الشعوب العربية وحكامها.. المجيء والمكوث والمغادرة
12-11-2012, 08:26 PM
الشعوب العربية وحكامها.. المجيء والمكوث والمغادرة
عبد القادر رابحي
2012-11-11
من متناقضات العلاقة العاطفية التي تبنيها الشعوب العربية بنخبها المتنوّرة ومثقفيها الفاعلين وعموم أفرادها الملاحظين، مع حكامها، أنها تختلف حول مجيئهم حدّ الفتنة، وتستثقل مكوثهم حدّ الكراهية، وتتأسّف على رحيلهم حدّ المحبة والقنوط.
غير أنه بإمكان هذه الحالات الثلاث أن تتحقق كذلك بإبدالاتها الممكنة على مستوى الواقع كأنْ تترقّب مجيئه حدّ القنوط، وتنام أثناء بقائه على رأسها حدّ الموت، وتُنهي وجوده حدّ التمثيل الشنيع بجثته، وإن كلّف ذلك الاستجداء بأعدائها من أجل الانتقام مما كانت تعتقد إلى وقت قريب أنه البطل المنقذ والزعيم التاريخي والأب الروحي، غير آبهة بما يمكن أن يحدث جراء ذلك من شروخ في بنية الفكرة التي تحملها عن المحددات الوجودية التي جعلتها تطمح كسائر الشعوب إلى تحقيق حلم الدولة بعد أن كانت تعيش بمنطق التجمع البشري الذي لا يتجاوز حدود ما تستطيع العين من رؤية.
و لسنا مجبرين هنا على ذكر كل الاحتمالات الممكنة لثلاثية (المجيء والمكوث والمغادرة) التي تميّز مسيرة الحاكم العربي لأنها في نهاية الأمر ستؤدي إلى نتيجة واحدة لعلها تتمثل في كون أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البلاد العربية لم تكن في يوم ما إلا ما ندر- واضحةً وشفافةً ومبنيّةً على أسس لا تؤدي إلى نتائج كهذه التي يلاحظها جيل جديد من العقول العربية المتعطشة إلى العيش في مجتمعات أكثر انسجاما مع نفسها على عكس ما يبدو لهم من تجربة آبائهم في علاقاتهم المتوترة بحكامهم.
و لعل هذه العلاقة هي التي أفضت إلى استنتاج عبد الرحمن الكواكبي (1849/1902) في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) - وما أحوجنا إلى إعادة قراءة كتابه الآن- في فترة لم تتأسس فيها الأنظمة العربية المعاصرة بعد، ما لاحظه بحسّ نقديّ استشرافيّ من طبائع تتحكم في صناعة الحاكم والمحكوم على السواء في مجتمع يغلب على تعاملاته الحياتية ما سمّاه لأول مرّة في الفكر العربي المعاصر بـ(الاستبداد).
- لقد عاين الكواكبي طبائع انتقال الحاكم المستبد في اللحظة التي يعتلي فيها عرش السلطة وتحوّله من مرحلة الإنسان إلى مرحلة الإله، من خلال بناء الحاكم لأنموذجِ العلاقةِ التي تربطه بمحكومه يعتمد فيها على ما يسميه بـ'استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل'.
و إذا جاز لنا أن نربط 'المجيء' بـ'الأنسنة' و'المكوث' بـ'التأليه'، فإن 'المغادرة' ستكون بالضرورة مرحلة 'تشييء' يتحوّل فيها الحاكم المستبد إلى درجة متقدمة من التعفن الوجودي هي أشبه بالشيء لا يصلح معها بقاؤه بناء على ما وعد ولا انسحابه بناء على ما قدمّ، نظرا لمكوثه الطويل في مرحلة اعتقد من خلالها أنه أصبح إلهاً يأتمر الناس بأوامره وينتهون بنواهيه ولم يبق له إلا عُشبة الخلود يسوّق أحلامها الكاذبة للشعوب المخدوعة به يريد من خلالها تماما مثل(أنكيدو) في الأسطورة العراقية القديمة يريد أن ينقذ البشر مما هم فيه، فإذا به يغرقهم في ما لم يتوقعوه منه.
لقد أثبتت تتابعات الحادثة التاريخية خلال ما ينيف عن قرن من الزمن بما لا يدع مجالا للشك أن توصيفات عبد الرحمن الكواكبي للعلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم في العالم العربي لا زالت صحيحة إلى حدّ بعيد وأن تحليلاته لم تكن لتجانب الخطأ، وأن هذه العلاقة لم تكن مبنية على ما كان يمكن أن ترجع إليه الشعوب العربية في تاريخها من تجارب أكثر عقلانيةً، فهماً وتمثّلا وتطبيقاً. كما لم تكن مبنيّة على ما أمكنها معرفته ومعايشته من تجارب معاصرة أكثر عقلانية من خلال استخلاصها للدرس الاستبداديّ الموروث من الاستعمار على الرغم مما لاقته من ويلات تؤهلها للوقوف في وجه تصرفاته، وعلى الرغم مما خاضته من ثورات أدت بها في نهاية الأمر، لا إلى ترسيخ ما يناقض تجربة الاستبداد التي عاشتها وثارت ضدها في المدونة السياسية والحضارية العربية، وإنما إلى استنبات الأنموذج الاستبداديّ في أرقى حالاته وأكثرها تطوراً من خلال اعتبار الشعوب مجرد قاطنة (أنديجينا) تملأ الفضاء الرحب للحلم السلطويّ الذي يولد مع الحاكم ولا يموت بموته.
