبيحة عيد الأضحى، ظهر للعالم كيف تناغمت إيران مع الاحتلال الأمريكيّ، وكيف أعملت أسلحة مليشياتها الطائفية في المسلمين من غير طائفتها، وكيف اتّفقت مصلحتها مع مصلحة الموساد الإسرائيليّ في ملاحقة وتصفية العلماء العراقيين.
بدأت الأصوات تتعالى وبدأ الإعلام يتحدّث عن جرائم إيران إلى جانب جرائم الأمريكان، وبدأت أسهم المقاومة العراقية تتصاعد وتأخذ البريق من الطائفيين. أسقِط في أيدي أصحاب المشروع الصّفويّ، واستفاق على ضربة لم تكن في الحسبان، فاضطرّ للقيام بعملية استعراضية تمنحه وقتا مستقطعا ليلتقط أنفاسه ويلبس قناعا جديدا، ويستعيد شيئا من البريق الذي بدأ يفقده، فكانت حرب تمّوز 2006م.
على الرّغم من أنّ نتائج حرب تموز على الأرض لم تكن في مصلحة المشروع الطّائفيّ، إذ أنها جاءت بقوات اليونيفيل لزيادة طمأنينة الكيان الصّهيونيّ، وجعلت حزب الله يسارع إلى التبرؤ من أيّ صاروخ يطلق من الجنوب اللبنانيّ. على الرغم من هذا فقد أحسن الإعلام الطّائفيّ استغلال هذا الحدث، خاصّة في ظلّ وجود كثير من الإعلاميين والكتاب الذين سريعا ما ينسون التاريخ القريب، ولا يلقون بالا للتاريخ البعيد. وكانت النتيجة أن استعاد هذا المشروع بريقه، وخلت له السّاحة مرّة أخرى، وواجه الأمة الإسلامية بكلّ صفاقة بثنائية مزدكية مقيتة مفادها "إمّا معي أو مع الكيان الصّهيونيّ".
تلقّف كثير من الإعلاميين والكتّاب هذه الثنائية، وجعلوها دينا لا يقبل المناقشة، وصار أسهل شيء عليهم أن يشنوا حروبهم الإعلامية على من يخالف هذه الثنائية، ولو كان هذا الغير من أجلّة علماء الأمّة.
الثّورة السّوريّة تفضح التّناغم بين المشروعين الصّهيونيّ والصّفويّ
جاءت الثّورة السّورية وانحاز أحرار العالم من مختلف الأديان والطّوائف إلى الشّعب السّوريّ، إلا أنّ أصحاب المشروع الطّائفيّ أبوا إلا أن ينصروا الطائفة على حساب الدين، وأن يقفوا مع الجلاّد ضدّ ضحيته. تساءل الأحرار والمنصفون في كلّ مكان: لماذا وقفت إيران مع ثورات الشّعوب كلّها، وحينما تعلّق الأمر بنظام ينتمي إلى طائفتها قلبت ظهر المجنّ، وسخّرت إعلامها لوصم هذه الثورة بكلّ نقيصة، واتّهمت السّوريين بالولاء للمشروع الصّهيو-أمريكيّ في المنطقة، وأبى الله إلا أن يفضح كذبها، يوم خرج بعض المسئولين السّوريين يخوّفون الصّهاينة من ثورة الشّعب، ويحذّرونهم من أنّ هذه الثورة ستكون وبالا عليهم، وبادلهم الصّهاينة نفس الشّعور، وخرج بعض مسئوليهم السياسيين والأمنيين يدقّون نواقيس الخطر، ويحذّرون من سقوط النّظام الذي أمنوا في جواره على جبهة الجولان أكثر من 40 سنة.
