دفع فرية اتهام ابن تيمية بادعاء علم الغيب
22-01-2014, 11:17 AM
" دفع فرية اتهام ابن تيمية بادعاء علم الغيب".
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
نشر بعض المخالفين فرية عن الشيخ العلامة:" ابن القيم" رحمه نسب إليه فيها أنه قال عن شيخه شيخ الإسلام:" ابن تيمية" رحمه الله ما يأتي:{ :إنه كان يعلم الغيب ويحدثني بما في نفسي !!!!!!!}.
وقد بحثت جاهدا عن قول:" ابن القيم" بهذا اللفظ بطريقة البحث الإلكتروني المتطور للمكتبة الشاملة بإصداريها الثالث والسادس، فلم أجد ما ادعاه المخالف، فتيقنت بأنه:" مجرد افتراء": تعودنا على نظائره منه، فقد اشتهر به؟؟؟، أو أنه:" سوء فهم لكلام العالمين الفاضلين: نابع عن سوء قصد المخالف، ومن نقل عنه هذا الكلام؟؟؟"، ثم وجدت كلاما في هذه المسألة للشيخ الدكتور:" حاكم المطيري" في كتابه:" الإيضاح لما أشكل على الأستاذ الشراح بخصوص موقف ابن تيمية من الصوفية"، وأنشر منه ما ذكره من بيان لإزالة التلبيس والتدليس الذي أراد أهل أهواء إشاعتهما عن شيخ الإسلام ابن تيمية بين غير المتخصصين، فإلى البيان:
جاء في أسئلة المقابلة:" هل يعتبر الإخبار بالمغيبات من المحظورات ؟"، وأجاب الأستاذ الشراح بقوله:" يقول ابن تيمية في الفتاوى:( 5/252 ): إنه لا مانع من الإخبار بالغيبيات ....".
وجاء في أسئلة المقابلة سؤال عن الاعتقاد بالأولياء، وأنهم يعلمون الغيب، وأن كراماتهم لا حد لها، فلم ينكره الشراح بل أقره !!".
وهذا ادعاء باطل: مصادم لقطعيات الكتاب والسنة وإجماع الأئمة وسلف الأمة، فلا يعلم الغيب إلا الله وحده، وأما ما يطلع الله عليه أنبياءه ورسله من الغيبيات، فإنه يخرج بإخبار الله لهم ووحيه إليهم من دائرة ما اختص الله بعلمه من الغيب، وهذا كما يعلم أتباع الرسل كافة بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، مع أنه لا يعلم متى يقع ذلك إلا الله وحده، ومن ذلك قوله تعالى:[وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو]، وقال في شأن النبي صلى الله عليه وسلم:[ قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير]، وقال تعالى:[ لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله]، وقد قالت عائشة كما في صحيح مسلم:" من زعم أن محمدا يعلم ما في غد، فقد أعظم على الله الفرية"، فالله وحده الذي يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب أحد سواه بنص القرآن ومحكم آياته، فلا يقال بأن أحدا يعلم الغيب، إذ مثل هذا القول: رد صريح على الله ورسوله، أما كلام:" ابن تيمية"، فقد أخطأ الأستاذ الفاضل في فهمه خطأ فادحا، واقتطعه من سياقه الذي لا علاقة له بالموضوع الذي أراد الاستشهاد به له، وهذا نص عبارته كما في الفتاوى:( 5/250): قال الله تعالى:[ وله المثل الأعلى]، فإنه سبحانه لا يماثله شيء أصلا، فنفسه لا يماثلها شيء من الموجودات، وصفاته لا يماثلها شيء من الصفات، وما في القلوب من معرفته لا يماثله شيء من المعارف، ومحبته لا يماثلها شيء، فله المثل الأعلى كما أنه في نفسه الأعلى ... والخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون، فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي ــ أي صورة ذهنية ــ بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وكتابه ورسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون، وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور، ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع، فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبن للآخر، حتى قد يختلفونن فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أُخبروا به من الغيب ؟، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن الغيب في أحاديث كثيرة، وليس كلهم سمعها مفصلة، بل هم متفاضلون في السمع والفهم: كتفاضل معرفتهم وإيمانهم بحسب ذلك ...... وهذا يبين أن كل من أقر بالله: فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار: لم يكفر بجحده، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة: مؤمنون بالله ورسوله، وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته إلا من كان منافقا يظهر الإيمان بلسانه، ويبطن الكفر بالرسول، فهذا ليس بمؤمن، وكل من أظهر الإسلام، ولم يكن منافقا، فهو مؤمن: له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك، وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم، ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم: لم تدخل أمته الجنة، فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة، بل يدخلونها وتكون منازلهم فيها متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم". انتهى كلامه رحمه الله تعالى، فهو يتحدث عن تفاضل الناس في إدراكهم وتصورهم للأشياء بحسب تفاوت علمهم بها مع اشتراكهم في معرفتها والإيمان بها إجمالا، ويضرب على ذلك مثلا فيما يشترك الناس في مشاهدته بحواسهم، ومع ذلك يتفاوتون في مدى إحاطتهم علما بهذا المشاهد المحسوس، حتى إن بعضهم قد يثبت له ما ينفيه الآخر عنه بحسب قوة المشاهدة وضعفها، وبعدها وقربها، فإذا كان الأمر كذلك في الحسيات، فما بالك بالغيبيات التي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته؟. لا شك بأنهم سيتفاوتون في تصورهم وإدراكهم لها بحسب علمهم بما جاء من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمهم لمعاني كلامه صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الغيبيات مع كون المؤمنين جميعا يؤمنون بهذه الغيبيات إجمالا، فكلهم يؤمن بالجنة والنار، إلا أنهم يتفاضلون في هذه المعرفة، حتى إن بعضهم كأنه يراها رأي العين، فيكون أشد خشية لله، وأشد رغبة ورهبة من غيره من المؤمنين، فليس في هذه العبارة من كلام ابن تيمية - لا من بعيد ولا قريب -: ما يشير إلى أنه يرى بأن الأولياء، أو أحدا من الخلق: يعلم شيئا من الغيب، كما يدعي:" الأستاذ الشراح"، وقد أراد الأستاذ الفاضل أن يحتج بقول ابن تيمية:" وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب": ظنا منه بأنه يقصد:" الغيب المطلق"، وهو خطأ، بل مقصود ابن تيمية في هذه العبارة:" مطلق الغيب"، فيدخل فيه كل ما غاب عن الإنسان حتى من أمور عالم الشهادة، فهذه هي التي يخبر الناس بعضهم بعضا بها، كما في قصة إخوة يوسف حين قالوا:[ ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين]، ولهذا قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن ص:( 366):" الغيب: مصدر غابت الشمس إذا استترت عن العين، واستعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان .. والغيب في قوله تعالى:[يؤمنون بالغيب]: مالا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام". انتهى كلام الراغب، وهو يزيل الإشكال الذي وقع فيه:" الأستاذ الشراح": حين أخطأ في فهم عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :الذي نص في مواطن كثيرة من كتبه على بطلان إدعاء علم الغيب للأولياء بعبارات محكمة صريحة.
كان الواجب على الأستاذ الفاضل: الرجوع إليها لمعرفة مراده على وجه الصحة، ومما يوضح مراد شيخ الإسلام قوله:" وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا"، وكلمة الناس هنا عامة: تشمل الصالح والطالح، ولو كان قصده أن بعض الصالحين، أو بعض الأولياء: يعلم شيئا من الغيب، كما فهم:" الشراح": لما جاء بلفظ عام، مما يؤكد أنه قصد ما يخبر الناس به بعضهم بعضا من الحوادث التي يشهدها بعضهم، ويغيب عنها بعضهم، ولهذا قال مباشرة:" بل يشاهدون الأمور، ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع"، فإذا كانوا يتفاوتون في إدراك ما يشاهدونه جميعا، فكيف يكون حالهم فيما يشاهده بعضهم، ويخبر به من غاب منهم ؟، لا شك في أنهم أشد تفاوتا في العلم والإدراك والتصور، وقد قال في الفتاوى:( 16 /110): قال سبحانه:[ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ... فإنهم ــ أي من في السموات والأرض ــ مع كونهم من أهل العلم والمعرفة: لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله، وهذا هو:" الغيب المطلق" عن جميع المخلوقات الذي قال فيه: [ فلا يظهر على غيبه أحدا ]، و:"الغيب المقيد": ما علِمَه بعض المخلوقات من الملائكة والجن والأنس وشهدوه، فإنما هو غيب عمن غاب عنه، وليس غيبا عمن شهده، والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشاهده هذا، فيكون غيبا مقيدا".