' كاتب جزائري
عبد القادر رابحي
2012-11-11
من متناقضات العلاقة العاطفية التي تبنيها الشعوب العربية بنخبها المتنوّرة ومثقفيها الفاعلين وعموم أفرادها الملاحظين، مع حكامها، أنها تختلف حول مجيئهم حدّ الفتنة، وتستثقل مكوثهم حدّ الكراهية، وتتأسّف على رحيلهم حدّ المحبة والقنوط.
غير أنه بإمكان هذه الحالات الثلاث أن تتحقق كذلك بإبدالاتها الممكنة على مستوى الواقع كأنْ تترقّب مجيئه حدّ القنوط، وتنام أثناء بقائه على رأسها حدّ الموت، وتُنهي وجوده حدّ التمثيل الشنيع بجثته، وإن كلّف ذلك الاستجداء بأعدائها من أجل الانتقام مما كانت تعتقد إلى وقت قريب أنه البطل المنقذ والزعيم التاريخي والأب الروحي، غير آبهة بما يمكن أن يحدث جراء ذلك من شروخ في بنية الفكرة التي تحملها عن المحددات الوجودية التي جعلتها تطمح كسائر الشعوب إلى تحقيق حلم الدولة بعد أن كانت تعيش بمنطق التجمع البشري الذي لا يتجاوز حدود ما تستطيع العين من رؤية.
و لسنا مجبرين هنا على ذكر كل الاحتمالات الممكنة لثلاثية (المجيء والمكوث والمغادرة) التي تميّز مسيرة الحاكم العربي لأنها في نهاية الأمر ستؤدي إلى نتيجة واحدة لعلها تتمثل في كون أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البلاد العربية لم تكن في يوم ما إلا ما ندر- واضحةً وشفافةً ومبنيّةً على أسس لا تؤدي إلى نتائج كهذه التي يلاحظها جيل جديد من العقول العربية المتعطشة إلى العيش في مجتمعات أكثر انسجاما مع نفسها على عكس ما يبدو لهم من تجربة آبائهم في علاقاتهم المتوترة بحكامهم.
و لعل هذه العلاقة هي التي أفضت إلى استنتاج عبد الرحمن الكواكبي (1849/1902) في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) - وما أحوجنا إلى إعادة قراءة كتابه الآن- في فترة لم تتأسس فيها الأنظمة العربية المعاصرة بعد، ما لاحظه بحسّ نقديّ استشرافيّ من طبائع تتحكم في صناعة الحاكم والمحكوم على السواء في مجتمع يغلب على تعاملاته الحياتية ما سمّاه لأول مرّة في الفكر العربي المعاصر بـ(الاستبداد).
- لقد عاين الكواكبي طبائع انتقال الحاكم المستبد في اللحظة التي يعتلي فيها عرش السلطة وتحوّله من مرحلة الإنسان إلى مرحلة الإله، من خلال بناء الحاكم لأنموذجِ العلاقةِ التي تربطه بمحكومه يعتمد فيها على ما يسميه بـ'استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل'.
و إذا جاز لنا أن نربط 'المجيء' بـ'الأنسنة' و'المكوث' بـ'التأليه'، فإن 'المغادرة' ستكون بالضرورة مرحلة 'تشييء' يتحوّل فيها الحاكم المستبد إلى درجة متقدمة من التعفن الوجودي هي أشبه بالشيء لا يصلح معها بقاؤه بناء على ما وعد ولا انسحابه بناء على ما قدمّ، نظرا لمكوثه الطويل في مرحلة اعتقد من خلالها أنه أصبح إلهاً يأتمر الناس بأوامره وينتهون بنواهيه ولم يبق له إلا عُشبة الخلود يسوّق أحلامها الكاذبة للشعوب المخدوعة به يريد من خلالها تماما مثل(أنكيدو) في الأسطورة العراقية القديمة يريد أن ينقذ البشر مما هم فيه، فإذا به يغرقهم في ما لم يتوقعوه منه.
لقد أثبتت تتابعات الحادثة التاريخية خلال ما ينيف عن قرن من الزمن بما لا يدع مجالا للشك أن توصيفات عبد الرحمن الكواكبي للعلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم في العالم العربي لا زالت صحيحة إلى حدّ بعيد وأن تحليلاته لم تكن لتجانب الخطأ، وأن هذه العلاقة لم تكن مبنية على ما كان يمكن أن ترجع إليه الشعوب العربية في تاريخها من تجارب أكثر عقلانيةً، فهماً وتمثّلا وتطبيقاً. كما لم تكن مبنيّة على ما أمكنها معرفته ومعايشته من تجارب معاصرة أكثر عقلانية من خلال استخلاصها للدرس الاستبداديّ الموروث من الاستعمار على الرغم مما لاقته من ويلات تؤهلها للوقوف في وجه تصرفاته، وعلى الرغم مما خاضته من ثورات أدت بها في نهاية الأمر، لا إلى ترسيخ ما يناقض تجربة الاستبداد التي عاشتها وثارت ضدها في المدونة السياسية والحضارية العربية، وإنما إلى استنبات الأنموذج الاستبداديّ في أرقى حالاته وأكثرها تطوراً من خلال اعتبار الشعوب مجرد قاطنة (أنديجينا) تملأ الفضاء الرحب للحلم السلطويّ الذي يولد مع الحاكم ولا يموت بموته.
' كاتب جزائري
الديمقراطيه الأمريكيه أشبه بحصان طرواده الحريه من الخارج ومليشيات الموت في الداخل... ولا يثق بأمريكا إلا مغفل ولا تمدح أمريكا إلا خادم لها !







