تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
aloui
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 03-05-2014
  • المشاركات : 145
  • معدل تقييم المستوى :

    11

  • aloui is on a distinguished road
aloui
عضو فعال
حاجة
30-11-2014, 06:19 PM
قصة قصيرة

بجاية: يناير 2013 عمـــر علــــوي

"حاجة"

أنا حذّاء أو إسكافي إن شئت. فقد صرت حذّاء تحديا. قد يبدو الأمر مضحكا، ولكنها الحقيقة. ذلك هو الإنسان في بعض جمحاته، أثناء فترة من فترات حياته، يركب رأسه، كما يقال، فيفعل أشياء غريبة، أو هكذا تبدو لغيره، خاصة محيطه القريب، أهله وأصحابه، أما هو، فتبدو له الأشياء كما يؤمن بها، إذ تنكشف أمامه صور لمستقبل لا يمكن لغيره أن يفهمها مثله. يومها، قالت لي والدتي التي تأثرت كثيرا عندما أخبرها والدي عن قراري بامتهان حرفة الإسكافي:
- "خيبت أملنا في أن تصبح "حاجة" كبيرة في المستقبل، تعلي شأن العائلة ونفخر بك أمام الناس...، ماذا عساك تجد في ترقيع الأحذية، غير شم رائحتها الكريهة؟
لم تكن مخطئة في كلامها، لأنه ما كان من داع إلى ولوج عالم الشغل مبكرا، خاصة أن حال الأسرة لم تكن بالتي تضطرني لذلك، فقد كان والدي موظفا، وأجرته كانت تغنينا عن الحاجة، كما لم يكن هناك ما يضطر فتى في مقتبل العمر، مازال لم تمتص الأيام بعد، فرحته بالنجاح في شهادة البكالوريا، من اقتحام معركة الحياة الخاصة بالبالغين، إن لم يكن لدافع أقوى، ولم أرد عليها، إذ وجدت في عدم اعتراض والدي، ما يغني عن كل جواب آخر، فاكتفيت بالابتسام فقط.
كانت فكرة امتهان هذه الحرفة حديثة العهد، حتى وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية، لم تخطر ببالي أبدا. لا أقول بأنني لم أقاوم الفكرة في البداية، فقد كان الصراع شديدا، لم أعلم كنهه ولا مصدره إلى اليوم، غير أن شيئا ما في نفسي، ظل يحفزني ويدفعني دفعا إلى أن عانقت الفكرة وركبت موجة التحدي، ومضيت إلى الأمام، لا ألتفت لغمزات الغامزين، ولا أعبأ بإنكار المنكرين أو تهكم المتهكمين. وهذا الإصرار جعل مني فردا شاذا في نظر الأسرة والأقارب، حتى الأصحاب، إذ لم يأتني منهم سوى اللوم والعتاب، والنفور والاشمئزاز، إلى درجة أن قاطعوني، وصدّ عني الجميع، وكأنني مصاب بالجرب.
وفي الوقت الذي كان فيه أقراني يسعون لاستكمال إجراءات التسجيل في الجامعة، في هذا الوقت، اقتحمت أنا، المجهول بيدين فارغتين، فساقني القدر إلى إسكافي في حي مجاور، كنت من زبائنه المألوفين، له دكان صغير لا يتسع لأكثر من شخصين، دردشت معه قليلا، وكشفت له عن رغبتي في امتهان هذه الحرفة، فكان يصيخ إلي دون أن ينشغل عن عمله، ولما توقفت عن الكلام، رفع رأسه الذي تعلوه طاقية اسطنبولية حمراء، فأحسست بعينيه تنفذان في كياني تخترقه طولا وعرضا، ثم قال بلهجة آمرة:
- اجلس! وجلست على شبه كرسي، وناولني مطرقة ومسامير وحذاء مفتوحا وقال:
- أغلق الفتحة! كانت تلك، المهمة الأولى التي ولجت بها عالم الإسكافية.
وبعد بضعة أعوام حين شعر بتقدم سنه، ونظاراته الكثيفة، ما عادت تسعفه في شيء، عرض علي المحل، فاشتريته بجملته، وواصلت العمل بمفردي، ولم تمض سوى أيام قلائل حتى بلغت شهرتي الأحياء المجاورة، وازدهر العمل وازدهرت معه المداخيل، فاشتريت المحل المجاور، ووسعت الدكان الذي تحول إلى ورشة بماكنات وعاملين، و...واشتريت بعد ذلك شقة وتزوجت ورزقت ولدا، توفرت له أسباب النجاح، وهو الآن، يكمل دراسته في أمريكا، بل أتمّها وأنا اليوم في طريقي إلى المطار لملاقاته.
أذكر أنه لما تحسنت أحوالي، ذهبت إلى دارنا، فوضعت بين يدي أمي رزمة من المال، كانت كافية لتغيير كل أثاث البيت، وانتظرت منها كلمة ما، فجاءت من فم والدي الذي قال، وهو يخفي غمزه عنها:" هذه الأوراق تفوح منها رائحة الأحذية! ثم رأيتها تبكي، ولا أدري ما إذا كانت دموعها دموعا للندم، على ما بدر منها ذات يوم، أم دموعا للفرحة بنجاحي، لأن النجاح في عرفنا، يتمثل أخيرا، في كسب كثير من المال يبعد شبح الفقر. كل ما أعرفه، أنني أحسست بسهم يخترقني، عندما رأيتها تمسح تلك الدموع المنحدرة غزيرة على خديها، كان موقفا محرجا جدا، أتذكر أنني خرجت وفي اعتقادي أنني نجحت.. ورحت أقول في نفسي:" ها أنا ذا "حاجة" كما أرادت!
