من روائع الرافعي ...
28-05-2008, 11:19 AM
البيان للكاتب الكبير/مصطفي صادق الرافعي من كتابه (وحي القلم)
لا وجود للمقالة البيانية إلا في المعاني التي اشتملت عليها يقيمها الكاتب على حدود ويديرها على طريقة مصيباً بألفاظه مواقع الشعور مثيراً بها مكامن الخيال آخذاً بوزن تاركاً بوزن لتأخذ النفس كما تشاء وتترك.
ونقل حقائق الدنيا نقلاً صحيحاً إلى الكتابة أو الشعر هو انتزاعها من الحياة في أسلوب وإظهارها للحياة في أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل لوضعه كل شيء في خاصّ معناه وكشف حقائق الدنيا كشفةً تحت ظاهرها الملتبس وتلك هي الصناعة الفنية الكاملة تستدرك النقص فتتممه وتتناول السر فتعلنه وتلمس المقيد فتطلقه وتأخذ المطلق فتحده وتكشف الجمال فتظهره وترفع الحياة درجة في المعنى وتجعل الكلام كأنه وجد لنفسه عقلاً يعيش به.
والكاتب الحق لا يكتب ما يكتب ولكنه أداة في يد القوة المصورة لهذا الوجود تصور بها شيئاً من أعمالها فناً من التصوير. الحكمة الغامضة تريده على التفسيرتفسير الحقيقة والخطأ الظاهرة تريده على التبيين تبيين الصواب والفوضى المائجة تسأله الإقرار إقرار التناسب وما وراء الحياة يتخذ من فكره صلة بالحياةوالدنيا كلها تنتقل في مرحلة نفسية لتعلوا به أو تنزل. ومن ذلك لا يخلق الملهم أبداً إلا وفيه أعصابه الكهربائيه وله في قلبه الرقيق مواضع مهيأة للإحراق تنفذ إليها الأشعة الروحانية وتتساقط منها بالمعاني.
وإذا اختير الكاتب لرسالة ما شعر بقوة تفرض نفسها عليه منها إسناد رأيه ومنها إقامة برهان ومنها جمال ما يأتي به فيكون إنساناً لأعمالها وأعمالها جميعاً له بنفسه وجود وله بها وجود آخر. ومن ثم يصبح عالماً بعناصره للخير أو الشر كما يوجه ويلقي فيه مثل السر الذي يلقي في الشجرة لإخراج ثمرها بعمل طبيعة يرى سهلاً كل السهل حين يتم ولكنه صعب أي صعب حين يبدأ.
هذه القوة هي التي تجعل اللفظة المفردة في ذهنه معنىً تاماًوتحول الجملة الصغيرة إلى قصة وتنتهي باللمحة السريعة إلى كشف عن حقيقة هي التي تخرجه من حكم أشياء ليحكم عليها وتدخله في حكم أشياء غيرها لتحكم عليه وهي التي تميز طريقته وأسلوبه وكما خلق الكون من الإشعاع تضع الإشعاع في بيانه.
ولا بد من البيان في الطبائع الملهمة ليتسع به التصرف إذ الحقائق أسمى وأدق من أن تعرف بيقين الحاسة أو تنحصر في إدراكها فلو حدت الحقيقة لما بقية حقيقة ولو تلبس الملائكة بهذا اللحم والدم لبطل أو يكونوا ملائكة ومن ثم فكثرة الصور البيانية الجميلة للحقيقة الجميلة هي كل ما يمكن أو يتسنى من طريقة تعريفها للإنسانية.
وأي بيان في خضرة الربيع عند الحيوان من آكل العشب إلا بيان الصورة الواحدة في معدته؟ غير أن صورة الربيع في البيان الإنساني على اختلاف الأرض والأمم تكاد تكون بعدد أزهاره ويكاد الندى ينضرها حسناً كما ينضره. ولهذا ستبقى كل حقيقة من الحقائق الكبرى ـ كالإيمان والجمال والحب والخير والحق ـ ستبقى محتاجة في كل عصر إلى كتابة جديدة من أذهان جديدة.
وفي الكتاب الفضلاء باحثون ومفكرون تأتي ألفاظهم ومعانيهم فناً عقلياً غايته صحة الأداء وسلامة النسق فيكون البيان في كلاهم على نذرة كوخز الخضرة في الشجرة اليابسة هنا وهنا. ولكن الفن البياني يرتفع على ذلك بأن غايته قوة الأداء مع الصحة وسمو التعبير مع الدقة وإبداع الصورة زائداً جمال الصورة أولئك في الكتابة كالطير له جناح يجري به ويرف ولا يطير وهؤلاء كالطير الآخر له جناح يطير به ويجري ولو كتب الفريقان في معنى واحد لرأيت المنطق في الأحد الأسلوبين وكأنه يقول: أنا هنا في معان وألفاظ وترى الإلهام في الأسلوب الآخر يطالعك أنه هنا في جلال وجمال وفي صور وألوان.
