رأي الخلف فيما اعتقده السلف .
انتفض علماء الخلف المتأخرين على أسين من أسس السلف [عدالة الصحابة] [والإجماع ] اللذان ترسخا في المعتقد السني منذ القرنيين الثاني والثالث للهجرة ، باعتبارهما وقفا مانعاً أما م التقدم الديموقراطي .
فقد قام كثير من العلماء المتأخرين (كالإمام محمد عبده، ورشيد رضا، وأحمد أمين، ومحمود أبو رية، ومحمد حسين هيكل، ومحمد الغزالي، وحسن الترابي ويوسف القرضاوي وراشدالغنوشي) بإعادة النظر في بعض أحاديث البخاري ومسلم، ولاسيما الأحاديث السياسية التي تشكل قاعدة الفكر السياسي السني، والتي تأمر بطاعة الحاكم الظالم الفاسق، وتحرم الثورة، وتشترط القرشية، وما إلى ذلك،وتحديد معالم "السنة" بما هو صحيح وثابت من الحديث فقط .
رفض محمد عبده العمل بأحاديث الآحاد ،ورفض تلميذه الفقيه المحدث ( محمد رشيد رضا )مساواة السنة بالقرآن، أو هيمنتها عليه، أو إبطال حكم من أحكامه ،أو نقض خبر من أخباره. وأكد:[أن السنة لا تنسخ القرآن، والعمدة في الدين كتاب الله تعالى في المرتبة الأولى والسنة العملية المتفق عليها في المرتبة الثانية، وما ثبت عن النبي، وأحاديث الآحاد فيها رواية ودلالة في الدرجة الثالثة].عن المنار ج12 ص 694) ،
وانتقد الدكتور أحمد أمين في كتابه(فجر الاسلام)قواعد الجرح والتعديل السلفية، التي تقوم على نقد الإسناد ،أكثر مما تقوم على نقد المتن، وأنكر بعض أحاديث البخاري التي تتناقض مع الحوادث الزمنية والمشاهدة والتجربة [فوزي، ابراهيم، تدوين السنة، ص 241]،
رفض أبو رية أصلا مهما من أصول المذهب السني، وهو (عدالة جميع الصحابة) الذي تسبب في تمرير كثير من الأحاديث الضعيفة في المجال السياسي، وقال:[إن عدالة جميع الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة فيما يروون ،وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء . وإن القول بعدالة جميع الصحابة، وتقديس كتب الحديث يرجع إليهما كل ما أصاب الإسلام من طعنات أعدائه، وضيق صدور ذوي الفكر من أوليائه]. وأرجع سبب البلاء الذي أصاب الإسلام الى عدالة الصحابة المطلقة، والثقة العمياء بكتب الحديث التي تجمع بين الغث والسمين] (أبو رية، أضواء على السنة المحمدية،ص 340)
ومثلهم فعل المفكر السوداني( الشيخ حسن الترابي) الذي أشعل ثورة كبرى في مجال نقد [السنة والإجماع]حينما دعا الى تجاوز كل التراث الإسلامي، وعدم التوقف عند تجارب السلف. وأكد على أن التراث الديني هوالقرآن والسنة فقط، وأن كل ما عداهما من كسب المسلمين. وقدم مفهوما جديدا [للسنة النبوية]يختلف تماما عن التصور الأصولي "السني" لها ؛ فلم يعترف مثلا بخبر الآحاد كحجة في الأحكام، وطالب بإعادة النظر جملة في علوم الحديث، وصياغتها مرة أخرى بعد تنقيح مناهج الجرح والتعديل ومعايير التصحيح والتضعيف.. واقترح إعادة تعريف مفهوم الصحابة، ورفض القاعدة "السنية" الأساسية التي تنص على أن كل الصحابة عدول. الترابي، محاضرة تحت عنوان "قضايا فكرية وأصولية". وراجع أيضا:كتاب "نحو وعي إسلامي معاصر".
وتقدم القاضي ياسين خطوة أخرى الى الإمام، على طريق نقده للأحاديث الموروثة، فرفض الاعتراف بعدالة جميع الصحابة، أو إعطائهم حصانة مؤبدة ضد النقد، مهما كان متن الحديث الذي يرووه مخالفا للحقائق الثابتة، ودعا الى دراسة الأحاديث بالنقد والتقييم حتى لو كان رواتها من الصحابة [ياسين، عبد الجواد، السلطة في الإسلام، ص269.] "لأن العصمة لا تكون إلا للوحي...وأن عدالة الصحابة لا تعني القول بعصمتهم كأعيان فردية من الخطأ أو الخطيئة.
