أخي العزيز البليدي
لك مني هذا المنشور لحزب التحرير لعام 1989م الذي يوضح فيه الحكم الشرعي في طاعة الحكام ويبين أنه اذا كان الحاكم لا يطبق احكام الاسلام، اى اذا لم يكن خليفة او اماما للمسلمين، كجميع رؤساء الدول والملوك في بلاد المسلمين الان، ففي هذه الحالة لا تجب طاعته مطلقا
بسم الله الرحمن الرحيم
طاعة رئيس الدولة
لقد حض الاسلام كثيرا على السمع والطاعة لرئيس الدولة، وجعل ذلك واجبا عينيا على كل افراد الرعية مسلمين وذميين، واعتبر طاعة رئيس الدولة طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم طاعة لله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من اطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن اطاع اميرى فقد اطاعني، ومن عصى اميرى فقد عصاني ) رواه مسلم والبخارى والنسائي . وحرم الشرع الامتناع عن طاعة رئيس الدولة واعتبره جريمه وسماه مفارقة للجماعة، وامر رئيس الدولة بانزال العقاب على الخارجين ان كانوا افرادا، وبقتالهم ان كانوا جماعات، ولكن الشرع قد استثنى ثلاث حالات من وجوب طاعة رئيس الدولة، وهذه الحالات الثلاث هي :
1 اذا امر رئيس الدولة بامر مخالف للحكم الشرعي، اى امر بمعصية لله سبحانه، كأن امر بتاميم اموال الناس الخاصة، او امر جيشه بمنع المسلحين من الوصول الى فلسطين المحتلة لقتال اليهود، او امر بالانتساب الى الامم المتحده او جامعة الدول العربية او انشأ جهاز مخابرات للتجسس على افراد الرعية واذلالهم، ففي هذه الحالة لا تجب طاعته في هذه الامور بل تحرم لقوله صلى الله عليه وسلم ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره الا ان يؤمر بمعصية، فان امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . رواه مسلم والبخارى .
2 اذا تدخل رئيس الدولة فيما اباحة الله سبحانه للناس يفعلونه كما يشاءون، ولم يكن هذا المباح مما طلب الشرع منه التدخل فيه او تنظيمه، كأن الزم الناس ببناء بيوتهم حسب طراز معمارى خاص بقصد تجميل المدن، او اجبر المزارعين على تسويق محاصيلهم عن طريق مؤسسة التسويق الزراعي، او حظر على التجار استيراد مواد معينه بقصد حماية المصنوعات المحلية، ففي هذه الحالة لا تجب طاعته، ولكنها لا تحرم فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يفعلون هذه الامور وامثالها من المباحات دون ان يتدخل فيها او ينظمها .
وهاتان الحالتان هما اللتان يتصور حصولهما في دولة الاسلام، اما الحالة الثالثة
3 وهي الحالة التي اغفلها معظم العلماء المعاصرين ،لسببين اثنين نذكرهما بعد قليل، فهي اذا كان رئيس الدولة لا يطبق احكام الاسلام، اى اذا لم يكن خليفة او اماما للمسلمين، كجميع رؤساء الدول في بلاد المسلمين الان، ففي هذه الحالة لا تجب طاعته مطلقا في اى امر من اوامره او قانون من قوانينه او تشريع من تشريعاته، تحرم طاعته اذا كان الامر منه مخالفا للحكم الشرعي، فلو امر رئيس الدولة بفرض ضريبة على المساكن والشركات، او انشأ صندوقا لجمع الزكاه وتوزيعها، او وضع جمارك على واردات الدولة، او الزم الطلاب بتعلم لغة اجنبية، او فرض على الشباب التجنيد الاجبارى، فلا تجب طاعته في شيء من ذلك مطلقا وتحرم طاعته طبعا ان هو امر الناس بمعصية كأن اباح الارتداد عن الاسلام تحت ستار حرية الاعتقاد، او اعطى ترخيصا للاحزاب الشيوعية او القومية، او شجع الحركة الماسونية بان انتسب اليها ومكنها من التغلغل في دوائر الدولة واوساط الناس، او حارب الدعوة الاسلامية المخلصة الواعية، او اخذ من العسكريين القسم على الاخلاص للدستور، والدليل على ذلك ما روى معاذ قال : " يا رسول الله ارايت ان كان علينا امراء لايستنون بسنتك ولا ياخذون بامرك فما تامر في امرهم ? فقال رسول الله ( لا طاعة لمن لم يطع الله عز وجل " . رواه احمد . وما روى عبدالله بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سيلي اموركم بعدى رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ) . فقلت يا رسول الله : ان ادركتهم كيف افعل ? قال ( تسألني يا ابن ام عبد كيف تفعل ? لا طاعة لمن عصى الله ) . رواه ابن ماجه واحمد .