وقد نص:" القرطبي" في تفسيره:( 7 /2 ):على كفر من ادعى علم الغيب، فقال:" من أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة: أنها تكون قبل أن تكون فلا ريب في كفره"، وكذا قال:" ابن العربي" في أحكام القرآن:( 2 /738 ):" وقال القاضي عياض:" الكهانة ادعاء علم الغيب، ولم يطلع الله على غيبه إلا من شاء من رسله، كما قال القرطبي:" الله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى:[ وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء]، وقال:[ لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول].
نص الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية على:" حرمة الاعتقاد بأن أحدا من الخلق يعلم الغيب، وأنه كفر وشرك"، وهذا مذهب الحنابلة، وهو مذهب مالك كما نص عليه ابن العربي والقرطبي بلا خلاف عندهم، وكما نص عليه البغوي الشافعي في تفسيره:( 4 / 405)، وهو مذهب الحنفية كما في الفتاوى الهندية:( 6 / 323)، والبحر الرائق:( 3 / 88 )، ومن هنا ندرك خطورة ما جاء في السؤال والجواب في المقابلة حيث جاء فيها:" هل كان ابن تيمية يعلم الغيب ويشفي المرضى كما يقولون ؟"، فأقر الأستاذ الشراح ذلك، واستشهد عليه بما وقع لبعض تلاميذ ابن تيمية حين أرادوا سؤاله، والتحاكم إليه في مسألة فأجابهم ابن تيمية قبل أن يسألوه .....الخ"،
وهذ دليل واضح على اللبس الذي وقع فيه الأستاذ الفاضل، فلم يفرق بين:" علم الغيب": الذي اختص الله به ولم يظهر عليه أحدا إلا من ارتضى من رسله ، و:"الكهانة" وهي:" ادعاء العرافين والمشعوذين والسحرة علم الغيب، والإخبار عما غاب عنهم من الأمور"، و:" الفراسة والفطنة والرؤيا الصادقة، وما يقذفه الله في قلب المؤمن من نور": يستبصر به عواقب الأمور"، فهذه ليست من علم الغيب، ولا من الكهانة في شيء، ولا يعلم صاحبها صحة تحققها على القطع، بل على الظن حتى تقع، فيعلم حينئذ أن ما وقع في قلبه: كان حقا، أما قبل حدوثها، فلا يعلم تحقق صدقها، بل قد يثبت خلاف ما ظنه، ولا يصدق عليه بأنه كان يعلم الغيب، ولهذا قال ابن تيمية في الفتاوى:( 11/ 65):" أما خواص الناس قد يعلمون عواقب أقوام بما كشف الله لهم، لكن هذا ليس مما يجب التصديق العام به، فإن كثيرا ممن يظن به أنه حصل له هذا الكشف: يكون ظانا في ذلك ظنا، لا يغني من الحق شيئا، وأهل المكاشفات والمخاطبات: يصيبون تارة ،ويخطئون أخرى، كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد، ولهذا وجب عليهم جميعا:" الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يزنوا مواجيدهم ومشاهداتهم وآراءهم ومعقولاتهم: بكتاب الله وسنة رسوله، ولهذا وجب على جميع الخلق: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في جميع أموره الباطنة والظاهرة، ولو كان أحد يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب والسنة: لكان مستغنيا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض دينه، وهذا من أقوال المارقين". انتهى كلام الشيخ:" حاكم المطيري" .