ثم انتقل شريط الذكريات بدون سابق إنذار، إلى ابني "قاسم"، فأعاد علي مقطعا من محادثة هاتفية دارت بيني وبينه ذات مرة، قال فيه شيئا لم أعطه كبير أهمية يومئذ، واكتفيت بأن قلت له:
-" إن شاء الله! "، إن شاء الله! قال:
- " إني أعمل على مشروع حذاء مختلف في مادته وشكله عن الحذاء المعروف، الذي أفقدنا المشي الصحيح..." وقال أشياء أخرى كثيرة بحماس، لم أشاركه فيه، كنت أجيبه في قرارتي بقولي:
-" ومن يفهمك يا ولدي؟ ستجد نفسك وحيدا منبوذا مستهجنا، بل أضحوكة.. يسخرون منك ومن مشروعك، الذي سيبدو لهم تافها.. كيف يعقل يا ولدي، أن تصنع حذاء بمواصفات من ابتكارك، وأنت تعلم يقينا ألا أحد يستطيع أن يمشي به في طرقاتنا.. فأنت تطلب المستحيل، والناس الذين فلتت الثقة من أنفسهم، لن يروا مشروعك سوى شطحة من شطحات شاب مغرور، يمسك التكنولوجيا من ذيلها.
ثم ذهب خيالي لأبعد من ذلك، فتخيلته يستبدل الماكنات القديمة، بأخرى جديدة متطورة، وينظم دورات تكوينية للعمال، ويحوّر أساليب التسيير، بحيث وجدتني إزاء هذه الثورة التي أحدثها في الورشة، كالمتفرج منبهرا بما يحدث أمام عيني من أمور ما تعودتها، ولا يمكن لي التأقلم معها بسرعة، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى خرج المولود الجديد إلى السوق، ولكن ... للأسف الشديد.. الحذاء ذو المواصفات التقنية العالية والتكلفة الغالية، لم يجد لا القدم ولا الأرضية المناسبة له، وكأن هذه القدم وتلك الطرقات التي تمشي عليها، لا يليق لها سوى ما تعودت عليه من رديء الأحذية المستوردة من بلاد الصين.
وينقطع شريط الذكريات فجأة، لأجد نفسي جالسا على مقعد بمطار هواري بومدين، ومكبر الصوت يعلن عن وصول الطائرة القادمة من أمريكا، عن طريق باريس، ثم تمضي لحظات، ويلوح هندامه كمن عاد من رحلة صيد، فتوجست خيفة، وهيأت نفسي للأسوأ، فهيئته تلك، ليست بالتي تطمئن القلب المرتجف، وقلت في نفسي:
- "فال الله ولا فالي"! ثم ها هو يتقدم نحوي بخطوات ثابتة، ولكن صفحة وجهه لا تفصح عن شيء، ومع ذلك انقشع ذلك الضباب الذي غشيني للحظات، فالسفر طويل وشاق قلت في نفسي مواسيا، ثم تلاحمت أجسادنا وتعانقنا طويلا، وما إن انفصلنا عن بعضنا حتى ألقى علي بسؤال، أعادني إلى ما كنت عليه قبل حين، بل أدخل الرعب في أحشائي، قال وقسماته قد لبست الجهامة:
- " هل أنت مستعد للمفاجأة؟ ليس من طبعي الخوف من المفاجأت، ولكن.. الله غالب، كان الخوف من غير المنتظر أقوى، فـ"كل شيء ممكن" على حد قول العامة. لم أتصور من المفاجأة غير الأسوأ، كنت خائفا من أن يكون مطرودا، كما كثير من الفاشلين الذين انخرطوا في سلك المحرمات، أو ممن يعيشون على الهامش عالة على الآخرين، ولولا خيط الأمل في معدنه الخالص، لوقعت .. ثم كأني به يرمي جانبا تلك الجهامة، ويلبس وجهه بسمته التي كانت له، ويقول قول الواثق: " لقد طوعت المستحيل.. ومشروع بحثي الذي كلمتك عنه وجد ممولا.." فقلت له:
-أنت اليوم "حاجة" كما كانت تحلم بها جدتك!
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية warda22
warda22
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 05-09-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 11,951

  • وسام مسابقة الخاطرة اللغز 

  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • warda22 has a spectacular aura aboutwarda22 has a spectacular aura about
الصورة الرمزية warda22
warda22
مشرفة سابقة
  • ملف العضو
  • معلومات
aloui
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 03-05-2014
  • المشاركات : 145
  • معدل تقييم المستوى :

    11

  • aloui is on a distinguished road
aloui
عضو فعال
رد: حاجة
08-12-2014, 12:00 PM
شكرا على مروركم الجميل
تحياتي الخالصة
عمر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية دمعة حزين
دمعة حزين
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 21-06-2012
  • المشاركات : 7,945

  • وسام الأشغال اليدوية وسام خاطرة الشهر 

  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • دمعة حزين will become famous soon enough
الصورة الرمزية دمعة حزين
دمعة حزين
شروقي
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 03:50 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى