رد: أقوال علماء المالكية في بدعة المولد النبوي
14-01-2014, 04:23 PM
أما يخص النقطة الثالثة، فقد أخرتها وأفردتها بالتعليق لبيان عدم الأمانة العلمية في النقل والطرح عند المخالف، وتفصيل ذلك كما يأتي:
ثالثا: فيما يخص مقولة الإمام أحمد رحمه التي سقتها عن الإجماع :" من ادعى الإجماع، فقد كذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا؟؟؟".
أعقب على تعليق المخالف باختصار قائلا:
مرة أخرى يتجلى للجميع:" التدليس الواضح، والتلبيس الفاضح" للمخالف في النقاش؟؟؟، فقد حاول يائسا حصر مقولة الإمام أحمد رحمه في مسألة:" خلق القرآن"، وأبسط طالب له حظ من العلم الشرعي، يدرك بنظرة سريعة لكتب أصول الفقه، سيجد بأن أئمة الأصول ناقشوا صدق مقولة الإمام أحمد على كل إجماع مدعى، ولم يحصروه في مسألة:" خلق القرآن"،ولأن المقام ليس لتفصيل المسألة، فسأذكر شذرات من أقوال الأصوليين لبيان تلبيس المخالف وتدليسه، فأقول:
جاء في كتاب:" نهاية السول شرح منهاج الوصول": لعبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ":(1/282-283):
" قوله: "وقيل: يتعذر" أي: ذهب بعضهم إلى أن الإجماع ليس محالا, ولكنه يتعذر الوقوف عليه؛ لأن الوقوف عليه إنما يمكن بعد معرفة أعيانهم, ومعرفة ما غلب على ظنهم، ومعرفة اجتماعهم عليه في وقت واحد, والوقوف على الثلاثة معتذر.
أما الأول: فلانتشارهم شرقا وغربا, ولجواز خفاء واحد منهم بأن يكون أسيرا أو محبوسا أو مطمورا أو منقطعا في جبل؛ ولأنه يجوز أن يكون فيهم من هو خامل الذكر لا يعرف أنه من المجتهدين.
وأما الثاني: فلاحتمال أن بعضهم يكذب فيفتي على خلاف اعتقاده؛ خوفا من سلطان جائر أو مجتهد ذي منصب أفتى بخلافه.
وأما الثالث: فلاحتمال رجوع أحدهم قبل فتوى الآخر.
ولأجل هذه الاحتمالات قال الإمام أحمد -رضي الله عنه:" من ادعى الإجماع فهو كاذب".
وأجاب المصنف - رحمه الله- بأن الوقوف عليه يتعذر في أيام الصحابة - رضوان الله عليهم- فإنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين في الحجاز، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد وكان معروفا في موضعه، وهذا الجواب ذكره الإمام فقال: والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفته إلا في زمان الصحابة، وعلل بما قلناه. نعم ولو فرضنا حصول الإجماع من غير الصحابة، فالأصح عند الإمام والآمدي وغيرهما أنه يكون حجة, وقال أهل الظاهر: لا يحتج إلا بإجماع الصحابة وهو رواية لأحمد. قال: "الثانية: أنه حجة خلافا للنظام والشيعة والخوارج."
وجاء في كتاب:" البحر المحيط في أصول الفقه": للزركشي:(6/382-383): الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، فَاخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. فَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِاتِّسَاعِ خُطَّةِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَتَهَاوُنِ الْفَطِنِ، وَتَعَذُّرِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي تَفَاصِيلَ لَا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، وَلِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ يَفْنَى الْآخَرُ. وَالصَّحِيحُ إمْكَانُهُ عَادَةً، فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الشَّبَهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ زَائِدُونَ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَقِّ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ أَوْلَى. نَعَمْ، الْعَادَةُ مَنَعَتْ اجْتِمَاعَ الْكَافَّةِ، فَأَمَّا الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ بِوَجْهٍ مَا.
وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ عَادَةً، وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ. فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَوُّرِ الدَّوَاعِي الْمُسْتَحَثَّةِ، وَكَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَبَيْنَ الْمَسَائِلَ الْمَظْنُونَةِ مَعَ تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَانْتِفَاءِ الدَّوَاعِي فَلَا تُتَصَوَّرُ عَادَةً، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ النَّاسُ اخْتَلَفُوا إذْ لَمْ يَبْلُغْهُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ. أَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ كَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ، وَانْتَشَرُوا. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ فَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَقُولُ: إجْمَاعُ مَنْ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ؟ حَتَّى قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمُّ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ. وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ، لَا إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، حَيْثُ كَانَ الْمُجْمِعُونَ، وَهُمْ الْعُلَمَاءُ فِي قِلَّةٍ، أَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا مَطْمَعَ لِلْعِلْمِ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقُوَّةِ حِفْظِهِ، وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ. قَالَ: وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُهُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ، أَوْ بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا". انْتَهَى.
وجاء في كتاب:"التحبير شرح التحرير" لعلاء الدين المرداوي": (4/1528):" وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": قلت: الَّذِي أنكرهُ أَحْمد دَعْوَى إِجْمَاع الْمُخَالفين بعد الصَّحَابَة، أَو بعدهمْ وَبعد التَّابِعين، أَو بعد الْقُرُون الثَّلَاثَة المحمودة، وَلَا يكَاد يُوجد فِي كَلَامه احتجاج بِإِجْمَاع بعد عصر التَّابِعين، أَو بعد الْقُرُون الثَّلَاثَة. انْتهى.
وجاء في كتاب:" الشرح الكبير لمختصر الأصول من علم الأصول": للشيخ:" محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي":(1/464):
توجيه قول الإمام أحمد:
قال الشيخ:" أحمد عزب" في رسالته "الإجماع عند الأصوليين" (ص/78):" وقد نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله - ما يشعر بأنه يقول بعدم حجية الإجماع، ألا وهي ما يروى عنه من أنه قال: "من ادعى الإجماع فهو كاذب" فيمكن تأويل هذه العبارة الموهمة لإنكاره إمكان نقل الإجماع بعدة تأويلات:
أولًا: أنه محمول على استبعاد انفراد إطلاع ناقله، ومعنى ذلك أن من ادعى الإجماع منفردا حيث لم يطلع عليه غيره فهو كاذب، لأنه لو كان صادقا لأطلع عليه غيره.
ثانيًا : أنه محمول على الورع، وذلك لجواز أن يكون هناك خلاف في المسألة لم يبلغه، ومعنى ذلك أي من ادعى وقوع الإجماع جازما به مع احتمال وجود خلاف لم يبلغه فهو كاذب، ويؤيد هذا لفظ الإمام أحمد - رحمه الله - في رواية ابنه عبدالله حيث قال: (من ادعى الإجماع فقد كذب، لعل الناس قد اختلفوا، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا).
ثالثًا: أنه أراد غير إجماع الصحابة، ومعنى ذلك أن من ادعى إجماعا غير إجماع الصحابة فهو كاذب لتعذر العلم به.
رابعًا : أنه أراد بذلك الإنكار على فقهاء المعتزلة الذين يدعون إجماع الناس على ما يقولون، وهم أقل الناس معرفة بأقوال الصحابة والتابعين.
وهكذا عد عرض هذه التأويلات يتبين لنا ما يحمل عليه قول الإمام أحمد - رحمه الله - في قوله السابق".
وقال:" الشوكاني" في:" إرشاد الفحول":( 111 ):" ومن أنصف من نفسه: علم أنه لا علم عند علماء الشرق بجملة علماء الغرب والعكس، فضلا عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل، وبكيفية مذهبه، وبما يقوله في تلك المسألة بعينها، وأيضا: قد يحمل بعض من يعتبر في الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف: التقية والخوف على نفسه..". ثم قال:" ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا، فقد أسرف في الدعوى، وجازف في القول، ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل، فإنه قال:" من ادعى الإجماع فهو كاذب". انتهى.