تنبّه الأحرار من أبناء الأمّة إلى حجم الخطأ الذي وقعوا فيه يوم قبلوا بالإذعان لثنائية "إمّا مع إيران أو مع إسرائيل"، وأدركوا أنّ إيران ربّما تكون مع إسرائيل إذا استدعت مصلحة الطّائفة ذلك، ورأوا أنّ معاداة إسرائيل وأمريكا لا تكون بالضرورة في الحضن الإيرانيّ، فتحرّك الكتّاب والعلماء يبصّرون الأمّة بحقيقة المشروع الإيرانيّ الطّائفيّ البغيض المتنامي في المنطقة بمباركة من أمريكا وإسرائيل.
وكان من أبرز هؤلاء العلامة الشيخ القرضاوي، الذي حاول على مدار عام من توالي أحداث الثّورة السّورية أن يتغاضى عن اليد الإيرانية الممتدّة إلى دماء السّوريين، حرصا على وحدة الأمّة، ولكنّه حينما بلغت الأمور حدا لا يطاق، وخرجت الفتاوى من إيران تدعو الطائفيين للجهاد في صفّ النّظام السّوريّ الطّائفيّ، خرج الشيخ عن صمته، وهاجم إيران، وقال أنّها أصبحت عدوا، وحثّ الحجّاج أن يدعوا عليها في موسم الحجّ، فثارت ثائرة الإعلام الطائفيّ، وأجلب بخيله ورجله وعدّته وعتاده على الشيخ.
الثورة السورية تفضح أصحاب الأقلام المأجورة
كان المنتظر من الكتاب والإعلاميين أن ينتصروا للشّيخ في وجه هذه الحملة المسعورة التي تشنّ عليه، إلا أنّ بعضهم ممّن أشربوا في قلوبهم العجل الإيرانيّ، وأبوا إلا أن ينظروا إلى الواقع بعين واحدة، انضمّوا إلى الرّكب الإيرانيّ، وراحوا يلومون الشّيخ الذي انتصر للدّم السّوريّ ضدّ الخنجر الإيراني!. {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }.
أحد هؤلاء، كتب مقالا نشر في جريدة الشروق الجزائرية يوم الثلاثاء الماضي -16/10/2012م- تحت عنوان "القرضاوي يعلن الحرب على إيران"، وظنّ المسكين أنّ مثل هذا العنوان سيحشد التعاطف الإسلاميّ من المحيط إلى الخليج مع إيران، ضدّ هذه الحرب النووية التي أعلنها عليها القرضاوي من منبر الجمعة.
ولأنّ عادة الله في منتقصي العلماء قد جرت أن يفضحهم بألسنتهم ومواقفهم، فإنّ هذا الكاتب أبى إلا أن يفضح نفسه في بداية مقاله يوم اعترف أنّه يتمنّى لو أنّ القرضاوي مات قبل 10 سنوات، بمعنى أنّه يتمنّى لو مات الشّيخ قبل أن يفتضح المشروع الصّفويّ مع بداية الاحتلال الأمريكيّ للعراق سنة 2003م. يتمنّى أنْ لو مات الشّيخ القرضاوي، ومات كلّ من يجرؤ على انتقاد المشروع الصّفويّ، لتخلو السّاحة لأمثاله من الرّعاع أتباع كلّ ناعق ليصفّقوا للمشروع الصّفويّ، ويرقصوا على وقع لطمياته حتى الثمالة.
لقد نسي هذا المتطاول في خضمّ الحمية التي أخذته لإيران حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يُبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )، ونسي أنّ العلماء هم منارات الأمّة التي يهتدي بها الحيارى في مدلهمّات الفتن، وأنّه لولا العلماء –بعد الله- لصارت الأمّة قطعانا من الرّعاع يهتفون لكلّ راية ويصفّقون لكلّ ناعق، وصدق الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: ( النّاس ثلاثة: فعالم ربانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ).
