من وراء المطلق يدلف الضياء على ذلك الأفق الفسيح، حتى يصل بين شقوق الروح، فيتجلى النور لتبصره عين البصيرة، وصوتٌ في أعماق النفس
(( إنها تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))
وهذا أنا وقد مات النأم فيّ وقد انكسر قوسي قبل ولادته .. فرفعتُ يداي ضارعة من هول الفقد، ثم صارت حنجرتي مكتظة فَبُحّ صوتي ، حين ناديته :
رحماك ربي.
ثم قرأتُ في الذكر ..أنه قال: (( إنني معكما اسمع وأرى ))
وماذاك إلاّ تؤيل ذلك على صمتي.
فقلتُ له:
إلهي،
إلهي !إنّ لي ذنوبًا بيني وبينك كالجبال، وذنوبًا ما بيني وبين خلق يا ذو الكمال.
إني ببابك ..اللهم ما كان لك منها فاغفره ثم أمحوه منّي، وما كان منها لخلقك فتحمّله عنّي ، وبفضلك أغثني .
اشتدت فاقتي، ووهنت طاقتي، ولي عندك حاجتي، وإلى ما عندك تاقت رغبتي،
أيا من سناه اختفي وراء حدود البشر** نسيتك يوم الصفا فلا تنساني في الكدر.
إلهي،
إلهي فإن كانت ذنوبي قد أفزعتني من عقابك، فإن حسن الظن قد اطمعني في ثوابك.
آهٍ،
فإن عفوتَ فمن أولى منك بذلك؟ وإن عذّبت فمن أعدل منك هنالك؟
إلهي..
إلهي إن كنتَ لا ترحم إلاّ للمجتهدين، فمن للمقصرين؟!
وإن كنتَ لا تقبل إلاّ للمخلصين، فمن للمخلطين؟!
وإن كنتَ لا تكرم إلاّ المحسنين، فمن للمسيئين
يا من أقررتُ إليه بذنوبي، واعترفتُ بخطيئتي، فلا تجعلني من القانطين..
أ تراني اسمع ذلك الصوت في عالم الملكوت؟
أطمع إلى كلّ ذلك، ومع ذلك أعود لتدارس الضاد، مع أحبتي من العباد.
ذروني أبقى وأياكم مع البلاغة و
"تشريعها" أو كما يقال
"توشيحها".
قال شاعرٌ من الشعراء العرب، يتغني بالأدب:
يسطو بأبيضَ بارقٍ تلقى العدا ** منه الردى كوميضِ برقٍ قد خفق.
يمضي بطرفٍ سابقٍ يُدني المدى ** أنّى غدا شِبهُ الغمامِ إذا انْدفق.
فالبيتان من
الرجز التام.
والذي هو:
مستفْعِلن مستفْعِلن مستفْعِلن** مستفْعِلن مستفْعِلن مستفْعِلن
نقوم بحذف من البيت الأول:
(كوميضِ برقٍ قد خفق )
ونحذف كذلك من البيت الثاني:
(شِبهُ الغمامِ إذا انْدفق)
فيصيرا هكذا:
يسطو بأبيضَ بارقٍ ** تلقى العدا منه الردى
يمضي بطرفٍ سابقٍ ** يُدني المدى أنّى غدا
فيسمى هذا
الرجز المجزوء
مستفْعِلن مستفْعِلن** مستفْعِلن مستفْعِلن
وإن نقوم بحذف من البيت الاول:
(منه الردى)
ومن البيت الثاني نقوم بحذف:
(أنّى غدا)
فيصبح الشعر هكذا:
يسطو بأبيضَ بارقٍ تلقى العدا
يمضي بطرفٍ سابقٍ يُدني المدى.
فيسمى هذا
الرجز المشطور.
مستفْعِلن مستفْعِلن مستفْعِلن
أمّا إذا حذفنا من البيت الاول:
(تلقى العدا)
وحذفنا كذلك من البيت الثاني:
(يُدني المدى)
يصير البيتان هكذا:
يسطو بأبيضَ بارقٍ
يمضي بطرفٍ سابقٍ
فيسمى هذا
الرجز المنهوك.
مستفْعِلن مستفْعِلن
وهذا يعدُّ البراعة في نظم الشعر.
فرغم قمنا بحذف في البيتين، إلاّ أن المعنى والوزن والقافية لم يعتريها الخلل.
ولكم أن تحكموا.