ودورة العبارة الفنية في نفس الكاتب البياني دورة خلقٍ وتركيب تخرج بها الألفاظ أكبر مما هي كأنها شبت في نفسه شباباً وأقوى ما هي كأنما كسبت من روحة قوة وأدل مما هي كأنما زاد فيها بصناعته زيادة. فالكاتب العلمي تمر اللغة منه في ذاكرة وتخرج كما دخلت عليها طابع واضعيها ولكنها من الكاتب البياني تمر في مصنع وتخرج عليها طابعة هو . أولئك أزاحوا اللغة عن مرتبة سامية وهؤلاء علو بها إلى أسمى مراتبها وأنت مع الأولين بالفكر ولا شيء إلا بالفكر والنظر والحكم غير أنك مع ذي الحاسة البيانية لا تكون إلا بمجموع ما فيك من قوة الفكر والخيال والإحساس والعاطفة والرأي.
والكتابة التامة المفيدة مثل الوجهين في خلق الناس ففي كل الوجوه تركيب تام تقوم به منفعة الحياة ولكن الوجه المنفرد يجمع إلى تمام الخلق جمال الخلق ويزيد على منفعة الحياة لذة الحياة وهو لذلك وبذلك يرى ويؤثر ويعشق.
وربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ولكن الخير كذلك وبأنه مخالف ولكن الحق كذلك وبأنه محير ولكن الحسن كذلك وبأنه كثير التكاليف ولكن الحرية كذلك.
إن لم يكن البحر فلا تنتظر اللؤلؤة وإن لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع وإن لم تكن شجرة الورد فلا تنتظر الورد وإن لم يكن الكاتب البياني فلا تنتظر الأدب .......... انتهى عن منتدى لك
لا وجود للمقالة البيانية إلا في المعاني التي اشتملت عليها يقيمها الكاتب على حدود ويديرها على طريقة مصيباً بألفاظه مواقع الشعور مثيراً بها مكامن الخيال آخذاً بوزن تاركاً بوزن لتأخذ النفس كما تشاء وتترك.
ونقل حقائق الدنيا نقلاً صحيحاً إلى الكتابة أو الشعر هو انتزاعها من الحياة في أسلوب وإظهارها للحياة في أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل لوضعه كل شيء في خاصّ معناه وكشف حقائق الدنيا كشفةً تحت ظاهرها الملتبس وتلك هي الصناعة الفنية الكاملة تستدرك النقص فتتممه وتتناول السر فتعلنه وتلمس المقيد فتطلقه وتأخذ المطلق فتحده وتكشف الجمال فتظهره وترفع الحياة درجة في المعنى وتجعل الكلام كأنه وجد لنفسه عقلاً يعيش به.
والكاتب الحق لا يكتب ما يكتب ولكنه أداة في يد القوة المصورة لهذا الوجود تصور بها شيئاً من أعمالها فناً من التصوير. الحكمة الغامضة تريده على التفسيرتفسير الحقيقة والخطأ الظاهرة تريده على التبيين تبيين الصواب والفوضى المائجة تسأله الإقرار إقرار التناسب وما وراء الحياة يتخذ من فكره صلة بالحياةوالدنيا كلها تنتقل في مرحلة نفسية لتعلوا به أو تنزل. ومن ذلك لا يخلق الملهم أبداً إلا وفيه أعصابه الكهربائيه وله في قلبه الرقيق مواضع مهيأة للإحراق تنفذ إليها الأشعة الروحانية وتتساقط منها بالمعاني.
وإذا اختير الكاتب لرسالة ما شعر بقوة تفرض نفسها عليه منها إسناد رأيه ومنها إقامة برهان ومنها جمال ما يأتي به فيكون إنساناً لأعمالها وأعمالها جميعاً له بنفسه وجود وله بها وجود آخر. ومن ثم يصبح عالماً بعناصره للخير أو الشر كما يوجه ويلقي فيه مثل السر الذي يلقي في الشجرة لإخراج ثمرها بعمل طبيعة يرى سهلاً كل السهل حين يتم ولكنه صعب أي صعب حين يبدأ.