وجاء في كتاب:" معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" للشيخ:" محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني":(1/163):
" نقل عن الإمام أحمد قوله المشهور: " من ادعى الإجماع فهو كاذب"، وقد حملها أهل العلم على عدة أوجه، لكونه - عليه رحمة الله - يحتج بالإجماع، ويستدل به في كثير من الأحيان، مع أن ظاهر هذه المقال:ة منع وقوع الإجماع، ومن هذه الأوجه:
أنه قال ذلك من باب الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف، ويدل على ذلك تتمة كلامه السابق، إذ يقول:"من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: "لا نعلم الناس اختلفوا" إذا هو لم يبلغه.
ونقل عنه أيضًا أنه قال: "هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون؟ " ولكن يقول: "لا أعلم فيه اختلافًا" فهو أحسن من قوله: "إجماع الناس".
لذلك يقول الإمام الشافعي: "وأنت قد تصنع مثل هذا فتقول: هذا أمر مجتمع عليه، قال: لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالمًا أبدًا إلا قاله لك وحكاه عمن قبله؛ كالظهر أربع، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا" "الرسالة": (534)، فعلم بالنقل عن هذين الإمامين: أن الواجب الاحتياط في نقل الإجماع، والتثبت في ادعائه، فإن الجزم باتفاق العلماء وإجماعهم من قبيل عدم العلم، وليس من قبيل العلم بالعدم، لا سيما وأن أقوال العلماء كثيرة لا يحصيها إلا رب العالمين، وعدم العلم لا حجة فيه، فلذلك كانت العبارة المختارة في نقل الإجمال أن يقال: لا نعلم نزاعًا، أما أن يقال: "الناس مجمعون"، فهذا إنما يصح فيما عُلم واشتهر ضرورة الاتفاق عليه.
قال ابن القيم: "وليس مراده - أي: الإمام أحمد - بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث: بُلُوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبين الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها". "مختصر الصواعق" (506) .
انظر: "المسودة" (316) ، و"مجموع الفتاوى" (19/271، 20/10، 247، 248) ، و"مختصر الصواعق" (506، 507) .
ولأن المخالف استدل بكلام الإمام:" ابن القيم" رحمه الله في كتابه:
" أعلام الموقعين عن رب العالمين"، فإننا ننقل ما قاله الإمام:" ابن القيم" كاملا لبيان:" تلبيس المخالف وتدليسه"، فكلام ابن القيم يناقض كلية اعتقاد المخالف ومنهجه، وما يدعو إليه بادعائه: وقوع الإجماع على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، فإليكم كلام ابن القيم من كتابه كاملا:(1/24) متحدثا عن أصول الإمام أحمد:" وَكَانَ بِهَا إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الَّذِي مَلَأَ الْأَرْضَ عِلْمًا وَحَدِيثًا وَسُنَّةً... وَلَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ وَلَا عَدَمَ عِلْمِهِ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إجْمَاعًا وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحْمَدُ مَنْ ادَّعَى هَذَا الْإِجْمَاعَ، وَلَمْ يَسِغْ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصَّ فِي رِسَالَتِهِ الْجَدِيدَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ بِخِلَافٍ لَا يُقَال لَهُ إجْمَاعٌ، وَلَفْظُهُ: مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ إجْمَاعًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: مَا يَدَّعِي فِيهِ الرَّجُلُ الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَذِبٌ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، مَا يُدْرِيهِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ؟ فَلْيَقُلْ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ، هَذَا لَفْظُهُ،وَنُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلُهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ".انتهى كلامه.
فكلام:" ابن القيم" واضح جدا في توجيهه لكلام أحمد رحمه الله، فقد بين بأن الإمام أحمد أجل من أن يقدم إجماعا موهوما أيا كان على نُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثم تكلم في:(2/174-175) عن:" طَرِيقُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَخْذِ الْأَحْكَامِ"، فقال رحمه الله:
" فَلَمَّا انْتَهَتْ النَّوْبَةُ إلَى الْمُتَأَخِّرِينَ سَارُوا عَكْسَ هَذَا السَّيْرِ، وَقَالُوا: إذَا نَزَلَتْ النَّازِلَةُ بِالْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا: هَلْ فِيهَا اخْتِلَافٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا اخْتِلَافٌ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابٍ وَلَا فِي سُنَّةٍ، بَلْ يُفْتِي وَيَقْضِي فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ اجْتَهَدَ فِي أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ إلَى الدَّلِيلِ فَأَفْتَى بِهِ وَحَكَمَ بِهِ.
وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ وَكِتَابُ عُمَرَ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ. وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَوْلَى فَإِنَّهُ مَقْدُورٌ مَأْمُورٌ، فَإِنْ عِلْمَ الْمُجْتَهِدُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ مِنْ عِلْمِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا عَلَى الْحُكْمِ.
وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَذِّرًا فَهُوَ أَصْعُبُ شَيْءٍ وَأَشَقُّهُ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ يُحِيلُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَا لَا وُصُولَ لَنَا إلَيْهِ وَيُتْرَكُ الْحَوَالَةَ عَلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ اللَّذَيْنِ هَدَانَا بِهِمَا، وَيَسَّرَهُمَا لَنَا، وَجَعَلَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِمَا طَرِيقًا سَهْلَةَ التَّنَاوُلِ مِنْ قُرْبٍ؟ ثُمَّ مَا يُدْرِيهِ فَلَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالنِّزَاعِ عِلْمًا بِعَدَمِهِ، فَكَيْفَ يُقَدِّمُ عَدَمَ الْعِلْمِ عَلَى أَصْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِ؟ ثُمَّ كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ تَرْكُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ إلَى أَمْرٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْهُومًا، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ شَكًّا مُتَسَاوِيًا أَوْ رَاجِحًا؟ ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: انْقِرَاضُ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ؟ فَمَا لَمْ يَنْقَرِضْ عَصْرُهُمْ فَلِمَنْ نَشَأَ فِي زَمَنِهِمْ أَنْ يُخَالِفَهُمْ، فَصَاحِبُ هَذَا السُّلُوكِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْعَصْرَ انْقَرَضَ وَلَمْ يَنْشَأْ فِيهِ مُخَالِفٌ لِأَهْلِهِ؟ وَهَلْ أَحَالَ اللَّهُ الْأُمَّةَ فِي الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ وَلَا اطِّلَاعَ لِأَفْرَادِهِمْ عَلَيْهِ؟ وَتَرْكِ إحَالَتِهِمْ عَلَى مَا هُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ بَاقِيَةٌ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ، وَحِينَ نَشَأَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ تَوَلَّدَ عَنْهَا مُعَارَضَةُ النُّصُوصِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَجْهُولِ، وَانْفَتَحَ بَابُ دَعْوَاهُ، وَصَارَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخِلَافَ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ إذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ: هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَابُوا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَهُ، وَكَذَّبُوا مَنْ ادَّعَاهُ؛ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: كَيْفَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: " أَجْمَعُوا؟ " إذَا سَمِعْتهمْ يَقُولُونَ: " أَجْمَعُوا " فَاتَّهِمْهُمْ، لَوْ قَالَ: " إنِّي لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا " كَانَ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: هَذَا كَذِبٌ، مَا عِلْمُهُ أَنَّ النَّاسَ مُجْمِعُونَ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: " مَا أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا " فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: إجْمَاعُ النَّاسِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا".انتهى كلام:" ابن القيم" رحمه الله.
وقد نقل كلام:" ابن القيم": مقرا له: الشيخ العلامة:" صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العَمْري": المعروف ب:"الفُلَّاني المالكي"، وذلك في كتابه:" :" إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار":(1/116)،(1/159).
وبما سبق بيانه: يتضح لكل منصف عدم أمانة المخالف في النقل، ومناقشة المسائل، وذلك أمر جد منطقي، لأن ترويج البدع يحتاج للتلبيس والتدليس، فالنصوص الصحيحة لا تسعف مروجي البدع.
وقد ذكر المخالف لحاجة في نفسه أنني اعتمدت على قول الشيخ:
" الألباني" رحمه الله في هذه المسألة؟؟؟.
ننتظر رده المفصل على ما كتبناه له دون تلبيس أو تدليس، فهو الآن مكشوف أكثر من ذي قبل؟؟؟.