ومعلوم ان جميع رؤساء الدول في العالم الاسلامي كله يعصون الله ولا يطيعونه لكونهم يحكمون باحكام الكفر ولا يطبقون احكام الاسلام، فهؤلاء الرؤساء كلهم لا طاعة لهم قطعا .
ونعيد ما سبق بعبارات اخرى للتوضيخ فنقول : ان رئيس الدولة اما ان يكون خليفة واما ان لا يكون، فان كان خليفة وجبت طاعته في كل اوامره الا في الحالتين الاوليين فحسب، فتحرم علينا طاعته في اى امر مخالف للشرع اى في اى معصية، ولا تجب طاعته في قسم المباحات الفردية لافراد الرعية التي تركها الشرع لهم يفعلونها بمحض اختيارهم، دون قسم المباحات الاخرى العامة التي يشترك فيها الناس وطلب منه الشرع ان يتدخل فيها او ينظمها كسقي الفلاحين من مياه الانهار، وتنظيم حركة السير في الشوارع، وتحديد الموازين والمكاييل، وكيفية اختيار الموظفين، وسائر اللوائح الادارية العامة في الدولة .
واما ان كان رئيس الدولة غير خليفة كأن كان ملكا، او رئيس جمهورية، او رئيس مجلس قيادة الثورة، فلا تجب طاعته في اى امر من اوامره دون استثناء، وتحرم طاعته طبعا ان هو امر بمعصية، اى بمخالفة لاى حكم شرعي .
وفي هذا العصر ومنذ عام 1923، اى منذ سقوط الخلافة الاسلامية على يد الانجليز بمعاونه حسين امير مكة ومصطفى كمال في تركيا، والمسلمون يعيشون في الحالة الثالثة، وهذه الحال هي التي ينبغي ان يوجه اليها الاهتمام .
قلنا قبل قليل ان معظم العلماء المعاصرين قد اغفلوا هذه الحالة الثالثة لسببين، ونحن نفصل الان هذين السببين على النحو التالي:
السبب الاول هو ضعف الايمان وانعدام التقوى عند علماء السلاطين الذين بيدهم الافتاء والتوجيه، وما يتبع ذلك وينتج عنه من النفاق الذى استشرى في هؤلاء العلماء، فبدلا من ان يفتوا بعدم وجوب طاعة الحكام الحاليين، يقومون بافتاء الناس بما يحبه الحكام ويريدونه مما يخالف شرع الله سبحانه، ويوجبون طاعتهم، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما احل الله، فصاروا كالاحبار والرهبان الذين ذكرهم الله سبحانه بقوله (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله ) وذلك انهم كانوا يحرمون الحلال ويحلون الحرام لاتباعهم من اليهود والنصارى فيطيعهم اتباعهم طاعة تجعل من هؤلاء الاحبار والرهبان اربابا من دون الله، وهذا الفعل من اعظم المعاصي وافظع اصناف الشرك بالله، والشرك كما يعلم علماء السلاطين جريمة لا يغفرها الله لاحد،ولسوف يكب الله العزيز الجبار هؤلاء المنافقين على عمائمهم في نار جهنم .