ومن عجائب هذا الكاتب أنّه يستنكر أن يتكلّم أمثال الشّيخ القرضاويّ في القضايا السياسية والإقليميّة والدّولية، ويتمنّى لو أنّ الشّيخ اكتفى بالحديث في القضايا الدينيّة والفقهية!. لقد تحوّل الكاتب فجأة إلى علمانيّ صرف يدعو إلى الحجر على العلماء في المساجد، بعد أن دأب هو وأمثاله على انتقاص بعض العلماء بدعوى أنّهم لا يتكلّمون في قضايا الأمّة الكبرى. وهكذا الهوى يفضح صاحبه ويجعله يتلوّن تلوّن الحرباء، إذا لم يتكلّم العلماء في قضايا السّياسة وصمهم بعلماء الحيض والنّفاس، وإذا تكلّموا فيها وجاء كلامهم بما لا تهوى نفسه ضجّ قائلا: وما دخل العلماء في السياسة والقضايا الإقليميّة والدّوليّة؟!.
هل الوحدة الإسلاميّة تستوجب علينا أن نُسْلم رقابنا لإيران؟
أخذت الكاتبَ الحميةُ للمشروع الإيرانيّ، فما وجد من وتر يعزف عليه غير وتر الوحدة الإسلاميّة، وكأنّ هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقّق إلا إذا سكتنا عن موبقات إيران وجرائمها!.
حال هذا الكاتب في عزفه على وتر الوحدة في هذا الوقت، كحال رجل يسكن شقّة في عمارة، سمع يوما صراخا، فلمّا خرج وجد أحد جيرانه قد أضجع جارا آخر واستلّ السكّين ليذبحه، والجار الثاني يصرخ ويستنصر الجيران، فما كان من الرّجل وهو يرى هذا الموقف إلا أن توجّه إلى الضحيّة وصرخ في وجهه قائلا: " لقد فضحتنا أمام الجيران بصراخك، لقد أزعجتنا، ألا تعلم أنّك بصراخك هذا تخدم مصلحة الحاقدين؟". فهل يسوغ مثل هذا الموقف الذي يدعونا أن نُسْلم رقابنا للخنجر الإيرانيّ ليذبحنا بأيّ طريقة شاء، وإن قاومنا وأشرنا إلى من يحاول قتلنا فنحن طائفيون لا نريد الوحدة الإسلاميّة، ونخدم المشروع الصّهيو-أمريكيّ!.
هكذا انقلبت الموازين عند هذا الكاتب ومَن هم على شاكلته؛ وأصبح ما تفعله إيران من استصدار للفتاوى لأجل الجهاد ضدّ الشّعب السّوريّ واستباحة دماء السوريين تحت شعار "الحرب على النواصب أحفاد بني أمية"، ومن إعمالٍ لخناجر الغدر في أجساد السّوريين، لا يضرّ بالوحدة الإسلاميّة، أمّا نصرة الشيخ القرضاوي للضحايا فإنّه يضرّ بالوحدة الإسلاميّة! { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ }.
لماذا نطالَب نحن أن نحني رقابنا لأجل الوحدة الإسلامية، بينما هم يطعنون في ظهورنا، ويتحالفون مع الأمريكان والصّهاينة إذا اقتضت مصلحة الطّائفة ذلك؟.
هل حلّت إيران كلّ مشاكلها حتى تتفرّغ لذبح العراقيين والسّوريين؟
استعمل الكاتب في هجومه على الشّيخ القرضاوي ورقة أخرى هي ورقة المحن والأزمات التي تعيشها أمّة الإسلام، وتساءل إن كنّا قد حللنا كلّ أزماتنا حتى نتفرّغ لإيران؟. ونسي أنّ الحرب الطّائفية التي شنّتها إيران على العراق وتشنّها الآن على إيران كانت في ظلّ كلّ هذه الأزمات، فلماذا لم يسأل هذا الكاتب إيران إن كانت قد حلّت كلّ مشاكل الأمّة وحلّت كلّ مشاكلها الداخلية حتى تتفرّغ لذبح العراقيين والسّوريين؟ أم أنّ الكاتب يرى أنّنا لو حنينا رقابنا لإيران لتذبحنا فستحلّ كلّ مشاكل الأمّة؟. ما لكم كيف تحكمون، وبأيّ منطق تتكلّمون؟.