وهذه إضافة من كتاب:" رد شبهات (النور) حول كلام شيخ الإسلام ابن تيمية" للشيخ:" عبد الغفار محمد":
الشبهة الحادية عشر: علم الغيب
قال المخالف:" سمّها ما شئت فراسة أم كرامة!، العلم بما في اللوح المحفوظ لم يتفرّد به الصوفية وحدهم؟، فهذا ابن تيمية يخبر بما في اللوح المحفوظ: كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، نعم النصر قد وُعد به المؤمنون، و لكن نظرة على قوله "هذه الكرة" تُبيّن دقة تفاصيل هذه المعرفة، ولا نعجب من هذا، فمثل هذه المعارف تقع لابن تيمية مثل المطر".
ثم نقل من كلام ابن القيم في شيخ الإسلام ما نصه: " ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سِفرا ضخما، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته في الأموال، وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة، ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام، أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له: قل إن شاء الله! فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وسمعته يقول ذلك، قال: فلما أكثروا علي، قلت: لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام! قال: وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر".انظر:" مدارج السالكين": (2/489).
رد الشبهة
أورد المخالف علينا ما لم يرد، وهذا قصور قبيح من المخالف، فمصطلح الفراسة مصطلح إسلامي شرعي قُحّ، ورد في الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى:[إِنَّ فِي ذَلِكَ " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ:[ إن في ذلك لآيات للمتوسمين]. قال الترمذي: " وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه :[ إن في ذلك لآيات للمتوسمين]. قال للمتفرسين". أخرجه الترمذي (التفسير ح 3127) من حديث أبي سعيد الخدري. قال الترمذي: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه".
وليس بمصطلح صوفي، وأساسها قول الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن: يكره الموت وأنا أكره مساءته". أخرجه البخاري: (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.
و:"الفراسة": علم قائم بذاته ، وفيه صنف علماؤنا، قال العلامة:" القنوجي": "عدّه صاحب مفتاح السعادة من فروع العلم الطبيعي، وقال:" هو علم تعرف منه أخلاق الناس من احوالهم الظاهرة من الالوان والاشكال والاعضاء، وبالجملة: الاستدلال بالخَلق الظاهر على الخُلق الباطن، وموضوعه ومنفعته ظاهران". انظر:" أبجد العلوم": (2/396).
قال ابن تيمية: " من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال، والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد والذوق ونحو ذلك، وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها، فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا، وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا، وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا، وأتمهم فراسة وأصدقهم الهاما، وأحدهم بصرا ومكاشفة، وأصوبهم سمعا ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا، وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل".انظر:" توحيد الألوهية": (4/9).
قال مقيده عفا الله عنه:" ولا شك أن ابن تيمية من كبار أئمة أهل الحديث، وروى الخطيب بسنده فقال: "كان أبو حنيفة حسن الفراسة! فقال لداود الطائي:" أنت رجل تتخلى للعبادة!"، وقال لأبي يوسف:" تميل إلى الدنيا!"، وقال لزفر وغيره كلاما فكان كما قال". انظر:"تاريخ بغداد": (14/248).
فهل أبو حنيفة يعلم الغيب؟؟؟، أم أنه يندرج تحت ما ذكره ابن تيمية آنفا؟؟؟.
وأما قول ابن القيم عنه: " كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام"، فهذا من باب حسن الظن بالله القائل:[ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ].(الصافات: 172)، وليس من باب الإطلاع على ما في اللوح المحفوظ، والذي للصوفية فيه باع طويل".انتهى كلام الشيخ:" عبد الغفار محمد".