هذه القوة هي التي تجعل اللفظة المفردة في ذهنه معنىً تاماًوتحول الجملة الصغيرة إلى قصة وتنتهي باللمحة السريعة إلى كشف عن حقيقة هي التي تخرجه من حكم أشياء ليحكم عليها وتدخله في حكم أشياء غيرها لتحكم عليه وهي التي تميز طريقته وأسلوبه وكما خلق الكون من الإشعاع تضع الإشعاع في بيانه.
ولا بد من البيان في الطبائع الملهمة ليتسع به التصرف إذ الحقائق أسمى وأدق من أن تعرف بيقين الحاسة أو تنحصر في إدراكها فلو حدت الحقيقة لما بقية حقيقة ولو تلبس الملائكة بهذا اللحم والدم لبطل أو يكونوا ملائكة ومن ثم فكثرة الصور البيانية الجميلة للحقيقة الجميلة هي كل ما يمكن أو يتسنى من طريقة تعريفها للإنسانية.
وأي بيان في خضرة الربيع عند الحيوان من آكل العشب إلا بيان الصورة الواحدة في معدته؟ غير أن صورة الربيع في البيان الإنساني على اختلاف الأرض والأمم تكاد تكون بعدد أزهاره ويكاد الندى ينضرها حسناً كما ينضره. ولهذا ستبقى كل حقيقة من الحقائق الكبرى ـ كالإيمان والجمال والحب والخير والحق ـ ستبقى محتاجة في كل عصر إلى كتابة جديدة من أذهان جديدة.
وفي الكتاب الفضلاء باحثون ومفكرون تأتي ألفاظهم ومعانيهم فناً عقلياً غايته صحة الأداء وسلامة النسق فيكون البيان في كلاهم على نذرة كوخز الخضرة في الشجرة اليابسة هنا وهنا. ولكن الفن البياني يرتفع على ذلك بأن غايته قوة الأداء مع الصحة وسمو التعبير مع الدقة وإبداع الصورة زائداً جمال الصورة أولئك في الكتابة كالطير له جناح يجري به ويرف ولا يطير وهؤلاء كالطير الآخر له جناح يطير به ويجري ولو كتب الفريقان في معنى واحد لرأيت المنطق في الأحد الأسلوبين وكأنه يقول: أنا هنا في معان وألفاظ وترى الإلهام في الأسلوب الآخر يطالعك أنه هنا في جلال وجمال وفي صور وألوان.
ودورة العبارة الفنية في نفس الكاتب البياني دورة خلقٍ وتركيب تخرج بها الألفاظ أكبر مما هي كأنها شبت في نفسه شباباً وأقوى ما هي كأنما كسبت من روحة قوة وأدل مما هي كأنما زاد فيها بصناعته زيادة. فالكاتب العلمي تمر اللغة منه في ذاكرة وتخرج كما دخلت عليها طابع واضعيها ولكنها من الكاتب البياني تمر في مصنع وتخرج عليها طابعة هو . أولئك أزاحوا اللغة عن مرتبة سامية وهؤلاء علو بها إلى أسمى مراتبها وأنت مع الأولين بالفكر ولا شيء إلا بالفكر والنظر والحكم غير أنك مع ذي الحاسة البيانية لا تكون إلا بمجموع ما فيك من قوة الفكر والخيال والإحساس والعاطفة والرأي.
والكتابة التامة المفيدة مثل الوجهين في خلق الناس ففي كل الوجوه تركيب تام تقوم به منفعة الحياة ولكن الوجه المنفرد يجمع إلى تمام الخلق جمال الخلق ويزيد على منفعة الحياة لذة الحياة وهو لذلك وبذلك يرى ويؤثر ويعشق.
وربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ولكن الخير كذلك وبأنه مخالف ولكن الحق كذلك وبأنه محير ولكن الحسن كذلك وبأنه كثير التكاليف ولكن الحرية كذلك.
إن لم يكن البحر فلا تنتظر اللؤلؤة وإن لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع وإن لم تكن شجرة الورد فلا تنتظر الورد وإن لم يكن الكاتب البياني فلا تنتظر الأدب .......... انتهى عن منتدى لك
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا
وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا
أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا
موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج
الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة
الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة
من مواضيعي
0 دعوةٌ تُصيبُ هذا الصنف من التجّار
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته
0 تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
0 في المعدل والجارح [ لبيان دقة علماء الحديث ]
0 اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم
0 مختارات من ردود الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله على الطائفة المخذولة
0 علم الرجال وأهميته