ثمّ هل نسي هذا الكاتب -أم أنّه أراد أن يتناسى عن سبق إصرار وترصّد- أنّ الشّيخ القرضاوي ليس ممّن يزايَد عليه في الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين، فما من قضية إلا وأدلى بدلوه فيها، ناصحا ومبيّنا ومرشدا. هو يعلم ذلك جيّدا، ولكنْ "حبّك إيران يعمي ويصمّ"، على وزن "حبّك الشّيء يعمي ويصمّ".
إيران تدعم الفصائل الفلسطينيّة ولكن؟
وحتى يغطي الكاتب على دفاعه المستميت على إيران وعلى مشروعها الصفويّ، استنكر هجوم بعض علماء المسلمين على شيوعية روسيا والصّين، ونسب إليهم فتاوى كان يتوقّع أن تصدر عنهم ضدّ البلدين، ولسوء حظّه أنّها لم تصدر، ولكنّه لم يْخفِ تمنّياته أنْ لو صدرت، ليتّخذها ذريعة لوصف العلماء بالأوصاف الجاهزة في نفسه.
لقد أصبحت روسيا صاحبة التاريخ الأحمر في ذبح ونحر وجزر المسلمين، أصبحت بين عشية وضحاها أحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين عند هؤلاء الكتّاب من علماء الأمّة!، وأصبح من الظّلم والإجحاف أن تهاجَم لأنّها تقف مع النّظام السّوريّ المقاوم لشعبه، ومع إيران التي تمدّ نظام الممانعة بالأسلحة والمقاتلين لتطهير الشّام من النّواصب أحفاد بني أمية، وأيّ دليل أوضح على هذه الحقيقة بعد التّصريح الذي أدلى به "سيرغي لافروف" بكلّ صفاقة لمحطة إذاعة "كوميرسانت- أف أم" الروسية في مارس الماضي، واعترف أنّه يخشى قيام دولة سنية في سوريا على أنقاض النّظام الحالي.
بعد أن قضى الكاتب نهمه من الدّفاع عن روسيا والصّين، عاد مرّة أخرى ليسمعنا تلك الأسطوانة المشروخة التي لا يملّ هو وأمثاله من سماعها وإسماعها، وأخذ يذكّرنا أنّ إيران ساندت المقاومة اللبنانية بالمال والسّلاح لدحر العدوّ الصّهيونيّ، وأنّها ساندت فصائل الجهاد الفلسطينيّ بالمال والسّلاح، ونحن لا ننكر أنّ إيران تسلّح حزب الله بكلّ ما يمكنها من أسلحة متطوّرة، وتهيّئه للدّور الذي تريده له، ولا بأس أن يدخل على هامش مشواره في معارك استعراضية مع الكيان الصّهيونيّ قبل أن يحين وقت المهمّة الأساسية التي يعدّ لها، هذه المهمّة التي ظهرت بعض ملامحها عندما كان هذا الحزب يسلّح ويدرّب عناصر جيش المهديّ لقتل نواصب العراق، وعندما وقف هذا الحزب مع النّظام السّوريّ برجاله في صفّ النّظام السّوريّ وأعمل أسلحته في رقاب عباد الله المسلمين.
أمّا عن فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد سمعنا في وسائل الإعلام جعجعة كبيرة أنّ إيران تزوّد الفصائل بالمال والسّلاح، ولكنّنا لم نر طحينا لتلك الجعجعة، لم نر عند حماس سوى صواريخ تصنع محليا، وسوى أسلحة خفيفة، لا تثخن عدوا، ببساطة لأنّ إيران تتعامل مع حماس بسياسة "خذ وهات" وبسياسة القطرة قطرة، لتضمن ولاءها الكامل، وتسمح لها بنشر مشروعها الطّائفيّ في غزّة، والدّليل على ذلك أنّها لما انحازت إلى الشعب السوريّ شنّ عليها إعلام التّشبيح في سوريا التابع بدوره لإعلام التّشبيح الإيرانيّ، حملة لا تقلّ ضراوة عن الحملة التي يشنّها الآن على الشّيخ القرضاوي.
