تناقضان :
ا- أنا لا أدري بأي منطق يفكر بعض المتعصبين ؟!. إذا ذكرتَ لهم مثلا بأن بعض العلماء قالوا بجواز السماع إلى الموسيقى بشروط , أو بجواز مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية بغير شهوة , أو بأن إعفاء اللحية مستحب فقط وليس واجبا , أو بأن الاحتفال بالمولد النبوي جائز أو ... قالوا لك " هذه رخص لا يجوز تتبعها , لأن من تتبع السهل عند الفقهاء فاسقٌ كما يقول بن حزم رضي الله عنه "!!!.
ملاحظة : من غرائب المتعصبين أنهم يحملون على بن حزم حملة منكرة لأنه أجاز السماع إلى الموسيقى , ثم يستدلون في الحين بقوله " من تتبع رخص الفقهاء فهو فاسق " !!!. ما هذا التناقض ؟!.
يقولون " من تتبع رخص الفقهاء فهو فاسق " , وينسون بأنهم وإن قالوا ذلك فإن غيرهم من حقه أن يقول لهم " بل العكس هو الصحيح . إن هذه الأقوال – مثل القول بجواز السماع إلى الموسيقى - هي الدين , وإن غيرها من الأقوال هي التشدد المرفوض في ديننا . إن هذه الأقوال هي الدين الإسلامي الحنيف الذي دعا إلى اليسر " يسروا ولا تعسروا " , وإلى التبشير " بشروا ولا تنفروا " , و" ما خُـيِّـر رسولُ الله عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار أيسرَهما " , و" طه , ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " , و " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " , و " ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " , ورحمة الله سبقت غضبه وعفو الله سبق عقوبته و" إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " و... ونحن عندما نأخذ بهذه الأقوال لا نتتبع الرخص في كل مسألة من مسائل الدين , ولكننا بين الحين والآخر نطمئن إلى بعض الأقوال التي فيها تيسير فنأخذ بها لا لأنها سهلة بل لاعتبارات أخرى منها أنها مقنعة أكثر . أنا أعلم يقينا بأن الآخر ( الذي يعتبر السماع إلى الموسيقى حرام ) كذلك لديه ما يقول , وقوله عندي محترم ومقدر وموضوع على رأسي وعيني , ولكن الذي أقوله أنا هنا كذلك معتبر ويجب أن يُحترم . إذن إذا مال هو إلى التشدد فإن له سنده الشرعي , وإذا ملتُ أنا إلى التساهل فلي سندي الشرعي كذلك . ولا يليق أن يتهم أحدُنا الآخر إلا إذا قال الواحد منا " أنا الحق وأنا كل شيء وأنا الدين وأنا الاستقامة وأنا الهدى وأنا ...وغيري الباطل وغيري لا شيء وغيري ليس من الدين في شيء وغيري هو العوج وغيري هو الضلال وغيري ..." , فإنه عندئذ يضع نفسه – شاء أم أبى – في زمرة المتعصبين المتزمتين المتشددين والعياذ بالله تعالى . ومنه فأنا أقول دوما " ما أبعد الفرق بيني وبين المتعصبين " , لأنني أحترم القول الذي يأخذون به مثل القول بحرمة السماع إلى الموسيقى ولا أجرح من قالوا به من العلماء ولا من أخذوا به من عامة الناس , وأما هم فإنهم يأخذون بالقول بالحرمة ويرفضون القول الآخر على اعتبار أنه ليس من الدين في شيئ ويجرحون العلماء الذين قالوا به وكذا عامة الناس الذين أخذوا به . أنا لا أنتقد أبدا أخذَهم بقول من قال بحرمة السماع إلى الموسيقى , وإنما أنا أنتقدُ وأُنكرُ بشدة تعصبَـهم لهذا القول واعتباره هو القول الوحيد وهو القول الحق . هذا هو ما أنكره , لأنه قمة في التشدد والتعصب والتزمت .
نسأل الله لإخواننا سعة الصدر وكذا احترام اختلاف الفقهاء وكذا التشدد فقط في المسائل الأصولية التي لا خلاف فيها والتي هي محل إجماع والتي هي مما هو معلوم من الدين بالضرورة و ...
ب- ومن تناقضات البعض من إخواننا قول الواحد منهم عن بعض المسائل الخلافية التي يريد أن يحولها بالقوة إلى اتفاقية " هذا قول قال به معظم الفقهاء ...", ثم يقول بعد ذلك مباشرة " هذه مسألة فيها قول واحد لا قولان ". وهذا كلام غاية في التناقض , لأنه إن قال بالقول " كذا " المعظمُ فقد قال به الأقل , والمسألة يصبح فيها عندئذ قولان أو أكثر لا قول واحد . هذا مع أن مسألة الأقلية والأكثرية نسبية إلى حد كبير , لأننا – وفي بعض الأحيان – نجد صاحب كل قول في بعض المسائل الخلافية يقول " قولي هو قول الأغلب وقول الجمهور من العلماء " .
يتبع : ...