وبذلك يزول الإشكال عن كل منصف طالب الحق، فهذا يكفيه دليل واحد، أما صاحب الهوى فلا يكفيه ألف دليل؟؟؟، الجاهل يعلم، وصاحب الهوى ما لنا عليه سبيل؟؟؟".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
نشر بعض المخالفين فرية عن الشيخ العلامة:" ابن القيم" رحمه نسب إليه فيها أنه قال عن شيخه شيخ الإسلام:" ابن تيمية" رحمه الله ما يأتي:{ :إنه كان يعلم الغيب ويحدثني بما في نفسي !!!!!!!}.
وقد بحثت جاهدا عن قول:" ابن القيم" بهذا اللفظ بطريقة البحث الإلكتروني المتطور للمكتبة الشاملة بإصداريها الثالث والسادس، فلم أجد ما ادعاه المخالف، فتيقنت بأنه:" مجرد افتراء": تعودنا على نظائره منه، فقد اشتهر به؟؟؟، أو أنه:" سوء فهم لكلام العالمين الفاضلين: نابع عن سوء قصد المخالف، ومن نقل عنه هذا الكلام؟؟؟"، ثم وجدت كلاما في هذه المسألة للشيخ الدكتور:" حاكم المطيري" في كتابه:" الإيضاح لما أشكل على الأستاذ الشراح بخصوص موقف ابن تيمية من الصوفية"، وأنشر منه ما ذكره من بيان لإزالة التلبيس والتدليس الذي أراد أهل أهواء إشاعتهما عن شيخ الإسلام ابن تيمية بين غير المتخصصين، فإلى البيان:
جاء في أسئلة المقابلة:" هل يعتبر الإخبار بالمغيبات من المحظورات ؟"، وأجاب الأستاذ الشراح بقوله:" يقول ابن تيمية في الفتاوى:( 5/252 ): إنه لا مانع من الإخبار بالغيبيات ....".
وجاء في أسئلة المقابلة سؤال عن الاعتقاد بالأولياء، وأنهم يعلمون الغيب، وأن كراماتهم لا حد لها، فلم ينكره الشراح بل أقره !!".
وهذا ادعاء باطل: مصادم لقطعيات الكتاب والسنة وإجماع الأئمة وسلف الأمة، فلا يعلم الغيب إلا الله وحده، وأما ما يطلع الله عليه أنبياءه ورسله من الغيبيات، فإنه يخرج بإخبار الله لهم ووحيه إليهم من دائرة ما اختص الله بعلمه من الغيب، وهذا كما يعلم أتباع الرسل كافة بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، مع أنه لا يعلم متى يقع ذلك إلا الله وحده، ومن ذلك قوله تعالى:[وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو]، وقال في شأن النبي صلى الله عليه وسلم:[ قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير]، وقال تعالى:[ لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله]، وقد قالت عائشة كما في صحيح مسلم:" من زعم أن محمدا يعلم ما في غد، فقد أعظم على الله الفرية"، فالله وحده الذي يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب أحد سواه بنص القرآن ومحكم آياته، فلا يقال بأن أحدا يعلم الغيب، إذ مثل هذا القول: رد صريح على الله ورسوله، أما كلام:" ابن تيمية"، فقد أخطأ الأستاذ الفاضل في فهمه خطأ فادحا، واقتطعه من سياقه الذي لا علاقة له بالموضوع الذي أراد الاستشهاد به له، وهذا نص عبارته كما في الفتاوى:( 5/250): قال الله تعالى:[ وله المثل الأعلى]، فإنه سبحانه لا يماثله شيء أصلا، فنفسه لا يماثلها شيء من الموجودات، وصفاته لا يماثلها شيء من الصفات، وما في القلوب من معرفته لا يماثله شيء من المعارف، ومحبته لا يماثلها شيء، فله المثل الأعلى كما أنه في نفسه الأعلى ... والخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون، فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي ــ أي صورة ذهنية ــ بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وكتابه ورسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون، وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور، ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع، فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبن للآخر، حتى قد يختلفونن فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أُخبروا به من الغيب ؟، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن الغيب في أحاديث كثيرة، وليس كلهم سمعها مفصلة، بل هم متفاضلون في السمع والفهم: كتفاضل معرفتهم وإيمانهم بحسب ذلك ...... وهذا يبين أن كل من أقر بالله: فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثم من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار: لم يكفر بجحده، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة: مؤمنون بالله ورسوله، وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته إلا من كان منافقا يظهر الإيمان بلسانه، ويبطن الكفر بالرسول، فهذا ليس بمؤمن، وكل من أظهر الإسلام، ولم يكن منافقا، فهو مؤمن: له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك، وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم، ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم: لم تدخل أمته الجنة، فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة، بل يدخلونها وتكون منازلهم فيها متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم". انتهى كلامه رحمه الله تعالى، فهو يتحدث عن تفاضل الناس في إدراكهم وتصورهم للأشياء بحسب تفاوت علمهم بها مع اشتراكهم في معرفتها والإيمان بها إجمالا، ويضرب على ذلك مثلا فيما يشترك الناس في مشاهدته بحواسهم، ومع ذلك يتفاوتون في مدى إحاطتهم علما بهذا المشاهد المحسوس، حتى إن بعضهم قد يثبت له ما ينفيه الآخر عنه بحسب قوة المشاهدة وضعفها، وبعدها وقربها، فإذا كان الأمر كذلك في الحسيات، فما بالك بالغيبيات التي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته؟. لا شك بأنهم سيتفاوتون في تصورهم وإدراكهم لها بحسب علمهم بما جاء من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمهم لمعاني كلامه صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الغيبيات مع كون المؤمنين جميعا يؤمنون بهذه الغيبيات إجمالا، فكلهم يؤمن بالجنة والنار، إلا أنهم يتفاضلون في هذه المعرفة، حتى إن بعضهم كأنه يراها رأي العين، فيكون أشد خشية لله، وأشد رغبة ورهبة من غيره من المؤمنين، فليس في هذه العبارة من كلام ابن تيمية - لا من بعيد ولا قريب -: ما يشير إلى أنه يرى بأن الأولياء، أو أحدا من الخلق: يعلم شيئا من الغيب، كما يدعي:" الأستاذ الشراح"، وقد أراد الأستاذ الفاضل أن يحتج بقول ابن تيمية:" وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا من أمور الغيب": ظنا منه بأنه يقصد:" الغيب المطلق"، وهو خطأ، بل مقصود ابن تيمية في هذه العبارة:" مطلق الغيب"، فيدخل فيه كل ما غاب عن الإنسان حتى من أمور عالم الشهادة، فهذه هي التي يخبر الناس بعضهم بعضا بها، كما في قصة إخوة يوسف حين قالوا:[ ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين]، ولهذا قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن ص:( 366):" الغيب: مصدر غابت الشمس إذا استترت عن العين، واستعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان .. والغيب في قوله تعالى:[يؤمنون بالغيب]: مالا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام". انتهى كلام الراغب، وهو يزيل الإشكال الذي وقع فيه:" الأستاذ الشراح": حين أخطأ في فهم عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :الذي نص في مواطن كثيرة من كتبه على بطلان إدعاء علم الغيب للأولياء بعبارات محكمة صريحة.
كان الواجب على الأستاذ الفاضل: الرجوع إليها لمعرفة مراده على وجه الصحة، ومما يوضح مراد شيخ الإسلام قوله:" وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضا"، وكلمة الناس هنا عامة: تشمل الصالح والطالح، ولو كان قصده أن بعض الصالحين، أو بعض الأولياء: يعلم شيئا من الغيب، كما فهم:" الشراح": لما جاء بلفظ عام، مما يؤكد أنه قصد ما يخبر الناس به بعضهم بعضا من الحوادث التي يشهدها بعضهم، ويغيب عنها بعضهم، ولهذا قال مباشرة:" بل يشاهدون الأمور، ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع"، فإذا كانوا يتفاوتون في إدراك ما يشاهدونه جميعا، فكيف يكون حالهم فيما يشاهده بعضهم، ويخبر به من غاب منهم ؟، لا شك في أنهم أشد تفاوتا في العلم والإدراك والتصور، وقد قال في الفتاوى:( 16 /110): قال سبحانه:[ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ... فإنهم ــ أي من في السموات والأرض ــ مع كونهم من أهل العلم والمعرفة: لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله، وهذا هو:" الغيب المطلق" عن جميع المخلوقات الذي قال فيه: [ فلا يظهر على غيبه أحدا ]، و:"الغيب المقيد": ما علِمَه بعض المخلوقات من الملائكة والجن والأنس وشهدوه، فإنما هو غيب عمن غاب عنه، وليس غيبا عمن شهده، والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشاهده هذا، فيكون غيبا مقيدا".