هل تريد إيران إبادة النّواصب؟
من غرائب الكاتب التي تدلّ على جهله بخبايا المشروع الطّائفيّ الإيرانيّ، أنّه قال عن بعض علماء المسلمين أنّهم يكذبون على إيران وينسبون إليها أنّها طائفية تريد إبادة النّواصب!.
وكأنّ هذا الذي يُنسب إلى إيران اخترعه العلماء من عندهم، وليس مسطورا في أمّهات الكتب التي يرجع إليها ملالي إيران ويضع منظّروها خططهم على أساسها.
ألم يصرّح منظّرو الثّورة الإيرانيّة مع بداية قيام دولة الخميني أنّهم سيحرّرون السّعوديّة من حكم الوهّابيين النّواصب، يوم ألقى الدكتور الشّيعي "محمّد مهدي" يوم 17/03/1979م خطبة في احتفال رسمي وجماهيري في مدينة (عبدان) الإيرانية احتفاءً بقيام "الجمهورية الإسلاميّة"، أذاعها صوت الثورة الإيرانية الساعة 12 ظهرا، وقال فيها بكلّ صراحة أنّ مكّة المكرّمة يحتلها شرذمة أشدّ من اليهود؟.
ألم يصرّح حسين الخراساني أحد آياتهم في هذا العصر في كتابه (الإسلام على ضوء التشيّع: ص132-133) "أنّ طوائف الشيعة يترقّبون من حين لآخر أنّ يوما قريبا آت يفتح لهم تلك الأراضي المقدّسة"؟.
ألم تنشر مجلّة الشّهيد الإيراني –لسان حال علماء الشيعة في قم بإيران– في عددها (46) الصّادر بتاريخ: 16 شوال 1400هـ صورة تمثل الكعبة المشرّفة وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما يد قابضة على بندقية وتحتها تعليق: "سنحرّر القبلتين".؟!. ومن أيّ شيء يا ترى سيحرّرون الكعبة المشرّفة التي بشّر النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمّته أنّها لن تغزى إلى يوم القيامة فقال: ( لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة ) (الترمذي).
وهكذا الرّئيس الإيرانيّ الحالي أحمدي نجاد، لا يدّخر فرصة ولا واقعة إلا وأقحم فيها اسم المهديّ المنتظر، بل إنّ بعض الشّيعة يقولون أنّ نجّاد من الممهّدين للإمام المهديّ؛ المهديّ الذي تقول كتب الشّيعة أنّه سيهدم المسجدين الحرام والنبوي ويعيدهما إلى أساسيهما، ويقتل العرب ويخرج أبا بكر الصدّيق وعمر الفاروق من قبريهما غضّين طريين فيحرّقهما ويذريهما في الرّيح؟، وهذه بعض نصوصهم في هذا الاتّجاه:
1. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "القائم يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه، ومسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله) إلى أساسه، ويردّ البيت إلى موضعه، وأقام على أساسه، وقطع أيدي بني شيبة السرّاق، وعلّقها على الكعبة". (بحار الأنوار: 52/332).
2. عن بشير النبال، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السّلام؟" قلت: لا، قال: "يُخرج هذين رطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الريح، ويكسر المسجد"، ثم قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عريش كعريش موسى عليه السّلام، وذكر أنّ مقدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان طينا وجانبه جريد النخل". (بحار الأنوار: 52/386).
والمقصود بـ"هذين": أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق رضي الله عنهما.
3. عن الحارث بن المغيرة وذريح المحاربي قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذّبح وأومأ بيده إلى حلقه" (بحار الأنوار: 52/349).
أليس الشّيعة المعاصرون على خطى أسلافهم؛ يرون أنّ أهل السنّة كفّار مخلّدون في النّار، وإن قال بعضهم بأنّهم مسلمون في الدّنيا كفّار مخلّدون في الآخرة (!)؟.
