تسجيل الدخول

السلام عليكم
الأحزاب الحاكمة وحلفائها من أحزاب "الموالاة" لا تنظم في العادة مسيرات ومظاهرات مطلبية. صحيح أن التظاهر حق من حقوق الإنسان ولا يجوز حرمان أحد من استخدامه ، لكن الناس لا يتظاهرون من أجل التظاهر ، وإنما للضغط علي السلطة الحاكمة من أجل تنفيذ مطالب معينة .
والسؤال هو : مادام الأمر كذلك .. لماذا يتظاهر "الإخوان" والرئيس رئيسهم ، ومجلس الشوري مجلسهم ، والنائب العام نائبهم وحكومة الدكتور هشام قنديل حكومتهم؟!
وبالتالي .. فإن طلباتهم أوامر ، وماذا يحتاجون أكثر من ذلك لتحقيقها؟!
إجابتهم الجاهزة علي هذا السؤال هي : القضاء.
فإذا سألتهم عن السبب قالوا في نفس واحد : إنه قضاء "الفلول" ، والدليل أنه حكم ببراءة معظم رموز نظام حسني مبارك ، وها هو علي وشك تبرئة حسني مبارك نفسه.
وهذا الكلام ينطوي علي خلط للأوراق فوق أنه تضليل فاضح.
فنفس هذا القضاء ، الذي يصفه "الاخوان" اليوم بأنه "قضاء الفلول" هو ذاته الذي أشرف علي انتخابات الرئاسة وأعلن تنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية. ويومها صفق له مرسي وأهله وعشيرته ووصفوه بالقضاء النزيه ، فهل يكون نزيها يوم يحكم لصالحهم ويكون قضاء الفلول عندما يحكم لغير صالحهم ؟!
أما أحكام تبرئة رجال مبارك فقد توقعناها وتوقعها الجميع طالما أنها محاكمات "جنائية" وتجري علي أرضية التقاضي "الطبيعي" ، وبح صوتنا في تبني منهج "العدالة الانتقالية" الذي يضع هذه المحاكمات علي أرضية "سياسية" ووفق " الشرعية الثورية " ، لكن المجلس العسكري في عهد المشير طنطاوي والفريق عنان ، ثم الرئيس مرسي ومجلس شعبه ، رفضوا ذلك. وهذا يعني أنهم شركاء في هذه النتيجة التي تؤدي إلي تبرئة مبارك.
والأحكام التي صدرت ليست غلطة القضاة وإنما مسئولية القوانين التي تم الإحتكام إليها والأوراق الناقصة التي تضمنتها ملفات القضايا.
وإذن فإن استغلال هذه الأحكام "المتوقعة" لتأليب الناس علي القضاة تضليل فاضح ، يحاول أن يغطي علي أمرين : الأول هو الفشل الذريع لفريق مرسي الرئاسي والحكومي في الوفاء بواجبات الحكم وتحقيق الحد الأدني من أهداف الثورة ، والثاني الرغبة المحمومة في "أخونة" القضاء ، لإفساح المجال أمام "التمكين" وهيمنة الإخوان علي كل مفاصل الدولة.
أما حجة "تطهير" القضاء فهي الأخري حجة متهافتة. صحيح أن القضاء ليس بلا مشاكل ، بل وليس خاليا من الفساد ، لكن هذا "التطهير" لا يمكن القيام به إلا علي يد مؤسسة القضاء ذاتها وليس علي يد مرسي أو يد أهله وعشيرته ، وهذا هو أحد ضمانات استقلال القضاء في أي بلد في العالم.
وكل هذا يبين فساد المنطق الذي حرك مظاهرات أمس الأول التي رفعت شعار "تطهير القضاء".
***
والذي سقط في هذه المظاهرات ليس شعار "تطهير القضاء" فقط ، وإنما سقطت معه عدة أمور كان البعض يعتقد أنها من قبيل البدهيات.
أولها "أسطورة" القدرة الهائلة للإخوان علي الحشد الجماهيري. ففي مظاهرات أمس الأول سقط هذا الوهم.
وثانيها "أسطورة" هيمنة الإخوان علي باقي فصائل الإسلام السياسي ، فتلك خرافة أخري بددت وهم أن الإخوان إذا رفعوا إصبعهم هرول كل "الإسلاميين" إليهم صاغرين. فهاهم الإخوان دعوا إلي التظاهر من أجل تطهير القضاء ورفض كثير من "الاسلاميين" تلبية الدعوة.
وثالثها "أسطورة" أن مظاهرات الإخوان مثال يحتذي للسلمية ، وجاءت مظاهرات أمس الأول لتبدد هذا الوهم أيضا ، ويستطيع الإخوان أن يدّعوا أن خصومهم السياسيين هم الذين مارسوا العنف ، لكنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا طفلا بأن الكاتب الكبير نبيل زكي المتحدث باسم حزب التجمع كان يحمل زجاجة مولوتوف أو حتي "طوبة" عندما تعرض لاعتداء الاخوان عليه وتحطيم سيارته.
ولم يكن هذا العدوان علي شخصيات معارضة بوزن نبيل زكي هو الوحيد بل كان جزءا من سلسلة اعتداءات صبغت يوم الجمعة الأسود بلون الدم .
فهل نسأل بعد ذلك عن سبب كراهية الإخوان للقضاء ودولة القانون؟!
سعد هجرس