منام
19-12-2014, 07:45 AM
منام
منذ بدأت اقرأ "منامات" الأستاذ "عمار يزلي"، صرت مثله، تزورني منامات غريبة وعجيبة. زارني ليلة البارحة منام ارتعدت له فرائصي. أردت أن أعرضه على عالم مختص في تفسير الأحلام، فأحجمت عن ذلك، خوفا من احتمال تحققه، بطريقة أو بأخرى، على أرض الواقع.
وجدتني مسافرا دون حقيبة، أسير في طريق ليست ككل الطرق، لا أنا على يابسة ولا على صفحة ماء، مضى علي وأنا في سيري الذي لا يشبه، هو الآخر، السير العادي المعروف، وقت ليس بالقليل، كما تهيأ لي، وكأنني أسير في كل الاتجاهات. ثم بعد ذلك، وجدتني في أرض فسيحة، تجمع فيها خلق كثير، انتظموا في طوابير طويلة غير منتهية. استغربت المنظر، فأردت معرفة الخبر اليقين. سالت أحدهم، فلم يكلف نفسه عناء الالتفات إلي، وكررت سؤالي على آخر وآخر، وتكرر علي نفس التجاهل، فظننت أن الناس في يوم مشهود. كان مشهدا لا يشبه إلا يوم الحشر، كل واحد منشغل بنفسه، لا أحد يلتفت إلى أحد، ولا أحد يكلم آخر، كأنهم مصعوقون، أو منومون مغناطيسيا. أحسست أني مختلف عنهم، أو ليس واحدا مثلهم. كنت حرا طليقا. وخطر ببالي أن أذهب إلى المقدمة، كي أعرف ما هم في انتظاره، فوجدتني في قاعة ضيقة، خالية من الأثاث، إلا من أريكة، يجلس عليها رجل مهيب، يشبه في هيئته قاضيا، وإلى جانبه رجل آخر يقف وقفة حازمة، يقوم مقام الحاجب. وكان الناس يتقدمون أمام هذا القاضي واحدا تلو آخر بخضوع تام، فيسألهم سؤالا واحدا، ثم يختفون..يمسكهم الرجل الحازم من تلابيبهم، ثم يرميهم وراءه في العراء، رمي النواة.
ازداد المشهد غرابة، وازداد تعجبي، فتخطيت الجدار الواهي، فوقعت عيني المسكينة على منظر رهيب، لا يمكن للواقع احتواؤه، منظر مقزز، منظر لا يمكن لغير النائم احتماله، منظر يصدم العين والعقل والقلب. قلت في داخلي: لعله يوم الحساب والعقاب! فهذه الجوارح المقطوعة، التي تسيل منها الدماء دون انقطاع، لا يمكن أن تكون إلا الجزاء الذي حكم به القاضي على ما اقترفوا من مظالم ومنكرات. فحيثما وليت وجهي، قابلني أنف أحدهم، أو لسان، أو عين، أو يد، أو أذن، أو رجل، أو كلها مجتمعة، تتراقص في دمائها على الأرض، وأصحابها كالمجانين، يصيحون ويجرون في كل الاتجاهات، يبحثون عن أعضائهم المفصولة عن أجسادهم. اهتززت مصعوقا، من هول المنظر، واستفقت من غفوتي، فألفيتني في السوق .. والناس من حولي يتساءلون.. وقلت لهم في نفسي، وأنا في الواقع هذه المرة: لو تدرون ما ينتظركم..!
منذ بدأت اقرأ "منامات" الأستاذ "عمار يزلي"، صرت مثله، تزورني منامات غريبة وعجيبة. زارني ليلة البارحة منام ارتعدت له فرائصي. أردت أن أعرضه على عالم مختص في تفسير الأحلام، فأحجمت عن ذلك، خوفا من احتمال تحققه، بطريقة أو بأخرى، على أرض الواقع.
وجدتني مسافرا دون حقيبة، أسير في طريق ليست ككل الطرق، لا أنا على يابسة ولا على صفحة ماء، مضى علي وأنا في سيري الذي لا يشبه، هو الآخر، السير العادي المعروف، وقت ليس بالقليل، كما تهيأ لي، وكأنني أسير في كل الاتجاهات. ثم بعد ذلك، وجدتني في أرض فسيحة، تجمع فيها خلق كثير، انتظموا في طوابير طويلة غير منتهية. استغربت المنظر، فأردت معرفة الخبر اليقين. سالت أحدهم، فلم يكلف نفسه عناء الالتفات إلي، وكررت سؤالي على آخر وآخر، وتكرر علي نفس التجاهل، فظننت أن الناس في يوم مشهود. كان مشهدا لا يشبه إلا يوم الحشر، كل واحد منشغل بنفسه، لا أحد يلتفت إلى أحد، ولا أحد يكلم آخر، كأنهم مصعوقون، أو منومون مغناطيسيا. أحسست أني مختلف عنهم، أو ليس واحدا مثلهم. كنت حرا طليقا. وخطر ببالي أن أذهب إلى المقدمة، كي أعرف ما هم في انتظاره، فوجدتني في قاعة ضيقة، خالية من الأثاث، إلا من أريكة، يجلس عليها رجل مهيب، يشبه في هيئته قاضيا، وإلى جانبه رجل آخر يقف وقفة حازمة، يقوم مقام الحاجب. وكان الناس يتقدمون أمام هذا القاضي واحدا تلو آخر بخضوع تام، فيسألهم سؤالا واحدا، ثم يختفون..يمسكهم الرجل الحازم من تلابيبهم، ثم يرميهم وراءه في العراء، رمي النواة.
ازداد المشهد غرابة، وازداد تعجبي، فتخطيت الجدار الواهي، فوقعت عيني المسكينة على منظر رهيب، لا يمكن للواقع احتواؤه، منظر مقزز، منظر لا يمكن لغير النائم احتماله، منظر يصدم العين والعقل والقلب. قلت في داخلي: لعله يوم الحساب والعقاب! فهذه الجوارح المقطوعة، التي تسيل منها الدماء دون انقطاع، لا يمكن أن تكون إلا الجزاء الذي حكم به القاضي على ما اقترفوا من مظالم ومنكرات. فحيثما وليت وجهي، قابلني أنف أحدهم، أو لسان، أو عين، أو يد، أو أذن، أو رجل، أو كلها مجتمعة، تتراقص في دمائها على الأرض، وأصحابها كالمجانين، يصيحون ويجرون في كل الاتجاهات، يبحثون عن أعضائهم المفصولة عن أجسادهم. اهتززت مصعوقا، من هول المنظر، واستفقت من غفوتي، فألفيتني في السوق .. والناس من حولي يتساءلون.. وقلت لهم في نفسي، وأنا في الواقع هذه المرة: لو تدرون ما ينتظركم..!