يقول آيتهم العظمى ومرجعهم الأعلى أبو القاسم الخوئي: "فالصّحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الإثني عشرية وإسلامهم ظاهرا، بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم، وإن كان جميعهم في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنّيا وكافر الآخرة "(كتاب الطهارة للسيد الخوئي: 02/87).
لو بقيت هذه العقائد حبرا على ورق، لربّما وجدنا عذرا لكتّابنا المدافعين عن إيران، ولكنّنا رأينا كيف تحوّلت هذه العقائد إلى واقع في العراق وسوريا وحتى في إيران ضدّ أهل السنّة.
هل هاجم الشّيخ القرضاويّ إيران لأنّها تقف في وجه إسرائيل؟
لقد صاغ كاتبنا مقاله صياغة يفهم منها أنّ الشيخ القرضاوي يهاجم إيران لأنّها تقف في وجه إسرائيل، وهذا من البهتان العظيم، لأنّ الشّيخ هاجم إيران لأنها أصبحت في نفس المعسكر مع دولة الكيان الغاصب ضد الشّعب السّوريّ الذي يطلب حريته وكرامته، ويريد التخلص من ديكتاتور ترك أرض الجولان للصهاينة يعبثون بها، ووجه أسلحته إلى رقاب وصدور شعبه.
والشّيخ تكلّم من منطلق ما شهد به أحرار العالم ومن منطلق ما تواترت به الأخبار والصّور من حمص ودرعا وحلب ودير الزّور وحماة والقصير، وغيرها من المدن المنكوبة.
هل سكت الشّيخ القرضاوي عن القواعد الأمريكيّة على أرض الخليج؟
كما لمز الكاتبُ الشّيخ القرضاوي بطرف خفيّ أنّه في الوقت الذي يهاجم إيران سكت عن القواعد العسكريّة الأمريكيّة في قطر ودول الخليج، مع أنّ الشيخ ليس ممّن يزايَد عليه في مثل هذه المواقف، وهو الذي أعلن استنكاره الشّديد لوجود تلك القواعد على أرض المسلمين، ولعلّ هذا الكاتب يعلم هذا جيّدا، ولكنْ ولأنّه أشرب العجل الإيراني في قلبه فقد راح يبحث عن كلّ نقيصة ليرمي بها الشّيخ، وحمّله كلّ محنة يعيشها المسلمون!، لا لشيء إلا لأنّه قال كلمة حقّ في وجه المشروع الإيراني الطائفي الشّعوبي.
ختاما: الشّيخ القرضاوي لم يعد وحيدا
في الختام نحبّ أن نطمئن محبّي الشّيخ القرضاوي أنّه لم يعد وحيدا، فكلّ الأحرار أنكروا على إيران وحزب الله ولوغهما في الدّم السوري، ولم يكن آخرهم المجاهد "خالد مشعل" الذي انحاز إلى الدم السّوري ضدّ النظام المجرم، وليس آخرهم أيضا الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين، الذي هاجم حزب الله وقال في حقّه: " كنت في حيرة عندما وجدت حزب الله يقاتل الصهاينة. فتاريخ أجدادهم مليء بالخيانة للأمّة والتآمر على الإسلام. وبعد الثّورة السورية انكشف قناعهم وبان كفرهم وحقدهم وظهر أنّ مقاومتهم كانت فقط لجذب الأغبياء ليصدّقوهم ".
وقال عن إيران: " فكلّ يوم هو يوم للقدس، ولا نعترف بأيام يحتفل بها هؤلاء القتلة المجرمون. تجتمعون على قتل إخواننا في سوريا وتنافقون بحبّكم للقدس؟. والله إنّ القدس بريئة من هذه الأشكال. والله إنّ القدس لا تتشرّف بهذه الأشكال. والله إن القدس لن تتحرر إلا بطلائع أبناء الجيش الحر ".