وقد نص:" القرطبي" في تفسيره:( 7 /2 ):على كفر من ادعى علم الغيب، فقال:" من أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة: أنها تكون قبل أن تكون فلا ريب في كفره"، وكذا قال:" ابن العربي" في أحكام القرآن:( 2 /738 ):" وقال القاضي عياض:" الكهانة ادعاء علم الغيب، ولم يطلع الله على غيبه إلا من شاء من رسله، كما قال القرطبي:" الله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى:[ وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء]، وقال:[ لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول].
نص الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية على:" حرمة الاعتقاد بأن أحدا من الخلق يعلم الغيب، وأنه كفر وشرك"، وهذا مذهب الحنابلة، وهو مذهب مالك كما نص عليه ابن العربي والقرطبي بلا خلاف عندهم، وكما نص عليه البغوي الشافعي في تفسيره:( 4 / 405)، وهو مذهب الحنفية كما في الفتاوى الهندية:( 6 / 323)، والبحر الرائق:( 3 / 88 )، ومن هنا ندرك خطورة ما جاء في السؤال والجواب في المقابلة حيث جاء فيها:" هل كان ابن تيمية يعلم الغيب ويشفي المرضى كما يقولون ؟"، فأقر الأستاذ الشراح ذلك، واستشهد عليه بما وقع لبعض تلاميذ ابن تيمية حين أرادوا سؤاله، والتحاكم إليه في مسألة فأجابهم ابن تيمية قبل أن يسألوه .....الخ"،
وهذ دليل واضح على اللبس الذي وقع فيه الأستاذ الفاضل، فلم يفرق بين:" علم الغيب": الذي اختص الله به ولم يظهر عليه أحدا إلا من ارتضى من رسله ، و:"الكهانة" وهي:" ادعاء العرافين والمشعوذين والسحرة علم الغيب، والإخبار عما غاب عنهم من الأمور"، و:" الفراسة والفطنة والرؤيا الصادقة، وما يقذفه الله في قلب المؤمن من نور": يستبصر به عواقب الأمور"، فهذه ليست من علم الغيب، ولا من الكهانة في شيء، ولا يعلم صاحبها صحة تحققها على القطع، بل على الظن حتى تقع، فيعلم حينئذ أن ما وقع في قلبه: كان حقا، أما قبل حدوثها، فلا يعلم تحقق صدقها، بل قد يثبت خلاف ما ظنه، ولا يصدق عليه بأنه كان يعلم الغيب، ولهذا قال ابن تيمية في الفتاوى:( 11/ 65):" أما خواص الناس قد يعلمون عواقب أقوام بما كشف الله لهم، لكن هذا ليس مما يجب التصديق العام به، فإن كثيرا ممن يظن به أنه حصل له هذا الكشف: يكون ظانا في ذلك ظنا، لا يغني من الحق شيئا، وأهل المكاشفات والمخاطبات: يصيبون تارة ،ويخطئون أخرى، كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد، ولهذا وجب عليهم جميعا:" الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يزنوا مواجيدهم ومشاهداتهم وآراءهم ومعقولاتهم: بكتاب الله وسنة رسوله، ولهذا وجب على جميع الخلق: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في جميع أموره الباطنة والظاهرة، ولو كان أحد يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب والسنة: لكان مستغنيا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض دينه، وهذا من أقوال المارقين". انتهى كلام الشيخ:" حاكم المطيري" .