والسبب الثاني هو ان المعاهد الشرعية وعلى راسها الازهر لا تدرس الاسلام بطريقته العملية في التدريس، اى لا تدرس احكام الاسلام لتطبيقها في واقع الحياة كما كان الحال زمن صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والسائرين على نهجهم من المسلمين، وانما تدرس احكام الاسلام تدريسا نظريا فلسفيا فحسب، ملتزمة بالمنهاج الذى فرضه عليها الكفــــار المستعمرين منذ ان احتلوا بلادنا في الحملة الصليبية الثانية بمعاونه من حسين في مكة ومصطفى كمال في انقرة، وقبل ذلك بقليل، فصار معظم العلماء الخريجين يحملون الاسلام ويفهمونه كما اراده المستشرقون، لا للتطبيق وانما لمجرد العلم والتكسب به، وفقدوا القدرة على الاجتهاد والقدرة على تطبيق الاحكام على الوقائع المستجدة والحوادث الجارية، ويتجلى جهلهم في القضايا العملية من معاملات ونظم حكم واقتصاد واجتماع، وعقوبات وعلاقات دولية وسياسات عامة، وبدلا من ان يفهموا حكم طاعة الحاكم فهما صحيحا ويطبقوه على الواقع تطبيقا سليما طبقوه على الواقع تطبيقا خاطئا، فاوجبوا طاعة الحكام الحاليين مساوين في حكم الطاعة بين الخليفة او الامام وبين الحاكم الكافر والحاكم الذى لا يحكم بالاسلام دون ان يلتفتوا الى بديهية ان الخليفة غير الحاكم الكافر والحاكم الذى لا يحكم بما انزل الله، وحاشا لرسول الله صلى عليه وسلم ان يامر المسلمين بطاعة اعدائهم من الحكام الكافرين والذين يحكمون بغير ما انزل الله، لان طاعة هؤلاء هي طاعة لنظامهم الكافر واحكامه الكافرة، واعراض وتخل عن نظام الاسلام واحكام الاسلام، والواجب تجاه هؤلاء الحكام هو نبذهم كنبذ النجاسات، والبراءة منهم كالبراءة من الشيطان، عن كعب بن عجرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة فقال ( انه ستكون بعدى امراء من صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد على الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه وهو وارد على الحوض ) . رواه النسائي والترمذى . وعن ام الحصين انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقــــول (ان امر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له واطيعوا ما قادكم بكتاب الله ) . رواه ابن ماجة . وفي رواية للترمذى ( ما اقام لكم كتاب الله ) وفي رواية لمسلم ( يقودكم بكتاب الله ) . وهذا العمل بكتاب الله قيد وشرط لوجوب طاعة الحاكم، وهو منتف كلية عن الحكام الحاليين دون شك .
ان المسلمن في هذا العصر قد اوقعوا ضحايا الحكام الكافرين والعلماء المنافقين والجاهلين، وما ذلك الا لغياب الراعي المسؤول عن الاسلام والمسلمين .
ان حزب التحرير وهو يعمل لايجاد هذا الراعي المسؤول ليهيب بالمسلمين ان يرفضوا طاعة حكامهم، وان يتبرأوا منهم، وان يتخذوهم اعداء تجب محاربتهم وخلعهم، ويحذرهم من موالاتهم وحمايتهم والسكوت عنهم، ( يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) . ويهيب بالمسلمين ان يتعاملوا مع علماء السلاطين بما يستحقونه من المقت والتحقير، ومع العلماء الجهلة بالشك والحذر، وان يتكاتفوا جميعا مع العاملين المخصلين لاعادة الخلافة الراشدة، وليعلموا ان الله العليم القدير قد وعد المسلمين بالتمكين في الارض والظهور على الدين كله ولو كره المشركون .
غرة صفر سنة 1410 هـ 1/9/1989 حزب التحرير
الرابط/
http://www.alokab.com/politicals/det...d=96_0_8_168_M