كما نحبّ أن نطمئن الشّانئين أنّ الشّيخ لن تزيده حملاتهم إلا ثباتا، ولن تزداد مكانته إلا رفعة في قلوب المسلمين، لأنّ ضوء النّهار قد لاح في الأفق، والأقنعة ستتساقط تباعا بإذن الله، فلا يبقى في صفوف المشاريع المتصارعة على هذه الأمّة إلا الإنبطاحيون والطّائفيون وأصحاب المصالح وحملة الأقلام المأجورة.
إنّها بحقّ الثّورة الفاضحة
هكذا إذن استطاعت الثورة السورية –بإذن الله- أن تكشف أوراق التوت عن عورات الطائفيين وتُسقط الأقنعة عن وجوههم، وتُبِين عن مدى حقدهم على المخالفين لهم في المذهب؛ حقد تفجّر في رقاب الأطفال الرضّع الذين ذُبحوا لا لشيء إلا لأنهم أبناء قوم يتقرّبون إلى الله بحبّ الصّحابة، وتفجّر في صدور الشّباب الذين لا ذنب لهم إلا أنّهم رفضوا اعتناق مذهب اللّعن والطّعن والحقد على سادات الأمّة والضّغينة لتاريخ المسلمين.
واستطاعت أن تفضح أصحابَ الأقلام المأجورة الذين أخذتهم العزّة بالإثم وكان لسان حالهم كما قال الله: { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }، فغضّوا أسماعهم وأبصارهم وعقولهم عن طائفية المشروع الإيرانيّ، وأصرّوا على التمسّك بثنائيته المزدكيّة " إمّا مع إيران أو مع إسرائيل" رغم ظهور الدّلائل القاطعة على أنّ إيران ربّما تكون مع إسرائيل ضدّ أيّ مشروع آخر يقف في طريق مشروعها الشّعوبيّ.
رسالة الجزائريين إلى المروّجين للمشروع الطّائفيّ
كما لا ننسى في نهاية هذا المقال أن نوجّه رسالة إلى الكتّاب الذين يحاولون عبثا التّمكين للمشروع الصّفوي في الجزائر، عن طريق الدّفاع عن النّظام السّوري ونظام الملالي الإيراني وحزب ولاية الفقيه اللبناني، نقول لهم: إنّنا لن ننسى أبدا ما فعلته الدّولة العبيدية التي ينحدر منها النظام السّوري الحالي، لن ننسى ما فعلته في الجزائر، يوم كان العبيديون يكتبون أسماء الصّحابة على رؤوس الحمير ويعلقونها على أبواب الحوانيت، ويقتلون من يرفض سبّ الصّحابة، ومن يعترض على ما يفعلون.
لا تنسوا أيها الكتّاب أنّنا أحفاد المعزّ بن باديس الصّنهاجي الذي طهّر الجزائر وشمال إفريقيا من رجس العبيديين.
من مواضيعي
0 كفانا صدا عن دين الله
0 عادات الجزائريين في عاشوراء في ميزان الشرع
0 فرعون.. من التطلّع إلى السّماء إلى الغرق تحت الماء
0 الحسين أكبر من أن يختزل في يوم عاشوراء
0 القائد القسامي أحمد الجعبري عرض مساعدة القسام للجيش السوريّ الحر
0 أفضل كتاب يخاطب الشيعة والمتشيّعين بكلّ هدوء
0 عادات الجزائريين في عاشوراء في ميزان الشرع
0 فرعون.. من التطلّع إلى السّماء إلى الغرق تحت الماء
0 الحسين أكبر من أن يختزل في يوم عاشوراء
0 القائد القسامي أحمد الجعبري عرض مساعدة القسام للجيش السوريّ الحر
0 أفضل كتاب يخاطب الشيعة والمتشيّعين بكلّ هدوء
التعديل الأخير تم بواسطة بالتي هي أحسن ; 17-10-2012 الساعة 01:25 PM