وذهب بعض الناقدين للسنة إلى رفضها بالمرة، والاكتفاء بالقرآن، كالشيخ الأزهري سابقا) الدكتور أحمد صبحي منصور)، زعيم تيار القرآنيين الجدد في مصر، الذي نادى بأن يكون القرآن مرجعية حاكمة وحيدة ، وكتب معقبا على قوله تعالى[أفغير الله ابتغي حكما ، وهو الذي أنزل اليكم الكتاب مفصلا]الأنعام 114،إن القرآن هو وحده الذى نحتكم اليه حين نختلف. ورفض اعتبار ما كتبه البخاري وغيره بأنه [السنة النبوية الالهية]أو الإدعاء بأنه وحي من السماء. وشن الدكتور منصور حملة شديدة على المتمسكين بالسنة قائلا:(إنهم يحرفون معاني القرآن ، ليجعلوا طاعة أحاديث البخاري طاعة للرسول).
نسفُ أصل [الإجماع ]من أساسه باعتباره معرقلا ، فقد قال شيخ الأزهر سابقا الشيخ محمود شلتوت (لا أكاد أعرف شيئا اشتهر بين الناس على أنه أصل من أصول الشريعة في الإسلام، ثم تناولته الآراء واختلفت فيه المذاهب كهذا الأصل الذي يسمونه الإجماع)(فوزي، إبراهيم، تدوين السنة، ص 117 (عن الإسلام عقيدة وشريعة).
وقد أطلق الشيخ راشد الغنوشي على [الإجماع]وصف الصواعق التي تهبط كالمصائب على الرؤوس، لدى نقده لموضوع الاستخلاف، الذي لا يوجد عليه أي دليل من الكتاب أو السنة. وقال بمرارة :(إن المسلمين أجمعوا على صحة الاستخلاف أو التوريث.. أي أجمعوا على مصادرة حريتنا وحقنا في أن نختار الخادم الذي نوظفه في خدمتنا والأجير الذي يعمل لنا]الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص 162]
أول من رفض أصل [الإجماع] أو اعتباره مصدرا مستقلا للتشريع، ابن حزم الظاهري ( 384 – 456) الذي دعا في القرن الخامس الهجري الى (طلب الدين من أحكام القرآن، والسنن الثابتة عن رسول الله)،ورفض أن يجتمع علماء المسلمين على حكم لا نص فيه، برأي منهم أو بقياس منهم على منصوص، واعتبر ذلك باطلاً، وتشريعاً في الدين ما لم يأذن به الله تعالى. إذ [لا يمكن البتة أن يكون إجماع من علماء الأمة على غير نص من قرآن أو سنة (ابن حزم ، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، ص 650، 651) "
***أهل السنة نظروا إلى تجربة الصحابة السياسية ومن تبعهم من الأمويين، وكأنها جزء من الدين، بدعوى حصول الإجماع حولهم وحول كل موقف من مواقفهم حتى في العهد والاستخلاف الى الإخوة والأبناء. وجاء علماء الأصول وأهل الحديث لينظّروا إلى مبدأ الإجماع، ويبنوا عليه كثيراً من المسائل الدستورية، ويعطوا الشرعية لكثير من المسائل السلبية الخطيرة ، ويحولوا بالتالي دون عملية التطور والإصلاح. وهكذا ألغوا حق الأمة في التمتع بسلطانها، بتقليص أهل الشورى إلى واحد أو اثنين أو ثلاثة، وإجازة العهد والاستخلاف، وشرعنة التغلب والقهر، وتحريم الثورة والخروج، وإيجاب الخنوع والسكوت والطاعة. وقد أصبح سلاح (الإجماع)وسيلة لقمع الفكر الحر والاجتهاد والتطوير ، وهو ما يفسر حالة الجمود الطويلة والرهيبة التي خيمت على الفكر السياسي السني ومنعته من الانتفاض على نظام [الخلافة] أو تطويره نحو الشورى.
التعديل الأخير تم بواسطة الأمازيغي52 ; 23-08-2012 الساعة 10:05 AM