وهذه إضافة من كتاب:" رد شبهات (النور) حول كلام شيخ الإسلام ابن تيمية" للشيخ:" عبد الغفار محمد":
الشبهة الحادية عشر: علم الغيب
قال المخالف:" سمّها ما شئت فراسة أم كرامة!، العلم بما في اللوح المحفوظ لم يتفرّد به الصوفية وحدهم؟، فهذا ابن تيمية يخبر بما في اللوح المحفوظ: كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، نعم النصر قد وُعد به المؤمنون، و لكن نظرة على قوله "هذه الكرة" تُبيّن دقة تفاصيل هذه المعرفة، ولا نعجب من هذا، فمثل هذه المعارف تقع لابن تيمية مثل المطر".
ثم نقل من كلام ابن القيم في شيخ الإسلام ما نصه: " ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سِفرا ضخما، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته في الأموال، وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة، ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام، أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له: قل إن شاء الله! فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وسمعته يقول ذلك، قال: فلما أكثروا علي، قلت: لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام! قال: وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر".انظر:" مدارج السالكين": (2/489).
رد الشبهة
أورد المخالف علينا ما لم يرد، وهذا قصور قبيح من المخالف، فمصطلح الفراسة مصطلح إسلامي شرعي قُحّ، ورد في الكتاب والسنة المطهرة، قال تعالى:[إِنَّ فِي ذَلِكَ " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ:[ إن في ذلك لآيات للمتوسمين]. قال الترمذي: " وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه :[ إن في ذلك لآيات للمتوسمين]. قال للمتفرسين". أخرجه الترمذي (التفسير ح 3127) من حديث أبي سعيد الخدري. قال الترمذي: "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه".
وليس بمصطلح صوفي، وأساسها قول الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن: يكره الموت وأنا أكره مساءته". أخرجه البخاري: (الرقاق ح 6502) من حديث أبي هريرة.
و:"الفراسة": علم قائم بذاته ، وفيه صنف علماؤنا، قال العلامة:" القنوجي": "عدّه صاحب مفتاح السعادة من فروع العلم الطبيعي، وقال:" هو علم تعرف منه أخلاق الناس من احوالهم الظاهرة من الالوان والاشكال والاعضاء، وبالجملة: الاستدلال بالخَلق الظاهر على الخُلق الباطن، وموضوعه ومنفعته ظاهران". انظر:" أبجد العلوم": (2/396).
قال ابن تيمية: " من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال، والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد والذوق ونحو ذلك، وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها، فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا، وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا، وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا، وأتمهم فراسة وأصدقهم الهاما، وأحدهم بصرا ومكاشفة، وأصوبهم سمعا ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا، وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل".انظر:" توحيد الألوهية": (4/9).
قال مقيده عفا الله عنه:" ولا شك أن ابن تيمية من كبار أئمة أهل الحديث، وروى الخطيب بسنده فقال: "كان أبو حنيفة حسن الفراسة! فقال لداود الطائي:" أنت رجل تتخلى للعبادة!"، وقال لأبي يوسف:" تميل إلى الدنيا!"، وقال لزفر وغيره كلاما فكان كما قال". انظر:"تاريخ بغداد": (14/248).
فهل أبو حنيفة يعلم الغيب؟؟؟، أم أنه يندرج تحت ما ذكره ابن تيمية آنفا؟؟؟.
وأما قول ابن القيم عنه: " كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة، وأن النصر لجيوش الإسلام"، فهذا من باب حسن الظن بالله القائل:[ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ].(الصافات: 172)، وليس من باب الإطلاع على ما في اللوح المحفوظ، والذي للصوفية فيه باع طويل".انتهى كلام الشيخ:" عبد الغفار محمد".
وبذلك يزول الإشكال عن كل منصف طالب الحق، فهذا يكفيه دليل واحد، أما صاحب الهوى فلا يكفيه ألف دليل؟؟؟، الجاهل يعلم، وصاحب الهوى ما لنا عليه سبيل؟؟؟".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.